المجد والحسب
فما أخبَثَ المجد حقًّا وأقْبَحَه، وما أصدق قول يوريبيديس على لسان أندروماخي:
كثيرون هم حقًّا أولئك البشر الذين اكتسبوا شهرةً عظيمةً من خلال الآراء الزائفة للدهماء، وليس أقبح من ذلك، وما أجدر الذين ينالون الثناء بلا استحقاق أن يخجلوا من سماع المديح، وحتى لو كان المديح مستحقًّا فإنه لا يمكن أن يُضِيف أيَّ شيء إلى مشاعر الفيلسوف: لأنه لا يقيس سعادتَه بالشعبية والرواج بل بصوت ضميره الصادق.
فإذا راق المرء أن يكون مشهورًا فمن المتعيَّن أن يستخزي بنفس الدرجة إذا كان مغمورًا، ولكني قلت منذ قليل إن هناك بالضرورة شعوبًا كثيرة لا يمكن أن يسافر إليها صيت رجلٍ واحد، بحيث ترى الرجل مشهورًا هنا بينما أحدٌ لم يسمع به قط في الصُّقع التالي من الأرض؛ لذا أرى أن الشهرة لا تستحق حتى أن تُذكر في هذه القائمة: إن مجيئها اعتباطيٌّ وبقاءها غير مضمون.
أما عن دعوى الحسب والنسب فليس يخفَى على أحدٍ خواؤها وتفاهتُها، فإذا كانت تَصدُر عن الشهرة فهي نبالةٌ مستعارة لا فضل للمرء فيها بل الفضل للآباء والأجداد، وإن فضلَ الغير لا يمكن أن يسبغَ مجدًا على مَن هو عاطلٌ من المجد، وأرى أنه إذا كان ثمة من خيرٍ في الحَسَب فهو هذا، وهذا وحده: أنه يفرض على الحسيب ألا يُقصِّر عن أسلافه في الفَضل.