وداع الرئيس دودج

لَا تُنْكِرِي شَدْوِي وَلَا تَحْنَانِي
القَلْبُ قَلْبِي وَالبَيَانُ بَيَانِي
يَا دَارُ عِنْدِي ذِمَّةٌ لَكِ لَمْ تَزَلْ
تَرْعَاكِ فِي صَدْرِي وَفِي أَجْفَانِي
كَمْ وَقْفَةٍ لِي فِيكِ، كَانَ حَدِيثُنَا
مِنْ بَعْدِ مَا مَرَّتْ، حَدِيثَ زَمَانِي
وَاليَوْمَ إِذْ يَطْوِي الهَزَارُ جَنَاحَهُ
لَمْ يَبْقَ غَيْرُ صَدَاهُ فِي الآذَانِ
لَوْلَا الرَّئِيسُ لَمَا رَجَعْتُ مُجَدِّدًا
عَهْدِي، وَلَا عَافَ السُّكُوتُ لِسَانِي
قَالُوا سَيَرْحَلُ عَنْ بِلَادِي فِي غَدٍ
جِيلٌ مِنَ المَعْرُوفِ وَالعِرْفَانِ
وَيَغِيبُ عَنْ لُبْنَانَ مَنْ أَعْمَالُهُ
كَالشَّمْسِ مُشْرِقَةً عَلَى لُبْنَانِ
فَأَجَبْتُ لَيْسَ بِغَائِبٍ عَنْ مَوْطِنٍ
مَنْ كَانَ مِلْءَ مَسَامِعِ الأَوْطَانِ
أَوَلَسْتَ فِي أَيِّ العَوَاصِمِ حَاضِرًا
بِالرُّوحِ بَيْنَ كَتَائِبِ الفِتْيَانِ؟
كَانُوا عَلَى هَذِي المَقَاعِدِ قَبْلَمَا
حَمَلُوا مَشَاعِلَهُمْ لِكُلِّ مَكَانِ
تِلْكَ الرِّسَالَةُ قَدْ نَهَضْتَ بِعِبْئِهَا
وَكَسَبْتَ فِيهَا السَّبْقَ فِي المَيْدَانِ
لَا الدِّينُ أَوْحَاهَا إِلَيْكَ وَلَا الغِنَى
لَكِنَّهَا دَفْقٌ مِنَ الوِجْدَانِ
فَرَغِبْتَ عَنْ عِزِّ القُصُورِ وَبَذْخِهَا
لِتَكُونَ إِنْسَانًا مَعَ الإِنْسَانِ
هَيْهَاتَ أَنْ يُنْسَى جِهَادُكَ بَيْنَنَا
أَيَّامَ قَلْبُ الشَّرْقِ فِي غَلَيَانِ
وَالحَرْبُ طَاغِيَةٌ عَلَى أَبْنَائِهِ
بِالجُوعِ وَالأَمْرَاضِ وَالحِرْمَانِ
وَفَقِيرُ ذَا البَلَدِ الصَّغِيرِ مُعَذَّبٌ
وَغَنِيُّهُ فِي غَفْلَةِ النَّشْوَانِ
فَبَذَلْتَ مَالَكَ وَادِعًا مُتَهَلِّلًا
وَرَضِيتَ أَنْ تَشْقَى وَغَيْرُكَ هَانِ
تَسْعَى عَلَى الأَقْدَامِ وَحْدَكَ مَاشِيًا
مِنْ رَأْسِ بَيْرُوتَ إِلَى شَمْلَانِ
دَرْسٌ عَلَى الأَيَّامِ تُلْقِيهِ لِمَنْ
قُدَّتْ قُلُوبُهُمُ مِنَ الصَّوَّانِ
لَيْسَ الغِنَى بِالمَالِ يَخْزُنُهُ الفَتَى
إِنَّ الغِنَى بِالخُلْقِ وَالإِيمَانِ

•••

وَشَرِيكَةٌ لَكَ فِي الحَيَاةِ عَرَفْتَهَا
فَعَرَفْتَ فِيهَا نَفْحَةَ الرَّيْحَانِ
لَوْ يَنْظُمُ الشُّعَرَاءُ بَعْضَ صِفَاتِهَا
كَانَتْ قَوَافِيَ رَحْمَةٍ وَحَنَانِ

•••

أَحْبَبْتَ هَذَا الشَّرْقَ يَوْمَ عَرَفْتَ مَا
فَي الشَّرْقِ مِنْ حُسْنٍ وَمِنْ إِحْسَانِ
فَرَفَعْتَ صَوْتَكَ فِي بِلَادِكَ شَاكِيًا
مِمَّا يُلَاقِي العُرْبُ مِنْ عُدْوَانِ
لَوْ يَسْمَعُونَ إِلَيْكَ لَمْ يَعْصِفْ بِهِمْ
طَيْشُ الغُرُورِ وَنَزْوَةُ الطُّغْيَانِ
وَلَمَا تَفَجَّرَتِ السَّمَاءُ وَأَرْضُهَا
بِالمَقْدِسَيْنِ تَفَجُّرَ البُرْكَانِ
بِمَعَارِكَ جَبَّارَةٍ مَا خَطَّهَا
أُومِيرُ فِي إِلْيَاذَةِ اليُونَانِ
وَجَحِيمُ نَارٍ مَا تَصَوَّرَ مِثْلَهَا
فِيمَا تَصَوَّرَ شَاعِرُ التَّلْيَانِ
وَاهًا فِلَسْطِينُ الشَّهِيدَةُ قَدْ رَأَتْ
عَيْنَاكِ مَا لَمْ تَشْهَدِ العَيْنَانِ
لَوْلَا شَبَابُ العُرْبِ حَوْلَكِ حُوَّمٌ
لَمْ يَبْقَ مِنْ أَمَلٍ لِرَدِّ الجَانِي
مِنْ مِصْرَ جَاءُوا وَالحِجَازِ وَجِلَّقِ
يَتَلَهَّبُونَ لَظًى وَمِنْ بَغْدَانِ
مَلَأَ الفَضَاءَ زَئِيرُهُمْ ثُمَّ اسْتَوَوْا
فَإِذَا عَرِينُ الأُسْدِ فِي عُمَّانِ
اللَّهَ فِيمَا قَدَّمُوا فِي أَمْسِهِمْ
وَيُقَدِّمُونَ غَدًا بِلَا حُسْبَانِ
وَكَأَنَّ أَرْضًا خُضِّبَتْ بِدِمَائِهِمْ
أَرْضٌ زَهَتْ بِشَقَائِقِ النُّعْمَانِ
يَا جَيْشَ لُبْنَانَ الفَتِيَّ تَحِيَّةً
لَوْ أَسْتَطِيعُ نَظَمْتُهَا بِجُمَانِ
مَا أَنْتَ بِالعَدَدِ الكَبِيرِ وَإِنَّمَا
أَكْبَرْتُ فِيكَ مَوَاقِفَ الشُّجْعَانِ

•••

مَوْلَايَ عَفْوًا مَا أَتِيتُ مُوَدِّعًا
لِأُثِيرَ فِيكَ لَوَاعِجَ الأَحْزَانِ
لَكِنَّ فِي قِيثَارَتِي وَتَرًا لَهُ
صَوْتُ الشَّجِيِّ وَأَنَّةُ الثَّكْلَانِ
وَالثَّلْجُ فِي رَأْسِي وَلَكِنْ لَمْ يَزَلْ
فِي الصَّدْرِ زَوْبَعَةٌ مِنَ النِّيرَانِ
وَلَقَدْ تَعَشَّقْتَ البِلَادَ كَأَهْلِهَا
لَا بِدْعَ أَنْ أَشْجَاكَ مَا أَشْجَانِي
أَمَّا الفِرَاقُ فَقَدْ رَضِينَا حُكْمَهُ
مَا لِلْمُعَنَّى بِالفِرَاقِ يَدَانِ
لَكِنَّ فِي الأَثَرِ الَّذِي أَبْقَيْتَهُ
أُنْسًا يُخَفِّفُ لَوْعَةَ الهِجْرَانِ
فَإِذَا سَكَتَّ فَأَنْتَ فِينَا خَاطِبٌ
وَإِذَا بَعُدْتَ فَأَنْتَ مِنَّا دَانِ
تَبْدُو ابِتِسَامَتُكَ الَّتِي عَوَّدْتَنَا
خَلَلَ البِحَارِ وَتَلْتَقِي الرُّوحَانِ

ثم قلَّد رئيس الجمهورية الرئيس دودج الوسام، فأضاف الناظم هذه الأبيات:

وَمَشَى الرَّئِيسُ إِلَى الرَّئِيسِ مُصَافِحًا
وَكِلَاهُمَا فِي الفَضْلِ سَبَّاقَانِ
أَعْطَاكَ أَرْفَعَ مَا بِهِ يَعْتَزُّ ذُو
مَالٍ وَذُو عِلْمٍ وَذُو سُلْطَانِ
تَذْكَارُ تَكْرِيمٍ وَحَسْبُ فَأَنْتَ لَا
تَهْتَزُّ مِثْلَ سِوَاكَ لِلْإِعْلَانِ
إِنْ كَانَ يَلْمَعُ فَوْقَ صَدْرِكَ نُورُهُ
فَوَرَاءَ صَدْرِكَ مَنْبَعُ اللَّمَعَانِ

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤