جولاتٌ معَ الموت
إلى أبي
منذُ زمنٍ بعيد،
في النِّصْفِ الثَّاني من عشرينيات القَرْنِ
الماضي،
وهو لا يزالُ طفلًا يحبو على أكثرِ
تقديرٍ،
نازلَه الموتُ،
ذلك الخبيثُ الجبانُ نازلَ طفلًا أعزلَ إلَّا
من فِطْرتِه
نازلَه بكلِّ قوةٍ وخبثٍ،
ولم يَفلحْ.
ولا بُدَّ أنَّ الموتَ تحالفَ عليه مع
النزلاتِ المعويةِ والنزلاتِ الشُّعَبيَّةِ
والحَصْبةِ، وكلِّ تلك العللِ الخبيثةِ التي
كانتْ تُسهِّلُ على الموتِ هزيمةَ الفقراءِ
لينطلقَ ويتباهَى بقوَّتِه في كلِّ أرجاءِ
الكون، ولم يفلحْ.
في ثلاثينياتِ القَرْنِ نفسِه، وهو لا يزالُ
صبيًّا،
نازلَه الموتُ في جولةٍ أخرى
لا تَقِلُّ خِسَّةً عن الجولاتِ
الأولى
ولا تختلفُ كثيرًا
اختلفَ الحليفُ فقطْ
نازلَه الموتُ متحالفًا مع البلهارسيا التي
يسَّرتْ له قتلَ ملايينِ المصريِّين ببؤسٍ
منقطعِ النظير،
ولم يفلحْ.
تحالفَ الموتُ مع العقاربِ والحيَّاتِ في
حقولِ الدِّلتا،
تحالفَ مع الذبابِ والبعوضِ في
سمائِها،
تحالفَ في عتمتِها مع العفاريتِ
والجنِّيَّاتِ والمَرَدَة،
ولم يفلحْ.
وفي منتصفِ أربعينياتِ القرنِ نفسِه
وهو لا يزالُ فتيًّا في العشرين،
متحالفًا مع وباء الكوليرا،
ذلك القاتلِ الشرسِ،
نازلَه الموتُ في جولةٍ أخرى،
ولم يفلحْ.
وهكذا ظلَّ الموتُ، تسعةَ عقودٍ، ينازلُه
كلما عثرَ على حليفٍ، ويتراجعُ بخِزْيِه
ليعاودَ الإغارةَ عليه من جديد،
وفي الشُّهورِ الأولى من عَقْدِه
العاشرِ،
في منتصفِ العَقْدِ الثَّاني من القرنِ
التَّالي للقَرْنِ العشرين
تحالفَ الموتُ مع شيخوخةِ الشيخِ،
لم يتحالفْ مع حليفٍ خارجيٍّ،
تحالفَ، أو تآمرَ، مع شيخوخةِ الشَّيخِ
نفسِه
في خيانةٍ جَبَانةٍ،
وبنذالةٍ خبيثةٍ باغتاه من الخلْفِ،
ليستسلمَ الشيخُ بالضرْبةِ القاضية.
هكذا ترى الموتَ الجبان
يتبخترُ منذُ أمسِ، الجمعة ٢٠ نوفمبر
٢٠١٥
يتبخترُ في الشَّوارعِ والأزِقَّة
يتبخترُ في السماوات
متباهيًا بفوزٍ غير مستحقٍّ
على شيخٍ عجوزٍ
خانتْه شيخوختُه.
٢١ / ١١/ ٢٠١٥م