أليثيا

(هيراقليطس، الشذرة السادسة عشرة)
أُطلق عليه لقب الفيلسوف المظلم،١ واشتهر هيراقليطس بهذا اللقب منذ أن كانت مؤلَّفاته لا تزال كاملة، أما الآن فنحن لا نعرف منها إلا شذراتٍ ناقصة، والمفكرون المتأخرون — مثل أفلاطون وأرسطو — والكتاب وعلماء الفلسفة اللاحقون — مثل ثيوفراسط وسكستوس أمبيريقوس وديوجينيس اللائرسي وبلوتارك — بل كذلك آباء الكنيسة المسيحيون — مثل هيبوليتوس وكليمنس السكندري وأوريجينس — يقتبسون بعض نصوص هيراقليطس التي نجدها في ثنايا أعمالهم، ولقد جمعَت هذه النصوص والشذرات، وكان لعلماء فقه اللغة (اليونانية) والباحثين في تاريخ الفلسفة أكبر الفضل في جمعها، وتتألَّف هذه الشذرات في بعض الأحيان من عدة جمل، وفي بعضها الآخر من جملة واحدة، وقد لا تزيد في أحيان كثيرة عن مزق من عبارات مبتورة أو بضع كلمات متفرقة.

إن سياق التفكير عند المفكرين والكتَّاب المتأخِّرين هو الذي يحدِّد اختيارهم لكلمات هيراقليطس وطريقتهم في اقتباسها، وهو الذي يحدد كذلك مجالَ تفسيرِهم لها، ولو تأمَّلنا مواضع هذه الكلمات من كتابات المؤلفين المتأخِّرين لما وجدْنا لهذا السبب إلا السياق الذي ضمنوه النص المقتبس، لا السياق الأصلي الذي استخرجوها منه؛ ومِنْ ثَمَّ فإن النصوص المقتبسة والمواضع التي وردَتْ فيها لن تقدِّم لنا الجانب الأساسي من تفكير هيراقليطس، أي الوحدة العضوية التي تعتمد عليها البنية الداخلية لمؤلفاته، والنظرة المتأنية في هذه البنية هي الكفيلة بالكشف عن المصدر الذي انبثق منه حديث الشذرات المتفرِّقة، وهي الكفيلة أيضًا بأن تدلَّنا على المعنى الذي نفهم به صوت كل شذرة منها على حِدةٍ، ولما كان من العسير علينا أن نَحدِس بذلك المركز الذي نبعت منه كتابات هيراقليطس واستمدَّت منه وحدتها، وكانت صعوبة التفكير في هذا المركز تزداد يومًا بعد يوم، فنحن أولى بإطلاق لقب «المظلم» على هذا المفكر وأحقهم بأن يبدو في أعينهم مظلمًا، بل إن المعنى الحقيقي الذي ينطوي عليه هذا اللقب يظل هو نفسه على غموضه وظلامه بالنسبة إلينا.

يوصف هيراقليطس «بالمظلم»،٢ غير أنه هو المنير، ذلك أنه ينطق عن المنير عندما يحاول الإهابة بظهوره (وتجلِّيه) في لغة الفكر، إن المنير لَيبقى، بقدر ما ينير، ونحن نسمِّي نوره الإنارة، وعلينا أن نتفكَّر فيما يتَّصل بها وينتمي إليها، كما نتفكَّر في طريقة حدوثها والمكان الذي تتم فيه، إن كلمة «المنير» تدل على ما يُضيء ويشعُّ ويسطع، والإنارة هي التي تكفل الظهور، وهي التي تمنح الظاهر حرية الظهور، والحرية٣ هي مجال اللاتحجُّب (أو التكشُّف)، والكشف (أو اللاتحجب) هو الذي يدبِّر أمره، وعلينا بعد أن نسألَ عمَّا ينتمي بالضرورة لهذا الكشف، ونرى إن كان التكشُّف (اللاتحجب) والإنارة هما نفس الشيء.
لن يغنينا الرجوع إلى معنى كلمة «اليثيزيا»٤ شيئًا ولن نجني منه ثمرة، ولا بد أيضًا من التريُّث قبل أن نُقرِّر إن كان ما نفهمه عادةً من «الحقيقة» و«اليقين» و«الموضوعية» و«الواقع» يرتبط أدنى ارتباط بما يُشير إليه تكشُّف (لاتحجُّب) الفكر وإنارته، لعل الفكر الذي يتبع مثل هذه الإشارة أن يُستشكل عليه أمر أجلُّ وأسمى من تأكيد الحقيقة الموضوعية كما تؤخذ على معنى العبارات (أو القضايا) الصادقة، ما السر في ذلك التسرُّع الذي يدفع البعض دائمًا إلى نسيان الذاتية التي ترتبط بكل موضوعية؟ وما الذي يجعلهم، كلما لاحظوا هذا الارتباط بينهما، يحاولون تفسيره بالاعتماد على أحد طرفَيْه أو بإضافة طرف ثالث يمكنه الجمع بين الموضوع والذات؟ ولماذا يأبَوْن في عناد أن يتصوَّروا مرةً واحدةً إمكان أن يعلن الارتباط بين الذات والموضوع عن ماهيته في ذلك الذي يضمن ماهية الموضوع وموضوعيتَه، وماهية الذات وذاتيتها، أي يضمن قبل ذلك المجال الذي تتحقَّق فيه علاقتهما المتبادلة؟ إن المشقة التي نكابدها من التفكير في هذا «الضامن» قبل أن تتيسَّر لنا القدرة على التطلُّع إليه لا ترجع إلى قصور الفهم السائد، ولا إلى الضيق بالنظرة الرحبة التي تقلق المألوف وتزعج المعتاد الذي درجْنا عليه، فالأولى من هذا أن نُرجِّح سببًا آخر.

فنحن نعرف أكثر ما نطيق، ونتسرَّع في الاعتقاد تسرُّعًا لا يتيح لنا أن نجرِّب السؤال ونسكن إليه، ذلك أن هذه التجربة وهذا السكن في أشدِّ الحاجة إلى القدرة على الاندهاش من البسيط والاطمئنان إلى هذا الاندهاش كما يطمئنُّ المرء إلى وطنه وبيته.

وطبيعي أن هذا البسيط لن يقدم لنا بمجرد ترجمة كلمة «اليثيزيا» ترجمة ساذجة تعبِّر عن معناها الحرفي أو تردد أن هذا المعنى هو «اللاتحجب»، إن اللاتحجب هو الطابع الأساسي الذي يميز ذلك الذي تمكن من الظهور بالفعل وترك التحجب أو الخفاء وراءه، وهذا هو معنى الحرف a الذي بدأ به الكلمة، وهو الحرف الذي وصفه علم النحو أو القواعد في مرحلة متأخرة من مراحل الفكر اليوناني بأنَّه الألف a السالبة أو النافية، إن العلاقة «بالليثيه»٥ أو التحجب وبهذا التحجب نفسه لن تفقد وزنها إن نحن اقتصرْنا على تجربة اللامتحجب تجربةً مباشرةً وفهمناه بمعنى الظاهر أو الحاضر أو الكائن.
إن الاندهاش لا يبدأ إلا بالسؤال عن معنى هذا كله والطريقة التي تم بها، ولكن كيف يمكننا الوصول إليه؟ أيكون ذلك بالإقبال على نوع من الاندهاش الذي يتطلَّع إلى ما نصِفُه بالإنارة والكشف؟٦ إن اندهاش الفكر يعبِّر عن نفسه بالسؤال، يقول هيراقليطس: «كيف يتسنى لامرئ أن يحجب نفسه عما لا يغيب أبدًا؟»٧
وعبارة هيراقليطس السابق تعدُّ الشذرةَ السادسة عشرة من شذراته الباقية، ولعلها تستحقُّ أن تكون الشذرة الأولى، نظرًا لمنزلتها من الشذرات الأخرى وقدرتها الفائقة على الإشارة والإيحاء، وقد ذكر كليمنس السكندري (من حوالي سنة ١٥٠ إلى سنة ٢١٥ بعد الميلاد) هذه العبارة في كتابه «المربي»٨ لتأييد إحدى أفكاره اللاهوتية والتربوية، فهو يستشهد بشذرة هيراقليطس ويقدِّم لها قائلًا: «ربما استطاع إنسان أن يتخفَّى بعيدًا عن النور المدرَك المحسوس، ولكن من المستحيل عليه أن يفعل ذلك مع النور الروحي، أو كما يقول هيراقليطس»٩ (المربي، الكتاب الثالث، الفصل العاشر).
وكليمنس السكندري يقصد بهذه العبارة أن الله محيط بكل شيء، مطلع على كل ما يفعله الإنسان، لا تخفى عليه خطيئةٌ ارتكبها في الظلام؛ لهذا نجده يقول أيضًا في موضع آخر من كتابه السالف الذكر: «ولهذا لن يسقط إنسان، حرص على أن يرعى الله، في كل فعاله»١٠ (الكتاب الثالث، الفصل الخامس)، من ذا الذي يمكنه أن يمنع كليمنس السكندري من وضع عبارة هيراقليطس في سياق التصور المسيحي وفقًا لأهدافه اللاهوتية والتربوية وبعد انقضاء سبعة قرون عليها؟ ومن ذا الذي يمكنه أن يحُولَ بينه وبين تفسيرها على طريقته؟ إن هذا الرجل — الذي يعدُّ من آباء الكنيسة الأُوَل — يذكر العبارة وفي ذهنه ذلك المذنب الذي يحاول أن يتخفَّى بعيدًا عن النور (الإلهي)، أمَّا هيراقليطس فيتحدَّث عن البقاء في حالة الاحتجاب، وكليمنس يقصد النور المتعالي على عالم الحس أي إله العقيدة المسيحية،١١ أمَّا هيراقليطس فلا يذكر إلا ذلك الذي «لا يغيب أبدًا»، ولو سألنا: هل تعني «لا» التي نؤكدها في هذه العبارة نوعًا من القَصْر والتحديد، لَبقي السؤال في هذا الموضع والمواضع التالية مفتوحًا.

ماذا عسى أن نستفيد من رفض التفسير اللاهوتي لهذه الشذرة بحجة أنه تفسير خاطئ؟ ربما تصور البعض أننا نريد من وراء الملاحظات التالية أن نزهو بتقديم تفسير صحيح مطلق لنظرية هيراقليطس، ولكننا في الواقع سنقصر كل جهودنا على البقاء بالقرب من كلمة هيراقليطس التي تنطق بها عبارته السابقة، فلعل هذا أن يُسهم في هداية فكر يأتي في المستقبل إلى أفق نداء لم يُسمع صوته بعد.

ولما كان هذا النداء يصدر عن الوعد الذي يخضع له الفكر ويلتزم به، فليس المهم هنا أن نقيم ونوازن لنعرف من هم المفكرون الذين اقتربوا من هذا النداء ولا مدى اقترابهم منه، بل الأولى من ذلك أن نوجِّه كل جهودنا إلى محاولة الاقتراب من مجال ذلك الذي يستحق مِنَّا عناء التفكير فيه، من خلال الحوار الذي نُقيمه مع مفكر قديم.

إن أصحاب النظر والبصيرة يعلمون أن هيراقليطس يتحدث إلى أفلاطون على نحو يختلف عن حديثه إلى أرسطو أو أحد آباء الكنيسة أو هيجل أو نيتشه، ومن تمسك بهذه التفسيرات التاريخية المتنوعة، فسيجد نفسه مضطرًّا إلى اعتبارها تفسيرات تتفاوت صحتها على قدر علاقتها بهذا المفسر أو ذاك، وسيجد أن هذا التنوُّع في التفسير سيهدِّده بمواجهة شبح النسبية المفزع، ما السبب في هذا؟ لأن الخطأ التاريخي الذي تنطوي عليه هذه التفسيرات يكون في هذه الحالة قد تخلَّى عن الحوار المتسائل مع المفكر، بل لعله ألَّا يكون قد دخل بالمرة في مثل هذا الحوار.

إن الوجه الآخر لكل تفسير يقدم لتفكير المفكر عن طريق الحوار معه إنما هو علامة خصوبة لم تقل أو لم يعبر عنها، مطوية في ذلك الذي لم يستطع هيراقليطس نفسه أن يقوله (أو يعبر عنه) إلا عن طريق النظرات التي قيضت له وحده، وكل محاولة لتعقب نظرية هيراقليطس الموضوعية الصحيحة لن تخرج عن كونها محاولةً تبتعد بنفسها عن ذلك الخطر المبارك الذي يُصيب الإنسان حين تُصيبه حقيقة فكر ما.

والملاحظات التالية لا تؤدِّي إلى أية نتيجة، إنها تكتفي بالإشارة إلى الحدث.

صيغت عبارة هيراقليطس على شكل سؤال، والكلمة التي ينتهي بها هذا السؤال انتهاءَه إلى غاية (التيلوس)١٢ تسمي ذلك الذي يبدأ منه السؤال نفسه، إنه المجال الذي يتحرَّك فيه الفكر، والكلمة التي يرتفع نحوها السؤال هي «لاثوي»١٣ هل هناك أيسر من القول بأن «لانثانو»١٤ (اختفى وتحجب) والماضي الناقص منها (الاثون) تعني أنني أظل مخفيًّا أو محتجبًا؟ ومع هذا كله فنحن لا زلنا عاجزين عن الوصول إلى المعنى المباشر الذي نُطقت به هذه الكلمة.
يروي لنا هوميروس (الإلياذة، النشيد الثامن، البيت ٨٣ وما بعده) كيف كان أوديسبوس يستمع إلى المغني ديمودكوس وهو يترنم بأغنياته الحزينة وأغنياته المرحة في بلاط ملك «الفاقيين»، وكيف كان يُخفي رأسه في كل مرة ويبكي دون أن يلحظه الحاضرون، يقول البيت الثالث والتسعون من هذا النشيد ما ترجمته: «عندئذٍ ذرف الدموع، دون أن يلحظه الآخرون جميعًا.»١٥ غير أن ترجمة «فوس»١٦ أكثر اقترابًا من القول اليوناني؛ لأنها تنقل الفعل الهام «أخفى» (الانثاني)١٧ إلى اللغة الألمانية: «أخفى الدموع المتساقطة عن بقية الضيوف.» ولكن «الانثاني» ليست فعلًا متعديًا وإنما تعني أنه «ظل مخفيًّا أو محتجبًا» أي من حيث هو إنسان يذرف الدموع، والبقاء مخفيًّا أو محتجبًا هو الكلمة الأساسية في اللغة اليونانية، أمَّا اللغة الألمانية فتقول: «بكى دون أن يلحظه الآخرون.» وبهذا المعنى أيضًا تُترجم عبارة أبيقور المعروف «لاثي بيوزاس»١٨ (عش في الخفاء)، أما معناها الأصلي كما فكر فيه اليونان فهو «ابق-بوصفك ذلك الذي يحيا حياته مخفيًّا أو محتجبًا»، والخفاء أو التحجُّب هو الذي يحدِّد هنا أسلوب كينونة الإنسان — (أو حضوره) — بين الناس، واللغة اليونانية تكشف بطريقة قولها عن أن التحجُّب (التخفي)، أي البقاء في التحجب والخفاء، أسلوب في الكينونة (أو الحضور) يفوق جميع الأساليب الأخرى، والخاصية الأساسية للكينونة نفسها تتحدَّد عن طريق البقاء في «حالة» الخفاء أو حالة اللاتحجب، ولسنا بحاجة للرجوع إلى اشتقاق كلمة «اليثيزيا» — وهو اشتقاق قد يبدو ظاهر المرونة — لكي نعرف أن كينونة الكائن (أو حضور الحاضر) لا تعبِّر عن نفسها في اللغة إلا من خلال الظهور، والتبدِّي، والإفصاح عن النفس، والحضور، والوجود، والانبثاق، والمظهر، وما كان لهذا كلِّه أن يتَّسقَ ويتناغمَ في ثنايا الوجود اليوناني واللغة اليونانية لو لم يكن البقاء في التحجُّب أو اللاتحجُّب هو الخاصية السائدة التي لا تحتاج إلى التعبير عن نفسها في اللغة؛ لأن هذه اللغة نفسها تصدر عنها.

والتجربة اليونانية تنظر إلى أوديسيوس بما يتفق مع وجهة النظر هذه، فهي لا تعُدُّ الضيوف الحاضرين بمثابة ذوات تتصور أوديسيوس الباكي من خلال مسلكها الذاتي، وكأنه موضوع لا تُدركه، بل الأولى من ذلك أن نقول إن التجربة اليونانية تتصوَّر أوديسيوس الباكي وقد أحاط به التحجُّب (الخفاء) فتعذر على الحاضرين أن يرَوْه، إن هوميروس لا يقول إن أوديسيوس حجب دموعه، والشاعر القديم لا يقول كذلك إن أوديسيوس الباكي قد حجب نفسه، وإنما يقول إن أوديسيوس بقي محجوبًا، ولا بد لنا من معاودة التأمُّل في هذه الواقعة، مهما تعرَّضنا لخطر الوقوع في التزيُّد والفضول، فبغير التبصُّر المتأني بهذه الواقعة يظل في نظرنا تفسير أفلاطون للكينونة (الوجود أو الحضور) بأنها مثال (إيدايا) نوعًا من التعسف أو الصدفة.

بَيْدَ أن هوميروس يقول في بيت متقدم على الأبيات التي اقتبسناها في السياق السابق (وهو البيت السادس والثمانون) ما ترجمته (على لسان «فوس» وفقًا لأسلوب اللغة الألمانية في التعبير): (أخفى أوديسيوس رأسه) «حتى لا يلمح الفاقيون الجفون الدامعة»،١٩ لكن فوس لا يترجم الكلمة الأساسية «أيديتو»،٢٠ فأوديسيوس قد خجل وغلب عليه الحياءُ من أن يبدو باكيًا يذرف الدموع أمام الفاقيين، أليس من الواضح أن هذا يساوي القول بأنه أخفى (حجب) نفسه خجلًا أو حياءً من الفاقيين؟ أم أن علينا أن نفكِّر في الخجل (أيدوس)٢١ من ناحية البقاء في التحجب، إذا حاولنا أن نقترب من ماهيته التي جربها اليونان؟ لو صحَّ هذا لكان معنى «الشعور بالخجل» هو شعور المرء بالأمان والبقاء متخفيًا (أو متحجبًا) في ظل الرجاء والتماسك.
من هذا المشهد الذي صوَّر فيه الشاعر اليوناني أوديسيوس وهو يبكي في الخفاء يتبيَّن لنا كيف جرب الشاعر كينونة الكائن، وهي معنى الوجود الذي أصبح قدرًا قبل أن يُتاح التفكير فيه، إن الكينونة (أو الحضور) هي التحجُّب الذي يغمره النور: هذا التحجُّب يناسبه الخجل، والخجل هو التخفِّي المتهيب أمام اقتراب الكائن (ساعة كينونته)، وهو طيُّ هذا الكائن في القرب المصون٢٢ لذلك لا ينفكُّ في (حالة) حضور، هذا الحضور الذي يظلُّ (بدوره) تحجبًا متزايدًا، وهكذا ينبغي علينا أن نفكِّر في الخجل وكل ما هو قريب منه رفيع الشأن على ضوء البقاء في التحجُّب.
وهكذا ينبغي علينا أيضًا أن نُهيئ أنفسنا لاستعمال كلمة يونانية أخرى — تنتمي للجذر «لاث» — بطريقة تنمُّ عن قدر أكبر من التأمل وإمعان الفكر، والكلمة هي «أبيلانثانسناي».٢٣ ونحن نُترجمها في العادة ترجمةً صحيحة «بالنسيان»، وتصور لنا هذه الدقة المعجمية أن كل شيءٍ على ما يُرام، بل إننا لَنفعل هذا وكأن النسيان واضحٌ وضوح الشمس، وقد لا يخلو الأمر من ملاحظة عابرة يعلق بها البعض على هذه الكلمة اليونانية فيقول لنا: إنها تتضمن معنى البقاء في التحجُّب والخفاء.

لكن ما معنى «النسيان»؟

إن المتوقَّع من الإنسان الحديث — الذي يسعى جهده لكي ينسى بأقصى سرعة ممكنة — أن يعرف ما هو النسيان، ولكنه لا يعرف عنه شيئًا، لقد نسي ماهية النسيان، هذا إن كان قد تسنَّى له أن يفكِّر فيه تفكيرًا كافيًا، أي يتطلَّع بفكره إلى المجال الذي تتحقَّق فيه ماهية النسيان، والشعور القائم باللامبالاة وعدم الاكتراث بماهية النسيان لا يرجع بحالٍ من الأحوال إلى أسلوب الحياة المتعجِّلة العابرة التي نحياها اليوم، فكل ما يحدث من جراء هذه اللامبالاة إنما يلزم عن ماهية النسيان؛ ذلك أن من طبيعة هذا النسيان أن يبتعد عن نفسه أو يفلت منها لكي يغوص في قرارة تحجُّبه وتخفِّيه، ولقد جرَّب اليونان «الليثي»٢٤ أو النسيان وعرفوا أنه هو قدر الحجب والإخفاء.
يقول الفعل اليوناني (لانثانوماي)٢٥ ما معناه: إنني أبقى بالنسبة لنفسي محجوبًا — وذلك بالقياس إلى عَلاقة اللامحتجب بي، بهذا يكون اللامحتجب من ناحيته محتجبًا، كما أكون أنا أيضًا محتجبًا من ناحية علاقتي به، وهكذا يهوي الكائن (الحاضر) في التحجُّب بحيث أبقى في أثناء هذا الحجب محتجبًا بالنسبة إلى نفسي، باعتبار أنني ذلك الذي ينفلت منه الكائن، وفي نفس الوقت يحتجب هذا الحجب من ناحيته، ومثل هذا يحدث فيما نقصده عادةً بقولنا: لقد نسيت «شيئًا ما»، غير أن هذا الشيء ليس هو وحده الذي يغيب عَنَّا عند النسيان، فالنسيان ذاته يهوي في حجب (إخفاء) من ذلك النوع الذي يُوقعنا نحن أنفسنا مع علاقتنا بالمنسي في التحجُّب؛ ولهذا السبب يؤكِّد اليونان الفعل «أنا أبقى منسيًّا بالنسبة لنفسي» (إبيلانثانوماي)٢٦ في صيغة المجهول التي تُفيد المعلوم فيزيدونه حدة؛ ولهذا أيضًا لا تُطاق صفة التحجُّب الذي يقع فيه الإنسان في نفس الوقت على علاقته بذلك الذي يفلت من الإنسان عن طريقه (أي عن طريق التحجب).
هكذا يتبيَّن من أسلوب اللغة اليونانية في استخدام فعل «لانثاناين»٢٧ (الاحتجاب أو البقاء في حالة التحجُّب) استخدامًا يبرز أهميته وصدارته، كما يتبيَّن من تجربة النسيان من خلال البقاء في حالة التحجُّب، أن «لانثانو»٢٨ (أي أبقى متحجبًا) لا تدل على أسلوب من أساليب سلوك الإنسان الأخرى المتعددة، وإنما تدلُّ على الخاصية الأساسية التي يتَّسم بها مسلكه كله مما هو كائن (حاضر) أو غائب،٢٩ هذا إذا لم تكن هي الخاصية الأساسية للكينونة والغياب نفسهما.
وإذا كلمة «ليثو»٣٠ (أبقى محتجبًا) تكلمت إلينا في عبارة أحد المفكِّرين، وإذا هي٣١ جاءت بالإضافة إلى هذا في ختام سؤال فكري، فمن الواجب علينا أن نتمعَّن في هذه الكلمة بقدر ما يسعنا اليوم من صبر وتعمق وأناة.
إن كل احتجاب (أو بقاء في حالة التحجُّب) ينطوي في ذاته على علاقة بذلك الذي أفلت منه المحتجب (أو انتُزع بعيدًا عنه)، ولكنه ظل في بعض الحالات وعن طريق ذلك الحجب ميَّالًا إليه، واللغة اليونانية تضع ذلك الذي يظل المفلت أو المنتزع من خلال الحجب ميَّالًا إليه، في حالة المفعول فتقول: «حجب «الدموع المتساقطة» عن الآخرين جميعًا.»٣٢
يسأل هيراقليطس فيقول: «كيف يتسنَّى لأحدٍ أن يبقى محتجبًا؟»٣٣ ولكن عن ماذا؟ عن ذلك الذي تذكره الكلمات التي تسبق هذا السؤال وتبدأ بها عبارة هيراقليطس، الذي لا يغيب أبدًا:٣٤ و«الأحد» الذي تذكره العبارة ليس هو الفاعل الذي يعود عليه بقاء شيء ما في حالة تحجُّب، وإنما «الأحد» المذكور يوضع هو نفسه — بالقياس إلى إمكان بقائه محتجبًا — في موضع السؤال أو الإشكال، إن السؤال الذي يطرحه هيراقليطس لا يبدأ بالتفكير في التحجُّب واللاتحجُّب في علاقتهما بذلك الإنسان الذي قد نميل — بحسب التصوُّر الذي درجنا عليه في العصر الحديث — إلى وصفه بأنه حامل اللاتحجب إن لم يكن هو صانعه، فالواقع أن سؤال هيراقليطس يفكِّر — إن جاز هذا التعبير الحديث — بطريقةٍ عكسية، إنه يتفكَّر في علاقة الإنسان «بما لا يغيب أبدًا» كما يفكِّر في الإنسان من خلال هذه العلاقة.
إننا نُترجم البنية اللغوية اليونانية «تومي دينون بوتي»٣٥ بهذه الكلمات: «ما لا يغيب أبدًا»، وكأن هذا أمر بديهي واضح بذاته، ما معنى هذه الكلمات؟ ومن أين لنا أن نعرف معناها؟ ربما تبادَر إلى الأذهان أن هذا هو أول ما ينبغي علينا أن نبدأَ بالبحث عنه، ولو أدَّى بنا هذا البحث إلى البُعد عن عبارة هيراقليطس، بَيْد أننا سنعرض أنفسنا في هذه الحالة وفي سائر الحالات المشابهة إلى خطر الإسراف والشَّطَط في البحث.

ذلك أننا سنتصوَّر منذ البداية أن البنية اللغوية المذكورة قد بلغَت من الوضوح حدًّا يكفي لحَفْزنا على التوفُّر بكل ما في وسعنا على النظر إلى ذلك الذي يصفه تفكير هيراقليطس بأنه «لا يغيب أبدًا»، ولكننا لن نبعد في السؤال إلى هذا الحد، كما أننا لن نفصل فيما إذا كان من الممكن طرحُ السؤال المذكور بهذه الطريقة أو بغيرها؛ لأن محاولة الفصل في هذه القضية ستسقط من تلقاء نفسها إذا اتَّضح أن السؤال عن ذلك الذي يدعوه هيراقليطس بأنه «لا يغيب أبدًا» هو في الحقيقة سؤالٌ لا داعيَ له، كيف يتَّضح هذا؟ وكيف يمكننا أن نتجنب خطر الشطَط في السؤال؟

ليس من سبيل إلى هذا إلا إذا جرَّبْنا بأنفسنا أن البنية اللغوية السابقة «تومي-دينون-بوتي» تطرح أمام الفكر قدرًا كافيًا من القضايا التي تستحقُّ الوقوف عندها، وذلك بمجرد أن نتناولَ ما تقوله هذه البنية بالشرح والتفسير.

إن الكلمة الأساسية فيها هي «تودينون»،٣٦ وهي مرتبطة بالفعل «ديئو»٣٧ الذي يعني التدثُّر٣٨ والغوص، أما المصدر «دوآين»٣٩ فيعني الدخول في شيءٍ بحيث يغيب ويغوص فيه، كأن نقول مثلًا إن الشمس تغيب في البحر أو تغوص فيه، في مغيب الشمس،٤٠ أي قرب حلول المساء، أو الغياب في السحب،٤١ أي التلاشي وراءها، إن الغياب بالمفهوم اليوناني يتمُّ في صورة التحجُّب أو الاحتجاب.
يتضح لنا الآن — وإن يكن هذا على نحو تقريبي — أن الكلمتين الأساسيتين، الغنيتين بالمضمون، اللتين تبدأ بهما عبارة هيراقليطس وتنتهي — وهما «تودينون» (الغائب) و«لاثوي»٤٢ (البقاء في حالة التحجُّب) — تتحدثان عن شيء واحد، ومع هذا يبقى السؤال عن مغزى هذا الحديث ومدى صحته قائمًا، مهما يكن من شيء فإننا نكسب شيئًا غير قليل إذا عرفنا أن العبارة تتحرَّك في مجال الحجب حركة متسائلة، أم ترانا نقع فريسة وهم شديد بمجرد التفكير في هذا؟ يبدو الأمر كذلك في الواقع؛ لأن العبارة تذكر ذلك «الذي لا يغيب أبدًا»،٤٣ ومن الواضح أنه ذلك الذي لا يحتجب أبدًا ولا يجوز عليه الاحتجاب، إن هذا الاحتجاب مستبعد، صحيح أن العبارة تتساءل عن البقاء في (طوايا) الاحتجاب، ولكنها تضع إمكان الاحتجاب بصورة حاسمة موضع السؤال،٤٤ بحيث يشبه هذا السؤال في نهاية الأمر أن يكون جوابًا، وهذا الجواب يستبعد إمكان حالة البقاء في الاحتجاب، والعبارة المؤكَّدة لا تتحدَّث إلا في الصيغة الخطابية للسؤال: ليس في وسع أحدٍ أن يبقى محتجبًا أمام ما لا يغيب أبدًا، وهي عبارة تكاد توحي لمن يسمعها بأنها أشبهُ ما تكون بالمبدأ أو القاعدة.
ونحن لا نكاد نعدل عن انتزاع الكلمتين الأساسيتين «تودينون»٤٥ (الغائب) و«لاثوي»٤٦ (يبقى محتجبًا) بمفردهما ولا تكاد تستمع إليهما في السياق المتكامل للعبارة حتى يتضح لنا أن العبارة لا تتحرَّك على الإطلاق في مجال التحجُّب بل في المجال العكسي تمامًا، ولو أننا غيرنا بنية الكلمات وجعلناها على هذه الصورة «تومي بوتي دينون» (الذي لا يغيب أبدًا)٤٧ لاتَّضح لنا على الفور أن العبارة تتحدَّث عن ذلك الذي لا يغيب أبدًا، ولو عمدنا بعد ذلك إلى تحويل أسلوب الكلام من صيغة النفي إلى صيغة الإثبات لَاستمعنا إلى ما تصفه العبارة بأنه «لا يغيب أبدًا»، ألا وهو ذلك الذي ينفتح (أو يطلع وينمو) باستمرار، ولقد كان من الضروري أن تكون الكلمات اليونانية المعبِّرة عن هذا الوصف هي «توأثي فيئون»٤٨ (الذي ينفتح على الدوام)، ونحن لا نجد هذا التعبير عند هيراقليطس، غير أن المفكر يتحدث عن «الفيزيس»٤٩ وهي إحدى الكلمات الأساسية التي يقوم عليها الفكر اليوناني، وهكذا نكون قد وقعنا على جواب السؤال عن ذلك الذي ينفي هيراقليطس عنه الغياب.
ولكن هل تصلح الإشارة إلى «الفيزيس» (الانفتاح) أن تكون جوابًا، طالما بقي المعنى الذي تفهم به «الفيزيس» غامضًا؟ وماذا تفيدنا العناوين الرنَّانة من نوع «الكلمة الأساسية»، إذا كانت أصول الفكر اليوناني وأعماقه لا تكاد تعنينا إلا قليلًا، حتى لنلجأ إلى تغطيتها بأسماء دفعتنا الغفلة إلى استعارتها من مجالات التصوُّر الشائع؟ إذا كانت «تو-مي-بوتي-دينون»٥٠ «الذي لا يغيب أبدًا» تعني «الفيزيس»، فإن الإحالة إلى «الفيزيس» لا تبيِّن لنا ما هو ذلك «الذي لا يغيب أبدًا»، بل إن العكس هو الصحيح: «فالذي لا يغيب أبدًا» ينبِّهنا إلى التأمُّل في مدى إمكان تجربة «الفيزيس» بوصفِه الانفتاح الدائم، كما ينبِّهنا إلى كيفية هذه التجربة، ولكن ما هو هذا الانفتاح إن لم يكن هو ذلك الذي يكشف عنه (أو يُكتشف) على الدوام؟ بهذا المفهوم تتحرَّك مقالة العبارة في مجال الكشف لا في مجال الحجب.

ولكن كيف يتعيَّن علينا أن نفكِّر في مجال الكشف وفي هذا الكشف نفسه، ومن زاوية أي واقعة ينبغي علينا أن نقوم بهذا التفكير؛ بحيث لا نتعرَّض لخطر الجري وراء الكلمات وتصيُّدها؟ إننا كلما أصرَرْنا على تجنُّب النظر إلى المنفتح دائمًا، أي الذي لا يغيب أبدًا، أو تصوُّره في صورة شيء كائن (أو ظاهر حاضر) ازدادتْ ضرورة التعرُّف على ماهية هذا الذي تطلق عليه صفة عدم الغياب أبدًا.

إن الرغبة في المعرفة تستحق الثناء في أغلب الأحوال، اللهم إلا إذا انساقَت وراء العجلة والتسرُّع، ومع ذلك فقد لا نجد طريقةً نسير عليها أكثر حذرًا، هذا إن لم نقل أشد إملالًا وضجرًا، من طريقة الالتزام بكلمات العبارة «التي قالها هيراقليطس»، ولكن هل التزمنا بها حقًّا؟ أم أن التغييرَ غير الملحوظ في سياق الكلمات وترتيبها قد انحرف بنا إلى التعجُّل وأضاع علينا فرصة الانتباه إلى ما هو أهم؟ الأمر كذلك في الواقع، لقد غيرنا من ترتيب هذه الكلمات «تو-مي-دينون-بوتي» وجعلناها على هذه الصورة «تو-مي-بوتي-دينون»٥١ وترجمنا «مي-بوتي» ترجمة صحيحة ﺑ «أبدًا» كما ترجما «تو-دينون» ترجمة صحيحة «بالغائب» أو «بما يغيب»، وحين فعلْنا ذلك لم نقف عند «مي»٥٢ التي وضعت مستقلة بذاتها قبل «دينون» (الغائب أو ما يغيب)، ولا أطلْنا التفكير في «بوتي» (أبدًا) التي أخرت بعدها؛ ولهذا لم ننتبه إلى الإشارة التي لمح بها حرف النفي «مي» والظرف «بوتي» (أبدًا)، الأمر الذي كان يمكن أن يحفزنا على المزيد من التأنِّي في تفسير كلمة «دينون».
إن «مي» حرف نفي وهي مثل الحرف «أوك»٥٣ تعني «لا»، ولكن بمعنى آخر مختلف، فالحرف «أوك» ينكر على المقصود بالنفي شيئًا ما إنكارًا صريحًا، أما حرف «مي» فيضيف إلى ما يدخل في مجال نفيه شيئًا ما: منعًا، أو إبعادًا، أو وقايةً.
إن «مي-بوتي» تقول: «إنه لا أبدًا» فماذا إذا؟ ألَّا يكون٥٤ شيء إلا على ما هو عليه.
إن «مي» (لا) و«بوتي» (أبدًا) في عبارة هيراقليطس يُحيطان باﻟ «دينون» (الغائب)، والكلمة الأخيرة تعد من الوجهة النحوية اسمًا للفاعل، وقد ترجمناها حتى الآن بالمعنى الاسمي الذي يبدو أقرب المعاني إليها، وقوينا بذلك الظن القريب أيضًا بأن هيراقليطس يتحدَّث عن شيء لا يجوز عليه الغياب، ولكن الحرف والظرف النافيين «مي» و«بوتي» يتعلَّقان بالدوام (البقاء) والكينونة (الحضور) على هذا النحو أو ذاك، بهذا يكون النفي متعلقًا بالمعنى الفعلي لاسم الفاعل «دينون»، ويصدق نفس الشيء على «مي» في كلمة «ايئون»٥٥ (الوجود الثابت الباقي) في قصيدة بلرمنيدز التعليمية، والبنية اللغوية التي تتألَّف من الكلمات «تو-مي-دينون-بوتي» تقول: الذي لا يجوز عليه الغياب أبدًا.
ولو تجرَّأْنا مرة أخرى — ولو للحظة واحدة — على تغيير صيغة البنية السابقة من النفي إلى الإثبات لَتبيَّن لنا أن هيراقليطس يفكِّر في الانفتاح الدائم، وأنه لا يقصد به أي شيء يمكن أن يوصف بالانفتاح، ولا يريد به كذلك «كل» الذي يتأثَّر بانفتاح، وإنما يفكِّر في الانفتاح ويقصر تفكيره عليه وحده، والانفتاح الدائم منذ الأزل وإلى الأبد يُوصَف في كلمته التي قيلتْ بعد تفكُّر في معناها — باسم «الفيزيس» — وقد نجد أنفسنا مضطرين إلى ترجمتها «بالفتوح» وهي ترجمة غير مألوفة وإن تكن وافية بالقصد، مثلها في هذا مثل كلمة «نشوء»٥٦ الشائعة.
إن هيراقليطس يفكر في استحالة الغياب،٥٧ وإذا أخذنا هذا بالمفهوم اليوناني كان معناه استحالة الدخول في الاحتجاب، في أي مجال إذن يتحرَّك القول الذي تنطق به العبارة؟ إنه — حسب المعنى الذي يدلُّ عليه — يذكر الاحتجاب، أي استحالة الدخول فيه، والعبارة تدلُّ في الوقت نفسه على الانفتاح الدائم، والتكشُّف المتصل من الأزل إلى الأبد، والبنية اللغوية المركبة من هذه الكلمات: «تو-مي-دينون-بوتي» — أي عدم الغياب أبدًا — تعني الأمرين معًا: الكشف والحجب، لا بوصفهما حدثين مختلفين ملصقين ببعضهما البعض،٥٨ بل بوصفهما شيئًا واحدًا بعينه، ولو انتبهنا إلى هذا لحيل بيننا وبين وضع «تين فيزين»٥٩ (الانفتاح) بلا تدبُّر في موضع «تو-مي-دينون-بوتي»، أم أن هذا (التصرف) لا يزال ممكنًا، هذا إن لم يكن ضروريًّا لا غِنى عنه؟ إن صحَّت الحالة الأخيرة فلن يجوز لنا أن نقصر تفكيرنا في اﻟ «فيزيس» على معنى الانفتاح وحده، فهي في الحقيقة ليست كذلك أبدًا، إن هيراقليطس نفسه يعبِّر عن هذا تعبيرًا واضحًا لا يخلو مع ذلك من السر والغموض حين يقول في الشذرة «١٢٣» من شذراته الباقية: «فيزيس كريبتستاي فيلاي»٦٠ (إن الفيزيس تحب التخفي)، ولن نبحث هنا إن كانت الترجمة المعروفة «ماهية الأشياء تميل إلى التخفي» تتصل ولو من بعيد بمجال تفكير هيراقليطس؛ فقد لا يليق بنا أن ننسب مثل هذا المعنى الشائع لهيراقليطس، هذا بصرف النظر عن أن التفكير في «ماهية الأشياء» لم يبدأ إلا على يد أفلاطون،٦١ ولا بد لنا من الانتباه إلى شيء آخر، فالنص يذكر «فيزيس» أو الانفتاح (التكشُّف) و«كريبتستاي»٦٢ أو الحجب متجاورتين أشد التجاور، وقد يبدو هذا للوهلة الأولى أمرًا مُستغرَبًا، فإذا كانت «الفيزيس» — بوصفها انفتاحًا — تتجنَّب شيئًا أو بالأحرى تزور عن شيء، فهي تتجنَّب التحجُّب (كريتستاي) وتزور عنه، غير أن هيراقليطس يفكِّر فيهما٦٣ من جهة قربهما الشديد من بعضهما البعض، بل إنه ليؤكد هذا القرب، حين يحدِّده من خلال الفيزيس، إن التكشُّف يحب التحجب، ما معنى هذا؟ هل يسعى الانفتاح إلى التحجب؟ أين يمكن أن يوجد هذا الاحتجاب وبأي معنى من معاني «الوجود»؟ أم هل تحس «الفيزيس» في بعض الأحيان، وعلى سبيل التغيير، بميل يدفعها إلى التحجب بدلًا من الانفتاح؟ هل تقول العبارة إن الانفتاح يتحوَّل أحيانًا إلى تحجُّب، بحيث يغلب أحدهما مرة والآخر مرة ثانية؟ لا شيء من ذلك ألبتة.
فهذا التفسير يُخطئ معنى الحب «فيلاي»٦٤ الذي يجمع بين «الفيزيس» و«الكريتستاي» ويؤكِّد العلاقة بينهما، وهو قبل كل شيء ينسى أهم ما في العبارة وأَوْلاه بالتفكير، ونعني به الطريقة التي يكون بها الانفتاح على صورة الاحتجاب، وإذا جاز لنا في سياق هذا الكلام عن «الفيزيس» أن نتحدَّث عن «كينونة الماهية»،٦٥ فإن الفيزيس في هذه الحالة لا تعني «الماهية» أي «ما»٦٦ تكون عليه الأشياء، وهيراقليطس لا يذكر هذا المعنى هنا ولا في شذرتيه «١، ١١٢» اللتين يستخدم فيهما هذه الصيغة «كاتا-فيزين»٦٧ (حسب الفيزيس)، فعبارته لا تفكر في «الفيزيس» من حيث هي ماهية الأشياء، وإنما تفكر في ماهية (مفهومه كفعل) الفيزيس.

إن الانفتاح بما هو كذلك يميل دائمًا إلى الانغلاق، وفي هذا الانغلاق يبقى ذاك الانفتاح مطويًّا، وليس الكريتستاي، بوصفه تحجُّبًا، مجرد انغلاق، وإنما هو طي تبقى فيه إمكانية «تحقُّق» ماهية الانفتاح مصونة، كما ينتمي إليه الانفتاح بما هو كذلك ويتعلَّق به، إن التحجُّب يكفل للتكشف ماهيته، وفي التحجُّب يسود على عكس من ذلك مسلك الميل إلى التكشف، وماذا عسى أن يكون التحجب إن لم يتمسك باتجاهه نحو الانفتاح؟

وهكذا لا تنفصل «الفيزيس» عن «الكريتستاي»، وإنما يميل أحدهما لصاحبه، إنهما نفس الشيء، ومثل هذا الميل يمكن أحدهما من الإنعام على الآخر بماهيته الخاصة به، هذا الفضل المتبادل هو ماهية الحب (فيلاين) والمحبة (فيليا)، وفي هذا الميل الذي يؤلف بين الانفتاح والاحتجاب تكمن ماهية «الفيزيس» بكل امتلائها وخصوبتها، لهذا يمكن أن تُترجم الشذرة «١٢٣» التي تقول «إن الفيزيس تحب التحجب٦٨ على هذا النحو»: «إن الانفتاح (من خلال التحجُّب) يُنعم بالفضل على التحجُّب».

ولكننا سنظل نفكر في «الفيزيس» تفكيرًا عابرًا غير متعمِّقٍ إذا تصورنا أنها لا تخرج عن الانفتاح أو إتاحة الانفتاح، ونسبنا إليها بعد ذلك خصائص من نوع ما، وأغفلنا خلال ذلك الأمر الحاسم؛ ألا وهو أن التكشُّف لن يستبعد التحجب فحسب، بل أنه يحتاج إليه لكي يمكنه أن يُفصح عن ماهيته بوصفه تكشُّفًا، إذا فهمنا «الفيزيس» بهذا المعنى جاز لنا عندئذٍ أن نقول «تين فيزين» (حسب الفيزيس أو وفقًا له) بدلًا من «تو-مي-دينون-بوتي» (الذي لا يغيب أبدًا).

هاتان التسميتان تصفان المجال الذي تسوده العلاقة الغامضة بين الكشف والحجب، هذه العلاقة تنطوي على الوحدة التي تميز الواحد «الهين»٦٩ الذي يرجح أن يكون المفكرون الأولون قد عاينوه في ثرائه وبساطته، ثم بقي بعد ذلك مستغلقًا على المفكرين الذين جاءوا بعدهم، إن «عدم الدخول في الاحتجاب» (تو-مي-دينون-بوتي) لا يقع أبدًا في قبضة الاحتجاب ولا يتلاشى فيه، ولكنه يظل ميَّالًا إلى التحجب؛ لأنه على الدوام انبثاق من الحجب، وذلك بحكم كونه عدم الدخول في … إن الفكر اليوناني حين يعبِّر عن «ذلك الذي لا يغيب أبدًا» (تو-مي-دينون-بوتي)، إنما يعبِّر كذلك بصورة ضمنية عن التخفي أو التحجُّب (كريتستاي) وبهذا يذكر ماهية «الفيزيس» الكاملة التي تغلب عليها المحبة (فيليا)٧٠ وتضعها بين الكشف والحجب.
ربما كانت المحبة «فيليا» التي تشير إليها الشذرة «١٢٣»، والتجانس الخفي أو الانسجام غير المنظور (هارمونيا أفانيس) الذي تذكره الشذرة «٥٤» تعبيرًا عن نفس الشيء،٧١ هذا بشرط أن تظل البنية — التي يتلاحم بفضلها الكشف والحجب — هي أخفى الخفايا؛ لأنها هي التي تتيح الظهور لكل ما يظهر وتنعم به عليه.
والإشارة إلى «الفيزيس» و«الفيليا» (المحبة) و«الهارمونيا» (الانسجام) قد خففت من طابع عدم التحديد الذي جعلنا نُدرك «ذلك الذي لا يغيب أبدًا» (تو-مي-دينون-بوتي) وأتاح لنا الاستماع إلى صوته، ومع هذا فنحن نحس الآن برغبة ملحة — قد يتعذَّر علينا التحكم فيها — في التعبير الحي الملموس عن المقصود بالكشف والحجب، وذلك بدلًا من التفسير المجرد من الصور العينية والمكانية، ولكننا سنتبيَّن أننا نطرح هذه المسألة بعد فوات الأوان، لماذا؟ لأن ذلك «الذي لا يغيب أبدًا»٧٢ صفة يُطلقها الفكر (اليوناني) المبكر على مجال المجالات جميعًا، وإن كان من الضروري أن نؤكد أنه ليس جنس الأجناس الذي تتدرَّج تحته أنواع مختلفةٌ من المجالات، إنه ذلك الذي يمكن التعبير عنه بأنه أشبه بالمكان الذي يضمُّ كل ما يمكن أن ينتمي إليه، بهذا المعنى يكون مجال «ما لا يغيب أبدًا» مجالًا فريدًا استمدَّ تفرُّده هذا من رحابته الشاملة الجامعة، فكل ما يتصل بحدَثِ الكشف — إذا جرب على وجهه الصحيح — ينمو فيه نموًّا شاملًا جامعًا،٧٣ إنه هو «العيني الملموس» على الأصالة، ولكن كيف يمكن أن نتصور هذا المجال، من خلال الشروح السابقة التي تتَّسم بالتجريد، في صورةٍ عينيةٍ ملموسة؟ لن يكون لهذا السؤال ما يبرِّره إلا إذا غفلنا عن حقيقة هامة، وهي أنه لا يجوز لنا أن نتهجَّم على تفكير هيراقليطس بأوصاف من نوع «العيني» و«المجرد»، و«الحسي» و«غير الحسي»، و«العياني» و«غير العياني»، فتعودنا على مثل هذه الأوصاف التي ألفناها منذ زمن طويل لا يضمن لها الأهمية البالغة التي ننسبها إليها، فقد يتفق لهيراقليطس أن يقول كلمة تدل على شيء عياني بينما يريد في الواقع أن يفكر في شيء غير عياني بالمرة، ولعل هذا أن يوضِّح لنا أن مثل هذه الأوصاف والتحديدات لا تُسعفنا فيما نحن بصدده.
يمكننا على ضوء الشرح السابق أن نضع «الذي ينمو على الدوام»٧٤ في موضع «الذي لا يغيب أبدًا» وذلك إذا راعينا شرطَيْن، أولهما أن نفكر في «الفيزيس» من ناحية التحجُّب، وثانيهما أن نفهم «فيئون»٧٥ فهمنا لفعل (النمو)، ولو حاولنا أن نعثر على كلمة «أئي-فيئون»٧٦ (النمو الدائم) لضاعت محاولتنا سدى، ولوجدنا بدلًا منها كلمة «أئي-زوئون» (الحي أبدًا أو الحياة الدائمة) في الشذرة «٣٠»،٧٧ وفعل «الحياة» يعبِّر عن معنى يمتدُّ إلى أفق رحب، وبعدٍ أقصى، وعمق حميم، وهو نفس المعنى الذي كان يقصده نيتشه في العبارة التي دوَّنها بين سنتي ١٨٨٥م، ١٨٨٦م عندما قال: «الوجود — ليس لدينا من تصورٍ عنه سوى تصور «الحياة» — وكيف يتسنَّى لميت أن «يوجد»؟»٧٨
كيف يتعيَّن علينا أن نفهم كلمة «الحياة» إذا اعتبرناها ترجمة أمينة للكلمة اليونانية «زين»؟٧٩ إن المصدر والفعل في حالة ضمير المتكلم يتضمَّنان الجذر «زا»، وطبيعي أننا لن نستطيع التوصُّل إلى المفهوم اليوناني عن الحياة مهما بذلْنا من جهد لاستخراج معناها من هذه البنية الصوتية (زا).
ولكننا نودُّ أن ننبِّه إلى أن اللغة اليونانية — وبخاصة على لسان شاعرَيْها هيرميروس وبندار — تستخدم كلمات تبدأ بالسابقة «زا» مثل «زاثيئوس» (إلهي جِدًّا أو مُقدَّس جِدًّا) «زامينيس» (شديد أو عنيف جِدًّا) «زابيروس»٨٠ (ناري جِدًّا)، ويفيدنا علم اللغة أن السابقة «زا» تدل على التأكيد أو التشديد، ولكن هذا «التشديد» لا يقصد به الزيادة الميكانيكية ولا الديناميكية، فالشاعر بندار يصف بقاعًا وجبالًا، ومروجًا وشطآنًا بأنها «زائيئوس-إلهية جِدًّا»، وهو يلجأ إلى هذا الوصف عندما يريد أن يقول إن الآلهة طالما تجلَّت لها وأطلت عليها (من عليائها) وعبَّرت عن حقيقتها ووجودها من خلال هذا التجلي والظهور، فالبقاع لها قداسة خاصة؛ لأنها تنبثق أو تتفتَّح انفتاحًا خالصًا حين تتيح للظاهر أن يظهر، وكذلك تعني «زامينيس» (شديد جِدًّا) ذلك الذي يتيح للعاصفة بكل شدَّتها وعنفوانها أن تنفتح وتنبثق في تمام ماهيتها.
إن السابقة «زا» تعني إتاحة الانبثاق والانفتاح الخالص من خلال الألوان المختلفة للظهور والإطلال والنفاذ والحضور ومن أجلها جميعًا، والفعل «زين» (الحياة) يصف الانفتاح في النور كما يقول هوميروس: «الحياة، أي رؤية نور الشمس»٨١ والكلمات اليونانية التي تعني «الحياة»، والعمر، والكائن الحي٨٢ كلمات لا يجوز لنا أن نفهمَها من الناحية الزيولوجية (الحيوانية) ولا من الناحية البيولوجية (الحيوية) بمعناها الواسع، والمعنى الذي تقصده اللغة اليونانية بالكائن الحي بعيدٌ كل البعد عن المعنى البيولوجي للحيوان، حتى لقد استطاع اليونان أن يصفوا آلهتهم بأنها «كائنات حية»،٨٣ ما السبب في هذا؟ إن (وصفهم للآلهة) بالمطلين يعني أنها تنفتح أو تنبثق بحيث تمكن رؤيتها، وأنهم ينظرون للآلهة نظرةً مختلفة عن نظرتهم للحيوانات، ويجربونها كذلك تجربة مختلفة، ولكن الحيوان ينتمي للحياة (زين) انتماء من نوع خاص، وانفتاح الحيوان على ما هو حر يظل — على نحو مثير للغرابة ومعقد معًا — أمرًا مُقيَّدًا مُغلَقًا على ذاته، والتكشف والتحجب كلاهما متَّحد في الحيوان على نحوٍ يجعل من المتعذَّر على تفسيرنا البشري أن يجدَ له طريقًا (ينفذ منه إليه)، وذلك بمجرد أن يصرَّ على تجنُّب التفسير الميكانيكي للحيوان — وهو تفسير ممكن دائمًا — إصراره على تجنُّب كل تفسير يحمل طابع النزعة التشبيهية بالإنسان، ولما كان الحيوان لا يتكلَّم، فإن للتكشف والتحجُّب بالإضافة إلى اتحادِهما في (طبيعة) الحيوانات، حياة من نوع مختلف تمام الاختلاف.٨٤
ومع هذا كله فإن زوئي (الحياة) وفيزيس تدلان على شيء واحد بعينه: فكلمة «آئي زوئون» (الدائم الحياة) تفيد «أئي-فيئون» (الدائم النمو) كما تفيد «تو-مي-دينون-بوتي»٨٥ (الذي لا يغيب أبدًا).

إن كلمة «آئي-زئون» (الدائم الحياة) في الشذرة «٣٠» السالفة الذكر يأتي بعد كلمة «بير» (النار)، وهي لا ترد فيها باعتبارها كلمة تدل على صفة، بل باعتبارها اسمًا يمهد للتعبير عن الطريقة التي ينبغي أن تفهم بها النار، أي من حيث هي انبثاق أو انفتاح دائم.

إن هيراقليطس يستخدم كلمة «النار» للدلالة على ذلك «الذي لم يوجده أحد من الآلهة ولا من البشر»، أي ذلك الذي كان دائمًا قبل الآلهة والبشر ولم يزل يقوم في ذاته وبالنسبة لهم «كفيزيس»، وبهذا يؤمن كل حضور ويصونه، ولكن المقصود بهذا الحضور هو «الكوزموس»٨٦ ونحن في العادة نترجم الكلمة الأخيرة «بالعالم» ونظل نفكر فيها تبعًا لذلك تفكيرًا بعيدًا عن الصواب كلما قصرنا تصورنا للعالم على التصور الكوزمولوجي (الكوني) أو قصرناه في المقام الأول على مفهوم الفلسفة الطبيعية منه.
العالم نار دائمة، وانفتاح وانبثاق دائم بكل ما لكلمة «الفيزيس» من معنى، وإذا كُنَّا نتحدث هنا عن حريق أبدي يلتهم العالم، فلا يجوز لنا أن نذهب إلى تصور قائم بذاته، ثم نتصور أن هناك حريقًا شبَّ فيه وأتى عليه، فالواقع أن العالم، و«النار» و«الحياة الدائمة»، و«الذي لا يغيب أبدًا»،٨٧ تعبِّر جميعًا عن نفس الشيء؛ ولهذا فإن ماهية النار التي يفكِّر فيها هيراقليطس ليست بالوضوح المباشر الذي توحي لنا به رؤية اللهب المستعر، ويكفي أن ننتبه إلى المعاني المختلفة التي تستخدم بها كلمة «بير» (النار) مما يمكنها من الإشارة إلى الماهية الكاملة لذلك الذي تلمح به هذه الكلمة على لسان المفكر الذي نطق بها.
إن كلمة «بير» (النار) صفة تُطلَق على نار الأضحية، ونار الموقد، ونار الحراسة، كما تُطلَق أيضًا على ضوء المشاعل، وبريق الكواكب والنجوم، في النار تكمن الإنارة، والاشتعال والتوهج، والنور الهادئ الذي ينشر أشعته الساطعة على الفضاء «الرحب»، في «النار» يكمن كذلك الدمار، والاضطرام، والإعاقة، والانطفاء، وهيراقليطس حين يتكلَّم عن النار يفكر قبل كل شيء في الإضاءة،٨٨ كما يفكر في الإشارة الهادية٨٩ التي تقدم المقياس وتسترده، وقد اكتشف كارل رينهارت٩٠ إحدى شذرات هيراقليطس في كتابات هيبوليتوس،٩١ وأثبت صحة نسبتها إليه وبيَّن أن النار (تو-بير) عنده تدلُّ في نفس الوقت على معنى المتفكِّر٩٢ (تو-فرونيمون) الذي يهدي كل إنسان إلى الطريق ويدل كل شيء على مكانه، هذه النار المتفكرة الهادية تجمع كل شيء وتؤمن ماهيته وتحفظها عليه، وهذه النار المتفكرة هي التجميع الذي يُهيئ تحقُّق الماهية ويقدمه، إن النار (بير) هي التجميع (اللوجوس)٩٣ وتفكيرها هو القلب، أي هو رحابة العالم التي «تنشر» الضوء والأمن، وهكذا نجد هيراقليطس يستخدم أسماء متنوعة للدلالة على الماهية الكامنة لشيء واحد بعينه، وهذه الأسماء هي فيزيس (الانبثاق أو الانفتاح)، بير (النار)، لوجوس (التجميع)، هارمونيا (التجانس والانسجام)، بولميوس (الحرب والشقاق)، أريس (النزاع) فيليا (المحبة)، هين (الواحد).٩٤

من هنا تأتي البنية اللغوية التي تبدأ بها الشذرة «١٦» وتعود إليهما، ألا وهي «تو-مي-دينون-بوتي» أي ذلك الذي لا يغيب ولا يهوي أبدًا، وينبغي علينا أن نستشف المعنى الذي تصفه هذه البنية اللغوية وأن نتسمع صوته عن طريق الإنصات إلى الكلمات الأساسية المعبِّرة عن تفكير هيراقليطس.

هكذا تبين لنا أن عدم الدخول أبدًا في الاحتجاب٩٥ هو الانفتاح أو الانبثاق الدائم من (طيات) التحجُّب، على هذه الصورة تتوهَّج نار العالم٩٦ وتظهر وتتفكر، ولو تفكَّرنا فيها باعتبارها الإنارة الخالصة لَوجدنا أن هذه الإنارة لا تأتي معها بالضوء الساطع فحسب، وإنما تؤدي كذلك إلى الانفتاح الحر الذي يُظهر كل شيء بما في ذلك ضده، بهذا تزيد الإنارة عن مجرد إلقاء الضوء الساطع، كما تزيد أيضًا عن إتاحة الحرية، إن الإنارة هي «القوة» المتفكِّرة المجمعة التي تهيئ للانفتاح الحر، هي ضمان الحضور (أو كينونة الكائن ووجوده وتحقق ماهيته).

إن حدث الإنارة هو العالم، والإنارة المتفكرة المجمعة التي تهيئ للانفتاح الحر هي (عملية) كشف، كما أنها تقوم على التحجُّب الذي ينتمي إليه ذلك الذي يجد ماهيته في الكشف، ولهذا السبب لا يمكن أبدًا أن يصبح مجرد تلاشٍ في الاحتجاب، ولا أن يصبح غيابًا (وهويًّا).

«كيف يتسنى لأحدٍ أن يبقى محجبًا؟»٩٧ هكذا تسأل عبارة هيراقليطس مشيرة بذلك إلى الجزء الأول منها الذي يسبق هذا السؤال — ويقع في حالة المفعول — وهو «ذلك الذي لا يغيب أبدًا»، ونحن نترجم العبارة — مستخدمين حالة الجر — بقولنا: «كيف يتسنَّى لأحدٍ أن يبقى محتجبًا عنها — أي عن الإنارة؟» وطريقة السؤال تستبعد مثل هذه الإمكانية دون تقديم مبِّرر لهذا الاستبعاد، لا بد إذن أن يقوم هذا المبرر في المسئول نفسه، والواقع أننا على وشك العثور على هذا المبرر، فلما كان ذلك الذي لا يغيب أبدًا، أي لما كانت الإنارة ترى كل شيء وتلاحظ كل شيء، فمن المستحيل أن يتخفَّى عنها شيء، ولكن العبارة لا تذكر شيئًا عن الرؤية والملاحظة، وأهم من ذلك أنها لا تقول: «كيف يتسنَّى لشيء «ما»؟» بل تقول: «كيف يتسنَّى لأحد …؟»
إن الإنارة — وفقًا لما تقوله العبارة — لا تتعلق بأي كائن (يحضر في ماهيته) كيفما اتفق، ولكن من هو المقصود «بالأحد» (تيس)؟٩٨
أقرب ما يخطر على البال هو الإنسان، لا سيما أن السؤال موجَّه من بشر فانٍ إلى بشر، ومع هذا فإن الذي يتحدَّث هنا مفكر، وهو الإضافة إلى هذا مفكرٌ يعيش بالقرب من أبوللون وأرتيميس،٩٩ ولهذا يمكن أن تكون عبارته حوارًا مع المطلين (من عليائهم)، وأن تقصد الآلهة فيمن تقصدهم بالأحد (تيس)، ومما يُغلِّب هذا الظن أن الشذرة «٣٠» تقول «لم يوجِده أحد من الآلهة ولا من البشر»، كما أن الشذرة «٥٣» — التي يرد ذكرها في أغلب الأحيان في صورة ناقصة — تسمي الخالدين والفانين معًا حين تقول: إن التفريق «بوليموس»١٠٠ (أي الإنارة) يظهر بعض الحضور١٠١ على صورة الآلهة، وبعضهم الآخر على صورة البشر، ويجعل من بعضهم عبيدًا، ومن بعضهم الآخر أحرارًا»، معنى هذا أن الإنارة الدائمة تجعل الآلهة والبشر يكونون١٠٢ في اللاتحجُّب، بحيث لن يسع أحدًا منهم أن يبقى محتجبًا، وليس السبب في هذا أن هناك أحدًا يمكن أن نلاحظه، بل السبب فيه هو مجرد كينونة (أو حضور) كل منهم، ومع ذلك تظل كينونة (حضور) الآلهة مختلفة عن كينونة (حضور) البشر، فأولئك — باعتبارهم آلهة مشاهدين — هم المطلون (من عليائهم) في نور ذلك الذي يُتيح الكينونة، والذي يتجه نحوه الفانون على طريقتهم، وذلك عندما يدعونه يوجد في كينونته ويركزون عليه انتباههم.
ويتبيَّن لنا مما سبق أن الإنارة ليست مجرد بهر وإضاءة، فلما كانت الكينونة سيرًا متصلًا١٠٣ من التحجُّب إلى التكشُّف، فإن الإنارة الكاشفة-الحاجبة تعود على كينونة الكائن،١٠٤ ولكن الشذرة «١٦» لا تتحدَّث عن كل شيء أو أي شيء١٠٥ يمكن أن يكون، وإنما تتحدَّث بوضوحٍ عن ذلك الذي يقوم ضمنًا باسترداد ذلك الكائن أيضًا والاحتفاظ به، حتى ولو لم يكن (ذلك الذي تتساءل عنه) من القوة والغلبة بحيث يحسب بين الآلهة والبشر، وإن لم يمنع هذا من أن يكون بمعنى آخر إلهيًّا وبشريًّا، وأن يضم النبات والحيوان والجبال والبحار والنجوم؟ وما الذي يُمكن أن يستند إليه تميز الآلهة والبشر إن لم يستند إلى أنها بالذات لن تستطيع أبدًا أن تبقى محتجبة عن الإنارة؟ ولماذا تعجز عن هذا؟ لأن علاقتها بالإنارة ليست سوى الإنارة نفسها، من حيث إن هذه تجمع الآلهة والبشر في الإنارة وتحافظ عليها فيها.
إن الإنارة لا تقتصر على إضاءة الكائن، وإنما هي قبل ذلك تجمعه وتؤمنه في الكينونة، ولكن ما هو نوع كينونة الآلهة والبشر؟ إنهم لا يستضيئون بالإنارة فحسب، بل يستمدُّون منها النور ومن أجلها يستنيرون، بهذا يتمكنون من تحقيق الإنارة على طريقتهم (أي يمكنونها من تحقيق ماهيتها كاملة) وبهذا أيضًا يَرعَوْن الإنارة ويحرسونها، إن الآلهة والبشر لا يستضيئون فحسب بنور (معين)، مهما يكن هذا النور آتيًا من أعلى،١٠٦ بحيث لا يمكنهم أبدًا أن يتخفوا منه ويلوذوا بالظلام، إن النور يغمر ماهيتهم، إنهم مستنيرون، أي مجمعون في حدث الإنارة؛ ولهذا السبب فهم لا يُحجَبون أبدًا، بل يكشفون، على أن نفهم هذا الكشف١٠٧ بمعنى مغاير، فكما ينتمي البعيدون إلى البعد، كذلك يعهد بالمتكشفين — بالمعنى الذي ينبغي الآن أن نفهم به الكشف — إلى الإنارة التي تؤمِّنهم وتحفظهم وترعاهم، إنهم — بحسب ما تقضي به ماهيتهم — موضوعون في خفاء السر وتحجبه، مجمعون، بسبب ارتباطهم باللوجوس،١٠٨ في التجانس الذي يؤلِّف بينهم أو «الهومولوجين»١٠٩ الذي تتحدَّث عنه الشذرة «٥٠».
هل كان هيراقليطس يقصد بسؤاله هذا المعنى الذي شرحناه؟ وهل يتصل ما قلناه في هذا الشرح بمجال تصوره؟ من ذا الذي يستطيع أن يعرف هذا أو يؤكده؟ ومع ذلك وبصرف النظر عن مجال التصوُّر القديم الذي كان يعيش فيه هيراقليطس، فلعل العبارة تريد أن تقول ما قلناه في الشرح الذي حاولنا تقديمه، إن العبارة لتقوله، بشرط أن يتيسَّر الحوار الفكري الذي يستحثها على القول، وهي تقوله وتتركه في نفس الوقت دون أن يُقال،١١٠ إن الطرق المؤدية إلى منطقة «ما لا يُقال» تظل في الواقع أسئلة تقتصر دائمًا على ما يبدو لها منذ القدم في صور عديدة من الخفاء والغموض.
وإذا كان هيراقليطس يتفكَّر في الإنارة الكاشفة-الحاجبة — أي في نار العالم — من خلال علاقتها المستترة بأولئك الذين يعتبرون بحسب ماهيتهم مستنيرين؛ ولذلك أيضًا يعتبرون المنتمين إلى الإنارة المنتبهين١١١ لها بالمعنى المتميز للانتماء والانتباه، إذا كان هذا كذلك فإن طابع السؤال الغالب على العبارة يوحي به ويشير إليه.
ترى هل تنطلق العبارة من تجربة فكرية تحمل بالفعل كل خطوة من خطوات الفكر؟ أيريد سؤال هيراقليطس أن يقتصر على القول بأنه لا يمكن أن تقف علاقة نار العالم بالآلهة والبشر عند انتماء هؤلاء للإنارة بحكم كونهم مستنيرين ومنظورين،١١٢ بل ينبغي أن تكون علاقتها بهم من جهة أنهم هم المستترون١١٣ الذين يشاركون — على طريقتهم — في جلب النور وصونِه والحفاظ عليه وتأريثه؟

إن صح الفرض الأخير جاز القول بأن العبارة المتسائلة تُفصح عن الاندهاش الفكري الذي يُهيئ العلاقة التي تستطيع الإنارة من خلالها أن تسترد ماهية الآلهة والبشر وتحتويها وتضمها إليها، وفي هذه الحالة يمكننا القول بأن التعبير المتسائل (على لسان هيراقليطس) متفق مع ما كان منذ القدم جديرًا بالاندهاش الفكري وما يُحافظ بفضل هذا الاندهاش على جدارته وقيمته.

ليس من المستطاع تقديرُ مدى إحساس تفكير هيراقليطس بمجال المجالات ولا درجة وضوحه، ومع ذلك فليس من شكٍّ في أن العبارة تتحرَّك في مجال الإنارة، وتتأكَّد (هذه الحقيقة) إذا تبينا أن بداية السؤال ونهايتَه تذكر الكشف والحجب، وبخاصة من ناحية العلاقة التي تربط بينهما، ولسنا في حاجة للتنبيه إلى الشذرة «٥٠» التي تنصُّ على التجميع الكاشف-الحاجب، الذي يخاطب الفانين بالأسلوب الذي يجعل ماهيتهم تتفتَّح من خلال توافقِهم مع «اللوجوس» أو عدم توافقهم معه.

ما أيسر أن نبادرَ إلى الظن بأن سر ذلك الذي ينبغي التفكير فيه مخبوءٌ ومطمورٌ في طوايا الكتمان، ولكن الواقع أن مكان ماهيته «يقع» في القرب الذي يقرب كل كينونة١١٤ ويصون كل قريب، إن كينونة القرب١١٥ لشديدة القرب من تصورنا المعتاد — الذي ينصرف إلى الكائن وينشغل بأحواله — إلى الحد الذي لا يسمح لنا بأن نجرِّب تمكُّن١١٦ القرب أو نفكر فيه بصورةٍ كافية دون تهيؤ واستعداد سابق، ويحتمل ألَّا يكون السر، الذي يصدر نداؤه عن ذلك الذي ينبغي التفكير فيه، شيئًا آخر غير كينونة ما نحاول الإشارة إليه تحت «الإنارة»؛ ولهذا يعبر الظن اليومي (المعتاد) بالسر في ثقة وعناد، ولقد عرف هيراقليطس هذا، فالشذرة «٧٢» من شذراتِه الباقية تقول: «إنهم يختلفون (أو ينقسمون ويتنازعون) حول اللوجوس الذي (يتجهون إليه) ويتعاملون معه أكثر من غيره، وهكذا يتبين أن ذلك الذي يلتقون به كل يوم تظل (كينونته) أمرًا غريبًا بالنسبة لهم.»١١٧
إن الفانين يتجهون دائمًا إلى التجميع الكاشف-الحاجب الذي يُنير كل كائن في كينونته، بَيْدَ أنهم ينصرفون عن الإنارة ولا يتجهون إلا إلى الكائن الذي يلتقون به في تعاملهم اليومي مع كافة الأشياء التقاءً مُباشِرًا، إنهم يحسبون أن تعاملهم هذا مع الكائن ييسر لهم الألفة المعقولة،١١٨ وكأن هذا شيء يصدر (تلقائيًّا) عن طبيعته، غير أنه يظل غريبًا بالنسبة إليهم، ذلك أنهم لا يدرون شيئًا عن ذلك الذي عهد بهم إليه، أي لا يدرون شيئًا عن الكينونة١١٩ التي يرجع لنورها الفضل في إظهار الكائن، إن «اللوجوس»١٢٠ الذي يذهبون ويقفون في ضوء إنارته يبقى محتجبًا عنهم، ويظلُّ منسيًّا منهم.
وكلما ازدادوا معرفة بكل ما من شأنه أن يعرف، ازدادت غرابته في نظرهم دون أن يدروا، ولربما انتبهوا إلى هذا لو أمكنهم أن يطرحوا هذا السؤال: كيف يتسنى لمن تنتمي ماهيته للإنارة أن يمنع نفسه عن استقبال الإنارة ورعايتها؟ وكيف يتسنى له أن يفعل هذا بغير أن يجرِّب على الفور أن اليومي (الشائع المألوف) لا يمكن أن يُصبح أكثر الأمور شيوعًا إلا لأن هذا الشيوع يظل مدينًا لنسيان ذلك الذي يستطيع وحده أن يُظهر ما يبدو أنه معروف من نفسه في نور الكائن؟١٢١
إن الظن اليومي الشائع يلتمس الحق في «الأشياء» المتنوعة الدائمة التجدُّد١٢٢ التي يراها متناثرةً أمامه، إنه لا يرى البريق الهادئ (الذهب) الذي يشع من السر الذي يتجلَّى على الدوام في بساطة الإنارة.
ويقول هيراقليطس (في الشذرة التاسعة): «إن الحمير لتؤثر القش والتبن على الذهب.»١٢٣
بَيْدَ أن الإشعاع الذهبي الذي ينبعث عن التجلِّي المستور١٢٤ للإنارة لا يمكن الإمساك به، وإنما هو حدثٌ خالص، إن التجلِّي المستور للإنارة يفيض عن التحجُّب المبارك الكامن في رعاية القدر وحفظه، لهذا فإن تجلِّيَ الإنارة في ذاته هو في نفس الوقت التحجب، وهو بهذا المعنى أكثر الأشياء غموضًا وأشدها ظلامًا.
يوصَف هيراقليطس بأنه المظلم،١٢٥ وسوف يحتفظ في المستقبل بهذا الاسم، غير أنه هو المظلم؛ لأنه — بالسؤال — يتجه بفكره نحو الإنارة.
١  في الأصل باليونانية: ὁ Σκοτεινός.
٢  كما يوصف أيضًا في الكتابات الرومانية المتأخِّرة بالفيلسوف الباكي، ولعل هذا أن يرجع إلى جهامته وجديته وحسِّه التراجيدي العميق، ولعله أيضًا أن يكون السر في إعجاب نيتشه به وحبِّه له، حتى إنه لم يجد في الفكر اليوناني كله قرينًا له!
٣  حرفيًّا: الحر.
٤  في الأصل باليونانية: ἀληθεσεια — ولم أشأ ترجمتها باللاتحجب (التكشف من طوايا الخفاء والتحجب) ولا «بالحقيقة» حتى لا أتعجَّل تفسير المؤلف لها.
٥  في الأصل باليونانية: λήθη (الخفاء أو التحجب).
٦  حرفيًّا: اللاحجب.
٧  في الأصل باليونانية: τό μή δῦνόν ποτε πῶς ἄν τις λάθοι? (تومي دينون بوتي بوس أن تيس لاثوي؟) أي كيف لإنسان أن يتخفى أو يحتمي من ذلك الذي لا يغيب أو لا يهوي ولا يتدهور أبدًا؟ والترجمة التي يأخذ بها هيدجر هي ترجمة العالمَيْن «ديلز وكرانس» اللذَيْن كان لهما فضلُ تحقيق نصوص الفلاسفة السابقين على سقراط في طبعتهما المشهورة.
٨  وهو الكتاب المعروف باسم بايداجوجوس Paidagogos.
٩  ذكر المؤلف هذه العبارة في الأصل باليونانية: Λήσεται (!) μὲν γὰρ ἴσως τὸ αἰσθητὸν φῶς τις, τὸ δὲ νοητὸν ἀδύνατον ἐστιν, ἢ ὡς φησιν Ἡράκλειτος ….
١٠  حرفيًّا: (ولهذا السبب وحده إذن لا يسقط أحد أبدًا إن هو استمسك بأن يكون الله بالنسبة إليه حاضرًا في كل مكان).
١١  يكمل هيدجر العبارة بالكلمة اليونانية τὸν θεόν (أي الإله).
١٢  وهو الهدف أو الغرض أو الغاية أو الكمال المتحقق، ومنها تأتي الغائية (التليولوجيا). وقد دخلت الكلمة في اللغة الألمانية على يد فيلسوف عصر التنوير المعروف كرستيان فولف (الفلسفة العقلية، ١٨٢٨م، الجزء الثالث، ٨٥). ولكن الغاية والغائية ترتبطان أصلًا بنظرية أرسطو عن العلة الغائية (تيلوس) تمييزًا لها عن العلة الفاعلية (أيتيا)، غير أن التفسير الغائي للطبيعة والكون والكائنات العضوية بوجهٍ خاصٍّ يمتدُّ عبر تراث طويل يمسك أناكساجوراس بطرفه الأول (فكرته عن النوس أو العقل الكوني) ويتصل مع أرسطو وآباء الكنيسة المسيحية والفلاسفة المدرسيين في العصر الوسيط، وليبنتز الذي حاول التوفيق بين التفسيرين الآلي والغائي بعد أن استبعد ديكارت هذا التفسير الأخير من العلم، وكانط الذي أثبت الغائية الذاتية ولم يسمح بالغائية الموضوعية في الطبيعة إلا على سبيل التمثيل؛ لأننا لن نستطيع البرهنة عليها أو تفسيرها في الظواهر الطبيعية والعضوية، واستمر الإشكال الذي طرحه كانط طوال القرن التاسع عشر دون تغيير يذكر، حتى جاءت البحوث الطبيعية والبيولوجية الحديثة (بلانك ودريش وأوكسكيل) فأثبتت وجود الغائية في الطبيعة والحياة العضوية. (المترجم)
١٣  في الأصل باليونانية: λάθοι.
١٤  في الأصل باليونانية: λανθάνω والماضي الناقص منها هو ἔλαθον.
١٥  البيت الأصلي: ἔνθ’ ἄλλους μὲν πάντος ἐλάνθανε δάκρυα λείβων.
١٦  هو يوحنا هيزيش فوس (١٧٥١–١٨٢٦م) من أشهر الشعراء والمترجمين في القرن الثامن عشر، وأشدهم حماسًا في نزعته الكلاسيكية. تأثر بهيردر وكلويتشوك، واتصل بجوته الذي قدر ترجماته وأشاد بحرصه على الأوزان والبحور الأصلية، ووفائه للمعنى والحرف. كتب عددًا كبيرًا من القصائد والملاحم الشعرية التي تهتمُّ بوصف الحياة الريفية ولا تخلو من الجمود والعقلانية، ولا يكاد الناس يذكرون له اليوم إلا ترجماته الأمينة الفخمة لملحمتي هوميروس الخالدتين وذلك على الرغم من ترجماته الأخرى عن الأدب الروماني (فرجيل وهوراس وأوفيد وبروبرتيوس).
١٧  في الأصل باليونانية: ἐλάνθανε.
١٨  في الأصل باليونانية: λάθε βιώσας أي عش منطويًا متوحِّدًا بعيدًا عن إزعاج الناس! وتلك هي النصيحة الوحيدة التي قدَّمها الشاعر الرمزي الكبير مالارميه للشاعر المفكر بول فاليري عندما سأله النصح فقال: نصيحتي الوحيدة. عِش وحيدًا!
١٩  ورد البيت في الأصل باليونانية: αἴδετο γὰρ Φαίηκας ὑπ᾽ ὀφρύσι δάκρυα λείβων.
٢٠  αἴδετο (أي خجل أو غلب عليه الحياء).
٢١  في الأصل باليونانية: αἰδῶς.
٢٢  أو ضم هذا الكائن في القرب الذي لا يمس (أو الجوار المصون) لذلك الذي لا ينفكُّ في حالة حضور.
٢٣  ἐπιλανθάνεσθαι (ينسى).
٢٤  في الأصل باليونانية: λήθη.
٢٥  في الأصل باليونانية: λανθάνομαι.
٢٦  في الأصل باليونانية: ἐπιλανθάνομαι.
٢٧  في الأصل باليونانية: λανθάνειν.
٢٨  في الأصل باليونانية: λανθάνω.
٢٩  أو مفتقد الكينونة — راجع الهامش السابق عن كلمة An-wesen.
٣٠  في الأصل باليونانية: λήθω.
٣١  أي الكلمة المذكورة.
٣٢  وهي العبارة التي سبق ذكرها عن أوديسيوس.
٣٣  في الأصل باليونانية: πῶς ἂν τις λάθοι.
٣٤  في الأصل باليونانية: τὸ μὴ δῦνόν ποτε. ويلاحَظ أن الفعل δύω قد يكون معناه أغيب أو أهوي أو أغوص أو أتبدَّد أو أنحدر (كما تنحدر الشمس للمغيب).
٣٥  في الأصل باليونانية، وقد ورد ذكرها في الهامش السابق مباشرة.
٣٦  τὸ δῦνόν.
٣٧  δύω
٣٨  أي التدثُّر بالغطاء أو الثياب.
٣٩  δύειν.
٤٠  πρὸς δύνοντος ἡλίου.
٤١  νέφεα δύναι.
٤٢  تقدَّم ذكر هاتين الكلمتين في صيغتهما الأصلية.
٤٣  تَقدَّم ذكر هذا النص في هامش سابق.
٤٤  أي موضع التساؤل والشك.
٤٥  في الأصل باليونانية: τὸ δῦνόν.
٤٦  في الأصل باليونانية: λάθοι.
٤٧  في الأصل باليونانية: τὸ μὴ ποτε δῦνόν.
٤٨  في الأصل باليونانية: τὸ ἀεὶ φύον.
٤٩  والكلمة تُترجَم عادةً بالطبيعة. ولكن المؤلِّف يُفضِّل — في هذه الدراسة وغيرها — أن يفهم الكلمة من جهة الفعل الذي جاءت منه. وهو يدل على النمو، والطلوع، والانبثاق، والتفتُّح، والانفتاح.
٥٠  في الأصل باليونانية، وقد تقدَّم للنص عليها أكثر من مرة.
٥١  تقدَّم النص على هذه الكلمات اليونانية الأصل.
٥٢  مي حرف النفي في اليونانية.
٥٣  أوك οὐκ (لا).
٥٤  الكينونة هنا تنطوي على معنى الحضور والظهور والإفصاح عن الماهية. وهي — كما سبق — تأتي مع الفعل (Wesen) الذي اصطنعه هيدجر على رغم أنف لغته!
٥٥  ἐόν إشارة من المؤلف إلى شذرة بارمنيدز (الثامنة من بقايا قصيدته المشهورة)، وقد وردت الكلمة في البيت السابع والثلاثين من هذه الشذرة (طبعة ديلز وكرانس) وتقول ترجمة هذه الأبيات: «الفكر وفكرة أن الكينونة كائنة (الوجود موجود) هما نفس الشيء، فبغير الموجود الذي يكون فيه (أي الفكر) مُعبِّرًا عنه (صراحة) لا يمكنك أن تجد الفكر، وليس ثمة شيءٌ خارج الوجود؛ إذ إن المويرا (إلهة القدر) قد حكمت عليه بأن يكون كلًّا وغير متحرك؛ لهذا سيكون كل ما قرره القانون، اقتناعًا منهم بأنه الحق. مجرد أسماء: كالنشوء (الصيرورة) والفساد (الفناء) والوجود واللاوجود، وتغيير المكان وتبدُّل اللون الساطع.» انظر كتاب هيدجر، محاضرات ومقالات، ص٢٣١ وما بعدها.
٥٦  حاولت بهاتين الكلمتين أن أقترب من تصرُّف هيدجر في الكلمة الأصلية التي استخدمها حتى الآن للدلالة على الانفتاح وهي Aufgehen بعد أن حولها إلى Aufgehung فلعل «الفتوح» أيضًا أن يكون غير بعيد عن «الانفتاح»!
٥٧  عدم الغياب أو الغياب الذي لا يتم أبدًا.
٥٨  أو حدثين متميزين ثم التقريب بينهما.
٥٩  في الأصل باليونانية (في حالة المفعول): τὴν φύσιν.
٦٠  في الأصل باليونانية: φύσις κρύπτεσθαι φιλεῖ.
٦١  حرفيًّا: لم يبدأ إلا منذ (عهد) أفلاطون. والتصرُّف يستند إلى دراسة هيدجر التي تجدها في هذا الكتاب عن نظرية أفلاطون عن الحقيقة.
٦٢  الكلمتان في الأصل باليونانية، وقد تقدَّم ذكرهما.
٦٣  أي في الفيزيس (الانفتاح) والتحجُّب (كريتستاي).
٦٤  φιλεῖ أي يحب أو يميل إلى شيء.
٦٥  هنا يستخدم هيدجر كلمة الماهية Wesen كفعل لا اسم، أي ما يمكن التعبير عنه بالإفصاح عن الماهية أو عملية حضورها وكينونتها، وهذا التأكيد لجانب «الفعل» أو الصيرورة لا غِنى عنه حتى يكون هناك مجالٌ للكلام عن التكشُّف أو التحجُّب بوصفهما حدثَيْن لا حالتَيْن مستقرتَيْن.
٦٦  إي «الماذا» أو (الهوتي ὅτι) أي «مائية» الأشياء.
٦٧  في الأصل باليونانية: κατά φύσιν وقد وردت هذه الصيغة في السطر السادس من الشذرة الأولى التي تبدأ بالعبارات الآتية: «إن هيراقليطس. ابن بلوزون. من إفيسوس. يعلم ما يأتي: لن يُدرك الناس أبدًا معنى القول (المذهب) المقدم هنا. لا قبل أن يسمعوه ولا على أثر سماعهم له، فمع أن كل شيءٍ يتم وَفقًا لهذا المعنى، فإنهم يشبهون غير المجربين، مهما جرَّبوا أنفسهم مع أمثال الكلمات والأعمال التي أشرحها، بتقسيم كل منها وتفسيره حسب طبيعته وعلى النحو الذي ينبغي له.» — أما الشذرة «١١٢» التي يُشير إليها هيدجر فهي التي تقول: «التفكير السليم هو الكمال الأعظم، والحكمة تكمن في قول الحقيقة والعمل وفقًا للطبيعة بالإنصات إليها.»
٦٨  في الأصل باليونانية. وقد تقدم النص عليها في هامش سابق.
٦٩  في الأصل باليونانية: ἕν.
٧٠  في الأصل باليونانية: φιλία.
٧١  تُشير هذه العبارة إلى الشذرة «١٢٣» التي سبق ذكرها أكثر من مرة وهي التي تقول «الفيزيس تحب التحجب» (أو تميل للتخفي). كما تشير إلى الشذرة «٥٤» التي تقول: «الانسجام غير المنظور أقوى من الانسجام المنظور».
٧٢  العبارة في الأصل باليونانية، وقد تقدَّم ذكرها مرارًا.
٧٣  يوضح المؤلِّف هذا المعنى بذكر الفعل اللاتيني (concrescit) الذي يُفيد نمو الأشياء مجتمعة.
٧٤  في الأصل باليونانية: τὸ ἀεὶ φύον (النامي أبدًا أو النمو الدائم).
٧٥  في الأصل باليونانية: φύον.
٧٦  في الأصل باليونانية: ἀεὶ φύον (النمو الدائم).
٧٧  يُشير المؤلف إلى الشذرة «٣٠» التي تقول: هذا النظام الكوني، وهو (نظام) واحد بالنسبة لكل إنسان (ولكل شيء). لم يوجده أحد من الآلهة ولا من البشر، بل كان دائمًا ويكون وسوف يكون نارًا حية دائمة، تتوهَّج بمقدار وتخبو بمقدار. أمَّا الكلمة التي تدل على الحياة الأبدية الدائمة فهي ἀείζωον.
٧٨  عن إرادة القوة، العبارة رقم ٥٨٢.
٧٩  هي الحياة باليونانية: ζὴν. ومنها يأتي الفعل ζὰω (أحيا) وإليهما تشير العبارة التالية، وكلاهما يقوم على الجذر «زا»-ζὰ.
٨٠  الكلمات في الأصل باليونانية، وهي على الترتيب: ζάθεος – ζαμενὴς – ζάπυρος.
٨١  في الأصل باليونانية: ζῆν καὶ ὁρᾶν φάος ἠελίοιο.
٨٢  في الأصل باليونانية وهي على الترتيب: ζῆν – ζωὴ – ζῶον.
٨٣  في الأصل باليونانية: ζῶα.
٨٤  يذكر هيدجر كلمة الكائن الحي في هذا السياق مفرقة على هذه الصورة: Lebe-wesen وذلك على طريقته في استخراج المعنى من الاشتقاق اللفظي، وقد يمكن أن نفهم من الجملة السابقة أن الحيوان عاجزٌ عن التعبير اللغوي عن تجربته بالوجود؛ ولهذا فإن عمليتي التكشف والتحجب لديه متشابكتان مستغلقتان عليه وعلينا؛ ولهذا أيضًا فإن ماهية الحياة بالنسبة إليه تختلف كل الاختلاف عنها بالنسبة إلينا، ولا شك عندي أن هذا الحديث عن الحيوان متأثِّر إلى حد كبير بأشعار رلكه التي يمجد فيها صمت الحيوان وانغلاق أسراره علينا بما لا يسمح هذا المجال بشرحه.
٨٥  الكلمات في الأصل باليونانية، وقد تقدَّم ذكرها في هوامش سابقة.
٨٦  في الأصل باليونانية: κόσμος وهي تدل على النظام كما تدل على الزينة والزخرف، ولعل العين اليونانية أن تكون قد أخذت بروعة الكون وتحول التعبير المجازي إلى حقيقة، ومن الواضح أن «عين» أفلاطون تقوم بدور كبير في فلسفته الجمالية والمعرفية، وقُل مثل هذا عن سائر فلاسفة اليونان منذ طاليس الذي يُنسَب إليه أول اندهاش فلسفي من روعة الكون والسماء.
٨٧  الكلمات في الأصل باليونانية، وقد تقدَّم ذكرها.
٨٨  حرفيًّا: التسيُّد المُضيء. أو الإضاءة الغالبة المسيطرة.
٨٩  الكلمة الأصلية das weisen تدل على الهدى والإشاد وتقديم النصح.
٩٠  عالم ألماني معاصر تخصص في الدراسات الكلاسيكية والإنسانية، وقد نشر البحث المشار إليه في مجلة هيرميس، المجلد (٧٧)، سنة (١٩٤٢م)، صفحة (١) وما بعدها.
٩١  أحد الكُتَّاب المسيحيين الأُوَل. وُلد حوالي سنة ١٧٠ ميلادية بالإسكندرية (أو في آسيا الصغرى) ومات منفيًّا في جزيرة ساردينيا سنة ٢٥ أثناء حملة اضطهاد المسيحيين في عهد القيصر ماكسيمينوس التراقي. كتب مؤلفاته في العقائد المسيحية وشرح الكتاب المقدس والرد على الزندقة باللغة اليونانية، كما كتب تاريخًا للعالم وتاريخًا للنظام الكنسي يُرجع إليه حتى اليوم، على الرغم من أنه لم يبق منه سوى شذرات متفرقة.
٩٢  في الأصل باليونانية: τὸ φρόνιμον.
٩٣  هذا هو تفسير هيدجر للوجوس λόγος (الكلمة-المعنى-الكل-الواحد-القانون) وقد شرحه بالتفصيل في دراسات أخرى وبَيَّنَ أنه ذلك الذي يجمع الموجودات في الوجود.
٩٤  يذكر المؤلف هذه الأسماء باليونانية، وقد تقدَّم النص عليها في هوامش سابقة، فيما عدا كلمة «ἔρις النزاع».
٩٥  أو استحالة التلاشي والغياب فيه.
٩٦  حرفيًّا: النار العالمية.
٩٧  في الأصل باليونانية، وقد تقدَّم النص عليها مع العبارة الأصلية الكاملة.
٩٨  في الأصل باليونانية: τὶς.
٩٩  إله النور والفن والعقل والنظام والموسيقى عند اليونان، وهو الشقيق التوءم للربة أرتيميس (ربة الصيد والطبيعة) ومعبده المقدس في دلفي مشهور.
١٠٠  في الأصل باليونانية: πόλεμος أي الحرب أو النزاع. وهكذا تُترجَم عادةً في كل الكتب التي تتناول شذرات هيراقليطس بالبحث والدرس. ولكن هيدجر يُترجمها على طريقته في استخراج المعنى من الاشتقاق اللفظي بصورةٍ قد لا تخلو دائمًا من التعسف؛ فقد ترجمها بكلمة Aus-einander-setzung وهي تُفيد النزاع أو النقاش والأخذ والرد، ولكنه يريد شيئًا قريبًا من معنى «التفريق الذي ترجمناها به، والأغرب من ذلك التصرُّف أنه وضع بعدها كلمة الإنارة بين قوسين.
١٠١  أو بعض الحاضرين؛ وهم البشر.
١٠٢  أو يحضرون ويظهرون في ماهيتهم (unwesen).
١٠٣  أي حدثًا مستمرًّا يتم فيه الانتقال من التحجُّب والخفاء إلى التكشُّف والجلاء.
١٠٤  أو وجوده في ماهيته.
١٠٥  أي شيء ما (تي-τὶ).
١٠٦  حرفيًّا: مهما يكن هذا النور نورًا متفوِّقًا أو متعاليًا على النور الحسي.
١٠٧  الكلمة الأصلية التي عبرنا عنها هنا وفي بقية السياق بالكشف هي ent-bergen ويستخدمها هيدجر بهذا المعنى كما يستخدمها بمعنى آخر يشير إليه في هذا الموضع، وهو البعد عن الأمن والطي في داخل الإنارة أو في الوجود الذي يجمع كل الكائنات ويصونها ويطويها ويرعاها، وهكذا نراه يلجأ إلى تفتيت الكلمة الألمانية بما يبعدها عن معناها المعجمي وعن أية ترجمة.
١٠٨  اللوجوس — كما سبق القول — بمعنى التجميع والضم في نور الوجود وحقيقته.
١٠٩  في الأصل باليونانية: Óμολογεĩν وتُترجَم في هذه الشذرة بحسب المعنى، وإليك الشذرة نفسها: «لو أنهم لم يستمعوا إليَّ بل إلى المعنى (اللوجوس) لكان من الحكمة أن يُقال بما يتفق مع المعنى إن الكل هو الواحد.»
١١٠  أي أن العبارة تقول ومع ذلك تُحيط ما تقوله بهالةٍ من السر والغموض الذي لا يمكن التعبير عنه.
١١١  حرفيًّا: المنصتين لها، وقد لجأت إلى هذا التصرف خوفًا من سوء الفهم.
١١٢  أو مشاهدين مرئيين.
١١٣  أو غير الظاهرين.
١١٤  حرفيًّا: الذي يقرب كل حاضر كائن (في حضوره وكينونته).
١١٥  أو ماهيته التي تحضر وتكون وتوجد.
١١٦  من التمكين والغلبة والتسيد.
١١٧  في الأصل باليونانية: ᾯ μάλιστα διηνεκῶς ὁμιλοῦσι λόγῳ, τούτῳ διαφέρονται, καὶ οἷς καθ᾽ ἡμέρην ἐγκυροῦσι, ταῦτα αὐτοῖς ξένα φαίνεται.
١١٨  أي يجعلهم يألفونه ويعتادونه إلى الحد المعقول.
١١٩  أو حدث الحضور في الماهية وتكشفها بعد الخفاء والاحتجاب.
١٢٠  هو المعنى، ولكن المقصود به هنا — كما سبق القول — هو التجميع، أي تجميع الكائنات في نور الكينونة وإظهار ماهية الموجود من ثنايا التحجُّب.
١٢١  أي أن مسئولية الألفة التي نحسُّ بها نحو الأشياء اليومية المعتادة — وهذا في رأي هيدجر هو معنى السقوط! — تقع على عاتق النسيان (أو الإهمال والتجاهل) لحقيقة الوجود التي تُظهر كل شيء بما في ذلك الأشياء التي تبدو مألوفة شائعة (أو معروفة بنفسها) في نور الكينونة.
١٢٢  حرفيًّا: في تنوُّع الجديد باستمرار.
١٢٣  في الأصل باليونانية: ὄνους σύρματ’ ἂν ἑλέσθαι μᾶλλον ἢ χρυσόν.
١٢٤  حرفيًّا: الذي ينبعث عن الظهور غير الظاهر.
١٢٥  في الأصل باليونانية: (سكوتينوس ὁ Σκοτεινός) وقد سبق ذكرها.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤