الفصل الثاني

(بعد عشر دقائق مسز كريج تقف عند النافذة الأمامية وهي تُطالِع الصحيفة، ثم تكفُّ عن القراءة، وتتطلَّع خارج النافذة، ثم تسير نحو المشربية إلى اليسار وهي تكظم يَأسَها، وتتطلَّع إلى الخارج مرة أخرى مُتلهِّفة، وتدخل مسز هارولد من ناحية اليمين.)

مسز هارولد : هل ميزي هنا يا مسز كريج؟

(تتلفَّت مُضطربة.)

مسز كريج : لا، ليست هنا يا مسز هارولد، بعثتُ بها في مهمة، وستعود بعد لحظة.
مسز هارولد (تلتفِتُ لتخرج مرة أخرى) : قلتُ لها يُخيَّل إليَّ أني أسمعُك تُنادينها.

(يدقُّ جرس التليفون.)

مسز كريج : أرجوك يا مسز هارولد أن تردِّي على التليفون وترَيْ مَن المتكلم.

(مسز هارولد تعود وترفع سماعة التليفون.)

مسز هارولد : هالو. هالو.
مسز كريج : ما الخبر؟ ألا يردُّ عليك أحد؟
مسز هارولد : لا يا سيدتي، لم يردَّ أحد بعدُ. هالو.
مسز كريج (تلتفِت نحو النافذة مرة أخرى) : لا يهمُّ يا مسز هارولد، ربما كان خطأ.
مسز هارولد (تضع السماعة) : يحدثُ ذلك أحيانًا حينما يكون الطلب من بعيد (مسز كريج تلتفت بغتة).
مسز كريج : لم يقولوا إن المسافة بعيدة. أليس كذلك؟
مسز هارولد : لا يا سيدتي لم يقولوا شيئًا، ولم يردَّ البتَّة أحد.
مسز كريج : حسنًا، إذا أرادُونا فليطلبونا مرة أخرى.
مسز هارولد : أرجوك يا مسز كريج أن تُخبري ميزي عند عودتها أني أريدها.
مسز كريج : سأبعث بها إليك بمجرَّد عودتها (تخرج مسز هارولد خلال ستار الباب، وتتَّجه مسز كريج صوب النافذة الأمامية وتتطلَّع إلى الخارج، وتُشاهد ميزي مُسرعة في عودتها من مخزن العربات، ثم تخطو مُسرعة نحو الباب على اليسار، ثم تُشاهد ميزي وهي تجري بجانب المشربية، ويُحدِث الباب الحاجز صوتًا وتندفع ميزي إلى الداخل). هل وجدْتِه هناك يا ميزي؟
ميزي : لا يا سيدتي، لم أجِدْه.
مسز كريج : هل أنت واثقة؟
ميزي : نعم يا سيدتي وقد بحثتُ في كلِّ مكان.
مسز كريج : هل بحثتِ خلفَ المخزن؟
ميزي : نعم يا سيدتي بحثتُ في كلِّ الأرجاء. وكان مستر فوستر العجوز واقفًا هناك، وسألته هل شاهد مستر كريج في أي مكان، وأجاب بأنه لم يشاهدْه.
مسز كريج : هل مخزن العربات مُغلَق؟
ميزي : نعم يا سيدتي، وقد حاولتُ فتحَ الباب.
مسز كريج : وهل استطعتِ أن تَرَي إن كانت العربة هناك أم لا؟
ميزي : نعم يا سيدتي، كلتا العربتين هناك، والصغيرة أيضًا؛ فقد تطلَّعت خلال الزجاج (مسز كريج تسير يمينًا وملامِحها تدلُّ على انزعاجها، ثم تتَّجه ناحية المرآة وتتَّجه ميزي نحو الباب على اليمين)، أعتقد أنه ذهب مع الرجل الذي كان هنا.
مسز كريج : ربما كان ذلك. تقولين يا ميزي إن هذا الرجل جاء في سيارة؟
ميزي : نعم يا سيدتي، وأعتقد أنها سيارته، وكانت واقفة أمام البيت تمامًا حينما فتحتُ له الباب.
مسز كريج : حسنًا يا ميزي، مسز هارولد تُريدك في أمرٍ ما.
ميزي (تخرج) : حقًّا؟

(مسز كريج تتَّكِئ على رفِّ المِدفأة وتفكر مليًّا، ويدقُّ جرس التليفون، فتلتفت وتنظر إلى التليفون، ويدقُّ الجرس مرة أُخرى، فتتقدم لتُجيب، وتدخل ميزي.)

مسز كريج : سأُجيبه يا ميزي.
ميزي : حسنًا (ثم تَنسحِب، وترفع مسز كريج سماعة التليفون).
مسز كريج (في صوتٍ خافت) : ميزي.
ميزي : نعم يا سيدتي.
مسز كريج : تعالي هنا لحظة (تظهر ميزي خلال ستائر الباب). اصعدي وتأكدي من أن باب مس لاندرث مُغلق.
ميزي (مُنسحبة) : سأفعل.
مسز كريج : افعلي ذلك الآن في صمتٍ شديد يا ميزي، ولا تُزعِجيها إن كانت نائمة.
ميزي : سأفعل.

(جرس التليفون يدقُّ مرة أخرى.)

مسز كريج : هالو. نعم. نعم. (تنظر إلى أعلى الدَّرَج، ثم تنتظر) هالو. نعم (في صوتٍ أعلى) هالو، نعم. أنا مسز كريج التي تتكلم، مستر كريج ليس هنا الآن، إن كنت تريده. أوه … لماذا … إن … مس لاندرث ترقُد الآن. مَن المُتكلم من فضلك؟ أوه، نعم، لماذا؟ لا شيء البتَّة يا مستر فردريسكي غير أنها مُتعبة جدًّا. وصلْنا الآن فقط من أولبني، واقترحتُ عليها أن تصعد إلى أعلى وترقُد لفترة ما. نعم، تَسألني ماذا سوف أعمل؟ لا، لم أفهم ما قُلتَ يا مستر فردريسكي. نعم بالطبع، سأعود معها إذا تطوَّرتِ الأمور إلى غير ما ننتظر، وإلا عادت وحدَها. وإنما نحن ننتظر الآن أن نسمع شيئًا من طبيب أمها هناك. نعم، بالطبع أنا واثقة. لماذا تُتعبُ نفسك يا مستر فردريسكي؟ لن تجدَ ما تستطيع أن تفعله إذا جئتَ إلى هنا. وإذن فإني أُوثِر — إن سمحت — ألا تحضُرَ إلى هنا يا مستر فردريسكي، فهي راقدة. هل تستطيع أن تُخبرني بما تودُّ أن تُخبرها به، وأنا أبلِّغها الرسالة؟ ربما يا مستر فردريسكي. جميلٌ منك جدًّا أن تضطرب بسببها، غير أني لا أحبُّ أن أُزعِجها الآن. وإني لآسفة (تتوقَّف عن الكلام بغتة، وتنظر نحو رأس السُّلَّم).

(ميزي تظهر بين ستائر الباب.)

ميزي : كان الباب مُغلقًا يا مسز كريج.
مسز كريج : حسنًا يا ميزي (ميزي تنسحِب، وتتحرَّك مسز كريج إلى الأمام مُتفكرة، ويدقُّ الباب دقَّة، فتتقدم ميزي لتفتح الباب، وتُحدِّق مسز كريج ناحية الباب)، انظري ما يَطلب هؤلاء الرجال يا ميزي.
ميزي : حسنًا يا سيدتي.
كاتل (عند الباب الخارجي) : هل مستر كريج هنا؟
ميزي : لا يا سيدي، ليس هنا الآن. خرج منذ نحو عشرين دقيقة.
كاتل : ومتى تتوقَّعين عودته؟
ميزي : لا أستطيع أن أقول على وجه التأكيد. غير أني أتوقَّع أن يعود في موعِد العشاء، حول السابعة مساءً.
كاتل : وهل زوجته بالدار؟
ميزي : نعم هي هنا.
كاتل : أودُّ أن أتحدَّث إليها دقيقة إذا سمحتِ.

(تختفي مسز كريج في ثنايا الستائر — بعد أن كانت تقف ساكنة لتُصغِي — وتتطلَّع في خَشية نحو الباب الخارجي.)

ميزي : نعم يا سيدي، تفضَّل بالدخول (يُغلَق الباب الحاجز، وتسارع ميزي إلى الغرفة مباشرةً). إذا جلستَ على أحد الكراسي لحظة، ناديتُها لك.

(كاتل يتجوَّل في الداخل، ويخلع قبَّعته، ويتبعه هاري، الذي يخلع أيضًا قبَّعته عند دخوله، ويتقدَّم كاتل نحو النَّضَد الوسيط، حيث يضع قبعته، ثم يستخرج مذكرةً صغيرة من الجلد من جيبه الداخلي، ويتقدم هاري ويجلس فوق الكرسي إلى جوار البيانو ثم يسود الصمت.)

هاري : هذا المكان تكلَّفَ أكثر مما يُساوِيه، رطل من الشاي.
كاتل : إن مالهم كثير، وهم من رجال شركة تأمين فينكس للحريق. كان أبوه مدير الشركة، وقد مات منذ نحو اثني عشر عامًا، وأعتقد أن الرجل سوف يحتلُّ مكانة أبيه، إذا امتدَّ به الأجل.

(مسز كريج تدخل خلال ستائر الباب، وينهض هاري، ويلتَفتُ كاتل نحوها.)

مسز كريج : مساء الخير.
هاري : مساء الخير.
كاتل : مساء الخير يا سيدتي. أتيت لمقابلة مستر كريج.
مسز كريج : ليس مستر كريج هنا الآن، وإني لآسفة.
كاتل : وهل أنت مسز كريج؟
مسز كريج : نعم.
كاتل : هل تعرفين على وجه التقريب متى يعود مستر كريج؟
مسز كريج : إني أتوقَّع عودته في كل لحظة. كان هنا منذ أقلَّ من نصف ساعة حينما صعدت إلى الطابق العلوي؛ ولذا فلا بُدَّ أن يكون هنا في مكانٍ ما بهذا الحي.
كاتل (ينظر في ساعته) : لقد اقتربت عودته.
مسز كريج : سيعود بالتأكيد لعشائه في الساعة السابعة، إن شئت أن تعود.
كاتل : لا بُدَّ لي أن أكون في الجانب الآخر من المدينة في الساعة السابعة. وربما استطعتِ أنت أن تُمدِّيني بالمعلومات التي أبحث عنها مثلما يستطيع مستر كريج. هلا جلست دقيقةً واحدة!
مسز كريج : نعم بكل تأكيد (تلتفِتُ إلى الكرسي أمام رفِّ المِدفأة وتجلس، ويعود هاري إلى كرسيِّه بجانب البيانو، ويجلس كاتل على المِقعد الصغير المجاور للنَّضَد الوسيط).
كاتل : وددتُ أن أتحدَّث إلى مستر كريج أولًا، ولكني أعتقد أنه ليس هناك فارق كبير.
مسز كريج : ظننتُه عند مخزن العربات؛ فقد كنت أنا نفسي أريده منذ لحظات، غير أن الخادمة تقول إنه ليس هناك.
كاتل : إذن فسأخبرُكِ ما أردتُ أن أقابله بشأنه يا مسز كريج. أعتقد أنكِ قرأتِ في صحيفة المساء عن ذلك الحادث المؤسف الذي وقع هنا في شارع ولوز؟
مسز كريج : تقصد حادث القتل بالرصاص؟
كاتل : نعم، في بيت باسمور.
مسز كريج : نعم قرأت. أليس الحادث مُفزِعًا؟ كنت أُطالعه هنا منذ بُرهة.
كاتل : نعم، إنه لحادث مُحزِن.
مسز كريج : مات كلاهما. أليس كذلك؟
كاتل : نعم، مات كلاهما.
مسز كريج : أليس الأمر مُروِّعًا؟ ذلك ما أردتُ أن أقابل زوجي بشأنه. أردتُ أن أسأله إن كان يعرف ذلك الرجل.
كاتل : أُرجِّح أنه يعرفه؛ فهم قوم معروفون حقَّ المعرفة في هذه المدينة.
مسز كريج : نعم، لا بُدَّ أن يكونوا كذلك، طِبقًا لما جاء في الصحيفة، ولم تتَّسع لي الفرصة لكي أطَّلع عليها كلها بعدُ، فقد وصلت من أولبني لتوِّي.
كاتل : إنه حادث عجيب جدًّا.
مسز كريج : هل كان من أجل سرقةٍ أو ما إلى ذلك؟
كاتل : لا، لم يُفقَد شيء البتَّة. وبالطبع ربما كانت محاولةً فاشلة للسرقة، غير أن ذلك لا يُفسِّر إطلاقًا بعض ما أحاط الحادث من ظروف.
مسز كريج : وهل أنتما يا سيدي مُشتغِلان بهذه القضية؟
كاتل : نعم يا سيدتي، نحن من رئاسة البوليس، غير أن ذلك لا ينبغي أن يُزعِجك يا مسز كريج؛ فليست هناك علاقة خاصة بين ذلك وزيارتِنا هذا المكان.
مسز كريج : يُسعِدني أن أعلم ذلك.
كاتل : لا، يبدو لي في جلاءٍ أن هذا الحادث الذي وقع لباسمور إنما كان بدافع الغَيرة. هناك بالطبع مُلابسة أو ملابستان — كما يُوجَد عادةً في القضايا التي من هذا القبيل — غير أنهما لا تدُلَّان على شيء فيما يتعلَّق بإطلاق الرصاص؛ فقد شُوهِد رجل يُغادِر البيت في سيارة بعد منتصف الليل بقليل، وحدَث أن رآه أحد الجيران، غير أن الظلام كان أحْلَك من أن يتحقَّق من شخصيته. ولا يفسر ذلك — فوق هذا — مقتل مسز باسمور؛ لأنها لم تعُدْ إلا بعد الساعة الثالثة. وقد غادر الرجل البيت بين الثانية عشرة والواحدة.
مسز كريج : ثم ماذا؟
كاتل : ولكنه — كما تعلمين بالطبع يا مسز كريج — جزء من عملنا أن نُتابِع أيَّ دليل خارجي نعثُر عليه مُصادفةً مما قد يُلقِي ضوءًا جديدًا على القضية.
مسز كريج : طبعًا.
كاتل : ومن أجل هذا أردتُ أن أُقابِل مستر كريج.
مسز كريج : تعنِي أنك تعتقد أن مستر كريج ربما كان ذلك الرجل الذي شُوهِد وهو يُغادِر ذلك المكان مساء الأمس؟
كاتل : لا. الواقع أننا لا نبحث هذا الظرف بشكلٍ جدِّي؛ لأن بيتًا بهذه الصفة ربما زاره عدد من الزائرين أثناء الليل.
مسز كريج : هذا حق.
كاتل : غير أنه جاءنا تقرير هذا المساء يا مسز كريج من الإدارة المركزية للبنروك تليفون — الذي يَصدر عنه خط تليفونكم — أن تليفونكم قد طَلب في الدقيقة السابعة والعشرين بعد الخامسة هذا المساء للسؤال عن عنوان التليفون رقم لفرنج ٣١٠٠، وذلك هو رقم تليفون بيت مستر باسمور.
مسز كريج : تقصد أن سائلًا سأل من هنا؟ (مشيرة إلى التليفون.)
كاتل : نعم من هذا التليفون يا سيدتي، أوكديل ٦٢٣، وذلك هو رقم تليفونكم هنا. أليس كذلك؟
مسز كريج : نعم، هو رقمنا.
كاتل : ذلك ما هو مُدوَّن عندي.
مسز كريج : لا أستطيع أن أتخيَّل مَن الطالب.
كاتل : يقول التقرير إنه صوت امرأة.
مسز كريج : وهل تَعرف من الذي قدَّم التقرير؟
كاتل : لا أستطيع أن أُخبرك بهذا يا مسز كريج.
مسز كريج : أقصد أن أقول: أليس من الجائز أن مُقدِّم التقرير ربما أخطأ في الرقم؟
كاتل : لا، إنهم في العادة في مُنتَهى الدقة في مسألة من هذا القَبيل.
مسز كريج : وكان الطلب في الخامسة من هذا المساء، كما تقول؟
كاتل : يقول تقريري إنه كان في الدقيقة السابعة والعشرين بعد الخامسة، والعاملة لم تعطِ الطالب العنوان بطبيعة الحال؛ فذلك يُخالف تعليمات شركة التليفون وبعدئذٍ أنهى الطالب مكالمته.
مسز كريج : هذا عجيب، وربما كانت إحدى الخادمات، ربما قرأت الخبر في صحيفة المساء ودفعها حُب الاستطلاع إلى أن تتعرَّف إلى مكان الحادث (تنهض) سوف أسألهم.
كاتل : كنت أستطيع أن أفهم هذا الفضول لو أن العنوان لم يُنشَر، ولكنه منشور، ورقم التليفون غير منشور؛ فمهمتي أن أعرف لماذا يكون رقم التليفون خاصةً عند شخص ما في هذا اليوم ولا يعلم العنوان في حين أنه في جميع الصحف منذ الساعة الثانية بعد ظهر اليوم، وهذا الطلب لم يتِم إلَّا بعد الخامسة.
مسز كريج : ليس في هذا ما يدعو إلى العَجب.
كاتل : لم أستطع أن أجد له تعليلًا.
مسز كريج : ولكني أستطيع أن أقول إن له تفسيرًا يسيرًا جدًّا.
كاتل : هل استُعمل هذا التليفون هنا أي استعمال — فيما تعلمين يا مسز كريج — منذ الخامسة بعد ظهر اليوم؟
مسز كريج : أجبتُ طلبًا منذ لحظات من نورثامبتن في ماساشوست.
كاتل : تقصدين طلبًا من مكانٍ بعيد.
مسز كريج : نعم، وكان المُتكلِّم مستر فردريكس، من كلية سمث هناك، يطلب ابنة أختي ليستفسر منها عن أمها المريضة في أولبني.
كاتل : فهمت.
مسز كريج : ومن هناك أتينا منذ وقتٍ قصير.
كاتل : وهل تَعلمين بأحدٍ جاء من الخارج منذ الساعة الخامسة؟
مسز كريج : لم يَجِئ أحد فيما أعلم، غير جارةٍ تقطُن عبر الشارع واسمها مسز فريزير، جاءت ببعض الزهور لعمَّة زوجي، كانت هنا عند عودتي. وإن كنت أُرجِّح أنها لم تَستعمل التليفون، ولكني سوف أسأل مس أوستن إن شئتَ.
كاتل : أرجو أن تَفعلي إذا لم يكن لديك ما يَمنع.
مسز كريج (تتجه نحو مطلع الدَّرَج) : ليس عندي البتَّة ما يمنع، وأعتقد أنها في غرفتها.
كاتل : أرجو أن تطلبي إليها أن تنزل إلى هنا لبضع لحظات.
مسز كريج : سأفعل بكل تأكيد (مُناديةً) مس أوستن. مس أوستن.

(يُسمَع صوت باب يُفتَح في مكان ما بالطابق العلوي.)

مس أوستن (من أعلى) : هل يُنادِيني أحد؟
مسز كريج : نعم، هو أنا يا مس أوستن، أرجو أن تنزلي إلى هنا دقيقةً أو دقيقتين يا مس أوستن، أودُّ أن أتحدَّث إليك.
مس أوستن : لا مانع، وسأكون عندك بعد لحظة.
مسز كريج (تدور لكي تعود) : أرجوكَ إذا سمحتَ! ستنزل فورًا.
كاتل : شكرًا جزيلًا لك.
مسز كريج (تتقدم نحو ستائر الباب) : يَحسُن فيما أعتقد أن أستدعي الخادمات كذلك. أليس كذلك؟ ربما عرفن شيئًا بهذا الخصوص.
كاتل : نعم أودُّ أن أراهن لحظة.
مسز كريج (تخرج خلال الستائر) : سأستدعيهن في الحال.

(كاتل ينظر في ساعته ثم ينهض.)

كاتل (يسير نحو الستائر) : كم الساعة عندك يا هاري؟ (ويتطلَّع بحدَّةٍ خلال الستائر.)
مسز كريج : ميزي.
هاري : السابعة تمامًا.
ميزي (من الخارج ناحية اليمين) : نعم يا سيدتي.
مسز كريج : تعالي هنا لحظةً واحدة.
كاتل : هل تُمانِعين في أن أستعمِل هذا التليفون يا مسز كريج؟
مسز كريج : سيأتين فورًا (تدخل).
كاتل : هل تُمانِعين في أن أستعمل هذا التليفون لحظةً واحدة؟
مسز كريج (تتقدم) : لا، استعمِله كيفما شئتَ، لم أسمع ما قلت.
كاتل : لديَّ مُكالمة ضرورية في تمام الساعة السابعة.
مسز كريج : حسنًا جدًّا (يدير قرص التليفون ويقف مُمسِكًا بالتليفون، وتتسمَّع مسز كريج في شغفٍ شديد).
كاتل (في التليفون) : ٤٠٠٠، نعم.

(يسود السكون، ثم تدقُّ الساعة السابعة في صوتٍ ناعم، وتدخل ميزي عند الدَّقة الثالثة.)

ميزي : هل تُريدينَني يا مسز كريج؟

(مسز كريج تُشير إليها بأن تلزَم الصمت. وتقف ميزي مُتطلِّعة تارةً إليها وتارةً إلى غيرها في حَيرة شديدة.)

كاتل : ثيلتز؟ كاتل. أصحيح هذا؟ غادرت هناك قبل السادسة. المُدة؟ حسنًا يا عزيزي. ماذا تُريد أن تفعل، أن تُحطِّم قلب هاري؟ (يضحك ضحكةً قصيرة جافَّة) حسنًا يا عزيزي، سأوافيك حالًا (ينهي المكالمة ثم يسير نحو النَّضَد ليأخذ قبَّعته). يحسُن أن نتوجَّه إلى هناك فورًا يا هاري (هاري ينهض ويتقدم نحو الباب). لن أُزعِجك بعد ذلك يا مسز كريج؛ فلقد بُلِّغتْ رئاسة البوليس أنباءً أخرى تُعين على توضيح الأمر مؤقتًا.
مسز كريج (تتحرك نحو النَّضَد الوسيط) : هل تُريدني أن أقول لمستر كريج أن يتَّصل بك عند عودته؟
كاتل : لا، سنتَّصل به نحن إن لزِم الأمر.
مسز كريج : ولا تُريد أن تسأل بقية القوم الآن؟

(يخرج هاري.)

كاتل : لا أريد ذلك الآن يا مسز كريج، وشكرًا كثيرًا لك (يسير نحو الباب).
مسز كريج : أؤكد لكَ أنكَ على الرحب دائمًا. لسنا في حاجة إليك الآن يا ميزي.

(ميزي تنسحِب على مضض، وعيناها موجَّهتان نحو كاتل.)

كاتل : آسف لأني أزعجتك.
مسز كريج (تتبَعه حتى الباب) : ليس هناك ما يُزعِج.
كاتل (يلتفت عند الباب) : تستطيعين أن تشرحي الظروف لمستر كريج إن شئت.
مسز كريج : سوف أفعل، وربما كان يعرف عن الموضوع بعض الشيء.
كاتل (يخرج) : الراجح أنه يعلم.
مسز كريج : وإذا كان لا يعلم، فأنا أؤكد أن أحد الآخرين لا بُدَّ أن يعلم.
كاتل : حسنًا، وشكرًا لك كثيرًا يا مسز كريج.
مسز كريج : أؤكد لك أنك على الرحب دائمًا.
كاتل : مساء الخير.
مسز كريج : مساء الخير.

(يُغلَق الباب الحاجز، وتتلفَّت مسز كريج مُتباطِئة، وترفع يديها المُنقبِضتين في ذعرٍ شديد، ثم تُسارع إلى النافذة وتَرقُب رَجلَيَ البوليس السري وهما يسيران في الطريق. تنزل مس أوستن من الدَّرَج في صمت، وتقف عند عتبة الباب، ناظرة إليها.)

مس أوستن : هل تُريدين مُقابلتي في شأن من الشئون يا هاريت؟ (مسز كريج تتنبَّه قليلًا.)
مسز كريج (تخرج خلال الستائر) : لا. لا أريدك الآن يا مس أوستن، ليس الأمر ضروريًّا، وآسفة لإزعاجِك.

(تقف مس أوستن بُرهة ناظرة إليها، ثم تتقدم نحو النافذة لعلها تعرف ما كان يشغل بال مسز كريج، ثم تسير نحو التليفون، مُتطلِّعة خلال الستائر، وتُدير قرص التليفون.)

مس أوستن (في التليفون) : هالو؟ هذا مكتب ماورز إكسبرس؟ في أي وقتٍ مُبكِّر يُمكن نَقلُ بعض الأشياء غدًا صباحًا؟ ٦٨٠ بلمونت مانور. نعم، تَفصله عن الحديقة إحدى العمارات. حسنًا. الساعة الثامنة وقت مناسب. مس إيرين أوستن. نعم، هو ذا، شكرًا (تُنهِي المكالمة وتصعد الدَّرَج).

(مسز كريج تدخل خلال ستار الباب، وتنظر إلى أعلى السُّلَّم، وتسير إلى أسفل الدَّرَج، لترفع بصرها، ثم تتَّجه نحو نَضَد التليفون، وتُسوِّي كل شيء في مكانه بدقَّة، وتظهر ميزي بين الستائر.)

مسز كريج : ماذا تُريدين يا ميزي؟
ميزي : تريد مسز هارولد أن تعرف هل تُعدُّ العشاء الآن يا مسز كريج؟
مسز كريج (تتقدم مُتفكرة) : قولي لها تريَّثي قليلًا حتى يصل مستر كريج، وأنا في انتظاره في أيِّ لحظة.
ميزي : سمعًا يا سيدتي.

(تخرج، وتقف مسز كريج لحظةً في تفكيرٍ عميق، ويُغلَق الباب الحاجز بشدة. وتَستدير في حركةٍ سريعة، وهي تسير نحو النَّضد الوسيط، ثم تتَّجه إلى الباب. ويدخل كريج، ويخلع قُبَّعته.)

مسز كريج : أين كنت يا والتر؟
كريج : في الخارج مع بلي بيركماير. لماذا؟
مسز كريج (مُشيرةً إلى الباب الآخر للمدخل الزجاجي) : أَغلِق هذا الباب (يلتفت ويُغلِقه، وتسير هي بحذاء عتبة السُّلَّم مُتطلعةً إلى أعلى وإلى الخارج خلال الستائر).
كريج (يعود إلى الغرفة) : ما الخبر؟
مسز كريج (مُتلفِّتة، وعائدةً نحوَه) : يا إلهي! ألم تقرأ في صحيفة المساء عن فرجس باسمور وزوجه؟
كريج : نعم، قرأت.
مسز كريج : وما بالأمر يا والتر؟
كريج (يضع قُبَّعته على البيانو) : لا أعرف من الأمر أكثر مما تعرفين يا هاريت.
مسز كريج : يا إلهي! أليس الأمر مُزعِجًا؟ كاد صوابي يَطير في نصف الساعة الماضية. حدث أني قرأت الخبر في هذه الصحيفة عندما نزلت من الدَّرَج، ولم أجدكَ في أي مكان.
كريج : خرجتُ مع بيركماير.
مسز كريج : هل هو بيركماير الذي كان هنا؟
كريج : نعم، كان يريد مُقابلتي بهذا الخصوص.
مسز كريج : ولم أعرف إن كنت تعلم بالخبر أم لا؛ لأنك لم تَذكر شيئًا عنه عندما قدِمتَ هذا المساء.
كريج : لم أعلم به عندما قدِمتُ في المساء.
مسز كريج (مُشيرة إلى الصحيفة فوق النَّضَد) : الخبر في الصفحة الأولى من هذه الصحيفة.
كريج : لم أطَّلع على الصحيفة هذا المساء حتى أطلعني عليها بيركماير.
مسز كريج : ولماذا لم تَدعُني عندئذ، بدلًا من أن تندفع خارج البيت؟
كريج : لم أُرد أن أُزعجَك.
مسز كريج (تتقدم إزاء النَّضَد الوسيط) : ما كنت لأنزعج أكثر مما انزعجتُ (تلتفت نحوه). قالت لي ميزي كان هنا رجل وإنك خرجت معه في سيارة؛ ولذا تحيَّرتُ بالطبع، وظننتُ أنك ربما قُبض عليك أو حدث لك شيء من هذا.

(ينظر إليها في حدَّة.)

كريج : لماذا يُقبَض عليَّ؟
مسز كريج : في أمرٍ يتَّصل بهذا الحادث بطبيعة الحال (وتخطو نحوه خطوة). البوليس يبحث عنك، وأنت تعلم ذلك.
كريج : من قال إن البوليس يبحث عني؟
مسز كريج : غادَرَنا اثنان منهم منذ أقلَّ من خمس دقائق.
كريج : بوليس؟
مسز كريج : قالوا إنهما من رئاسة البوليس، وهذا كلُّ ما أعرف.
كريج : ولماذا يبحثون عني؟
مسز كريج : لماذا تظنُّ أنهم يبحثون عنك يا والتر؟
كريج : لستُ أدري.
مسز كريج : ألم تَذكُر هذه الصحيفة أنك شُوهِدتَ وأنت تُغادِر بيت باسمور في الساعة الثانية عشرة مساء الأمس؟
كريج : الصحيفة لا تَذكُر أني «أنا» الذي شُوهِدتُ مُغادرًا هذا البيت.
مسز كريج : تقول الصحيفة إنه شُوهد رجل يُغادِر البيت. ومن ذا عساه أن يكون غيرك؟ فلقد كنت هناك. أليس كذلك؟
كريج : نعم، كنت هناك.
مسز كريج : أليس في هذا الكفاية؟ (تسير إلى يسارها، وتسير إلى جوار النَّضَد نحو ستار الباب.)
كريج : بيدَ أنهم لا يعرفون ذلك.
مسز كريج : لا تكن سخيفًا يا والتر.
كريج : من رآني؟
مسز كريج (تعود إليه) : هناك دائمًا من يَشهد في أمثال هذه القضايا.
كريج : ومن ذا عسى أن يكون؟
مسز كريج : رآك المُناول. أليس كذلك؟
كريج : وما خطر ذلك؟ إنه لم يتبيَّن شخصي، ويقول ذلك في الصحيفة. أليس كذلك؟
مسز كريج : ألا يستطيع أن يعرف صورتك؟
كريج : ومن يُعطيه صورتي؟
مسز كريج : لا ترفع صوتك في الحديث (تعود نحو ستار الباب لتتأكد من أن الخادمتين لا تُنصِتان).
كريج (يتقدم إلى يسار النَّضَد الوسيط) : على أية حال، لا أعتقد أنه يعرف صورتي حتى إن رآها. لم يدخل المكتبة سوى دقيقتين ليُقدِّم لنا شرابًا، وانصرف لتوِّه، ولم يعرف اسمي؛ لأن فرجس كان يجلس فوق أرض حديقته عندما بلغت بيته، وقادني بنفسه إلى الداخل، وكان المناول في فراشه عند انصرافي.
مسز كريج (تتقدم إلى يمين النَّضَد) : وهل لم يشهدْكَ أحد آخر من الخدم؟
كريج : لست أعرف أن أحدًا منهم فعل.
مسز كريج (تلتصق به وتخفض صوتها) : ألم تَقل لي إن بلي بيركماير طلبك في التليفون هناك في الليلة الماضية؟
كريج : نعم تحدَّثتُ إليه من هناك.
مسز كريج : ألم يطرُق اسمك أُذن المناول عندئذ؟
كريج : لا؛ لأن فرجس هو الذي ردَّ على التليفون من الوصلة التي بالمكتبة.
مسز كريج : على أية حال، كان هؤلاء الرجال هنا منذ حين.
كريج : ماذا كانوا يريدون؟
مسز كريج : ألم أقُل لك منذ لحظة ما أرادوا؟ أرادوا مُقابلتك.
كريج : وهل ذكروا أنهم يعرفون أني أنا الذي كنت هناك في الليلة الماضية؟
مسز كريج : لا أذكر ما قالوا على وجه الدقة؛ فلقد كنت في غاية الاضطراب، ولكنهم أرادوا أن يعرفوا أين أنت، ولم أستطع بالطبع أن أُخبرهم؛ لأنك كنت هنا لمَّا غادرتَ الحجرة، ثم اختفيتَ فجأة (تلتفت ناحية اليمين). لم أقِفْ حياتي هذا الموقف. وإني واثقة من أن أولئك الرجال لا بدَّ اعتقدوا أني أتحاشاهم (تلتفت نحوه ثانية)، ولكني لم أعرف ماذا أقول لهم. غير أنك ربما خرجتَ في نُزهة قصيرة قريبًا من هنا؛ لأني بعثت بميزي إلى مخزن العربات لتبحث عنك بمجرَّد ما قرأتُ الصحيفة، وعادت لتقول إن العربتين هناك.
كريج : خرجتُ في عربة بيركماير.
مسز كريج : وإلى أين صَحِبْته؟
كريج : إلى بيت فرجس.
مسز كريج : ولماذا بحقِّ السماء فعلتَ هذا يا والتر؟
كريج : ولِمَ لا؟
مسز كريج : هبْ أنك التقيتَ بأحدٍ هناك!
كريج : وما خطرُ ذلك؟
مسز كريج : هل تودُّ أن يُذكَر اسمك في هذه القضية؟
كريج : سيُذكَر اسمي فيها على أية حال. أليس كذلك؟
مسز كريج : ولم ذلك؟
كريج : قلتِ إن هؤلاء الرجال كانوا هنا منذ حين.
مسز كريج : وما خطر هذا؟ إن ذلك لا يعني شيئًا.
كريج : يعني أنهم لا بُدَّ ربطوا اسمي بالقضية فعلًا. أليس كذلك؟
مسز كريج : لا، إنه لا يعني شيئًا من هذا؛ إذ كانوا يَجمعون معلوماتٍ فحسب.
كريج : من أجلي جاءوا لجمع هذه المعلومات؟
مسز كريج : لأنك كنتَ صديقًا لباسمور.
كريج : بالضبط، ويُحتَمل جدًّا أن يعودوا إلى هنا.
مسز كريج : ولكن لا ينبغي أن تخرج باحثًا عنهم. أليس كذلك؟
كريج (يلتفت ويتوجَّه صوب الباب على اليسار) : إنك لا تستطيعين التَّلاعُب في أمر كهذا يا هاريت.
مسز كريج (تتابعه) : لا، ولا ينبغي لك كذلك أن تندفِع خارج البيت لتنتشر حولك الشبهات. وأحسب أنك تُدرك من تلقاء نفسك ما يترتَّب على مجرَّد ذكر اسمك في قضية كهذه (تلتفت، ثم تتَّجه صوب النَّضَد الوسيط)، ولسوف يُذاع الخبر في كل صحيفة في البلاد.
كريج (يتقدم إلى يمين البيانو) : إن ذلك لا يُزعِجني البتَّة.
مسز كريج (مذعورة) : وكيف لا يُزعِجك.
كريج : لا يُزعِجني البتَّة؛ لأني مرتاح الضمير.
مسز كريج (تتقدم نحوه) : لا تكن خياليًّا إلى هذا الحدِّ السخيف يا والتر.
كريج : ليس في الأمر خيال مُطلقًا.
مسز كريج : لا وليست المسألة كذلك مسألة ضمير. الأمر يقوم على العقل، إذا لم تكن لك بهذه القضية صلة، فماذا يُفيدك من ارتباط اسمك بها؟
كريج : ماذا تعنين بقولك «إذا» لم تكن لك بهذه القضية صلة؟
مسز كريج (في انفعالٍ مفاجئ) : لا تُراجِعني في كل كلمةٍ أقولها (تتَّجه يمينًا وتقترب من النَّضَد الوسيط ثم تسير نحو ستار الباب). لقد وُجِّه إليَّ ما يكفي من الأسئلة في ربع الساعة الماضية (يُخرِج كريج سيجارة من صندوقٍ ثم يُغلِق الصندوق مُحدِثًا صوتًا، وتلتفت نحوه مسز كريج فتجده يوشك أن يُدخِّن). لا تُدخِّن في هذه الغرفة يا والتر (يقذِف بالسيجارة عبر الحجرة نحو الموقد، وتنظر مسز كريج إليها في دهشة ثم تنظر إليه) هذا مكان غير مُلائمٍ لقذفها فيما أظنُّ (تتجه نحو الموقد وتلتقِط السيجارة).
كريج (يجلس في الكرسي إلى يمين البيانو) : وما خطر ذلك؟
مسز كريج : ألا تُريدها؟
كريج : وما فائدتها إن كنتُ لا أستطيع أن أدخنها؟
مسز كريج (تمرُّ بالنَّضَد مُتَّجهة نحو الباب الخارجي، وهي تمسك بالسيجارة بعيدًا عنها بين إبهامها وسبابتها) : في البيت أمكنة كثيرة أخرى للتدخين، إن شئت أن تُدخِّن.
كريج : لا أدري أين هي؟
مسز كريج (تخرج من الباب) : ألا تستطيع أن تُدخِّن في مَخدَعك؟
كريج : إذا أغلقتُ الباب (يجلس في تفكيرٍ عميق، ويُحدِث الباب الحاجز صوتًا، وتعود مسز كريج، وتُنعِم النظر في الستائر). هل ذكر هؤلاء الرجال متى يعودون؟
مسز كريج : لا أذكر إن كانوا ذكروا ذلك أو لم يَذكروا. أعتقد أنهم فعلوا، قالوا إنهم سوف يتَّصلون بك إذا لزم الأمر (تتقدم إلى جواره، وتخفِض صوتها) ولكن، إن عادوا إلى هنا يا والتر فلا تُعطِهم من المعلومات أكثر مما فعلت.
كريج : لن أُنكِر بالتأكيد أني كنتُ صديقًا لفرجس.
مسز كريج : لستَ مُضطرًّا إلى أن تنكر أنك كنتَ له صديقًا، ولكنك كذلك لست بالتأكيد مُضطرًّا لأن تُجيب عن أسئلة عديدة يُوجِّهها إليك رجال البوليس، لا لشيء إلا لأنك كنت من أصدقائه (تلتفت وتتقدم تجاه النَّضَد الوسيط). دعهم يذهبون ويستجوبون بعض أصدقائه الآخرين، فلم تكن صديقَه الأوحد.
كريج : ولماذا خضعتِ أنتِ لاستجوابهم؟
مسز كريج (مُتلفِّتة إليه) : لأني لم أكن أُدرك في ذلك الحين إلى أيِّ حدٍّ لهم الحقُّ في سؤالي. حسبتُ أنهم ربما كانوا يعلمون شيئًا عن وجودك عند باسمور في الليلة الماضية، وكنت في حالة ارتباك، أُريد أن أتحاشى ذكر شيءٍ يدلُّ على اعترافي بذلك، فبادرتُهم بقولي إني عدتُ لتوِّي من أولبني؛ ومن ثَمَّ فإني أعتقد أنهم افترضوا أني لا أعرف أين كنتَ مساء الأمس.
كريج : وكم لبِثوا هنا؟
مسز كريج : نحوًا من ربع ساعة فيما أظنُّ، ولكنها بدَتْ لي عامًا كاملًا.
كريج : وفيمَ كانوا يتحدَّثون طِيلةَ هذا الوقت؟
مسز كريج : يتحدَّثون عنك، وعن فرجس باسمور، وأين كنت، ومتى تعود، وفي كلِّ أمر من الأمور (تذهب إلى البيانو وتلتقِط قُبَّعته، وتسوِّي مفرش البيانو).
كريج : وهل ذكروا أنهم زاروا أحدًا آخر من أصدقاء فرجس؟
مسز كريج : لا أذكر، ربما فعلوا، ذكروا شيئًا عن شهرته هنا في الحياة الاجتماعية؛ ولذلك فعلوا.

(يفكر هُنيهة.)

كريج (ينهض فجأةً ويتَّجه نحو التليفون) : يحسُن أن أطلب بيركماير وأسأله إن كانوا قد توجَّهوا إلى زيارته.
مسز كريج (تتحرَّك نحوه مذعورة) : تريَّث لحظةً يا والتر، لا تفعل شيئًا من هذا.
كريج : لِمَ لا؟
مسز كريج (تتناول منه التليفون) : ابتعد عن هذا التليفون (تَسحبه من ذراعه وتُبعِده عنه). دعني أذكُر لك أمرًا.
كريج : وما ذاك؟
مسز كريج : ألا تُدرك أن هذا التليفون مُراقَب، وأنهم على الأرجح يُراقبون تليفون بيركماير كذلك؟
كريج : ومَن المُراقِب؟
مسز كريج : البوليس طبعًا. ألست تُدرِك البتَّة موقفك من هذه القضية؟
كريج : من الواضح أني لا أُدرِكه إدراكَكِ.
مسز كريج : لقد آن لك أن تُدرِك.
كريج : أصحيح هذا؟
مسز كريج : نعم، صحيح.
كريج : وما إدراكك لموقفي؟
مسز كريج : لا تَسَلْ عن إدراكي، فذاك أمر لا يُهمُّ الآن، وإنما أعرف أن أول ما يفعله البوليس في قضية كهذه هو مُراقبة المكالمات التليفونية من المنزل وإليه.
كريج : لا من هذا المنزل.
مسز كريج : أقصد من منزل فرجس.
كريج : ولم أكن أُريد أن أطلب بيت فرجس.
مسز كريج : ألم تكن تُريد أن تطلب بيركماير؟
كريج : نعم، في بيته الخاص.
مسز كريج : وأي فارق في هذا يا والتر، ألا تعرف أن البوليس السري يضمُّ حقيقةً إلى أخرى؟ ألم يطلبك بيركماير ليلة الأمس في بيت باسمور؟
كريج : نعم، لقد فعل.
مسز كريج : وليس من شكٍّ في أن المُكالمة مُسجَّلة؟
كريج : وهل يُقحِم ذلك اسمي؟
مسز كريج : نعم يُقحِمه لو تسمَّعتْ عاملة التليفون؟
كريج : وهل تحسبين أنها لا تفعل شيئًا إلا أن تتسمَّع للمكالمات؟
مسز كريج : استمعتْ إلى هذه المكالمة. أليس كذلك؟
كريج : أية مكالمة؟
مسز كريج : ماذا؟ (ترتدُّ عنه فجأة، وتمسُّ شعرها، وكأنها تفعل ذلك عن غير عمْد) ماذا قلت؟
كريج : أية مكالمة تقولين إن العاملة استمعتْ إليها؟
مسز كريج : لست أدري أي المكالمات استمعَتْ إليها. غير أنه لا بُدَّ أن يكون هناك من استمع إلى شيءٍ ما، وإلا ما جاء أولئك الرجال إلى هنا. أليس كذلك؟
كريج : وهل ذكروا أن العاملة أبلَغت عن مكالمة من هنا؟
مسز كريج : لا أذكر ما قالوا بِجلاء، وقد ظلَّ أحدهم يُتمتِم شيئًا عن مكالمةٍ تليفونية، ولكني افترضت أنها المكالمة التي تحدَّث إليك فيها بيركماير في الليلة الماضية عند فرجس.
كريج : ألم يذكُروا متى كانت هذه المكالمة؟
مسز كريج : وما أهمية ذلك يا والتر؟
كريج : بل يهمُّ كثيرًا.
مسز كريج : مهما يكن من أمرٍ فإن هذا التليفون لا شكَّ الآن يُراقَب.
كريج (يدور ويرفع التليفون مرة أخرى) : أودُّ أن أعرف لماذا يُراقَب؟
مسز كريج (تقفز إلى جواره وتُمسِك بالتليفون) : استمع إليَّ يا والتر كريج. ينبغي لك ألا تَستعمِل هذا التليفون (تحدِّق في عينيه، ثم تتقهقر عدة خطوات وتنظر إليه مُتحدِّية). لن أسمح لك أن تَجرَّ اسمي إلى فضيحة شائنة.
كريج (ينتزع التليفون ويضعه على أُذنه) : يجب أن أكتشف موقفي من هذه القضية.
مسز كريج (ترفع صوتها مُهدِّدة) : إذا تحدَّثت من هذا التليفون فسوف أُغادِر هذا البيت (يُبعِد السماعة عن أُذنه ويُثبِّت نظره فيها، ثم تسود فترة سكون) وأنت تعلم ما يترتَّب على ذلك في هذه الظروف.

(يَعدِل عن المكالمة، ويُعيد التليفون إلى المائدة الصغيرة مُتباطئًا، محدِّقًا في عينيها.)

كريج (يتقدم نحوها رُويدًا رُويدًا) : ماذا تعنين من قولك أُغادِر هذا البيت؟
مسز كريج (في جمود) : أعني تمامًا ما قُلت، وهل تظنُّ أني أستطيع أن أبقى في هذه البيئة أربعًا وعشرين ساعة بعد أن يَرتبِط اسمي بقضية من هذا القَبيل؟
كريج : أليس عندك أي تقديرٍ لضرورة معرفتي ما يدور في هذه القضية؟
مسز كريج : ليس عندي تقدير لأية ضرورةٍ غير ضرورة لُزوم الصمت.
كريج : ولكن هَبِي أن الأمر تطوَّر حتى تكشَّف في غير لبسٍ أني كنت هناك في الليلة الماضية.
مسز كريج : وماذا عساه يتطوَّر لو لزمتَ الصمت؟
كريج : هَبِي أن الأمر تطور، فهلا يكون خيرًا لي جدًّا أن أكون صريحًا صادقًا منذ البداية بدلًا من أن أكون مُراوغًا فأثير بذلك على الأرجح الشكوك في غير ما داعٍ لها؟
مسز كريج : هناك دواعٍ للشكوك يا والتر. لا تتهرَّب من الموضوع.
كريج : وما هي هذه الشكوك؟
مسز كريج : وجودك هناك في الليلة الماضية.
كريج : إن ذلك لا يعني شيئًا.
مسز كريج : من الواضح أنه لا يعني شيئًا لك.
كريج : وهل يعني شيئًا لك؟
مسز كريج : وماذا يهم معنى ذلك بالنسبة إليَّ؟ لن أحدِّد أنا درجة ذنبك أو براءتك؛ فالأمر لا يخصُّني.
كريج : الأمر لا يخصُّك.
مسز كريج : لا يهمُّني سوى الأثر الذي نتركه في ذهن الناس، واحترام الجماعة التي نعيش بين ظهرانيها.
كريج : تقصدين أنه خير لك أن تعرفي أني مُشتبك في هذه القضية و«تحتفظين» باحترام المُجتمع من أن تعرفي أني كنتُ فريسةً للظروف وتفقدين هذا الاحترام؟

(تظهر مسز هارولد خلال الستائر، وتلمحها مسز كريج خلف كتف زوجها، فتسارع إلى ناحيته.)

مسز كريج : ماذا تُريدِين يا مسز هارولد؟
مسز هارولد : آسفة لإزعاجك يا مسز كريج، غير أني أخشى أن يفسَد طعام العشاء.
مسز كريج (تتَّجه ناحية المرآة) : حسنًا يا مسز هارولد، أَعدِّي الطعام، وسآتيكم فورًا (يتَّجه كريج نحو الركن الأيمن الأعلى للنَّضَد الوسيط).
مسز هارولد (تنسحب) : حسنًا.
كريج : مسز هارولد.
مسز هارولد (تقف) : نعم، سيدي (تتقهقر بضع خطوات نحوه …)
كريج : هل تعلمين يا مسز هارولد إذا كان هناك من طلب اليوم الرقم الذي أعطيتك إياه ليلة الأمس، من هذا التليفون؟
مسز هارولد : تقصد الرقم الذي أعطيتني إياه لكي يطلبك فيه مستر بيركماير؟
كريج : نعم، لفرنج ٣١٠٠.
مسز هارولد : لا يا سيدي، لا أعلم أن أحدًا فعل، وإنما أعطيته لمستر بيركماير عند التليفون ليلة الأمس عندما حضر.
كريج : ولم تَعرِض لك مناسبة تدعوك إلى طلب هذا الرقم اليوم من هذا التليفون يا مسز هارولد؟
مسز هارولد : لا يا سيدي، لم تَعرِض لي مناسبة يا مستر كريج.
كريج : حسنًا، يا مسز هارولد، وشكرًا كثيرًا لك.

(تهمُّ بالانصراف، ثم تقف وتلتفتُ ثانية.)

مسز هارولد : بل لم يَرِد هذا الرقم على خاطري اليوم حتى سألتني عنه مسز كريج عند عودتها هذا المساء.

(تسود فترة من السكون، ثم يرفع كريج بصره نحو زوجته، فترفع هي ذراعها في بطءٍ وتمسُّ شعرها أمام المرآة.)

كريج : حسنًا يا مسز هارولد، وأشكرك كثيرًا (تنسحب مسز هارولد، ويتقدم كريج متباطئًا نحو ستار الباب، ويتأكد من ابتعادها عن سماعه. ثم يتلفت وينظر إلى زوجته، وتقف الزوجة في سكون تام، ويتقدم نحوها خطوة أو خطوتين مُتباطئًا): أنت التي طلبت هذا الرقم (تلتفت وتنظر إليه، في شيء من التحدي) ماذا كنت تفعلين، تَقتفِين أثَري؟
مسز كريج (تقف تجاه ستار الباب) : لا تُمنِّي النفس بهذا يا والتر.
كريج : ذلك ما كنتِ تفعلين. أليس كذلك؟
مسز كريج : لم يُولَد بعدُ الرجل الذي يهمُّني أن أقتفي أثره.
كريج : ولماذا لا تقولين الصدق؟
مسز كريج (تهاجمه) : لأني كنت أتوقع هجومًا من ضميرك الخيالي.
كريج : إنما كنت تبحثين عن سلامتك. أليس كذلك؟
مسز كريج : بالضبط.
كريج : وذلك على حسابي.
مسز كريج : كنتُ أدرك ضرورة ذلك ما دمتُ معك.
كريج (يلتفت يسارًا ويسير أمام النَّضَد الوسيط) : يا إلهي!
مسز كريج (تتابعه) : كنتُ أُدرِك أني لو قلتُ لك إني أنا التي طلبتُ هذا الرقم فسوف تُسارع إلى التليفون لتخبر البوليس في أقلِّ من خمس دقائق.
كريج (يلتفت بغتة) : كنت أعتزم ذلك على أية حال.
مسز كريج : أيها الأحمق الغبي.
كريج : فقد ذهبت هذا المساء مع بيركماير إلى رئاسة البوليس عند مغادرتي هذا المكان.
مسز كريج (مذعورة) : أوه!
كريج : وما منعني من إخطارهم حينئذٍ إلا أن الرجل المنوط بالقضية انصرف لعشائه ولن يعود قبل الساعة الثامنة لكني سأعلمه ساعتئذٍ.

(ويدور مُتَّجهًا نحو الباب الخارجي.)

مسز كريج (تستند إلى النَّضَد الوسيط، وتُهدِّده بالكلام) : إن فعلتَ ذلك فاذكر لهم أيضًا لماذا هجرتُك.
كريج : إن ذلك لا يُزعِجني البتَّة يا هاريت.
مسز كريج : ولكن ربما أزعجهم.

(يلتفت بغتةً وينظر إليها، فزعًا، ثم يعود إلى النَّضَد.)

كريج : استمعي إليَّ يا هاريت. لماذا لم تكوني معي صادقة على الأقلِّ في هذه القضية، فلا تحاولي أن تُظهِريني بمظهر المسئول عن زيارة رجال البوليس السري؟
مسز كريج : لأني أُدرك تمامًا ما تعمل لو أخبرتُك، ويترتبُ على ذلك سؤالي عن السبب الذي من أجله طلبتُ هذا الرقم، ويتلو ذلك الاعتراف بأنك أنت الرجل الذي يبحث عنه البوليس.
كريج : ولكن البوليس السري يبحث عنكِ أنتِ.
مسز كريج : لستَ بحاجةٍ إلى أن تقلِبَ عليَّ الأمر، إنهم ما كانوا ليبحثوا عنك أو عني لو أنك لبثتَ في بيتك مساء الأمس بدلًا من أن تخرج للعب الورق مع قومٍ مُنحرفين (وتتَّجه نحو المرآة).
كريج : وما وجه انحراف فرجس باسمور؟
مسز كريج (مُلتفتةً نحوه غاضبة) : لا بُدَّ أن يكون هناك انحراف وإلا ما حدث الذي وقع. كل من عرف فرجس باسمور يعلم عنه أنه يغار على زوجته إلى حدِّ الجنون، ومع ذلك تذهب أنت لزيارته (تسير إزاء النَّضَد تجاه البيانو) أحسستُ من أعماق نفسي في أولبني أن أمرًا سوف يحدث أثناء غَيبتي، ومن أجل هذا لم أُطِل إقامتي هناك أكثر مما تقتضيه الضرورة القصوى. كنت أعلم أنك — بمجرَّد أن أُولِّيك ظهري — ستخرج مع أصحابك مرة أخرى (ينظر إليها بطرفٍ مُنخفِض، ثم يسُود السكون).
كريج : وما شأن إيلائك ظهرك وزيارتي لأصدقائي؟
مسز كريج : لا تسل عن شأن هذا وذاك. الواقع أنك ما كنت تتردَّد على زيارتهم لو كنتُ أنا هنا.
كريج : وكيف كنتِ تمنعينني؟
مسز كريج : كنتُ أستطيع أن أمنعك تمامًا بأية وسيلة من الوسائل.
كريج : ماذا كنت تفعلين؟ تُغلِقين عليَّ الباب؟
مسز كريج : لم يكن من الضروري أن أُغلِق عليك الباب (تلتفت وتحدِّق فيه). إنك لم تتردَّد على زيارتهم خلال الثمانية عشر شهرًا الأخيرة. أليس كذلك؟
كريج : نعم.
مسز كريج : وهم كذلك لم يتردَّدُوا على زيارتك. أليس كذلك؟
كريج : نعم.
مسز كريج (مُبتعِدة) : حسنًا.
كريج (بعد فترة صمت قصيرة) : تقصدين أنك أقْصيتِهِم عن هنا؟
مسز كريج (تلتفتُ نحوه مرة أخرى، وتحدِّق في عينيه) : لو كنت فعلت، فإن الغاية تُبرِّر الوسيلة؛ فقد ابتعدتَ على الأقل عن طائلة القانون خلال الثمانية عشر شهرًا الأخيرة.

(يُواجِه نظرتها لحظة، ثم يتحرَّك نحو النَّضَد.)

كريج : لا شكَّ أنك تتصرَّفين تصرُّفًا صحيحًا من ناحية الشكل يا هاريت.
مسز كريج : يسرُّني ذلك، لو صح.
كريج : ذكرتْ لي عمَّتي هنا منذ فترة أنك أقصيتِ جميع أصدقائي عن هذا البيت.
مسز كريج (في صوت يدلُّ على استعلاء) : هناك وسائل يتخلَّص بها المرء من الناس دون أن يُقصيهم عن البيت.

(يُحدِث صوتًا يدلُّ على السخرية المريرة.)

كريج : وأحسَب أنها كانت تتخيَّل أمورًا على حِسابك.
مسز كريج : ألا ترى أنها ربما كانت أبعد إدراكًا مما قدَّرت؟

(يلتفت وينظر إليها نظرة قاتمة.)

كريج : ربما كانت كذلك لأنها نفذَت إلى شيءٍ آخر يا هاريت، ربما كان كذلك صحيحًا.
مسز كريج : حقًّا؟
كريج : قالت إنك تُحاولين أن تتخلَّصي منِّي أنا أيضًا (ترمُقه بنظرة) دون أن تُقصِيني فعلًا عن البيت (تضحك في ازدراء، وتتقدم نحو ستار الباب، ويتابعها رافعًا صوته)، وأعتقد أن ذلك أيضًا صواب.
مسز كريج : اخفض صوتك، هل تُريد أن يسمعك كل من بالبيت؟
كريج : لقد اعترفتِ بذلك بموقفك في هذا الأمر هذا المساء.
مسز كريج (تنظر إليه وتتقدم نحو رفِّ المِدفأة) : لست أدري عمَّ تتحدَّث.
كريج (يتقدم ويستند إلى النَّضَد) : تعلمين جيدًا ما أتحدَّث عنه، وتعلمين أيضًا ماذا أرادتْ عمتي أن تقول هنا منذ لحظة. ومن أجل هذا تركتِ الغرفة قبل أن تبدأ حديثها.
مسز كريج : آسفة لأنني لم أمكُث هنا الآن.
كريج : لا خطر من بقائك هنا يا هاريت، وما كنتِ لِتُطيقي (تضحك، ويتحرك ناحية اليسار). يا إلهي! إنها لتعرفكِ حقَّ المعرفة يا هاريت، وما كانت بمُستطِيعةٍ أن تُطالعك أحسن من ذلك لو أنك كتبتِ عن نفسك لها. وقد شعرت بالأسف الشديد وأنا أُصغِي إليها، وظننت أنها إنما ترتاب وتَهذِي هَذَيان الشيخوخة، وبخاصةٍ عندما قالت إنك أبعدتِ أصدقائي.
مسز كريج : وهل تظنُّ أنني أردتُ أن ينقلِبَ بيتي إلى خمارة؟
كريج : إن أصدقائي لم يقلبوا بيتَ أمي قطُّ إلى خمارة.
مسز كريج : إنهم لم يلعبوا البوكر في بيت أمك حتى ساعات الصباح.
كريج : مساء كل خميس مدة عشر سنوات، وحتى الثانية صباحًا إن شاءوا.
مسز كريج : واضح أن فكرتي عن البيت تختلف عن فكرة أمك.
كريج : تختلف جدَّ الاختلاف يا هاريت. الحجرة الواحدة في منزل أمي أكثر إيواءً في الواقع من كلِّ حُجُرات هذا المنزل لو عِشنا فيه ألف عام.
مسز كريج : ولماذا إذن لم تمكُث به، ما دام يَجذِبك إلى هذا الحد؟
كريج : تسألين الآن يا هاريت لماذا لم أمكُث ببيت أمي (يسير ناحية اليسار، ثم يعود إلى الخلف فجأة)، ولكن أرجو ألا تُخطِئي الظنَّ فتحسَبي أني أعتقد أنك لا تُريدين أصدقائي هنا لمجرَّد أنهم يلعبون الورق، إنما أنت لا تُريدينَهم لأن زياراتهم — كما تقول عمَّتي — تشير إلى أهمية خاصة بي لا تتَّفق وحملتك الصغرى عليَّ، الحملة التي تُدبرينها لكي تَرُدِّيني إلى واحدٍ من أولئك الخراف الذين تمتطيهم زوجاتهم حتى لَيخاف الواحد منهم أن يشتري رباط رقبة خشية ألا يحظى بالقَبول عند زوجته (يتوجه ناحية الباب الأمامي).
مسز كريج : لا تحاول أن تجعل نفسك شهيدًا. لقد نلتَ حظك من الصفقة التي عقدناها.

(يلتفت فجأة وينظر إليها، ثم يتقدم مرة أخرى.)

كريج : إنني لم أعتبِر هذا الأمر قطُّ صفقةً من الصفقات.
مسز كريج : وهل كنتَ تتوقَّع مني أن أسير في أمرٍ هام كالزواج بعينين مُغمَضتين؟
كريج : أردتُ أن تسيري فيه مُخلِصة، كما فعلتُ، ولكنك آثرتِ السلامة منذ البداية (يسير نحو البيانو).
مسز كريج : لم أفعل شيئًا من هذا.
كريج : لا تقولي لي ما كنت تفعلين، فأنا أرى الدور الذي تلعبين واضحًا كما تراه عمَّتي. (يلتفت ويعود نحوها) كنت تَستغِلِّينني في إصرار وتحتالين بطرقٍ مُلتوية على أن تَظفري بسلامتك. وإنك لَتَقذِفين بي الآن في شُبهات الاشتباكِ في مقتلِ هذين الشخصين؛ في سبيل احتفاظك بتلك السلامة (يعود إلى البيانو).
مسز كريج (تكاد تصيح) : إنما كنتُ أحاول أن أُحافِظ على بيتي.
كريج : ذلك كل ما سمعتُ منك منذ اليوم الذي تزوجتُ منك فيه.
مسز كريج : وماذا تَملِك امرأة مثلي غير بيتها؟
كريج (مُلتفتًا إليها) : أليس لها زوج؟
مسز كريج : ولكنها تستطيع أن تفقد زوجها. أليس كذلك؟
كريج : وهل لا يُمكِن أن تَفقد بيتها كذلك؟
مسز كريج : لا يُمكن إذا عرفتْ كيف تتمسَّك به.
كريج (يرفع إصبعه في وقار) : هذا هو الهدف في عبارة مُوجَزة يا هاريت: إذا عرفتْ كيف تُثبِّتُ البيت لنفسها (يبتعد ويضع يديه على البيانو).
مسز كريج : وفيمَ كان خطَئي إذا كنت أثبِّت الأمور لنفسي؟ هل أفقَدَك ذلك شيئًا؟ إذا كنتُ أثبِّتُها لنفسي، فأنا أثبِّتها لك أيضًا. بيتك هنا، وربما انتقل إلى غير هذا المكان لو لم ألعب دوري في ثبات. ولن أكون أول امرأة تفقد بيتها، وتفقد زوجها أيضًا، من جرَّاء إفلات زمامِهما من يَديها (تسير نحو مُؤخِّرة الحُجرة وهي تكاد تبكي). لقد شهدتُ ما حدَث لأُمي وعقدتُ عزمي على ألَّا يتكرَّر الأمرُ معي (تلتفتُ وتتقدم مرة أخرى). كانت امرأةً من النوع الذي يقول: «سأتَّبِعك في كلِّ أمرٍ يا زوجي»، وتعتقد في كلِّ ما يقوله لها أبي، وكان خلال ذلك يبيع «بيتها» لامرأةٍ غيرها دون علمها. فلما كشفت الحقيقة فعلت الأمر الوحيد الذي تستطيع النساء من أمثالها أن يفعلنه، وذلك أن تموت بقلبٍ مُحطَّم بعد ستة أشهر، وتترك الباب مفتوحًا للمرأة الأخرى كي تدخُل البيت زوجةً لأبي وتتحكم في إستل كما تتحكم فيَّ (تلتفتُ نحو رفِّ المِدفأة)، ثمَّ تتخلَّص من كِلتينا بمُجرَّد ما نضِجت إستل للزواج (تلتفت إليه بغتة). غير أن «المنزل» لم يتمَّ قطُّ بيعه من وراء ظهرها. إني لأعِدُك بهذا؛ لأنها حرصت على أن يُسجَّل باسمها قبل أن تَقترِن بأبي، وبقِي كذلك حتى النهاية (تسارع نحو مؤخرة الغرفة مرة أخرى).
كريج : لماذا لم تطلُبي إليَّ أن أُسجِّل هذا المنزل باسمك؟
مسز كريج (صائحةً في وجهه) : لأني لم أُرِد أن يُسجَّل باسمي.
كريج : كان ذلك يدلُّ على إخلاصٍ أشد.
مسز كريج (تتقدم نحو حافَةِ النَّضَد اليُمنَى) : إني لم أفعل شيئًا يُنافِي الإخلاص.
كريج : كيف تعرفين يا هاريت؟
مسز كريج : لم أُرِد إلا أن أكون عملية، ولكنك بخيالك المألوف تُريد أن تُظهرني بمظهر المُجرِمة في هذا الشأن.
كريج : إني لا ألومُكِ البتَّة.
مسز كريج : لا ينبغي لكَ أن تلُومني، وليس هناك ما تلومُني من أجله.
كريج : لقد تزوَّجتِ رجلًا لا يتَّفق معك يا هاريت.
مسز كريج (في وهن) : إنما تزوَّجتُ من أحمقَ خياليٍّ (ينظر إليها بحدَّةٍ وتلمح نظرته). هذا هو الرجل الذي تزوَّجتُ منه (تبتعد وتتَّجه نحو ستار الباب لتتطلَّع إلى الخارج)، ويزداد الأمر وضوحًا في حياتي يومًا بعد يوم.

(فترة من الصمت، ثم يشقُّ كريج الصمت بضحكةٍ جافَّة صغيرة.)

كريج : الآن يُحسِن كلٌّ منَّا فهم الآخر يا هاريت.
مسز كريج (تعود إلى رفِّ المِدفأة مرة أخرى) : أنا أفهمك على أية حال، سواء فهمتني أنت أو لم تفهم (توجِّه إليه الحديث مباشرة)، وينبغي لك أن تحمد الله على أني أفهمكَ، لأني لا أتصور ماذا كان يحلُّ بك لو لم أفهمك (تلتفت إلى رفِّ المِدفأة، ويقع بصرها فجأةً على البطاقة التي تركتْها ميزي خلفَ التُّحفة المُتوسطة، وتلتقط المظروف برقَّة، وتنتزِع البطاقة وتقرؤها).

(يقف كريج ويراقبها في جمود، وبعد فترة صمتٍ يتكلم في نغْمةٍ مُتَّئدةٍ تشفُّ عن الخطر.)

كريج : ما أشدَّ برودَكِ وما أعظمَ ادعاءكِ!

(تنظر إليه.)

مسز كريج : ماذا تقول؟
كريج : إني لأعجبُ كيف تَسلُكين هذا السلوك!
مسز كريج : أي سلوك؟
كريج : هذا الادِّعاء السَّليط الذي يدفعكِ إلى أن تقولي لي شيئًا كهذا.
مسز كريج : وماذا قلتُ لك؟ إني لا أُدركُ ما تتحدَّث عنه.
كريج (يبتعد خطوةً أو خطوتين عن البيانو مُتباطئًا) : ماذا فعلتِ أنت؟ بل ماذا فعل مليون من الأُخريات من أمثالك، حتى تكفُلي لنفسكِ حقَّ الاستعلاء على الرجل الذي تزوجتِ منه؟
مسز كريج : إني لا أزعم لنفسي استعلاء.
كريج : إن المُلاحظة التي أبديتِها تشير إلى ذلك.
مسز كريج (تلتفت وتسير نحو ستار الباب) : لا تكن حادَّ المِزاج.
كريج : تقولين لولا أنك تفهمينني لما عرفتِ ما كان ينتهي إليه أمري.
مسز كريج (تنظر خلال الستائر) : نعم، ما كنتُ لأعرف.
كريج : ما أشدَّ ادعاءك.
مسز كريج : لماذا تقِفين هناك يا ميزي؟

(ميزي وكريج يتحدثان.)

ميزي : بعثَتْ بي مسز هارولد لأسألك إن كنت ستَحضُرين للعشاء.
كريج : وتضعين نفسك موضع من يتحكَّم في مصير رجل …
مسز كريج : نعم إني آتية بعد قليل.

(مسز كريج وكريج يتحدثان.)

مسز كريج : ولكني أريدُكِ لحظةً أولًا يا ميزي.
كريج : … كأني قاصر العقل.
ميزي : ماذا تُريدين يا سيدتي.
مسز كريج (تلتفت وتتَّجه نحو كريج وتخفِض صوتها مُحاولة أن تحمِلَه على الصمت) : لا تظهر بهذا المظهر أمام ميزي (تدخل ميزي خلال الستائر، وتلتفت إليها مسز كريج). ما هذه البطاقة يا ميزي؟
ميزي : هي بطاقة «الجمعية» يا مسز كريج للمعونة الخيرية المشتركة.
مسز كريج : ولماذا وُضعت هنا؟
ميزي : أرسلَتْها كرستين منذ ساعة مع صبي الخياط الصغير، تسألني إن كنتُ سأدفع لها اشتراكها.
مسز كريج : وهل لم تَجِدي لها مكانًا سوى خلف هذه التحفة؟
ميزي : كنت …
مسز كريج : وذلك بعد المرَّات العديدة التي أمرتُكِ فيها ألا تضعِي قطُّ شيئًا على رفِّ هذه المِدفأة؟
ميزي : نعم قلتِ لي ذلك يا مسز كريج، ولكني عندما دخلتُ …
مسز كريج : ولماذا فعلتِ ذلك إذن؟ هل لا بُدَّ لي أن أُكرِّر لك الأمر إلى ما لا نهاية؟ أنتِ تعلمين جيدًا أني لا أسمح لأحدٍ حتى أن ينفض عن هذا الرفِّ التراب سواي، بل لقد اشتريتُ فرجونًا صغيرًا خاصًّا لهذه التحف؛ لأني لا يمكن أن أَكِل أمرها إلى أحدٍ غيري. ومع ذلك فما إن أولِّيك ظهري حتى تَستعمليها مخبأً لكلِّ شيءٍ في البيت.
ميزي : طلبتْ مسز هارولد مني شيئًا عندما دخلتُ و…
مسز كريج : لا يهمُّني ما يَطلبه منك أي إنسان، وذلك لا يغفر لك (تخرج ميزي منديلًا من فوطتها وتمسُّ به عينيها). قلتُ لك مِرارًا لا تضعِي شيئًا خلفَ هذه التُّحف، ولكنك تعصين أمري عمدًا، ولا تَصدَعين بما تُؤمرين به. وعندما تُخالف الفتاة ما تُؤمر به فخيرُ ما تفعله هو أن تذهب إلى مكانٍ آخر تُرغَم فيه على طاعة الأوامر. أودُّ أن تجمَعِي أمتعتك هذه الليلة وتترُكي هذا البيت صباحَ الغد (تنظر ميزي إليها، ثم تبتعد لتترك الغرفة). هذه هي البطاقة، وابحثي لها عن مكانٍ آخر غير ظهر التُّحفة (تأخذ ميزي البطاقة وتنسحب) وقولي لمسز هارولد تُعدُّ العشاء، فسوف آتي بعد دقيقتين (وتسير نحو الدَّرَج). سوف أصعد لأسأل ابنة أُختي عما تُريد لعشائها (تصعد الدَّرَج في كبرياء، وعند مُنتصفه تلتفتُ وراءها دون أن تتوقَّف، وتوجِّه الكلام إلى كريج في برود): يحسُن أن تخرج وتتناول عشاءك قبل أن يبرد.

(تختفي عند رأس الدَّرَج، ويقفُ كريج خافِضًا طرفه نحو الأرض، ثم يجول ببصره فوق الدَّرَج مُتابعًا لها، ثم يُوَجِّه نظره إلى يمين الغرفة. وتستقرُّ نظرته على التحفة التي فوق رفِّ المِدفأة، ويحدِّق فيها، ويسير بعدئذٍ نحوها في أناةٍ ويلتقطُها، ويمسك بها بين يديه فاحصًا إياها في شغف، ويرفعها بغتةً في الهواء ويُحطِّمها على قوالب الطوب أمام المِدفأة. ويقف مُتفرِّسًا الحُطام لحظة، ثم يُخرِج سيجارة من صندوقه، ويعبُر الحجرة مُتَّجهًا نحو البيانو، ثم يطرُق السيجارة على الصندوق، ويستخرج عودَ ثقابٍ ويُشعِلها، ويقذف بالعود المُحترِق فوق الأرض، ثم يستند إلى البيانو ويُدَخِّن وهو يتفكر. وتُهرَع مسز هارولد إلى الغرفة خلال الستائر.)

مسز هارولد : هل انكسر شيء هنا يا مستر كريج؟ (يومئ برأسه مشيرًا إلى التحفة المُحطمَة، توجه مسز هارولد بصرها نحو رفِّ المِدفأة، وتقع عينها على الحُطام، ثم ترفع يديها وبصرها نحو السماء، وتخطو نحوه خطوة أو اثنتين.) المَجد لله هذا اليوم وهذا المساء، كيف جدَث هذا يا مستر كريج؟ هل سقطتِ التحفة من فوق الرف؟
كريج (دون حراك) : لا، بل هشَّمتُها يا مسز هارولد.
مسز هارولد (مُتحيِّرة) : تعني قصدًا يا مستر كريج؟
كريج : نعم، لم تَرُق لي.
مسز هارولد : أودُّ أن تُخبِر مسز كريج أنكَ أنتَ الذي هشَّمتَها يا مستر كريج؛ فهي إن رأتْها قد تحسَب أن إحدانا هي التي حطَّمتْها.
كريج : سوف أُخبِرها بكلِّ شيءٍ عنها يا مسز هارولد. لا تفكري في الأمر (يستقيم في وقفته، ويسير في بطءٍ نحوَ المقعد الكبير أمام المِدفأة، وتخطو مسز هارولد خطوةً أو اثنتين نحو الستار).
مسز هارولد (تلتفت نحوه) : هل أُحضِر صندوق القاذُورات وأزيل الحُطام يا مستر كريج؟
كريج : كلَّا، لا تَشغَلي بالك بها الآن يا مسز هارولد، واخرجي وأعدِّي العشاء.

(تتحرَّك نحو الستار، ثم تقِف ثانية.)

مسز هارولد : هلَّا أتيت لعشائك يا مستر كريج!
كريج (يجلس) : لا، لا أريد الليلة عشاءً يا مسز هارولد.
مسز هارولد : لا تريد البتَّة شيئًا؟
كريج : لا شيءَ البتَّة.

(تنسحب، ويجلس وهو يُدخِّن ويفكر.)

مسز كريج (من أعلى السلم) : هل أنت في مكانك يا والتر؟
كريج : نعم.
مسز كريج : اسمع! هل سقط شيء لديك منذ لحظة؟
كريج : لا.
مسز كريج : هل أنت مُتأكد؟
كريج : نعم، مُتأكد.
مسز كريج : سمعت صوتًا هنا كأنَّ البيت انهار.
كريج (بعد فترة صمت يسيرة) : ربما حدث هذا يا هاريت؛ فأنا أجلس هنا مُتعجِّبًا (يجلس وهو يُدخِّن، ويجُول بِبصره إلى أعلى، وإلى الخارج، وإلى بعيد).
(ينزل الستار رُوَيدًا رُوَيدًا.)

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤