نهاية الأسرة الثامنة عشرة

عرض عام للنظم الحربية والإدارية ونفوذ الجيش في عهد الأسرة الثامنة عشرة

كان «توت عنخ آمون» آخر فرعون تولَّى عرش مصر من سلالة التحامسة ملوك الأسرة الثامنة عشرة، وبعد وفاته توالى على عرش البلاد ثلاثة فراعنة لم يكن يجري في عروقهم الدم الملكي، وهؤلاء هم الفرعون «آي» الذي خلفه «حور محب» ثم أعقبه «رعمسيس الأول». وقد كان كل من هؤلاء قبل أن يقبض على زمام الأمور في البلاد يحمل لقب «القائد الأعلى» لجيوش الدولة المصرية، كما سنفصل ذلك بعدُ في حينه، على أن كل واحد منهم كان يبرر توليته عرش البلاد بزواجه أحيانًا من إحدى أميرات هذا البيت المالك الذي انقرض نسل الذكور فيه.

(١) موازنة بين الموظفين ورجال الجيش

ولا شك في أن موضوع تولي قائد الجيش أعظم سلطة في البلاد يكون مثارًا للدهشة والعجب عندما يستعرض الإنسان أمامه الدور الضئيل الذي كان يقوم به كل من الجندي وقائده في بناء مجد المملكة المصرية الداخلي؛ فقد كانت حكومة الأسرة الثامنة عشرة تعتنق مذهب الحكم «البيروقراطي»، وبعبارة أوضح كانت حكومة البلاد وقتئذٍ تتركز في يد سلسلة من طوائف الموظفين درجات بعضها فوق بعض كل منها مسئولة أمام رؤسائها وحدهم، بيد أنهم كانوا يقبضون في الوقت نفسه على كل صغيرة وكبيرة ماسة بحياة القوم العامة والخاصة. ولم يكن في يد الأشراف في هذه الفترة أية سلطة لمناهضة هذا النظام البيروقراطي؛ ويرجع السبب في ذلك إلى أن الفراعنة الأوائل من الأسرة الثامنة عشرة قد أجهزوا على معظم فئة الأشراف من حكام المقاطعات، أما البقية الباقية الذين أفلتوا من أيديهم، فقد تلاشوا تدريجًا على كرِّ الأيام، ومن ثم أصبحت طبقة الموظفين تُعَدُّ أعلى طبقة بين أفراد الشعب في كل البلاد؛ ولذا كان يُنظر إليها بعين التبجيل والاحترام، أما الطبقات الأخرى من الشعب فقد كان يُنظر إليها بعين الاحتقار والامتهان، ولا غرابة إذا رأينا أن الكتاب والموظفين كانوا يقبضون على زمام البلاد وحدهم فيما بعد، ويحتلون مكانة ممتازة فيها.

وقد بقي لنا صدى منزلتهم الرفيعة فيما دُوِّن في كراسات تلاميذ من عهد «الرعامسة» فقد دافع حملة الأقلام عن هذه الفئة دفاعًا مجيدًا، على حين أنهم كانوا يحتقرون وظيفة الجندي وغيرها من الحرف،١ ولا شك في أن هذه ظاهرة تدل صراحة على مهاجمة مكانة الجندي والطبقة التي ينتسب إليها، وقد كان هذا الروح العدائي بين طبقة الموظفين وطبقة الجند سائدًا في عهد الأسرة الثامنة عشرة حتى عصر «إخناتون»، هذا على الرغم من أن الروح العسكري كان سائدًا في عهد التحامسة الأول؛ إذ على أعناق رجال الجيش وبحد سيوفهم تبوَّأت مصر المكانة الرفيعة بين دول العالم بعد أن استردت استقلالها وطردت الغزاة الغاصبين من عقر دارها، غير أنه لم يكن يدور بخلد أحد في هذه الفترة أن هذه القوة العسكرية سوف تناهض السلطة البيروقراطية، وتحتل مكانتها، إلا أن الأقدار شاءت أن تتكون رابطة قوية بين الفرعون وبين جنوده الذين خاضوا جنبًا لجنب معه غمار الحروب الطاحنة التي شنوها على الممالك المجاورة، وهي التي أسفرت عن تكوين إمبراطورية مصرية مترامية الأطراف أغدقت على الشعب المصري الخير العميم، والأرزاق الوفيرة. ولقد كان من نتائج تكوين هذه العلاقات بين الفرعون وجنوده أن انتقلت السلطة الحكومية الفعلية تدريجًا إلى يد القواد الحربيين في هذه الفترة، ولا بد لنا الآن من أن نبحث هنا الأسباب التي أدَّت إلى هذا الانتقال، ونعرض صورة العصر الذي بدأ يظهر فيه اندماج الوظائف الحربية بالوظائف المدنية، وكذلك يجب علينا أن نبحث الدور الحقيقي الذي لعبه القائد الحربي قبل انتقال السلطة المدنية إلى يده، وما كان يقوم به خلال التمتع بها، ولكن قبل أن نقف على حقيقة ذلك لا بد من الإجابة على السؤال التالي: من هو الموظف الخارج عن هيئة السلك العسكري الذي يقوم بأعباء وظيفة لها ارتباط بالجيش؟ ثم نتساءل كذلك كيف كان تدرج تلك الوظيفة؟ والجواب على ذلك هو أن رجال السلك العسكري كانوا ينقسمون طائفتين؛ طائفة الموظفين الحربيين، (أي رجال الإدارة) وطائفة الجند العاملين، وكان لكل من الموظفين الحربيين وضباط الميدان عمل خاص بهم. ولما كان بعض هذه الوظائف حربيًّا محضًا وبعضها الآخر يجمع بين العمل الحربي والعمل المدني أصبح من الضروري أن نحدد أوَّلًا الفرق بين عمل الموظف الحربي، وعمل الجندي المقاتل، وعلى هذا يمكن وضع حد فاصل بينهما نعرف به الموظفين الذين كانوا في زمرة الجنود العاملين في الميدان ثم تقلدوا فيما بعد وظائف مدنية، وبهذه الكيفية يمكننا أن نحدد الرقعة التي يمتد عليها هذا البحث، ثم نعرف التأثير الذي أحدثه هؤلاء الموظفون في قلب كيان الأداة الحكومية في نهاية الأسرة الثامنة عشرة. وأخيرًا لا بد أن نجيب عن سؤال آخر وهو: من أية طبقة من طبقات الشعب نشأ القائد الحربي؟

(١-١) «أمنحتب» بن «حبو»

كان موظفو الإدارة الحربية هم الطائفة العظيمة الذين كانوا يسيطرون بنفوذهم على القيادة الحربية، ومن أبرز رجال هذه الطائفة الذين عُرفوا في تاريخ الأسرة الثامنة عشرة «أمنحتب بن حبو»٢ وهو الذي اشتهر فيما بعد بحكمته وأصالة رأيه لدرجة أن الشعب قد رفعه في عهد البطالمة إلى مرتبة الآلهة، وتاريخ حياة هذا الرجل العظيم يمثل أمام أعيننا حياة الموظف الذي تقلب في أعمال الإدارة الحربية، فبدرس حياته إذن نعلم حدود هذه الإدارة وما تشمل عليه من الوظائف.
fig23
شكل ١: «أمنحتب» بن «حبو».

حياة «أمنحتب» بن «حبو»

وُلد «أمنحتب بن حبو» في بلدة «أتريب» (بنها الحالية) من أعمال المقاطعة العاشرة من مقاطعات الوجه البحري؛ كما ذكر لنا ذلك في ترجمته لنفسه التي تركها في نقوش عدة،٣ ولذلك كان مما يفخر به أنه يحمل لقب «رئيس كهنة إله بلدته» الذي كان يُدعى «حور خنتي ختي»،٤ على أن بلدة «أتريب» مسقط رأسه لم تكن ذات مكانة تُحسد عليها في خلال الأسرة الثامنة عشرة،٥ ومع ذلك فإن «أمنحتب» هذا كان كثير التفاخر بانتسابه إليها لأسباب لا تزال مجهولة لدينا؛ فنراه يذكر لنا بسرور وغبطة في ترجمة حياته،٦ كيف أن الفرعون أجاب ملتمسه فزين هذه المدينة بأحسن الزينة وأفخرها.
وتدل كل الأحوال على أنه وُلد من أبوين فقيرين؛ أي إنه نشأ من عامة الشعب؛ فقد ذكر لنا اسم والده «حبو»٧ واسم والدته «إتو» مجردين عن كل لقب، ومن هذين الأبوين المغموري الذكر نشأ «أمنحتب»، وتدرج إلى معارج الرقي، حتى أصبح يقبض على زمام أمور الدولة المصرية في عهد «أمنحتب الثالث» أشهر فراعنة الأسرة الثامنة عشرة، وقد أُوتي الحكمة وفصل الخطاب؛ مما وضعه في مصاف الآلهة في العصور المتأخرة؛ فقد كان القوم يحتفلون بعيد ولادته في اليوم العاشر٨ من الشهر السابع من كل سنة، وقد عُمر طويلًا؛ إذ بلغ على حسب بعض الأقوال الثمانين حولًا في نهاية حكم «أمنحتب الثالث»، وأرجح الأقوال أنه وُلد في عهد الفاتح العظيم «تحتمس الثالث». وقد حاول البعض أن ينسبه إلى أسرة أحد أمراء المقاطعات بحجة أنه كان يحمل لقب الحاكم «المشرف على الكهنة»٩ وفي هذا من خطل القول ما فيه؛ لأنه في هذه الفترة من تاريخ البلاد لم يكن في المقاطعات أمراء يحكمونها؛ لأن هذا النظام من الحكم كان قد قُضي عليه نهائيًّا في عهد الأسرة الثانية عشرة، هذا إلى أن والده «حبو» كما ذكرناه قد وصل إلينا اسمه مجردًا عن الألقاب؛ مما يدل على أنه لم يرث أي لقب قط عن أجداده، بل على العكس نال مجده بجده وعبقريته الفذة.

لم يذكر لنا «أمنحتب» شيئًا ما عن حياته قبل اعتلاء سميه «أمنحتب الثالث» عرش الإمبراطورية المصرية، وأوَّل وظيفة تقلَّدها في حكم هذا الفرعون هي «مساعد كاتب الملك».

ولا بد أنه كان قد ناهز الخمسين من عمره حينما تقلد أعباء هذه الوظيفة الصغيرة. ومن المحتمل أنه كانت توجد بينه وبين الملك الشاب رابطة جعلته ينخرط بسرعة في سلك الوظائف المدنية، غير أن الآثار لم تمدنا بأية معلومات في هذا الصدد كما أغفلت ذكر الوظائف التي كان يتقلدها قبل هذه الوظيفة التي وجدناه يقوم بأعبائها، فاستمع لما يقصه في ترجمته عن نفسه وهو في دور التكوين: «كنت قد رُقيت إلى وظيفة مساعد كاتب ملكي، وكنت قد تفقهت قبلها في كتاب الإله، ورأيت قوة «تحوت» (إله العلم)؛ فكنت بذلك ماهرًا في أسرار كتابه، حتى إني كنت أحل كل معضلاتها، وكان كل إنسان يسألني النصيحة١٠ (المشورة).» ثم يذكر لنا في نفس هذه الوثيقة أن الفرعون قد رقَّاه بعد فترة من الزمن إلى وظيفة «كاتب المجندين» برتبة «رئيس كتبة الملك». وتلك كانت الوظيفة الرئيسية التي تقلدها «أمنحتب بن حبو»، وسنفصل القول عن نشاطه فيما بعد.
وقد كلفه الفرعون بوصفه «كاتب المجندين» أن يسهم في إقامة المباني الملكية؛ ولهذا منحه لقب «مدير كل المباني الملكية»، وقد كان نطاق وظيفته هذه بالإضافة إلى وظيفة «كاتب المجندين» قاصرًا على الوجه البحري؛١١ ولهذا السبب كان يُلقب بحق على أحد النقوش «مدير المحاجر للجبل الأحمر».١٢ وهذه المحاجر واقعة بالقرب من «عين شمس»، وكانت تُعَدُّ في نظر ملوك الأسرة الثامنة عشرة أعظم محاجر تمتاز بفخامة الأحجار المستخرجة منها؛ إذ كان يُقطع منها الحجر الرملي الأحمر المحبب، ومنه تُصنع التوابيت الملكية،١٣ وتدل شواهد الأمور على أن «أمنحتب الثالث» كان معجبًا بأحجار هذه المحاجر، ويقال إنه في أول حكمه لقب الأحجار المستخرجة منها «بالأحجار المدهشة».١٤ ومن المحتمل أن سبب تفضيله هذه الأحجار على غيرها يرجع إلى الذوق الشخصي من جهة، وإلى الصعوبات التي كان لا بد من تجشمها في نقل أحجارها الضخمة عن طريق النهر إلى «طيبة» من جهة أخرى، وكذلك إلى الصعوبات الفنية التي كان لا بد للمفتن المصري من التغلب عليها في نحتها، وإخراجها في صور متقنة بهجة. ولقد عبَّر لنا «أمنحتب الثالث» عن كبريائه وعجبه وقوته في هذا الصدد عندما فاه بالجملة العظيمة المعبرة عن نقل هذه الأحجار: من «عين شمس» الشمالية إلى «عين شمس الجنوبية» (أي من هليوبوليس إلى طيبة)، وقد دوَّن «أمنحتب» بن «حبو» هذه العبارة على آثار سيده الخالدة إلى الآن بنصها. وكذلك خلع «أمنحتب الثالث» على نفسه في نقوش تمثاليه الضخمين المقامين أمام معبده «بطيبة» الغربية لقب: صاحب الآثار العظيمة التي نقلها بقوته من «عين شمس الشمالية» إلى «عين شمس» الجنوبية١٥ (طيبة)، كما ترك لنا «أمنحتب بن حبو» على التمثال١٦ الذي أهداه إياه الفرعون، وحباه بإقامته في «معبد آمون» نقوشًا تصف إقامة تمثال الملك العظيم بكلمات ملؤها الفخر والإعجاب، لا تقل عما سبق ذكره؛ إذ يقول:

لقد نصَّبني الفرعون مديرًا للأعمال القائمة في محجر الجبل الأحمر، وهي الآثار التي كانت ستُقام في «معبد الكرنك» للإله «آمون»، فنقلت تمثاله الضخم الذي كان يمثل صورة جلالته بكل دقة فنية، وقد أُحضر من «عين شمس الشمالية» إلى «عين شمس الجنوبية»، وهو لا يزال إلى الآن رابضًا في مكانه، وقد حباني سيدي؛ فسمح لي بإقامة تمثالي في معبد «آمون»؛ لأنه يعلم أني ملك يديه أبديًّا.

كذلك تدل اللوحة الجنازية التي جاء فيها ذكر إهداء المعبد الجنازي الذي أُقيم فيه هذا التمثال على أنه قُطع من نفس المحاجر السالفة الذكر؛ إذ يقول الفرعون:
لقد ملأ جلالتي المعبد بالآثار والتماثيل من الجبل الأحمر.١٧
والظاهر أن «أمنحتب بن حبو» هو الذي كان يشغل وظيفة مدير الأعمال التي كانت تُقام في هذا المعبد، وإن لم يذكر لنا ذلك صراحة. ويمكن استخلاص ذلك من أن «أمنحتب بن حبو» قد أقام معبده بجوار معبد سيده مباشرة، وقد كافأه الملك على ما قام به من جليل الأعمال في إدارة المباني الملكية وقطع أحجار التماثيل ونقلها بالتصريح له بإقامة تمثاله في معبد «آمون». وهذا التمثال لا يزال باقيًا حتى الآن، وقد عُثر على تمثال آخر معه مشابه له في نقوشه، والتمثالان موجودان الآن بالمتحف المصري.١٨ والظاهر أنهما نُصبا في هذا المعبد في وقت واحد، وقد جاء على الأخير منهما ذكر عيد «سد» الأوَّل للفرعون «أمنحتب الثالث»، وهذا العيد كان يُقام في الأصل كما يُقال بعد مرور ثلاثين سنة من حكم الفرعون الجالس على العرش؛ ولكن هذا التقليد لم يكن يُعمل به دائمًا من جهة المدة كما ذكرنا. وعلى ذلك يظهر أن هذين التمثالين قد نحتهما «أمنحتب بن حبو» بمناسبة هذا العيد، وكذلك تدل الشواهد على أن تمثالي «ممنون» قد نُصبا في خلال هذه الفترة؛ لأننا نقرأ على واحد منهما الدور الذي لعبه «أمنحتب» في إقامتهما.
ومما يؤثر عنه من جليل الأعمال التي قام بها لسيده كذلك في أعمال البناء الضخمة التي لا تزال آثارها باقية حتى الآن نصب تمثال هائل بمعبد الكرنك،١٩ فيقول:
لقد نصبني سيدي مديرًا لكل المباني الملكية، فجعلت اسم الفرعون مخلدًا؛ لأني لم أُقلد أعمال السلف، بل بنيت له جبلًا٢٠ من الحجر الرملي (أي إن معبد موت عامة كان مفعمًا بتماثيل من — هذا النوع من الحجر حتى أصبح جبلًا من هذا الحجر الرملي)؛ لأنه وارث الإله «آتوم»، وقد أقمت ذلك على حسب ذوقي الخاص؛ فجعلت صورته في معبده العظيم هذا من كل نوع، وجعلته يناهض السماء في علوه من الأحجار الصلبة؛ ولذلك جاء عملي هذا منقطع القرين منذ الأزل.

ولقد أشرفت على عمل تمثاله العظيم الشاسع في عرضه والسامق في طوله حتى فاق عمد المعبد الذي نُصب فيه، ولقد أشرق جماله على بابه؛ إذ بلغ طوله أربعين ذراعًا، أما مادته فقد قُطعت من محاجر الحجر الرملي المقدس للإله «رع آتوم»، وكذلك بنيت له سفينة خاصة وأحضرته فيها بالنيل، وأقمته في معبده العظيم الأبدي، فكان يناهض القبة الزرقاء في سموِّها، وسيحكم من سيأتي بعدي على عملي العظيم الأبدي هذا. وكان الجيش بقيادتي، وكان جنوده يعملون بسرور وقلوبهم فرحة؛ لأنهم يقومون بتأدية واجبهم لإلههم الطيب مسبِّحين بحمده، وقد أنزلوا هذا الأثر في «طيبة» مهللين مستبشرين، وهو رابض الآن في مكانه أبديًّا.

فنرى من الوصف السابق أن تمثال الملك هذا قد قُطع من محاجر «الجبل الأحمر»، وقد أوضح لنا «أمنحتب» في النقوش السالفة الذكر تفضيل الفرعون هذه المحاجر المقدسة، وتقع على مقربة من «عين شمس» وتُنسب للإله «آتوم»، وهو الإله المحلي لهذه الجهة، ولما كان الفرعون يعد نفسه ابن الإله «آتوم» ووارثه على الأرض، فإنه كان بطبيعة الحال يفضل نحت تمثاله من أحجار هذا المحجر بوصفها موروثة عن أبيه «آتوم».

والتمثال المشار إليه كان منصوبًا في معبد «الكرنك»، وقد تعرف عليه الأستاذ «زيته» ثانية (راجع Sethe Festschrift fur Ebers p. 107ff)، وقال إنه هو التمثال الضخم المنسوب إلى الفرعون «أمنحتب الثالث»، وهو الذي لا تزال قاعدته قائمة للآن أمام الواجهة الجنوبية للبوابة العاشرة التي أقامها «حور محب»، وهذا التمثال حقيقة منحوت في الحجر الرملي المجلوب من الجبل الأحمر، ولكن يبلغ ارتفاعه على حسب رأي الأستاذ «زيته» إلا نحو خمسة عشر مترًا. وقد فُسر ما جاء في النقوش من أنه يبلغ ذرعه أربعين ذراعًا بأن هذا الطول يُنسب إلى قطعة الحجر التي نُحت فيها التمثال في المحجر. ولا بد أن هذا التمثال هو أحد التماثيل الضخمة القائمة في الجهة الشمالية من نفس البوابة وهي التي اغتصبها «رعمسيس الثاني» لنفسه كما كانت عادته. يُضاف إلى ذلك أن تمثال «أمنحتب الثالث» هذا ليس قائمًا في مكانه الأصلي، وليس لدينا معلومات عن المكان الذي كان قد أُقيم فيه أوَّلًا. هذا كل ما وصلنا عن أعمال البناء التي قام بها «أمنحتب بن حبو». يُضاف إلى ذلك تمثال آخر له في معبد «الكرنك»، ولكن هذا لا يدل على أنه قد أقام بها مباني هناك، والظاهر أن التمثال المذكور قد أُقيم في هذا المعبد بعد أن تم بناؤه نهائيًّا.
أما المباني التي أمر «أمنحتب الثالث»٢١ بإقامتها في «إتريب» (بنها الحالية) تكريمًا «لأمنحتب بن حبو» مدير مبانيه بوصفها مسقط رأسه، فلم يذكر لنا الأخير أنه هو الذي أشرف على إقامتها، وكل ما نعرفه أن الفرعون «أمر أن تُحفر في هذه البلدة بحيرة في شمالها وأخرى في جنوبها، وأن تُزين شواطئهما بالأزهار والأشجار … وكذلك أقام معبدًا لإله بلدتي … وزاد في قرابينه اليومية؛ وبذلك أسدى سيدي إلى بلدتي شرفًا عظيمًا. هذا إلى أنه أغدق من فيضه على أسرتي في الحياة الدنيا.»
ويُعزى لقب «كاهن سم في بيت الذهب» (مكان التحنيط) الذي يحمله «أمنحتب» إلى نشاطه بوصفه مشرفًا على المباني الدينية والآثار، وهذا اللقب كان لا يحمله إلا امرؤ مقدس طاهر منحه الله قوة ربانية؛ لأنه كان لا يجوز لأحد غيره لمس أدوات العبادة، وهذا هو السبب الذي من أجله قد عُين «إخرنوفرت»٢٢ في عهد الدولة الوسطى على حسب أوامر الملك «سنوسرت الثالث» ليضع صورًا دينية ثانية في «العرابة» للإله «أوزير»، فيقول إخرنوفرت: «وكانت يدي طاهرة عند تزيين الإله بوصفي «كاهن سم» وأصابعي نظيفة، وكذلك كانت الحالة مع «منمسو»٢٣ الذي عاصر كلًّا من «تحتمس الثالث» و«أمنحتب الثاني»، وكان يحمل لقب «مدير المباني الملكية في الوجه القبلي والوجه البحري»؛ لأنه مُنح وظائف في كل المعابد التي كان يدير العمل فيها كهنة مطهرون.»
وهذه الأعمال الجليلة المنقطعة النظير التي قام بها «أمنحتب بن حبو» لمليكه قد قابلها الفرعون بإنعامات عظيمة فريدة في بابها أيضًا، فتفضل وسمح له بإقامة قبر على غرار قبر الفرعون، فأقام لنفسه معبدًا جنازيًّا على الضفة اليمنى للنيل في «طيبة الغربية»،٢٤ ونحت قبره على مقربة منه في الصخور التي على حافة الصحراء، كما كان يفعل الفراعنة. وهذه ميزة فريدة اختُص «أمنحتب بن حبو» على كل أقرانه بها؛ فقد تساوى بالفراعنة من هذه الناحية في عهد الأسرة الثامنة عشرة، وليس هناك من يضارعه في هذا الإنعام إلا «سنموت»٢٥ أكبر رجال الملكة «حتشبسوت»، فقد سمحت له أن يقيم قبره في منطقة معبدها بالدير البحري كما فصلنا القول في ذلك (راجع الجزء الرابع).
وفي خلال المدة التي كان يقوم فيها «أمنحتب بن حبو» بأعباء إقامة تمثالي «ممنون»، ويشرف على بناء معبده الجنازي، ومعبد الفرعون أيضًا، وكل إليه «أمنحتب الثالث» أمر القيام بمهمة أخرى خطيرة الشأن، وذلك أنه عندما حلَّ موعد أحفال العيد الثلاثيني أراد هذا الفرعون أن ينتهز من الحفل به فرصة سانحة ليقيم لإلهه «آمون» ولنفسه معبدًا عظيمًا في بلاد النوبة، فرأى أن خير من يقوم بهذا العمل الضخم هو «أمنحتب بن حبو»؛ ولذلك كلفه أن يشرع بإعداد كل ما يحتاج من معدات دينية واقتصادية لتنفيذ ما أراد. وفي ذلك يقول٢٦ لنا «أمنحتب بن حبو» نفسه: «لقد نُصبت مندوبًا فوق العادة لجلالة الفرعون؛ لأجل أن أحضر له أناسي من «طيبة» وهم عبيد ممتلكات الفرعون لأقدمهم أبديًّا للإله آمون في عيد «سد» الأول لجلالته، وقد وكل إليَّ جلالته تنظيم إدارة الإله «آمون»، فنصبت الكهنة في وظائفهم … وعينني الملك مدير عيد «آمون» في كل أعياده، فجهزت قربانًا يوميًّا.»

وعلى الرغم من أن معبد بلدة «صولب» المقصود هنا لم يُذكر بالاسم في هذه النقوش فإن من الظاهر بداهة أنه قد أُقيم فيها بهذه المناسبة، هذا فضلًا عن أن الرسوم الواضحة التي تمثل «أمنحتب» في هذا المعبد لا تدع أي مجال للشك في أن معبد «صولب» هو المقصود هنا.

ونعلم أن «أمنحتب بن حبو» هو الذي حبس على هذا المعبد الحقول، وخصص لها فلاحين ليقوموا بزرعها وصيانتها، وقد نُقلت من أملاك الملك لتكون هبة للمعبد، وكذلك أعد ما يلزم لإقامة الشعائر الدينية من مغنين وراقصات، هذا إلى أنه جهز كل ما يلزم لإتمام معدات المعبد، وكان أهم أمر لفت نظره هو تنصيب الكهنة الذين كانوا تمتعوا بأوقافه وهباته، وقد كافأه الفرعون على ما قام به لإعداد هذا الحفل بالعيد الثلاثيني؛ ففضلًا عن أنه جعله يقوم بتمثيل الفرعون قد خلع عليه رتبة «ربعت» (أي نائب الملك)، وهو لقب شرف عظيم القدر؛ ولهذا السبب وجدنا هذا اللقب العظيم منقوشًا على تابوته بالصور التالية: «وظيفة نائب الملك» (ولي العهد) في «عيد سد». ومما يلفت النظر أن «أمنحتب بن حبو» هو الفرد الوحيد الذي شُوهد على ما بقي من نقوش هذا المعبد يمثل هذا الدور وحده في هذا الحفل،٢٧ وتصفه النقوش بأنه «نائب الملك والكاتب الملكي» «أمنحتب بن حبو»، وقد استُقبل هناك بوصفه ملكًا عند المحراب المخصص للإله، وقرع على بابه كما يقرع الملك بصولجانه.
ويُستدل من الآثار أن لقب «ربعت» (ولي العهد) لم يكن لقبًا قديمًا يُستعمل في عيد «سد»؛ لأننا لم نجده في نقوش معبد الشمس للملك «نوسر رع»٢٨ من فراعنة الأسرة الخامسة، بل كان يُطلق على من يمثل هذا الدور لقب آخر حلَّ محله هذا اللقب، واللقب القديم الذي كان يحمله من يقوم بهذا الدور يتفق في الواقع اتفاقًا تامًّا مع ما كان يقوم به «أمنحتب» بن «حبو» بوصفه منظمًا للمعبد بمناسبة الحفل بأول عيد ثلاثيني لهذا الفرعون. على أن «أمنحتب» لم يكن الموظف الكبير الوحيد الذي أخذ بنصيب وافر في الحفل بهذا العيد الثلاثيني للملك «أمنحتب الثالث»؛ إذ نجد في نقوش «صولب» نفسها أنه قد ذُكر بوجه خاص «وزير الجنوب» «رعموسي» والكاهن «مري»،٢٩ يُضاف إلى ذلك أن «إتن تحن» مدير بيت «أمنحتب الثالث» كان يقوم بدور في هذا العيد٣٠ مع «نفر سهرو» الذي كان يحمل لقب «مدير العرشين». وكذلك نجد صورة «مدير الجنوب» «خع-محات» كاهن الإله «أنوبيس»٣١ بين الذين اشتركوا في الحفل بهذا العيد. ونظن أن «أمنحتب بن حبو» لعب دورًا آخر بعد نهاية هذا العيد الثلاثيني، ويرتكز هذا الظن على النقش الذي وُجد في قطعة حجر من معبده جاء فيها: «السنة الثلاثون،٣٢ الشهر الحادي عشر، اليوم الثاني من الشهر، تمييز كاتب الملك الحقيقي «أمنحتب» بلقب «عز مر» (حاكم المقاطعة)؟ في نهاية العيد الثلاثيني، ومُنح حليًّا من الذهب وأنواعًا مختلفة من الأحجار الكريمة الجميلة؛ فقد أُهدي قلادة من الذهب، وزُين جيده بأنواع كثيرة من الأحجار الكريمة، واعتلى كرسيًّا من الذهب، (الذي يقابل قاعة العرش)، وكسا جسمه بأحسن أنواع الكتان …» فهذا النقش يدل على أن «أمنحتب بن حبو» قد لعب دور «عز مر» في نهاية عيد «سد»، وهذا الدور لم يُعرف من قبل في مناظر هذا العيد قط. أما الامتيازات التي اختص بها عن طريق الهبات الملكية فيمكن قرنها بالإنعامات التي أنعم بها نفس الفرعون على «مدير الغلال» «خع-محات» في العام الثلاثين من حكمه (أي في عيد «سد») والممثلة في قبره.٣٣
وقد قص علينا «أمنحتب» في النقوش التي على تمثاله مقدار نشاطه في هذا العيد؛ إذ يقول: «إن الملك قد نصبه مشرفًا على عيد «آمون»، وهو بذلك يقوم بنفس الدور الذي كان يقوم به الفرعون نفسه»، والواقع أن الفرعون كان يعين نائبًا عنه في الأقاليم من كبار رجال الدولة في مناسبات الحفل بالأعياد في هذه الجهات.٣٤ وكذلك في معبد «الكرنك» كان ينوب أحيانًا عن الفرعون موظف كبير من رجال البلاط المقربين.٣٥
وقد قام «أمنحتب بن حبو» بدور الملك في تبريك معبد «صولب»، ولكن «أمنحتب» قد جمع إلى شرف تمثيل الفرعون فائدة مادية؛ فقد ذكر لنا نفسه: «أن٣٦ سيده قوته … وسمح له بالخبز بعد العيد …» فهو بهذا قد استولى لنفسه على نصيب القربان الذي كان خاصًّا بالفرعون، وثبت صحة هذا التفسير أن «دودو» الذي كان يُلقب «بالفم الأعلى للملك «إخناتون»» كان يشغل هذه الوظيفة عن جدارة، وأنه كان يأكل نصيب جلالة الفرعون في معبد «آتون» ببلدة «إختاتون».٣٧ وكانت ترقية «أمنحتب بن حبو» إلى وظيفة «مدير أملاك» كبرى الأميرات المسماة «سات آمون» إعلانًا بأن حياته كموظف حربي قد خُتمت، وأنه بذلك لن يرتقي قط إلى رتبة «قائد جيش». والظاهر أن الأميرة «سات آمون» قد لعبت دورًا هامًّا في البلاط الفرعوني وقتئذٍ؛ إذ لا يُعد من طريق المصادفة المحضة أنها كانت تملك ضياعًا عظيمة، ولكن الواقع أنها تزوجت٣٨ من والدها «أمنحتب الثالث» كما تنطق بذلك الآثار الباقية. ولا شك في أنها كانت تتضاءل بجانب والدتها «تي» التي كانت تسيطر على «أمنحتب» وتلعب دورًا خطيرًا في سياسة الدولة الخارجية والداخلية، كما أنه لم يكن لها أي ذكر بعد وفاة «أمنحتب الثالث»، وقد ظل «أمنحتب بن حبو» بعد هذا الزواج يدير أملاك هذه الأميرة.

وقد بقي «أمنحتب بن حبو» بعد اعتزاله أعمال الحكومة وتقاعده يشغل وظيفة «حامل المروحة على يمين الفرعون» في البلاط، وبذلك ظل مرتبطًا بالبيت المالك تمام الارتباط. ويغلب على الظن أن «أمنحتب» هذا قد نال لقب «مدير ثيران آمون» في الوجه القبلي والوجه البحري في آخر أيام حياته؛ إذ من المحتمل أن القطعان التابعة لمعبد «آمون» كانت ترعى في أملاك الأميرة «سات آمون»، وهذا هو التفسير الممكن لحمله هذا اللقب.

وهنا يصل بنا المطاف إلى خاتمة حياة «أمنحتب بن حبو»، ولا نزاع في أنه قد وصل إلى ذروة مجده في مجال حياته الحكومية في السنة الثلاثين من حكم «أمنحتب الثالث»؛ فقد أقام أفخر مباني سيده، وأشرفها، ووصل بعمله هذا إلى أعظم الرتب التي لم ينلها إلا النزر اليسير من أمثاله من الموظفين. ومما يؤسف له أننا لا نعرف تاريخ وفاته حتى الآن. أما ما وصل إلينا عن المرسوم الخاص بمعبده الجنازي وهو الذي ذُكر فيه: «السنة السادسة، الشهر الثامن، اليوم الواحد والعشرون» فهو محض اختراع وُضع في الأسرة الحادية والعشرين، وليس ثمة شك في أنه قضي في الحادية والثلاثين أو الثانية والثلاثين من حكم الفرعون «أمنحتب الثالث».

ولا ريب في أن ما حباه به سيده من الإنعامات وألقاب الشرف كان لها أثر بالغ في الإشادة بذكره، والرفع من شأنه، والتعظيم لقدره، كما ذكرنا من أن سيده «أمنحتب» الثالث قد صرح له بإقامة معبد جنازي لنفسه بجوار معبده، ولم يجعله كعامة الموظفين ينحت لنفسه مدفنًا في تلال «طيبة» الواقعة على الضفة الغربية من النيل، هذا إلى أنه قد نحت تابوته٣٩ على غرار توابيت الملوك، ونقشه كذلك بنقوش ملكية. وكانت تُقام له في معبده الجنازي هذا الشعائر الدينية كأنه ملك مؤلَّه مثل الفراعنة الذين دُفنوا بجواره في أبواب الملوك، ومن أجل ذلك نلاحظ أنه قد ظهر في صورة ترجع إلى عهد «رعمسيس» الرابع في مقبرة «أنحرت خعو» الذي كان يدير شئون المعابد الملكية، وفيها نشاهد أن «أنحرت خعو» هذا يقدم القربان٤٠ للملوك المتوفين، وفي نهاية قائمة هؤلاء الملوك نجد ملكًا ممثلًا يحمل اللقب التالي: نائب الملك الكاتب الملكي «حوي» (وهو اسم مصغر لأمنحتب).

ومما تجدر الإشارة إليه هنا أن القوم كانوا يقدسون هذا الرجل العظيم مدة حياته؛ إذ كانوا يعدونه خارقًا للعادة، فلا غرابة إذن في أن كانوا ينظرون إلى تمثاله بمثل هذه النظرة بعد وفاته. والواقع أن هيبة تمثاله كانت توحي في نفوس الشعب الإجلال والاحترام؛ فكان القوم يعتقدون فيه أنه لسان حالهم، وحاميهم والشفيع لهم في معبد الإله بعد مماته، كما كان الملجأ الذي يلجئون إليه مدة حياته، ولا عجب في ذلك؛ فقد وجدنا منقوشًا على قاعدتي التمثالين اللذين وُجدا أمام البوابة العاشرة بالكرنك النص التالي: «أنتم يا أيها الناس الذين يرغبون في رؤية «آمون»، تعالوا إليَّ لأني بشير هذا الإله، فقد نصبني «أمنحتب الثالث» لأبلغ كلمات القطرين إذا قرأتم لي صيغة القربان، وناديتم باسمي إنسانًا محبوبًا عمل خيرًا.»

ومما يدعوا إلى العجب أننا عثرنا على تمثالين آخرين لموظفين آخرين من رجال «أمنحتب الثالث» كل منهما يحمل لقب «كاتب المجندين الملكي» ويقوم بدور بشير الإله، وهو الدور الذي كان يقوم به بطلنا «أمنحتب بن حبو». فالتمثال الأول كان «لمن»،٤١ وقد عُثر عليه في معبد «آمون» بالكرنك، وقد نُقش عليه النص التالي: «إني حاجب سيدتي «موت» (زوج الإله آمون)، وإني أجعل تضرعاتي تصعد إليها.» أما التمثال الثاني فكان لموظف يُدعى «رعيا»٤٢ وقد دُونت عليه نقوش مماثلة للسابقة: «إني رسول ربة السماء (إزيس في قفط)، وإني في ردهتها.٤٣ قل لي تضرعاتك وإني سأرفعها إلى ربة الأرضين؛ لأنها تُصغي إلى تضرعاتي.» ومهما يكن من أمر فإننا في هذا الموقف لا يمكننا أن نجد أية علاقة أو ارتباط بينهما وبين رجلنا العظيم «أمنحتب بن حبو».
وعلى أية حال فإنه ليس من شك أو ريبة في أن تماثيل «أمنحتب» بطلنا كانت موضع احترام وتقديس في مدة حياته، كما كانت عبادته بعد مماته في معبده الجنازي المقام في «طيبة الغربية» موضع سرور القوم وإجلالهم. ومن ثم يظهر لنا تدرج القوم في احترامه وتعظيم شأنه؛ فقد كان في بادئ الأمر يُنظر إليه نظرة حكيم ورع، ثم ارتفعت درجته في أعين الشعب على مرِّ الأيام حتى عُدَّ في مصافِّ الآلهة في العهد البطليموسي.٤٤

(١-٢) موظفو إدارة الجيش: كاتب المجندين

تقلب «أمنحتب بن حبو» في سلك الموظف الحربي العادي في عهد الأسرة الثامنة عشرة، وقد أكدت لنا هذا الرأي النقوش التي تتحدث عن حياة موظفين حربيين آخرين من هذا العصر. والواقع أن حياته لا تختلف في هذه الناحية عن حياة أي موظف آخر. أما حياة جندي الميدان فكانت تختلف عن حياته اختلافًا بينًا؛ وذلك أن الموظفين الحربيين كانوا يبدءون حياتهم بالتلمذة في وظائف إدارية صغيرة؛ فكان الواحد منهم يعمل بوصفه مساعد كاتب ملكي،٤٥ وكان أمثال هؤلاء التلاميذ يُدربون على تصريف الأمور، ويحذقون كتاب الإله، فيشاهدون قوة «تحوت» (إله العلم)؛ وبذلك يصبحون مَهَرَة في أسرار الكتب. ولم تمدنا الوثائق بالمدة التي كانوا يقضونها في ممارسة هذا الدور من التعليم، وتدل شواهد الأحوال على أن وظيفة «كاتب الجند» كانت تقع في دائرة الوظائف الصغيرة،٤٦ وكان هؤلاء الكتاب يجلسون في مكتب إدارة الجيش وينفذون أوامر «رئيس الإدارة» دون أن يكون لهم دائرة عمل محدودة. وكان لكل وحدة في الجيش كاتب من هؤلاء. والظاهر أن هؤلاء الكتاب الحربيين هم الذين نشاهدهم يمشون خلف رؤسائهم في رسوم المناظر التي تصور توزيع الطعام، والجرايات، كما هو مشاهد في رسوم٤٧ مقبرة «آمون امحب» ومقبرة «بخسوخر»، وهؤلاء الكتَّاب يختلفون في ملابسهم عن ضباط الجيش العاملين؛ إذ كانوا يرتدون فوق قمصانهم لباسًا آخر.

وقد جرت العادة أن يُنتخب الموظفون أصحاب الرتب العالية في الجيش من كتاب الجند؛ فمنهم من يكون مديرًا للكتاب الحربيين، وكاتب المجندين، ثم القائد.

وقد كان عمل مدير الكتَّاب٤٨ الحربيين هو تدوين التقارير عن كل ما حدث في خلال المعارك أثناء الحملات الحربية. فهو إذا كان الموظف الذي يدون اليوميات الرسمية عن سير المواقع. وقد دوَّن لنا «ثنني» بكبرياء على جدران قبره أنه كان يسير في ركاب سيده «تحتمس الثالث» خلال المعارك التي شنَّها، «ودوَّن أعمال الشجاعة التي قام بها في كل بلد أجنبي، وقد دوَّنها كما حدثت»، وهذه الألفاظ التي ذكرها «ثنني» تنطبق على يومياته الحربية التي خلدت٤٩ ذكراها بمنتخبات منها لا تزال باقية منقوشة على جدران معبد الكرنك، ومما يؤسف له أن نقوش ترجمة٥٠ حياته في مقبرته قد وُجدت مهشمة، ولكنا نستخلص منها أنه كان يعمل كذلك في عهد «أمنحتب الثاني» وفي عهد «تحتمس الرابع»، وقد دون لهما أسماء جنود كثيرين، ومن أجل أعماله العظيمة رُقي إلى منصب «كاتب المجندين» (راجع ص٤٥).

كاتب المجندين

يظهر أن هذه الوظيفة لم تكن شائعة الاستعمال قبل عهد الأسرة الثامنة عشرة، وإن كانت قد وُجدت منذ الدولة القديمة، ويقول البعض إنها أُنشئت في عهد الأسرة الثانية عشرة، أما في خلال الأسرة الثامنة عشرة فنجد عددًا عظيمًا من الموظفين يحملونها، وبخاصة في عهد «تحتمس الثالث» و«أمنحتب الثاني» و«تحتمس الرابع» و«أمنحتب الثالث»٥١ و«أمنحتب الرابع»٥٢ ثم «حور-محب»٥٣ والواقع أنه كان لكل من الوجه القبلي والوجه البحري كاتب مجندين، وقد كان تعدد الموظفين الذي يحملون هذه الوظيفة معلومًا واضحًا من تعدد درجة القائد التي تليها في درجات الرقي، ومع هذا فإن من المؤكد أنه لم يُذكر لنا في أية وثيقة تقسيم سلطة هذه الوظيفة في الوجهين القبلي والبحري، وكذلك لم يظهر أمامنا على النقوش إلى الآن كاتبان للمجندين أو أكثر في وقت واحد أبدًا.

ويدل ما جاء في حياة «أمنحتب بن حبو» على أن هذه الوظيفة كانت في الوجه البحري الذي كان يُعد أهم من الوجه القبلي من الناحية الحربية، وما وصل إلينا عن كتاب المجندين لا يدل قط على أن تقسيم هذه الوظيفة كان ممكنًا؛ وذلك لأن الترقيات التي كانت تلي هذه الوظيفة ليس لها أي أثر قط في النقوش المصرية.

التجنيد

وصف لنا «أمنحتب بن حبو» في النقوش التي تركها لنا نشاطه بوصفه كاتب المجندين، فقد بدأ أحد نقوشه بالكلمات التالية: «لقد جمعت٥٤ المجندين لسيدي، وأحصى قلمي عددًا لا نهاية له. ووضعت الشباب مكان القدامى من الجنود، فتصبح عصا الشيخوخة ممثلة في أبدانهم الحية، وأحصيت ضريبة بيوتهم على حسب عدد أفرادها، وأعفيت بيوتهم من الضرائب …» فمن وصف هذا التجنيد نعلم أنه ينقسم صنفين مختلفين، ولكن لا يمكن أن نستخلص منه ما إذا كان هذا التقسيم يعالج الجنود النظاميين أم جنود الرديف؛ إذ نعلم بدورنا أنه منذ تكوين جيش عامل في عهد الدولة الوسطى كان تنظيم المجندين من هذين الصنفين من الناس مختلفًا، فقد عرفنا أنه في «البرشة» في عهد الفرعون «سنوسرت الثالث» كان شباب الجيش العامل منفصلًا عن المجندين في المقاطعة.٥٥
والواقع أنه كان للجنود النظاميين في عهد الدولة الوسطى أراضٍ معفاة من الضرائب زمن الخدمة العسكرية وبعدها، فكانت باب رزق أساسي لهم ولأسرهم، هذا إلى أن ملوك الدولة الوسطى كان لهم حرس يُنتخبون من صنف من الضباط العاملين، وهؤلاء خُصص لهم حقول وماشية وعبيد؛٥٦ وذلك لأن الفرعون كان مضطرًّا في أوائل هذه الأسرة إلى معونة عدد عظيم من الجنود في الحروب التي كان يشنها لتحرير البلاد من جهة، وللمحافظة على الأقاليم التي فتحها وضمها لمصر في سوريا والسودان من جهة أخرى. (وكان للفرعون في أوائل الأسرة الثامنة عشرة أراضٍ شاسعة، وبخاصة الأراضي التي استولى عليها من حكام المقاطعات بعد القضاء على سلطانهم وتشتيت شملهم، وكذلك الأراضي التي استولى عليها بعد طرد الهكسوس من البلاد). ومن أجل ذلك نرى أن ضياع الجنود في هذه الفترة كانت منتشرة في أنحاء البلاد لدرجة عظيمة، فكان ربان السفينة «أحمس بن أبانا» يمتلك في ذاك الوقت بهذه الوسيلة أراضي شاسعة في مقاطعة «الكاب»، وهو يقص علينا بنفسه أن معدات سفينته كان ينفق عليها من أراضٍ مُنحها. وفي عهد حكم الفرعون «أحمس» كان مدير السفن المسمى «نسي» يملك حقولًا في «منف» تبلغ مساحتها نحو خمسة عشر ومائة أرورا قد وهبها إياه الفرعون، وقد أُقيمت من أجلها قضية نزاع على ملكيتها في عهد «حور محب»، واستمرت في يد القضاء حتى عهد «رعمسيس الثاني».٥٧
وكذلك عُثر على لوحة حدود٥٨ جاء فيها أن «تحتمس الأول» قد منح راكب العربة «كري» حقلًا تبلغ مساحته نحو خمسين ومائة أرورا (الأرورا = ٢٩٣٥ مترًا أو ثلثي فدان)، وكان كذلك حامل العلم «نب آمون» يملك حقولًا قبل أن يعين صاحب الشرطة في عهد «تحتمس الرابع» في «طيبة»٥٩ الغربية، ومن هذا يمكن القول بأن الإعفاء الذي ناله «نب آمون» عن أملاكه بوصفه رئيسًا للشرطة يدل على أن الأراضي التي يُمنحها الجنود لم تكن معفاة من الضرائب، كما يمكن الإنسان أن يستنبط هذه الحقيقة من مضمون نقوش قضية «مس»؛ لأن وصف سير هذه القضية يشعر بأن ضرائب هذه الأطيان كانت تُدفع إلى بيت المال وإلى «إدارة الغلات»، غير أننا نجد من جهة أخرى أن الإعفاء من الضرائب كان على ما يظهر شائعًا بين الجنود فيما بعد، وبخاصة في عهد الرعامسة. يدل على ذلك ما جاء في قصيدة «رعمسيس الثاني» التي تصف لنا موقعة «قادش» (وهي المسماة «بنناور» خطأ)؛ إذ يقول الفرعون لجنوده مؤنبًا: «لقد أعفيتكم من الضرائب.» ويظهر كذلك أن هذه الأملاك التي كانت ضمن أملاك الحكومة لا يمكن تقسيمها بين أولاد الجندي القديم المستولى عليها إلا بوصفهم زرعًا لها فقط، وكذلك كان لا يمكن لأولاد عمه الاستيلاء عليها إلا بهذه الكيفية.٦٠
وكانت الأراضي التي تُعطى هبة لهؤلاء الجنود تنحصر في قرًى معينة وفي مناطق عسكرية. وبهذه المناسبة نذكر أن «أمنحتب الثالث» أمر في أثناء إحدى نزهاته لصيد الثيران الوحشية وهو بصحبة كل حرسه أن تُجند الجنود الذين يسكنون في الجهة المجاورة لمحل الطراد (دندرة)، وأن يكون على رأسهم قائدهم ليكونوا جميعًا مرشدين لجلالته في هذه الجهة.٦١ هذا وقد جاء في رسوم الفرعون «حور محب» ذكر مستعمرات عسكرية؛ إذ نجد مع القوائم التي تحتوي على الأفراد المدنيين قوائم تشمل جنودًا عاملين يملكون سفنًا٦٢ وحدائق. وذكر لنا كذلك «رعمسيس الثاني» كرة أخرى في موقعة «قادش» بعض الحقائق في هذا الصدد؛ إذ يقول: «إني صرحت لكم بالسكنى في ضياعكم وأمددتكم مع أنكم لم تقوموا بالخدمة العسكرية.»٦٣ فهذه الكلمات التي فاه بها «رعمسيس الثاني» كان يقصد بها منح هذه الأراضي المعفاة من الضرائب لتكون بمثابة أساس لإنشاء جيش عامل في البلاد؛ إذ إنه قرن استغلالها بأن يكون مالكها على تمام الأهبة دائمًا ليقوم بواجبه العسكري كلما دعا داعي الحرب للدفاع عن حياض الوطن، وإذا حدث أن أصبح مالك هذه الأرض المعفاة من الضرائب غير قادر على حمل السلاح، فإن ابنه الذي يرث هذا الإقطاع من بعده يجب عليه أن يحمل السلاح بدلًا منه. وإذا اتفق أن ليس في الأسرة ذكر قادر على حمل السلاح، فإن الإقطاع يرجع ثانية ملكًا للفرعون، فيعطيه بدوره غيره من القادرين على حمل السلاح. ولا ريب في أن الادعاء الذي ذكره لنا «رعمسيس الثاني» من أن المبدأ القائل بأن المالك لمثل هذه الأراضي كان من حقه أن يستمر في تملكها حتى ولو كان غير قادر على حمل السلاح، وليس له ولد يحل محله، مبالغ فيه؛ وذلك لأن القانون الأصلي معروف تمامًا، وهو يقضي بأن ملكية الأرض والانخراط في سلك الجيش العامل كانا يتمشيان معًا جنبًا لجنب منذ أوائل الأسرة الثامنة عشرة؛ إذ يقص علينا في هذا الصدد «أحمس» الذي أصبح فيما بعد مديرًا لمعدات السفن في عهد آخر ملوك الأسرة السابعة عشرة: «كان والدي جنديًّا في جيش الفرعون «سقنن رع» … ثم أصبحت جنديًّا بعده مع أني كنت لا أزال صبيًّا.»٦٤
ومن ذلك نستخلص أن معظم جنود الجيش العامل كانوا أولاد جنود.٦٥ يُضاف إلى ذلك أن «أمنحتب بن حبو» (كاتب المجندين) أعلن في نقوشه أنه يجعل المجند الصغير يحل محل سلفه؛ لتكون بذلك عصا شيخوخته ممثلة في ابنه الذي يحبه، وكان يشير إلى أنه تحت سلطانه — بوصفه كاتب المجندين — الإدارة التي تجعل الولد يحتل مكان والده في الأملاك التي وهبها الفرعون إياه مقابل خدمته في الجيش العامل، وكذلك كان يقصد الكاتب «ثنني» نفس المعنى بكلماته التالية التي ذكرها لنا في تاريخ حياته … «لقد رافقت الفرعون «تحتمس الرابع» ودوَّنت له أسماء جنوده العدة.»٦٦ وكذلك نجد نقوشًا تفسر لنا صورة تدل على تدوين أسماء كل جيوش جلالته «… تسجيل كل الجيش أمام جلالته، واقتراع المجندين من بين كل الشبان، وجعل كل رجل يعرف واجبه في عامة الجيش على يد كاتب الملك الحقيقي محبوبه، وكاتب الجيوش «ثنني».» وهذان النصَّان يدلان على ما كان يحدث في هذه الإدارة الحربية. فقد كان من الواجب التأكد من هذه القوائم بمراجعتها، وكذلك التحقق من قدرة كل جندي على الخدمة في الجيش، أو مما إذا كان ابنه سيحل محله فيأخذ أملاكه بدون ضريبة. ونجد أمثال هذه المراجعات لقوائم الجنود في نقوش قبر كل من «ثنني»٦٧ و«حور محب»،٦٨ وكان كل منهما يحمل لقب «كاتب المجندين»، فنجد في المناظر الجنود مقسمين فرقًا بقيادة حامل العلم أمام «كاتب الإدارة» في صفوف، ونشاهد «كاتب المجندين» يراجع القوائم، وهي التي كانت الأساس في تنظيم الجيش؛ إذ بها يستطيع الإنسان أن يتأكد عندما يوجد أي شك في موضع أي جندي أو ضابط، وكانت الجيوش تُعبأ على حسب هذه القوائم.٦٩ وعلى هذا الأساس من النظام أصدر ولي٧٠ العهد في حكم «رعمسيس الثاني» إلى الضباط: «أن ينادي الشباب من الشجعان المدوَّنين في قوائم جلالة الفرعون، وأنه يجب عليهم أن يحملوا السلاح أمام جلالته.»
والظاهر أن أولاد جنود الجيش العامل كانوا يُدرَّبون في سن محددة، ولكن مما يُؤسف له أنه لم تصلنا نصوص صريحة عن ذلك في عهد الأسرة الثامنة عشرة، مع أننا كما سبق قد وجدنا «أحمس» قد حلَّ محل والده وهو لا يزال صبيًّا، غير أنه قد بيَّن لنا أن حالته كانت حالة خاصة، ومع ذلك فقد ذُكر في بردية من العهد الإهناسي، (أي الأسرة العاشرة) أن سن التدريب كانت في العشرين، ولكن في ذلك خلاف عند علماء الآثار.٧١ وكان هؤلاء المجندون يُجمعون في فرق خاصة، حيث كانوا يُدربون كما يُستخلص ذلك من لقب «حامل العلم» «سني مسو»٧٢ الذي كان يُطلق عليه لقب «مدرب فرقة البحارة». وهذا الجندي بعينه هو الذي نراه مصورًا على جدران مقبرة «كاتب المجندين» «ثني» وقد رُقي إلى وظيفة «كاتب المجندين»، كما نجد كذلك في نفس الصورة نظام سير هذه الفرق ذهابًا وإيابًا تحت إشراف ضابط يحمل لقب «حامل العصا» (أي إنه مسلح بالعصا)، ولكن من الجائز أن تكون كل مناظر مقبرة «ثنني» تمثله نفسه في وظائفه المختلفة.
وكان هذا التدريب العسكري يجري في حاميات لا نعرف موقعها على وجه التحقيق، فنعرف أن واحدة منها كانت في «طيبة» حيث كان يدرب حرس الفرعون، وهؤلاء كانوا على حسب ترتيب الوزير٧٣ لا بد أن يرافقوا الفرعون عندما يغادر «طيبة»، وكان الفرعون يرافق الجيش بنفسه أحيانًا كما ذكرنا ذلك من قبل عندما خرج «أمنحتب الثالث» للصيد والقنص. وكانت توجد حامية أخرى كذلك في «منف» التي كانت مقر القائد الأعلى لجيوش الدولة في خلال الأسرة الثامنة عشرة كما سنرى بعد. هذا وقد وُجد في قبر الصائغ «أبوي» صورة تمثل بعض أقسام الحامية التي كان يُدرَّب فيها المجندون. ويرجع تاريخ هذه المقبرة الكائنة بسقارة إلى أواخر الأسرة الثامنة عشرة.٧٤

وليس لدينا حاميات أخرى في الدلتا إلا إذا استثنينا معاقل الحدود والحاميات التي في المقاطعات، ولا شك في أن جزءًا عظيمًا من هذه الفرقة التي كانت تحمل السلاح هم الجنود الذين يتألف منهم الجيش العامل، ويقضون وقتًا غير محدود في تلك الحاميات يُدرَّبون تدريبًا عسكريًّا قبل أن يُطلق سراحهم ويؤذن لهم بالعودة إلى إقطاعاتهم التي مُنحوها.

وكان تجنيد العساكر الرديف كذلك تحت إدارة «كاتب المجندين»، وكانوا يشتغلون كثيرًا في خلال الأسرة الثامنة عشرة في شئون النقل.

أما في الحروب فكانوا لا يُستعملون إلا عند الضرورة الملحة، فنشاهد مثلًا على جدران معبد الدير البحري فرقة الجنود الخاصة ينقلون مسلات الملكة «حتشبسوت» وعلى مقربة منهم مجندو الجيش أي الجنود الذين كانوا يُدربون ليصبحوا جنودًا نظاميين،٧٥ وهم الشباب المقترعون. وفي نص آخر ذُكروا بأنهم من بلدة «أطفيح»٧٦ أي المقاطعة العاشرة من أعمال الوجه القبلي. ولا نعلم إن كان هذا التخصيص يدل على أنه كانت توجد نسبة مئوية للتجنيد أم لا. وكل ما وصل إلينا إلى الآن من معلومات في هذا الصدد وثيقة واحدة ترجع إلى عهد الأسرة الثانية عشرة،٧٧ ذُكر فيها أن النسبة كانت ١٪، وذلك حينما أُريد جمع جيش من الرديف للقيام بحملة إلى الواحات.٧٨ والواقع أنه لا يمكننا أن نحدد النسبة المئوية الحقيقية للمجندين الذين كانوا يؤخذون من الأهلين؛ لاختلاف أنواع المجندين أنفسهم، وبخاصة في الجيش العامل الذي كان يتألف من عدد عظيم، ومن المحتمل أن هذا التجنيد كان يُنفذ قهرًا؛ إذ نجد في مقبرة رئيس الشرطة «نب آمون» «بطيبة» الغربية منظرًا يُشاهد فيه عدد عظيم من الشباب قد جُمعوا في مكان واحد ليُنتخب منهم من تتوافر فيه شروط التجنيد، وعلى مقربة منهم نشاهد ذويهم يرجون من أولي الأمر إعفاءهم.٧٩
وكان من الضروري لهذا إعداد قوائم دقيقة بأسماء كل الأهلين ومكانتهم الاقتصادية، وعلى حسب هذه القوائم كان يقرر «كاتب المجندين» ضرائب كل جهة تناسب عددها.٨٠ ويُشاهد وضع هذه القوائم ومراجعتها في منظر على جدران مقبرة «كاتب المجندين» «ثنني» وقد كُتب معها الشرح التالي: «تسجيل كل البلاد أمام جلالته، ومراقبة كل الأشياء، ومعرفة الجنود، والكهنة، وخدم الفرعون، وكذلك كل الصناعات في جميع البلاد، وكذلك الثيران والبط والماعز بوساطة … «ثنني».»٨١
ولا نزاع في أنه كان في مقدور الإنسان أن يعرف على وجه التقريب كل عمال البناء من «إلفنتين» (أسوان) حتى «سما بحدت» (البلمون الحالية) الذين جاءوا لقطع مسلة أقامها «أمنحتب الرابع». هذا وكانت فرق الرديف هذه مقسمة وحدات على حسب القرى٨٢ التي اقترعوا منها.
ولم تكن دائرة نفوذ «كاتب المجندين» تنحصر في الأمور الحربية الخاصة بفرق المجندين، بل كانت تمتد كذلك إلى فرق العبيد من أسرى الحروب، وهم الذين كانت تملكهم الحكومة. وقد بيَّن لنا ذلك «أمنحتب بن حبو» في تاريخ حياته؛ حيث يقول: «لقد أنجرت أعمال السخرة برجال من أحسن الأسرى الذين أسرهم جلالته في ساحة الوغى، وراقبت جنوده.»٨٣ ويقول: «لقد أحصيت أسرى جلالته الذين كنت رئيسًا لهم.» وكان يوزعهم على حسب أمر الفرعون على المعابد المختلفة، وكان هؤلاء الأسرى من العبيد يستوطنون ضياع الفرعون، أو يحتلون ضياع المعابد الموقوفة٨٤ عليها، فكان الرجال منهم يفلحون الأرض أو يصيرون رعاة، أو منظفين للذهب، أو يعملون بنائين … إلخ. أما النساء من الأسرى فكنَّ يحترفن الغزل، أو يعملن غسالات، أو يقمن بتقديم البخور وطاقات الأزهار. وقد كانت هذه القوائم تُدوَّن بدقة وإحكام، ولا شك في أن ذلك هو الأساس الذي تقوم عليه كل إدارة محكمة النظام، وقد كان يُشترط في كل قسم منها أن يكون قائمًا بذاته، فلا يتعدى قسم على آخر؛ تجنبًا لعدم الارتباك في سير العمل؛ لأنه كان يُطلب دائمًا من العبيد عدة طلبات في وقت واحد مما يخل نظام سير العمل. ومن الأمثلة النموذجية٨٥ في هذا الصدد الشجار الذي قام بين «إنني» صاحب بيت المال المشهور في عهد الرعامسة، وبين مدير بيت الفرعون بسبب توريد الكتان بوساطة الإماء والعبيد؛ فقد تدخلت هنا كذلك الإدارة الحربية، وكان يمثلها قائد وكاتبه، ووضعت قائمة مضبوطة لذلك، وكانت كل من هاتين الإدارتين تدعي حق السيطرة على هؤلاء الإماء.
من كل هذا يتضح أنه لم يكن ثمة فرق بين إدارة الجنود وبين إدارة جماعات جنود العبيد، بل على العكس كانت إدارتهما موحدة في يد موظف حربي كفء. وعلى هذا تنطبق الملاحظة التي ذكرها أحد كتاب الرعامسة في خطاب نموذجي،٨٦ أعلن فيه أنه كان يراجع في «إلفنتين» عدد الجنود، وفرسان العربات المحاربين والعبيد،٨٧ وقد شرح لنا الأستاذ «ولف» (A. Z. LXV, p. 90ff.) كيف كانت توضع هذه القوائم، استنادًا إلى ما جاء في ورقة «بولونيا» رقم ١٠٨٦. وهذه الوثيقة خاصة بقائمة عبيد «سوريا»، وتشتمل هذه القائمة أولًا على اسم العبد ووالديه، والمكان الذي نشأ فيه، واسم من أحضره إلى مصر، واسم الإدارة التي سُلم إليها. ولا نزاع في أن أمثال هذه القوائم هي التي استقيت منها المعلومات التي تصادفنا أحيانًا مرسومة أو منقوشة على جدران المعابد بمناسبة الأحفال التي كانت تُقام وقتئذٍ، ويظهر فيها السيد والمسود.
وقد وصلتنا ملاحظة في نقوش «أمنحتب بن حبو» في هذا الموضوع، غير أنها مهشمة؛ فيقول: «حيث كنت موزعًا للعطور.» وهذه الجملة المبتورة تذكرنا بما جاء في نقش على جدران مقبرة الوزير «رخ مي رع» الذي كان يشغل منصب وزير الدولة، ومدير الخاصة الفرعونية، في عهد «تحتمس الثالث»؛ إذ يقول:٨٨ «إنه كان مشرفًا على توزيع الأنصبة من الكتان والعطور والإماء، والعبيد الخاصة بمعبد آمون.» غير أنه لا يمكننا الجزم هنا بما إذا كانت كلمات «أمنحتب بن حبو» المبتورة تشير إلى موقف مثل هذا أم لا، أو إذا كان من اختصاص كاتب المجندين تغذية المجندين بوصفه المدير المشرف على تنفيذ ما في هذه القوائم؛ وذلك لأن الإشارة إلى القيام بمثل هذا العمل لم تأتِ قط في دائرة اختصاص كاتب مجندين غير «أمنحتب بن حبو».

حماية الحدود

تدل النقوش التي ذكرها «أمنحتب بن حبو» في تاريخ حياته، وهي التي تصف لنا إشرافه على التجنيد وإدارة جنود الجيش العامل وجنود الرديف والجنود العبيد، على أن كاتب المجندين كان يشرف على دائرة حيوية أخرى؛ إذ يقول: «لقد٨٩ وضعت كذلك فِرَقًا على الطريق لتردَّ الأقوام الأجانب على أعقابهم إلى بلادهم. وهؤلاء الأقوام يحيطون بكلتا الأرضين. كذلك كان من واجباتهم منع تنقلات البدو الرحل، وقمت بنفس العمل على الشواطئ عند مصبات النهر التي كانت مغلقة إلا لبحارة الفرعون. تأمل! لقد كنت مرشد طرقهم، وكانوا طائعين أوامري، وكذلك كنت الفم الأعلى (الرئيس الأعلى) الذي كان يرأس الشجعان، وأدبت همج آسيا …»
ومما سبق يتضح أن الأماكن التي كانت في حاجة إلى حماية من المغيرين على شواطئ الدلتا وحدودها، أو بعبارة أخرى الجزء الشمالي من أرض الدلتا؛ هو الذي كان تحت إدارة «أمنحتب بن حبو» بوصفه «كاتب المجندين». على أنه لم يرد في نقوش الأسرة الثامنة عشرة ذكر حماية الشواطئ. حقًّا نعرف أنه كان لهذه الشواطئ مشرف خاص يحمل لقب «مدير مصبات البحر»، هذا إلى أنه قد جاء ذكر موظف يحمل هذا اللقب في عهد الفرعون «تحتمس الثالث»، وكان مكلفًا بقيادة حملة إلى سينا في «سرابة الخادم».٩٠ وكذلك نجد في الأزمان التالية لهذا العصر الذي نحن بصدده أن «رعمسيس الأول» كان قبل توليته الملك يُلقب في عهد الفرعون «حور محب» أو في حكم الفرعون «آي» بلقب «مدير السواحل» وقائد الحامية في «سيلة» (تل أبو صيفة).٩١
هذا إلى أننا لم نجد في خطابات «تل العمارنة» ما يدل على حماية السواحل، وكانت أوَّل إشارة صادفناها والنقوش تشير إلى إغلاق مصبات النيل في عهد «رعمسيس الثالث» خلال حروبه مع أقوام الشمال، فقد تكلم أحيانًا عن إغلاق مصبات النيل.٩٢ ومن المحتمل أن لقب «مدير حصن البحر» يدخل ضمن موضوع حماية السواحل التي كان مكلفًا بالإشراف عليها في عهد الأسرة الثامنة عشرة شخص يُدعى «سا أمنت»٩٣ إذ يقص على نفسه: «إنه يسيطر على كل جزية الأعداء.»٩٤ ويمكن قرن هذا التصريح بما جاء في ورقة «بولونيا»٩٥ رقم ١٠٨٦ التي دُوِّنت في عهد الرعامسة، وقد نص فيها على أن العبد كان قبل أن يُسلم من بلاده إلى سيده الجديد لا بد أن يُقدم إلى مدير القلعة، ومن ذلك نعلم أن مصبات النيل كانت مغلقة في وجه السفن الأجنبية، وكانت تُجبر على الرسو في مكان معين حيث كانت تُجبى منها الضرائب. وكانت هذه القلاع إذن أماكن لجمع الضرائب أكثر منها حصونًا حربية. من أجل ذلك كان قائد القلعة البحرية «سا أمنت» يقول: «إنه كان يحافظ على جمع الضرائب من الأجانب.» وهذا القول يطابق ما جاء في مرسوم «نوري»٩٦ الذي صدر في عهد «سيتي الأول» وهو خاص بمعبد «أوزير» بالعرابة؛ إذ يقول إنه في قلعة معينة على مقربة من الحدود النوبية المصرية كان يجب على كل سفينة آتية أن يستولى عليها وتُسلم إلى القائد أو إلى الكاتب أو المفتش المشرف على القلعة ليحصل منها على الضرائب المفروضة. وكانت السفن الخاصة بمعبد «أوزير» بالعرابة بمقتضى نص هذا المرسوم قد أصبحت معفاة٩٧ من كل الضرائب.

على أن «سا أمنت» الذي ذكرناه آنفًا كان يشغل بالإضافة إلى منصب «قائد قلعة بحرية» وظيفة «قائد قلعة الأراضي الأجنبية الشمالية»، والظاهر أن هذا اللقب الذي لم يرد إلا في هذا النص وحده لا يُعزى إلى قلعة في فلسطين أو سوريا، بل إلى قلعة في الشمال الشرقي من الحدود المصرية وهي حصن ضمن سلسلة الحصون التي أُقيمت لحماية الحدود من هذه الناحية؛ إذ كان لا بد لمصر من معاقل يعززها جيش عظيم عند حدودها الشرقية. أما في الجنوب فكانت حدودها محمية ببلاد النوبة التي كانت تحت حكم نائب ملك مصري منفصل بإدارتها. أما على جانبي الصحراء في الوجه القبلي فكان يكفي لحمايتها رجال شرطة أقوياء عُينوا لهذا الغرض وحسب.

والواقع أنه كان من الضروري اتخاذ قواعد حربية على حدود الدولة من الشرق والغرب في خلال الأسرة الثامنة عشرة، وقد كانت إدارة الحدود في عهد الدولة الوسطى مقسمة تقسيمًا عظيمًا محكمًا؛ فكان يشرف على الحدود الشرقية أمير المقاطعة السادسة عشرة (بني حسن٩٨ الآن)؛ إذ كان يسيطر على قواعد المعاقل وعلى رجال شرطة الصحراء من الدلتا حتى مقاطعته، وكان يحمل من أجل ذلك لقب «مدير الصحراء الشرقية» وهو اللقب الذي كان يحمله «ختي» قبل عهد «أمنمحات الأول» وكان يحمله «نختي» بعد عهد «أمنمحات الأول»، وكذلك «نترنخت» في عهد «سنوسرت الأول»، وكذلك كان يُلقب به «خنوم حتب» في عهد «سنوسرت الثاني» أما الجزء الباقي بعد المقاطعة السادسة عشرة حتى بلاد النوبة فكان على ما يظهر يشرف عليه قائد الجيش في الصحراء وهو المشرف العام على شرطة الصحراء،٩٩ فقد جاء في أحد النصوص إثباتًا لهذا الرأي أن قائد الصحراء «سعنخ» في عهد «منتوحتب الرابع» آخر ملوك الأسرة الحادية عشرة كان يسمي المنطقة التي بين بلدة «منعات خوفو» وبين بلدة «ثاعو» (مكان غير معروف) منطقة نفوذه، ولا يبعد أن تكون إدارة الحدود المصرية الغربية كانت تسير في حمايتها على نفس الطريقة، فكان أمراء مقاطعة «البرشة» (المقاطعة الخامسة عشرة) يحملون لقب «مدير الصحراء الغربية» ومن المعروفين بين هؤلاء في أوائل الأسرة الثانية عشرة «عحا نخت»١٠٠ (مدير الصحراء الغربية) وبجواره في عهد «سنوسرت الثاني» كان يحمل «منتوحتب»١٠١ لقب مدير الأقاليم الجبلية الغربية ومدير حصن.
وفي هذه الحالة كان هذا الموظف لا يحمل لقب أمير مقاطعة، ومن المحتمل أن مثل هذا الموظف كان موقفه كموقف «سعنخ» الذي كان مديرًا للقسم الجنوبي من الجهة الشرقية، وكان هو بدوره قائدًا للجزء الجنوبي في الجهة الغربية، غير أنه لا يمكننا البرهنة على صحة ذلك، على أنه من المحتمل أن تغيير مقر الحكم من «طيبة» إلى جوار «منف» قد تبعه تغيير كل هذه الإدارة، ولكن خلافًا لذلك نجد أن أمير مقاطعة «قفط» في العهد الإهناسي كان يشرف على طريق القوافل التجارية في بلدته، وبذلك كان المشرف على شرطة الصحراء في منطقة «طيبة» القائمة بذاتها، ولكن منذ باكورة عهد الدولة الحديثة كان «كتاب المجندين» هم القوَّاد لحماية قواعد الحدود. وأهم هذه القواعد قاطبة هي الحصون التي كانت تقع بين حدود مصر وآسيا، ولا غرابة في ذلك؛ فإن تلك الحصون١٠٢ كانت قائمة هناك منذ فجر التاريخ المصري، ويظهر أنها أُقيمت في عهد الملك «سنفرو»، وقد جمع القائد «وني» في عهد الأسرة السادسة جنوده لمحاربة «سوريا» في مكان يُسمَّى «وعرت-حو-ماعت»،١٠٣ وكانت هذه الحصون قد اختفت بعد سقوط الدولة القديمة، ثم أُقيمت ثانية في العهد الإهناسي، وكانت وقتئذٍ تمتد من شاطئ البحر الأبيض المتوسط إلى المقاطعة السادسة عشرة١٠٤ من أعمال الوجه القبلي. وفي عهد الأسرة الثانية عشرة أصلحها «أمنمحات الأول» وزاد فيها مسميًا إياها «سور الحاكم»١٠٥ وقد ظهر تأثير مناعتها في الوصف الدقيق الذي جاء في قصة «سنوهيت» (راجع كتاب الأدب المصري الجزء الأول، ص٣٤ … إلخ).
وكان قائد تلك الحصون في عهد الأسرة الثامنة عشرة تحت إمرة «كاتب المجندين» للوجه البحري، وكان يحمل لقب قائد حصن «سيلة»١٠٦ (تل أبو صيفة الحالية). وكانت «سيلة» مقر الإدارة، وتُعَدُّ بمثابة نقطة الوسط لكل خط الدفاع في تلك الفترة. وكان فيها المركز الرئيسي١٠٧ للإدارة. ومنها كانت تقوم الحملات التي يشنها الفرعون على بلاد «سوريا»؛ ولهذا السبب كان يوجد جزء من معدات١٠٨ الجنود في «سيلة» هذه. وكان قائد الحصن فيها يحمل لقب «فارس». وقد وصلت إلينا أسماء بعضهم في خلال الأسرة الثامنة عشرة،١٠٩ وكان قائد الحصن في بلاد النوبة يحمل مثل هذا اللقب، ولكن نجد فيما بعد أنه كان يحمله لأول مرة في عهد أحد أخلاف «إخناتون»، وهو الذي أصبح فيما بعد «رعمسيس الأول»، وكان قبل توليته الملك يعمل بمثابة ضابط لقواعد الدفاع على الساحل، كما كان يشرف على الحدود الشرقية الشمالية،١١٠ ومن الجائز كذلك أن «سا أمنت» الذي كان مديرًا للحصون البحرية، والحصون التي في شمالي البلاد الأجنبية كان من نفس هذا الصنف من هؤلاء الموظفين، وبخاصة عندما نعلم أنه كان مثل «بارعمسيس» يدير حراسة الشواطئ، وحماية الحدود، وكان تحت إمره قائد حصون «سيلة» كل ضباط الحاميات التي في دائرتها، فكان عملهم الإشراف على الحاميات والآبار١١١ المحروسة على طول خط الدفاع، يُضاف إلى ذلك النقط التي كانت في طرق الصحراء المؤدية إلى «فلسطين»، وكان كل ضابط منهم يحمل لقب «فارس الحامية»،١١٢ وكان من واجبهم ألا يدعوا شخصًا غير معروف يدخل الحدود المصرية أو يغادرها، وقد وصل إلينا في هذا الصدد يوميات١١٣ أحد موظفي الحدود في حصن «سيلة» نعلم منها أنه كان لا بد من مراقبة كل مارٍّ بدقة، وكذلك مراقبة قبائل البدو الرحل الذين كانوا يتسربون إلى داخل الحدود المصرية بحجة البحث عن مرعًى١١٤ خصيب لماشيتهم، هذا إلى مراقبة العبيد الفارِّين.١١٥ وكان من واجب ضباط نقط الحراسة الفينة بعد الفينة الحضور أمام رئيسهم الأعلى في «سيلة» ليقدموا له تقاريرهم عن سير الأمور في النقط المختلفة، وكان من نتائج تلك الحراسة اليقظة الشديدة المنظمة أن أصبحت «سيلة» مستعمرة صالحة للمجرمين، وبخاصة أنها كانت واقعة على حدود الأراضي الزراعية، كما ذكر لنا «حور محب» في مرسومه العظيم. وكان «كاتب المجندين» في الوجه البحري هو الرئيس الأعلى لضباط نقط الحراسة، وقائد حامية «سيلة»، ولهذا نجد صورة على جدران قبر كاتب المجندين «حور محب»١١٦ تمثل عددًا عظيمًا من هؤلاء الرؤساء في ضيافته.
ومن الغريب أنه بينا نرى معلوماتنا عن حراسة الحدود الشرقية في الدلتا تحتل مكانة عظيمة في عهد الأسرة الثامنة عشرة؛ إذ تتضاءل معلوماتنا جدًّا عن حراسة الحدود الغربية في الدلتا بالنسبة لنظيراتها، على أننا من جهة أخرى نعلم أن «أمنحتب بن حبو» قد ذكر لنا أنه أحاط شاطئ الدلتا بنقطة حراسة، وهذا يدل على أنه كان على الشاطئ الأيمن للدلتا معاقل حربية، وقد كانت نقط الحراسة هذه في غرب الدلتا موجودة من قبل منذ الدولة القديمة، فقد ورد ذكر لقب «مستشار ثغور البلاد الأجنبية في شقي الدلتا»١١٧ وكذلك لقب «حارس حصن باب الغرب»،١١٨ غير أن هذه المعاقل لم يأتِ ذكرها في النقوش في عهد الأسرة الثامنة عشرة، وكان أول ذكر لمعاقل الحدود الغربية في عهد الفرعون «مرنبتاح» ثم في عهد «رعمسيس الثالث»، والظاهر أن النظام في هذه الجهة كان يختلف عنه في الجهة الشرقية، يدل على ذلك أنه كان في الجهة الغربية قائد يحمل لقب «قائد فرع النهر الأيمن» (الفرع الكانوبي)، ونرى فيما بعد أن هذا اللقب كان يحمله حاكم لمدينة «طينة» والواحات اسمه «مين»،١١٩ ومن المحتمل أن هذا الموظف كان يحمل في الوقت نفسه لقب «حاكم فرع النهر العظيم»، كما كان القائد الأعلى يحمل في الجهة الشرقية لقب «حاكم سيلة»، غير أنه مما يؤسف له أن هذا اللقب وصل إلينا مهشمًا،١٢٠ ومهما يكن من أمر فإن لقب «حاكم النهر العظيم» قد وصل إلينا في نقوش الأسرة الثامنة عشرة،١٢١ ولكن من غير لقب حربي معه.
أما عن حدود الوجه القبلي من جهة الصحراء فلم توجد أية معاقل بل كان يقوم بالحراسة هناك «شرطة الصحراء»، وهم رجال خفاف الأجسام، سريعو الحركة، معظمهم نشأ في الصحراء نفسها، وكان يسيطر عليهم مشرف يحمل لقب «مدير الصيادين». وهؤلاء المديرون هم الذين كانوا بدورهم في عهد الدولة الوسطى حكام مقاطعات،١٢٢ أو قوَّاد الصحراء،١٢٣ وفي خلال الدولة الحديثة كانوا تحت سيطرة كاتب المجندين، ولم تكن مهمة هؤلاء الحراس قاصرة على أعمال الشرطة، أو الأمور الحربية، وذلك بتعقبهم الفارين إلى الواحات،١٢٤ أو حماية عمال قطع الأحجار١٢٥ من غارات البدو الجائلين الذين يعيثون في الأرض فسادًا، أو صيانة الطرق المؤدية إلى مناجم الذهب، فقد وجدنا في قبر رئيس كهنة «آمون» المسمى «منخبر رع-سنب» في عهد «تحتمس الثالث» منظر مدير صيد، ومعه جزية الذهب من «قفط»،١٢٦ بل كانوا كذلك على الرغم من كل هذه الخدمات التي يقومون بها باقين على حالتهم الأصلية يزاولون الصيد والقنص، وهي مهنتهم الأصلية التي فُطروا عليها، من أجل ذلك نشاهد «رئيس البدو» و«مدير الصحراء» «نفرخاوت» ممثلًا على لوحته التذكارية١٢٧ حاملًا أثقاله على كتفه، وكان ابنه «منخبر رع سنب» يُلقب كوالده «مدير الصيادين» ومدير الصحراء ورئيس البدو،١٢٨ وكان مقر كل منهما بطيبة. على أن هذا الموظف كان يُلقب «رئيس البدو» حينما يكون جنوده من سكان الصحراء لا من سكان المدن المصرية.

قائد الجيش

كانت السبيل ميسرة لكاتب المجندين أن يرقى في وظيفته إلى أعلى رتبة في الجيش، وأعني بذلك رتبة «قائد»، والأمثلة على ذلك كثيرة، فقد كان كل من «ثنني»١٢٩ و«سات أست»١٣٠ و«رعمسو»١٣١ ثم «معي»١٣٢ كاتب مجندين، قبل أن يصبح قائدًا. وكذلك كانت الحال مع القائد الأعظم «حور محب»، فإنه على حسب ما وصل إلينا من المعلومات عن ألقابه كان في بادئ أمره «كاتب مجندين»، ولكن الأمثلة الأخرى التي لدينا لمن رُقوا قوادًا لا نعرف منها عن سلك ترقيتهم في الخدمة شيئًا يخوِّل لنا أن نحكم بأنهم شقوا طريق رقيهم المعتادة، فمن هؤلاء «تحوتي»١٣٣ و«بتاح معي»١٣٤ الذي عاصر حكم «تحتمس الرابع» و«أمنحتب» في عهد «أمنحتب الثالث»١٣٥ ثم «با آتون-محب»،١٣٦ ولم يشذ عن هذه الأمثلة إلا القائد الأعظم «أمنمأنت»،١٣٧ فإنه رُقي إلى رتبة قائد من الجيش العامل نفسه، وسنتكلم عنه في الجزء الخاص بحياته بعد عصر العمارنة، ولا بد أن نلاحظ هنا أنه قد ظهر عدة قواد في وقت واحد في البلاد، وليس هذا بغريب؛ فقد كان بطبيعة الحال لكل من الوجه القبلي والوجه البحري قائد قائم يقود الجنود المدربين، وهم الذين كان لا يوجد منهم إلا نفر قليل في المعسكرات، وهؤلاء هم الذين كانوا في أغلب الأحيان يُعفون من الضرائب التي كانت تُفرض على إقطاعاتهم. أما مكانة القائد بين كبار رجال الدولة فقد عرفناها من منظر على جدران مقبرة «رئيس الكهنة» في عهد الفرعون «توت عنخ آمون»١٣٨ يمثل مقر الإدارة العامة، فنجد الوزير يحتل المكانة الأولى، ثم يأتي بعده «مدير أملاك الفرعون»، ثم «مدير المالية فمدير محكمة العدل»، وخلف هؤلاء يأتي «مدير مكتب الوزارة» فمدير بيت المال (وهو تحت إمرة مدير المالية).
ثم يأتي بعد كل هؤلاء «القائد». ومما هو جدير بالذكر هنا أن هؤلاء القواد كانوا في عهد «إخناتون» يرقون إلى وظيفتهم هذه من وظائف كتابية وحسابية. والواقع أن القائد لم يكن المجال فسيحًا أمامه ليستعمل مواهبه ودرايته الحربية قط، على أنه إذا أُتيحت له الفرصة، فإنه كان يفوق عدوه في الحال؛ لأن ثقافته كانت أكبر عون له على ذلك؛ إذ كان من واجبات القواد أن يعرفوا طرق مواصلات جنودهم، والاعتناء بجراياتهم، وعدد الجنود اللازمة لهم، هذا إلى أن الجيش المصري لم تكن مهمته القيام بالحروب وحسب، بل كان في أغلب الأحيان يُستعمل في إنجاز مشاريع البناء، ونقل الأحجار اللازمة لأعمال الدولة، ومن ثم كان من الضروري للقائد أن يكون ملمًّا بكل ما يتعلق بهذه الأمور، مما جعل الأعمال الحربية المحضة تتضاءل أمام الواجبات الأخرى، التي كان يضطلع بها القائد لتنظيم تلك الأعمال وتنفيذها. من أجل ذلك تعدد لنا ورقة «أنسطاسي»١٣٩ رقم ١ المعلومات التي كان يجب على كل موظف حربي أن يلم بها، وفي قدرته حل معضلاتها إذا واجهته. وأهم شيء لفت إليه النظر مؤلف هذه الورقة هو ما كان يجب أن يقوم به القائد من أعمال البناء قبل قيامه بحملته؛ فيجب على القائد أن يحسب حساب الجرايات اللازمة للرجال لحفر بحيرة أبعادها معلومة، أو لأجل نقل مسلة ذات أبعاد معينة وحجم معين، وكذلك حساب منزلق لأجل بناء ما، وكذلك عدد الرجال اللازمين لإقامة تمثال ضخم، وبجانب هذه الأعمال يوجد عمل آخر خارج عن الأعمال الحربية، ولكن لا يختلف في جوهره عن الأمور السابقة، وهذا العمل هو توزيع حركات الجيش، والمؤن اللازمة لحملة مسافرة إلى بلاد «سوريا»، هذا فضلًا عن أن كاتب هذه الورقة يفرض في وثيقته هذه على كل موظف حربي أن يكون عالمًا بتخطيط البلدان التي سيندلع فيها لهيب الحرب، وأن يكون عالمًا بلغة أهلها، وأن يكون في المستوى العلمي الذي تتطلبه وظيفته العالية.
على أن ما يدعو إلى الدهشة في هذه الورقة التي ترجع إلى عهد الرعامسة أن الجزء الهام الخاص بمشروعات العمارة الذي كان لزامًا على الموظف الحربي أن يسهم فيه لم يأتِ ذكره حتى عهد «أمنحتب الثالث»؛ إذ لم نجد بين ألقاب هؤلاء الموظفين لقب «مدير كل مباني الفرعون»، على أن هذا اللقب لا يدل على أن حامله كان مسئولًا عن أعمال هذه المصلحة الحكومية وحسب، بل كان على حسب المبدأ المصري في الوظائف يدير أعمالًا أخرى كثيرة، فكان يحمل هذا اللقب رئيس الوزراء، ووزير المالية ومدير بيت المال، ورئيس كهنة «آمون» والكاهن الثاني، ومدير الأملاك والمعابد، وحاكم «طيبة». وهؤلاء الموظفون كلهم لهم علاقة بأنظمة المباني، ولذلك يُلقب كل منهم «بالمشرف على المباني»، ومع هذا فإنه كان ينظم هذه الإدارة، ويترك أمر الإشراف عليها لكاتبه. والواقع أن الإشراف الحقيقي عليها كان موكولًا لضباط معينين، فنشاهد مثلًا في «سرابة الخادم» في شبه جزيرة «سينا» أن قائد حصن «سيلة» (تل أبو صيفة الحالية) المسمى «نبي»١٤٠ أو قائد مصب النيل١٤١ كان يقوم كل منها بقيادة حملة، ويُلقب «بمبعوث الملك»، ومع ذلك فإنه لم يُلقب واحد منهما بلقب «مدير المباني» أو ما يشبه ذلك تشريفًا له، على ما قام به من خدمة أخلص في أدائها، وأدهش من هذا أن رئيس البعثة؛ أي القائد الذي كان يشرف على نقل الأحجار بجنوده في عهد الأسرة الثامنة عشرة، لم يحمل هذا اللقب كما كان يحمله القائد في عهد الرعامسة. والواقع أن هذا اللقب لم يكن كثير الظهور حتى عهد «أمنحتب الثالث». وكان أول موظف كبير حربي معروف يحمل لقب «مدير المباني» هو كاتب المجندين «أمنحتب بن حبو»،١٤٢ وكان نفوذ وظيفته يمتد إلى كل الوجه البحري، وعلى ذلك كان يدير شئون المحاجر الواقعة في «الدلتا»، وكان العاملون فيها فرقة من الجنود. وذكر لنا في نقوشه أنه كان مديرًا لكل الأشغال الفرعونية، ووصف لنا أعمال النقل التي كان يشرف عليها مما كان في دائرة الموظفين المدنيين حتى الآن، وقد ظهر تغيير مدهش منذ زمن «أمنحتب بن حبو» في تقدير مكانة الموظفين الذين كانوا يشرفون على أعمال البناء، وقد كان النصيب الأوفر من شرف هذا العمل يُنسب إلى «وزير المالية» ومرءوسه «مدير بيت المال»، ولكن منذ عهد «أمنحتب الثالث» أصبح هذان الموظفان بالنسبة لأعمال البناء في المؤخرة، واحتل مكانهما الموظفون الحربيون؛ إذ أصبحوا هم المشرفين الحقيقيين، ولذلك كانوا يقدَّرون حق قدرهم؛ لما يقومون به في هذا المجال. ومنذ عهد «إخناتون» كان معظم القواد وكتاب المجندين يحملون لقب «مدير كل الأعمال الملكية»، نذكر منهم في حكم «إخناتون» القائد «معي»١٤٣ والقائد «با آتون محب»،١٤٤
وفي عهد «حور محب» نذكر القائد «أمنمأنت»١٤٥ ومن المحتمل أن «حور محب» نفسه كان يحمل لقب «كاتب المجندين» ولقب «مدير الأعمال الملكية في محاجر الجبل الأحمر»١٤٦ قبل أن يكون قائدًا للجيش، وبينما نجد أن أكبر موظف كان يحمل هذا اللقب بالإضافة إلى لقبه الأصلي، إذ بنا نجد في خلال الأسرة التاسعة عشرة أن قواد الفرق كان كل منهم يحمل اللقب نفسه عندما تكون الفرقة التي يشرف عليها تقوم بقطع الأحجار ونقلها، ونفهم مما جاء في ورقة «أنسطاسي» الأولى الهجائية، وهي التي تُنسب إلى عصر الرعامسة أن عمل قطع الأحجار كان عملًا حربيًّا محضًا. وكان ولي العهد هو القائد الأعلى للجيش، وله اليد العليا في الإشراف العام عليه، ومن بعده يأتي القائد، وهو الذي كان ينظم نقل الأحجار. مع ذلك نفهم أن هذا الميدان قد أُقفل في وجه كل الموظفين إلا رجال الجيش؛ فكان في يدهم إدارته، وكانت دائرة الموظفين الذين يعملون في إدارة الجيش محددة، فالموظف الذي يشغل وظيفة «كاتب» كان يُرقى بعدها إلى «مدير كتاب جنود»، ثم إلى «كاتب مجندين» وبعدها يُرقى قائدًا. وهذه حقيقة هامة يجب ملاحظتها؛ لأننا سنرى فيما بعد أن بعض الموظفين غير الحربيين قد احتلوا هذه الوظيفة. والآن نتساءل من أي طبقة من طبقات الشعب نبت هؤلاء الموظفون الحربيون؟ والظاهر مما سبق أن هؤلاء الأفراد الذين انخرطوا في سلك الجندية لم يكونوا من أبناء كبار الموظفين؛ أي إنهم ليسوا من علية القوم ونخبته؛ إذ لم نجد بين كل الموظفين الحربيين واحدًا كان والده من عظماء رجال الدولة أو من الكهنة، ولذلك نلحظ أن الجم الغفير منهم كان لا يذكر اسم والده؛ مما يدل على أنه لم يكن يُنسب إلى أب ذي أرومة رفيعة الأصل، وإذا حدث وذكر واحد منهم اسم والده ذكره مجردًا عن كل لقب، هذا إلى أننا لم نصادف واحدًا منهم ورث وظيفته عن والده إلا في كتاب الجيش.١٤٧
وأبرز أسرة نال رجالاتها شهرة عظيمة من أول أمرهم هي أسرة «أمنحتب» كاتب المجندين، ومدير بيت الفرعون العظيم في عهد «أمنحتب الثالث» في «منف»، فقد كان أحد إخوته الوزير «رعموسي» وكان أخوه الثاني «معي» قائد الفرسان، ومع كل ذلك فإن كل واحد منهم قد أغفل ذكر والده «حبو» اللهم إلا في مناسبات نادرة جدًّا، وفي هذه الحالة كان يذكره عاريًا من أي لقب شرف. وهذا دليل على أن رجال هذه الطبقة من الموظفين كانوا من الطبقة الوسطى، وربما كان هذا هو السبب الذي لم يجعل كبار الموظفين يرغبون في الانخراط في سلك الوظائف الحربية، ومع ذلك فإن من الأمور المحببة إلى نفس الموظف الذي لم يكن قد نشأ من دوحة عريقة في المجد أن يفتخر بأصله الوضيع فيذكر ذلك جنبًا لجنب مع ما ناله من الإنعامات الملكية والوظائف العالية التي رفعه إليها الفرعون لما قام به من عظيم الأعمال في ميادين القتال وغيرها من نواحي الحياة الأخرى، ولا أدل على ذلك من القائد «معي»١٤٨ الذي كان يتغنى بذكر أصله الوضيع، وبما حباه الفرعون من رفع شأنه على ما أتاه من عظيم الأعمال وما تحلى به من جميل الخصال والمقدرة الفذة.

القائد الأعلى

كان الفرعون الرئيس الأعلى لكل القواد كما كان هو أعلى قائد في الجيش، وعلى أية حال فإنه كان يظهر أمام العالم في الوثائق الرسمية بهذا المظهر، وكان لا يعين بدلًا منه قائدًا للجيش إلا نادرًا؛ إذ كان لا يحدث ذلك إلا في الحملات الصغيرة التي كان يتولى قيادتها «نائب الملك» في بلاد «كوش»١٤٩ (ابن الملك). وحقيقة الأمر أن الفرعون كان يعين نائبًا عنه أو ممثلًا له، يقوم بكل ما يقوم به القائد الأعلى، وكانت العادة المتبعة أن يعين ولي العهد في خلال الأسرة الثامنة عشرة، كما كانت الحالة في عهد الدولة الوسطى. ففي عهد «تحتمس الأول» مثلًا كان أكبر أولاده «أمنمس»١٥٠ هو القائد العام لكل الجيوش؛ إذ وُجدت وثيقة تبرهن على ذلك جاء فيها: «بكر أولاد الملك القائد الأعلى لجيوش والده «أمنمس».» وقد عُثر على هذا النقش مدونًا على صندوق صغير من الحجر في معبد «بوالهول»، وأول هذا النقش — وهو كل ما تبقى من الوثيقة — يشبه في مغزاه لوحة «تحتمس الرابع» المقامة في معبد «بوالهول»؛ إذ يقص علينا موضوعًا مماثلًا لما جاء على هذه اللوحة فيقول: «وخرج الأمير في عربته ليسافر للتدرب على الرماية بالقوس والنشاب.» ثم يلي ذلك قصة حلم بجوار «بوالهول». والواقع أن حملات الصيد التي كان يقوم بها ولي العهد لم تكن لمجرد التسلية وحدها، بل كان لها غرض آخر، وهو التدريب على الرماية؛ حتى يكون أهلًا لقيادة الجيش، ولا أدل على ذلك مما جاء على اللوحة التي كُشف عنها حديثًا بجوار «بوالهول» للفرعون «أمنحتب الثاني»، وقد وصف فيها قدرته على التجديف، وركوب الخيل وإصابة المرمى، مما سبق ذكره في موضعه.
وهذه الأقاصيص تدل دلالة واضحة على أن الفرعون كان يرسل أكبر أولاده لينوب عنه في قيادة الجيش العليا في «منف» التي كانت تُعَدُّ القاعدة العامة للجيش؛ ولذلك كان لزامًا على ولي العهد بوصفه القائد الأعلى أن يتدرب علميًّا على الفنون الحربية، وكانت العربة وقتئذٍ أحسن أداة للحرب.١٥١ ومن المحتمل جدًّا أن أولياء عهد غير من ذكرنا كانوا يشغلون مركز القائد العام للجيش، وإن لم تسعفنا الوثائق بما يثبت ذلك. وقد ظهر في عهد «أمنحتب الثالث» أمير صغير يحمل لقب «ابن الملك القائد العام للجيش» اسمه «نخت مين».١٥٢ أما في عهد «أمنحتب الرابع» فلا نعرف من كان القائد الأعلى؛ لأن هذا الفرعون لم يعقب ذكرًا. هذا إلى أن خطابات «تل العمارنة» لم يأتِ فيها ذكر لاسم القائد العام. ومما لا شك فيه أن «حور محب» لم يكن وقتئذٍ قائدًا أعلى للجيش؛ إذ لم يأتِ اسمه في النقوش بما يدل على ذلك. ومن الجائز أن «تحوتي مسو»١٥٣ الذي كان يحمل وقتئذٍ لقب «قائد الجيش الأعلى» وكذلك لقب «الإمارة» كان يشغل هذا المنصب، وبخاصة إذا أضفنا إلى ذلك سوطه قد وُجد في حجرة دفن الفرعون «توت عنخ آمون». أما في عهد «توت عنخ آمون» نفسه فقد تولى هذا المنصب الرفيع «حور محب»، وكان مركز قيادته مدينة «منف» كما سيأتي ذكره. ولقد كان لتعيين أفراد من غير الأسرة المالكة في هذه الوظيفة الحربية — وهي التي كانت حتى الآن لا يشغلها إلا ولي العهد أو أمير — أول مبرر لاتخاذ الخطوة الأولى لقيام الأسرة التاسعة عشرة واختفاء الأسرة الثامنة عشرة.

وظائف المسنين

لقد كانت السنة المرعية حتى عهد «إخناتون» أن يُحال كل موظف حربي إلى المعاش بما في ذلك القائد الأعلى للجيش، إذا كان من غير البيت المالك. غير أن الفرعون لم يترك أصحاب الكفاءات منهم يتقاعدون نهائيًّا، فقد كان يوجد للكفء منهم عملًا مفيدًا في وظيفة ما من الوظائف التي تليق برجل عظيم حنكته التجارب، وضحى بثمرة حياته في خدمة بلاده والذود عن حياضها، فكان القائد مثلًا يعين بعد تقاعده عن العمل في الجيش في وظيفة «مدير أملاك»، وغالبًا ما كان يعين مدير أملاك الفرعون نفسه، أو مدير أملاك إحدى نساء البيت المالك، وبذلك يصبح وفي يده وظيفة تشعر بالثقة في شاغلها، وأحيانًا كان يعين الواحد منهم مديرًا لأملاك المعبد، ويتساوى في هذا معبد الإله أو معبد الفرعون نفسه، وهذا المركز كان يستمد سلطانه من الحكومة التي تضمن من جانبها للموظف المتقاعد معيشته المادية، فتجعل له دخلًا يضمه إلى معاشه. وبهذه الطريقة كانت الحكومة تضم دخل المعابد فتستولي على بعض رأس المال الذي كان محجوبًا عنها اغتصابًا. ففي عهد «إخناتون» كان مدير أملاك الفرعون هو القائد (با-آتون١٥٤-محب) وكان القائد «معي»١٥٥ مدير أملاك «بيت آتون»، كما كان في الوقت نفسه «مدير أملاك معبد رع» في عين شمس.
وكان «أمنحتب بن حبو» في آخر مجال حياته مدير أملاك أكبر بنات «أمنحتب الثالث» «سات آمون» وهي التي قد تزوجت من والدها كما تقص علينا النقوش، وبذلك بقي «أمنحتب بن حبو» مدير أملاكها بعد زواجها.١٥٦ وكان يدير أملاك الملكة «تي» زوج «أمنحتب الثالث» كاتب حربي يُدعى «نخت مين».١٥٧ أما في إدارة أملاك المعابد فكان يتولى شئونها القائد «سا إست»١٥٨ بوصفه مديرًا لمعبد الإله «أوزير» في عهد «أمنحتب الثالث» بالعرابة. وكذلك كان يتولى نفس الوظيفة في المعابد الجنازية لكل من الفرعون «أحمس» و«تحتمس الثالث» ثم «تحتمس الرابع»، وكان «رع-مسو» قائد الفرعون «إخناتون» مديرًا لمعبد «أمنحتب الثالث» الجنازي١٥٩ وكذلك كان «أمنمأبت» قائد الفرعون «حور محب» مديرًا لمعبد «تحتمس الثالث»،١٦٠ وقد ثبت أنه حتى كاتب الجنود «سبك نخت»١٦١ كان يشغل وظيفة «مدير أملاك معبد آمون»، ولكن هذا العمل كان فريدًا في بابه في خلال الأسرة الثامنة عشرة، فقد كانت العادة أن يُعين الموظف الحربي القديم بعد انتهاء مدة خدمته في الجيش العامل في وظيفة إدارية، وقد بقي هذا النظام متبعًا إلى عهد الرعامسة؛ إذ ذُكر لنا في ورقة «هرس» رقم ١ أن أملاك المعبد كانت تحت إدارة رجال من قواد الجيش الذين أُحيلوا إلى المعاش،١٦٢ ومن الغريب المدهش أن الوظائف التي كان يتولى إدارتها المتقاعدون من الموظفين الحربيين لم تكن ذات أهمية كبيرة. وتدل الظواهر على أن المصالح الحكومية والإدارات التي كان فيها للتعليم أو التخصص وشرف المحتد شأن كان يُقصى عنها المتقاعد، ولم يشذ عن هذه القاعدة إلا «حور محب» كاتب المجندين في عهد «تحتمس الرابع»، فقد كان على اتصال وثيق بالبيت المالك؛ إذ عيَّنه سيده «تحتمس الرابع»١٦٣ مربيًا لإحدى بناته، ورقاه في الوقت نفسه على ما يظهر إلى رتبة «قائد فرسان»؛ إذ كان يجد فيه خادمًا مخلصًا؛ فهو الذي قاد جيوش الفرعون لمحاربة كهنة «آمون» لأول مرة. وقد وُصفت هذه الحروب على إحدى لوحات الحدود التي أقامها «إخناتون» على تخوم بلدة «إختاتون» عاصمته الجديدة، غير أن هذا النقش قد وصل إلينا مع الأسف مهشمًا، ولم يبقَ منه إلا بعض كلمات تمكننا أن نتلمس منها ما كان يقصده هذا الفرعون:١٦٤ «… أعمال الكهنة لا بد كانت أقبح مما سمعت «إخناتون» في العام الرابع، وكانت أقبح مما سمعت عام (…) وكانت أقبح مما سمع «أمنحتب الثالث»، بل كانت لا بد أقبح مما سمعه الفرعون «تحتمس الرابع».»١٦٥ ويُفهم من هذه الجمل المبتورةِ الأدوارُ التي تقلب فيها النزاع بين الفرعون وبين رئيس كهنة «آمون» في خلال الأسرة الثامنة عشرة، إن هذا الخلاف بدأ في عهد «تحتمس الرابع»، وقد كان هذا الكاهن الأعظم يُلقب برئيس كل كهنة آلهة الوجه القبلي والوجه البحري.١٦٦
على أننا لا نعلم بالضبط من النقوش مقدار نفوذ هذه الوظيفة؛ لأنه لم يصل إلينا نص صريح في ذلك، ومع ذلك يمكن القول بأن صاحبها كان يسيطر على وظائف الكهانة في طول البلاد وعرضها، وعلى مرافق الكهان الحيوية والاقتصادية في كل مقاطعات القطرين، وكانت هذه الوظيفة حتى عهد «تحتمس الرابع» في يد رئيس كهنة «آمون» في «طيبة»، ولكن لما أعلن هذا الفرعون الحرب على الكاهن الأعظم وانتصر عليه واستولى على هذه الوظيفة وقلدها «حور محب» كاتب المجندين، ومربي الأميرة ابنة الفرعون لما كان يعهده فيه من الإخلاص والولاء. ومن ذلك يتضح أن الفرعون قد عاد ثانية، واتخذ من موظفي الجيش رجلًا من المخلصين له يقوم بأعباء هذه الوظيفة الخطيرة. على أن تولي «حور محب» منصب رئيس كهنة القطرين لم يُنْهِ الحرب بين البلاط والكهنة؛ إذ أعادها ثانية «أمنحتب الثالث» للكاهن الأعظم للإله «آمون» (بتاح مسو)١٦٧ ولكنه لم يلبث أن نزعها مضطرًّا من كهنة «آمون» ثانية، كما لمح بذلك «إخناتون» في لوحة الحدود السالفة الذكر، وقلَّدها هذه المرة الكاهن الأعظم للإله «بتاح» بمنف، وهو «تحوتي مسو» ابن «بتاح مسو»١٦٨ السابق الذكر، وكان يرمي من وراء ذلك أن يبعد هذه الوظيفة عن كهنة «آمون» بطيبة مقر حكمه؛ وبذلك يستريح باله من مناوآتهم ومشاركتهم إياه السلطة. وسنرى فيما بعد أن هذا الفرعون أقصى كذلك «مدير البيت العظيم» للأملاك الفرعونية عن مقر ملكه، وجعل مركزه «منف» عندما شعر بازدياد سلطانه ونفوذه في العاصمة؛ لذلك نجد أن «مدير البيت العظيم» للأملاك الفرعونية «أمنحتب» ثم «إبي» من بعده كان يتكلم في صراحة عن مقر وظيفته في «منف»، ومن ثم أصبح نفوذ هذه الوظيفة محدودًا.
أما منصب رئيس كهنة كل القطرين فقد عادت بلا شك في أواخر عهد «أمنحتب الثالث» إلى «طيبة» وكان يديرها الوزير «رعموسي».١٦٩

وخلاصة ما سبق ذكره عن مجال حياة الموظف الحربي وما كان يقوم به من الأعمال بعد التقاعد؛ أنه كان لا يُعد في سلك كبار الموظفين، وإن كان صاحب سلطان مدة خدمته العسكرية، ولا يمكن التقليل من شأنه، غير أنه عندما كان يترك العمل في الجيش لم يكن يُقلد وظيفة ذات نفوذ محس؛ وذلك لأنه لم يكن من فئة الموظفين الذين كانت تُسند إليهم وظائف ذات نفوذ في البلاط الفرعوني أو الذين كان لهم قوة عظيمة خارج حدود وظيفتهم في أواخر الأسرة الثامنة عشرة، مما يمهد لهم الطرق للاستئثار بالسلطة لأنفسهم؛ لذلك كان يلزم للوصول لجمع كل السلطة والقبض على زمام الأمور في البلاد صنف آخر من رجال الجيش، وهؤلاء هم رجال الجيش العامل.

جندي الميدان

يجب أن نستعرض هنا أولًا باختصار أطوار حياة ضابط الميدان أيضًا. كان الجندي يُقترع من بين طائفتين مختلفتين من الشعب؛ فطائفة منهم كانوا يُجندون من بين أولاد الجنود القدامى، وهؤلاء كان لزامًا عليهم أن يحلوا محل آبائهم، وكانوا أحيانًا يحتلون مراكزهم، وطائفة أخرى كانوا يُجندون من بين الشبان الذين قضوا فترة طفولتهم في البلاط الفرعوني يتلقون العلم ويدرَّبون مع أمراء البيت المالك أنفسهم، فكانوا بذلك يؤلفون فرقة مختارة من الغلمان المثقفين، ومن ثم نشأت العلاقات الشخصية بين الفرعون وضباط الميدان، وهذه العلاقات كان لا ينقطع سببها في الميدان ما دام الفرعون يقود جيشه في ساحة الوغى، وهذه الوسيلة كانت سببًا هامًّا لا يُستهان به في ترقية هؤلاء الضباط؛ لأن الفرعون كان قد تربى معهم في صغره، كما كان يقودهم في رجولته.

وكان آباء هؤلاء الأطفال الذين ينشئون في صغرهم في بلاط الفرعون يحملون لقب «غلام بيت١٧٠ التعليم الفرعوني»؛ أي الأطفال الذين تعلموا مع الأمراء في قصر خاص في أثناء طفولتهم. وكان هؤلاء التلاميذ يحملون هذا اللقب بكل فخار وكبرياء مدة رجولتهم ويُدعون به كما كانوا يحملونه وهم لا يزالون غلمانًا،١٧١ فكان «سن من»١٧٢ أخو «سنموت» أكبر رجل في الدولة في عهد الملكة «حتشبسوت» يُلقب بهذا اللقب، على أن موجة تحقير كل فرد غير موظف جعلنا نفهم بداهة أن السواد الأعظم من هؤلاء الأطفال كانوا ينتسبون إلى طبقة صغار الموظفين والكهنة والمستخدمين؛ إذ نجد والد أحدهم كان كاتب ثيران،١٧٣ وآخر كان والده حارس باب الإدارة، وثالثًا كان والده رسامًا … إلخ. ولكن لما كان معظم أولاد الأمراء الذين كانوا في المرتبة الثانية بين الأمراء يصبحون ضباطًا عاملين في الجيش١٧٤ كان الجم الغفير من هؤلاء الغلمان المدرَّبين أولاد الطبقة الدنيا ينخرطون معهم في هذا السلك١٧٥ الحربي، هذا إلى أنهم كانوا يشغلون معهم مراكز صغيرة تتناسب مع طبقتهم في البلاط الفرعوني،١٧٦ يُضاف إلى ذلك أنه قد ظهر بين هؤلاء الغلمان عدد ضئيل جدًّا ممن كانوا يشغلون وظائف حكومية،١٧٧ هذا إلى أنه كان يوجد بينهم بعض الأجانب، ويُحتمل جدًّا أنهم أُرسلوا رهائن إلى مصر، وقد شغل بعضهم فيما بعد وظيفة مربٍّ في البلاط الفرعوني، فكان الواحد منهم يحمل مع وظيفته الممتازة لقب مربٍّ لأميرة أو أمير في القصر. وقد كان عدد هؤلاء المربين عظيمًا جدًّا في عهد الأسرة الثامنة عشرة.١٧٨
أما عن كيفية تعليم هؤلاء الصبية فلم نجد في الرسوم التي عُثر عليها حتى الآن إلا صورًا تمثل تدريبهم على الرماية١٧٩ بالقوس والنشاب. وعلى أية حال فإن أحسن ما كان يتفاخر به الملوك في هذا العصر هو التدريب الرياضي كما جاء في لوحة «أمنحتب الثاني» التي كشفنا عنها حديثًا بجوار «بوالهول» وتكلمنا عنها، وكان هؤلاء الغلمان يشاطرون الملوك في هذا التدريب.

وأما حياة الضابط العامل في الميدان فكانت عادية؛ إذ كان يبدأ مجاله في الجيش جنديًّا بسيطًا في إحدى الفرق لعسكرة في حامية من الحاميات أو في سفينة من السفن، وكان يُعرف بجندي تابع لفرقة كذا بحامية كذا، أو جندي تابع لبحارة كذا في سفينة كذا، ثم يُرقى بعد مدة إلى رتبة حامل العلم في فرقته، أو على ظهر سفينته، وعندئذٍ كان يُلقب حامل العلم في فرقة كذا أو حامل العلم في سفينة بحارة كذا.

وتدل كل النقوش على أنه لا توجد رتبة بين لقب الجندي ولقب حامل العلم. وقد ظهر في النقوش التي عُثر عليها أن حامل العلم كان يقود فرقة يبلغ عددها في عهد الرعامسة ما لا يقل عن مائتي جندي محارب،١٨٠ وهذه الفرق كان كل منها يحمل اسمًا خاصًّا بها بعضها يُركب تركيبًا مزجيًّا مع اسم الملك، وكان لكل منها علم يختلف عن الأخرى، وتدل الشواهد على أن جنودها كانوا مصريين لا أجانب، وكانت تُنظم فرق خاصة من المصريين لتقوم بأعمال الشرطة وحرس الفرعون الخاص، وهذه الفرق كانت دائمًا تحت السلاح، ولم يدخل في عدادها الفرق الجنود المرتزقة الذين كان يؤتى بهم من الخارج، ولكنا لا زلنا إلى الآن نجهل العلاقة التي كانت بين ضباط فرقة ما وموظفيها، ولسنا متثبتين حقًّا — إلا إذا كانت الأشياء تُقاس بأشباهها — فيما إذا كان يوجد بجانب حامل العلم قائد للجنود البرية كما هي الحال في السفن أولًا؛ إذ نجد مع حامل علم السفينة مديرًا للبحارة١٨١ كما هي الحال في مقبرة «حوي»١٨٢ حيث نجد قائدًا وحامل علم يقودان بحارة السفينة.
أما الخطوة الثانية في مجال رقي الضابط العامل بعد رتبة حامل العلم فهي ترقيته إلى رتبة «فارس»،١٨٣ وقد وضحنا هذه النقطة عند ذكر الوظائف التي جاءت مرتبة على حسب تدرجها في مرسوم «نوري» الذي صدر في عهد «سيتي الأول»، وكذلك جاء هذا الترتيب على فخارة،١٨٤ غير أننا نلاحظ في مرسوم «نوري» وجود رتبة أخرى قبل رتبة فارس، وعلى ذلك يكون مجال رقي الجندي كما يأتي؛ أولًا: حامل العلم، ثم رئيس إصطبل، ثم رتبة فارس.
وكان الفارس يظهر بوصفه قائد جنود في الحاميات التي على حدود الدولة أو في المقاطعات. على أننا لا نعرف بصفة قاطعة إلى أي مدى كانت سيطرة هذا القائد على الجنود الأسرى، كما لا نعرف على وجه التحقيق عدد الفرق التي كانت بقيادته، هذا إلى أننا لا نعرف إذا كان الجنود الذين كانوا بقيادته يشملون جنودًا مرتزقة من غير المصريين أو أن كل ما يقودهم من جنود كانوا مقسمين فرقًا تحت إمرة حامل العلم. وقد سبق الكلام عن مكانة هذا الفارس أو القائد بوصفه قائدًا لمعاقل الحدود في الشمال الشرقي للدلتا. أما في بلاد النوبة فكان يعمل هذا الفارس بإمرة نائب الملك في «كوش»، وكان يحمل هناك اللقب الثانوي «مدير البلاد الأجنبية الجنوبية»، وكان في الوقت نفسه يحمل لقب قائد معقل في النوبة.١٨٥
أما في «سوريا» فكان القائد يحمل لقب «قائد، ومدير البلاد الأجنبية الشمالية»؛ أي قائد الجنود الذين كانوا يعسكرون في المدن والحاميات في بلاد «سوريا». والواقع أن «سوريا» لم تكن منظمة تنظيمًا دقيقًا كما كانت الحال في بلاد النوبة ولم يكن يحكمها نائب ملك يسيطر على عامة أمورها، كما ذكرنا من قبل، ومن أجل ذلك كان من أول واجبات هؤلاء الضباط أو القواد أن يراقبوا الأمراء الوطنيين الذين كان في يدهم حكم البلاد، لهذا كان الفارس «أمنمسو» يُطلق عليه لقب «أذني الملك» في عهد الفرعونين «تحتمس الثالث» وابنه «أمنحتب الثاني».١٨٦ وهذا اللقب يعيد إلى الذاكرة بوجه خاص لقب «رابيصو» (أي المتربص) الذي جاء ذكره في خطابات «تل العمارنة» التي كُتبت بالبابلية، وهذا اللقب بعينه كان يُعطاه قائد المدينة (معناه المتربص أو المتسمع). وهذا الربيصو كان يقابله في المصرية وقتئذٍ لقب «فارس»؛ إذ نجد أن القائد «معي» كان يُلقب «ربيصو» في خطابات «تل العمارنة»١٨٧ وكان هو نفسه يُلقب في عهد «أمنحتب الثالث» بالمصرية «الفارس مبعوث الفرعون في الأراضي الأجنبية»؛١٨٨ مما يدل دلالة واضحة على أن اللقبين كانا يحملان معنًى واحدًا. ولكنا لا نعلم بصفة مؤكدة من كان تحت إمرته. ومن الجائز أن هذه البلاد الشمالية كانت بإمرة قائد، ويستند هذا الاستنباط إلى أن القائد «تحوتي»١٨٩ الذي عاصر الملك «تحتمس الثالث» كان قائدًا في هذه الجهات، وفي آن واحد كان مديرًا للأراضي الأجنبية الشمالية، وبهذا يكون قد ظهر بوصفه قائدًا له الكلمة العليا في هذه الممتلكات، هذا وقد وجدنا في خطابات «تل العمارنة» أن قائدًا كتب لأحد الأمراء السوريين بلهجة الأمر؛ مما يشعر بأن القائد كان هناك هو صاحب القول الفصل، ولكن المدهش في الأمر أن هذا القائد لم يُذكر هنا، ولم تذكر لنا خطابات «تل العمارنة»١٩٠ موظفًا كان يسيطر على بلاد «سوريا» سيطرة حقيقية إلا «يناخومو»١٩١ وكان يُلقب «حامل المظلة على يمين الفرعون»، وهو من ألقاب الشرف العالية في البلاط الفرعوني، على أننا لا يمكننا بأية حال من الأحوال التحقق من هذه الوظيفة التي كان يقوم بها ولا من مقر وظيفته «يريموتا» ولا شخصيته هو، وكذلك جاء ذكر «أمنموبي» الذي كان يسيطر على ما يظهر تمام السيطرة على ممتلكات مصر في «سوريا»، وقد جاء ذكره في خطابات «تل العمارنة» في خطاب أمير «تاعنك» باسم «أمان حتبي».١٩٢
والظاهر أن مقر إدارة الحكومة المصرية لهذه البلاد كان في غزة في الجنوب، وعلى أية حال فإن الشواهد تدل على أنه كان صاحب السيطرة في الممتلكات «الآسيوية» في «مجدو»، كما كان له نفس السلطة في الجنوب في «غزة». ومما يؤسف له أنه لم يصلنا أي لقب من الألقاب التي كان يحملها، ويجب أن نشير هنا أيضًا إلى جنود الحاميات التي كانت خارج الحدود المصرية؛ فقد كانوا على حسب ما جاء في ورقة «ساليه»١٩٣ يسيرون على نظام الجنود في البلاد نفسها يتألفون من جنود وضباط أعلام ومديرين، ونذكر من وثائق الأسرة العشرين أن هؤلاء الجنود كان يشرف عليهم «فارس»، والظاهر أنهم كانوا يقيمون هناك في مستعمرة كما يدل على ذلك مخصص الكلمة الدالة على اسمهم في موقعة «قادش» في رسوم الواقعة «بأبي سمبل» (سطر ٢٤).١٩٤ أما في عهد «تل العمارنة» فكان هؤلاء الجنود يتألفون بصفة قاطعة من جنود أجانب في كل المستعمرات المصرية١٩٥ كلها، والظاهر أن المدير المسيطر عليهم كان يحمل رتبة أكبر من رتبة «فارس»١٩٦ ولم يصلنا حتى الآن من أسماء المديرين الذين كانوا يشرفون على الجنود الأجانب في الأسرة الثامنة عشرة إلا اسم القائد «تحوتي»١٩٧ ويحمل لقب القائد ومدير الأراضي الأجنبية في عهد «تحتمس الثالث»، أما الجنود فقد جاء ذكرهم في عهد هذا الفرعون أيضًا.١٩٨
ومن كل هذا يمكننا أن نستخلص أن النظام الذي كان قائمًا في الأقاليم الغربية (لوبيا) التي كانت تحت سيطرة مصر يشبه تمام الشبه النظام الذي كان قائمًا في «سوريا»، على الأقل في عهد الأسرة التاسعة عشرة؛ فقد كان القائد الذي على رأس القوات هو الفارس ومدير البلاد الأجنبية في «لوبيا».١٩٩

ألقاب الشرف في الجيش

لا نزاع في أنه كان من بين هؤلاء الجنود العاملين نفر يسترعون النظر بما يأتونه من ضروب الشجاعة والمهارة في فنون القتال مما كان يستهوي نظر الفرعون ويثير إعجابه، فيكافئهم على حسن عملهم وإقدامهم بما كان يُعبر عنه عند المصريين بعبارة «ذهب الشجاعة» أو «ذهب الثناء»، فكان الفرعون يهبه شجعان جيشه في صور تحف مختلفة الأشكال، منها: مشابك ذهب، وفئوس، وخناجر، وأساور، ونياشين في صور ذباب وأسود، وصدريات … إلخ. وهذه كانت أشكال هدايا الشرف المادي، أما الشرف الأدبي فكانت الألقاب التي يمنحها الفرعون من فاق من رجاله برجحان عقله وحسن تدبيره للأمور، وأهمها لقب «شجاع الفرعون»، غير أن ألقاب الشرف الأدبية لم تكن قاصرة على الجندي٢٠٠ العامل، بل كان يمنحها كذلك الموظفين الذين يصحبون الفرعون في غزواته، ويقومون بأعمال مجيدة تدل على الشجاعة، أو كان ينالها موظف وهو يؤدي خدمته بهمة في أثناء معاملاته التجارية برءوس أموال أُخذت من الأعداء.٢٠١ فكان بعض الضباط يُمنحون لقب «صاحب الغنائم»، وقد حمل هذا اللقب الفارس «آمون محب» الذي أصبح فيما بعد نائب الجيش (Urk. IV, p. 898.) الملك في «كوش»، وكذلك كان يتقلده حامل العلم «سو-منوت» في عهد «أمنحتب الثاني».٢٠٢ ومن هذه الألقاب كذلك لقب «محارب الحاكم» (أي الفرعون)، وكان يحمله الضابط «أحمس» في أوائل الأسرة الثامنة عشرة، وكان يمنح الجندي الشجاع لقب «المحارب القديم». وقد منح الفرعون هذا اللقب حامل العلم «نب-آمون» وهو الذي رُقي فيما بعد في عهد «تحتمس الرابع» إلى وظيفة رئيس شرطة «طيبة الغربية». وكان الفرعون يختار من بين هؤلاء الضباط العاملين في الجيش حاشيته الحربية وبخاصة حملة السلاح، فمثلًا كان الأمير «إنبني»٢٠٣ يحمل لقب فارس، ثم عُين فيما بعد «مدير سلاح الملك»، على أنه كان هناك ضباط آخرون يشرفون على شرطة الحرس الملكي؛ مثال ذلك الفارس «باسر»٢٠٤ الذي عاصر «أمنحتب الثاني»، وكذلك مدير «شرطة الصحراء» «نفر خاوت»٢٠٥ وقد عاصر «تحتمس الثالث»، ثم الفارس «أمنحتب»٢٠٦ وهو الذي رُقي في عهد «آمون محب» إلى رتبة نائب الملك في الجيش، وكان في الوقت نفسه المشرف على حراسة شخص الفرعون.

ومن كل هذا نستخلص أن الفرعون كان يرغب عن طيب خاطر في الاستئثار بشغل المراكز الحربية الخاصة بنفسه مباشرة بضباط من رجال الجيش العامل.

الجندي العامل في وظائف البلاط

لم يقتصر الضابط الحربي بعد انتهاء خدمته في الجيش القائم على العمل في حاشية الفرعون، بل كان يضم إلى ذلك عملًا آخر في الإدارة الحكومية في البلاط أو في تولي إدارة شئون الخاصة الملكية، ومن ثم نشاهد تغيرًا خطيرًا في النفوذ العظيم الذي انتهى إلى بعض هؤلاء الضباط.

والواقع أن كل الضباط العاملين حتى الذين كانوا يحملون رتبة «فارس» لم تكن لهم وظائف، وكانوا يُعدون خارج الطبقات الاجتماعية المحترمة في نظر رجال الحكومة في عهد الأسرة الثامنة عشرة؛ والسبب في ذلك راجع إلى أن طبقة الموظفين كانت تنظر إلى طبقة الجنود العاملين وضباطهم نظرة الأصيل للخسيس؛ ولذلك كانوا يعدون أنفسهم أرفع منزلة وأعلى قدرًا، كما كان الموظفون ينظرون إلى رجال الجيش نظرة الرئيس للمرءوس؛ وذلك لأنه لم يكن بين ضباط الجيش من ينتمي إلى أسرة عريقة في المجد؛ ولهذا لم يُرَقَّ من بين رجال الجيش إلى مناصب عالية في الحكومة غير نفر قليل شملهم عطف ملكي أو قرَّبهم الفرعون لما شاهده فيهم من الكفاءة والإخلاص. ولا نزاع في أن أمثال هؤلاء الضباط الممتازين كانت تتأجج في نفوسهم نار الطموح ليثبوا إلى أعلى المراتب، وكذلك لا بد أنهم كانوا معروفين بين رجال الإدارة، غير أنه كان لزامًا عليهم أن يتخلوا عن ألقابهم الحربية التي كانوا يحملونها في الجيش. وما من شك في أن هؤلاء الضباط كان لهم من الصفات الفاضلة، والأخلاق العالية، والقوة الكامنة في نفوسهم؛ ما جعلهم يصلون إلى هذه المناصب، وما اضطر رجال الإدارة الحقيقيين إلى أن يعترفوا بكفايتهم الإدارية؛ ولذلك كان يستفيد الفرعون بهذه الكفايات؛ فكان يعين هؤلاء الضباط في مناصب متصلة به مباشرة، إما لثقته بهم، وإما لاعتبارات أخرى ذات أهمية خطيرة، وأهمها هو أن هذه الفئة لما كان أفرادها لا يستندون على أصل رفيع يشد أزرهم، ولا على ممتلكات ضخمة تحمي ظهورهم، ولا على علم غزير يرفع من شأنهم فإنهم تجنبوا كل ما يحول بينهم وبين عطف مليكهم، فلم يفكر واحد منهم في أن يأتي عملًا يغضب مولاه، هذا إلى أن من كان بينهم يشغل منصبًا خطيرًا في الدولة من المناصب المتصلة بالفرعون لا يجسر أن يعارضه في أمر من الأمور صغر أو كبر. وفضلًا عن ذلك كان للفرعون في الوقت نفسه طائفة من أولاد هؤلاء الضباط العاملين في الجيش في الإدارة اتصلوا به اتصالًا وثيقًا ليحتلوا وظائف آبائهم في مسلك الإدارة العامة للدولة.

ومما تجدر ملاحظته أن التعيين في هذا الوظائف كان في بادئ الأمر ضئيل الأهمية إذا قرنا هذه الوظائف بالمراكز التي كان يتولاها الموظفون الحربيون الذين أُحِيلوا إلى المعاش من الخدمة العسكرية؛ ففي عهد «تحتمس الثالث» مثلًا نجد أن حامل العلم «آمون مسو» قد رُقي إلى مدير القصر الملكي في «طيبة»، وبَقِيَ يشغل هذا المنصب حتى عهد «أمنحتب الثالث»،٢٠٧ وفي عهد هذا الفرعون نفسه رُقي الفارس «قن آمون» مدير الحقول زوج الإله، وكذلك رُقي قائد حامية «سيلة» «نبي»٢٠٨ إلى منصب «مدير بيت الملكة»، وفي عهد «أمنحتب الثالث» كان حامل العلم «سو-منوت» يشغل وظيفة «مدير الإصطبلات» ثم «مدير سفن الملك»، وأخيرًا رُقي إلى وظيفة مدير أملاك الملكة، وبهذا المنصب أخذ يُرقى حتى أصبح من أعاظم رجال الأسرة الثامنة عشرة قوة ونفوذًا وسلطانًا.٢٠٩ ولا يبعد أنه كان من رجال الجيش العامل، غير أنه لم يصلنا أي لقب حربي نُسب إليه، ومع ذلك فإنا وجدنا في النقوش القليلة التي على جدران قبره ما يصف لنا أعماله في الحروب التي شنَّها «أمنحتب الأول» و«تحتمس الأول والثاني»، وتُشعر هذه النقوش بأنه كان في باكورة حياته العملية ضابطًا ثم أصبح بعد ذلك موظفًا، هذا إلى أنه عندما كان يصحب الفرعون إلى ساحة القتال لم يحدثنا عن الحرب، بل كان يقص علينا نشاطه الإداري، ولم نجد له نقشًا واحدًا تكلم فيه عن نشاطه بوصفه ضابطًا حربيًّا؛ إذ يقول: «إنه كان مواطنًا قوي الساعد، مرافقًا للفرعون في البلاد الأجنبية الشمالية والجنوبية والغربية والشرقية، نقي الأعضاء بين القوسين، نال ذهب الشرف.»٢١٠ وقد ذكر لنا «سنموت» أنه وُلد من أبوين رقيقي الحال لا يرتكنان على حسب ولا نسب، ولهذا لم يذكر لوالده أي لقب من ألقاب الشرف، هذا إلى أنه لم يخجل من فقره ووضاعة أصله؛ يدل على ذلك أن أخاه «سن من» كان غلامًا في البلاط الفرعوني، وهذا ما يؤكده لنا «سنموت» نفسه. وتدل الأحوال على أنه قبل أن يتولى منصب مدير أملاك «حتشبسوت» لم يكن يشغل أية وظيفة أخرى من وظائف الإدارة في الحكومة، ولقد تغير مركزه في لمح البصر وأصبح ذا أهمية عظيمة على إثر وفاة «تحتمس الثاني»؛ إذ أصبحت «حتشبسوت» زوجه صاحبة السلطان في البلاد من بعده؛ فقد كانت أولًا الوصية على العرش لابنتها «نفرو رع» التي أصبحت زوجة «تحتمس الثالث»، وكان زمام الأمور في يدها منذ ذلك العهد، وبعد هذا التغيير في الحكم أصبح يُلقب «سنموت» «المدير العظيم لإدارة زوج الإله» أي الملكة.

وكان «سنموت» في الوقت نفسه المدير العظيم لأملاك ولية العهد «نفرو رع»، ولكن عندما أُعلنت «حتشبسوت» في العام السابع ملكة على البلاد أصبح كذلك «سنموت» المدير العظيم لأملاك الفرعون. وقد تطوَّرت هذه الوظيفة في خلال الأسرة الثامنة عشرة تطورًا خطيرًا حتى أصبحت من أهم وظائف البلاد التي لها نفوذ عظيم في كيان الدولة، وقد لعب حاملها دورًا هامًّا فاصلًا في نهاية الأسرة الثامنة عشرة.

المدير العظيم لبيت الفرعون (مر-بر-ور)

بدهي بعدما ذكرنا من تعيين الضباط في الوظائف الهامة المتصلة بالفرعون نفسه أن وظيفة المدير العام لأملاك الفرعون كان يُنتخب لها ضباط من الجيش العامل؛ يدل على ذلك أن «قن آمون»٢١١ الذي كان يحمل هذا اللقب في عهد «أمنحتب الثاني» قد عُثر له على نقش يدل على أنه كان قبل أن يكون مديرًا عامًّا لأملاك الفرعون يحمل لقب «فارس»، وهذا اللقب الأخير قد وُجد في جزء مستور على جدران قبره (راجع Ibid Pl. 54)؛ وذلك لأن هذا اللقب لم يكن من الألقاب المشرفة التي تتناسب مع رجل أصبح في مركز عظيم مثل مركز «المدير العام لأملاك الفرعون». من أجل هذا نجد أن كل من عُين في هذا المنصب الرفيع يسدل الستار على ألقابه الأولى والأخرى التي كان يحملها قبل ذلك، حتى أصبح من الصعب علينا أن نعرف من الذين شغلوا هذا المنصب كانوا ضباطًا في الجيش، ولكن يجوز لنا في حالة كل من «أمنحتب» الذي عاصر «حتشبسوت» و«وسر» الذي عاش في عهد «تحتمس الأول» أن نستنبط من لقب «شجاع» الذي كان يحمله كل منهما أنه كان لكليهما ماضٍ حربي، ولكن لا يغرب عن ذهننا أن هذا اللقب كان يمنحه الفرعون كلًّا من الجندي العامل والموظف المدني على السواء؛ لما كانا يأتيانه من جليل الأعمال كلٌّ في دائرة عمله. وعلى الرغم من ذلك فإنه يحتمل أن الجم الغفير ممن تقلدوا هذه الوظيفة السامية المرتبطة بالبلاط مباشرة لم يكونوا من طائفة الموظفين المدنيين، وقد أثبتت النقوش صحة هذا القول في مثالين. أما في الأمثلة الأخرى فيجوز أنهم كانوا ضباطًا في بادئ حياتهم بالجيش، والأمثلة على ذلك متعددة جدًّا في عهد فراعنة الأسرة الثامنة عشرة، وبخاصة منذ حكم «تحتمس الأول» حتى عهد «حور محب».٢١٢
والواقع أن دائرة نفوذ المدير العام لأملاك الفرعون كانت تنحصر في سيطرته على دائرة أملاك الفرعون الخاصة، ولكن من جهة أخرى كان الفرعون بمقتضى القانون هو المالك لكل أرض مصر وكنوزها، ومن أجل ذلك كان من الضروري نزع جزء من إدارة مالية الدولة وتخصيصها لنفقات بيت الفرعون، وكان القابض على زمام هذه الإدارة هو «المدير العام لممتلكات الفرعون». والظاهر أن هذا الوضع قد جعله تحت إدارة وزير المالية.٢١٣ أما علاقته بوزير الدولة فلا نعرفها على وجه التحقيق؛ إذ بكل أسف وُجد الجزء من النقش الذي يتكلم عن علاقة المدير العام لأملاك الفرعون بهذا الوزير مهشمًا، كما شاهدنا من قبلُ هذا، وتدل النقوش التي على جدران مقابر هؤلاء المديرين على أن أهم اختصاصاتهم هي دائرة بيت مالية الفرعون وممتلكاته، والظاهر أن بيت مالية الفرعون هذا كان منفصلًا عن دائرة بيت مالية الدولة العام؛ والدليل على ذلك أنه كان له عمال خاصون به، فكان للقصر الملكي مصانع خاصة به كالتي لمعابد الآلهة، وكان يشرف هذا المدير على صناعة الأشياء الثمينة كلها في القصر الملكي كما كانت الحال في المعبد، هذا وكانت تُقدم الحسابات الخاصة بأملاك الفرعون وكذلك الموقوفة على المعابد لمدير البيت، وقد حفظت لنا بعض المقابر مناظر للأشخاص الذين يقدمون٢١٤ للفرعون الأشياء كلها التي كانت تُصنع في هذه المصانع، وكانت تُعرف باسم «هدايا السنة الجديدة». وهذا يدل على أنه كان من الضروري تقديم حساب جديد عن السنة المنصرمة، ويُلاحظ كثيرًا في نقوش المقابر وصورها أن الرسوم الخاصة بأملاك الفرعون كانت عدة٢١٥ وواضحة. فنجد ممثلًا فيها المدير العام لأملاك الفرعون ينتقل من ضيعة إلى ضيعة أخرى مشرفًا على محصول كل غلة حتى السمك، وصيد الطيور. وكذلك نجد أحيانًا أن قطعان معبد الإله «آمون» ترعى في أرض أملاك بيت الفرعون؛ ولذلك كان يُلقب «مدير بيت الفرعون» ومدير ثيران الإله «آمون».
وتدل شواهد الأمور على أن المدير العام لأملاك الفرعون كان يسيطر على جزء من تجارة البلاد فيما وراء البحار، وإن لم يُذكر ذلك صراحة إلا أنه عُثر على حسابات مرفأ عظيم خاص بضيعة كبيرة «بمنف» تُسمى «برو نفر» في عصر «أمنحتب الثاني»، وهذه الحسابات كانت خاصة ببناء السفن التجارية.٢١٦ والآن يتساءل المرء عن المركز الإداري لأملاك الفرعون؟ هذا مع مراعاة أننا على علم تام بأن معظم أملاك الفرعون كانت في أراضي الدلتا. والجواب على ذلك لا يحتاج إلى بحث طويل؛ إذ تنحصر الإجابة عن هذا السؤال في معرفة هل كان يوجد في البلاد مديرون عامون لأملاك الفرعون على حسب تقسيمها منذ أقدم العهود إلى الوجه القبلي والوجه البحري؟ والواقع أن كل ما لدينا من المعلومات يدل على أن دائرة نفوذ هذه الوظيفة لم تُقسم قط؛ لأنه إذا حدث تقسيم مثل هذا، فإن إدارة مالية هذه الأملاك تكون في العاصمة «طيبة»، على حين أن أهم جزء في إدارة هذه الأملاك كان في الدلتا، وبذلك تكون أقسام إدارتها منفصلة انفصالًا مختلفًا تمام الاختلاف. فالواقع أنه لم يكن للملك إلا إدارة أملاك واحدة.
غير أن المسألة تصبح دقيقة جدًّا عندما نصادف أفرادًا معينين ممن يحملون لقب «مدير البيت العظيم» تُخصص وظيفتهم باسم مكان معين صراحة؛ من ذلك أن «قن آمون» كان يُلقب بالمدير العظيم للبيت في «برو نفر»، كما كان «أمنحتب» وكذلك ابنه «إبي» كان يُلقب كل منهما بالمدير العظيم للبيت في «من نفر» (منف). على أننا من جهة أخرى نلحظ أن كل من كان يحمل هذا اللقب عدا من ذكرنا لا تُخصص وظيفته باسم مكان. هذا إلى أن مكان «برو نفر»٢١٧ كان اسم ضيعة هامة بالقرب من «منف» في عهد الفرعون «أمنحتب الثاني»، وهذا يدل على أن هذا التخصيص لهذا اللقب يشير إلى الوجه البحري كما يشير مباشرة إلى «منف» بوصفها مركز الإدارة لهذه الوظيفة، وقد كان من الواجب في هذه الحالة أن ينتظر الإنسان تخصيص مثل هذا لمدينة «طيبة»، إذا كان يوجد هناك فعلًا مثل هذا التقسيم، ولكنه لا أثر له، ولم نجد تخصيصًا لطيبة إلا «بالمدير العظيم للبيت للمدينة الشمالية»، وهذا يعني مديرًا للقصر، ففي عهد كل من «تحتمس الثالث» و«أمنحتب الثالث» نجد «أمنمسو»٢١٨ وفي عهد «حور محب» نجد «تحوتي مسو».٢١٩ وفي نهاية عهد الرعامسة عندما تغيرت الأحوال نجد لأول مرة لقب «المدير العظيم للبيت للمدينة الجنوبية». ومن أجل ذلك نعتقد أن هذه الإضافة أو هذا التخصيص لهذا اللقب بعبارة في «برو نفر» أو في «منف» يدل على ازدواج هذه الوظيفة. وقد يُظن أن «المدير العظيم للبيت» أجدر بأن يُخصص بإضافة عبارة للقبه دائمًا حتى يُميز عن «مدير البيت للوجه القبلي». بيد أننا نجد أن «حور محب» الذي كان يحمل هذا اللقب في عهد «توت عنخ آمون» وكان مركزه مؤكدًا في «منف» لم يخصص لقبه بأية إضافة له؛ كما يدل على ذلك ما وصل إلينا من الكشوف الأثرية. هذا فضلًا عن أنه في الإمكان تفسير هذه الإضافة أو هذا التخصيص على وجه آخر، والواقع أن الفراعنة بدءوا فعلًا في النصف الثاني من الأسرة الثامنة عشرة يقصون الموظفين أصحاب النفوذ عن «طيبة» عاصمة الملك، وقد كانت أول محاولة من هذا النوع هي نقل مقر «المدير العظيم للبيت» إلى «برو نفر» في «منف»، وقد قام بهذا العمل الفرعون «أمنحتب الثاني» على أنه هو نفسه كان قد اتخذ مقره في «منف» حينما كان وليًّا للعهد.٢٢٠
وقد اتخذ على ما يظهر هذه الضيعة الهامة بعد توليته الحكم بمثابة مقرٍّ ثانٍ له؛ فقد جاء في لوحة الكرنك٢٢١ في سطر ٣٣ ما يأتي: «وفي اليوم السابع والعشرين اتفق خروج جلالته من «برو نفر» متجهًا نحو «منف» ومعه الأسلاب التي استولى عليها من بلاد «سوريا».» وعلى ذلك كان المركز الرئيسي لإدارة أملاك الفرعون الخاصة قد أصبح قريبًا من الجزء الهام من ممتلكاته التي كانت في الدلتا. على أنه في عهد «تحتمس الرابع» وفي الفترة الأولى من عهد «أمنحتب الثالث» لم تكن فكرة نقل مقر «المدير العظيم للبيت» على ما يظهر من الأمور المتبعة بعد، ولكنا على حين غفلة قد طالعتنا الآثار في نهاية حكم «أمنحتب الثالث» بظهور مديرين للبيت العظيم في «منف» وهما «أمنحتب» وابنه «إبي». والظاهر لنا من حياة «أمنحتب» أنه كان كاتب مجندين وأُحيل إلى المعاش ثم عُين «مديرًا للبيت في «منف»»، وبعد سقوط المدير العظيم للبيت «أمنمحات سورر» الذي كان مقره في «طيبة» عين الفرعون «أمنحتب الثالث» أمنحتب «مديرًا عظيمًا للبيت»، وجعل مقرَّ وظيفته «طيبة» حيث كان يعمل حتى الآن، ومن ثم ظهرت فكرة نقل هذه الوظيفة من «طيبة»، وقد كان هذا التغيير ضروريًّا ليقضي على المشاحنات التي كانت قائمة هناك. وكان المدير العظيم للبيت له ضلع كبير فيها. وقد كان من جراء نقل هذه الوظيفة أنْ زِيد في استقلالها، وبخاصة أنه قد أُدخل تغيير أساسي في شغلها، ولأجل أن يكون في مقدورنا تفسير سبب هذا النقل يجب أن نناقش أولًا مدى نفوذ المدير العظيم للبيت عند الفرعون ثم تأثيره في حكومة البلاد.

نفوذ المدير العظيم للبيت في حكومة البلاد

والواقع أن مركز «المدير العظيم للبيت» كان مركزًا خاصًّا، وإن كان نائيًا عن الوظائف الحكومية، فقد كان حتى أول عهد «أمنحتب الثالث» لا يعد موظفًا حكوميًّا؛ وذلك لأن أعظم مدير عظيم للبيت في هذا الوقت لم يكن يحمل لقب «كاتب الملك»، ولم نجد من يحمل هذا اللقب الممتاز أي لقب «كاتب الملك» إلا «وسر» في عهد «تحتمس الأول»، وبعد ذلك نجد أن كلًّا من «أمنمحات سورر» و«أمنحتب» و«إبي» يحملونه ثانية. ولا غرابة في أن يحمل هذا اللقب «أمنحتب»؛ لأنه كان قبل ذلك «كاتب المجندين»، ومن المحتمل أن ذلك ينطبق على «سورر»؛ لأننا لا نعرف تاريخ حياته في الوظائف الحكومية، وقد كان «المدير العظيم للبيت» يبقى شاغلًا وظيفته ما دام الفرعون الذي يدير أملاكه على عرش الملك، ولم نصادف مديرًا عظيمًا لبيت واحد ظل يدير أملاك البيت الملكي في زمن ملكين متعاقبين إلا «إبي»؛ فقد كان في عهد «أمنحتب الثالث» مدير البيت العظيم في «منف» وفي عهد «أمنحتب الرابع» كان يُلقب «مدير البيت في منف» فحسب، وربما كان ذلك قبل أن ينتقل هذا الفرعون إلى «تل العمارنة». وقد بقيت الرابطة الوثيقة التي بين «المدير العظيم للبيت» وبين الفرعون معمولًا بها حتى عهد حكم «حتشبسوت»، وقد كان «سنموت» آخر من أضاف إلى لقبه وظيفة اسم الملك، وبعد ذلك كان هذا الموظف يُدعى «مدير البيت العظيم للملك» وحسب.

ولقد كان النفوذ الذي استحوذ عليه «المدير العظيم للبيت» في خلال عهد الأسرة الثامنة عشرة عظيمًا جدًّا، حتى إنه ليفوق ما تستحقه هذه الوظيفة ذاتها من نفوذ؛ فقد كان في بادئ الأمر ينحصر عمله في تمثيل الفرعون في إدارة ممتلكاته، غير أنه تخطى ذلك وأصبح الآن يطلب التدخل في أمور خارجة عن دائرة وظيفته الأصلية التي وكل الملك أمرها إليه، وعلى العكس من ذلك بدأ الفرعون الآن يصدر أوامر على يد مدير بيته العظيم؛ فقد حدث منذ عهد «سنموت» أن أصبح «مدير البيت العظيم» يُميز بلقب «الفم الأعلى»؛ وبذلك أصبح من المعلوم أن إرادة الملك وأوامره كانت تُنشر بين الناس على يد هذه الشخصية، وأنه كذلك كان المسئول عن تنفيذ هذه الأوامر. وقد أوضح لنا ذلك «سنموت» في كلمات له عندما يقول:٢٢٢ «لقد رفعني الملك أمام الأرضين، ونصبني «الفم الأعلى» لقصره لأجل أن أحكم البلاد كلها.» وكذلك نجد «حور محب» يصف قوته ونفوذه في أواخر الأسرة الثامنة عشرة بما يقرب من هذه الكلمات نفسها بوصفه مدير البيت العظيم٢٢٣ حيث يقول: «لقد نصبني الفرعون للفم الأعلى للبلاد لأجل أن أدير قوانينها بوصفي وصيًّا على عرش البلاد كلها (ربعت)»، وفي عهد «أمنحتب الثاني» كان «قن آمون»٢٢٤ يحمل لقب «الفم الأعلى في البلاد»، كما كان يحمله كذلك «ثنني»٢٢٥ في عهد «تحتمس الرابع»، وكذلك كان يحمل هذا اللقب في عهد «إخناتون» «خادم حجرته» الخاص، والفم الأعلى «دودو»٢٢٦ الذي لم يكن يحمل لقب «مدير البيت العظيم» بعد، ولكن على ما يظهر كان هذا اللقب الأخير قد حلَّ محله.
وتظهر لنا الرسوم التي عُثر عليها في قبر «حور محب» مدير البيت العظيم للفرعون «توت عنخ آمون» كيف أصبح هذا الموظف «الفم الأعلى»؛٢٢٧ إذ نشاهد في تلك الرسوم مبعوثًا آسيويًّا حضر إلى البلاط الفرعوني راجيًا مساعدة حربية، فيقابله «مدير البيت العظيم» هذا ويبحث الموضوع معه، ثم يضع الأخير الأمر أمام الفرعون للفصل فيه، ثم يعلن «المدير العظيم للبيت» قرار الفرعون إلى المبعوث، ونجد «دودو» في وصفه لوظيفته وهو «الفم الأعلى» للملك «إخناتون» يردد لنا بالألفاظ ما جاء في هذه الرسوم السالفة الذكر؛٢٢٨ حيث يقول: «لقد أعلنت كلمات المبعوث الأجنبي في القصر الملكي؛ لأني كنت مع الملك كل يوم، وكنت أخرج من عنده ثانية بوصفي «رسول الفرعون» ومعي أوامر جلالته.» هذا هو ما نجده على الصور المرسومة، غير أن الحقيقة في عهد «حور محب» كانت تظهر بمظهر آخر مختلف تمامًا؛ فقد كان «توت عنخ آمون» وقتئذٍ لا يزال طفلًا لا يمكنه أن يصدر قرارًا في شيء ما من تلقاء نفسه، بل كان «حور محب» بطبيعة الحال هو الذي يعطي الجواب باسم الفرعون للمبعوث. وقد وصف هذه الحالة على تمثال له محفوظ الآن في «تورين»٢٢٩ صُنع بعد توليته العرش. وقد وضع أمامنا صورة عن نشاطه قبل إعلان نفسه فرعونًا على البلاد، وكان يقصد بذلك إثبات حقه الشرعي في الاستيلاء على العرش؛ فيقول: «… وقد أُحضر إليه كل شيء، وقد حضر إليه المستشارون مطأطئي الرءوس عند باب القصر، وقد وفد أمراء البلاد الأجنبية من الجنوب والشمال بأيدٍ مرفوعة تضرعًا له كأنه إله يُعبد، وكان كل شيء يُعمل ويُنفذ على حسب أمره.»
ومن ذلك نعلم أنه في عهد الملك «توت عنخ آمون» الذي كان لا يزال قاصرًا، كانت سلطة الحكومة في يد «حور محب» المدير العظيم للبيت، والفم الأعلى للبلاد قاطبة، ومع ذلك فإن هناك ملوكًا آخرين قد سلكوا هذه الطريق تخلصًا من متاعب الحكم وهمومه؛ ففي عهد «إخناتون» كان صغار أمراء «سوريا» «وفلسطين» يرون أن «دودو» الفم الأعلى هو الذي يفصل في رسائلهم، فقد كتب إليه «أزيرو» الآموري يطلب إليه إرجاء سفره إلى البلاط، وكان «دودو» هذا قد أصدر إليه الأمر بالحضور.٢٣٠ والواقع أنه في نهاية الأسرة الثامنة عشرة أصبح «مدير البيت العظيم» الممثل للفرعون، على أننا لا زلنا نخمن كيف أن «سنموت» وهو أول «مدير بيت عظيم» أصبح يُلقب «الفم الأعلى للملك».
ولقد كان نفوذ «سنموت» على الملكة «حتشبسوت» قد بلغ ذروته فعلًا في عهد وصايتها لا في عهد «تربعها» على العرش، وإذا قرن الإنسان بوجه خاص ألقاب «سنموت» قبل زمن تولي «حتشبسوت» الملك وبعده أي أواخر السنة السابعة بعد موت «تحتمس الثاني»٢٣١ لعرف الحقائق التالية في تاريخ حياته الحكومية؛ إذ ظهر أن «سنموت» كان يحمل أولًا لقب «مدير بيت حتشبسوت أرملة تحتمس الثاني»، وكانت هي التي تقوم بأمر الوصاية على ولية العهد «نفرو رع» القاصرة، وهي التي كانت بزواجها المنتظر من «تحتمس الثالث» تجعله ملكًا شرعيًّا على البلاد.
وقد أصبح «سنموت» في الوقت نفسه مدير أملاك ولية العهد «نفرو رع»، كما أصبح يحمل لقب «مربيها». وقد كان يشغل بجانب هاتين الوظيفتين وظائف أخرى مختلفة في داخل إدارة معبد «آمون بالكرنك» كما سبق ذلك، ومن المحتمل أن «سنموت» قد وصل في إدارة معبد «آمون» إلى ما وصل إليه «أمنحتب بن حبو» فيما بعد في عهد «أمنحتب الثالث»، فقد كان الأخير بوصفه مدير البيت للأميرة «سات آمون» يشرف على أراضي معبد «آمون». والظاهر أنها كانت أرض المراعي، وبذلك كان يحمل لقب «مدير ثيران آمون»، ولقد كان من السهل على «سنموت» أن يستولي على إدارة أملاك «آمون»؛ لأنه كان يدير أملاك كلٍّ من «حتشبسوت» و«نفرو رع»، وكانتا تُعدان زوجتين للإله، وليس هناك حواجز كبيرة بين أملاك الإله وزوجه، غير أنه لم يحمل بعد لقب «مدير أملاك معبد آمون»؛ إذ الواقع أن هذا اللقب لم يكن معروفًا في عهده، ومن المحتمل أنه أُنشئ أولًا «لسنموت»، ولا بد أن يكون ذلك بعد تولية «حتشبسوت» العرش في نهاية السنة السابعة. وقد بقي «سنموت» أولًا محافظًا على وظيفته «مدير البيت العظيم لحتشبسوت» بعد توليها الملك، غير أن لقبه أصبح «المدير العظيم لبيت الملك» عامة بدلًا من التخصيص بلفظة «حتشبسوت»، ولكنا لم نجد هذا اللقب إلا على تمثال واحد، وعلى جعل وحسب؛ مما يدل على أن هذه الوظيفة قد استُغني عنها بسرعة. وكذلك فقد «سنموت» مركزه بوصفه مدير أملاك الأميرة «نفرو رع» بعد وفاتها، وعلى هذا عندما تولت «حتشبسوت» العرش أصبح لقب «زوجة الإله» خاليًا، ومن ثم تغير وضع أملاكها من أساسه، على أننا لا نعلم على وجه التحقيق من كان يدير ممتلكاتها، ومن المحتمل أنه «سن من» أخو «سنموت»؛ إذ وجدنا في قبره لقب «مدير البيت ومربي زوج الإله»، غير أن البعض ينسبه إلى «نفرو رع»،٢٣٢ وعلى أية حال فإن «سنموت» لم يحمل قط لقب مدير أملاك زوجة الإله «نفرو رع»، ولكنه قد بقي بطبيعة الحال مربيها ومن أجل ذلك كان يُسمَّى أيضًا مربي زوجة الإله «نفرو رع»، ونجد الآن على الآثار بعد تولية «حتشبسوت»٢٣٣ العرش أنه قد ظهر لقب مدير أملاك معبد «آمون» وهو أهم لقب كان يحمله «سنموت» منذ ذلك الوقت. على أننا نجد من تتابع هذه الألقاب الحقيقية المدهشة وهي أن «سنموت» كان في عهد ترمل «حتشبسوت» وقبل أن تعتلي العرش بوصفه مديرًا لممتلكاتها يقبض على أعظم سلطة في البلاد، وبخاصة أن ولية العهد كانت تحت نفوذه، ولكنه بعد تولي «حتشبسوت» العرش مباشرة حُرم وظائفه ذات النفوذ الواسع، ويمكن الإنسان أن يفهم من سلوك «حتشبسوت» هذا معه أنها أرادت أن تتحرر من نفوذ «سنموت» وقبضه على زمامها. والواقع أنه لم يبقَ في يديه من الوظائف ذات النفوذ في البيت المالك إلا وظيفة مربي «نفرو رع». ولما ماتت هذه الأميرة في تاريخ يتراوح بين عامي ١١، ١٦ من حكم «حتشبسوت» قُضي على آخر ما في يديه من نفوذ وقوة، وأصبحت قوته ونفوذه ينحصران في وظيفته وهي مدير بيت «آمون»، ومن المحتمل كذلك أن سقوطه السياسي كان مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بموت الأميرة «نفرو رع»، ويدل قبره الثاني على أن هذا السقوط قد حدث قبل موت «حتشبسوت». ومما سبق يمكن الإنسان أن يفهم أن «حتشبسوت» بعد توليتها العرش كانت تفكر في القضاء على سلطان «سنموت»، وأنها كانت سائرة في طريقها إلى تنفيذ خطتها هذه، وأن آخر عقبة كانت تعترضها في طريقها هي الأميرة «نفرو رع»، وقد زالت بموتها، وبذلك تخلصت من ذلك الرجل الذي كان يقودها فيما مضى، وسير أمور البلاد بإرادته وما لديه من سلطان.

ولقد ظل النضال الصامت بين الملكة ومدير بيتها العظيم على السلطة بقية مدة الأسرة الثامنة عشرة. وفي الحق كان الملوك يسعون لوضع حد لتجمع السلطة في يد «مدير البيت العظيم» حتى إنهم كانوا ينصبون فيها رجالًا لا يرتكزون على نسب، كما أنهم كانوا يتحاشون أن يشغلوها برجال من طبقة الموظفين العريقين في النسب، ومن جهة أخرى كان شاغل هذه الوظيفة يعمل جهد الطاقة على ازدياد سلطانه، على أن ذلك كان لا يعني أنه كان يسعى للتدخل في أمور الحكم وحسب، بل كان كذلك يزج بنفسه في إدارة الحكومة التي كان على رأسها الوزير، ويشترك معه في كل الأوامر المتصلة بالفرعون، ولقد كانت نهاية محاولة المدير العظيم للبيت لتقوية مركزه على حساب رجال الإدارة والملك سقوط هؤلاء الرجال الذين شغلوها، ولا زال أثر ذلك ماثلًا أمامنا حتى يومنا هذا في القضاء على ذكرياتهم، وتخريب قبورهم. وقد كان أول من أصابه هذا التدمير هو «سنموت» ثم خلفه «أمنحتب» و«قن آمون» و«ثنني» و«أمنمحات-سورر»، وكلهم أصابهم ما أصاب «سنموت»، وبعد سقوط «سورر» أُدخل تغيير في شغل هذه الوظيفة، والظاهر أن الوزير «رعموسي» قد توصل لدى الفرعون بما له من نفوذ أن يولي أخاه «أمنحتب» الذي كان فيما مضى موظفًا حربيًّا منصب المدير العظيم للبيت، وعلى ذلك أدخل تغييرًا في المبدأ الذي تُشغل به الوظيفة؛ لأن ملأها كان فيما مضى لا يتوقف على الجاه والكفاية في العمل.

ولكن «أمنحتب الثالث» اعتقد أنه بتولية «أمنحتب» هذا وهو أخو وزيره، ومن طبقة الموظفين؛ يمكنه أن يقضي على النضال الذي كان يقوم به «المدير العظيم للبيت» على الملك ورجال الحكومة من أجل السلطة، ولأجل أن ينتزع الفرعون من «المدير العظيم للبيت» كل نفوذ عدائي له — وهو ذلك النفوذ الذي كان محسًّا فعلًا في طبقة الموظفين الطيبيين، وكذلك في رجال الكهنة — شرع في إبعاد مقر «المدير العظيم للبيت» من «طيبة» فنقله إلى «منف»، وكان ذلك ضروريًّا؛ لأن وظيفة «المدير العظيم للبيت» كان يشغلها الآن من له صلة بطبقة الموظفين، وعلى ذلك كان من الواجب أن يقصي مدير البيت العظيم عن البلاط، وحينئذٍ تكون فرصة تأثيره على الملك ضئيلة، وأظهر علامة على إبعاد حامل هذه الوظيفة عن البلاط وتضاؤل نفوذها ما نشاهده من أن المديرين العظيمين للبيت «أمنحتب» و«إبي» اللذين كان مقرهما «منف» في عهد «أمنحتب الثالث» لم يحمل واحد منهما لقب «حامل المروحة على يمين الملك»، وهو لقب كان يتحلى به كل من كان يشغل هذه الوظيفة منذ عهد «أمنحتب الثاني»، وفي الوقت نفسه لم يُلقب واحد منهما «بالفم الأعلى». ومن هذا يرى الإنسان الجواب على السؤال: لماذا اتخذ المديران العظيمان للبيت مقرهما في «منف» فجاءة، ولُقب كل منهما «المدير العظيم للبيت في منف»؟ وقد كانت فكرة إبعاد الوظائف ذات النفوذ العظيم — وهي التي كانت في الوقت نفسه تحتاج إلى نضال — من عاصمة الملك إلى الأقاليم لتهدئة الحال، للخضد من شوكة نفوذ شاغلي هذه الوظائف؛ هي التي حملت الفرعون «أمنحتب الثالث» على توجيه عنايته لإبعاد وظيفة رئيس كهنة كل الآلهة في الوجه القبلي والوجه البحري عن «طيبة» كما سبقت الإشارة إلى ذلك، فقد وكل أمر الإشراف على هذه الوظيفة إلى الكاهن الأعظم للإله «بتاح» في «منف»؛ وذلك لأن بقاءها في «طيبة» كان مدعاة لطموح كهنة «آمون» إلى جمع السلطة في يدهم.

ويرى القارئ في البحث الذي بسطناه عن وظيفة المدير العظيم للبيت أن «أمنحتب الثالث» كان يناهض بكل ما يملك من قوة — كما فعل من سبقه من ملوك الأسرة الثامنة عشرة — هو وطبقة الموظفين كلَّ رجل يريد الاستيلاء على السلطة، ولو كان من رجال بلاطه. وقد كان أول من حتمت عليه الأحوال أن يتبع سياسة مضادة لذلك هو ابنه «أمنحتب الرابع»؛ وذلك حينما أراد أن يتخذ له عضدًا من رجال خارج حكومته؛ لأن سياسته الدينية كانت تحتم عليه أن يناهض كهنة «آمون» ورجال حكومة بلاده.

ضباط الميدان في الإدارة الحربية

كانت توجد طائفة من وظائف الدولة يُعين فيها ضباط الميدان بعد انتهاء خدمتهم العسكرية، وهذه كانت مراكز معينة في الإدارة الحربية، وكان لا يشغلها إلا من له ماضٍ مجيد في ساحات الوغى. مثال ذلك «أمنمحاب» ويُسمَّى «مح» الذي حارب مع «تحتمس الثالث» في غزواته،٢٣٤ وقد ترقى خلال حروب هذا الفرعون من جندي بسيط إلى أن تقلد لقب «فارس»،٢٣٥ وعندما احتفل «أمنحتب الثاني» بعيد «أوبت» (الأقصر) بعد توليته العرش كان «أمنمحب» هذا يدير سكان قاربه، فطلبه الفرعون للمثول بين يديه في القصر وخاطبه قائلًا: «إني أعرفك منذ ذلك العهد الذي كنت لا أزال فيه صبيًّا في المهد، فقد كنت وقتئذٍ رفيق والدي، من أجل ذلك أكل إليك الآن نيابة الجيش، ويجب عليك أن تعد نفسك مسئولًا عن حرسي الخاص من الآن.» فهذا الضابط كما نرى قد وصل على حسب هذه النقوش بخدمته الطويلة إلى مرتبة نائب الجيش. وخلافًا «لأمنمحاب» هذا نجد ضباط ميدان آخرين ممن كانوا يشغلون وظيفة «فارس»، رُقي كل منهم إلى نائب للجيش فيما بعد؛ ففي عهد «تحتمس الثالث» نجد نائب الجيش المسمى «تحوتي مس»٢٣٦ وفي عهد «أمنحتب الثاني» نجد «أمنمحاب» السابق الذكر، ثم «بح سوخر» في عهد «أمنحتب الثاني» أيضًا، وفي عهد «تحتمس الرابع» نجد «باسر»٢٣٧ و«باتونر»٢٣٨ وغيرهم.

ولكن ما يلفت النظر هو أن هؤلاء وبخاصة في الأمثلة القديمة لا يحملون لقب «كاتب»، وهو اللقب الذي كان يدل على أن صاحبه من عداد الموظفين، ومن لا يحمله لا يُعد حاصلًا على ثقافة الموظف الحكومي في ذلك الوقت، بل في كل زمن؛ لأن إتقان فن الكتابة كان المؤهل الوحيد لتولي وظائف الحكومة، ونشاهد ذلك بوجه خاص في حالتي «أمنمحب» و«بح-سوخر»؛ فقد كان كلاهما ضابطَ ميدانٍ وحسب، ولكن من المدهش أن «رعموسي» على الرغم من أنه كان يحمل لقب «فارس» فإنه مع ذلك يتمتع بلقب كاتب.

وأهم عمل يقوم به ممثل الجيش هو الإشراف على المؤن الخاصة بالجنود والحاميات، ولذلك نجده مصورًا على جدران قبور هؤلاء الرجال الذين يحملون هذا اللقب، وقد عُثر على صورهم بالتأكيد في مقبرة «أمنمحب»،٢٣٩ وفي مقبرة «بح-سوخر»،٢٤٠ ومن الجائز كذلك أنه مصور في مقبرة «تحوتي مسو»، فاستمع لما جاء في المتن الذي في مقبرة «أمنمحب» ومقبرة «بح سوخر»:٢٤١ «إحضار الضباط والجنود إلى القصر لإطعامهم الخبز واللحم والنبيذ والفطير والخضر وكل شيء جميل مفرح … على يد نائب الجيش «فلان».» ومناظر هذه القبور التي تتشابه في الرسم وفي التركيب ترينا نائب الجيش واقفًا أمام موظف المؤن وأمامه كاتب وهو يستعرض المشاة والفرسان يقودهم ضباطهم. ويُلحظ أن الجنود لا يحملون سلاحًا ما بل حقيبة للطعام، ويُشاهد الفارس وهو يقود جواده من عربته. وفي إدارة المؤن نشاهد سلات الخبز وأباريق الجِعة معدة ليأخذ منها الجنود جرايتهم. على حين أنه يُشاهد الضباط في نفس الزمان والمكان وهو يأكلون من أنصبتهم الوفيرة. أما المكلف بملاحظة توزيع هذه المؤن فهو كاتب حسابات الخبز.٢٤٢ ومن الجائز أن توزيع هذه المؤن كان يتم على ثلاث دفعات في الشهر؛ إذ وجدنا في مرسوم «حور محب» النص التالي: «لقد حضر إلى موظفي «قنبت» … ثلاث دفعات في الشهر … كأنه عيد، وكل إنسان يجلس أمام نصيبه من كل ما لذَّ وطاب … ويمدحون كل شيء جميل … وقائد الجيش وكل ضابط وكل رجل …» ويُلاحظ هنا أن تهشيم المتن كان عائقًا للإدلاء بأي حكم فاصل.٢٤٣
على أن ذكر نائبين للجيش في مرسوم «حور محب» في هذا الصدد الذي وُجد متنه مهشمًا لا يمكننا استنباط شيء حاسم منه: «وعندما توجد سفن لتسليم الجزية لمخازن ولإدارة جلالته، وهي التي تحت إشراف نائب الجيش … و… وحاملو الجزية للحريم. وحاملو القربان الذين يسلمون الجزية لنائبي الجيش …» هذا الكلام يبحث بلا شك في مخازن المؤن،٢٤٤ ولا نزاع في أن جرايات الخبز كانت تأتي من إدارة مخازن الغلال، ولهذا السبب نجد في مقبرة «أمنمحاب» أن مدير مخازن الغلال مصوَّر في منظر توزيع المؤن، ويصحبه التفسير التالي:٢٤٥ «مدير مخازن جلالته يحسب الجرايات المخبوزة.» ومن ذلك نستنبط أنه كانت توجد إدارتان موزع عملهما بين نائب الجيش ومدير المخازن، وكلاهما ينحصر في عمل واحد، أما فيما يخص مواد المعيشة الأخرى مثل اللحم والخضر والسمك والجِعة … إلخ، فيظهر بحسب ما جاء في منشور «حور محب» أن قرًى وضياعًا معينة كانت تورد جزيتها إلى مخازن نائب الجيش مباشرة لا إلى مدير مخازن الغلال. وهذا الوضع نفسه نلاحظه في تغذية رجال الشرطة؛ إذ كانت ترد إليهم المؤن مباشرة من القرى،٢٤٦ ولا نعرف على وجه التحقيق الجهة التي تتبعها الإدارة التي تمد الجنود بالمواد الغفل مثل الجلود وكل المواد اللازمة لإصلاح السلاح، أتتبع إدارة نائب الجيش هي الأخرى أم لا؟ على أنه كان هناك عقاب خاص بجمع الجلود خلسة ذُكر في منشور٢٤٧ «حور محب».
وتدل النقوش على أنه كان يوجد في البلاد نائبان للجيش في آن واحد، ويثبت هذا ما ذكرناه في نص منشور «حور محب»، وكذلك ما جاء في نص قانون يرجع إلى عهد «تحتمس الرابع»،٢٤٨ والظاهر أن أحدهما كان للوجه القبلي والآخر كان للوجه البحري. ولا نعلم على وجه التأكيد إذا كان هذا التقسيم هو الذي دعا إلى الاختلاف في تركيب صيغة اللقبين اللذين كان يحملهما كل من «أمنمحاب» وكان يُلقب نائب الجيش و«بح سوخر» الذي كان من المحتمل يُلقب «نائب الملك»٢٤٩ أولًا، ويصف لنا «نب آمون» حامل العلم في السفينة المسماة «مريت آمون» كيف أنه ذات يوم بعد حملة مظفرة أرسل الفرعون «تحتمس الرابع» أمرًا لأمير البحر الخاص ﺑ «نب آمون» الذي كان قد وصل إلى شيخوخة موقرة في خدمة جلالته بمهارة؛ لأنه كان يقوم بعمل كل ما قد أمر به دون حدوث أية شكاية منه … وفيه أمر جلالته بتعيينه رئيس شرطة «طيبة الغربية»، فقد أعلن هنا بصراحة تامة أن مركز رئيس شرطة «طيبة الغربية» قد شغله جندي قديم ظهر حتى الآن بأعماله العظيمة، ويؤكد لنا ذلك حياة «ددي» الذي سبقه في عهد كل من «تحتمس الثالث» «وأمنمحتب الأول»؛ إذ عُين رئيسًا للشرطة في «طيبة الغربية» مع أنه كان جنديًّا بسيطًا. ومن المدهش أن ترقيته تشبه كل الشبه ترقية «نب آمون» السابق الذكر؛ إذ في الواقع إنه رُفع من رتبة حامل العلم في حرس الملك الخاص إلى هذه المكانة العالية؛ وهذا مما يدلنا على أن رئيس الشرطة كان يُنتخب من الضباط الحاملين رتبة العلَم. وكانت وظيفة رئيس الشرطة في مرتبة «فارس»، وكان معظم الجنود الذين تحت إمرته من المصريين والنوبيين الذين كانوا في البلاد بمثابة جنود شرطة على الحدود وفي الجبانات، وأكبر دليل محس على ذلك شرطة «طيبة» وشرطة «تل العمارنة».٢٥٠
والظاهر أنه كان يوجد في أمهات البلاد فِرَق كلٌّ منها تحت إشراف رئيس شرطة، وقد عرفنا من ذلك «منف»٢٥١ و«قفط»٢٥٢ وكانت الأخيرة من الأهمية بمكان؛ لأنها كانت الطريق لجلب الذهب من «وادي الحمامات»، ولذلك كان من الضروري وضع نقطة شرطة قوية هناك، وفي العهد الإهناسي نعلم أن أمير المقاطعة في هذه الجهة المسمى «وسر» كان يُلقب مديرًا للبلاد الأجنبية الغربية والشرقية.٢٥٣ وفي عهد الأسرة الثامنة عشرة كان رئيس شرطة «قفط» يعمل باتصال وثيق مع مدير مناجم الذهب التابعة «لقفط»، وقد ظهر هذا الموظف في الرسوم التي على مقبرة «من خبرو رع سنب» عند تسليم الذهب لرئيس الكهنة (اقرن كذلك تمثال) مدير مناجم الذهب المستخرج من «قفط» الخاصة «بآمون» والمسمى «ورسو» في عهد «أمنحتب الثاني».٢٥٤
وهذا الذهب كان يُورد ضريبة لمعبد «آمون»٢٥٥ كانت تُجبى فعلًا في عهد الأسرة الثامنة عشرة، وكذلك كانت الشرطة في «بروسير»٢٥٦ وهي بلدة «أبوصير» الحالية، وبلدة «روزت-ن-با-رع» على الحدود الشرقية من الدلتا.٢٥٧ ولقد كان الجزء الغربي من «طيبة» ذا أهمية عظمى؛ لما يشتمل عليه من المعابد والمعاهد التي كانت مكدسة بالذخائر، هذا فضلًا عن أنه كان يوجد في هذه الجهة عمال يشتغلون في الجبانات هناك بأعمال العمارة، ولهذا السبب كان رئيس شرطة غربي «طيبة» يحتل المكانة الأولى، على أننا من جهة أخرى لا يمكن أن نجزم بوجود رئيس شرطة في «طيبة الشرقية».٢٥٨ وفي عهد الرعامسة حينما كانت حكومة مدينة «طيبة» يديرها عمدتان أو حاكمان أحدهما لطيبة الشرقية والآخر لطيبة الغربية، كان الأخير لا يزال يحتفظ بلقب رئيس شرطة الجبانة المقدسة العظيمة لملايين السنين لجلالة الملك في طيبة الغربية، وقد كان تحت إمرته قُوَّاد فِرَق، كل منهم يُسمَّى كذلك «رئيس شرطة الجبانة»،٢٥٩ وفي عهد الأسرة الثامنة عشرة ظهر بجانب قواد الفرق هؤلاء الذين كانوا يُسمون رؤساء شرطة ضباطٌ آخرون يُلقب كل منهم «حامل علم الشرطة»٢٦٠ وكان الوزير هو المشرف على رئيس الشرطة في «طيبة الغربية» في عهد الأسرة الثامنة عشرة، وكذلك على عمدة «طيبة الغربية» الذي كان في يده السلطة على الشرطة في عهد الرعامسة بوصفه «مدير المدينة»، وقد كانت تُعرض عليه كل قضية،٢٦١ وإذا اتفق أنه تغيب في مكان ما كان لزامًا أن يرسل خلفه شرطيًّا يحمل له الأخبار،٢٦٢ وقد كانت العلامة المميزة لجنود الشرطة في «طيبة الغربية» علمًا مصورًا عليه غزالة،٢٦٣ أما في «تل العمارنة» فكانت درعًا مستطيل الشكل رُسم عليه عدو يضربه الفرعون.٢٦٤ (راجع كذلك موضوع الشرطة «مزاي» Gardiner Onomastica I, 73ff. & II, 269ff).
ويُشاهد رؤساء الشرطة ممثلين على جدران مقابرهم وهم يتسلمون التقارير التي كان يأتي بها رجال الطواف، إذ يُرى رئيس الشرطة واقفًا مع آخرين وهو يفتش الحي، ويميز مكانته عن الآخرين أنه يحمل سهمًا عظيمًا بدلًا من العصا التي تُحمل عادة،٢٦٥ وبجانب هذا نراه يراقب — كما نشاهد في «إختاتون»٢٦٦ — نقط الشرطة للحراسة التي وُضعت حول العاصمة، وكان يقبض على المجرم ويقدمه للمحاكمة،٢٦٧ وكذلك كان يشترك في تجنيد المقترعين.٢٦٨
والظاهر أن تموين الشرطة بالمواد الغذائية كان يشبه في نظامه تموين الجيش؛ إذ كان لرجال الشرطة نائب يُسمَّى «نائب رجال الشرطة»، وقد ظهر ممثلًا على جدران مقبرة «نب آمون» بوصفه مرءوسًا٢٦٩ له، ونشاهد على مقبرة «معحو» في تل العمارنة صورة تدل على المواد الغذائية التي كان يقدمها الأهلون ضريبة إلى مخازن رئيس الشرطة مباشرة، وهو نفس النظام المتبع في تموين الجيش،٢٧٠ وهذه السخرة لتغذية الجنود كانت جارية في البلاد منذ عهد الدولة القديمة.٢٧١

الجنود الفرسان

لقد ظهر في باكورة الأسرة الثامنة عشرة سلاح جديد وهو العربة التي تجرُّها الجياد، ويُعزى في العادة إدخال عربة القتال وكذلك الخيل في مصر إلى عهد الهكسوس.٢٧٢ وقد جُلبت من بلاد سوريا التي أخذتها عن أقوام الشمال، وكانت قد استُعملت فعلًا في عهد الملوك الأُوَل من الأسرة الثامنة عشرة، وهم «كامس» و«أحمس»، و«تحتمس الأول»، وقد استعملها الملوك والأهلون على السواء لأغراض سلمية٢٧٣ وحربية،٢٧٤ وقد دخلت العربات والجياد أولًا بمثابة أسلاب حرب وجزية، ومن ثم كانت تحتفظ بأسمائها الأجنبية التي سُميت بها في بلادها الأصلية،٢٧٥ غير أنه لم يمضِ طويل زمن حتى أُنشئت صناعة خاصة في البلاد المصرية تصنع العربات،٢٧٦ ولكن المواد اللازمة لهذه الصناعات كانت تُجلب من الخارج،٢٧٧ ولقد كان من الأمور الشاقة تربية الخيول في مصر، وكانت على ما يظهر تُربى في ضياع الفرعون وضياع معابد الآلهة الكبيرة وحسب، وقد بدأ الأفراد يملكون الخيل في خلال الأسرة الثامنة عشرة بازدياد مطرد؛ فقد عُثر على عربة في قبر «باحري» الذي عاش في عهد «تحتمس الأول»، ومع هذا فيُظن أنه في عهد «حتشبسوت» كان لا يزال للخيل قيمة عظيمة؛ إذ نرى «سنموت» قد دفن جواده على حسب القواعد المتبعة،٢٧٨ وكان لا بد من تكوين إدارة خاصة للخيل وعربات القتال، وكان على رأس٢٧٩ هذه الإدارة بضع قوات فرسان، ولكن من المحتمل أنهما كانا قائدين فقط. أحدهما للوجه القبلي والآخر للوجه البحري، وقد وصلت إلينا أسماء كثير من هؤلاء القواد من أول عهد «تحتمس الثالث» حتى عهد «حور محب» آخر فراعنة الأسرة الثامنة عشرة.٢٨٠ وقد كان المظنون من مدلول أول قائد فرسان أن هذه الوظيفة كانت مدنية محضة، ومع ذلك فإن تفسيرها في هذا الوقت بقائد فرسان كان يدل فعلا على معنًى حربي، وقد كان «مين نخت»٢٨١ موظفًا إداريًّا مدنيًّا يحمل لقب مدير مخزن الغلال، وكان بجانب هذه الوظيفة الرئيسية يدير إدارة خيل الحكومة، ومن الجائز أنه كان قد بُدئ في عهد «تحتمس الثالث» لأول مرة في تكوين جنود لعربات القتال، وقد ظهرت فعلًا في عهده العربات في ميدان الوغى،٢٨٢ ولكن سرعان ما ظهر كذلك في الوظائف قائد فرسان من جنود القتال الذين أُحيلوا على المعاش.
والواقع أن مثل هذا الموظف قد وصل إلى أعلى رتبة في صفوف الميدان، وهي رتبة «فارس» عند نهاية خدمته العسكرية، وبعد ذلك مُنح لقب «قائد فرسان» بعد إحالته على المعاش، فالوظيفة إذن كانت رتبة شرف تُمنح بعد الإحالة على المعاش، ولم يكن يُستخدم في قيادة عربات القتال هذه من الجنود إلا من كان من أهل اليسار وهم الذين يكون في مقدورهم أن يقتنوا لأنفسهم العربات ويصرفوا عن سعة على جيادها٢٨٣ ويخصصون الخدم للعناية بها.٢٨٤ وظهر في الوقت نفسه أنهم كانوا لا يقبلون في فرقة الفرسان إلا بوساطة أقرباء عريقين في المجد. ومن ثم ارتفعت مكانة هذا الصنف من الجنود على كل أنواع الجنود الآخرين المقاتلين، وعلى ذلك كانت وظيفة قائد الفرسان شرفًا لحاملها، ولكن الفرعون على العكس كان يشغل هذه الوظيفة بأفراد يريد أن يرفع من شأنهم؛ فقد رقى «تحتمس الرابع» كاتب المجندين «حور محب» إلى مرتبة «قائد فرسان» بعد أن كان قد نصبه في وظيفتين خطيرتين وهما: «مربي الأميرة «أمنمآبت»»، والمشرف على كل الكهنة، وذلك في لحظة كان الخلاف فيها على أشده بين الملك وحزب كهنة آمون. وإذا كان اسم قائد الفرسان «حقا-ر-نحح» مربي الأمير فإن ترقيته ترجع إلى مهمته الأخيرة. وواضح للعيان أن منح «يويا» صهر الفرعون «أمنحتب الثالث» لقب قائد فرسان كان مجرد ترقية فخرية وحسب؛ إذ كان يشغل على ما يظهر قبل ذلك وظيفة كاهن الإله «مين» في مدينة «أخميم»، ولكن من المحتمل أنه قد نال شرف هذا اللقب بفضل زوجته؛ لأن ابنتها كانت وصيفة استحوذ عليها ولي العهد وتزوج منها على غير المألوف، ورفعها إلى مرتبة ملكة شرعية للبلاد. وفي هذه اللحظة كان من الضروري أن يمنح الفرعون والد زوجته رتبة تفوق الرُّتَب التي كان يحملها حتى الآن، فخلع عليه رتبة «قائد الفرسان».

على أن تتبع سير ترقية «آي» إلى هذه الوظيفة في عهد «إخناتون» يظهر من الأمور الصعبة، ولكنه في الحقيقة كان في الأصل من ضباط القتال وهم الذين يُرقى منهم قواد الفرسان. ولا نزاع في أن علاقته بالبلاط جعلت مسألة رفعه إلى هذه المرتبة أمرًا ضروريًّا بل عاديًّا؛ وذلك لأنه تزوج مرضعة الملكة «نفرتيتي»، ولكنه على ما يظهر فضلًا عن ذلك كانت له علاقة أخرى تربطه بالبلاط لا نعرف كنهها على وجه التأكيد، وكل ما يُقال في هذا الصدد أنه حصل على لقب «والد الإله».

أما الذين كانوا يعملون تحت إمرة قائد الفرسان فهم رؤساء الإصطبلات. وكان لديهم عدد محدود من الجياد يرعونها، هذا إلى ما يتبعها من الرجال الذين كان من أهم واجباتهم العناية بهذه الحيوانات وإطعامها؛ إذ قد ذُكرت لنا في خطابات التلاميذ التي ترجع إلى عهد الرعامسة هذه الواجبات عندما كانت تتناول الكلام على رؤساء الإصطبلات. فقد كان لزامًا أن تُساق الجياد إلى المراعي وتُرعى هناك، وقد كان عقاب كل من يهمل في أمر هذه الحيوانات أن يُقصى إلى حاميات الجنود المقيمة في البلاد الأجنبية.٢٨٥ وكذلك كانت تُخصص على ما يظهر حقول يؤخذ محصولها علفًا لهذه الخيل،٢٨٦ فقد صرح لنا رئيس الإصطبل «أمن-م-إوا» «… من إصطبل القصر العظيم «لرعمسيس»: وقد أُعطِيت حقلًا، مساحته ثلاثون أرورا، فزُرع شعيرًا لخيل الفرعون التي كانت تحت إدارتي.» وقد كان يُخصص لهذه الحقول فلاحون،٢٨٧ وكان رؤساء الإصطبلات هم المكلفون بانتخاب ما يصلح منها لميدان القتال.٢٨٨ أما مكانة رؤساء الإصطبلات بالنسبة لغيرهم من الموظفين فيمكن استنباطها من مرسوم «نوري» الذي وُضع في عهد «سيتي الأول»؛ فقد عُدَّت فيه الوظائف على حسب درجاتها من أعلى إلى أدني.٢٨٩ فنجد تبعًا لذلك أن وظيفة رئيس الإصطبلات أقل من وظيفة «فارس» وأعلى من وظيفة «حامل العلم». على أننا مع ذلك نعرف مكانة بعض رؤساء الإصطبلات من الآثار، فقد كان رئيس جواد الفرعون «سو-منوت»٢٩٠ قبل توليه هذا المنصب يشغل وظيفة رئيس الإصطبل، وقد ذُكر هذا اللقب كثيرًا على جدران مقبرته. على أنه قد صمت عن ذكر لقب حامل العلم؛ لأنه لقب صغير جدًّا، فلم يذكره إلا مرة واحدة.٢٩١
ومن المحتمل أن ذلك يظهر بوضوح أكثر في عهد كل من «تحتمس الثالث» وابنه «أمنحتب الثاني»؛ إذ عُثر على قبرين لموظف يُدعى «نب-ن-كمت» أحدهما في «طيبة»٢٩٢ والثاني في «سد منت»،٢٩٣ وإذا صح أن القبرين له فإنه كان يُلقب في قبره الذي في «طيبة» بلقبي «حامل العلم ورئيس الإصطبل»، على حين أنه كان يُلقب في قبره «بسد منت» بلقبي «فارس» وحامل العلم في السفينة «خع-م-ماعت»، ومن ذلك نعلم أنه قد رُقي فيما بعد إلى رتبة فارس عندما نُقل إلى «إهناسيا المدينة» في مصر الوسطى. وكذلك نعلم أن حامل علم آخر قد رُقي إلى رئيس إصطبل، وهذا هو «باسر ابن حوي» نائب الملك في عهد «توت عنخ آمون»،٢٩٤ وهذا الترقي من رئيس إصطبل إلى درجة فارس يجب أن نقبله؛ لأن كليهما ذُكر الواحد تلو الآخر في ترتيب ألقابه، وكذلك نشاهد في استعمال كلا اللقبين في مقبرة «أمنمسو».٢٩٥ فإنه يُستعمل دائمًا لقب فارس ولا يُستعمل لقب رئيس الإصطبل إلا نادرًا جدًّا؛ مما يدل على أن اللقب الأخير صغير ولا يستحق الذكر. ومن ذلك يمكننا أن نستنبط تاريخ مجال حياة الضابط؛ فإنه كان ينخرط في ذلك الجيش جنديًّا بسيطًا، ثم يُرقى إلى حامل علم، ثم يُدرج إلى وظيفة رئيس إصطبل، ثم يرتفع إلى رتبة فارس، وأحيانًا يُرقى إلى رتبة قائد فرسان. وعلى ذلك نجد أن الترقي إلى وظيفة رئيس الإصطبل ليست خارجة عن سلك مجال ضباط الميدان كما هو الحال في رتبة قائد الفرسان.
على أننا نميز درجات في داخل حدود وظيفة رئيس الإصطبلات؛ فهناك الرئيس الأول لإصطبلات٢٩٦ الفرعون، ومن المحتمل أنه كان مدير الإصطبل الملكي وهو المكان الذي يقيم فيه جنود الحرس الذين في ركاب الملك، ويوجد قسم خاص يُسمَّى إصطبل الغيار؛ حيث تُجهز الخيل للغيار وحيث يُمرن المقترعون.٢٩٧ وفي هذا القسم نجد مثلًا أن «بق ن خنسو» الذي أصبح فيما بعد الكاهن الأعظم «لآمون» كان يشتغل من سنِّ الخامسة حتى السادسة عشرة وفي نهاية هذه المدة حصل على لقب «فارس»، وكذلك كاتب الورقة الهجائية المشهورة التي تُسمى الآن «ورقة أنستاسي الأولى» كان يُسمي نفسه: «الذي يعلم جياد الحاكم». وكذلك تدلنا هذه الورقة في الوقت نفسه أنه كان يلقن الجنود المقترعين المعلومات لتثقيفهم في حرفتهم، وهذا على النقيض التام من جنود المشاة. وهذا مفهوم بطبيعة الحال؛ لأن الجنود الفرسان كانوا ينتخبون من أحسن الأسر المصرية، ولذلك كانت تُوجه إليهم تلك العناية الممتازة. وكان السواد الأعظم من هذه الطبقة يرغبون في خرط أبنائهم في سلك الفرسان. ولهذا نجد كذلك أن المعلم الذي نقل الخطابات النموذجية التي وصلتنا في ورقة «أنستاسي الثالثة» كان يُلقب الرئيس سائق عربة جلالته، على أن وظيفة السائق الأول لعربة جلالة الملك التي ذكرناها الآن كانت ذات مرتبة عالية، ويُستدل على قيمتها من مدلولها؛ أي إنه كان يقود العربة الملكية، وبذلك كان يشغل وظيفة خطيرة جدًّا. وإذا فحصنا هذه الوظيفة من حيث ترتيب مكانتها في منشور «نوري» الذي كُتب في عهد «سيتي الأول» نجد أنها أكبر من وظيفة «رئيس الإصطبل»، ولكنها كانت في الوقت نفسه أقل من مرتبة «فارس». وكذلك نشاهد في نقوش «وادي الحمامات» التي من عهد «رعمسيس الرابع» أن مكانة السائق الأول تحتل مكانة قبل رئيس الإصطبل بين الموظفين. وفي نهاية الأسرة الثامنة عشرة نرى أن اثنين من سائقي عربة الفرعون قد رُقيا إلى رتبة «فارس»، وهما «رانفر»٢٩٨ في عهد «إخناتون» و«بارعمسسو» في عهد «حور محب» (راجع A. S, 14. p. 30ff).
وكان الفرعون يكلف سائق عربته الأول بالقيام ببعثات خاصة لجلالته في الخارج، وفي هذه الحالة كان يُسمَّى «مبعوث الملك في كل أرض أجنبية»، فمثلًا قام رئيس الإصطبل «أمنمأبت» بتفتيش في بلاد كوش، أو نشاهد سائق عربة الملك الأول المسمى كذلك «أمنمأبت» يحمل لقب مبعوث الملك إلى سوريا من «سيلة» حتى «يافا»، ومن المحتمل أن «خاني» الذي أُرسل في عهد «أمنحتب الثالث» إلى سوريا ليهدئ الأحوال هناك كان يحمل هذا اللقب، وهو ما يعادل «وكيل «ربيصو»» في اللغة الآشورية.٢٩٩ غير أننا لسنا على يقين من أن لقب «وكيل ربيصو» يعادل رئيس الإصطبلات. ومن المحتمل أنه كان يُرسل في تلك الفترة عدد من قواد الفرسان إلى الخارج لشراء الخيل من سوريا؛ وذلك لأنه قد ظهر أن تربية الخيل في مصر لم تعطِ نتاجًا أصيلًا.
أما الجنود الذين كانوا يحاربون بالعربات فهم السائقون وكان تحتهم في المرتبة المحارب الذي يقف في العربة على ما يظهر.٣٠٠ ويتضح لنا ذلك من ذكر هذه الوظائف الحربية التي دُوِّنت بالترتيب على حسب درجاتها في ورقة «هود»،٣٠١ وكما جاء ذلك أيضًا في موقعة «قادش»،٣٠٢ وقد كان للسائقين نظام داخل إصطبلاتهم، غير أنه يُلاحظ هنا أن كل الخدم وأتباع عربات جنود القتال الذين ذُكروا في عهد الرعامسة لم يكونوا قد عُرفوا بعد في عهد الأسرة الثامنة عشرة.
أما مركز معسكرات الفرسان في عهد الأسرة الثامنة عشرة فكان في عاصمتي البلاد وهما «طيبة» و«منف» حتى عهد «إخناتون». أما في «تل العمارنة» التي انتقل إليها «إخناتون» فكانت الثكنات مجهزة بساحات عظيمة للتمرين، وقد عُثر في «منف» على صورة تمثل تمرين حرب العربات. أما الذين نشاهدهم واقفين في هذه الصورة من جنود الفرسان فإنهم يتسلمون طعامًا مثل المشاة على يد ممثل الجيش؛ ولذلك نجده ممثلًا معهم في صور توزيع الأغذية كما نجدهم واقفين صفوفًا أمام ممثل الجيش ومعهم خيلهم (راجع J. E. A., 20. p. 135; Quibell Saqqara Excav. 8. Pl. 12).

والظاهر أن العلم الذي كانت تحمله فرقة الخيالة في «طيبة» كان يتألف من قضيب عليه تمثال جواد، وقد عُثر على جزء من منظر في الدير البحري عليه رسم علم مُثل عليه جوادان وجهًا لوجه، ومن الجائز أنه خاص بفرقة الخيالة، وهذا أقدم رسم لعلم من هذا النوع.

وقد كانت رتبة قائد الفرسان آخر ما يناله ضابط القتال من الرقي بعد ختام خدمته العسكرية، ويجب علينا أن نذكر هنا أن وظائف الكهانة كان يمكن أن يشغلها أفراد من الجنود القدماء، وإن لم يحدث ذلك كثيرًا على وجه التحقيق؛ فنشاهد مثلًا أن «معي» الذي خدم في عهد «تحتمس الثالث» ونال مكافأة من الذهب لأنه أظهر كثيرًا من ضروب الشجاعة؛ قد وضعه الفرعون في وظيفة فخرية وهي الأمير الوراثي ومدير كهنة المقاطعة العاشرة من الوجه القبلي (راجع Schafer amtl Ber. Kgl. Kunstsamml. (1911) Sp. 186. & Ibid Sp. 188, Auch. S. 4. Anm 9). هذا إلى أن رئيس إصطبلات «أمنحتب» الذي كان يرافق جلالة الملك «تحتمس الرابع» في البلاد الأجنبية كلها من بلاد النوبة حتى بلاد النهرين؛ قد رُقي ترقية حقيقية إلى مرتبة دينية عظيمة، وهي رئيس كهنة الإله «أنوريس» في «طينة» (راجع A. Z, 73. p. 77). وسنرى في عهد «حور محب» التغيير العظيم الذي حدث في تقدير جندي القتال؛ مما أدى إلى شغل وظائف الكهنة بضباط من الجيش عن قصد، وقد أخبرنا بذلك «حور محب» نفسه على تمثاله الموجود الآن في «تورين»؛ إذ يقول: «وقد مُدت المعابد بكهنة مطهرين وكهنة مرتلين انتُخبوا من خيرة رجال الجيش» (راجع Davies Tomb of harmhabi. p. 40. Line 25).

(١-٣) وظائف القصر

لقد كان الفرعون «أمنحتب الثاني» عندما رقى الفارس «أمنحتب» إلى رتبة ممثل له في الجيش يرتكن على أن هذا الجندي كان خادمًا أمينًا في عهد والده «تحتمس الثالث»، وأنه نظرًا لما قام به من خدمات جليلة لا بد أن تُختم حياته في خدمته بالإنعام عليه بهذه المكانة الرفيعة،٣٠٣ على أننا نلاحظ وجود نفس هذه الفكرة بوضوح أكثر في نقوش حامل العلم «نب آمون» في عهد «تحتمس الرابع» عندما يقتبس لنا هو خطابًا أرسله إليه الفرعون يبشره فيه بترقيته إلى وظيفة «رئيس شرطة طيبة الغربية».٣٠٤ حقًّا يظهر كل هذا بوضوح إذا ألقينا نظرة على علاقات أمثال هؤلاء الرجال بالبلاط الفرعوني فقد كان «أمنحتب» زوج مرضعة الملك. ولأجل أن نعرف مدى تأثير قرابة الموظف بمرضعة الملك أو أحد أعضاء الأسرة المالكة في سير ترقيته سنذكر هنا أسماء بعض مرضعات الفراعنة ومقدار قرابتهم بالموظفين الذين نالوا المراتب العالية لاتصالهم بهؤلاء المرضعات.٣٠٥ وهؤلاء النسوة كن في الواقع مرضعات لا مربيات وحسب كما يظن البعض،٣٠٦ ولقد كان المنتظر إذن في مثل هذه الحالة أن زوجات أكبر الموظفين رتبة كن اللائي يقمن بأمر الرضاعة، بيد أن ظاهر الأمر لا يدل على ذلك.
وقد كان غير أولئك المرضعات مربون للأمراء والأميرات؛ ولذلك نشاهد هؤلاء النسوة في صور نقوش «تل العمارنة» وهن يحملن الرضيعات الملكية على أذرعتهنَّ ويلحظنهنَّ بكل عناية عندما يصبحن أطفالًا يمشين.٣٠٧
أما ابن المرضعة الذي يُرَبَّى مع الملك فكان يحمل لقب «أخ الملك من الرضاعة» أو «أخت الملك من الرضاعة» إذا كانت أنثى؛ فمثلًا كان «قن آمون»٣٠٨ مدير البيت العظيم الذي ترعرع مع «أمنحتب الثاني» يحمل هذا اللقب، وكذلك تربت بنت «سن نفر»٣٠٩ عمدة طيبة مع الملك «أمنحتب الثاني»؛ ولذلك كانت تُعرف بأخته من الرضاعة، كما نجد جدَّة الكاهن الأعظم لمعبد الكرنك «من خبر رع-سنب» المسماة «نبت-تا»٣١٠ كانت تحمل هذا اللقب، ومن ذلك نستنبط أنها كانت بنت مرضعة ملك لم يُعرف اسمه بعد. وعلى العموم نجد أن زوجات ضباط وموظفين متوسطي الحال يؤخذن مرضعات لأطفال البيت المالك، فإذا تولى الأخ من الرضاعة عرش الملك فإن المرضعة وكل أسرتها في الغالب ينالهم شرف كبير؛ فقد كان الفرعون يمنح مرضعته قبرًا كانت تظهر فيه صورتها بارزة عن كل الصور الأخرى وهي تعطي ثديها للملك الرضيع.٣١١ وكذلك نشاهد في مناظر «تل العمارنة» المرضعة ممثلة بصورة بارزة؛ إذ نشاهد «تي» زوج «آي» ومرضعة الملكة «نفرتيتي» أنها المرأة الوحيدة التي مُنحت مع زوجها ذهبًا عندما كان الفرعون يوزعه في احتفال خاص علنًا على رجال بلاطه.٣١٢ ولقد كان أبناء المرضعات كذلك يخلدون ذلك الشرف العظيم الذي نالته أسرتهم بتصوير والدتهم مع الفرعون وهو يرضع من ثديها على جدران مقابرهم.٣١٣

وبمقدار ما لمرضعة الملك من نفوذ على ابنها من الرضاعة كان يظهر تأثير نفوذها هذا في رفع شأن أفراد أسرتها الآخرين، وقد كان من أثر هذه العلاقة أن رأينا فعلًا كلًّا من الضابط «أمنمحاب» و«بح سوخر» قد وصل عن طريق زوجته إلى رتبة نائب الجيش، كذلك كانت الحال مع «تي» مرضعة الملكة «نفرتيتي»؛ فإنها كانت السبب في ترقية زوجها من رتبة «فارس» إلى مرتبة «قائد فرسان»، يُضاف إلى ذلك أن الفرعون «أمنحتب الثاني» لم يجد من عظماء دولته من يقلده وظيفة المدير العظيم للبيت الملكي، وهي من أهم وظائف الدولة، كما شاهدنا من قبل غير أخيه من الرضاعة «قن آمون»، والواقع أن هذه الترقيات لم تكن على حسب مكانة الرجل ومقدرته، بل كانت كذلك لأن الرجل كان زوج مرضعة الملك أو الملكة وحسب. على أننا لا يمكننا أن نتتبع خطوات كل الذين ترقوا عن طريق مرضعات الملوك الآخرين، ولكنا لا نكون قد حدنا عن جادة الصواب إذا قررنا أن رُقي «مري» أو «من خبر رع-سنب» إلى مرتبة الكاهن الأعظم للإله «آمون» بالكرنك أو ترقية «بو-م-رع» إلى وظيفة كاهن ثانٍ كان نتيجة لهذه العلاقة سواء أكانت المرضعة الملكية في هذه الحالات زوجته أم والدته. ومما تجمل الإشارة إليه هنا أن الفرعون «تحتمس الثالث» قد تزوج من بنت مرضعة ملك، والظاهر أنها كانت أخته من الرضاعة، وقد رفعها هذا الفرعون إلى مكان أعلى؛ إذ جعلها زوجته الشرعية، وهي الملكة «سات أعح» بنت المرضعة الملكية العظيمة المسماة «إبو».

وكانت ترقية «نب آمون» حامل العلم في السفينة المسماة «مريت آمون» إلى وظيفة رئيس شرطة «طيبة» الغربية؛ لحسن إدارته ومهارته، ولكن من غير شك كانت علاقته بالبلاط في هذا الوقت لها ضلع عظيم في الترقية. فقد كانت ابنته وصيفة في قصر الفرعون. والواقع أن العذارى اللائي كن يحملن لقب وصيفة الملك لم يكنَّ من بيوتات عريقة في الحسب والنسب؛ فقد كانت الفتاة «سجرت-توي» بنت حامل العلم «نب آمون»،٣١٤ والعذراء «حنت تانب» وهي بنت حارس باب المخزن المسمى «أمنحتب وسر»،٣١٥ وكذلك الفتاة «أمنمحنت» وأخوات لها كنَّ بنات قياس الأراضي «منا»،٣١٦ وكانت العذراء «حنت نفر»٣١٧ بنت كاتب مخبز. ومن ثم يمكننا أن نستخلص أن أولئك الفتيات لم يكنَّ ينتمين إلى طبقة عريقة يمكن بها الرجوع لمعرفة مركزهم الأُسري، ولا غرابة في ذلك؛ فإنهن كنَّ يُنتخبن لجمالهن لا لأصلهن وأُسَرهن، وقد مُثلت صور طائفة من هؤلاء الغانيات على جدران حجرات برج مدينة «هابو» يسمرن ويلهين مع الفرعون «رعمسيس الثالث»،٣١٨ وأولاء الوصيفات كنَّ يقمن بدور هام؛ إذ كن بمثابة رفيقات الأميرات يلهين ويلعبن معهنَّ.

كذلك كان الأمراء يتخذون لأنفسهم إخوانًا ورفاقًا من سنهم من بين أولاد الموظفين الذين لم يكونوا من أسر عريقة في المجد.

وقد كانت العذارى الوصيفات يتساوين مع الأميرات في لباس الرأس، كما كنَّ ينشأن تنشئة الأميرات من حيث التربية والتعليم؛٣١٩ ولذلك كان يرغب في التزوج منهن أكبر موظفي الدولة، وكهنة من أعلى رجال الدين مكانة. وإذا اتفق أن تزوج أحد الموظفين من إحدى الوصيفات قبل أن يبلغ مرتبة عظيمة في سلك وظائف الحكومة فإن هذا الزواج كان بمثابة ضمان لرقيه وحسن طالعه حتى أعلى درجة؛ وذلك لأن الفرعون كان يعمل في أناة وتؤدة وروية عندما يريد ملء أهم وظائف الدولة سياسية كانت أو دينية، فكان لا ينتخب عماله إلا من الرجال الذين تربطهم بالبلاط روابط أسرية من هذا النوع؛ ولهذا السبب نجد بعض وصيفات القصر قد أصبحن زوجات الوزراء في الدولة؛ فنجد مثلًا أن وزير «تحتمس الثالث» «رخ مي رع» الذائع الصيت قد تزوج من الوصيفة «مريت»، وأن الوزير «أمنمآبت» تزوج «ورت ماعتف» في عهد «أمنحتب الثاني»،٣٢٠ وكذلك كنَّ يتزوجن من موظفين حربيين٣٢١ وكهنة من الطبقة الثانية٣٢٢ ومن كهنة آخرين في «طيبة»،٣٢٣ ومن حكام ضياع٣٢٤ معبد آمون أو البلاط٣٢٥ الفرعوني أو موظفين في البلاط،٣٢٦ وكذلك من مدير مصلحة «عين حور»،٣٢٧ وإذا اتفق أن تُوفيت إحدى الوصيفات قبل أن تتزوج دُفنت في مقابر «وادي الملوك».٣٢٨

على أن هذه الرابطة بالبيت المالك بوساطة وصيفات القصر كانت تجعل الفرعون يثق ثقة عظيمة في إسناد أعلى المناصب إلى أفراد من نسل هؤلاء الوصيفات، ولا غرابة إذن إذا وجدنا أن أبناء الوصيفات قد أصبحوا يتقلدون أعلى مناصب الدولة؛ فكان منهم الوزراء مثل الوزير «رخ مي رع» بن «بتا» والوزير «حبو سنب» ابن الوصيفة «أعح حتب» في عهد «حتشبسوت»، وكان منهم كهنة وموظفون في المعابد ووزراء مالية وموظفون في البلاط. ونجد في بعض الأحيان أن بنات الوصيفات يصبحن مرضعات لأقارب الفرعون. (وهذا يفسر التناقض القائل بأن المرضعات لم يُؤخذن من طبقات وضيعة، ولكن الواقع أننا نشاهد حالات خاصة كانت تُؤخذ فيها زوجات بعض كبار الموظفين ليصبحن مرضعات للملوك. وفي هذه الحالة تكون علاقة هؤلاء الموظفين العظام شفيعًا لذلك).

ومما سبق نرى أنه على مر الأجيال قد نشأت أسر ارتبطت بالفرعون وبقي هذا الارتباط دائمًا؛ وبذلك أصبح رجالها لهم فضل السبق في تولي الوظائف الحكومية المسئولة التي تحتاج إلى ثقة غالية.

وقد ظهرت في هذا الوقت بوادر تحول في الحالة الاجتماعية بين ضباط الميدان والموظفين الحربيين؛ وذلك أن حامل العلم «نب آمون» قد نزل عن أخته لتكون بين نساء القصر، وأن كاتب المجندين «ثنني» قد تزوج من إحدى وصيفات القصر بوصفه من كبار الموظفين في الدولة.

ومن ثم نلحظ أن ضابط الميدان كان يرغب عند انتهاء مدة خدمته العسكرية في أن يتقلد وظيفة إدارية رفيعة أو يصبح من رجال البلاط الفرعوني. على أن عدم قدرته على القيام بأعمال وظيفة رفيعة في الحكومة؛ لما كانت تتطلبه تلك الوظائف من تعليم خاص كان يغطي عليه تنصيبه في مركز رفيع له صلة مباشرة بالفرعون، ولكن كان تنصيب مثل هؤلاء الضباط في وظائف مدنية يجعلهم خطرًا عظيمًا على الفرعون نفسه بما لهم من وثيق الرابطة الأسرية به وبما آل إليهم من سلطان وقوة في وظائفهم. وقد شاهدنا فعلًا أن وظيفة «المدير العظيم للبيت الملكي» الضخمة ووظيفة «رئيس شرطة العاصمة» ووظيفة «تموين الجيش» ووظيفة قائد الفرسان التي كانت في معظم الأحيان يُنتخب رجالها من بين طبقة الموظفين أصبح يُنتخب رجالها من بين ضباط الجيش الذين أُحيلوا إلى المعاش، وقد بلغ من سلطانهم أنهم أصبحوا يمثلون إرادة الفرعون؛ ولذلك كانت أية محاولة للقضاء عليهم تؤدي حتمًا إلى انقلاب خطير في حكم البلاد.

والواقع أن موظفي الحكومة في عهد الأسرة الثامنة عشرة حتى عهد «أمنحتب الثالث» قد قاموا بأداة الحكم خير قيام؛ بما كان لديهم من قدرة وبما اكتسبوه من ثقافة وتعليم خلال سنين طوال، وبتوارثهم الوظائف في أُسَرهم أبًا عن جد. وقد كانت هذه القدرة على إدارة الحكم هي التي جعلت طبقة الموظفين ينظرون إلى الضباط وغيرهم نظرة احتقار، وأنهم لن يكونوا بحالٍ ما قادرين على إدارة سكان الحكومة؛ ولذلك كانوا لا يعدون الموظفين الحربيين رجالًا عسكريين، بل مجرد موظفين؛ وأكبر دليل على ذلك ما ذكره «أمنحتب بن حبو» في ترجمته لنفسه؛ فقد كان نفوذه وفضله هما اللذان جلبا له وظيفته، أما كفايته الحربية فلم يكن لها دخل في ذلك.

ومن أجل هذا كان جل هَمِّ ضابط الميدان أن يترك عمله الحربي وينخرط في زمرة طبقة الموظفين، فإذا وصل إلى وظيفة حكومية فإنه لا يلبث أن ينبذ صراحة ماضيه الحربي ويحس أنه قد تخلص من كابوسه؛ ولذلك نراه عندما يذكر المناصب التي تولاها كان يمر مر الكرام على وظائفه الحربية بمهارة وحذق، فلا يذكرها ما استطاع لذلك سبيلًا، ولا تعوزنا الأمثلة على ذلك؛ فقد صمت «قن آمون» و«سنموت» و«آي» (الذي أصبح ملكًا فيما بعد) عن ذكر ألقابهم الحربية. وعلى الرغم من المبالغة في علم طبقة الموظفين وثقافتهم، وعلى الرغم من الاعتقاد بأنهم هم الذين كان في مقدورهم القيام بأعباء الحكم في البلاد وحدهم، فإنه لا يفوتنا أن نفهم أن الجيش في مركزه الثانوي كان لا يزال قوة فعالة يُعتمد عليها في البلاد. على أنه عندما بُدئ في تحطيم هذه الأوهام، وتلك المعتقدات العالقة بأذهان القوم عن طبقة الموظفين وثقافتهم؛ أخذ الطريق ينفسح أمام رجال الجيش ليوغلوا في وظائف الدولة.

وهذه الحقيقة قد وقعت نتيجة للإصلاح الذي قام به «إخناتون»؛ وذلك أن هذا الفرعون عندما كان يسعى للقضاء على سلطان كهنة «آمون» ونفوذهم الذي كان يقف عقبة كأداء في طريق القيام بإصلاحه الديني المنشود؛ كان لا بد له كذلك من القضاء على طبقة الموظفين الذين أوجدوا ارتباكات داخلية ضده بانضمامهم إلى الكهنة. وهذا العداء من جانب الموظفين أجبر الفرعون على أن يقضي على هذه الطائفة مع ما لها من ماضٍ مجيد وتجارب عظيمة في إدارة الحكومة ليحلَّ محلها رجال جدد في أهم وظائف الدولة ليس في نفوسهم روح العداء والمعارضة الذي يملأ نفوس الموظفين السابقين، ولم يكن علم الموظف أو ثقافته بالشيء الذي يرفع من مكانته ويعلي من شأنه، بل كان التسليم بقبول تعاليم الملك دون تفكير أو مناقشة هي الطريق إلى المناصب العالية؛ ولذلك نجد أفرادًا لم ينالوا قسطًا من الثقافة يؤهلهم للقيام بوظائفهم قد احتلوا أهم مناصب الدولة، وأدهى من ذلك أنهم كانوا يتفاخرون بحرمانهم الثقافة، وكان الواحد منهم يعلن أنه قد نشأ من أبوين فقيرين.

ولم يمضِ طويل وقت حتى أخذ الفرعون ينتخب من طبقة الضباط موظفيه الجدد، وهؤلاء لم يكن يستحوذ على نفوسهم روح التفاخر بالمعرفة الذي كان يستولي على مشاعر طبقة الموظفين، على أنهم كانوا في الوقت نفسه قواد القوة كلها التي كانت تشد أزر الفرعون نفسه، وأعني بذلك قوة السلاح. وقد أصبحوا الآن محرَّرين من تَوَهُّمِ أن الفرد لا يصل إلى النفوذ في الحكومة إلا إذا كان مندمجًا في طبقة الموظفين، وكذلك شعروا بأنهم يمكنهم أن يكونوا السند الأكبر للأسرة المالكة وللحكومة معًا بما لديهم من القيادة الحربية، وفي الوقت نفسه كان من الواجب على الموظف الحربي ألا يطمح بعد إلى أن يكون موظفًا بالمعنى القديم بل يعمل في وظيفته بوصفه قائدًا حربيًّا بالمعنى الحقيقي.

وليس من المدهش إذن أن يصل الآن ضابط الميدان بالطريق المعتادة إلى وظيفة من الوظائف ذات النفوذ العظيم بجانب الفرعون وأن يأخذ في إدارتها بوصفه جنديًّا معروفًا؛ ومن ثم فقد اختفت تمامًا الفكرة القائلة بأنهم كانوا ضعفاء غير قادرين على القيام بهذه الوظائف وبخاصة أن المراكز الإدارية الحربية التي كان يشغلها ضباط الميدان أصبحت هامة وذات نفوذ عظيم؛ وبذلك أصبحوا يعيشون في ظل تلك الفكرة الجديدة لا كما كانت تحتمي طبقة الموظفين من قبل بما لهم من مجد عريق وثقافة ممتازة. هذا فضلًا عن أن وظيفة قائد الفرسان لم تصبح بعد وظيفة شرف أهلية، بل صارت وظيفة حربية حقيقية، وسرعان ما ظهر فعلًا قائد فرسان من هذا الطراز، وكان من طبقة الموظفين القدامى، ولكنه بتغير الآراء وصل إلى السلطة واعترف بالانقلاب الجديد؛ إذ أدرك أنه لا بد من إدخال القوة الحربية لتقوم عليها دعائم نظم الحكومة ولتكون سندًا ترتكن عليه الأسرة المالكة، وهذا الرجل هو «آي»، وقد قاد البلاد في ظل هذا النظام الجديد الذي كان قد اتخذه «إخناتون» وسيلة ضرورية للقيام بانقلابه الديني المنشود، حتى جعله نظامًا ثابتًا، وقد بقي في الانتشار والنمو بعد «آي»؛ إذ اعتنقه «حور محب»، ووطد أركانه «رعمسيس الأول» من بعده؛ حتى أصبح فعلًا النظام الجديد الذي سارت على نهجه حكومة عهد الرعامسة.

١  راجع كتاب الأدب المصري القديم ج١، ص٣٥٠ … إلخ.
٢  وأهم المصادر الأصلية التي سنعتمد عليها في درس حياته هي ما يأتي:
  • تمثال من معبد آمون بالكرنك (راجع A. S. XXVIII, p. 141).
  • تمثال من معبد الكرنك (راجع A. S. XIV, p. 17).
  • تمثال آخر (راجع A. S. XIV, p. 19).
  • تمثال نشره «لجران» (راجع Legrain, “Statue”, I, No. 42127).
  • تمثال نشره «يورخارت» (راجع Legrain, “Statues”, II, p. 853).
  • تمثال كتب عنه «جلانفيل» (راجع J. E. A., XV, p. 2).
  • (راجع Legrain, “Statues” IV, p. 942).
أما معبده الجنازي فقد كتب عنه «روبيشون» و«فاري» (راجع Robichon et Varille, “Le Temple du Scribe Royal Amenhotep fils de Hapoui, I, et Cone Funeraire Robichon et Varille, Fouilles de l’Inst. Franç. Du Caire”, Vol. XI, 1936).
راجع كذلك: “Revue d’Egyptologie”, II, fasc. 1, 2; “Revue Egyptologique (1919) nouv. Serie, I, p. 74.
٣  راجع: A. S. XIV, p. 19.
٤  راجع: Legrain, “Statues”, No. 42127.
٥  راجع: A. Z. LXXIII, p. 44.
٦  راجع: Borchardt “Statuen und Statuetten” II, p. 583. L. 5.
٧  راجع: Spiegelberg, “Rec. Trav.”, XXIII, p. 98; A. Z., XXV, p. 117.
٨  راجع: Naville, “Temple of Deir el Bahari”, V, Pl. 150.
٩  مما هو جدير بالملاحظة هنا أن لقب «الحاكم المشرف على الكهنة» في عهد الأسرة الثامنة عشرة منذ عهد حتشبسوت كان كل منهما لقب شرف وحسب (عدا حكام نخن، والكاب وطينة) يُعطى لمن أُحيلوا على المعاش، وقد كان الحاكم الحقيقي للمدن يُدعى «الحاكم» (حات عا) أو «العمدة»، ولم يكن يوجد مثل هذا الحاكم إلا في أوائل الأسرة الثامنة عشرة في «نخن» و«الكاب» وكما كان كذلك في طينة.
١٠  راجع: Borchardt, “Statuen und Statuetten”, 483, 1, 12.
١١  راجع: Anthes, A. Z., LXXII, p. 68.
١٢  راجع: A. S., XIV, p. 17; A. S. XXXIII, p. 85; Ibid, XXX IV, p. 10.
١٣  راجع: Sethe, “Festschrift fur Ebers”, p. 30.
١٤  راجع: Ibid, p. 28.
١٥  راجع: Varille, A. S. XXXIII, p. 83ff، وهذان التمثالان هما تمثالا «ممنون» المشهوران.
١٦  راجع: A. S., XIV, p. 18.
١٧  راجع: L. D. III, Pl. 72, line 4.
١٨  راجع: A. S., XIV, p. 17, 19.
١٩  راجع: Borchardt, Statuen und Statuetten” II, 583.
٢٠  راجع: Sethe, “Bauersteine”, p. 31.
٢١  راجع: Borchardt, ibid. II, 583, Rs. Line 5ff.
٢٢  راجع: Schaefer, “Stele des Ichernofert”, Line 17.
٢٣  راجع: Bisson de la Roque, “Fouilles de Medamoud” rapport Preliminaire. IV, 2. p. 52. Line 29.
٢٤  راجع: Robichon et Varille, “Le Temple du Scribe Royal Amenhotep fils de Hapou, Tome I, Fouilles de l’Inst. Franç. Du Caire” XI. p. 1936.
٢٥  راجع: M. M. A. (Feb. 1928) p. 12.
٢٦  راجع: A. S., XIV, p. 19.
٢٧  راجع: Sethe, “festschrifte fur Ebers”, p. 118; L. D., III, iPl. 83ff, L. D. Text, V, p. 235.
٢٨  راجع: Bissing-Kees, “Textband zum Re Heiligtum III, PP. 29, 58.
٢٩  راجع: L. D., III, Pl. 84.
٣٠  راجع: Statue Berlin Mus. No. 2293; Naville, “Bubastis”, Pl. XXXV, G,; A. Z. LIX, p. 110; A. Z., XLVII, p. 91.
٣١  وقد تكلمنا عن «خيروف» والدور الذي لعبه في هذا العيد من قبل، راجع ص٨٨.
٣٢  راجع: Robichon et Varille, “Le Temple du Scribe Royal Amenhotep”, Pl. XXXV.
٣٣  راجع: L. D. III, Pl. 76b.
٣٤  راجع: Urk. IV, 208–9; Urk. IV, 981. A, Z. LXV, p. 85.
٣٥  فقد مثله «سن نفر» عمدة المدينة في عهد «أمنحتب الثاني»، ومدير البيت العظيم «مري رع» في عهد تحتمس الرابع (A. Z. LXVII p. 132.)، ومدير المالية «معي» في عهد «حور محب» (راجع Davies Tomb of Thouthmes IV, p. 2374).
٣٦  راجع: Borchardt “Statuen und Stattuetten”, II. 583, Rs. 8.
٣٧  راجع: Davies, “El Amarna”, VI, p. 15; Davies, “El Amarna” I, p. 22, Pl. VI، حيث نجد الكاهن الأكبر «مري رع» في تل العمارنة يذكر أنه كان يأكل من نصيب الفرعون.
٣٨  راجع: Newberry, P. S. B. A., (1902) p. 247، وتدل النقوش التي على صندوق في المتحف البريطاني أنه تزوَّجها Archeological Journal, “VIII, p. 396 (5899A)” وهاك النص: «الإله الطيب رب الأرضين صاحب القرابين، ملك الوجه القبلي والوجه البحري «نب ماعت رع» ابن الشمس «أمنحتب» والابنة الملكية، والزوجة الملكية «سات آمون» التي وضعتها الزوجة الملكية العظيمة «تي» معطاة الحياة والصحة مثلي «رع» أبديًّا.» ومن هذا المتن نفهم أنها كانت ابنته وزوجه في آن واحد. اقرن ذلك بما ذكر رعمسيس الثاني وزواجه من بناته، راجع: Maspero, “Histoire Ancienne des Peuples de l’Orient”, I, p. 50 (Inceste Ramses II)، أما يُقال عن ارتكاب «سنفرو» لمثل هذا العمل (Sethe, A. Z., 50, 57; 45, 54.) فلا يعترف به «ريزنر» (A. Z. LXIV, p. 97).
٣٩  راجع: Dawson, “Aegyptus”, VII, p. 124.
٤٠  راجع: L. D. III, Pl. 2d.
٤١  راجع: Benson and Gourlay, “The Temple of Mut in Asher”, p. 331.
٤٢  راجع: Cairo: 627.
٤٣  فهذه التماثيل كانت تُوضع في الردهة حيث كان يأتي المتعبدون لاستعطافها.
٤٤  راجع: Sethe, “Hastings Encyclopedia of Religion and Ethics” IV, p. 651. (Heroes and Hero Gods).
٤٥  راجع: Borchardt, “Statuen und Statuetten” II, 853, line 12.
٤٦  راجع: Mariette, “Abydos” p. 1137.
٤٧  راجع: Wreszinski, “Atlas”, I, Pl. 94; Ibid. Pls. 279-280.
٤٨  هذا اللقب كان يحمله «ثنني» في عهد «تحتمس الثالث» (Urk. IV, p. 1000–1007) وحور-محب في عهد تحتمس الرابع “Mem. Miss. Arch. Franç” V, p. 415ff.
٤٩  راجع: Urk. IV, 662.
٥٠  راجع: Urk. IV, p. 1014-1015.
٥١  راجع: Hermann, “Mitteilungen des Deutschen Instituts.” Kairo VI, p. 38.
٥٢  راجع: Davies, “El Amarna”, V, Pl. IV, and Ibid. IV, p. 21.
٥٣  راجع: A. S. XIX, p. 127.
٥٤  راجع: Borchardt, “Statuen und Statuetten”, 583, line 13.
٥٥  راجع: Newberry, “El Bersheh”, I, Pl. XV، حيث نجد أن جنود كل مقاطعة اشتركوا في جر تمثال «تحوتي حتب» قد ذُكر كل فريق منهم على حدة.
٥٦  راجع: Pap. St. Petersburg, 1116A. Z. 59; A. S. XXIX, p. 5–14, line 11.
٥٧  راجع: Gardiner, “The Inscription of Mes.”, p. 42-43.
٥٨  راجع: Berlin Mus. No. 14994.
٥٩  راجع: Davies, “Tombs of Two Officials of Thothmes IV”, Pl. XXVI.
٦٠  راجع: Gardiner, Ibid, p. 25-26.
٦١  راجع: P. S. B. A. XXI, Pl. III, p. 156.
٦٢  راجع: Muller, A. Z., XXVI, p. 70, lines 17, 34.
٦٣  راجع كتاب الأدب المصري القديم، ص٢٠٦.
٦٤  راجع: Urk. IV, p. 2.
٦٥  راجع: Davies, “Two official” p. 23; Rec. Trav IV, p. 135, Brit. Mus. 215، حيث نجد أن الابن يرث والده في وظيفته.
٦٦  راجع: Urk. IV, 1005–6.
٦٧  راجع: Mem. Miss. Arch. Franc. V, p. 598.
٦٨  راجع: Wreszinski, “Atlas” I. Pl. 245.
٦٩  راجع: Pap. Anastasi I, 12.
٧٠  راجع: Wreszinski, “Atlas” II, Pls. 110, 111.
٧١  راجع: J. E. A. I, p. 27.
٧٢  راجع: Urk. IV, p. 1006; Wreszinski, “Atlas” I, 23, 236.
٧٣  راجع: Urk. IV, p. 1112, line 23.
٧٤  راجع: Quibell and Hayter, “Excavations at Sakkara”, (1927) VIII, Pl. 12.
٧٥  راجع: Naville, “Deir el Bahari”, Vol. IV, Pl. XCI.
٧٦  راجع: Ibid. VI, Pl. CLIV.
٧٧  راجع: Erman-Schafer, A. Z. 38, 42.
٧٨  راجع: Davies, “The Tomb of Two Officials”, Pl. XXV.
٧٩  راجع: Borchardt, Ibid, 583, Vs. line 13.
٨٠  راجع: Urk. IV, p. 1007.
٨١  راجع: A. S., III, p. 263.
٨٢  وفي عهد الدولة الوسطى كان يقوم كاتب الجنود في كل مركز بعملية التجنيد، وفي هذا الوقت لم تكن وظيفة كاتب المجندين قد وُجدت بعد. (راجع A. Z. XXXVIII, p. 42; Griffith, kahun Pap. IX, 11a).
٨٣  راجع: Borchardt, Ibid, 583, line 13.
٨٤  راجع: A. Z., XXXVI, p. 84; “Rec. Trav.”, XX, p. 37ff. line. 7; “Rec. Trav.”, XVI, p. 123. Kees, “Kulturgeschichte”, 239, Anm. I; Bissing. A. Z. XXXVII, p. 39; Pap. Harris I, p. 10, 16, 8, 51a, 7.
٨٥  راجع: Pap. Anastasi VI, 1, 7ff.
٨٦  راجع: Pap. Anastasi IV, 4, 8-9.
٨٧  راجع: Borchardt Ibid. 583, Line 3.
٨٨  راجع حياة «رخ مي رع» في الجزء الرابع من هذا المؤلف، Urk. IV, p. 1147.
٨٩  راجع: Borchardt, ibid. 583, Rs. Line 14.
٩٠  راجع: Gardiner and Peet, “Sinai”, Pl. LXIV, No. 196; Urk. IV, p. 885–9.
٩١  راجع مصر القديمة، جزء٤.
٩٢  راجع: Edgerton and Wilson, “Historical Records of Ramses III” Pl. XLVI, 20, 23.
٩٣  راجع: Speelers, “Recueil des Inscriptions Egyptiennes des Musees Royaux du Cinquantenaire à Bruxelles”, No. 117, “Rec. Trav.”, XXII, p. 105–8.
٩٤  راجع: Holscher, “Libyer”, p. 34, 35. Anm. 10.
٩٥  راجع: A. Z. LXV, p. 89.
٩٦  راجع: Griffith, J. E. A., XIII, p. 143. Line 82ff.
٩٧  راجع: Pap. Hood. Maspero, “Etudes Egyptologique”, II, p. 1ff. line 21ff، راجع كذلك: A. S. IX, p. 441 anm. 1, A. Z., L, p. 49ff. Pap. Hood, 20-21 حيث تجد ألقاب المشرفين على مصاب النيل وقلاعه.
٩٨  راجع: Newberry, “Beni Hassan”, Vol. II. Tomb No. 17 etc.
٩٩  راجع: Couyat et Montent, “Les Inscriptions Hieroglyphiques et Hieratiques du Ouadi Hammamat”, No. 1.
١٠٠  راجع: Newberry, “El Berseh”, Vol. II. Pl. XIII; Anthes, A. Z., LXV, p. 111.
١٠١  راجع: Lange und Schafer, “Grab und Denksteine des Mittleren Reiches”, II, No. 20539, line 16.
١٠٢  راجع: Sethe, “Die Altagyptischen Pyramidentexte”, line 628b.
١٠٣  راجع: Urk. I, p. 103.
١٠٤  راجع: Pap. St. Petersburg 1116A, line 88–90; Kees, “Kulturgeschichte” p. 228ff.
١٠٥  راجع: Pap. St. Petresburg 1116b. line 66.
١٠٦  راجع: Gardiner, J. E. A., Vol. V, p. 244; Naville, J. E. A., X, p. 22–26.
١٠٧  راجع: Urk. IV, p. 647.
١٠٨  راجع: Erman und Lange, “Papyrus Lansing”, 10, 1, p. 88.
١٠٩  راجع: Leiden V, 43, “Boeser, Beschreibung der Aegyptischen Sammlung des Niederlandischen Reichmuseums in Leiden”, VI, Taf. XIII, 22; Gardiner und Peet, “Sinai”, Pl. XIX, No. 59; “Rec. Trav.” XX, p. 178.
١١٠  راجع: A. S., XIV, p. 30.
١١١  راجع: J. E. A., VI, p. 108; Ibid. p. 99; A. Z., LXV, p. 57; Harris Papyrus I, 77. 6ff.
١١٢  راجع: Pap. Anastasi. V, II, 7ff; A. Z., LVI, p. 55; Pap. Anastasi V, 19, 2, 3.
١١٣  راجع: Wolf, A. Z., LXIX, p. 39.
١١٤  راجع: Pap. Anastasi VI, 4, 11ff.
١١٥  راجع: Pap. Anastasi V, 19, 2ff.
١١٦  راجع: Bouriant, “Mem. Miss. Arch. Franç.”, V, p. 426. Pl. II.
١١٧  راجع: Borchardt, “Des Grabdenmal des Konigs Ne-user-Re” p. 113; Urk. IV, p. 16.
١١٨  راجع: A. Z. XXXIV, p. 1, line 23.
١١٩  راجع: Urk. IV, p. 982.
١٢٠  راجع: Urk. IV, p. 981.
١٢١  راجع: “Rec. Trav.” XXXII, p. 154; Gauthier; “Dict. Geog.” I, p. 118.
١٢٢  راجع: Newberry “Beni Hassan”, Vol. I, Pl. XXX.
١٢٣  راجع: Couyat et Montet, “Ouadi Hammamat”, No. 114.
١٢٤  راجع: A. Z. LXV, p. 108–114.
١٢٥  راجع: Couyat et Montet, “Ouadi Hammamat”, No. 114, line 12.
١٢٦  راجع: Davies, “The Theban Tomb Series”, Vol. V, Pl. IX.
١٢٧  راجع: Urk. IV, p. 989–991 من عهد «تحتمس الثالث».
١٢٨  راجع: Urk. IV, p. 991–994.
١٢٩  راجع: Urk. IV. p. 1002–1017.
١٣٠  راجع: Mariette, “Abydos” II, 53C من عهد «أمنحتب الثالث».
١٣١  راجع: Davies, “El Amarna”, Vol. IV, p. 21.
١٣٢  راجع: Ibid, V, Pl. IV.
١٣٣  تحوتي (راجع Urk. IV, p. 999). من عهد «تحتمس الثالث»، وكان يحمل الألقاب التالية: كاتب الملك الحقيقي، المشرف على البلاد الأجنبية الشمالية والمشرف على الحامية والقائد.
١٣٤  بتاح معي (راجع “Rec. Trav.” X, p. 150). من عهد «تحتمس الرابع» ويحمل الألقاب التالية: كاتب الفرعون وقائد رب الأرضين.
١٣٥  أمنحتب (راجع Champollion, “Not. Desc.”, I, p. 161). ويحمل لقب قائد جيش الأرضين.
١٣٦  با آتون محب (راجع Davies, “El Amarna”, V, p. 15, Pl. XIII). من عهد أمنحتب الرابع، ويحمل الألقاب التالية: كاتب الفرعون وقائد رب الأرضين، ومدير الأعمال في إختاتون ومدير البيت.
١٣٧  راجع: A. Z., P. LXVII, p. 78.
١٣٨  راجع: Erman, A. Z., XXXIII, p. 32; A. Z., LX, p. 56.
١٣٩  راجع كتاب الأدب المصري القديم، جزء الأول، ص٣٧٨–٣٩٥.
١٤٠  راجع: Gardiner and Peet, “Sinai”, No. 59.
١٤١  راجع: Ibid, No. 196.
١٤٢  ثم لُقب بهذا اللقب «حور محب» في عهد تحتمس الرابع (مدير مباني آمون) لا بوصفه كاتب المجندين، بل بوصفه مدير كهنة كل الآلهة.
١٤٣  راجع: Davies, “El Amarna” V, Pl. I.
١٤٤  راجع: Ibid, V, p. 15.
١٤٥  راجع: A. Z. LXVII, p. 78.
١٤٦  راجع: Brit. Mus. No. 463.
١٤٧  راجع: Louvre C. 140–142; “Rec. Trav.”, IV, p. 132.
١٤٨  راجع: Davies, “El Amarna”, V, p. 4, Pl. IV.
١٤٩  راجع: Breasted, A. R. II, § 851–55ff.
١٥٠  راجع: Urk. IV, p. 91.
١٥١  وقد كان رجال سلاح العربات والرجالة معسكرين في الصحراء الواقعة بجوار «منف» للتمرن على الأعمال الحربية (اقرن المناظر التي تُدرب فيها الجنود بالتي نشاهدها على جدران مقبرة الصائغ «إبوي») Quibell, “Excavations at Sakkara”, VIII, Pl. XII.
١٥٢  راجع: Borchardt, “Statuen und Statuetten”, 779; “Rec. Trav.”, XXVIII, p. 177; XXIX, 225–6.
١٥٣  راجع: Carter, “Tomb of Tutankhamon”, Pl. III, p. 121.
قد يجوز أن هذا القائد هو نفس الأمير والكاهن «سم» والكاهن الأكبر للإله «تحوتي مسو» الذي عُثر على قبره في «منف»، ويحتمل أن يكون ابن «أمنحتب الثالث» (؟). اقرن بذلك ما ذكره «دارسي» “Rec. Trav.”, XIV, p. 174 وما جاء في J. E. A., XIV, p. 83 وفي A. Z., LXVII, p. 8.
١٥٤  راجع: Davies, “El Amarna”, V, p. 15.
١٥٥  راجع: Ibid. V, p. 1.
١٥٦  راجع: Legrain, “Statues”, No. 42127.
١٥٧  راجع: Louvre, C. 203.
١٥٨  راجع: “Mitt. Deutsch. Inst. Kairo”, VI, p. 38.
١٥٩  راجع: Davies, “El Amarna”, V, p. 21, 22.
١٦٠  راجع: Ranke, A. Z., LXVII, p. 78.
١٦١  راجع: “Rec. Trav.” IV, p. 132.
١٦٢  راجع: Pap. Harris I, 61a, 12; 61b, 1-2; “Kees”, A. Z., LXXIII, p. 86; A. S., XI, p. 172 (XIX Dynasty).
١٦٣  راجع: Bouriant, “Mem. Miss. Arch. Franç.” V, p. 413-434.
١٦٤  راجع: Davies, Amarna, V, p. 28ff. Line 20, 21; A. Z. LV, p. 4.
١٦٥  راجع: Davies, Amarna, V, p. 28ff. Line 20, 21; A. Z. LV, p. 4.
١٦٦  راجع: A. Z., LXVII, p. 7; LXXII, p. 68.
١٦٧  راجع: A. Z., LXXIII, p. 60.
١٦٨  راجع: A. Z., LXVII, p. 7
١٦٩  راجع: Weil, “Die Veziere des Pharaonen reiches”, p. 86.
١٧٠  راجع: Gardiner and Weigall, “Topographical Catalogue of the Private Tombs at Thebes”, p. 38, No. 241.
١٧١  وقد فحص هذا اللقب بعض العلماء (راجع Bergmann, “Rec. Trav.” XII, p. 11-12; Lefebure, P. S. B. A., XIII, p. 458; Loret, P. S. B.A., XIV, p. 205; Gardiner, P. S. B. A., XXXIX, p. 32; Gauthier, B. I. F. A. O., XV, p. 197; XVI, p. 178).
١٧٢  راجع: Davies, “Five Theban Tombs”, p. 31; P. S. B. A., XXXV, p. 283.
١٧٣  راجع: Helck, “Der Einfluss der Militarfuhrer in der 18 Agyptischen Dynastie”, p. 34, note 4.
١٧٤  مثال ذلك «إنبني» من عهد «حتشبسوت» (Urk. IV, p. 465) و«وپن تب كاو» (راجع Holscher, “Chefren-Heiligtum”, p. 108). وكلاهما كان قائد فرسان.
١٧٥  مثال ذلك الفارس «أمنمحب» (Urk. IV, p. 899) من عهد تحتمس الثالث، وحامل العلم nbnkmt نبنكمت (راجع Urk. IV, p. 996)، وحاكم «سيلة» المسمى «نبي» (راجع Gardiner and Peet, “Sinai”, No. 59)، والفارس «باسر» (L. D., Text, III, p. 274.) من عهد «أمنحتب الثاني»، وحامل العلم «أون أرتي» Iwan-irti (راجع “Rec. Trav.”, IV, p. 136. من عهد الأسرة الثامنة عشرة).
١٧٦  ففي عهد «تحتمس الثالث» نجد الساقي «منتو أوي»  mntw iwi (المقبرة رقم ١٧٢) والساقي «نفربرت» (Cairo Mus. 42121.) وحامل المروحة «ماي حربري»  Myhrpry.
١٧٧  مثال ذلك «وسر ساتت» Wsr-satt نائب الملك في بلاد كوش من عهد «أمنحتب الثاني» (راجع “Rec. Trav.” XXXIX, p. 192.) وحاسب الخبز «وسرحات» من عهد أمنحتب الثاني أيضًا (المقبرة رقم ٥٦).
١٧٨  وقد ذكرنا معظمهم أثناء سردنا لحوادث ملوك هذه الأسرة.
١٧٩  راجع ما ذكرنا عن «مين» مدرب الفرعون «أمنحتب الثاني» (الجزء الرابع).
١٨٠  راجع: Pap. Turin IV, 6-7.
١٨١  راجع: Urk. IV, p. 8.
١٨٢  راجع: Davies, “The Tomb of Huy”, p. 13.
١٨٣  راجع: J. E. A., Vol. XIII, p. 193ff., line 35, 42.
١٨٤  راجع: A. Z., XVIII, p. 96 = Pap. Lansing, 9, 4–7.
١٨٥  راجع: J. E. A., Vol. VI, p. 73; Ibid. III, p. 155, 184.
١٨٦  راجع: Davies, “The Theban Tombs Series”, Vol. V, p. 27–34.
١٨٧  راجع: Knudtzon, “Die El-Amarna Tafeln”, No. 261, 8, 292, 300 etc.
١٨٨  راجع: Brit. Mus. No. 1210ff. A. Z. XXX, p. 299.
١٨٩  راجع: Urk. IV, p. 999ff.
١٩٠  راجع: Knudtzon, Ibid, No. 82, 6; 102, 105, 6; 116, 8 etc. and Steindorff, A. Z., XXXVIII, p. 15.
١٩١  راجع: Knudtzon, Ibid, No. 82, 6; 102, 105, 6; 116, 8 etc. and Steindorff, A. Z., XXXVIII, p. 15.
١٩٢  راجع: Denkschr. D. Kais. Akadem. Wien. 52. (Phil.-hist. Kl.), p. 36.
١٩٣  راجع: Pap. Sallier I, 7, 4.
١٩٤  راجع: Kadesh records in Abu Simbel.
١٩٥  راجع: Davies, “El Amarna”, VI, p. 17-18.
١٩٦  راجع: Gardiner, “Inscriptions of Mes”, p. 7.
١٩٧  راجع: Urk. IV, p. 999.
١٩٨  راجع: Urk. IV, p. 656.
١٩٩  راجع: A. Z., LXIV, p. 95, Grabstein Berlin. Inschr. II, 176.
٢٠٠  راجع: Urk. IV, p. 974; Urk. IV, p. 32, Ibid, p. 955, p. 528.
٢٠١  مثال ذلك «سن نفر» وزير المالية السابق الذكر، و«مين» الذي عاصر «تحتمس الثالث» (A. Z., LXIII, p. 114.)، و«بتاح مسو» الذي عاصر أمنحتب الثالث Schiaparelli, “Cat. Florence” p. 207.
٢٠٢  راجع: Cone funeraire 124.
٢٠٣  راجع: Urk. IV, p. 464.
٢٠٤  راجع: Piehl, “Recueil”, I, p. 116. 1.
٢٠٥  راجع: Urk. IV, p. 990.
٢٠٦  راجع: Urk. IV, p. 897.
٢٠٧  راجع: Urk. IV, p. 1021–5.
٢٠٨  راجع: Gardiner and Peet, “Sinai”, No. 59.
٢٠٩  راجع: Cone funeraire 123–4A. S., I, p. 106.
٢١٠  راجع: Urk. IV, p. 399.
٢١١  راجع: Davies, “The Tomb of Kenamon”, Pl. LIV.
٢١٢  راجع: Helck, “ner Eidfluss der Militarfuhrer in der 18. Agyptischen Dynastie”, p. 43–48؛ حيث نجد قائمة بأسماء الرجال الذين تقلدوا وظيفة المدير العظيم لبيت الفرعون. وقد جاء ذكر معظمهم فيما سبق.
٢١٣  وهذا الموقف يذكرنا بعلاقة وزير المالية في عهد البطالمة بمرءوسه Idios Logos الذي كان يعمل بمثابة أمين صندوق الفرعون الخاص.
٢١٤  راجع: Davies, “Tomb of Kenamon”, Pls. XI, XXIV; Amonhotep. Urk. IV, p. 455–64; Amenemhat Swrr; Borchardt, “Allerhand Kleinigkeiten” Blatt 11, Tnwna; Champollion, “Not. Desc.”, I, p. 481.
٢١٥  راجع: Davies, Ibid. Pls. XXVIff. urk IV, 458; Wresz I, 244.
٢١٦  راجع: Glanville, A. Z., LXVI, p. 105; LXVIII, p. 7ff.
٢١٧  راجع: Glanville, A. Z., LXVI, p. 105; LXVIII, p. 7. 28–30; “Revue de l’Egypte Ancienne”, I, p. 215.
٢١٨  راجع: Urk. IV, p. 1021.
٢١٩  راجع: Davies, “The Tomb of Thotmes IV”, Pl. XXXIV, J. E. A. XIV, P. III; L. D. Text IV, p. 45.
٢٢٠  راجع: A. Z. LXVI, p. 106.
٢٢١  راجع: A. S., IV, p. 132.
٢٢٢  راجع: Berlin Statue, Vs, line. 25, The American Journal of Semetic Languages and Literatures”, XLIV, p. 52.
٢٢٣  راجع: Turin Statue, line 5.
٢٢٤  راجع: Davies, “The Tomb of Kenamun”, Pl. VIII, line 2.
٢٢٥  راجع: “Rec. Trav.” XI, p. 157.
٢٢٦  راجع: Davies, “El Amarna”, VI, p. 7–14.
٢٢٧  وسنشرح ذلك فيما بعد.
٢٢٨  راجع: Davies, Ibid. Pl. XIX.
٢٢٩  راجع: Davies, “The Tomb of Harmhabi and Tutankhamon”, p. 8ff.
٢٣٠  راجع: Knudtzon, “El Amarna Taflen”, Nos. 158, 164, 167.
٢٣١  راجع: M. M. A. (Jan. 1937) p. 37.
٢٣٢  راجع: P. S. B. A., XXXV, Pl. 53.
٢٣٣  هذا خلافًا لما قاله وتلك (راجع M. M. A. (Feb 1928)).
٢٣٤  راجع: “Mem. Miss. Arch. Franç.” V, p. 224 (Tomb No. 85); Urk. IV, p. 889ff; Stela. “Brit. Mus. Stelae”, VII 23; Cone. Funeraire Paris Bibl. Nat. 1337; Stuhlfragm. Munchen 487; Sethe, A. Z., XLIV, p. 87.
٢٣٥  راجع: Porter and Moss, “Bibliography”, I, p. 182; Wegner, Mitt. Deutsch. Inst. Kairo”, IV, Pls. 28a, 29a?.
٢٣٦  راجع: Mem. Miss. Arch. Franç, V, p. 287.
٢٣٧  راجع: Bapyrus (Munchen), A. Z., LXIII, p. 105.
٢٣٨  راجع: A. Z., 63, p. 105.
٢٣٩  راجع: Wreszinski, “Atlas”, I, Pl. 94.
٢٤٠  راجع: Ibid, Pls. 280, 281.
٢٤١  راجع: Urk. IV, p. 911; Mem. Miss. Arch. Franç., V, p. 289.
٢٤٢  راجع: Wreszinski, “Atlas”, Pl. 186.
٢٤٣  راجع: Harmhebdekret B. 8 a–8.
٢٤٤  راجع: Ibid. line 16.
٢٤٥  راجع: Urk. IV, p. 912.
٢٤٦  راجع: Davies, “El Amarna”, IV, Pl. XXIV.
٢٤٧  راجع: Horemhebdekret line 25, 28.
٢٤٨  راجع: Vierey, “Mem. Miss. Arch. Franç.”, V, p. 8, 216.
٢٤٩  راجع: Davies, “Tomb of Two Officials”, PP. 19–38, Pls. XIX–XXXVIII.
٢٥٠  راجع: Davies, “El Amarna”, IV, p. 12–18.
٢٥١  راجع: Quibell, “Excavations at Sakkara”, (1907-8), Pl. LXXXI, (XIX, Dynasty).
٢٥٢  راجع: Davies, “The Tomb of Menkheperra snob”, Pl. IX.
٢٥٣  راجع: Cairo Mus. No. 1442.
٢٥٤  راجع: J. E. A., II, p. 5.
٢٥٥  راجع: Kees, “Kulturgeschichte”, p. 255.
٢٥٦  راجع: A. Z., XLIII, p. 40.
٢٥٧  راجع: Pap. Anastasi V, 25, 3.
٢٥٨  راجع: Pap. Abbot I, line 9ff.
٢٥٩  راجع: J. E. A., XIII, p. 30, Pl. XV, 15.
٢٦٠  راجع: Davies,“Tomb of Two Officials”, p. 29.
٢٦١  راجع: Davies, “El Amarna”, IV, Pls. XXIV, XXVI.
٢٦٢  راجع: Pap. Abbot III, p. 22.
٢٦٣  راجع: Urk. IV, p. 994.
٢٦٤  راجع: Davies, Ibid. IV, Pl. XVII.
٢٦٥  راجع: Davies, “Tomb of Two Officials”, Pl. XXI.
٢٦٦  راجع: Davies, El Amarna, IV, Pl. XXII.
٢٦٧  راجع: Ibid. IV, Pl. XXVI.
٢٦٨  راجع: Ibid, Pls. XXIV–XXV.
٢٦٩  راجع: Ibid, Pl. XXVII.
٢٧٠  راجع: Davies, “El Amarna”, IV, Pl. XXIV.
٢٧١  راجع: A. Z., XLII, p. 9, lines 19-20.
٢٧٢  راجع: “Alt Volker und Staaten”, p. 33. Kees, “Kulturgeschichte”, p. 235, Bissing, “Archiv fur Orient Frschung”, 11, p. 325.
٢٧٣  راجع: Urk, IV, p. 3; Scarab Thothmes I, Newberry, “Scarabs”, Pl. XXVII, 4.
٢٧٤  لوحة «كرنارفون» التي سبق ذكرها في الجزء الرابع (راجع أيضًا J. E. A., III, p. 106, line. 16.)؛ حيث تجد على ما يظهر ذكر عربات حرب معادية في عهد «كامس». وإذا كانت كلمة «سنن» تعني حرب العربات فإن ذلك يدل على أنه كانت قد تكونت فرقة خيالة في عهد «تحتمس الأول» (راجع Berlin Mus. No. 14994)، وكذلك يظهر أنه قد ذُكرت أعلام خيالة في عهد «حتشبسوت» (راجع Wresinski, “Atlas”, I, Pl. 94b).
٢٧٥  راجع: Wegner, “Mitt Deutsch. Inst: Kairo”, IV, p. 80ff; Klebs, III, p. 73.
٢٧٦  راجع: Wegner, ibid. p. 66.
٢٧٧  خشب من السودان في عهد حتشبسوت (راجع Urk, IV, p. 457). وخشب من بلاد النهرين (راجع Davies, “Tomb of Kenamon”, Pl. XXII).
٢٧٨  راجع: M. M. A. (Jan. 1937) p. 10. 15, fig. 17.
٢٧٩  راجع: Davies, “El Amarna”, VI, Pls. XVII–XVIII حيث نقرأ لقب المشرف على الخيل
M. M. A. (Jan. 1937) Y. 10, 15, fig. 17.
٢٨٠  راجع: Helek, “Der Einfluss der Militarfuhrer in der 18 Agyptischen Dynastie”, p. 59–67.
٢٨١  راجع: Urk. IV, p. 1176–90.
٢٨٢  راجع: Pap. Anastasi III, 6, 7-8.
٢٨٣  راجع: Pap. Anastasi III, 6, 7-8.
٢٨٤  كان الفرعون يعتني بخيله (Ibid. 6, 5).
٢٨٥  راجع: Pap. SallierI, 7, 2–4.
٢٨٦  راجع: Pap. Bologne 1094, 28–31. Pap. Sallier; I, 9, 2–9.
٢٨٧  راجع: Pap. Bologne 1094, 3, 1–3.
٢٨٨  راجع: Pap. Koller I, 1.
٢٨٩  Griffith J. E. A. XIII, p. 183ff.
٢٩٠  راجع: Tamb 92 (W. B. Theb. Grab 972 Abschrift 310, 89 Con. Fun. 123); A. S. I, p. 106-107.
٢٩١  راجع: Con. Funeraire No. 124.
٢٩٢  راجع: Urk. IV. p. 996-997.
٢٩٣  راجع: Petrie, “Sedment”, II, Ph. LII.
٢٩٤  راجع: Davies, “The Tomb of Huv”, Pl. XI.
٢٩٥  راجع: Davies, “The Tomb of Menkheperrasonb”, PP. 27–34.
٢٩٦  راجع: Davies, “The Tomb of Huy”, Pl. XI «ثر» بن «حوي» نائب الملك في بلاد «كوش».
٢٩٧  راجع: Brugsch, “Thesaurus” p. 1242.
٢٩٨  راجع: Peet City of Akhenaton I, Pl. 9, 3.
٢٩٩  راجع: Rev. D’assyr. 19, 100; 31, 126.
٣٠٠  راجع: Helk, Ibid p. 65.
٣٠١  راجع: Mariette etudes egypt II, 1ff. Line 17-18.
٣٠٢  راجع: Selim Hassan Poême de Pentauer. Line 25.
٣٠٣  راجع: Urk. LV, p. 897.
٣٠٤  راجع: Davies, Two Officals; Pl. 26.
٣٠٥  وهؤلاء المرضعات كان بعضهن معلومًا أزواجهن وأولادهن وبعضهن لم نعرفه حتى الآن، وأهم أولئك المرضعات:
  • «رعي» مرضعة الملكة «أحمس نفرتاري» Urk. IV. p. 77-78.
  • «تتي حمت» مرضعة الملكة «أحمس نفرتاري» J. E. A. XI, p. 14.
  • «إن» المرضعة العظيمة لربة الأرضين «حتشبسوت» Urk. V, p. 241.
  • «تنت إيونت» مرضعة «حتشبسوت» زوج حاكم «طيبة» «ساتب إحو» Stela, Cairo Mus. 34080.
  • «نفراعح» مرضعة «حتشبسوت» وزوجها كاتب الفرعون «بويا» وابنها «بوم وع» الكاهن الثاني للإله آمون (راجع Davies, “The Tomb of Puyemre”, Pl. XXIX).
  • «إبو» مرضعة تحتمس الثالث (؟) وابنتها الزوجة الملكية العظمى «سات أعح» Urk. IV, p. 604.
  • «تا إيونت» مرضعة تحتمس الثالث (؟) زوجها أمنمحات وابنها كاهن آمون الأول «منخبرو رع سنب» (راجع Davies, “The Tomb of Menkheperresonb”, p. 1–26).
  • «بكت» المرضعة العظيمة لرب الأرضين زوجة «أمنمحاب» نائب جيوش الفرعون وابنه رئيس أتباع جلالته «إمو» Urk. IV, p. 889–925.
  • «معنزت» مرضعة «أمنحتب الثاني» زوجها «بحوسخر» وزوجها رئيس الرماة لرب الأرضين ووكيل الفرعون، وابنها «أمنمسو» (راجع “Mem. Miss. Arch. Franç.”, V, p. 224ff).
  • «أمنمأبت» مرضعة «أمنحتب الثاني» ووالدة «قن آمون» المدير العظيم للبيت الملكي (راجعDavies, “The Tomb of Kenamon”, Pl. IX, p. 19).
  • «حناي» مرضعة «أمنحتب الثاني» (؟) وزوجها الكاهن الأول للإله «مين» المسمى «رع نب بحتي»، وابنها الكاهن الأول لآمون المسمى «مري» (راجع Lefebvre, “Grands Petres”, p. 236-7).
  • «مريت» مرضعة الملكة «تي عا» وزوجها حامل الخاتم المسمى «مين»، وابنها حامل الخاتم «سبك حتب» = (راجع A. Z, 63. p. 114).
  • «سن أم أعح»، و«سنفرت»، و«سن تاتي»، مرضعات الفرعون «أمنحتب الثاني»، وكلهن كن زوجات لحاكم المدينة الجنوبية «سن نفر» وابنة مغنية آمون «موت توي» (راجع “Rec. Trav.”. XX. p. 211–223; XXI, p. 127–133; XXII, p. 83, 97).
  • «نب كابني» مرضعة «سات آمون» بنت «أمنحتب الثالث»، وابنها «حفا نفر» كاتب معبد «أوزير» (راجع Stela, Mariette, “Abydos” II, Pl. 49, Cairo. No. 34117).
  • «تي» مرضعة «نفرتيتي»، وزوجها رئيس الخيل المسمى «آي» (راجع Davies, “El Amarna” VI, p. 16ff).
٣٠٦  راجع: Sottas Monuments Piot XXV p. 412ff. & Maspero P. S. B. A. 14, 311.
٣٠٧  راجع: Davies, “El Amarna”, II, Pls. II–IV, p. 7, 17, 26; Ibid, V, p. 5, 7 etc.
٣٠٨  راجع: Sottas, “Monuments Piot”, XXV, p. 411ff.
٣٠٩  راجع: A. S., II, p. 199.
٣١٠  راجع: Davies, “The Tomb of Menkheperrasonb”, p. 15, Pl. XIV.
٣١١  راجع: L. D. Text III, p. 261; “Mem. Miss. Arch. Franç.”, V, p. 227.
٣١٢  راجع: Davies, “El Amarna”, VI, Pl. XXIX.
٣١٣  راجع: Davies, “The Tomb of Kenamon”, Pl. IX.
٣١٤  راجع: Davies, “Tomb of Two Officials”, Pl. XXI.
٣١٥  راجع: Berlin Mus. No. 2298 (قبل عهد إخناتون).
٣١٦  راجع: Wreszinski, “Atlas”, I. Pl. 25 (من عهد تحتمس الرابع).
٣١٧  راجع: Porter & Moss I, p. 87–89. Tomb No. 56.
٣١٨  راجع: Holscher, “Hohes Tor”, Abb. 7-8, 40–42. “Work in West Thebes”, (1931-32), p. 96-97, fig. 50-51.
٣١٩  راجع: Davies, “Tomb of Neb-amun”, Pl. XXII; Wreszinski, “Atlas” I. Pl. XXV; Berlin No. 2298; Holscher, ibid, Abb, 8, Prinzessin: Wreszinski; “Atlas”, I, Pl.39.
٣٢٠  من عهد «أمنحتب الثاني» Weil. p. 79.
٣٢١  «ثنني» تزوج من «موت أري» (راجع Urk. IV, p. 1011).
٣٢٢  «كام حري إب سن» زوجة «حنت تاوي» (راجع L. D. Text. III, p. 278). «أمنحتب ساسي» زوجة «رعي» (Urk. IV, p. 1215).
٣٢٣  راجع: Cairo Mus. No. 34048; Urk. IV, p. 1119; Anthes, “Orientalistische Literaturezeithung (1931 sp. 523).
٣٢٤  «وسرحات» تزوج من «حنوت نفرت» W. B. Theb. Grab. 546 Abschr. Sethe, 8, 24.
٣٢٥  مدير ضياع زوج الإله «أحمس نفرتاري» المسمى «أحمس مسو حمعي» زوجة «نب» (راجع Weil, “Viziere”, p. 79).
٣٢٦  راجع: A. S. VI, p. 75.
٣٢٧  راجع: Urk. IV; p. 547.
٣٢٨  راجع: A. S., IV, p. 138ff.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤