العصفور

يَا أَيُّهَا العُصْفُورُ مَا لَكَ صَامِتًا
حَيْرَانَ مُكْتَئِبًا وَمَاذَا تَطْلُبُ
قَدْ كُنْتَ لَا تَدْرِي السُّكُوتَ وَلَمْ يَكُنْ
غَيْرَ التَّنَقُّلِ وَالغِنَا لَكَ مَذْهَبُ
مَاذَا دَهَاكَ فَهَلْ أَصَابَكَ عِلَّةٌ
أَمْ أَنْتَ فِي ظَمَأٍ وَمَاؤُكَ يَنْضُبُ
أَمْ رَاعَكَ الصَّيَّادُ عِنْدَ مُرُورِهِ
فَغَدَوْتَ مِثْلِي لِلْمَصَائِبِ تَحْسُبُ؟
هَيْهَاتَ لَا مَرَضٌ وَلَا ظَمَأٌ وَلَا
صَيْدٌ أَخَافُ وَلَا عَدُوٌّ أَرْهَبُ
لَكِنَّ لِي عُشًّا فَقَدْتُ جَمَالَهُ
فَأَنَا عَلَى عُشِّي أَنُوحُ وَأَنْدُبُ
أُمٌّ رُبِيتُ بِظِلِّهَا وَعَزِيمَتِي
وَهْنٌ وَنَبْتُ الرِّيشِ مِنِّي مُجْدِبُ
كَانَتْ تُلَازِمُنِي وَتَسْأَلُ زَوْجَهَا
قُوتًا فَيَتْرُكُهَا لَدَيَّ وَيَذْهَبُ١
حَتَّى إِذَا اكْتَمَلَ الجَنَاحُ وَطِرْتُ مِنْ
أَسْرِي، غَدَتْ عَنْ نَاظِرِي تَتَحَجَّبُ
لَكِنِ اتَّخَذْتُ أَلِيفَةً لِي بَعْدَهَا
كَانَتْ تَلَذُّ بِهَا الحَيَاةُ وَتَعْذُبُ
يَا طَالَ مَا عِشْنَا مَعًا فِي أُلْفَةٍ
أَبَدًا نُغَنِّي لِلزَّمَانِ وَنَخْطُبُ
طَوْرًا تُحَيِّينَا الجِبَالُ وَتَارَةً
بِقُدُومِنَا الوَادِي الخَصِيبُ يُرَحِّبُ
وَلَكَمْ مَرَرْنَا فِي الحَدَائِقِ نَرْتَقِي
شَجَرًا وَمِنْ كَأْسِ الأَزَاهِرِ نَشْرَبُ
وَلَكَمْ هُنَاكَ اسْتَوْقَفَتْ نَغَمَاتُنَا
شَيْخًا يُوَدِّعُ أَوْ صَبِيًّا يَلْعَبُ
وَلَكَمْ ذَهَبْنَا لِلْقُبُورِ نُسَامِرُ الـْ
ـمَوْتَى وَأَرْوَاحَ الأَحِبَّةِ نُطْرِبُ
حَتَّى إِذَا وَقَعَ القَضَا أَصْبَحْتُ لَا
أُمٌّ وَلَا إِلْفٌ يَحِنُّ وَلَا أَبُ
لَكِنَّ قَلْبِي لَمْ يَزَلْ يَجِدُ الهَوَى
عَذْبًا وَإِنْ يَكُ بَعْدَهُمْ يَتَعَذَّبُ

•••

قَدْ قَالَ لِي العُصْفُورُ ذَاكَ وَلَمْ يَزِدْ
وَمَضَى يُشَرِّقُ فِي السَّمَا وَيُغَرِّبُ
وَسَمِعْتُهُ فِي الجَوِّ يُنْشِدُ حِكْمَةً
لَكَ يَا ابْنَ آدَمَ بِالمَدَامِعِ تُكْتَبُ
لَا حُبَّ إِلَّا بِالأَمَانَةِ فَاعْتَبِرْ
فَالقَلْبُ حُبٌّ وَالحَيَاةُ تَقَلُّبُ
١٩٠١
١  راجع كتاب العصفور لمشله.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤