تحت راية الوفد

في نوفمبر ١٩٤٣
دعوت فلبَّى إذ أهبت به الوفد
وما زال حيًّا في خليفته سعد
وها نحن كالبنيان حول رحابه
نجدد عهدًا كلما جدد العهد
فيا مصر هذا الركب ما زال ماضيًا
ويا سعد هذا الركب يحدو به السعد
سلي سيشلًا يا مصر عنا وطارقًا
وهل نال منَّا فيهما الأسر والقيد
وردنا المنايا ظامئين ولم نزل
نروِّي غليلًا لا يزول له صهد
نراودها حينًا فتُرخي قيادها
إلينا وتنأى تارةً ثم ترتد
نجاذبها حتى تلين وننثني
نشاوى بِرَاحٍ ما نروح وما نغدو
فإما حياة حرة وكريمة
وإلا فكأس ليس من خمرها بد

•••

بني مصر هذا العيد وافى بشيره
سواجعه في كل ناحية تشدو
إذا انطلقت شادت بآمال أمة
يهيب بها ماضٍ ويَحفزها بَعد
حبيبسة مجرى الصوت في لهواتها
نشيج وبعض الكبت يفضحه الجهد
تعاودها الذكرى فتطلقها المنى
وتغلبها الذكرى فيعقِلها الوجد
سلام على من مات منا مجاهدًا
له الخلد في الأولى وأخرى هي الخلد
سلام على من أسلم الروح مسلمًا
إلى مصر وجهًا لا يحول ولا يعدو
سلام على سينوت يوم ذراعه
يجود بها ليث براثنه الرفد
سلام على سينوت برًّا بوعده
وألف سلام يوم غيبه اللحد

•••

مضى ربع قرن هل أتاك حديثنا
وكيف وثبنا إذ أهاب بنا سعد؟
أغار على دار الحماية حاسرًا
فلا الخيل أزجاها ولا انتظم الحشد
وخفَّ إلى باريس يقرع بابها
فلم يثنه طول التأبِّي ولا الصد
وأملى على التاريخ والغيب منصت
وسجَّل ما أملى براحته المجد
تجاوب أرجاء الفضاء زئيره
فهوَّم جيران وطال بهم سهد
ففي الشام سلطان الدروز مناهض
وفي الريف ثوار وقد عَصَتِ الهند
ألسنا جميعًا أمةً وحضارةً
تفرقنا أرض ويجمعنا عهد؟
إذا أنَّ شاميٌّ تنبه هاجع
بمصر وفي بغداد والْتَفَتَتْ نجد
غفونا جميعًا وانتبهنا فُجاءةً
كأنَّا على وعد وقد أُنجز الوعد

•••

مضى ربع قرن مذ رفعنا لواءها
وقوفًا حواليها وكل يد بند
تسيل بأقدام الوقوف دماؤهم
وينبت منها المسك والطيب والرَّند
نهضنا غضابًا كل خود لبوءة
وكل غلام أو فتًى ضيغم وَرْدُ
نهضنا غضابًا وابتدرنا نساءنا
فقلن: علينا النصف إن عظم الجهد
تَحمَّلْنَ عنَّا ما ينوء بحمله
أخو غمراتٍ قلبه الحجر الصلد
حَسَرْنَ نقابًا وارتدين شكيمةً
هي الدرع إما عزنا السهم والبرد
فيا ابنة هذا الغيل كيف خضبتها
أهذا دم قانٍ بكفك أم ورد؟!
ويا ابنة هذا النيل إن لنا يدًا
وأيدي بنات النيل يخطئها العد

•••

مضى ربع قرن مذ رفعنا لواءها
وكنَّا جميعًا قبل أن يُسفر الجد
ولبَّى قضاء الله سعد ولم يزل
إلى النصر شوط دونه الغور والنجد
وهلَّل حساد الزعيم وآذنوا
بحرب تلظَّى تحت حافرها وَقْد
فلا مصر هانت يوم راشوا سهامهم
فكان لها في نحر مرسلها رد
ولا نحن خلَّينا الطريقَ لعصبة
تَسلَّلُ كالثعبان والليل مسودُّ
وحُمِّل أعباء الزعامة مصطفى
وقلنا: على اسم الله يصحبه الجَدُّ
أليس الأمينَ الطاهرَ اليد والهوى
كبا الزند فليثقب براحته الزند
تعاقب فيه المرجفون بإفكهم
وكم سمهجوا عهدًا وكم نُقِضَ العهد
تعاقب منهم كل وَعْلٍ وناطح
وما زال أرسى من قواعده الطود

•••

لحا الله قومًا مصر منهم بريئة
على الرغم منها في بنوتها عُدُّوا
أساءوا فهانوا إذ أساءوا وأحسنوا
فماضيهمُ عفو وحاضرهمُ عمد
وكانوا جنودًا يهتدون بوحيها
فكيف استباح القدسَ والحرمَ الجندُ؟
عزيز علينا أن يقال: مواطن
تخلَّف مهما هان في رزئه الفقد
وما كل سجَّاع وإن رقَّ سجعه
وأبدى لك الوُدَّ الخليلُ الذي يبدو
يلجُّ به حقد ويبدي سماحةً
وفي قلبه سم وفي فمه شهد

•••

ومنهم دَعِيٌّ يزعم الشعب قاصرًا
وآخر يزهو بالأصول ويعتد
بيوت وأنسابٌ وجاهٌ ومحتد
وعلم وألقاب، وأنَّى ليَ السَّرد؟!
ونحن رعاع محدثون وأمة
يسود بها فَدْمٌ ومعظمها وغد
لقد هانتِ الدنيا إذا جاز ما ادَّعَوا
لعمرك ما فيهم وإن جمعوا فرد

•••

ضفادع … إما أقبل الليل نقنقت
يضيق بها الوادي ويتسع الوهد
إذا أسفر الصبح المبين تحولت
كعبَّاد شمس واستجدَّ لها جلد
يُسِرُّون ما لا يعلنون فإن خلوا
بأنفسهم مَانُوا وعاودهم جحد
يقولون: آمنا ويهزأ قلبهم
ولو آمن الشيطان دونهم ارتدُّوا
فلا تأخذنكم فيهم اليوم رحمة
فبعض التقى ضعف ومعظمه إدُّ
يطيب لغيري أن يرى غير مذهبي
ومذهبه التقوى وسنته القصد
وذلك دِيني ما حييت ومذهبي
ورأيي وبعض الرأي يدعمه النقد
فمن شاء فليعتب ولست بعاتب
كلانا له رأي ورأيي هو الحد
إذا عقَّ مهدَ الأولين بنوهم
فيا رب لا ترحم ولا رحم المهد

•••

أفي كل يوم يثخنون جراحها
ويطمعهم عفو ويعطفكم ود؟!
أكل ابن عم وابن خال وضيزن
ورابعهم حزبٌ إذا كمل العَد؟!
فحزب بلا رأس وحزب رئيسه
هو العضو والأنصار والنفر العِد

•••

عجبت لهيئاتٍ على غير مذهب
يؤلفها نادٍ ويجمعها نرد!
ولكننا في مصر والناس في غنًى
عن الجِدِّ إلا أن هزلهم الجِد
شفى النفس منهم ما أراه وأنهم
خصوم وأعداء لأنفسهم لُدُّ
أراهم فلولًا بين حزب وكتلة
يفرقهم سعي ويجمعهم حقد
وما مصر إلا الوفد والوفد آية
تدل عليها والدليل هو الند
وليس يعيب الشمس أنك ناظر
بعين ترى ما تبصر الأعين الرمد
إذا حال طعم الماء في ذوق شارب
فكيف يعاب النبع إن عَذُبَ الوِرْد؟!

•••

بني مصر! هذا الحق أبلج واضح
وهذا صراط يستوي عنده القصد
إذا شئتمُ الشورى فذلك حكمها
وإن شئتمُ الفوضى فليس لها حد
تولى زمان الحاكمين بأمرهم
ولم يبقَ في الدنيا مَسُود ولا عبد
تولَّى زمان الفرد لا عاد عهده
وبدل بالدستور سلطانه الفرد
يعز به العرش المنيع ويزدهي
به التاج والسلطات حولهما عقد
لكلٍّ مداه لا اعتداء لسلطة
على غيرها هذا هو الشرط والعهد
ألم تقسموا أمس اليمين لعهده؟
لقد أفلح الموعود إن صدق الوعد
على مذبح الدستور من شهدائكم
عبير دماء فاح من عطرها النَّدُّ
وفي هيكل الدستور تامور أمة
يكاد من الإشفاق والذعر ينقد

•••

إليك زعيم النيل ألقت قيادها
فمن شاء فليتبع ورائده الرشد
ومن شاء فليجنح وشيطانه معًا
إلى حيث ألقت لا سلام ولا رد
وهبت لها قلبًا حديدًا مغامرًا
تفيء إليه الحادثات فيشتد
وعزمًا براه الله كالسيف ماضيًا
يزيد مضاء كلما شفه الطرد
إذا عجمته الحادثات بناجذ
تقلقل فيها الناب واستلَّه الغمد
مدحتك لم أمدح سواك وقد خلا
من المدح شعري زاهدًا وله الحمد
فإن قيل: مدَّاح! فمادح أمتي
لأنت لها رمز يعز به الوفد
أَمِنَّا بك الأحداث وهي ملمَّة
فكيف أمنا وَهْيَ آمنة بعد؟
أَمِنَّا وآمنَّا وأمرك طاعة
يلبيك منا الروح والعزم والجهد
عقدنا بك الآمال فاسْرِ بأمة
سواء عليها في السرى القرب والبعد

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤