الحرب الكبرى

لَاهَايُ! هَلْ صَوْتٌ بِجَوِّكِ يُسْمَعُ
هَيْهَاتِ، مَا لَاهَايُ إِلَّا بَلْقَعُ
لَمْ يَنْفَعِ القَصْرُ الَّذِي شَيَّدْتِهِ
وَكَذَا الرِّمَالُ قُصُورُهَا لَا تَنْفَعُ
جَمَعَتْهُمُ الأَطْمَاعُ فِيكِ فَمُذْ نَأَوْا
قَالَتْ لَهُمْ أَطْمَاعُهُمْ: لَنْ تُجْمَعُوا
مَا أَبْدَعَ الحُلْمَ الَّذِي حَلَمُوهُ لَوْ
وَقَفُوا عَلَى تَحْقِيقِهِ مَا أَبْدَعُوا
زَرَعُوا الكَلَامَ فَمَا حَصَدْتِ وَأَصْبَحُوا
السَّيْفُ يَحْصُدُ فِيهِمُ وَالمَدْفَعُ
هِيَ يَقظَةٌ طَاحَتْ بِهَا أَعْمَارُهُمْ
فَكَأَنَّهُمْ فَتَحُوا العُيُونَ لِيَهْجَعُوا

•••

فِي ذِمَّةِ الرَّحْمَنِ كُلُّ سُمَيْذَعٍ
يَمْشِي إِلَيْهِ مِنَ العَدُوِّ سُمَيْذَعُ
جَهِلُوا القِتَالَ فَعُلِّمُوهُ وَلَمْ يَكُنْ
مِنْ طَبْعِهِمْ سَفْكُ الدِّمَاءِ فَطُبِّعُوا
النَّازِلُونَ مِنَ الخَنَادِقِ حَيْثُ لَا
نَسَمٌ يَهُبُّ وَلَا شُعَاعٌ يَسْطَعُ
المَاخِرُونَ الجَوَّ فَوْقَ سَوَابِحٍ
تَجْرِي بِإِمْرَتِهَا الرِّيَاحُ الأَرْبَعُ
الرَّاكِبُونَ عَلَى البِحَارِ صَوَاعِقًا
كَمْ ضَيَّعَتْ مِنْهُمْ وَلَمْ يَتَضَعْضَعُوا
النَّافِضُونَ جِبَالَهَا وَثُلُوجَهَا
لَا يَطْمَئِنُّ بِهِمْ عَلَيْهَا مَضْجَعُ
الذَّاهِبُونَ وَلَا رَجَاءَ، العَائِدُو
نَ وَلَا شِفَاءَ، السَّابِقُونَ التُّبَّعُ

•••

يَا لَلْهُجُومِ وَقَدْ دَعَا دَاعِي الرَّدَى
فَمَشَوْا إِلَيْهِ وَالأَسِنَّةُ شُرَّعُ
بِجَحَافِلٍ تُزْجَى وَرَاءَ جَحَافِلٍ
وَفَيَالِقٍ إِثْرَ الفَيَالِقِ تُدْفَعُ
مَادَتْ بِهِمْ أَنْجَادُهَا فَكَأَنَّهُمْ
سِرْبٌ مِنَ العُقْبَانِ سُودٌ جُوَّعُ
رَصَدَتْهُمُ قِلَلُ السَّعِيرِ تَصُبُّهَا
قِلَلُ الحَدِيدِ فَلَا تَقِيهِمْ أَدْرُعُ
بَغَتَتْهُمُ مِنْ خَلْفِهِمْ وَأَمَامِهِمْ
نِيرَانُهَا فَتَفَرَّقُوا وَتَجَمَّعُوا
مُتَسَابِقِينَ؛ وَلَيْسَ مِنْهُمْ سَابِقٌ
مُتَرَاجِعِينَ، وَلَيْسَ عَنْهَا مَرْجَعُ
فِي مَأْزَقٍ لِلْمَوْتِ أَسْكَرَهُمْ بِهِ
رَهَجُ الخَمِيسِ وَهَامُهُ تَتَقَطَّعُ
حَتَّى إِذَا انْقَشَعَ العَجَاجُ، وَلَمْ يَعُدْ
إِلَّا صَدَى ذَاكَ الضَّجِيجِ يُرَجَّعُ
طَلَعَ الهِلَالُ عَلَيْهِم فَإِذَا هُمُ
عَدَمٌ فَظِيعٌ أَوْ وُجُودٌ أَفْظَعُ
الأَرْضُ نَافِضَةُ البُطُونِ تَزَاحَمَ الـْ
ـمَوْتَى بِهَا فَهُمُ وُقُوفٌ رُكَّعُ
فَكَأَنَّهُ يَوْمُ القِيَامَةِ فِيهِمُ
أَوْ أَنَّهُمْ قَبْلَ القِيَامَةِ قَدْ دُعُوا

•••

يَا أَرْضُ أَيُّ رِوَايَةٍ مَثَّلْتِهَا
عَلَّمْتِ فِيهَا النَّاسَ أَنْ يَتَوَجَّعُوا
هَذِي كُنُوزُكِ أَصْبَحَتْ حُمَمًا بِهَا
بُرْكَانُ صَدْرِكِ ثَائِرٌ يَتَصَدَّعُ
أَمَلَلْتِ حَمْلَ السَّاكِنِيكِ فَقُلْتِ أُفـْ
ـنِيهِمْ؟ كَفَى مَا بِالوُجُودِ تَمَتَّعُوا
أَمْ شَاقَكِ الثَّوْبُ القَدِيمُ جَرَرْتِهِ
لَهَبًا فَقُلْتِ إِلَى قَدِيمِي أَرْجِعُ
نَارًا تَسِيلُ بِيَ السَّمَاءُ وَلَيْسَ لِي
مُهجٌ تَسِيلُ وَلَا عُيُونٌ تَدْمَعُ؟

•••

هَلْ تَبْعَثِينَ مَعَ الرَّبِيعِ مُعَزِّيًا
لِلنَّاسِ يُنْسِي مَا بِهِ قَدْ رُوِّعُوا
فَيَعُودُ وَجْهُكِ ضَاحِكًا مُتَهَلِّلًا
وَيَعُودُ زَهْرُكِ فِي الرُّبَى يَتَضَوَّعُ
وَيَعُودُ لِلْأَغْصَانِ طَيْرُكِ آمِنًا
يَتْلُو مَرَاحِمَهُ عَلَيْكِ وَيَسْجَعُ
أَمْ تَبْعَثِينَ قَذَائِفًا وَقَنَابِلًا
لَا تَقْنَعِينَ بِهَا وَلَا هِيَ تَقْنَعُ
فَيَظَلُّ صَدْرُكِ بِالنَّجِيعِ مُخَضَّبًا
وَيَظَلُّ وَجْهُكِ بِالحِدَادِ يُقَنَّعُ؟
إِنَّا سَقَيْنَاكِ الدِّمَاءَ زَكِيَّةً
فَإِذَا الرَّبِيعُ أَتَى سَقَتْكِ الأَدْمُعُ

•••

يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ مَاذَا تَصْنَعُ
قَدْكَ اتَّئِدْ أَربَيْتَ فِيمَا تَطْمَعُ
هَدَمَتْ يَدَاكَ أَعَزَّ مَا شَيَّدْتَهُ
مَاذَا الَّذِي مِنْ هَدْمِهِ تَتَوَقَّعُ
عَالَجْتَ بِالعِلْمِ الحَيَاةَ وَإِنَّهُ
سَيْفٌ عَلَى الحَدَّيْنِ مَاضٍ يَقْطَعُ
أَعْطَاكَ مَا أَعْطَى سِوَاكَ فَصَارِعٌ
يَوْمًا وَيَوْمًا مِثْلَ غَيْرِكَ تُصْرَعُ
أَنَا لَا أُصَدِّقُ أَنَّ مَجْدَكَ زَائِلٌ
أَنَا لَا أُصَدِّقُ أَنَّ مُلْكَكَ يُخْلَعُ
إِنْ كُنْتَ ذَا جَهْلٍ فَعِلْمُكَ وَاسِعٌ
أَوْ كُنْتَ ذَا بُغْضٍ فَحُبُّكَ أَوْسَعُ
الحُبُّ نُورُكَ فِي الحَيَاةِ فَإِنْ نَأَى
عَنْ مَطْلَعٍ أَدْنَاكَ مِنْهُ مُطْلِعُ
كَمْ ضَيَّعَتْكَ الحَادِثَاتُ بِلَيْلِهَا
ثُمَّ اهْتَدَيْتَ بِهِ فَلَسْتَ تُضَيَّعُ
ارْفَعْ حِجَابَ البُغْضِ عَنْكَ وَبَعْدَهُ
عَلَمُ السَّلَامِ عَلَى رُبُوعِكَ يُرْفَعُ
إِنْ تَمْنَعِ الأَيَّامُ عَنْكَ دَوَامَهُ
فَشَرَائِعُ العُمْرَانِ لَيْسَتْ تُمْنَعُ
الحُبُّ حَقٌّ فِي الوُجُودِ وَوَاجِبٌ
تَتَزَعْزَعُ الدُّنْيَا وَلَا يَتَزَعْزَعُ
١٩١٥

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤