روزفلت

فِي كُلِّ أَرْضٍ يَوْمَ نَعْيِكَ مَأْتَمٌ
يِبْكِي الشَّقِيُّ عَلَيْكَ وَالمُتَنَعِّمُ
مَا كَانَ ضَرَّكَ لَوْ صَبَرْتَ هُنَيْهَةً
لِيَكُونَ عِيدُ النَّصْرِ عِيدَكَ مَعْهُمُ
فَقَدُوا ابْتِسَامَتَكَ الَّتِي كَانَتْ لَهُمْ
نُورًا، إِذَا عَبَسَ الزَّمَانُ المُظْلِمُ
أَسَّسْتَ لِلْأَجْيَالِ بَعْدَكَ عَالَمًا
وَأَرَدْتَهُ لَا دَمْعَ فِيهِ وَلَا دَمُ
مَا زِلْتَ تَنْفَحُهُ بِأَرْوَعِ مَا بِهِ
يَجْرِي لِسَانٌ، أَوْ يُسَطِّرُ مِرْقَمُ
حَتَّى إِذَا اكْتَمَلَ البِنَاءُ، وَأَصْبَحَتْ
قَاعَاتُهُ لَكَ تَسْتَعِدُّ وَتَبْسِمُ
«وَقَفَ الرَّدَى بِكَ حَيْثُ أَنْتَ فَلَمْ يَكُنْ
مُتَأَخِّرٌ عَنْهُ وَلَا مُتَقَدِّمُ»
أَرْهَقْتَ وَالسِّتُّونَ مِلْءُ إِهَابِهَا
نَفْسًا، عَلَى السِّتِّينَ، لَا تَتَجَهَّمُ
فَهَلِ اتَّخَذْتَ الهُدْنَةَ الكُبْرَى لَهَا
وَالهُدْنَةُ الأُخْرَى قَرِيبًا تُبْرَمُ؟
اللَّهُ أَكْبَرُ، يَا لَهُ مِنْ مَأْتَمٍ
بِصَدَاهُ يُفْتَتَحُ الغَدَاةَ المَوْسِمُ

•••

فِي ذِمَّةِ التَّارِيخِ غَضْبَةُ مُصْلِحٍ
حَمَلٌ وَفِي عَصْفِ الرِّيَاحِ الضَّيْغَمُ
نَبَّهْتَ لِلْجُلَّى عَزَائِمَ أُمِّةٍ
كَانَتْ تَنَامُ عَلَى الحَرِيرِ وَتَنْعَمُ
وَنَفَخْتَ رُوحَكَ فِي البِلَادِ جَمِيعِهَا
فَإِذَا البِلَادُ مَدَافِعٌ تَتَكَلَّمُ
وَخَلَقْتَ قَانُونَ «الإِعَارَةِ» بِدْعَةً
لِلْعَبْقَرِيَّةِ تُسْتَحَلُّ وَتُغْنَمُ
وَطَفِقْتَ تَبْعَثُ بِالذَّخَائِرِ جَمَّةً
فَيَضِيعُ مِنْهَا مَا يَضِيعُ، وَيَسْلَمُ
تَبْغِي انْتِصَارَ الحَقِّ فِي حَرْبٍ إِذَا
ذُكِرَتْ، فَأَيْسَرُ مَا يُقَالُ جَهَنَّمُ
مُتَجَشِّمًا فِي كُلِّ مُؤْتَمِرٍ لَهَا
سَفَرًا عَلَى الأَخْطَارِ لَا يُتَجَشَّمُ

•••

جِئْتَ السَّفِينَةَ، وَالْجِوَاءُ عَوَاصِفُ
مَجْنُونَةٌ، وَالأُفْقُ أَرْبَدُ أَقْتَمُ
وَشَوَامِخُ الأَمْوَاجِ يَقْذِفُ بَعْضُهَا
بَعْضًا فَتَكْتَسِحُ الشِّرَاعَ وَتَلْطُمُ
فَقَبَضْتَ بَاليُمْنَى عَلَى سُكَّانِهَا
وَمَشَى بِهَا فِي اليَوْمِ قَلْبٌ مُلْهَمُ١
حَتَّى بَلَغْتَ بِهَا جَنَاحًا آمِنًا
وَأَرَيْتَهُمْ كَيْفَ المَصَاعِبُ تُقْحَمُ
عِبْءٌ، فَلَوْ حَمَلَ المُقَطَّمُ بَعْضَهُ
لَمْ يَبْقَ، إِنْ ذَكَرُوا الجِبَالَ مُقَطَّمُ
أَرْسَى عَلَى جِسْمٍ أَشَلَّ، وَإِنَّمَا
عِنْدَ العَزَائِمِ لَا تُقَاسُ الأَجْسُمُ
غَالَبْتَ سُقْمَكَ، وَاسْتَفَزَّكَ مُقْعَدًا
فَسَمَوْتَ حَتَّى صَافَحَتْكَ الأَنْجُمُ٢
يَمْشِي بِكَ الإِيمَانُ مِشْيَةَ ظَافِرٍ
فِيمَا تَخُطُّ عَلَى الزَّمَانِ وَتَرْسُمُ
حُبًّا بِإِنْسَانِيَّةٍ مَقْهُورَةٍ
ذُلَّ الضَّعِيفُ بِهَا وَعَزَّ المُجْرِمُ
وَتَنَكَّرَتْ مُثُلُ الحَيَاةِ، فَلَا تَرَى
إِلَّا الفَسَادَ بِأَهْلِهَا يَتَحَكَّمُ
فَبَعَثْتَهَا فِي العَالَمِينَ رِسَالَةً
لَوْلَا التُّقَى، صَلُّوا عَلَيْكَ وَسَلَّمُوا

•••

يَا أَرْضَ «كُولُمْبَ» تَحِيَّةَ شَاعِرٍ
مِنْكِ اسْتَمَدَّ الوَحْيَ فِيمَا يَنْظُمُ
لُبْنَانُ نَحْوَ ثَرَاكِ يَهْفُو أَرْزُهُ
وَنُجُومُكِ الزَّهْرَاءُ يَلْثُمُهَا الفَمُ
كَمْ عَاشَ تَحْتَ لِوَائِهَا أَبْنَاؤُهُ
وَجَرَى بِحُبِّكِ فِي عُرُوقِهِمُ الدَّمُ
مَا هَاجَرُوا وَطَنًا، وَلَا هِيَ غُرْبَةٌ
حَيْثُ الْتَقَى القَلْبَانِ، مِنْكِ وَمِنْهُمُ
يَبْكِي الرَّئِيسَ بِمَائِهِ وَسَمَائِهِ
وَعَلَيْهِ خَفْقُ نَسِيمِهِ يَتَرَحَّمُ
وَيَقُولُ: يَا أُخْتَاهُ، رُوحِي لَمْ تَزَلْ
خَلْفَ البِحَارِ عَلَى الضَّرِيحِ تُحَوِّمُ

•••

يَا نَاشِرَ الإِصْلَاحِ بَيْنَ بُنُودِهِ
يَهْدِي إِلَى الخَيْرِ الوَرَى وَيُعَلِّمُ
عَجَّلْتَ عَنَّا بِالرَّحِيلِ وَلَمْ يَزَلْ
فِي الأَرْضِ مُوتُورٌ وَفِيهَا مُعْدَمُ
أَتَظَلُّ فِي البَشَرِ العَدَاوَةُ مِثْلَمَا
كَانَتْ، فَثُعْبَانٌ يَفِحُّ وَأَرْقَمُ؟
وَالمُسْتَبِدُّ يَضِجُّ فِي اسْتِبدَادِهِ
وَالبَائِسُ المَظْلُومُ لَا يَتَظَلَّمُ؟
وَمَطَامِعُ لِلْأَقْوِيَاءِ غَرِيبَةٌ
حِينًا يُبَاحُ بِهَا وَحِينًا تُكْتَمُ؟
أَخْشَى مِنَ المُسْتَعْمِرِينَ إِذَا هُمُ
أَرْخُوا العِنَانَ لَهَا، وَلَا مَنْ يَلْجُمُ
أَتَظَلُّ جَازِعَةً عَلَى اسْتِقْلَالِهَا
أُمَمٌ بِغَيْرِ بَقَائِهَا لَا تَحْلُمُ؟
وَيَظَلُّ بَيْنَ جِهَادِهِ وَحِدَادِهِ
قَلْبُ العُرُوبَةِ شَاكِيًا يَتَأَلَّمُ؟
أَمْ يَنْجَلِي اللَّيْلُ الطَّوْيلُ وَيَكْتَفِي
قَدَرٌ بِأَعْنَاقِ الوَرَى يَتَحَكَّمُ
وَيَكُونُ مِمَّا سَالَ مِنْ دَمِهِمْ لَهُمْ
عِبَرٌ فَيُصْلَحُ أَمْرُهُمْ وَيُنَظَّمُ
وَتُتَابِعُ الدُّوَلُ الحَلِيفَةُ نَهْجَهَا
فِي دَعْمِ بُنْيَانِ السَّلَامِ لِيَسْلَمُوا
وَتُؤَيِّدُ المِيثَاقَ وِفْقًا لِلَّذِي
أَمْلَاهُ وَحْيُكَ فِي الحَيَاةِ عَلَيْهِمُ
فَتُطِلُّ رُوحُكَ مِنْ سَمَاءِ خُلُودِهَا
وَتَقُولُ: يَا بُشْرَايَ مُتُّ وَعِشْتُمُ
١  سكان السفينة: دفتها.
٢  أصاب روزفلت الشلل وهو في الأربعين بعد محاولته تخليص رجل من الغرق في ماء جليدية، ولو كان غير روزفلت لقبع في عقر داره بعد هذا الداء، أما هو فلم يكن إلا ليزداد نشاطًا. والمراد بالأنجم هنا لواء أمريكا، ومصافحته لها هي الرئاسة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤