الفصل الثالث

(المنظر — هو نفس المنظر في الفصل السابق — صبيحة اليوم التالي، حول منتصف التاسعة، وما يزال كريج جالسًا في المقعد الكبير أمام الموقد مُستغرِقًا في نومه. وبعد فترة سكون تدخل مسز هارولد خلال الستائر، وهي تحمل صندوق القاذورات وفرجونًا يدويًّا، فتقع عينها على كريج، وتنظر إليه في عَجب، وتلحظ كذلك حُطام التحفة المُهشَّمة وأعقاب السجائر عند قدميه، فتلتفت وتضع الصندوق والفرجون على المقعد إلى يمين الدَّرَج، ثم تُلقِي نظرة على الدَّرَج وتتقدم وتفتح الباب الأمامي وتنصرف. وبعدئذٍ يُحدِث الباب الحاجز صوتًا وراءها فيتيقَّظ كريج، ويتلفت حواليه، وينظر في ساعته وينهض، ويرتِّب هندامه أمام المرآة، وتعود مسز هارولد على أطراف قدميها وفي يدها صحيفة الصباح.)

كريج : صباح الخير يا مسز هارولد.
مسز هارولد (تقف عند النَّضَد الوسيط) : صباح الخير يا مستر كريج.
كريج : لا بُدَّ أن أكون قضيتُ الليل هنا جالسًا.
مسز هارولد : نعم، كنتُ أتساءل هل لَزِمتَ مكانك طول الليل.
كريج : لا بُدَّ أن يكون قد غَلبني النُّعاس.
مسز هارولد : لا شكَّ في أنك تحسُّ تعبًا شديدًا. أليس كذلك؟
كريج (مُلتفتًا إليها) : لا، بل أنا بخير. هل هذه هي صحيفة الصباح التي تحملينها يا مسز هارولد؟
مسز هارولد : نعم يا سيدي، أتيت لك بها الآن.
كريج : أطلِعيني عليها من فضلك.
مسز هارولد : نعم يا سيدي (يتناول الصحيفة، ويتقدم نحو البيانو وهو يُطالِعها). هل ترغبُ في فنجانٍ من القهوة يا مستر كريج؟
كريج : نعم أودُّ قليلًا من القهوة إن كان لديك.
مسز هارولد (مُتَّجهةً نحو ستار الباب) : إنها مُعدَّة، وسأسخن الإبريق لحظةً واحدة.

(تخرج، ويقف كريج وهو يُطالع، ويسمع صوت بابٍ يُفتَح في مكانٍ ما في الطابق الأعلى، فيتطلع نحو رأس الدَّرَج، ثم يسير مُسرعًا نحو الباب الخارجي ثم إلى المدخل. وتعود مسز هارولد، وتلتقط صندوق القاذورات والفرجون، ثم تتقدَّم نحو المِدفأة وتشرع في إزالة حطام التُّحفة وأعقاب السجائر، وتظهر مسز كريج على الدَّرَج.)

مسز كريج : مسز هارولد.
مسز هارولد (تستقيم واقفة) : نعم يا سيدتي.
مسز كريج : هل جاءت صحيفة الصباح؟
مسز هارولد : نعم يا سيدتي، وناولتها منذ لحظة لمستر كريج، وها هو ذا يُطالعها عند مدخل الدار.
مسز كريج (مُتحيِّرة، تهبط السلم) : وماذا يصنع في هذا الصباح الباكر؟
مسز هارولد : لا أظنُّه أوَى البتَّة إلى فراشه يا مسز كريج؛ كان جالسًا هنا على المقعد الكبير عندما دخلت هذا الصباح، وكان يجلس هنا مساء الأمس حينما أغلقتُ الباب.

(تسير مسز كريج نحو المشربية على اليسار، ثم تُوجِّه نظرها إلى مدخل البيت، وتتابع مسز هارولد الكنس، وتدرك مسز كريج ما تصنع مسز هارولد، فتلتفت إليها.)

مسز كريج : ما هذا الذي تَكنُسين يا مسز هارولد؟
مسز هارولد (تستقيم في وِقفتها) : إنها تلك التحفة الوسطى التي كانت هنا يا مسز كريج.
مسز كريج (تسير نحو النَّضَد الوسيط، وتُحملِق بعين مفتوحة إلى المكان الخالي فوق رفِّ المِدفأة) : ما هذا؟
مسز هارولد : انكسرت مساء الأمس.
مسز كريج : أستحلِفك بالله يا مسز هارولد لا تقولي إن هذه هي ذلك التمثال الصغير الجميل.
مسز هارولد : قال مستر كريج إنه كسَرها.
مسز كريج (تنظر إلى حُطام التحفة في صندوق القاذورات الذي تحمله مسز هارولد) : يا إلهي! انظروا كيف كُسرت، لقد تفتَّتت إلى ألف قطعة.
مسز هارولد : لا بُدَّ أنها سقطت على قوالب الطوب هنا.
مسز كريج : إنه لم يكن مجرَّد سقوطٍ يا مسز هارولد، فهي مُهشَّمة كلَّ تَهشيم. انظري إلى حجم القطع. إن إصلاحها أمرٌ لا يُفكِّر المرء فيه.
مسز هارولد : لا، لست أظنُّ أنه بالإمكان إصلاحها الآن.
مسز كريج (وهي تكاد تبكي) : تلك التحفة الجميلة، التي ما كنت لأسمح لأحدٍ أن يقترب منها. انظري إليها الآن.
مسز هارولد : أمرٌ يُؤسَف له كثيرًا بكل تأكيد.
مسز كريج : أستطيع بالطبع أن أُلقي بهذه التحف الأخرى الآن؛ فقد باتت لا تعني شيئًا بدونها. (تبتعِد في غَمرة حزن، وتسير بضع خطوات يسارًا، ثم تلتفتُ فجأةً نحو مسز هارولد) إني لأَعجبُ كيف حدَث هذا يا مسز هارولد.
مسز هارولد : صدِّقيني لستُ أدري يا مسز كريج.
مسز كريج : أعتقد أن ميزي كسرتها حقدًا. أليس كذلك؟ لأني أنَّبْتُها ليلة الأمس لأنها وضعت خلفها أشياء.
مسز هارولد : لا، إنها لم تكسرها يا مسز كريج لأنها كانت معي في المطبخ عندما سمعنا صوت سقوطها.
مسز كريج (تبتعد وتسير نحو النَّضَد الوسيط) : أرسليها إلى هنا الآن فإني أودُّ أن أتحدَّث إليها.
مسز هارولد : قال مستر كريج إنه كسرها، (تلتفت مسز كريج وتنظر إليها) وقال إن هذه التحفة لم ترُق له.
مسز كريج : قولي لميزي إني أودُّ أن أراها.
مسز هارولد : ليستْ هنا يا مسز كريج، فقد ذهبت.
مسز كريج : تقصدين أنها تركَتنا فعلًا؟
مسز هارولد : نعم يا سيدتي، تركَتنا بعد أن تناولت فطورها مُباشرة.
مسز كريج : لا شكَّ أنها فعلت، تلك الشيطانة الصغيرة الحقيرة.
مسز هارولد : قال مستر كريج إنه سوف يُنبِئك عن كلِّ شيءٍ بشأنها.
مسز كريج : أين ذهبت ميزي؟
مسز هارولد : قالت إنها ذاهبة إلى بيت أختها المُتزوِّجة فترةً ما.
مسز كريج : هل دفعتِ لها أجرها؟
مسز هارولد : نعم يا سيدتي دفعتُ لها مساء الأمس.
مسز كريج (تبتعد ناحية الباب الخارجي) : حسنًا يا مسز هارولد (تخرج مسز هارولد خلال الستار، وهي تحمل صندوق القاذورات والفرجون): والتر، أرجو أن تأتي إلى هنا لحظة. (تتشوَّف لتتأكد من أن مسز هارولد بعيدة عن مَسمعها، ثم تلتفت وتنتظر حتى يأتي كريج، ثم يدخل وبين يديه الصحيفة) ماذا تقول الصحيفة هذا الصباح عن مسألة باسمور؟
كريج (يُناوِلها الصحيفة) : أنتِ في أمان تام (يتقدم ويقطع الغرفة أمام النَّضَد الوسيط حتى يبلغ المرآة، ويُسوِّي رباط رقبته).
مسز كريج (تسير نحو البيانو وتنشر الصحيفة مُتلهِّفة) : ماذا تقول الصحيفة؟
كريج : عاد أخوه مساء الأمس من بتزبره يحمل خطابًا حرَّره له فرجس، يشير إلى نواياه.
مسز كريج : إذن فإن فرجس هو الذي ارتكب الجريمة بنفسه.
كريج : يبدو ذلك.
مسز كريج : كنتُ دائمًا أقول لك إنه يغار على زوجته.

(يلتفت وينظر إليها.)

كريج : إنما فعل ذلك لأنها كانت خائنة.
مسز كريج (وهي تقرأ) : أعتقد أن هذه البرقية المنشورة هنا من أخيه بشأن خطاب فرجس هي المعلومات التي استجدَّت والتي تحدَّث عنها ذلك البوليس السري هنا في الليلة الماضية؛ فقد طلب رئاسة البوليس من هنا في نحو الساعة السابعة ثم قال إنه لم يعُد من الضروري أن يُزعجنا بعد ذلك لفترة ما؛ لأن هناك ما استجدَّ من المعلومات بشأن القضية. وأعتقد أن هذه هي المعلومات الجديدة؛ لأن الصحيفة تذكر هنا أن البرقية وصلت رئاسة البوليس في الدقيقة الخامسة والأربعين بعد السادسة.
كريج (يسير منهوكًا نحو الستائر) : وماذا يهمُّ ذلك الآن يا هاريت؟
مسز كريج : لا يهمُّ «الآن» ولكنه ربما كان يهمُّ من قبل، لولا أني حصرت فكري ليلة الأمس ولم أسمح لك بأن تتكلم في التليفون وتفضح أمرنا جميعًا. (يضحك ضحكة مريرة) تستطيع أن تضحك ملء شَدقَيك، ولكنك تستطيع كذلك أن تشكرني لأن اسمك ليس في كل صحيفة في المدينة هذا الصباح (تتابع قراءة الصحيفة).
كريج : بل أستطيع أن أشكرك على أكثر من ذلك يا هاريت.
مسز كريج : إنما تستطيع أن تشكرني على ذلك على أية حال.
كريج : أستطيع أن أشكرك لأنك أطلقت عليَّ اسمًا جديدًا مساء الأمس، يُلائمني تمام الملاءمة حتى لقد اعتزمتُ أن أستمرَّ في استعماله، أَسمَيتِني الأحمق الخيالي.
مسز كريج : لا شكَّ في أن فرجس كان على علم بذلك الرجل الذي صاحبته أدليد؛ لأن الصحيفة تقول هنا إنه ذكر اسمه مرة من قبل في خطاب منه لأخيه.

(مسز هارولد تظهر بين الستائر.)

مسز هارولد : القهوة مُعدَّة يا مستر كريج.
كريج (يلتفت في هدوء نحو الستائر) : حسنًا يا مسز هارولد.

(تنسحب ويُتابِعها.)

مسز كريج (تنظر بغتة) : أصغِ إليَّ يا والتر، وتعالَ هنا لحظة.
كريج (يلتفت) : ماذا؟
مسز كريج : أنصت. (تتابع بنظرها مسز هارولد من فوق كتفه، ثم تخفض صوتها) يرجَّح جدًّا أن يطلب إليك بلي بيركماير أن تصحبه إلى جنازة فرجس، ولكن لا تفعل، ويحسن أن تُخبره بألا يذهب هو أيضًا؛ فمن الجائز أن يقول أحدكما شيئًا، وإذا وقعت عينا المناول عليك فقد يعرِفك، ولا يُجدِي أن تشرع الآن في أمرٍ جديد، بعد ما انتهى كل شيء.
كريج : هل هذا هو كل ما أردت أن تُخبريني به؟
مسز كريج : أليس هذا هو ما ينبغي عمله؟ وليس من شكٍّ في أن الإفصاح الآن لن يزيد الأمر تيسيرًا. أليس كذلك؟ علامَ تبتسِم؟
كريج : أبتسم على رغبتكِ في تيسير الأمور.
مسز كريج : لقد أردتُ أن أُيَسرها.
كريج : منذ متى؟
مسز كريج (تبتعد نحو النَّضَد الوسيط) : لا تدَعنا نخوض في ذلك كله مرة أخرى. لقد أردتُ أن أُعينَك أنت قبل كل شيء، ولكن يبدو أنك لا تملك من العقل ما تقدِّر ذلك به.
كريج : وهل هذا كل ما أردتِني من أجله؟
مسز كريج (تلتفت إليه مرة أخرى) : لا، ليس هذا كل ما أردتُكَ من أجله، أُريد أن أعرف شيئًا عن تلك التحفة التي انكسرت هنا مساء الأمس.
كريج : وما بها؟
مسز كريج : لست أدري ما بها، ومن أجل ذلك أسألك. قالت لي مسز هارولد هذا الصباح إنك أخبرتها ليلة الأمس أنك كسرتَها.
كريج : نعم فعلت.
مسز كريج : يجب أن تفخر بنفسك.
كريج : كنت بها فخورًا لحظةً من الزمن.
مسز كريج : ماذا كنت تفعل؟ تستند إلى رفِّ المِدفأة مرةً أخرى كما أَلِفتَ؟
كريج : لم يكن عَرَضًا، إنما حَطَّمتُها عمدًا.
مسز كريج : حطَّمتَها عمدًا؟ ماذا تعني؟
كريج : أقصد أني هشَّمتُها عامدًا مُتعمدًا.
مسز كريج : لماذا؟
كريج : أمسيتُ بطلًا في طرفةِ عين.
مسز كريج : لا أُصدِّقك.
كريج (مُبتعدًا) : حسنًا، هذه هي حقيقة الأمر.
مسز كريج : لماذا تكسر عامدًا تحفةً كهذه جميلةً ثمينة؟
كريج (مُتقهقرًا) : لم أكسرها.
مسز كريج : ولكنك قلتَ إنك فعلت.
كريج (في مرارة) : قلتُ إني هشَّمتُها إلى ألف قطعةٍ صغيرة هنا فوق هذا الطوب، ثم دخَّنتُ سيجارة بعد أخرى، حتى جعلتُ معبدَك المُقدَّس هنا مُلطخًا كله بالرماد وأعقاب السجاير. كنتُ هنا فتًى مُخرِّبًا عن عمدٍ نحو ساعةٍ مساء الأمس، وكان ينبغي أن تَشهدِيني.
مسز كريج : ماذا دَهاك؟ فقدتَ صوابك، أو حدث لك ما يُشبه ذلك؟
كريج : لا، فمن عجبٍ أني كنتُ أفكر بعقلٍ غاية في الصفاء؛ فقد أبديتِ هنا مُلاحظة بالأمس يا هاريت أضاءت لي الطريق تمامًا وأضاءته لك، وفجأة تبيَّن لي لأول مرة كل شيء، كما يتبيَّن المرء منظرًا من الطبيعة بأسره في منتصف الليل في وَمضةِ برق، ولكن البرق — لسوء الحظ — أصاب بيتي وهدَّهُ هدًّا، وجلستُ هنا طيلة الليل أفكر كيف أُقيمه مرة أخرى.
مسز كريج : أية ملاحظة تُشير إليها؟
كريج : قلتِ إن المرأة قد تفقد زوجها، ولكنها لا تفقد بيتها إذا عرفت كيف تحتفظ به.
مسز كريج : ألم تفقد كثيراتٌ من النساء أزواجهن؟
كريج : كما فقد كثير من الرجال زوجاتهم يا هاريت؛ لأنهن لم يُبدين من الملاحظات ما ينير الطريق إنارة كافية، ولكنك فعلت ذلك، وتلك الملاحظة الأخرى، حينما قلتِ إن هناك سُبلًا يتخلَّص بها المرء من الناس دون أن يطرُدهم من بيته. (يبتسم ابتسامةً مرة) أدركتُ خطة حياتك كلها يا هاريت، وعلاقتها بي، وهَدَتني غريزة حفظ الذات إلى ضرورة القيام بعملٍ مُباشر، البدء في إقامة نظامٍ جديد هنا. ومن أجل هذا هشَّمتُ تلك التحفة الصغيرة؛ لتكون رمزًا للطلقة الأولى، وأوشكت أن أُحطِّم التحف الصغيرة الأخرى جميعًا، والآلهة التي نصبتِها في هذا المعبد، وقُمتِ أمامي بعبادتها. أقدمتُ على إقرار النظام في بيتي بما فيه زوجتي، واعتزمتُ أن أحكمه بقبضةٍ من حديد. (تبتعد مسز كريج، مسرورة بعضَ الشيء) لا عجَبَ أَنْ سرَّكِ هذا؛ لأنه سرَّنِي، وبخاصةٍ لمَّا ذكرتُ بغتةً صدقَ ما أطلقتِ عليَّ ليلة الأمس، وما ترتَّبَ على ذلك من سخف مُحاولتي أن أحتمل هذا الوضع إلى ما لا نهاية. دفعني ذلك إلى الضحك، ولكني آسف جدًّا لأنكِ لم تستطيعي رُؤيتي على أية حال، أعتقد أنك كنت على الأقلِّ تُقدِّرين صدق «محاولتي» أن أبقى هنا زوجًا لك (يدور مُتباطِئًا ويسير نحو الستار).
مسز كريج : ماذا تعني بقولك: «محاولتي» أن أبقى هنا زوجًا لك؟
كريج : ليس هذا دوري يا هاريت، فأنا لا أستطيع إلا أن ألعب دورًا خياليًّا (تدير رأسها في صمت ثم تنظر إليه، وتلتقي عينه بعينها لحظة، ثم يخرج خلال الستائر، وتقف مكانها مُتابعة إياه بالنظر، ثم تتقدم في بطءٍ نحو الستار وتقف مفكرة، ويدقُّ جرس الباب، ولكن من الواضح أنها لم تسمعه، ثم تتقدم ببطءٍ وهي ما زالت في تفكير عميق، عندئذ تدخل مسز هارولد خلال الستائر مُسرعة).
مسز كريج : بالباب قادم يا مسز هارولد.

(يدقُّ جرس الباب مرة أخرى.)

مسز هارولد (تُسرع لترى مَن بالباب) : ربما كان الرجل الذي جاء ليحمل متاع مس أوستن.
مسز كريج : وهل عزمَت مس أوستن على الرحيل الآن؟
مسز هارولد (تقف قريبًا من الباب) : أعتقد ذلك، قالت ليلة الأمس إنها ستُغادِرنا في مَطلع النهار.
مسز كريج : وهل تيقَّظت؟
مسز هارولد : نعم يا سيدتي، طلبتْ إليَّ أن أُوقِظها في السابعة (تخرج وتتبعها مسز هارولد).
مسز كريج : إذا كان هذا هو الرجل الذي جاء ليحمل متاعها يا مسز هارولد، فخُذيه إلى الباب الجانبي وأنزلي أمتعتها من السلَّم الخلفي، فلستُ أحبُّ أن أراه يجرُّ الحقائب فوق هذا الدَّرَج الأمامي (تخطو نحو المشربية على اليسار وتنظر إلى الحمَّال).
الحمَّال (عند الباب الأمامي) : هل الحقائب مُعدَّة؟
مسز هارولد : نعم مُعدَّة، أرجو أن تعود إلى الباب الجانبي، وتستطيع أن تُنزِلها من الطريق الخلفي.
الحمَّال : مِن هنا؟
مسز هارولد : نعم، واصعد الدَّرَج وسأفتح لك الباب (يُحدِث الباب الحاجز صوتًا، وتُسارِع إلى الداخل ثانيةً، متَّجهةً نحو ستار الباب).
مسز كريج : هل أمتعة مس أوستن مُعدَّة يا مسز هارولد؟
مسز هارولد : نعم يا سيدتي، وقد عاونتُها في حَزْمها ليلة الأمس.
مسز كريج : وهل ذكرَتْ إلى أين هي ذاهبة؟
مسز هارولد (تقف مكانها) : نعم يا سيدتي، قالت إنها سوف تذهب الآن إلى فندق رتز كارلتون ولكنها سوف تُسافر بعد ذلك. (تواصل سيرها نحو الستار) يجب أن أفتح الباب لهذا الرجل (تخرج، وتقف مسز كريج ناظرة إليها وهي تفكر، ثم تسير نحو الستار حيث تقف، وتسارع إيثل من فوق الدَّرَج لابسةً قبَّعتها ومِعطفها).
مسز كريج : إيثل، يا بُنيَّتي العزيزة، ماذا تفعلين في هذا الصباح الباكر؟
إيثل : لم يغمض لي جفن طول الليل، وكنت أنتظر حتى أسمع غيري وهو يتيقَّظ.
مسز كريج : هل أنت مريضة يا عزيزتي؟
إيثل : لا، ولكن ينبغي لي أن أعود إلى بيتي فورًا يا خالتي هاريت، فضميري لا يرتاح لبقائي هنا بعد ذلك.
مسز كريج : ولكنك لا تستطيعين أن تذهبي في الحال يا عزيزتي.
إيثل : يجب أن أذهب يا خالتي هاريت.
مسز كريج : ولكن ليس هناك قطار يا عزيزتي حتى الدقيقة السابعة عشرة بعد التاسعة.
إيثل : قاربتِ الساعة هذا الوقت. أليس كذلك؟

(مسز كريج تنظر في ساعتها.)

مسز كريج : لم تبلغ بعدُ الربعَ قبل التاسعة.
إيثل : إن الطريق إلى المحطَّة يستغرِق ما بقي من الزمن. أليس كذلك؟
مسز كريج : إنه لا يستغرق عشر دقائق يا عزيزتي في التاكسي، وأستطيع أن أستدعي التاكسي هنا في خمس دقائق.
إيثل (تضع حقيبتها فوق النَّضَد وتتَّجه نحو المرآة) : هل يمكن أن تطلُبي التاكسي الآن؟
مسز كريج (تسير نحوها) : بالتأكيد يا عزيزتي، ولكن ما فائدة استدعائه الآن إذا كنت ستنتظرين ما بقي من وقتٍ في المحطة؟
إيثل : إني مُنزعِجة جدًّا يا خالتي هاريت.
مسز كريج : أعلم ذلك يا بُنيَّتي العزيزة، ولكني واثقة من أنك تُزعِجين نفسك بغير داع. لو أن حدَثًا وقع لبلَغَنا عنه نبأٌ بالتأكيد.
إيثل (مُلتفِتةً إلى مسز كريج) : يجب في الواقع أن أطلب مستر فردريكس وهو على مسافة بعيدة يا خالتي هاريت، ولسوف يَعجبُ للأمر أشدَّ العجب؛ لأني انصرفتُ مُسرعةً بمجرَّد تسلُّمي برقية دكتور وود، ولم أفعل سوى أن تركتُ مُذكرة بأن أمي مريضة جدًّا. وأرجِّح أنه طلبَني في بيتي بعدئذٍ وعلم أني هنا، فحيره الأمر.
مسز كريج : لو كنتُ في موضِعك ما أزعجتُ نفسي كثيرًا بما يفكر فيه يا عزيزتي.
إيثل : ولكنه سوف يعتقد أن الأمر ليس جِدًّا ما دمتُ هنا وأمي في شدَّة المرض.

(يُسمع صوت حقيبة تتحرك في الطابق الأعلى.)

مسز كريج (تندفع نحو الدَّرَج وتقف عند مَطلعه) : الراجح أنه لم يُعِر الأمر اهتمامًا.
إيثل : لا تقولي ذلك يا خالتي هاريت، فأنا أعلم أنه اهتمَّ به.
مسز كريج (تصفِّق بيديها بحدَّةٍ لكي تَجتذِب انتِباه الحمَّال) : أرجو أن تحذَر أيها الحمَّال من هذه الدَّرَجة.
الحمَّال : لقد هربتْ منِّي تلك الفتاة، وكنت أظنُّ الحقيبة أخفَّ ممَّا وجدتُها.
مسز كريج : أرجو أن تُبعِدها عن ذلك الحائط؛ فإني لا أُريد أن أراه مخدوشًا، فقد أعَدتُ دهانه في أبريل الماضي. (يُسمَع صوت الحقيبة وهي تُجرُّ من الصالة إلى السلم الخلفي، ثم يُسمَع وقعٌ ثقيل. مسز كريج تُغمِض عينيها وهي تُعاني الألم، وتستند مُتثاقلةً إلى حاجز السُّلَّم حتى لا تسقط في إغماء، ثم تدور وتعود إلى الغرفة) إن عمة مستر كريج تُريد أن تبعث ببعض المتاع للإصلاح، ولكنَّ هؤلاء الحمَّالين يُهمِلون إلى حدِّ أنهم لا يَعبئون بهَدْم البيت.
إيثل : لم أجِد فرصةً حتى الآن أتحدث فيها إلى مس أوستن.
مسز كريج : أعتقد أنها ترتدي لباسها.
إيثل : ولم أرَ عمِّي والتر بعد كذلك.
مسز كريج : إنه خارج الغرفة هناك يتناول القهوة فيما أظنُّ. هل تودِّين أن تخرجي وتتناولي القهوة أنت كذلك يا عزيزتي؟
إيثل : لا أظنُّ أني أستطيع أن أتذوَّق شيئًا يا خالتي هاريت.
مسز كريج : تستطيعين أن تتناولي جرعةً من القهوة.
إيثل : لا أحبُّ أن يراني عمِّي والتر وأنا في هذا الانزعاج.
مسز كريج : وماذا يهمُّك من هذا يا حبيبتي؟ إنه يعلم بالأمر، ولا يجب في الواقع أن تبدئي رحلتك عائدةً إلى بيتك دون أن تتناولي شيئًا، وأريدك — عندما تعودين يا إيثل — أن تتدبَّري جادَّةً ما قلتُ لك عن مستر فردريكس. إنك لم تتزوَّجي منه بعد، وإن كان لا بُدَّ من القيام بعمل، فإنما يجب أن يُعمَل الآن؛ فإنك لا تستطيعين بعد فَوات الأوان أن تَحُلِّي رباطًا كرباط الزَّواج.
إيثل : لست أدري ماذا أصنع يا خالتي هاريت.
مسز كريج : ليست هناك ضرورة للتعجُّل بالقيام الآن بعمل، ولا تسمحي له أن يتعجَّلك. فكِّري مليًّا، من أجله ومن أجل نفسك، فأنت لا تُريدين أن تكوني عِبئًا عليه. أليس كذلك؟
إيثل : بلي، بالتأكيد.
مسز كريج : وماذا عسى أن تكوني له غير ذلك يا عزيزتي ما لم تُنفِقي من مالِكِ، ولا يؤدِّي ذلك إلى احترام الرجل. وسوف يتكشَّف لك في الوقت المُلائم — على أية حال — أنه يكرَهُ استقلالكِ عنه.
مس أوستن (عند أعلى السُّلَّم) : نعم هو عندي هنا في حقيبتي يا مسز هارولد.
مسز كريج (تنسحب إيثل نحو ستار الباب) : فكِّري في الأمر، وتعالَي إلى حجرة الإفطار ودعيني أُقدِّم لك شيئًا.

(تخرجان خلال ستار الباب، وتهبط مس أوستن من فوق الدَّرَج، مُرتديةً زيَّ الطريق، وتنظر خلال الستار، ثم تُدير قُرص التليفون لتطلب رقمًا، وتهبط كذلك من فوق الدَّرَج مسز هارولد، مُرتديةً زيَّ الطريق، وهي تحمل حقيبة ملابس وحقيبةً أخرى أصغر منها.)

مس أوستن : أعتقد أنه يحسُن أن تُسارِعي بحمل هذه الأشياء فورًا إلى الخارج وتضعيها عند المدخل يا مسز هارولد.
مسز هارولد (تخرج) : نعم يا سيدتي.
مس أوستن : أَعدِّيها حتى تحضر العربة (في التليفون) هالو، أرجو أن تُرسل عربة تاكسي إلى المنزل رقم ٦٨٠، في بلمنت مانور، في الحال إن تفضَّلت. نعم (تُعيد التليفون إلى مكانه وتدخل مسز هارولد) ستكون العربة هنا بعد بضع دقائق، هل أنت على أتمِّ استعداد؟
مسز هارولد : نعم يا سيدتي، أنا على استعداد.
مس أوستن : ألا يحْسُن بك أن تتحدَّثي إلى مسز كريج بشأن مَفاتيحِك يا مسز هارولد؟
مسز هارولد : لقد تركتُها مع مفاتيحِك على نَضَد زينتِها.
مس أوستن : أعتقد أنه يحسُن أن تُخبريها.
مسز هارولد : هل تودِّين أن أُخطِرهم عن ذهابك؟
مس أوستن (تتَّجه نحو الباب) : لا، ليس ذلك ضروريًّا يا مسز هارولد، سوف أكتب لمستر كريج، ولكني أعتقد أنه يحسُن أن تُخبرِيهم بذهابك أنت.
مسز هارولد : لقد أخبرتُ بالفعل مستر كريج أني ذاهبة، أخبرتُه بذلك هذا الصباح.
مس أوستن : أعتقد أنه يحسُن أن تُخبري مسز كريج أيضًا.
مسز هارولد : حسنًا يا سيدتي.
مس أوستن : فربما كان لديها ما تودُّ أن تَطلبه منكِ.
مسز هارولد : حسنًا سوف أُخبِرها.
مس أوستن : سوف أجلس هنا عند المدخل حتى يأتي التاكسي (تخرج وتتَّجه مسز هارولد نحو المرآة وتُعدِّل قبعتها العجيبة).
مسز كريج (تدخل من الحجرة المجاورة) : هل أنت هناك يا مسز هارولد؟ (مسز هارولد تسير نحو مَطلع الدَّرَج وتقف مُجابهةً ستائر الباب، وتدخل مسز كريج) لقد كنت أبحثُ عنك هناك يا مسز هارولد؛ لأني أردتُكِ أن تُقدِّمي لابنة أختي فطورًا خفيفًا.
مسز هارولد : لقد تركتُ كل شيء مُعدًّا هناك يا مسز كريج.
مسز كريج : وإلى أين أنت ذاهبة يا مسز هارولد؟
مسز هارولد : ذاهبة مع مس أوستن يا مسز كريج.
مسز كريج : حقًّا؟
مسز هارولد : قالت لي مساء الأمس إنها سوف تُغادر هذا المكان، فقلتُ أعتقد أني سوف أغادره أيضًا في وقت قريب جدًّا، فقالت ما دمتُ سأهجر البيت وشيكًا، فإنها تودُّ كثيرًا أن أصحَبَها.
مسز كريج : وإلى أين أنت ذاهبة معها؟
مسز هارولد : إلى رتز كارلتون أولًا، وبعدئذٍ تقول إنها ستسافر لبضع سنوات.
مسز كريج : ستكون لك في ذلك قَطعًا خبرة طيبة.
مسز هارولد : أرجو ذلك، فإني لم أزُر أماكن أخرى غير هذا المكان ولونج برانش، وأظنُّ أنه ينبغي لي أن أنتهز الفرصة عند سُنُوحها.
مسز كريج : وهل تظنِّين أن من حسن المُجاملة يا مسز هارولد أن تنصرفي بهذه الطريقة دون إنذاري إطلاقًا؟
مسز هارولد : إنك لم تُنذِري ميزي بما يكفي في الليلة السابقة يا مسز كريج.
مسز كريج : إن ميزي لا تَستحقُّ الإنذار، فلقد كانت فتاة عصبية جدًّا، ترفض رفضًا باتًّا ما أُكلِّفها به.
مسز هارولد : وأنا كذلك لم أكن دائمًا أؤدِّي ما تُكلِّفينني به في دقَّةٍ يا مسز كريج، فربما أستحقُّ أن أذهب كما ذهبتْ ميزي.
مسز كريج : تستطيعين بالطبع أن تُهيِّئي نفسك للانصراف يا مسز هارولد، ولكن اعلمي أنني سأُخبِر مس هيولت عن هذا الانصراف الذي لم يسبقْهُ إنذار.
مسز هارولد : إنها تعلم كلَّ ما يتعلَّق بانصرافي يا مسز كريج، بل إنها لتُدهش لأني لم أهجرْكِ من زمن طويل. وإني لأصدُقُكِ القول في هذا.
مسز كريج : ولماذا لم تهجريني؟
مسز هارولد : ليس هنا أطفال، والبيت يجاور الكنيسة. غير أن مس هيولت قالت لي عندما جئتُ إلى هنا إني لو بقيتُ شهرًا فسأكون الأولى من بين سبعٍ سبقْنَني.
مسز كريج : لقد بعثتْ مس هيولت إلى هنا بنساء لا يُرضِين البتَّة.
مسز هارولد : كثيرات منهنَّ التحقْنَ بالعمل في أماكن طيبة.
مسز كريج (تبتعد، وتتقدم نحو المرآة) : إن هذا يتوقف بالطبع على ما يُصوِّره المرء لنفسه عن جمال المكان. وأعتقد أن المجموعة التالية التي سوف تبعث بها إليَّ لن تكون أفضل ممَّن سبقن.
مسز هارولد : لو سألتِني رأيي يا مسز كريج، لقلتُ إني أعتقد أن من الحماقة أن تطلبي إليها أن تمدَّكِ بأخريات.
مسز كريج : إن شخصًا واحدًا لا يستطيع أن يقوم بجميع الأعمال.
مسز هارولد : سمعتُكِ تردِّدين أكثر من مرة أنك تعملين بنفسك ثانيةً كلَّ ما تؤدِّيه لك أية امرأة أخرى تقوم بخدمتك، فلماذا إذن لا تُوفِّرين مالك؟

(مسز كريج تلتفتُ من عند المرآة وتتقدم نحوها.)

مسز كريج : وأين المفاتيح؟
مسز هارولد : تركتُها جميعًا على نضَد زينتك في الطابق العلوي، وكذلك فعلتْ مس أوستن.
مسز كريج : أليس هناك شيء آخر يجب أن يُترَك؟
مسز هارولد : نعم يا سيدتي، تركتُ ما معي من نقودٍ مع قائمة حساب الأسبوع في مظروفٍ مع المفاتيح.
مسز كريج (تلتفتُ إلى الستار) : حسنًا، أرجو أن تتمتَّعِي برحلتك حول العالم.
مسز هارولد (تتَّجه نحو الباب الخارجي) : في ذلك تغيير على أية حال.

(مسز كريج تدور عند ستار الباب.)

مسز كريج : وأرجو عند عودتك أن تتمكني من العثور على مكانٍ في سهولةِ هذا المكان.
مسز هارولد (تقف عند الباب وتلتفت) : لا تنزعِجي بشأني يا مسز كريج، فلم تمُتْ قطُّ واحدةٌ من مثيلاتي في بيتٍ من بيوت الفقراء.

(تخرج إلى مدخل البيت، وتتابعها بالنظر مسز كريج في جمود، ويدقُّ جرس الباب الخارجي بحدَّة، وتتقدم مسز كريج ناحية اليمين وتُنعِم النظر تجاه الباب الخارجي.)

فردريكس (عند الباب الخارجي) : سلامًا.
مسز هارولد : سلامًا.
فردريكس : أودُّ أن أُقابل مس لاندرث إن أمكن. أنا فردريكس.

(تتحرَّك مسز كريج حركة سريعة تدلُّ على الذُّعر، ثم تنظر إلى ستار الباب، وتدخل إيثل خلال الستائر.)

(إيثل ومسز هارولد تتحدثان.)

إيثل : يحسُن أن أُنزِل مَتاعي يا خالتي هاريت، فلا بُدَّ أن تكون قد قاربتِ التاسعة.
مسز هارولد : تفضَّل بالدخول، أعتقد أن مس لاندرث تتناول فطورها الآن.

(يُحدِث الباب الحاجز صوتًا.)

(إيثل وفردريكس يتحدثان.)

إيثل : هل تتفضَّل بطلب عربة تاكسي بالتليفون؟
فردريكس : أعتقد أني بكَّرت بالمجيء.

(تسمع إيثل صوته وتقِفُ عند مطلع الدَّرَج، أما مسز كريج فتنسلُّ خلال ستار الباب، وتتقدم مسز هارولد نحو الباب الأمامي.)

مسز هارولد : كنت آتية الآن لأُنادِيك يا مس لاندرث؛ فهنا رجل اسمه مستر فردريكس يودُّ مُقابلتك.

(فردريكس يدخل.)

فردريكس : أهلًا يا إيثل.

(مسز هارولد تسير خلفه نحو الباب، ثم تخرج ثانيةً.)

إيثل : هل لم يحدُث لأمي شيء يا جين؟
فردريكس : لا أعلم أن شيئًا حدَث لها إطلاقًا يا عزيزتي.
إيثل : هل أنت مُتأكد؟
فردريكس : صدِّقيني يا إيثل، ولم أزُر بيتك.
إيثل : لماذا إذن أتيتَ إلى هنا في هذه الساعة المُبكرة من الصباح؟
فردريكس (يسير نحوها خطوة) : أردت أن أُقابِلك. (تشرع في البكاء، ويضمُّها بين ذراعيه) اعتقدت أنك قد أصابتكِ علَّة أو حدثَ لك ما يُشبه ذلك. لا تبكي يا عزيزتي، أؤكد لك أن البيت لم يُصَب بسوء، وكل ما في الأمر أني طلبتك تليفونيًّا عندما تسلمتُ رسالتك في الحال وأُخبِرت أنك جئتِ إلى هنا، ومن ثَمَّ طلبتُك من بعيد. بيدَ أن هذا الطلب لم يشفِ غليلي، ولم أدرِ ما أصنع؛ ولذا استقللتُ قطار المساء فكنتُ هنا في الدقيقة العشرين بعدَ الثامنة.
إيثل (تستقيم في وِقفتها وتمسُّ شعرها) : إني عائدة فورًا يا جين، فهناك قطار الساعة التاسعة والدقيقة السابعة عشرة من محطة المدينة.
فردريكس : سأعود معك.
إيثل : لست أدري لماذا أتيتَ هنا من أول الأمر.
فردريكس (يقودها إلى المقعد على يمين البيانو) : اجلسي هنا دقيقةً يا عزيزتي، فالشحُوب الزائد يعلو مُحيَّاك (يضع قُبَّعته ومعطف المطر فوق البيانو).
إيثل : لم يغمض لي جفن مُذ جئتُ إلى هنا، فقد كنتُ منزعِجةً أشدَّ الانزعاج.
فردريكس : كنتُ منزعِجًا عليك أيضًا، مذ تسلمتُ رسالتك.
إيثل : ثم أخبرتُ خالتي هاريت عن خِطبتنا، وكان ذلك سببًا في اضطرابي إلى درجةٍ لم أعهدها.
فردريكس : لماذا؟
إيثل : يبدو أنها لا تُوافق على هذه الخطبة كلَّ الموافقة.
فردريكس : لِمَ لا؟
إيثل (ناهضة) : لعدَّة أسبابٍ يا جين، سأخبِرُك بها في القطار (تسير نحو مطلع الدَّرَج).
فردريكس (يأخذ يدَها وهي تمرُّ به) : أودُّ أن تخبريني الآن يا إيثل.
إيثل (مُلتفِتةً إليه) : الوقت لا يتَّسعُ يا عزيزي.
فردريكس : ولكنك تُسبِّبين لي القلق.
إيثل : ليس هناك سببٌ بعينه يا جين، إنما ظنَّتْ أني ربما لم أتدبَّر الأمر مليًّا.
فردريكس : وأي شيء هناك يتدبَّره المرء يا عزيزتي في أمرٍ كهذا، إلَّا أنَّنا نتبادل الحب.
إيثل : قالت إن أمرًا كأمر الزواج يجب أن يُنظَر إليه بطريقةٍ عملية أكثر من ذلك.
فردريكس : هذه حجَّة لا أقبلها يا إيثل، فكم عرفتُ من زواجٍ عُقد بعد تفكير دقيق انتهى بالفشل. إنما الزواج فرصة ينتهِزها المرء لا أكثر ولا أقل.
إيثل : لم أفكر في عدم الزواج منك يا جين، إنما كنتُ أفكر ربما كان من الحكمة أن نؤجِّلَه.
فردريكس : ليس من الحكمة ذلك يا إيثل، وليس من الخير أن يُؤجِّل المرء أمرًا كالزواج، فإن أحداثًا كثيرة قد تقع (يأخذها فجأةً بين ذراعيه) ولا أودُّ أن يقَعَ حادثٌ ما.
إيثل : ماذا أملك يا جين لو وقع لأمي حادث؟ (تُخفِي وجهها في كتِفه وتبكي.)
فردريكس : لن يحدُث لها شيء يا معشوقة قلبي، ولو حدَث فلن تسوء حالك أكثر ممَّا تسوء حالي (تُواصل بُكاءَها هُنيهة، ثم تستقيم في وِقفتها وتضع منديلها على عينيها).
إيثل : يحسُن أن ننصرِف يا جين، فلا بُدَّ أن تكون قد قاربت التاسعة.

(تعبُر الحجرة إزاء النَّضَد وتتَّجه نحو المرآة، ويعبُرها كذلك إزاء النَّضَد من الناحية الأخرى ويتَّجه نحو التليفون، ويدخل كريج خلال ستار الباب.)

فردريكس : ألا يحسُن أن أنادي عربة تاكسي؟
إيثل : أهلًا، عمِّي والتر، هذا مستر فردريكس.

(يُواصل فردريكس سيره حتى يُصافح كريج، وتسير إيثل إلى يسار فردريكس.)

كريج (مُصافحًا) : أنا سعيد بِلقائك يا مستر فردريكس.
فردريكس : كيف حالك يا مستر كريج؟
إيثل : مستر فردريكس هو الشابُّ الذي خطبني ليتزوَّج منِّي.
كريج : إني سعيد بلقائك.
فردريكس : ألا تعتقد أني محظوظ جدًّا يا مستر كريج؟
كريج : أجل، أعتقد ذلك، وهل تمَّ الاتفاق من جميع نواحيه؟
فردريكس : أتعشَّم ذلك، وإن كان الظاهر أن إيثل تحسُّ شيئًا من القلق في هذا الشأن.
كريج : وفيمَ القلق يا إيثل؟
إيثل : لست قَلِقة، وليست هذه هي المشكلة، إنما كنت أقول لجين إني ناقشتُ الأمر مع خالتي هاريت، والظاهر أن من رأيها أني ربما لم أتدبَّر الموضوع تدبُّرًا كافيًا.

(فردريكس ينظر إلى كريج.)

كريج : أي أمرٍ كانت تُريدُكِ أن تتدبَّريه؟
إيثل : قالت إنها لا تعتقد أني قدَّرتُ الجانب العملي في الزواج قدرًا كافيًا نظرًا لحداثة سنِّي.
كريج : هذا هو الجانب الوحيد في الزواج الذي ينبغي ألا يُبالَغ في تقديره يا إيثل؛ فذلك معناه انعدام ثقة كلِّ طرفٍ في الآخر.
فردريكس : هذا ما قلتُ لإيثل.
كريج : الأمر الوحيد الذي أعتقد أنكما بحاجةٍ إلى تدبُّره تدبُّرًا جديًّا حقًّا، هو أن يكون كلٌّ منكما مُخلصًا تمام الإخلاص للآخر (ينظر فردريكس إلى إيثل، ويسير كريج أمامهما مُتَّجهًا نحو الدَّرَج) ويبدو لي أنه ليس بعد ذلك أمرٌ له خطره ممَّا يُسبِّب القلق.
إيثل : سنعود بقطار الساعة التاسعة والدقيقة السابعة عشرة يا عمِّي والتر. هل تعرف رقم شركة عربات التاكسي؟
كريج (يسير نحو الدَّرَج) : لستُما بحاجةٍ إلى تاكسي، فأنا سأمرُّ في طريقي بالمحطة.
إيثل : وهل أنت ذاهبٌ الآن؟
كريج : نعم، فورًا، لديكما مُتَّسع من الوقت، وأستطيع أن أُبلِّغكما المحطة في أقلَّ من عشر دقائق.
إيثل : عمِّي والتر، هلا جئتَ بحقيبتي إلى هنا عندما تحضُر!
كريج : سأفعل ذلك.
إيثل : إنها فوق المقعد هناك داخل غرفتي (تحمل حقيبتها من فوق النَّضَد، وتسير نحو المرآة لترتِّب هِندامها). ليست بنا حاجة إلى استدعاء تاكسي.

(فردريكس ينظر إلى الخارج خلال ستار الباب، ثم يتقدم ويخفِض صوته.)

فردريكس : هل ذكرتْ لك خالتك أني طلبتك ليلة الأمس؟

(تلتفتُ إيثل.)

إيثل : تعني من مسافة بعيدة؟
فردريكس : نعم، طلبتك من نورثامبتن بمجرِّد ما تسلمتُ رسالتك طلبتُك في بيتك أولًا بطبيعة الحال فأعطوني هذا العنوان.
إيثل : ثم طلبتَني هنا؟
فردريكس : نعم، في نحو الساعة السابعة، ألم تُخبرْكِ؟
إيثل : نعم، إنها لم تفعل يا جين.
فردريكس : تحدَّثتُ إليها وقالت إِنك نائمة.
إيثل : ما كنتُ أستطيع النوم يا جين.
فردريكس : طلبتُ إليها أن تستدعيك إلى التليفون، ولكن الظاهر أنها لم ترغب في الاستجابة، بل قالت إنك أَويتِ منذ لحظة وأنك منهوكة القوى.
إيثل : نعم، كنت منهوكة، ولكنها كانت تستطيع استدعائي فربما كانت تعلم أني أودُّ أن أتحدَّث إليك؛ لأني لم أعرف ما ظننتَ بمجيئي هنا بعد ما تركتُ لك رسالةً أني ذاهبة إلى بيتي.
فردريكس : هل رأيتِها هذا الصباح؟
إيثل : نعم، ولكنها لم تذكُر لي عن ذلك شيئًا، وكنت أتحدَّث إليها هنا هذا الصباح بشأنك أيضًا، وكنت أقول إنه ينبغي لي أن أطلبك على مسافة بعيدة، وإنك لا بُدَّ في عجبٍ من الأمر.
كريج (مُسرعًا فوق الدَّرَج وهو يحمل حقيبة إيثل) : سأمضي سريعًا وآتي بالعربة.
فردريكس : هل أستطيع أن أحمل عنك هذه الحقيبة يا مستر كريج؟
كريج : سأتركها هنا عند مدخل البيت، وسوف أعود بعد دقيقتين ولديكما مُتَّسع من الوقت.
فردريكس (يتَّجِه إلى البيانو ليأخذ قُبَّعته ومِعطف المطر) : هل أنت مُستعدَّة يا إيثل؟
إيثل : نعم مُستعدَّة يا جين، يحسُن أن أُودِّع خالتي هاريت.
فردريكس : هل أنتظرك خارج الدار؟
إيثل : ألا تُريد أن تُقابلها يا جين.
فردريكس : لا أظنُّها تُريد مُقابلتي يا إيثل.
إيثل : لِمَ لا؟
فردريكس : بعد الذي أخبرتِنِي به.
إيثل : هذا أمر تافِهٌ يا جين.
فردريكس : أنهت مكالمة التليفون معي فجأةً ليلة الأمس.
إيثل : نعم، أودُّ أن أسألها عن هذه المكالمة.
فردريكس (يخرج) : أعتقد أنه يجمُل بي أن أنتظرك في الخارج.

(تنظر إيثل خلال ستار الباب، ثم تتقدم مُفكرةً ناحية اليمين، وتسُود فترة سكونٍ يسيرة، وتنسلُّ بعدئذٍ مسز كريج خلال الستار، وتتقدم نحو المشربية لتتطلَّع إلى الخارج وتُحدِّق فيها إيثل، ثم تتَّجه نحو الطرف الأيمن للنَّضَد الوسيط.)

إيثل : إني ذاهبة الآن يا خالتي هاريت.

(تلتفت مسز كريج في شيء من الفزع.)

مسز كريج : حسِبتُ أنك ذهبت فعلًا (تتقَهقَر صوبَ إيثل). لم أسمع صوتًا داخل الغرفة، وعجبتُ كيف تخرجين دون إخطاري.
إيثل : لا، بل إني ذاهبةٌ الآن.
مسز كريج : وأين مستر كريج ومستر فردريكس؟
إيثل : مستر فردريكس هناك عند مدخل البيت (تلتفِتُ مسز كريج إلى الباب الأمامي وتتطلع إلى الخارج). أما عمِّي والتر فقد ذهب ليعود بالعربة.
مسز كريج : هل سيَحمِلكم في عربته إلى المدينة؟
إيثل : نعم.
مسز كريج : هذا جميل، فلا تهتمِّي إذن باستدعاء تاكسي. (تتقدَّم إلى إيثل مرةً أخرى) هل عند مستر فردريكس خبر عن أمك؟
إيثل : لا، إنه لم يذهب إلى البيت.
مسز كريج : لماذا لا تدْعِينه إلى الداخل يا إيثل، إني أودُّ مقابلته.
إيثل : ظنَّ أنك ربما لا تهتمِّين بلقائه.
مسز كريج : لماذا؟ ما هذا السخف؟ ولِمَ لا؟
إيثل : ذكرتُ له ما قلتِ مساء الأمس عندما أنبأتُك بأني أعتزم الزواج منه.
مسز كريج : إنما كنتُ يا بنيَّتِي العزيزة أتحدَّث بوجهٍ عام، ولم أقصد بملاحظاتي مستر فردريكس خاصةً. وإني على ثقةٍ من أنه يُقدِّر منطِق كلامي.
إيثل : إنه لا يقدِّر هذا المنطق يا خالتي هاريت، وقد نقلتُ له رأيك وهو يؤمن بنقيض ما تؤمنين به.
مسز كريج : بالطبع؛ لأنه يربح في هذه الصفقة ربحًا كبيرًا يا إيثل، ويجب ألا يغيب عنك ذلك.
إيثل : ولكنَّ عمِّي والتر لا يربَح من ورائها شيئًا، وهو مع ذلك يتَّفِق معه في الرأي.
مسز كريج : تَذكُرين أني قلتُ لك مساء الأمس: إن مستر كريج خيالي إلى أبعدِ الحدود.
إيثل (مُتحجِّرة جدًّا) : لماذا لم تَستدعِيني مساء الأمس يا خالتي هاريت، عندما تكلم مستر فردريكس بالتليفون؟
مسز كريج : لأنكِ كنتِ نائمة يا عزيزتي.
إيثل : ما كنتُ أستطيع النوم، ولم يغمض لي جفن مُذ جئتُ إلى هنا.
مسز كريج : ظننتُك نائمة يا إيثل، وأرسلتُ ميزي إلى غرفتك فقالت إن بابها مُغلَق.
إيثل : كانت تستطيع أن تطرُق الباب.
مسز كريج : وما فائدة إزعاجِك يا عزيزتي؟
إيثل : لأنَّ الأمر هامٌّ بالنسبة إليَّ.
مسز كريج : سألته إن كان الأمر هامًّا، وإن كانت لديه رسالة يودُّ إبلاغها، فأجاب بالنفي.
إيثل : فأنهيتِ الحديث معه فجأة.
مسز كريج : لأنه أصرَّ على التحدُّث إليك، ولم تكن حالتك تسمح بالتحدُّث إليه (تلتفِت وتتحرَّك نحو المشربية).
إيثل : ولماذا لم تُخبريني هذا الصباح بأنه طلبني بالتليفون، عندما قلتُ إنه ينبغي لي أن أطلبه؟
مسز كريج (تلتفِت في بُرود) : أرجوك يا عزيزتي إيثل، لن أُجيب بعدَ هذا عن سؤالٍ بشأن مستر فردريكس. (تتَّجه نحو المشربية لتتطلَّع منها إلى الخارج) صدمتني هذا الصباح هموم تَصرِفني عن التفكير في مستر فردريكس، وأظنُّه عائدًا معك. أليس كذلك؟
إيثل (تسير نحو الباب الخارجي) : بلى!
مسز كريج (مُلتفِتةً إليها) : يسرُّني أنك لن تقومي وحدَك بهذه الرحلة. وداعًا يا عزيزتي، (تُقبِّلها) وأتعشَّم أن تُخطِريني فورًا بحال أمك.
إيثل (تقبِض على يدِها) : خالتي هاريت …
مسز كريج : نعم، يا عزيزتي.
إيثل (بعد فترة سكون، تُحدِّق في عينيها) : خالتي هاريت، هل اعتزم عمِّي والتر أن يهجُرك؟
مسز كريج : إني لأعجَبُ كيف ثار هذا الخاطر في ذهنك يا إيثل.
إيثل : عبارة كان ينطق بها عندما أتيت إلى رأس السلم لأنزل هذا الصباح.
مسز كريج : وماذا كان يقول؟
إيثل : شيئًا عما أبديتِ من ملاحظةٍ جعلتْ من المُحال عليه أن يستمرَّ هنا زوجًا لك.
مسز كريج : ثِقِي أنه ليستْ لديَّ أدنى فكرة عمَّا تتحدثين عنه يا إيثل.
إيثل : ثم إنه قال منذ لحظة — حينما أنبأتُه بأني أعتزمُ الزواج من مستر فردريكس — إن الأمر الوحيد الذي يجبُ أن نهتمَّ به جديًّا هو أن كلًّا منَّا يُخلصُ للآخر إخلاصًا مُطلقًا، وتساءلت: هل كشف الأمر؟
مسز كريج : أي أمر؟
إيثل : إنك ذكرتِ لي ذلك ليلة الأمس، حينما قلتِ إني لا أظنُّ أن ذلك من الإخلاص.

(تُسمَع حركة عند مدخل الدار، ويُحدِث الباب الحاجز صوتًا، وتدور مسز كريج مُسرعةً وتنظر خلال المشربية.)

كريج (من الخارج) : كل شيء مُعَد.
فردريكس (من الخارج) : كلُّ شيءٍ مُعد، ولكن إيثل ما برَحت داخل الدار.
إيثل (تخرج) : وداعًا خالتي هاريت.
مسز كريج (تلتفِت وتَتبَعها حتى الباب) : وداعًا عزيزتي.
إيثل : سأكتب إليك بمجرَّد بُلوغي البيت.
مسز كريج : اكتُبي يا عزيزتي، ودَعِيني أعلم كيف حال أمك.
إيثل : نعم، سأفعل.

(يُحدِث الباب الحاجز صوتًا.)

كريج : هل أنت مُستعدَّة يا إيثل؟
إيثل : نعم، إني آتية يا عمي والتر.

(مسز كريج تلتفِت في اضطرابٍ وتسير جَيئةً وذهابًا إزاء الموقد.)

كريج : حقيبتك في العربة، وسألحق بكما بعد دقيقة (يدخل ويَستخرِج من جيبه حافظة مفاتيح صغيرة من الجلد، ثم يسير نحو ستار الباب).
مسز كريج : هل أنت ذاهب إلى المكتب الآن؟
كريج : نعم، فقد قاربت التاسعة (يخرج، وتسير مسز كريج نحو الستار).
مسز كريج : إن مسز هارولد تقول إنك لم تَأوِ إلى فراشك طوال ليلة الأمس، فلن يكون بك ميل إلى الجلوس إلى مكتبك طول اليوم.
كريج (من الغرفة الأخرى) : سوف يتَّسع لي الوقت لأستريح بعد فترة.

(تُطرِق مسز كريج مُحاولةً أن تَسبُر غَور هذه الإشارة، وتتقدم هي مرةً أخرى يمينًا في بطءٍ وتفكير. يدخل كريج وهو يربِط حافظة المفاتيح الصغيرة، ويسير نحو الباب الأمامي ويتناول قُبَّعته من فوق المِنضَدة أثناء مروره بها.)

مسز كريج : هل وجدتَ ما كنتَ تبحث عنه؟
كريج : لم أكن أبحثُ عن شيء ما، إنما كنتُ أترك لكِ مفتاح العربة ومخزنها مع قليلٍ من الأشياء الأخرى. (يدور عند الباب) إذا كنت تُريدينني لأيِّ سببٍ من الأسباب خلال الأسبوع أو الأسبوعين القادمين يا هاريت فستجدينني في رتز.
مسز كريج (تلتفت بغتة، وتتحرك حركة سريعة نحو النَّضَد الوسيط) : استمع إليَّ يا والتر كريج. إنك بالتأكيد لستَ جادًّا في هُجرانك هذا البيت.
كريج : لقد كنتُ أحسَب أن هذا القرار يسرُّكِ كثيرًا.
مسز كريج : إنه لا يسرُّني البتَّة، وإنه ليُثير السخرية المُطلقة.
كريج : ولكنه عمليٌّ إلى أبعد الحدود.
مسز كريج : لا تُحاول أن تكون مازحًا.
كريج : وكم رَثيتِ لي لأني غير عملي.
مسز كريج : أحبُّ أن أعرف كيف يكون الرجل عمليًّا في تصرُّفه إذا خرج تاركًا زوجه وبيته.
كريج : ليستْ عندي زوجة لكي أتركها، فأنت لم تُحبِّيني ولم تُكرميني.
مسز كريج : ولكنك تزوَّجت مني، سواء فعلتُ أو لم أفعل.
كريج : إنني لم أعرف قطُّ من قبل في حياتي يا هاريت، حتى مساء الأمس.
مسز كريج : ألم تتزوَّجني؟
كريج : وتزوجتِ أنتِ منزلًا، وسوف أُملِّكك إياه إن كان يروق لك، وأتركه مِلكًا لك، كما لو كنتُ أنا هنا.
مسز كريج (مُبتعِدة) : سوف تظلُّ هنا، إلا إن أخطأتُ أنا التقدير خطأً كبيرًا.
كريج : إنك لا تعرفين رجلك يا هاريت.
مسز كريج : أعرف عنه ما يكفي في هذا الصدَد على أية حال.
كريج : بل تعرفينني حقَّ المعرفة، وأُسلِّم لك بهذا، وبخاصة عندما قلتِ إن عقلي يعمل في بطءٍ شديد.
مسز كريج : إنه يعمل الآن في بطءٍ شديد؛ لأنك لا تُقدِّر سخف تصرُّفك هذا.
كريج : ولكنك فشلتِ في إدراك شمول عقلي يا هاريت حينما يعمل فعلًا، فهو يُقدِّر هذا الموقف من كلِّ نواحيه حتى لم تعُد استحالة الإقامة هنا وهمًا من الأوهام.
مسز كريج : وما وجه استحالتها؟
كريج : لقد كشف كلٌّ منَّا ورقَه يا هاريت وانتهى الشوط.
مسز كريج : ماذا فعلتُ بالأمس فكان مُزعجًا جدًّا؟
كريج : لم تفعلي شيئًا سوى أنك كشفتِ أوراقك.
مسز كريج : بل لم أفعل سوى صيانتك من الظهور بمظهر الغفلة.
كريج : ولكنك بيَّنتِ لي كذلك كيف أصون نفسي من الظهور بمظهر الغفلة مُستقبلًا.
مسز كريج : أؤكد لك أنك لن تُوفَّق.
كريج : ولكني سوف أكون على الأقلِّ غافلًا يحترِم نفسه، وهذه صفة لا تَلحقني لو لبثتُ هنا؛ لأني أعلم أنك لا تحترمِينني.
مسز كريج : إنك لا تقول الصدق، لقد قدمتُ لك الاحترام دائمًا.
كريج : لا تُحاوِلي أن تُخفِّفي من حدَّة الصفعة يا هاريت. وثِقِي أنَّ لا ضرورةَ لذلك (يدور نحو الباب وتتقدم هي نحوه).
مسز كريج : إلى أين تذهب حين تترك هذا المكان؟

(يلتفت وينظر إليها.)

كريج : يُهمُّك جدًّا أن تعرفي يا هاريت إلى أين يذهب الكثيرون من أمثالي؟ ربما كان ذلك أمرًا غير مألوف.
مسز كريج : وأمتعتك؟ ألن تأخُذ شيئًا منها معك؟
كريج : تستطيعين إرسالها إليَّ إن شئتِ.
مسز كريج (مُبتعِدة) : لن أُرسِلها لك إذ يُحتَمَل جدًّا أن تعود في خلال أسبوع.
كريج : سِيَّان عندي أن تُرسليها أو أن تُبقِيها يا هاريت؛ لأني أرتبط بكلِّ أمرٍ ارتباطًا عاطفيًّا، وقد أنظر إلى الوراء وأنقلب إلى أحمقَ خيالي.
مسز كريج : أعتقد أنكَ لن تصفح عني لأني أطلقتُ عليك هذه الصفة.
كريج : كلا، ليس في الدنيا أمرٌ لا أُسامِحك فيه يا هاريت. من أجل هذا لن تدعُوني الضرورة إلى العودة هنا مرة أخرى، فليست هناك مشكلة تتطلَّب الحل. وأعتقد أني ربما كنتُ أميل إلى الطراز القديم — الذي يُوثَق فيه — ولكنك لم تَثِقي فيَّ بتاتًا.
مسز كريج : لن أَثِق في رجلٍ بعد الذي شهدتُه.
كريج : لا ألومُك في هذا، ولكني أَعجبُ كيف لم يَطرأ لك — بكلِّ ما أُوتِيتِ من حكمة — أن المرء لا يستطيع أن يُمثِّل دور الخيانة إلى ما لا نهاية؟
مسز كريج : إني لم أُمثِّل قطُّ دور الخيانة.
كريج : ربما لم تفعلي، حُكمًا بمقياسك، ولكني أعتقد أنك فعلت وأحسَب أنك تعلمين ذلك في قلبك. وهذه هي الصخرة التي تَرتطمين بها كما أرتطمُ يا هاريت. وإذا كان ما حدَث في بيت باسمور لم يكشِفكِ، فإن أمرًا آخر كان سوف يفضحك؛ ولذا فهُجراني اليوم كهُجراني غدًا، ووداعًا يا هاريت.

(يخرج، وتَستند هي إلى النَّضَد، ويُحدِثُ الباب الحاجز صوتًا، ثم تتحرَّك نحو المشربية وترقُبه وهو يركب السيارة. وبعدئذ تتقدم نحو النافذة اليُمنى وتُراقبه وهو يسير في الطريق، وبعدما يختفي عن نظرها تجُول ببصرها في الغرفة مرةً أخرى، وتلمح قِطعتين صغيرتين من التحفة المُحطَّمة إلى جوار الموقد، فتنحني لتلتقطهما، مُبعِدة بقدمها أي أجزاءٍ أخرى غير مرئية قد تكون مُلقاةً هناك، ثم تنظر إلى التحفتين الباقيتين على رفِّ الموقد، وتحاول أن تصل إلى قرارٍ بشأن وضعهما، فتضعهما على أبعادٍ مُتساوية بينهما وبين طرَفَي الرفِّ، وتقف بعيدًا لتُلاحظ تأثيرهما في هذا الوضع، عندئذٍ يدُقُّ جرس الباب بحدَّةٍ، فتدور وتذهب إلى الباب لترى مَن به.)

صوت فتًى (عند الباب الخارجي) : برقية لمسز والتر كريج.

(تُوقِّع إيصال استلام برقية، ثم يُحدِث الباب الحاجز صوتًا، وتدخل وهي تفضُّ البرقية، وتقرؤها، ثم تُحملِق ببصرها إلى الأمام لحظةً وهي تفكر، وتعود إلى البرقية، ثم تنفجر باكية، وترتَمي فوق المقعد إلى يمين البيانو، ويعلو صياحها برهة، ثم تفضُّ البرقية مرةً أخرى وتُعاود قراءتها. وتظهر عندئذٍ مسز فريزير عند الباب، في رداء رمادي، وهي تحمل ملء ذراعها من الزهور البيضاء وتتقدم متسائلة.)

مسز فريزير : صباح الخير يا مسز كريج. (فلا تسمعها مسز كريج) صباح الخير. (تُوجِّه مسز كريج إليها بصرها مذعورة، ثم تنهض مُضطربة، ثم تتَّجه أمام النَّضَد الوسيط، وهي تمسح عينيها وشعرها) أتعشَّم أن تتسامَحي في دخولي دون أن أدقَّ الجرس، ولكني ظننتُ مس أوستن عند المدخل، وأردتُ أن أحمل إليها هذه الزهور (وتُناولها إيَّاها). قلتُ لها بالأمس سآتيك ببعضها، لأنها ذكرتْ لي أنها تُعجب أيَّما إعجابٍ بالزهور البيضاء، وعندي منها الكثير الآن هناك.
مسز كريج : لم أرَها بعدُ هذا الصباح.
مسز فريزير (تتأهَّب للرحيل) : أرجو أن تقولي لها إني تركتُ لها هذه الزهور.
مسز كريج : سوف أفعل، وشكرًا كثيرًا لك.
مسز فريزير (مُلتفتةً وراءها) : هل بَلغَك نبأٌ عن أختك هذا الصباح يا مسز كريج؟ فلقد ذكرتْ لي مس أوستن بالأمس أنها مريضة جدًّا.
مسز كريج (تعود إلى البكاء) : ماتتْ هذا الصباح في الساعة السادسة.
مسز فريزير : وا أسفاه! ويا لها من مأساة!
مسز كريج : تسلَّمتُ هذه البرقية منذ لحظة.
مسز فريزير : يا للهول ويا للفجيعة!
مسز كريج : لم أكن أحسَب أنها بلغت هذا الحدَّ من المرض وإلا ما عُدت.
مسز فريزير : يا إلهي! ما أشدَّ أسفي! وما كان ينبغي لي أن أُزعِجك البتَّة.
مسز كريج : لا تأسفي على ذلك.
مسز فريزير : ثِقي أني أُشاطِرك الأحزان.
مسز كريج : شكرًا لك.
مسز فريزير : أرجو أن تُخطريني يا مسز كريج إن كانت هناك وسيلة أستطيع أن أُقدِّم لك بها خدماتي.
مسز كريج : أشكرك كثيرًا، لا أظنُّ أن هناك أمرًا يستطيع أي امرئٍ أن يقوم به.
مسز فريزير : أعتقد أنك ستعودين إلى هناك فورًا. أليس كذلك؟
مسز كريج : أصدُقكِ القول يا مسز فريزير أني لا أدري إن كنتُ سأستطيع ذلك أو لا أستطيع، فأنا مُجهدَة إلى أقصى الحدود.
مسز فريزير : نعم، فالأمراض التي يطول أمَدُها مُروِّعة جدًّا، ولكني أتعشَّم ألا تتردَّدي في إخطاري عن أي شيءٍ أستطيع أن أؤدِّيه.
مسز كريج : هذا منك جدُّ جميل، وسوف أقدم هذه الزهور لمس أوستن عندما أُقابِلها.
مسز فريزير : أرجو أن تتفضَّلي بذلك، (وتتَّجه نحو الباب) إني جدُّ آسفة، وسوف أعود على عَجَل.

(تخرج، وتقف مسز كريج في سكونٍ تام حتى تسمع الباب الحاجز وهو يُغلَق، ثم تتقدم نحو الباب وتُوصِده بالمِزلاج، وتدور، ثم تتقدم بضع خطواتٍ في الحجرة مرةً أخرى، وتقف وهي تضمُّ الزهور إلى صدرِها وتنظر إلى الخارج رأسًا. وتدقُّ ساعةٌ في إحدى الغُرف المُجاورة: التاسعة، في صوت حزين، وتحُوم ببصرها بعد الدقَّةِ الرابعة في اتجاه الساعة، ثم تتقدم مُتباطِئةً نحو ستار الباب، ثم تتقدم يمينًا، هائمة، وتسير إزاء النَّضَد نحو البيانو. وتتساقَط على الأرض أوراق كثيرة من الزهور. وعند البيانو تقفُ لحظة، وهي تتطلَّع من المشربية، ثم تعود أدراجها، وتنظر إلى أوراق الزهر دون أن تراها، وتُواصل سيرها نحو ستار الباب، وتُرسِل بصرها صوب الحُجرات المهجورة، وتلزم أخيرًا مكانها. وتتساقَط على الأرض بضع أوراق أخرى.)

(ويبدأ ستار المسرح في النزول رُويدًا رُويدًا، وتُرَى مسز كريج وهي تتلفَّتُ مُستوحشة، وتَهيم عائدةً نحو البيانو مرةً أخرى، وهي تُشدِّد على الزهور قبضتها، وعيناها مفتوحتان تنُمَّان عن اليأس والقُنوط.)

(النهاية)

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤