الدوافع الزائفة إلى السعادة
ما من شك، إذن، أن جميع هذه الطرق إلى السعادة هي تُرَّهاتٌ لن تصلَ بنا إلى الغاية التي وَعَدَتنا بها، وإن الشرور التي تكتنفها لهائلةٌ كما سأبيِّن لك باختصار.
فإذا أردت أن تَذْخر مالًا فإنك، لا بد، مُنْتزِعه من حائزيه.
وإذا أردت أن تتألق في أبهة المنصب فسوف يتعَيَّن عليك أن تنبطح لمن أنعم عليك به: أي أنك إذا أردت أن تَبُزَّ الآخرين في الكرامة سيكون عليك أن تُرخِص نفسك وتهينها بالتَّزَلُّف!
وإذا أردت السلطة فلا بد من أن تُعرِّض نفسك لمؤامرات رعاياك وأن تتجشَّم مخاطر جسيمة.
وإذا استهوتك الشهرة والمجد فسوف تجد نفسك في مسلكٍ وَعْر، تتقاذفُك الدروب وتشتبه عليك المسالك إلى أن تُضنيك الهموم وتمحوك.
وإذا قلت أخُبُّ في الملذات ما حييت فسوف يَلْفِظك الجميع بازدراء، باعتبارك خادمًا لأحقر مولًى، وعبدًا لأهش سيد — الجسد. أو فانظر كم هي تافهةٌ تلك الغاية التي تَهوِي إليها قلوب عبدة الجسد، وكم هي قلقةٌ غير مضمونة، وهل بوسعك أن تفوق الفيل ضخامةً، أو الثور قوةً، أو النمر سرعة؟ انظر إلى قبة السماء وتأمل ثبات بنائها ورشاقة حركتها وكف عن الإعجاب بما لا يستحق الإعجاب، على أنَّ أعجَبَ من السماء العقل الذي يُسيِّر السماء.
وصفوة القول إن هذه الأشياء، التي لا تأتي بالخير الذي وعدت به ولا تبلغ كمال الخير إذا اجتمَعَت، ليست هي الطريق إلى السعادة، ولا يمكنها بذاتها أن تجعل الناس سعداء.
•••