سياسة العرب في عصر الراشدين

من سنة ١١–٤١ﻫ

(١) الجامعة الإسلامية

قد رأيت أن العرب إنما كانوا يتفاضلون بالعصبة ويتفاخرون بالأنساب، فلما جاء الإسلام كان في جملة ما بدله من أحوالهم أنه جمع كلمتهم وصاروا يدًا واحدة على اختلاف أنسابهم ومواطنهم. وبعد أن كان اليمني يفاخر الحجازي، والمضري يفاخر الحميري، ونحو ذلك من مفاخرات القبائل والبطون والأفخاذ، جاء الإسلام فجمعهم تحت راية واحدة باسم واحد هو «الإسلام»، فقال النبي: «المسلمون إخوة»، وقال في خطبة ألقاها يوم فتح مكة: «يا معشر قريش، إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظمها بالآباء، الناس من آدم وآدم من تراب»،١ وقال من خطبة في حجة الوداع: «أيها الناس، إن ربكم واحد وإن أباكم واحد، كلكم لآدم وآدم من تراب، وأكرمكم عند الله أتقاكم، ليس لعربي على عجمي فضل إلا بالتقوى».٢
واقتدى بالنبي خلفاؤه الأولون، لا سيما عمر بن الخطاب، فإن جبلة بن الأيهم ملك غسان بعد أن أسلم، اتفق وهو يطوف بالكعبة أن فزاريًّا وطئ إزاره فانحلَّ، فرفع جبلة يده وهشم الفزاري، فشكاه إلى عمر فأراد أن يهشم أنف جبلة، فقال: «وكيف ذلك يا أمير المؤمنين وهو سوقة وأنا ملك؟» فأجابه عمر: «إن الإسلام جمعك وإياه، فلست تفضله بشيء إلا بالتقى والعافية»، فلم يحتمل جبلة ذلك فعمد إلى الفرار.٣
فيؤخذ من ذلك أن الجامعة الكبرى إنما هي الإسلام، ولكنهم كانوا يجعلون للعرب مزية على سواهم من الأمم؛ لأنهم قوام الإسلام، وأوصى عمر بن الخطاب بأهل البادية خيرًا؛ لأنهم أصل العرب ومادة الإسلام٤ وقال: «إياكم وأخلاق العجم»، والإسلام نهضة عربية جمعت العرب على العجم. وعمر أول خليفة فضل العرب وجعل لهم مزية على سواهم ومنع من سبيهم، ومن أقواله: «قبيح بالعرب أن يملك بعضهم بعضًا، وقد وسع الله — عز وجل — وفتح الأعاجم»، وفدى سبايا العرب من الجاهلية والإسلام إلى أيامه٥ عملًا بالحديث: «لا سبأ في الإسلام».
وكان عمر لا يدع أحدًا من العجم يدخل المدينة٦ وهو الذي قسم خيبر بين المسلمين وأخرج اليهود منها، وقسم وادي القرى وأجلى يهود نجران إلى الكوفة٧ لتخلو جزيرة العرب من غير العرب. وكان كثير العناية بالجامعة العربية يوصي العرب بحفظ أنسابهم لئلا تضيع عصبيتهم، ومن وصاياه: «تعلموا النسب ولا تكونوا كنبط السواد إذا سئل أحدكم عن أصله قال: من قرية كذا …».٨

(٢) الجامعة العربية

ثم إن عمر، مع حرصه على الجامعة العربية واختصاص جزيرة العرب بها، قد حرض العرب المسلمين على سكنى العراق والشام فقال: «ليست الحجاز لكم بدار إلا على النجعة … سيروا في الأرض التي وعدكم الله في الكتاب أن يورثكموها»٩ لعلمه أن في العراق والشام عربًا يتحدون معهم وينصرونهم. وكان عرب العراق ناقمين على الفرس من أيام دولتهم، لما كانوا يسومونهم إياه من الاضطهاد. وكانت ديانة بعض عرب العراق والشام النصرانية، ولكنهم فرحوا بالمسلمين وكانوا ينصرونهم للعصبية العربية وليس للدين. وخصوصًا عرب العراق فإنهم حاربوا مع المسلمين ودلوهم على عورات الفرس — فأبو زبيد الطائي حارب مع المسلمين في واقعة الجسر حتى قتل وهو نصراني، وإنما حارب حمية للعرب. وجاء المسلمين يوم واقعة البويب أنس بن هلال النمري في جمع عظيم من النمر — وهم نصارى — وقالوا: «نقاتل مع قومنا»،١٠ وكذلك فعل جماعة من تغلب وغيرهم حمية للجامعة العربية، بقطع النظر عن الدين.
وكثيرًا ما كان عرب الشام والعراق عونًا للمسلمين في حروبهم، يرشدونهم وينصحونهم ويحملون إليهم أخبار أعدائهم. فلما خرج الوليد بن عقبة غازيًا لقيه الروم فقاتلوه، فجاءه رجل من العرب نصراني وقال له: «إني لست من دينكم ولكنني أنصحكم للنسب، فالقوم مقاتلوكم إلى نصف النهار، فإن رأوكم ضعفاء أفنوكم وإن صبرتم هربوا وتركوكم»١١ وقد نفعته هذه النصيحة.
ولم يكن عمر يجهل تلك الرابطة، فحرض المسلمين على فتح الشام والعراق. ولما رأى ما كان من نصرة عرب العراق لهم عرف فضلهم، فلما هم المسلمون بوضع الجزية على أهل الذمة وفي جملتهم عرب تغلب وإياد والنمر — وهم نصارى — أبى هؤلاء الجزية، وبلغ عمر ذلك فاستشار أصحابه فقال له بعضهم: «إنهم عرب يأنفون من الجزية، وهم قوم لهم نكاية فلا تعن عدوك عليك»، فوافق ذلك ما في نفسه ففرض عليهم الصدقة كما تفرض على المسلمين، ولكنه شرط عليهم أن لا ينصروا أولادهم.١٢
كل ذلك محافظة على الجامعة العربية، وكان يُعدُّ ذلك حقًّا واجبًا. فلما سار الوليد بن عقبة لفتح العراق والجزيرة، انضمت إليه عربها النصارى، إلا قبيلة إياد، فإنهم تحملوا إلى بلاد الروم، فكتب الوليد إلى عمر بذلك، فكتب عمر إلى ملك الروم: «بلغني أن حيًّا من أحياء العرب ترك دارنا وأتى دارك، فوالله لتخرجنه إلينا أو لنخرجن النصارى إليك» فأخرجهم ملك الروم.١٣

(٣) الانسياح في الأرض

فعمر حرض العرب على فتح الشام والعراق توسيعًا للجامعة العربية، والاستعانة بها على الروم والفرس، ولكنه لم يأذن لهم بفتح ما وراءهما إلا في السنة السابعة عشرة أو الثامنة عشرة، وهو ما يعبرون عنه بالانسياح في الأرض. فكانوا يتطلبون الفتح وقد طابت لهم الغنائم واستلذوا النصر، فإذا استأذنوه في فتح بلد مما وراء ذلك لم يأذن لهم، كما وقع لعمر بن العاص لما أراد فتح مصر، وكان قد عرفها من أيام الجاهلية، فلما فتحت الشام والعراق جاء إلى الخليفة عمر ورغَّبه في فتحها وقال له: «إنك إن فتحتها كانت قوة للمسلمين وعونًا لهم، وهي أكثر الأرض أموالًا وأعجز عن القتال والحرب» فلم يجبه عمر، ولما ألح عليه أطاعه وهو يتردد وقال له: «سر … إني مستخير الله في سيرك، وسيأتيك كتابي إن شاء الله تعالى، فإذا أدرك كتابي آمرك فيه بالانصراف عن مصر قبل أن تدخلها أو شيئًا من أرضها فانصرف، وإلا أن دخلتها قبل أن يأتيك كتابي فامض لوجهك واستعن بالله واستنصره». فسار عمرو بجنده مسرعًا خوفًا من أن يأتيه كتاب الخليفة بالرجوع. فوصله كتابه في بلد قرب العريش خارج حدود مصر، فلم يفتح الكتاب حتى نزل العريش وهي من مصر، ففضَّ الكتاب وإذا نصه: «بسم الله الرحمن الرحيم، من الخليفة عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص عليه سلام الله تعالى وبركاته، أما بعد فإن أدركك كتابي هذا وأنت لم تدخل مصر فارجع عنها، وأما إذا أدركك، وقد دخلتها أو شيئًا في أرضها فامضِ واعلم أني ممدُّك»، فمضى حتى فتح مصر.

ولما فتح المسلمون الأهواز قال عمر: «ليت بيننا وبين فارس جبلًا من نار لا يصلون إلينا ولا نصل إليهم». ومن هذا القبيل نهيه المسلمين عن اجتياز البحر. وكان إذا هم المسلمون بالنزول في بلد أو إنشاء معسكر في البلاد المفتوحة أوصاهم أن لا يقيموا في مكان يفصل بينه وبين المدينة (مركز الخلافة) ماء، حتى إذا أراد أن يأتيهم أتاهم على راحلته، مما يدل على رغبته في العصبية العربية على أن يكون مركزها في بلاد العرب. ومع ذلك فلما لم ير بدًّا من الانسياح في الأرض أذِنَ لقواده بالفتح، ولكنه ظلَّ على رأيه في القرشيين على الخصوص، فحصرهم في المدينة ومنعهم من الخروج وقال: «أخوف ما أخاف على هذه الأمة انتشاركم في البلاد»، فإذا جاء الرجل منهم يستأذنه في الغزو أجابه: «قد كان لك في غزوك مع رسول الله ما يبلغك، وخير لك من غزوك اليوم أن لا ترى الدنيا ولا تراك». كان يفعل ذلك بالمهاجرين من قريش فقط، فلما ولي عثمان خلي عنهم، فلحق معظمهم بمعاوية في الشام وانتشروا في البلاد.١٤

فسياسة عمر بن الخطاب في أوائل دولته كانت تقضي ببقاء العرب محصورين في جزيرة العرب وما يليها من الشام والعراق، وأن يختص قريشًا بالإقامة في المدينة؛ لأنها مركز الإسلام وهم أساسه ومنشأه، على أنه لم يستطع وقف تيار الفتح فلم ير بدًّا من الإذن في الانسياح.

فالعصبية التي قام بها الإسلام هي الجامعة العربية؛ ولذلك كان اللفظان مترادفين في ذلك الحين، وخصوصًا عند الأمم التي خضعت لسلطان المسلمين، فكانوا إذا قالوا: «العرب» أرادوا «المسلمين»، وبالعكس. ولفظ «طيبوتا» عند السريان يدل على العرب والمسلمين على السواء، والفرق بين هذه الجامعة قبل الإسلام وبعده أن العرب كانوا في الجاهلية عصبيات عديدة تختلف باختلاف الأنساب، فأصبحوا بالإسلام عصبية واحدة تجمعها كلمة العرب، وتركوا ذكر الآباء والأجداد عملًا بما يقتضيه روح الإسلام. وكانوا في جاهليتهم يتفاضلون بالأنساب، فأصبحوا في الإسلام يتفاضلون بالتقوى والجهاد في سبيل الدين، فنشأت فيهم جامعات إسلامية فرعية لم يكن لها ذكر من قبل.

(٤) طبقات عربية إسلامية

لما قام النبي بالدعوة الإسلامية، احتاج إلى من يسمع دعوته وينصره، فاجتمع حوله جماعة من قبيلته صدقوه ونصروه، وهاجر بعضهم إلى الحبشة وهاجر الآخرون إلى المدينة معه فعُرفوا بالمهاجرين، وهم أقدم الطبقات الإسلامية. ولما جاء المدينة وأقام فيها نصره أهلها وآمنوا بدعوته فسماهم «الأنصار» وهم طبقة أخرى، والطبقتان معًا تسميان «الصحابة» أي: الذين صحبوا النبي أو عرفوه. وتفرع من الصحابة جماعات تعرف كل منها بجامعة خاصة لأحوال خاصة كان لها تأثير في نصرة الإسلام أو نشره. فواقعة بدر كان لها شأن عظيم في تأييد الإسلام، فامتاز الصحابة الذين شهدوها عن سائر المسلمين، ونسبوا إليها فسموا «البدريين» أو «أهل بدر»، وكذلك واقعة القادسية التي كانت عنوان فتح العراق وفارس، فإن الذين شهدوها عرفوا بأهل القادسية. وقد جعل المسلمون لكل من هذه الطبقات أو الجماعات امتيازات خاصة، وفضلوا أهل بدر وأهل القادسية بالعطاء على سائر المسلمين.

ويقال نحو ذلك في من شهد فتح مكة أو سواها من الوقائع الأخرى التي كان لها شأن في الأحزاب الإسلامية، كواقعة الجمل وواقعة صفين، فإن شيعة علي يفضلون من رجالهم الذين شهدوا واقعة الجمل؛ لأنهم انتصروا فيها ويسمونهم «أصحاب الجمل»، وشيعة بني أمية يفضلون «أصحاب صفين» لمثل هذا السبب، وقد زاد معاوية عطاء هؤلاء عن سائر أصحابه.

على أن الصحابة يتفاضلون أيضًا في السبق إلى الهجرة، أو إلى البيعة، ومنهم أصحاب بيعة العقبة وأصحاب الغار. والذين لهم صحبة قبل بيعة الرضوان يفرقون عمن صاحب بعدها، ونحو ذلك مما يطول شرحه. ناهيك بالمناصب التي اقتضتها الأحوال الدينية أو الإدارية، كالحفاظ والقراء والمؤلفة قلوبهم والعمال والقضاة والتابعين وتابعي التابعين وغيرهم.

على أن عصبية النسب لم تذهب بعد الإسلام ذهابًا تامًّا، ولكنها تحولت إلى وجهة دينية، فأصبح أشرف الأنساب عندهم، أقربها إلى قبيلة النبي «قريش» فالنسب القرشي أشرف الأنساب، وللقرشيين التقدم في المناصب والمراتب والعطاء وخصوصًا بعد اشتهار الحديث: «الأئمة من قريش»١٥ فاعتقدوا الفضل للقرشيين على الناس كافة في كل شيء، حتى في أحوال الحياة والولادة فقالوا: «لا تحمل لستين إلا قرشية، ولا تحمل لخمسين إلا عربية»١٦ وإنه لا تكون بنت امرأة قرشية أمة١٧ وأن القرشي لا يتزندق١٨ وأنه لا ينبغي للقرشي أن يستغرق في شيء من العلم غير الأخبار١٩ وظلت الرياسة في قريش لا ينازعهم فيها منازع إلى عهد غير بعيد.

وكان لكل من طبقات الصحابة المهاجرين والأنصار شأن خاص وحزب خاص، ولا سيما في أيام بني أمية، إذ ذهبت دهشة النبوة وعاد الناس إلى عصبية الجاهلية، فاختصم المهاجرون والأنصار وتذكروا ما كان بين العدنانية والقحطانية من التفاخر — والمهاجرون من العدنانية (مضر) والأنصار من القحطانية (الأوس والخزرج) — فعادوا إلى المنافسة وغلب انحياز كل من الطائفتين إلى أحد الأحزاب التي نشأت في ذلك العهد، فكان الأنصار مع علي ومعظم المهاجرين مع معاوية، وعادوا إلى المهاجرة والمفاخرة بالأشعار وغيرها.

وكان الأنصار أهل المدينة من أشجع الناس وهم أهل الشورى، يعقدون الإمامة، وحكمهم جائز على الأمة وهم شيعة علي وسائر أهل البيت. فلما قام معاوية يطلب الخلافة لنفسه كانوا من أقوى مقاوميه، فكان رجاله يكرهونهم ويسعون إلى إذلالهم، وكثيرًا ما كانوا ينكرون عليهم هذا اللقب — يروى أن بعض الأنصار استأذنوا للدخول على معاوية في إبان خلافته، فدخل الحاجب وقال: «هل تأذن للأنصار؟»، وكان عمرو بن العاص حاضرًا فقال: «ما هذا اللقب يا أمير المؤمنين؟ أردد الناس إلى أنسابهم».

(٥) سياسة الخلفاء الراشدين

لم يكن للإسلام في عصر الراشدين دولة سياسية، بل هي خلافة دينية أساس أحكامها التقوى والرفق والعدل، مما لم يسمع بمثله في عصر من العصور. ورجل هذا العصر، بل رجل الإسلام على الإطلاق «عمر بن الخطاب»، فإن ما يروونه من أعماله وأحكامه يندر اجتماعه في البشر، ومناقبه مدونة في الكتب ومشهورة. وأما أبو بكر فلا يقل عظمة عنه، لولا قصر مدة حكمه، ويكفيه من الأثر في الإسلام قتاله أهل الردة؛ إذ رجع بعض الناس عن الإسلام بعد موت النبي، فخاف المسلمون ذهاب دولتهم وهي لا تزال في طفولتها، فشمر أبو بكر عن ساعد الجد وقاتل المرتدين وأيَّد الدين، وكذلك يقال عن علي وعثمان.

(٥-١) أبو بكر

وعصر الراشدين هو في الحقيقة عصر الإسلام الذهبي، ومناقب الخلفاء الراشدين مشهورة بالزهد والتقوى والعدل. فقد أسلم أبو بكر وعنده من ماله أربعون ألفًا، وهي ثروة طائلة يومئذ، أنفقها كلها في سبيل الإسلام مع ما اكتسبه من التجارة. وكان له في خلافته بيت مال ينفق كل ما فيه على المسلمين، ولما مات لم يجدوا فيه غير دينار. وكان منزله في السنح بضواحي المدينة يغدو إليه على رجليه، ويندر أن يركب فرسه. فإذا جاء المدينة صلى في الناس، فإذا جاء العشاء عاد إلى السنح. وكان مع ذلك يغدو كل يوم إلى السوق يبيع ويبتاع، وكانت له قطعة غنم تروح عليه وربما خرج بنفسه فيها. وكان قبل الخلافة يحلب للحي أغنامهم، فلما صار خليفة سمع جارية تقول: «الآن لا يحلب لنا منائح دارنا» فقال: «بلى لعمري لأحلبنها لكم، وإني لأرجو أن لا يغيرني ما دخلت فيه». وبعد خلافته بستة أشهر تحول إلى المدينة وقال: «ما تصلح أمور المسلمين مع التجارة، وما يصلح إلا التفرغ لهم والنظر في شؤونهم». فترك التجارة، فصار ينفق من مال المسلمين ما فرضوه له: ٦٠٠٠ درهم في السنة. فلما حضرته الوفاة وصى بقطعة أرض كانت له، أن تباع ويصرف ثمنها عوض ما أخذه من مال المسلمين.

(٥-٢) عمر بن الخطاب

أما عمر بن الخطاب، ففي أيامه فتحت البلاد وكثرت الغنائم، وانصبت خزائن كسرى وقيصر بين يدي رجاله، ومع ذلك فإنه كان من الزهد والتقشف بما ليس بعده غاية، حتى قيل: إنه كان يقف للخطابة وعليه إزار مرقع بجلد. وإذا أنفق عطاءه واحتاج إلى المال أتى صاحب بيت المال فاستقرضه على أن يؤديه من عطائه. وكان شديد الحرص على أموال المسلمين، لا ينفقها إلا في مصالحهم، ويتولى أمورهم بنفسه دينًا وسياسة، فيسعى في نشر الإسلام، ويعلم العرب قواعد الدين، فيطوف الأسواق ويقرأ القرآن ويحرض الناس على التقوى، وإذا حرضهم على شيء بدأ بنفسه. ووضع على من يشرب الخمر ثمانين ضربة، وكان يبعث أناسًا من القراء يعلمون أهل البادية القرآن، ثم يبعث من يمتحنهم فمن لم يقرأ شيئًا منه عاقبه بالضرب، وربما فرط الضارب حتى يقتل المضروب٢٠ وكان شديدًا على عماله وقواده، يحاسبهم ويدقق في استطلاع أحوالهم، فمن رأى فيه اعوجاجًا قومه، لا يبالي من هو حتى خالد بن الوليد القائد الإسلامي الشهير، فإن عمر نقم عليه لأمر يخالف قواعد التقوى، فاستقدمه إليه ووبخه وهدده كأنه غلام وخالد لا يجيبه٢١ وقد يضرب عامله بالدرة أو يوبخه، وليس فيهم من يرد في وجهه أو يعترضه، وكان شديد العقاب على من يشرب الخمر، أو يطمع في أموال المسلمين. ومع ذلك فقد كان يعامل الناس معاملة الأب لبنيه، فيطعمهم على موائد يجفن لهم فيها عشرة عشرة، وإذا غاب قواده تفقد بيوتهم وتعهد أهلهم بما يحتاجون إليه٢٢ وكان عادلًا في الناس رفيقًا بغير المسلمين. وكانت الدنيا في أيامه مجمعة على الطاعة، والناس يدخلون في الإسلام أو يبقون تحت راية المسلمين عن رضى وراحة، كأنه كان قابضًا على شؤون الدولة وأعنة الحكومة بيد من حديد. فلما قتل تزعزعت أركانها، ونقض كثير من أهل الأمصار وخصوصًا خراسان وسجستان٢٣ وغيرهما من الأطراف البعيدة.

(٥-٣) عثمان بن عفان

وكان عثمان مثل سائر الخلفاء الراشدين، لولا ضعفه واستسلامه إلى بعض ذوي قرابته من بني أمية، حتى نقم عليه سائر المسلمين، وخصوصًا أهل المدينة لأسباب تقدم بيانها وقتلوه، فاتخذ بنو أمية قتله حجة لطلب الخلافة لأنفسهم. على أن عثمان أول خليفة اقتنى المال لنفسه، فقد ذكروا أنه كان عند خازنه ١٥٠٠٠ دينار و١٠٠٠٠٠٠ درهم، وله ضياع بوادي القرى وحنين وغيرهما قيمتها ١٠٠٠٠٠ دينار، فضلًا عما خلفه من الخيل والإبل، وفي أيامه اقتنى الصحابة الضياع وابتنوا الدور واختزنوا الأموال٢٤ وتعودوا الغنى والترف، فلما جاءهم على بعده بما كان عليه عمر من الزهد والتقشف كابروه، وساعدهم على التمنع قيام معاوية وأطماعهم في الأموال، وسيأتي بيان ذلك.

(٥-٤) علي بن أبي طالب

أما علي فحكاياته في الزهد والتقوى كثيرة، وكان شديد التمسك بالإسلام، حر القول والفعل، لا يعرف الدهاء ولا يركن إلى الحيلة في شأن من الشؤون، وإنما همه الدين وعمدته في أعماله الصدق والحق. فمن أمثلة تقشفه وزهده أنه تزوج فاطمة بنت النبي وليس له فراش إلا جلد كبش كانا ينامان عليه بالليل ويعلقان عليه ناضحهما بالنهار، ولم يكن عنده خادم يخدمه. وجاءه مال من أصبهان في أيام خلافته فقسمه على سبعة أسهم، فوجد فيه رغيفًا فقسمه على سبعة، وكان يلبس قطيفة لا تقيه البرد. ورآه بعضهم يحمل تمرًا في ملحفته قد اشتراه بدرهم، فقال له: «يا أمير المؤمنين ألا نحمله عنك؟»، فقال: «أبو العيال أحق بحمله …». ومن أقواله في كيف يجب أن يكون المسلمون قوله: «خمص البطون من الطوي، يبس الشفاه من الظمأ، عمش العيون من البكاء».٢٥ ومن أمثلة عدله أنه رأى درعًا له عند رجل فتقاضيا إلى شريح القاضي. فوقف علي بجانب خصمه احترامًا للعدل. وكان إذا بعث رجاله في حرب أوصاهم أن يرفقوا بالناس وأن يكفوا الأذى عن النساء.
وكان شديدًا في محاسبة رجاله حرصًا على العدل والحق، كما كان يفعل عمر. ولو تولى أمور المسلمين في زمن عمر، والناس في دهشة النبوة وصدق التدين؛ لكان نصيبه من الحكم أطول، ولما بدا في تدبيره ضعف، ولكنه تولاها وقد فسدت النيات، وطمع العمال في الأحكام، وأطمعهم وأدهاهم معاوية بن أبي سفيان، فإنه جمع الرجال حوله بالدهاء والحيلة والبذل، وعلي يضيع الأحزاب بتدقيقه في محاسبة عماله وقوَّاده، والمبالغة في المحافظة على الدين وأسباب التقوى، ففارقه جُلة الصحابة حتى ابن عمه عبد الله بن عباس، وكان عاملًا له على البصرة. فوشى به أبو الأسود الدؤلي إلى علي، فكتب علي إلى ابن عباس بذلك ولم يذكر اسم الواشي، فأجابه: «أما بعد فإن الذي بلغك باطل، وإني لما تحت يدي لضابط وله حافظ، فلا تصدق الظنين والسلام». فكتب إليه علي: «أما بعد فأعلمني ما أخذت من الجزية، ومن أين أخذت، وفيما وضعت». فكتب إليه ابن عباس: «أما بعد فقد فهمت تعظيمك مرزاة ما بلغك، إني رزئته من أهل هذه البلاد، فابعث إلى عملك من أحببت فإني ظاعن عنه والسلام»، واستدعى أخواله من بني هلال بن عامر، فاجتمعت معه قيس كلها، فحمل مالًا وقال: «هذه أرزاقنا اجتمعت»، فتبعه أهل البصرة إلى مكة٢٦ ولم ينتفع علي به ولا بأحزابه فعلي لم يفعل بابن عمه غير ما كان عمر يفعله بعماله، ولكن الأحوال كانت قد تغيرت، وقام معاوية يبتاع الأحزاب بالعطاء ويجتذب القواد بالدهاء.

وزد على ذلك أن رجال عمر كانوا مثله غيرة وحمية. وكانت لا تزال فيهم الأريحية والأنفة وحرية البداوة والوفاء، وجاء الإسلام فكمل الأسباب الباعثة إلى الاتحاد والنهضة والقوة.

على أن سياسة الراشدين على الإجمال ليست مما يلائم طبيعة العمران، أو تقتضيه سياسة الملك، وإنما هي خلافة دينية وفقت إلى رجال يندر اجتماعهم في عصر، وإلى أحوال يكفي منها الجامعة الإسلامية والحمية الدينية والأنفة البدوية والأريحية العربية. فهذه كلها اجتمعت في عصر واحد وتلاءمت فأتت بالعجائب، فانتشر الإسلام وفتح العالم في بضع عشرة سنة كما هو مشهور٢٧ فأهل العلم بطبائع العمران لا يرون هذه السياسة تصلح لتدبير الممالك في غير ذلك العصر العجيب. وإن انقلاب تلك الخلافة الدينية إلى الملك السياسي لم يكن منه بد — سنة الله في خلقه.

(٦) انتشار العرب في الأرض

قد رأيت رغبة عمر بن الخطاب رجل الإسلام في جمع كلمة العرب، وتوثيق عُرى الاتحاد بين قبائلهم وتأكيد العلائق بين منازلهم، فحرضهم على فتح العراق والشام، لعلمه بما هنالك من قبائل العرب. فإذا انضموا إلى عرب الحجاز واليمن زادوا الإسلام قوة. ولكنه منعهم مما وراء ذلك، وأمرهم إذا بنوا بلدًا في دار الفتح أن لا يبنوه في مكان يحول بينه وبين المدينة ماء، خوفًا على الجامعة العربية أن يزداد تباعد أطرافها فتتمزّق، ورغبة منه في استبقاء مركز الخلافة في المدينة دار الهجرة، على أن يستبقي البلاد المفتوحة لاستدرار ما فيها من غلة أو مال لأهل الحجاز؛ ولهذا السبب أيضًا نهى المسلمين عن الزرع وشدَّد في منعهم اعتمادًا على الحديث القائل: «السكة (المحراث) ما دخلت دار قوم إلا دخله الذُّل»٢٨ ولأن الاشتغال بالزرع يشغلهم عن الحرب، وهو يريد أن يقيمهم حامية لجمع الخراج والجزية واستبقاء السلطة، ولم تكن المدن التي بنوها في صدر الإسلام كالبصرة والكوفة والفسطاط إلا حصونًا أو معسكرات، ينزل فيها جند العرب نزول الحامية أو جيش الاحتلال؛٢٩ ولهذا السبب أيضًا أخرج غير المسلمين من جريرة العرب عملًا بوصية النبي «أن لا يترك في جزيرة العرب دينان»،٣٠ وأن لا يأتي الحج أحد من المشركين٣١ فأخرجهم وتخلص من خطرهم، إذ لو بقوا هناك على غير دين الإسلام لأقلقوا الراحة، وربما كانوا عونًا لغير المسلمين كما كان نصارى الشام والعراق ينصرون الروم بعد ذلك، كما سترى.
فكانت السياسة في صدر الإسلام أن يبقى المسلمون في بلاد العرب وضواحيها، وكان القواد الذي فتحوا الشام والعراق قد ذاقوا لذة الفتح مع سهولته عليهم، فلم يكفوا عن عمر حتى أذن لهم بفتح ما وراءه ذلك كما تقدم، فكان عمر وهو في المدينة قابضًا على أطراف الدولة يشدها نحوه، ورجاله يحاولون الذهاب بها شرقًا وغربًا، حتى اضطر أخيرًا إلى مجاراتهم وأذن بانسياحهم في الأرض، فتفرق العرب وفتحوا مصر وفارس وأفريقية وغيرها. ولما تولى عثمان أطلق العنان لقريش أن يخرجوا من المدينة، فخرجوا وتفرق العرب في الأرض وانتشروا في مصر والشام والعراق وفارس وما وراءها، وعددهم يومئذ لا يزيد على ٢٠٠٠٠٠ نفس٣٢ وهم جند المسلمين وعليهم حماية مملكتهم الجديدة واستغلالها، وسكانها يزيدون على مئة مليون ودولة الروم واقفة لهم بالمرصاد.

(٦-١) الاستكثار بالتناسل

كانت العرب في الجاهلية قليلة العدد بالقياس على ما صارت إليه بعد الإسلام. ذكروا أن أكبر جيش اجتمع في الجاهلية لم يزد عدد رجاله على ثمانية آلاف رجل، وهو جيش يوم الصفقة٣٣ والذين تجندوا للإسلام وقاموا بنصرته كانوا في صدر الإسلام قليلين كما رأيت، ومملكتهم الواسعة تحتاج إلى رجال، فعمدوا إلى الاستكثار بالتناسل، وهو من قواعد العصبية العربية من أيام الجاهلية. فإن عبد المطلب جد النبي، لما ظهرت قريش عليه، نذر لله إذا رزقه عشرة من الولدان يبلغون أن يمنعوه ويذودوا عنه، أن ينحر أحدهم قربانًا لله، فجاءه عشرة أولاد فاشتد أزره بهم.
فالمسلمون لما رأوا قلة عددهم، وما وقع في أيديهم من السبايا الروميات والفارسيات والقبطيات، استكثروا من أمهات الأولاد، فضلًا عن الزوجات، فكثر نسلهم — والترف يزيد الدولة في أولها قوة بكثرة النسل — وتسابقوا إلى إحراز الجواري، حتى إن بعضهم أحصن ثمانين امرأة معًا، كالمغيرة بن شعبة فقد جمع في منزله أربع نسوة و٧٦ أمة٣٤ فلا غرابة إذا وُلد لأحدهم خمسون ولدًا أو مئة ولد أو أكثر. ذكروا أنه وقع للأرض من صلب المهلب ٣٠٠ ولد٣٥ وخلف عبد الرحمن بن الحكم الأموي ١٥٠ ذكرًا و٥٠ أنثى٣٦ وخلف تميم بن المعز الفاطمي أكثر من مئة ذكر و٦٠ أنثى٣٧ وكان لعمر بن الوليد تسعون ولدًا منهم ستون يركبون الخيل٣٨ وولد لابن سيرين ٣٠ ولدًا من امرأة و١١ بنتًا٣٩ وقس على ذلك مما يطول شرحه، وفي التاريخ أدلة كثيرة على قيام الدولة بعصبية الملك من الأولاد والإخوة والأعمام، كالعباسيين والأيوبيين وغيرهم.

(٦-٢) انتشار العرب بالفتح

كان العرب في الجاهلية محصورين في جزيرة العرب وما يجاورها من جزيرة العراق وضواحي الشام. فلما ظهر الإسلام اجتمعت كلمة العرب على نصرته، ونهضوا للفتح وأوغلوا في البلاد وفتحوا الأمصار، ولم يكن زجر عمر ليوقف تيارهم فانساحوا في الأرض، حتى نصبوا أعلامهم على ضفاف نهر الكنج شرقًا وشواطئ المحيط الأطلسي غربًا، وضفاف نهر لوار شمالًا وأواسط أفريقيا جنوبًا، وملأوا الأرض فتحًا ونصرًا، واحتلوا مدائن كسرى وقيصر، وأقاموا في المدن وركنوا إلى الحضارة وتعودوا الترف، واختلطت أنسابهم بتوالي الأجيال وضعفت عصبيتهم فضاعت سلطتهم. والقبائل التي قامت بنصرة الإسلام ونشره قبائل مضر وأنصارها من العدنانية والقحطانية، وإليك أسماء القبائل التي مهدت قواعد الدولة الإسلامية ونشرت الدين الإسلامي بالفتح من أول الإسلام:

من العدنانية من القحطانية
مضر ربيعة كهلان حمير
قريش تغلب بن وائل الأوس والخزرج قضاعة وبطونها
كنانة بكر بن وائل غسان كلب
خزاعة شكر الأزد سليح
أسد حنيفة همدان تنوخ
هذيل عجل خثعم بهراء
تميم ذهل مذحج عذرة وغيرها
غطفان شيبان مراد
سليم تيم الله زبيد والنخع
هوازن النمر بن قاسط وغيرها الأشعريون
ثقيف لخم وكندة
سعد بن بكر وعامر ابن صعصعة

على أن هذه القبائل لم تكن في أوائل الفتح تنزل القرى وتختلط بالناس، بل كانت رابطة ثم اختلطوا وتفرقوا في الأرض، وأنفقتهم الدولة الإسلامية العربية، فنبا منهم الثغور القصية وأكلتهم الأقطار المتباعدة، واستلحمتهم الوقائع وضاعت أسبابهم بتوالي الأجيال حتى خرجت الدولة من أيديهم.

(٦-٣) انتشار العرب بالمهاجرة

على أن انتشار العرب في الأرض لم يكن بالفتح فقط، ولكنهم تفرقوا أيضًا بالمهاجرة بأهلهم وخيامهم وأنعامهم، التماسًا لسعة العيش في البلاد العامرة من مملكتهم الجديدة. فقد جلت بطون من خزاعة إلى مصر والشام في صدر الإسلام؛ لأن أرضهم أجدبت فمشوا يطلبون الغيث والمرعى٤٠ وكذلك كانت تفعل العرب كلما أصابها جدب، حتى كانت لهم أعوام خاصة يجلون فيها إلى مصر والشام، يسمونها أعوام الجلاء٤١ وكانوا يفعلون ذلك قبل الإسلام: إذا أجدبت أرضهم يمموا العراق وفارس، فيعطيهم الفرس التمر والشعير، ولكنهم كانوا لا يقيمون هناك بل يرجعون إلى بلادهم٤٢ خوفًا من الذل في سلطان دولة أعجمية. أما بعد الإسلام فكان المقام يطيب لهم في بلاد فتحها آباؤهم أو أعمامهم أو أخوالهم، وغرسوا عليها أعلامهم وجعلوها فيئًا لهم.
على أن الغالب في نزوح العرب عن أحيائهم وانتجاعهم المدن أو أكنافها، أن يكون بإيعاز بعض الخلفاء أو الأمراء، وخصوصًا بعد رجوع العرب إلى عصبية النسب بين قحطان وعدنان، أو مضر وقيس في عهد الدولة الأموية. فكان الأمير أو الخليفة إذا تولَّى بلدًا وخاف على سلطانه من أمير آخر ذي عصبية أخرى، استقدم جماعة من قبيلته، أو من ينتمي إليها بالحلف ونحوه، يُسكنهم في ضواحي بلده لاستنصارهم عند الحاجة، فيطلق لهم المرعى ويفرض لهم العطاء، كما حدث في ولاية الوليد بن رفاعة على مصر في خلافة هشام بن عبد الملك الأموي، وكان هشام يقرب قبيلة قيس (العدنانية)؛ لأنهم نصروه وأيَّدوا خلافته، ولم يكن منهم في مصر إلا بعض البطون، وقيس قبيلة كبيرة تحتها عدة قبائل وبطون وأفخاذ، وأول من نبَّه هشام إلى نقلهم عبيد الله بن الحبحاب، فإنه وفد عليه فسأله أن ينقل إلى مصر منهم أبياتًا، فأذن له في إلحاق ثلاثة آلاف منهم وتحويل ديوانهم إلى مصر، أي: أن يقبضوا رواتبهم من حكومة مصر، على أن لا ينزلهم في الفسطاط، فأنزلهم في الحوف الشرقي (الشرقية والدقهلية) ولا سيما في بلبيس وأمرهم بالزرع،٤٣ ثم تقاطروا بعد ذلك وتكاثروا فيها.

(٦-٤) بنو سليم وبنو هلال

وقد يكون الباعث على استقدامهم وإقرارهم رغبة الأمير أو الخليفة في التخلص من شرهم، كما فعل العزيز بالله الفاطمي ببني سليم وبني هلال، وهما بطنان من مضر، كان رجالهما إلى زمن العزيز المذكور في القرن الرابع للهجرة لا يزالون أحياء ناجعة أهل بادية، محلاتهم وراء الحجاز مما يلي نجد: بنو سليم من جهة المدينة، وبنو هلال من جبل غزوان عند الطائف فكانوا يطوفون رحلة الصيف والشتاء أطراف العراق والشام، فيغيرون على الضواحي ويفسدون السابلة، وربما أغار بنو سليم على الحاج أيام الموسم بمكة وأيام الزيارة بالمدينة. ثم ظهر القرامطة فتحيز بنو سليم لهم، وعاثوا في البلاد، وقد عجز الخلفاء العباسيون عن قمعهم. فلما أفضت خلافة مصر إلى العزيز بالله الفاطمي، كان القرامطة قد تغلبوا على الشام، فانتزعها العزيز منهم وردهم إلى قراهم في البحرين، ونقل أشياعهم من بني هلال وسليم وأنزلهم بالصعيد، في العدوة الشرقية من نهر النيل، فأقاموا هناك. وكان لهم أضرار في البلاد، والخلفاء يدارونهم ويبحثون عن وسيلة يتخلصون بها منهم. فاتفق بعد سنين أن المعز بن زيري عامل الفاطميين في أفريقية، شق عصا الطاعة وبايع للدولة العباسية، وقطع اسم الخليفة الفاطمي من الخطبة والطراز والرايات، فعظم الأمر على الخليفة بالقاهرة، وهو يومئذ المستنصر بالله، فأشار عليه وزيره أبو محمد الحسن بن علي اليازوري، أن يقرب إليه أحياء هلال وسليم المذكورين، ويصطنع مشايخهم ويوليهم أعمال أفريقية، ويرسلهم لاستلام أمورها، فإذا فازوا كانت إحدى الحُسنيين، وإلا فإنه يتخلص من شرهم. فبعث الخليفة وزيره إلى هذه الأحياء سنة ٤٤١ﻫ وحرَّضهم على الذهاب إلى المغرب وتملكه، ففرحوا وأجازوا النيل وساروا برًّا إلى برقة ففتوحها. ثم تبعهم غيرهم من بطون دياب وزغب طمعًا في الكسب، وأصبحت أفريقية مقر هذه القبائل من ذلك الحين، فاقتسموا البلاد فيما بينهم.٤٤
وقس على ذلك ما كان من انتقال العرب المسلمين إلى الأندلس بعد إتمام فتحها، إذ صرف عرب الشام وغيرهم الهمم إلى الحلول بها لخصبها وطيب هوائها، فنزل بها من أصول العرب وساداتهم جماعة أورثوها أعقابهم، وفيهم قبائل من العدنانية والقحطانية٤٥ وكل قبيلة كانت تنزل البلد الذي يشبه بلدها بإقليمه ومرعاه. ناهيك بما كان يتنقل من القبائل أو البطون في أثناء الحروب في عصر الأمويين للنجدة أو نحوها.

(٧) العبيد والموالي في الإسلام

للعبيد والموالي شأن كبير في الدولة الإسلامية، وقد أثروا في سياستها وجندها وفي سائر أحوالها من العلم والأدب والفقه، فلا غرو إذا أفردنا الكلام عنهم فصولًا خاصة.

(٧-١) الرق في الإسلام

قلنا: إن الاسترقاق عند العرب الجاهلية كان أكثره بالأسر أو الشراء، وأما في الإسلام فأكثر الاسترقاق بالأسر، وخصوصًا في أثناء الفتوح لكثرة من كان يقع في أيديهم من الأسرى. فإذا غلبوا جندًا أو فتحوا بلدًا، أسروا رجاله وسبوا نساءه وأطفاله، واقتسموا الأسرى والسبايا والغنائم، وهي كثيرة ربما زاد عدد الأسرى في المعركة الواحدة على عشرات الألوف، فيختمون أعناقهم ويقسمونهم على الأسهم، وقد يصيب الفارس من العرب مائة أسير ومائة جارية في واقعة واحدة، فيجتمع عند بعضهم بتوالي الأيام ألف عبد أو أكثر٤٦ وهم عند الأمراء أكثر مما عند غيرهم، وقد تزايدوا على الخصوص بعد عصر الراشدين. على أن الخليفة عثمان كان عنده ألف عبد.٤٧
والغالب في الأسرى إذا كانوا كثارًا أن يباعوا بالجملة قبل تفريق الأسهم، فينادون على الأسير بمائة درهم وأقل أو أكثر، وربما اقتضى لبيع أسرى معركة واحدة عدة أشهر. ومن أكثر الفتوح أسرى وغنائم فتوح الأندلس، فقد ذكروا أنهم ظلوا يبيعون الأسرى والغنائم بعد معركة هناك ستة أشهر٤٨ وتكاثرت الأسرى على المسلمين بعد واقعة عمورية، حتى نادوا على الرقيق خمسة خمسة وعشرة عشرة للسرعة٤٩ وكثرت الأسرى والغنائم عليهم في واقعة الأرك بالأندلس، حتى بيع الأسير بدرهم والسيف بنصف درهم.٥٠
على أنهم كانوا يعدُّون البلد المفتوح عنوةً ملكًا للفاتحين، بما فيه من الناس والدواب والبساتين والأنهار والأشجار، وقد تمسك بنو أمية بذلك وبالغوا فيه، كقول سعيد بن العاص: «السواد بستان قريش»، وقول عمرو بن العاص لصاحب خربتا: «إن مصر فُتحت عنوة وأهلها عبيدنا ندير عليهم كيف شئنا».٥١

والغالب في عامة الجند من المسلمين أن يبيعوا أسراهم ويحرزوا أثمانهم، لعجزهم عن القيام بمعاشهم، فلم يكن يستبقي الأسرى في حوزته عبيدًا إلا الأمراء، حتى يفتديهم أهلهم أو يعتقهم هو لسبب من الأسباب.

ومن مصادر الرقيق في الإسلام — غير الأسر — أن بعض العمال، وخصوصًا في أفريقية وتركستان ومصر، كانوا يؤدون بعض خراج أعمالهم من الرقيق٥٢ وكان بعض أهل الذمة من البربر ونحوهم يقدمون بدل الجزية رقيقًا من أولادهم٥٣ غير ما كان يقع في أيدي المسلمين من الرقيق الأصلي في جملة الغنائم.
أما أحكام الأسرى في الإسلام فالخليفة (أو من يقوم مقامه) مخير بين أربعة أشياء: إما القتل، وإما الاسترقاق، وإما الفداء بمال أو أسرى، وإما المن عليهم بغير فداء، فإن أسلموا سقط القتل وكان الخليفة على خياره في أحد الثلاثة الباقية،٥٤ فكانوا يتصرفون في ذلك على ما تقتضيه الأحوال.
ومن ملك رقيقًا بالأسر أو الشراء أو غير ذلك كان مخيرًا في استبقائه أو بيعه أو المن عليه بالعتق، ومن أعتق عبدًا صار مولاه. وللعتق أسباب كثيرة، أهمها في الإسلام إظهار التقوى أو الغيرة على الدين، فإذا أسلم العبد وأظهر التقوى أطلقه سيده، فقد أعتق عبد الله بن عمر بن الخطاب على هذه الصورة ألف عبد٥٥ وأعتق محمد بن سيلمان ٧٠٠٠٠ مملوك ومملوكة، وقد يعتقونهم فداءً عن يمين، أو وفاءً لنذر، أو التماسًا للثواب، أو شكرًا لله على نعمه، أو نحو ذلك. وكان بعض أهل الورع يبتاعون العبيد ويعتقونهم ابتغاء مرضاة الله. وأقسم عمر بن أبي ربيعة لما أسن أن لا يقول بيت شعر إلا أعتق رقبة، وقد نظم وبرَّ بقسمه غير مرة،٥٦ وكانوا يعتقون العبيد ترغيبًا لهم في الجهاد، كما فعل الجنيد بن عبد الرحمن المري صاحب خراسان بهشام بن عبد الملك في واقعة الشعب، لما احتدم الوطيس وخاف الجنيد الفشل، فصاح في العبيد: «أي عبد قاتل فهو حر»، فقاتل العبيد قتالًا أُعجب منه الناس وانهزم الأعداء،٥٧ وكثيرًا ما كانوا يرغِّبون العبيد في نصرة الإسلام وهم عند أعدائهم بأن يعدوهم بالعتق، كما فعل النبي يوم حصار الطائف، إذ قال: «كل عبد نزل إلي فهو حر»،٥٨ وكما فعل المسلمون في بعض البلاد التي فتحوها، فكانوا يعدون عبيدها بالعتق إذا أسلموا، فيدخل بعضهم في الإسلام على نية أن يرجعوا عنه بعد ذهاب الحرب، ولكنهم لما أرادوا ذلك عدهم المسلمون مرتدين فحل حربهم.
على أن الإسلام جاء رحمةً للأرقاء، فأوصى النبي بهم خيرًا بقوله: «لا تحملوا العبيد ما لا يطيقون، وأطعموهم مما تأكلون»٥٩ وقال: «لا يقل أحدكم: عبدي وأمتي، وليقل: فتاي وفتاتي».
وفي القرآن الكريم: وَاعْبُدُوا اللهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۗ إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا. والإسلام من الجهة الأخرى يحرض العبد على التقوى وحسن العبادة٦٠ وقد اختص العرب المسلمين بالنجاة من الرِّق والسَّبي بقول الأئمة: «لا سبأ في الإسلام، ولا رق على عربي في الإسلام». ومن أحكام العبيد عندهم أن يُعاملوا معاملة نصف الحر، فالعبد إذا أذنب ضرب نصف ما يضرب الحر٦١ وإذا أحسن كانت جائزته لمولاه، والأسرى الذين يقعون في أيدي العرب بالفتوح من أهل البلاد المفتوحة فيهم النصراني واليهودي والمجوسي والصابي والسامري وغيرهم، فهؤلاء إما أن يفتديهم أهلهم، أو يبيعهم المسلمون لبعض تجار الرقيق، أو يستبقوهم في خدمتهم لقضاء حاجات المنازل، أو رعاية الإبل أو الماشية، أو لبري القسي ورمي النبل أو جمع النبال المتساقطة وقت القتال، أو لرواية الشعر أو حفظ القرآن أو الحديث أو غير ذلك. فكانت قيمة العبد تختلف باختلاف نوع صناعته، فالعبد الذي لا يعرف صناعة يساوي مائة دينار، فإذا كان راعيًا للإبل يحسن القيام بها يقدرون قيمته ﺑ ٢٠٠ دينار، فإذا كان عارفًا بصناعة النبل والقسي يباع بأربعمائة دينار، فإذا كان يحسن رواية الشعر صارت قيمته ٦٠٠ دينار. تلك أثمان العبيد في أواسط دولة بني أمية.٦٢

وأما القن فهو العبد الذي يشتغل في الأرض، وهو خاص بالقرى، ويسمى المزارع المقيم «فلاحًا فرارًا»، فإذا أقطعت أرضه، أو بيعت لأحد، أو دخلت في ملك أحد بالفتح أو غيره، كان الفلاح تبعًا لها وصار «عبدًا قنا»، إلا أنه لا يرجو أن يباع أو يعتق، ولا يستطيع مولاه ذلك لو أراد، بل هو قنٌّ ما بقي حيًّا، وكذلك أولاده بعده، فإنهم يكونون عبيدًا لمالك الأرض أو مقتطعها، وقد أشرنا إليه في كلامنا عن العبيد في الجاهلية.

(٧-٢) الموالي في الإسلام

والباقون في الأسر إذا اعتنقوا الإسلام نجوا من الرِّق غالبًا، إذ يغلب أن يعتقوهم مكافأة لهم، ومن أعتق منهم صار مولى؛ ولذلك كان الموالي من المسلمين غير العرب، استنكافًا من استرقاق المسلم، ثم أطلقه بنو أمية على كل مسلم غير عربي، فإذا قالوا: «الموالي» أرادوا المسلمين من الفرس وغيرهم الذين كانوا مجوسًا أو ذميين واعتنقوا الإسلام، أو كانوا ممن لازم العرب أو التجأوا إليهم، ويسمونهم «الحمراء» فإذا قالوا: «الحمراء» أرادوا الموالي. والحمراء في القاموس العجم، وهم كل من سوى العرب.

وأصبح الموالي في الإسلام طبقة خاصة من طبقات الهيئة الاجتماعية، كان لها شأن عظيم في تاريخ الإسلام، ويمكن اعتبارهم من قبيل العصبية العربية، لقول النبي : «مولى القوم منهم»٦٣ وقوله: «من ادَّعى إلى غير أبيه أو تولى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين»٦٤ وأهل الرجل عند العرب الموالي والذراري. ويثق الرجل بمولاه كما يثق بابنه؛ لأنه لم يعتقه إلا حبًّّا فيه، والموالي يعد عتقه منة لمولاه عليه، فيترك نسبه إلى أهله وينتسب إلى مولاه، فيقال: فلان مولى فلان ولا يقال: ابن فلان. أو ينتسب إلى قبيلته فيقال مثلًا: ابن سريج مولى بني نوفل، ومحرز مولى عبد الدار، وحكم الوادي مولى الوليد بن عبد الملك، وابن عياد مولى بني مخزوم، وقس عليه؛ ولذلك كانت رابطة المولى بمولاه وثيقة، وخصوصًا من يعيش من الموالي في بيت مواليهم، ولكن الغالب أن يخرجوا لعمل يعملونه، حتى إذا انتشبت حرب اجتمعوا تحت لوائهم.
وللموالي فضل كبير في الإسلام؛ لأن معظم الحفاظ وأهل التفسير واللغة والشعر وسائر العلماء وأكثر التابعين منهم، لاشتغال العرب عن هذه العلوم بالسياسة والسيادة والتنازع على السلطة٦٥ ومعظم الموالي الذين خدموا العرب في صدر الإسلام من بقايا الفيء والغنائم في فارس وغيرها. وأكثرهم كانوا غلمانًا في جملة السبي، فربوا في الإسلام ونبغوا فيه أو نبغ أولادهم — منهم أربعون غلامًا كانوا يتعلمون الإنجيل في عين التمر لما فتحها خالد بن الوليد، فغنمهم وبعثهم إلى أبي بكر بالمدينة ففرقهم في أهل البلاد من جملة الغنائم، فاعتنقوا الإسلام وأعتقهم مواليهم فنبغ من أولادهم جماعة كانوا عونًا كبيرًا للمسلمين في السياسة والحرب والعلم والدين، منهم موسى بن نصير فاتح المغرب والأندلس فإن أباه منهم، وحمران مولى عثمان بن عفان٦٦ وأيضًا محمد بن إسحق صاحب المغازي والسير، فإن جده يسار منهم٦٧ وقس على ذلك سائر مشاهير الموالي الذين أصلهم من السبي في أثناء الفتح أو بعده.
فأبو صفر من سبى دبا في أيام أبي بكر، وحماد الراوية أصل أبيه ديلمي من سبي مكنف بن زيد الخيل٦٨ وسائب خاثر أصله من فيء كسرى، ومروان بن أبي حفصة الشاعر الشهير أصله يهودي من سبي اصطخر٦٩ والهروي اللغوي المشهور أسير وقع في سهم عرب نشأوا في البادية٧٠ وابن الأعرابي سندي الأصل، وأبو دلامة كوفي أسود كان عبدًا لرجل من بني أسد فأعتقه٧١ وقل نحو ذلك عن سائر حملة العلم في الإسلام.
وقد يكون المولى من أصل رفيع واسترقه الأسر ولم يتوفق له الفداء، فإن بعض موالي المنصور من أولاد المرازبة٧٢ وأبو علي بن بذيمة الذي يروى عنه، وأبو زهير جد المطلب بن زياد أصلهما من أبناء الأكاسرة، وقعا في الأسر يوم المدائن فأهداهما سعد الفاتح إلى سمرة بن جنادة الصاحبي فأعتقهما ابنه جابر.٧٣ وانتقى أبو موسى الأشعري ستين غلامًا من أولاد الدهاقين من سبي بيروذ بفارس، وفرق بعضهم في المسلمين، غير الذين افتداهم أهلهم.٧٤
وكان للخلفاء والأمراء ثقة كبرى بمواليهم، يعهدون إليهم بكل شؤونهم، فأكثر حجاب الخلفاء الراشدين من مواليهم، لا فرق في أن يكون أصلهم فارسيًّا أو ديلميًّا أو حبشيًّا أو روميًّا، فموالي أبو بكر أولهم بلال بن رباح كان عبدًا حبشيًّا لرجل من مكة، اشتراه أبو بكر بخمس أواق وأعتقه. وهو أول من أذن في المدينة، وكان له مقام رفيع في الإسلام، وكذلك عامر بن فهيرة، وأبو نافع ومرة بن أبي عثمان وغيرهم٧٥ وقس على ذلك موالي عمر وعثمان وعلي وغيرهم من الخلفاء وكبار الصحابة. وكلهم يستهلكون في سبيل مواليهم؛ لاعتقادهم الفضل لهم عليهم، وفي التاريخ شواهد كثيرة من هذا القبيل على اختلاف الأعصر — من ذلك أن محمد بن يزيد المهلبي، لما نشبت الفتنة بين الأمين والمأمون، كان هو من حزب الأمين، وأراد أن يحفظ له الأهواز من أصحاب طاهر بن الحسين قائد جند المأمون فباغته طاهر بجنده قبل أن يتحصن وضايقه، فالتفت المهلبي المذكور إلى مواليه وقال لهم: «ما رأيكم؟ إني أرى من معي قد انهزم، ولست آمن خذلانهم ولا أرجو رجعتهم، وقد عزمت على النزول والقتال بنفسي حتى يقضي الله بما أحب، فمن أراد الانصراف فلينصرف، فوالله لأن تبقوا أحب إليَّ من أن تموتوا». فقالوا: «والله ما أنصفناك إذن … تكون قد أعتقتنا من الرق، ورفعتنا من الضعة، وأغنيتنا بعد القلة، ثم نخذلك على هذا الحال؟ فلعن الله الدنيا والعيش بعدك؟». ثم نزلوا فعرقبوا دوابهم واستقتلوا بين يديه.٧٦
على أن المولى لا يزال أحط مقامًا من العربي. وكان الموالي في صدر الإسلام يتولون كثيرًا من مصالح الدولة التي تفتقر إلى أمانة وثقة، فضلًا عن العلم والدين. ولهم الرواتب السنية٧٧ لكنهم كانوا محرومين من المناصب الرفيعة التي تحتاج إلى شرف وعصبية، كالقضاء مثلًا، فإنهم كانوا يعدونه فوق مرتبتهم، فإن عمر بن عبد العزيز لما أراد أن يولي مكحولًا القضاء أبى وقال: «قال النبي: لا يقضي بين الناس إلا ذو الشرف في قومه، وأنا مولى».٧٨
١  ابن هشام ٢١٩ ج٢.
٢  البيان والتبيين للجاحظ ١٦٤ ج١.
٣  الأغاني ٤ ج١٤.
٤  ابن الأثير ٢٥ ج٣.
٥  ابن الأثير ١٨٦ ج٢.
٦  المسعودي ٢٩ ج١.
٧  ابن الأثير ٢٨٠ ج٢.
٨  ابن خلدون ١٠٩ ج١.
٩  ابن خلدون ١٢٢ ج١.
١٠  ابن الأثير ٢١٥ ج٢.
١١  الأغاني ١٨٧ ج٤.
١٢  المعارف ١٩٣.
١٣  ابن الأثير ٢٦٢ ج٢.
١٤  ابن الأثير ٩٠ ج٣.
١٥  العقد الفريد ٤٠ ج٢.
١٦  الأغاني ٨٨ ج١٥.
١٧  الأغاني ١١٠ ج١٤.
١٨  الأغاني ٦٠ ج١٤.
١٩  البيان والتبيين للجاحظ ١٥١ ج١.
٢٠  الأغاني ٥٨ ج١٦.
٢١  ابن الأثير ١٧٤ ج٢.
٢٢  الجزء الثاني من هذا الكتاب.
٢٣  ابن الأثير ٦٠ ج٣.
٢٤  المسعودي ٣٠١ ج١.
٢٥  ابن الأثير ٢٠٤ ج٣.
٢٦  ابن الأثير ١٩٦ ج٣.
٢٧  الجزء الأول من هذا الكتاب.
٢٨  ابن خلدون ١١٩ ج١.
٢٩  الجزء الأول من هذا الكتاب.
٣٠  ابن هشام ١٩٥ ج٢.
٣١  ابن هشام ٥٠ ج٣.
٣٢  ابن خلدون ١٣٦ ج١.
٣٣  العقد الفريد ٧٨ ج٣.
٣٤  الأغاني ١٤٣ ج١٤ والمعارف ١٠٠.
٣٥  ابن خلكان ١٤٧ ج٢.
٣٦  نفح الطيب ١٦٤ ج١.
٣٧  ابن خلكان ٩٩ ج١.
٣٨  العقد الفريد ٢٥٨ ج٢.
٣٩  ابن خلكان ٤٥٣ ج١.
٤٠  الأغاني ٦ ج١٣.
٤١  الأغاني ٤٧ ج١١.
٤٢  ابن الأثير ٢٢٨ ج٢.
٤٣  المقريزي ٨٠ ج١.
٤٤  ابن خلدون ١٤ ج٦.
٤٥  نفح الطيب ١٣٧ ج١.
٤٦  ابن الأثير ١٤٧ ج٤.
٤٧  الدميري ٤٩ ج١.
٤٨  نفح الطيب ٢١٣ ج١.
٤٩  ابن الأثير ١٩٩ ج٦.
٥٠  نفح الطيب ٢٠٩ ج١.
٥١  ابن الأثير ٢٧٩ ج٢.
٥٢  المقريزي ٣١٣ ج١.
٥٣  ابن الأثير ١٣ ج٣.
٥٤  الماوردي ١٢٥.
٥٥  ابن خلكان ٢٤٧ ج١.
٥٦  الأغاني ٦٤ ج١.
٥٧  ابن الأثير ٧٨ ج٥.
٥٨  المعارف ٩٧.
٥٩  المقريزي ١٣٧ ج١.
٦٠  البخاري ٥٩ ج٢.
٦١  الأغاني ١٥٢.
٦٢  الأغاني ١٣٣ ج١.
٦٣  العقد الفريد ١١١ ج٢.
٦٤  ابن هشام ٧٧ ج٣ والبيان والتبيين ١٦٤ ج١.
٦٥  الجزء الثالث من هذا الكتاب.
٦٦  ابن الأثير ١٩٢ ج٢.
٦٧  ابن خلكان ٤٨٣ ج١ والمعارف ١٦٨.
٦٨  المعارف ١٢٠ ج٩.
٦٩  الأغاني ٣٦ ج٩.
٧٠  ابن خلكان ٥٠١ ج١.
٧١  الأغاني ١٢٠ ج٩.
٧٢  الأغاني ٨٢ ج٢٠.
٧٣  المعارف ١٠٣.
٧٤  ابن الأثير ٢٣ ج٣.
٧٥  المعارف ٥٨.
٧٦  ابن الأثير ١٠٦ ج٦.
٧٧  الأغاني ١٦٣ ج١٠.
٧٨  العقد الفريد ٨ ج١.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤