حفلة النجادة في عيد الجلاء

يَا قَلْبُ مَا لَكَ فِي انْسِحَابِكَ عَاذِرُ
مَا دَامَ يَمْشَي فِي رِكَابِكَ شَاعِرُ؟
عَاهَدْتَنِي أَنْ تَسْتَرِيحَ، وَدُونَ مَا
عَاهَدْتَنِي فَلَكَ الزَّمَانُ الدَّائِرُ
أَبِكُلِّ عِيدٍ صَرْخَةٌ لَكَ حُرَّةٌ
وَبِكُلِّ نَادٍ مِنْبَرٌ لَكَ حَاضِرُ
قَسَمًا وَمِلْءُ جَوَانِحِي زُهْدٌ مِنَ الدْ
دُنْيَا وَمِلْءُ الفِكْرِ وَجْدٌ غَامِرُ
لَوْلَا الشَّبَابُ وَحُبُّكُمْ فِي أَضْلُعِي
مَا طَاعَ لِي قَلَمٌ وَلَبَّى خَاطِرُ
أَنَا صَخْرَةُ القَفْرِ الَّتِي لَا تُسْتَقَى
مَا لَمْ يُفَجِّرْهَا بَنَانٌ سَاحِرُ
أَيْ عُصْبَةَ العَهْدِ الجَدِيدِ وَلَمْ يَكُنْ
إِلَّا بِكِ العَهْدُ الجَدِيدُ يُفَاخِرُ
مَاذَا ادَّخَرْتِ لِحِفْظِهِ وَصِيَانِهِ
وَالدَّهْرُ مُعْطٍ وَالزَّمَانُ مُؤَازِرُ؟
يَوْمُ الجَلَاءِ، أَعَزُّ مَا قَرَّتْ بِهِ
نَفْسٌ، وَطَابَ فَمٌ، وَكُحِّلَ نَاظِرُ
أَلْقَى عَلَى لُبْنَانَ مِنْ أَنْوَارِهِ
حُلَلًا كَسَاهُ بِهَا الرَّئِيسُ السَّاهِرُ
حَامِي الحِمَى الشَّيْخُ الحَكِيمُ وَمَنْ لَهُ
فِي ذِمَّةِ الأَرْزِ العَزِيزِ مَآثِرُ
يَوْمُ الجَلَاءِ مُقَدَّسٌ لَكِنَّمَا
يَوْمُ الجَلَاءِ بِدَايَةٌ لَا آخِرُ
وَأَمَامَكُمْ شَوْطٌ بَعِيدٌ قَبْلَ أَنْ
يُعْلَى البِنَاءُ وَيَطْمَئِنُّ العَامِرُ
إِرْثٌ مِنَ المَاضِي البَغِيضِ، مُجَمَّعٌ
فِي كُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ سُوسٌ نَاخِرُ
مَشَتِ السِّيَاسَةُ فِي حَوَاشِيهِ كَمَا
يَمْشِي عَلَى البَلَدِ الأَمِينِ الغَادِرُ
وَطَغَتْ عَلَى حَرَكَاتِهِ أَمْوَاجُهَا
فَمُغَامِرٌ مِنْ أَجْلِهَا، وَمُقَامِرُ
وَمُؤَامَرَاتٌ، تُشْتَرَى فِي سُوقِهَا
وَتُبَاعُ بِالسِّلَعِ العِجَافِ ضَمَائِرُ
وَنُفُوذُ دِينٍ أَوْ نُفُوذُ زَعَامَةٍ
وَالحُكْمُ بَيْنَهُمَا ضَعِيفٌ حَائِرُ
وَالعِلْمُ وَالأَدَبُ الرَّفِيعُ مُسَخَّرُ
لِلْمَالِ وَهْوَ بِمَا يُسَخَّرُ سَاخِرُ
وَأَشُدُّ مِنْ هَذَا وَذَا حِزْبِيَّةٌ
فِي كُلِّ مِنْطَقَةٍ عَلَيْهَا سَاهِرُ
يَرْعَى دَسَائِسَهَا فَإِنْ هِيَ أَخْفَقَتْ
فَمُسَدَّسَاتٌ خَلْفَهَا وَخَنَاجِرُ
هَاتُوا المَعَاوِلَ يَا شَبَابُ وَهَدِّمُوا
إِنْ كَانَ لِلْآتِي يَشِيدُ الحَاضِرُ
حَتَّى تَشُقَّ عَنِ النُّفُوسِ سَحَائِبُ
حُجِبَتْ بِهَا طَيَّ النُّفُوسِ مَنَائِرُ
حَتَّى نَرَى لِلظُّلْمَتَيْنِ تَصَدُّعًا
الجَهْلُ وَالفَقْرُ المَرِيرُ الجَائِرُ
حَتَّى تُقَالَ «الضَّادُ» مِنْ عَثَرَاتِهَا
فَلَقَدْ كَفَى يَا ضَادُ حَظٌّ عَاثِرُ
حَتَّى تَعُودَ قُلُوبُنَا كَسَمَائِهَا
بِصَفَائِهَا، وَالحُبُّ فِيهَا الآمِرُ
لَا تَتْرُكُوا لِلْبُغْضِ مِنْهَا مَأْخَذًا
البُغْضُ فِي الإِنْسَانِ وَحْشٌ كَاسِرُ

•••

أَشَبَابَ لُبْنَانَ وَحَسْبِي مِنْكُمُ
نَفْسٌ مُحَرَّرَةٌ وَعَزْمٌ فَائِرُ
اليَوْمَ إِنْ حُمِّلْتُمُ تَبِعَاتِهِ
فَغَدًا يَكُونُ لَكُمْ جَنَاهُ النَّاضِرُ
لَوْلَا الشَّبَابُ، فَمَاذَا يُرْجَى مِنْ غَدٍ
إِنَّ الشَّبَابَ غَدُ الزَّمَانِ الزَّاخِرُ
إِنَّ الشَّبَابَ عَقِيدَةٌ وَصَلَابَةٌ
يَوْمَ الحِفَاظِ، فَصَابِرٌ أَوْ ثَائِرُ
إِنَّ الشَّبَابَ هُوَ النَّوَاةُ فَكُلُّهَا
ثَمَرٌ وَإِظْلَالٌ وَنَفَحٌ عَاطِرُ
الشَّرْقُ مِنْ حَدَبٍ إِلَيْكُمْ تَائِقٌ
وَالغَرْبُ مِنْ عَجَبٍ إِلَيْكُمْ نَاظِرُ
إِنْ عَيَّرُوكُمْ بِالقَلِيلِ فَحَسْبُكُمْ
جُهْدٌ لِيَظْفَرَ بِالكَثِيرِ الصَّابِرُ
أَوْ نَافَسُوكُمْ فِي الخِلَالِ فَعِنْدَكُمْ
مِنْ ثَرْوَةِ الأَخْلَاقِ قِسْطٌ وَافِرُ
أَوْ فَاخَرُوكُمْ بِالسِّلَاحِ فَعِنْدَكُمْ
شَمَمُ العُرُوبَةِ فِي الصُّدُورِ فَفَاخِرُوا
أَوْ شَايَرُوا التَّارِيخَ كُنْتُمْ قَبْلَهُمْ
فِي هَيْكَلِ التَّارِيخِ حِينَ يُشَايِرُ١
قُولُوا لِمَنْ أَخَذَتْ عَلَيْهِ شُكُوكُهُ
طُرُقَ اليَقِينِ فَلَجَّ وَهْوَ يُكَابِرُ
الهَيْكَلُ الوَطَنِيُّ قُدْسُ بِنَائِهِ
بِكُمُ يَتِمُّ خَفِيُّهُ وَالظَّاهِرُ

•••

يَوْمَ الجَلَاءِ تَبَارَكَتْ شَمْسٌ عَلَى
جِفْنَيْكَ أَيْقَظَهَا الإِلَهُ القَادِرُ
إِنْ يَحْفِرُوا فِي الصَّخْرِ ذِكْرَكَ خَالِدًا
فَلَكَ القُلُوبُ وَأَنْتَ فِيهَا الحَافِرُ
١  دخل على أمير إفريقيا يزيد بن حاتم القاضي، فجرى بينهما الحديث عن جماعة رأوا الهلال فأشاروا إليه، قال أمير إفريقيا: يُقال تشاوروا إليه. فقال القاضي: بل تشايروا إليه. فأصرَّ الأمير على أنها بالواو، وكان أن دخل ابن قتيبة النحوي، وكان فيه غفلة فقال القاضي: قطعت جهينة قول كل خطيب. فسأله الأمير: إذا رأيت الهلال ورآه الناس وأشرتم إليه، فماذا تقولون؟ قال: أقول اللهم أهِلَّه علينا باليُمْن والإيمان، ربي وربك الله. فضحك الأمير وقال: ليس هذا نعني. فقال القاضي: دعني أُفهِمه عن طريق النحو. قال الأمير: ولكن لا تُلقِّنه. فقال القاضي: نريد إذا رأيت الهلال ورآه الناس وأشرتم إليه، كيف تقولون من صيغة التفاعُل؟ قال: تشايروا، وعليه قول كثير عزة:
أَقُولُ وَفِي الأَحْشَاءِ دَاءٌ مُخَامِرٌ
أَلَا حَبَّذَا يَا عَزُّ هَذَا التَّشَايُرُ

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤