واصطفاك

«رسالة»
القاهرة،
السَّادسةُ صباحَ السَّبْتِ، اليومِ الثَّالثِ منِ الشَّهْر الثَّالثِ منَ العامِ الثَّامن عَشْر بعد الألفينِ من ميلادِ المسيحِ ابنِ مَريمَ، مسيحِ «سلامٌ عليكَ يومَ ولدْتَ ويومَ تَموتُ ويومَ تُبعَثُ حيًّا».
السَّلامُ عليكِ أيْنما كُنْتِ
وأيْنما حَللْتِ،
السَّلامُ عليكِ يومَ ولدْتِ
ويومَ رَحلْتِ
ويومَ تُبعَثِين.
تَعْرفِين،
كلُّ ما لهُ بدايةٌ لا بُدَّ لهُ منْ نِهايةٍ،
كلُّ ما له مَنْبعٌ لا بُدَّ له منْ مَصبٍّ.
تَعْرفِين،
بَدأْتِ رحلتَكِ الأخيرةَ منذُ ثلاثةِ أعوامٍ، في السَّادسةِ صباحَ الثلاثاءِ، اليومِ الثَّالثِ من الشَّهرِ الثَّالث من العامِ الخامسَ عشرَ بعد الألفينِ من ميلادِ ابنِ مريمَ، مريمَ «إن اللهَ … اصطفاكِ على نساءِ العالمَينَ»، وتَعرفينَ أنَّ الرحلةَ لا تَسْتغرِقُ أكثرَ من أُسْبوعينِ، فلماذا إذنْ تَمتدُّ هذه المرةَ على غيرِ المألوفْ؟
السَّلامُ عليكِ
أُطَمْئِنُكِ
نحنُ بخيرٍ،
بخيرِكِ في العروقِ والجِيناتِ،
بخيرِكِ في الخَلايا،
أُطَمْئِنُكِ
خيرُكِ مُتَّصلٌ،
لحفيدتَيْكِ، الآنَ، طِفْلتانِ رَائعتان.
السَّلامُ عليكِ
تَعرفينَ،
قرَّرَ أبي اللحاقَ بكِ يومَ رحلْتِ، لكنَّه، رغمَ كلِّ شيءٍ، كان يَنتظرُ عودتَكِ، ورُبَّما لم تفارقيه قَط، لم يَكفَّ عنِ الحديثِ عنكِ، وذاتَ يومٍ أخذَ يُسهِبُ في شَقاوةِ الصِّبا، وتوهَّمْنا أنَّنا أخذناه بعيدًا عنْ شُجونِه، لكنَّه، في الخلاصة، كان يَحكِي عنْكِ، عن بدء الحياةِ مَعكِ.
تَعرفِينَ،
بعد أنْ رحلْتِ بثمانيةِ أشهرٍ وعشرةِ أيَّامٍ كنْتِ أمامَه، تَجلسينَ كالمعتادِ، وفجأةً لم تَعودي أمامَه، فسألَ أين ذهبْتِ، وحين أخبرْناه بأنَّكِ ذهبْتِ بعيدًا منذُ زمنٍ بعيدٍ، حين أخبرْناه بأنَّ النَّهرَ وصل إلى المصبِّ، لم يُصدِّقْ، وألحَّ في طلبِ الاتِّصالِ بكِ، وحين رأى أنَّنا تباطأْنا، وربَّما قرأَ في التباطؤِ شيئًا لا نَعرفُه، قرَّر اللحاقَ بكِ على الفورِ، ودخلَ في غيبوبةٍ استعدادًا للرِّحلةِ الأخيرةِ، وبدأ رحلتَه بعد أسبوعٍ، في السَّادسةِ صباحَ الجمعةِ، العشرين من الشَّهرِ الحادي عشر من العامِ الخامسَ عشرَ بعد الألفين من ميلادِ المسيحِ، مسيحِ «وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلكِن شُبِّهَ لَهُمْ».
تَعرفينَ،
أنَّكُما نهرانِ اجتمعا في نهرٍ واحد،
نهرٍ ظلَّ يتدفَّقُ عقودًا وعقودًا،
وتَعرفينَ أيضًا
أنَّ كلَّ ما له منبعٌ لا بُدَّ له من مصبٍّ،
أو كما قُلْتِ: «كل اللي ليه بداية ليه نهاية»،
وقدْ بَلغَ النَّهرُ المصبَّ.
تَعرفينَ،
أننَّي على يقينٍ من أنَّكُما ستَنبعانِ من جديدٍ،
هذه المرةَ من نبعٍ واحدٍ،
وتَتدفَّقانِ في نَهرٍ واحدٍ منَ البِداية،
ستَنْبعانِ من العيونِ،
وهذه المرةَ لن تَصبَّا في البحرِ الكبير،
هذه المرةَ تَصبَّان في القلوب.
تَعرفينَ،
لسْتُما بطلَيْ أسطورةٍ،
ببساطةٍ لأنَّكُما وَاقعِي الوَحيد،
لأنَّكما تَاريخي الوَحيد،
لأنَّكما المنبعُ والنَّهرُ والمصب.
السَّلامُ عليكُما
أيْنما كنْتُما وأيْنما حللْتُما
السَّلامُ عليكُما
يومَ ولدْتُما ويومَ رحلْتُما ويومَ تُبعَثان.
٣ / ٣/ ٢٠١٨م 

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥