الفصل الحادي عشر

جيني تتهرَّب من عرض زواج

بينما كانت جيني تُغادر مكتب السيد كادبوري تايلور مسرعةً، انتابها شيءٌ من القلق حول ما قد يُفكر فيه المُحقق بشأن مُغادرتها المفاجئة. وهي مقتنعة أنه حتى اللحظة التي تركَتْه فيها فجأة، لم يكن لديه أدنى شك في أنَّ هذه، التي كان يتحدث إليها آنذاك، هي نفس المرأة التي جابَ مختلِفَ أنحاء أوروبا بحثًا عنها. وماذا سيظنُّ في شخصٍ اختفى فجأة، وهو يتحدث معه، دون كلمة يستأذن بها في الانصراف، كما لو أن الأرض قد انشقَّت وابتلعَته، وهذا كله لأن مقبض باب الغرفة الداخلية قد تحرَّك؟ وعندئذٍ، لا بدَّ أن العُذر الذي قدَّمَتْه لعدم رغبتها في مقابلة اللورد دونال قد استرعى انتباهه لكونه في غير محله تمامًا. عندما وصلت إلى مكتبها وفكرَت بهدوءٍ أكثرَ في الموقف، لم تجد سببًا لأنْ تلوم نفسها بسبب مغادرتها السريعة؛ ومع أنها قد تصرَّفت باندفاع وبلا روية، رأت أنه لم يكن من شيءٍ آخر لتفعله؛ فما كانت لتمرَّ لحظة أخرى إلا وستلتقي وجهًا لوجهٍ مع اللورد دونال نفسِه.

وفي اليوم التالي وصلتها رسالة من المُحقق طمأنتها للغاية؛ فقد اعتذر عن كونه قد حدَّد لها موعدًا لمقابلة اللورد دون إذنها، وأوضحَ أن وصول اللورد دونال المفاجئ إلى لندن، وتشبُّثَه برأيه في عدم تصديق أن الأميرة نفسها هي مَن التقى بها في الحفل، على ما يبدو لم يترك للمحقق أيَّ بديلٍ سوى استدعاء الشخص الذي اقترح تلك النظرية بمثابرةٍ وإصرار، كي يشرحها أمام مَنْ يَعنيه الأمر في المقام الأول. ولم يخطر بباله وقتَها أن الآنسة باكستر قد تعترض على مقابلة اللورد دونال، الذي لم يكن لديها سابقُ معرفة تمامًا به؛ لكنه أدرك الآن أنه كان مخطئًا، وما إلى ذلك. أقنعَت هذه الرسالة جيني تمامًا بأن المحقق، مع كل ذلك، لم يرَ القرائنَ التي بدَت مكشوفةً بوضوح تامٍّ أمام عينَيه. ومع ذلك، لم يقُل كادبوري تايلور شيئًا عن انتهاء البحث، وبعد بضعة أيام تلقَّت جيني رسالة مُقلقة من الأميرة فون شتاينهايمر اختلج لها صدرُها.

كتبت سموها: «عزيزتي جيني، أنا متأكدة أن هناك مُحقِّقين يسعون لاقتفاء أثركِ والكشف عن هويتكِ، ولذا رأيتُ أنَّ من الأفضل أن أُرسل إليكِ كي أُحذِّرك. وبالطبع هذا مجرد تخمين من جانبي، ولكن، على مدى عدة أيام، هناك امرأة تحوم حول القلعة، وتُحاول استقصاء معلوماتٍ من الخدم. وقد أتت خادمتي إليَّ مباشرةً وأخبرتني بما تعرفه. لقد تحدثَت إليها المُحققة. وهي مُحققة فضولية، جاءت من باريس، وكانت ترغب تحديدًا في معرفة ما إذا كنتِ قد تواجدتِ في القلعة أم لا؛ خلال الأسبوع الذي أُقيمَ فيه حفل دوقة تشيزيلهورست، وهذا يقودني إلى افتراض أن هناك مَن يسعى وراءكِ. وهو إما اللورد دونال ستيرلنج أو دوق تشيزيلهورست، لكنني أعتقد أنه الأول. لقد كتبتُ خطابًا غاضبًا إلى اللورد دونال، متهمةً إيَّاه بإرسال مُحققين للتقصِّي حول القلعة. ولم أتلقَّ ردًّا بعد، لكن اللورد دونال شخص صادق، وآمُل أن أعرف خلال يومٍ أو يومين ما إذا كانت له يدٌ في هذا الأمر أم لا. وفي هذه الأثناء، عليكِ توخِّي الحذَر يا جيني، وسوف أكتبُ لكِ مرة أخرى بمجرد أن يُصبح لديَّ شيء آخر لأقوله.»

زادت قراءة هذه الرسالة من مخاوف جيني إلى حدٍّ كبير؛ فقد شعرت أنها مقتنعة تمامًا بأنه، على الرغم من غباء هؤلاء الرجال المؤكَّد، فقد أوشَكوا أن يكتشفوا الأمر، وكانوا على يقينٍ تقريبًا من أنهم سيُصادفون الحقيقة عرَضًا إذا استمر التحقيق. فكتبت رسالة على وجه السرعة إلى الأميرة، تُناشدها توخِّي الحذر، وألا تُقدِّم من دون قصدٍ أيَّ دليلٍ من شأنه أن يُؤدي إلى اكتشاف أمرها. ومن الواضح أن رسالتها تزامنَت مع رسالةٍ مُرسَلة من الأميرة نفسِها. وجاء في الرسالة أن اللورد دونال قد أقرَّ بأنه الفاعِل، ووعد بعدَم القيام بذلك مرةً أخرى. وتقول الأميرة في رسالتها: «يقول إنه قد أوقفَ المُحققين قبل تلقِّي رسالتي؛ إذ لم يفعلوا شيئًا ذا قيمة، ويبدو أنهم يُزعجون الأبرياء فقط. ويقول إن البحث قد انتهى، من ناحية المحقق، ولا داعي أن أخشى المزيد من تدخُّلات المُحققين، رجالًا أو نساءً. واعتذر بلباقة، لكنه يقول إنه لم يتخلَّ عن آماله في العثور على السيدة التي اختفت. والآن يا جيني، أنا على ثقةٍ من أنكِ ستعترفين بمهارتي. فمثلما ترَين، لم يتَناهَ إلى سمعي غير كلمة أو كلمتَين من خادمتي كدليل، لكنني كشفتُ المُخطط بأكمله واكتشفتُ على الفور المُحرِّضَ عليه، ولذا أعتقد أنني أنا نفسي ما كنت لأُصبح مُحققة سيئة على الإطلاق. فأنا مهتمة جدًّا بأحداثٍ مثل هذه. أعتقد أنني لو لم أكن أعلم شيئًا عن انتحال الشخصية، وأُسنِدَت إليَّ القضية، لكنتُ اكتشفتُ أمركِ منذ فترة طويلة. أليس بوسعكِ التفكيرُ في طريقةٍ يمكن من خلالها الاستفادة بموهبتي البحثية المؤكَّدة؟ أنتِ لا تعرفين كم أحسدكِ على عملكِ كصحفية، لديها دائمًا لُغز غامض كي تبحث عن حله. يبدو الأمر كما لو أنكِ مُحرِّرة قسم الأحجيات. أرجو أن تسمحي لي بمساعدتكِ في المرة القادمة التي تُؤدين فيها شيئًا مهمًّا آخر. فهل تعِدينني؟

وعندما تُراسلينني مرةً أخرى، يُرجى إرسال رسالتكِ إلى فيينا؛ لأننا سنُقيم هناك، حيث استُدعِي زوجي فجأةً إلى العاصمة. فهو يشغل منصبًا مهمًّا في الحكومة، ربما تتذكرين ذلك.»

ابتهجَت جيني لمعرفة أن جميع التحقيقات قد توقفت، وكتبت رسالةَ امتنانٍ مطوَّلة إلى الأميرة. واختتمت رسالتها بقولها: «من غير المعقول تمامًا أن تحسدي مَن عليه أن يكدَح مثلي؛ فأنتِ الشخص الذي يستحق أن يُحسَد؛ إذ إن عمل الصحفي ليس سهلًا أو مُسليًا دائمًا كما تعتقدين، وهذا شيءٌ جيد، فأنا لا أحبُّ السهل أو المُسلِّي وأقبل التحديات دائمًا. لكنني أعِدُكِ بأنه في المرة القادمة التي أُباشر فيها قضية مثيرة للاهتمام، سأُراسلكِ وأعطيكِ كامل التفاصيل، وأنا متأكدة من أننا سنُشكِّل معًا فريقًا لا يُقهَر.»

لكن ما من مشكلةٍ تنتهي في هذه الحياة إلا وتُفسِح مجالًا لمشكلةٍ أخرى. لقد انزعجت جيني عندما لاحظت أن السيد هاردويك يُحاول التقرُّب منها أكثر فأكثر؛ فهو يتحيَّن الفرصة كي يجلس بجوار مكتبها كلما كان هناك عُذر معقول لذلك، ويستشيرها في صغائر الأمور وعليائها. كما حصلت على علاوة على راتبها، وعرَفَت أن ذلك حدث من خلال نفوذه في مجلس الإدارة. وعلى الرغم من أن السيد هاردويك كان صارمًا وحاسمًا في أمور العمل، فقد تبيَّن أنه رجل خجول فيما يتعلق بمشاعره، وكثيرًا ما كان يأتي ويجلس بجوار مكتب الفتاة، ويبدو عليه بوضوحٍ أنه يرغب في قول شيءٍ ما، ولكنه يجد أنه ليس لديه ما يقوله؛ ومن ثمَّ يُصبح الوضع مُحرجًا. أما جيني فهي فتاة عملية ولم تكن ترغب في تعقيد الموقف من خلال السماح لصاحب عملها بالوقوع في حُبها، ومع ذلك كان من المستحيل أن تذهب إليه وتطلب منه أن تقتصر اهتماماته على شئون العمل وحسْب. ولكن هاردويك نفسه هو مَنْ تسبَّب في حدوث الأزمة؛ فذات يوم، عندما كانا على انفرادٍ معًا، قال فجأة:

«ألم يُسفِر التحقيق الذي شاركتِ فيه مع السيد كادبوري تايلور بخصوص غراميات الطبقة الراقية عن أي نتائج؟»

«كلَّا يا سيد هاردويك.»

«إذن ألا تعتقدين أن بإمكاننا أن نُمثِّل غراميات الطبقة الراقية في هذه الغرفة هنا؛ إنها مرتفعة بما يكفي عن الشارع لكي تستحقَّ أن يُطلَق عليها غراميات في الطبقة الراقية.» وابتسم رئيس التحرير ابتسامةً مضطربة، مثل رجلٍ غير مُستعد يأمُل في التخفيف من حِدَّة مأزق ما بمزحةٍ سخيفة.

ومع ذلك، لم تضحك جيني ولم تنظر إليه، لكنها استمرت في كتابة ملاحظاتٍ مختصرة على الورقة أمامها.

وهي تقول مع تنهيدة: «آه يا سيد هاردويك! أرى أنك قد اكتشفت سرِّي، رغم أنني كنتُ أتمنى أن أُخفيه حتى عن عينَيك اليقظة. فأنا، في الواقع، في مثل موقف رالف راكسترو في أوبرا «بينافور» حين قال: «أنا أحب، وأحب، للأسف، مَن يفُوقني في المستوى الاجتماعي.» والآن وقد عرَفت نصف الأمر، ربما يُمكنك أن تعرف الأمر كله. لقد بدأ في حفل دوقة تشيزيلهورست؛ ذلك الحفل الذي أخشى أنَّ ذِكراه ستظل تُطاردني طوال حياتي.» قالت جيني ذلك وهي ما زالت لا تنظر إليه، فلم يرد السيد هاردويك وكتم عواطفه؛ وهو سعيد لأن عينَيِ الفتاة لم ترَ انفعالاته. ساد الصمت بينهما لبضع لحظات، ثم سلك الطريقَ الذي تُرِك مفتوحًا أمامه، مُعزِّيًا نفسه بأنه بينما عرَف عن غير قصدٍ علاقتها الرومانسية مع شخصٍ آخر، فقد احتفظ بسرِّ حُبه لها في أمان، ولم يَبُح به.

وفي النهاية قال بصعوبة: «أنا … أنا ليس لي الحقُّ في التطفُّل على أسراركِ يا آنسة باكستر، وآمُل أن تعذُريني على … على …»

قاطعَتْه الفتاة وهي ترفع نظرها عن أوراقها، لكنها لم تنظُر إليه: «أوه! لقد كنتُ على يقينٍ من أنك تعرف ذلك منذ عدة أيام، فقد أصبحتُ مُقصِّرة في عملي بعض الشيء، مع الأسف، ومن ثمَّ كان لك كل الحق في أن تتكلم.»

«كلَّا، إن عملكِ على ما يُرام؛ لم يكن الأمر كذلك بالضبط. لكن لا عليكِ، لن نتحدث في هذا الأمر بعدَ الآن؛ إذ أرى أنه يُسبِّب لكِ الحرج.»

قالت جيني، وهي تنظر نحوَ أوراقها مرةً أخرى: «شكرًا لك يا سيد هاردويك.»

رأى الرجل وجنتَيها تتورَّدان، وساوره شعور بأن عينَيه لم تقع قطُّ على مَنْ هي في مثل حُسنها. فنهضَ بسرعة، دون أن يُقدِّم مزيدًا من الشرح، وغادر الغرفة. وتساقطت قطرة أو قطرتان من الدموع على الورقة التي كانت الفتاة تَخطُّ عليها؛ فهي لم تكن تُحب أن تتسبَّب في إيلام أي شخص، لكنها لم تستطع تحميل نفسها مسئولية ما حدث. وعقدت العزم على ترك العمل في صحيفة «دايلي بيجل» والبحثِ عن فرصةٍ في مكانٍ آخر، ولكن في اليوم التالي لم يُظهِر السيد هاردويك أيَّ أثرٍ لخيبة الأمل، وتحدث معها بنفس أسلوبه المُقتَضَب المُتعجرِف كالعهد به دومًا.

وقال: «آنسة باكستر، هل كنتِ تُولِين قراءة الصحف أي درجةٍ من الاهتمام مؤخرًا؟»

«نعم يا سيد هاردويك.»

«هل كنتِ تُراقبين توجُّهات السياسة الخارجية؟»

«هل تُشير إلى خطاب رئيس وزراء النمسا قبل أسبوع أو أسبوعين؟»

«نعم، هذا ما يدور في ذهني. كما تعلمين، فقد كان الأمر بمثابة إعلان حرب ضدَّ إنجلترا — تقريبًا — ولكن ليس بكل معنى الكلمة. لقد كانت حالة من الإفراط الشديد في الكلام أو عدم الإفصاح الكافي، ومع ذلك، لم يصدُر بعدَه أي خطابٍ أو تصريح آخر، والتزم رئيس الوزراء الصمتَ منذ ذلك الحين، كما لو كان صورة جدارية محفورة. إنَّ إنجلترا لديها العديد من الأعداء في أجزاء مختلفة من العالم، لكن يجب أن أُقرَّ بأن خطاب رئيس الوزراء النمساوي هذا كان مفاجأة. يبدو أن هناك أمورًا غيرَ مُعلَنة وغير مرئية من الخارج.؛ فرئيس الوزراء رجلٌ شديد الذكاء وكَيِّس للغاية بحيث يعي بالضبط ما تعنيه كلماته، وهو يُدرك تمامًا الطريقةَ التي ستتعامل بها إنجلترا مع تلك الكلمات. ومِن ثمَّ، فهي حالة من التخبُّط الشديد وعدم الوضوح، كمَنْ أنهى حديثه في عُجالة، وما إن أنهاه حتى بدأ يتساءل عن السبب الذي جعله يُلقي هذا الحديث من الأساس، وهذا ما يُحيِّر أوروبا كلها الآن.»

«أليس من المُفترَض — بصفةٍ عامة يا سيد هاردويك — أن هدفه كان توحيدَ النمسا والمجَر؟ لقد فهمتُ أن السياسة المحلية كانت في مُؤخِّرة اهتمامات خطابه الحماسي.»

«هذا صحيح، لكن إثارة الحماس نحو الحرب في النمسا والمجر هي أمرٌ عديم الجدوى ما لم يُستغَلَّ هذا الحماس على أرض الواقع. إن الأمر يتطلَّب حربًا فعلية، وليس تهديدًا بالحرب، لتوحيد النمسا والمجر. لو كان الخطاب قد أعقبه عملٌ عدائي، أو تصعيدٌ آخر يجعل الحرب حتمية، لَكنتُ فهمته. فنبرة الخطاب تُشير إلى أن رئيس الوزراء كان يعني وقوع الأمر في ذات الوقت الذي أفصح فيه عنه. لكن حدث شيءٌ ما في غضون ذلك غيَّر الموقف، وذلك الشيء هو ما تُحاول كل الصحف في أوروبا اكتشافه. ومنذ ذلك الحين، يُحاول مُمثلنا الدائم في فيينا التوصُّل إلى حقيقة الأمر، وعلى مدار الأسبوعَين الماضيَين، يُساعده واحدٌ من أذكى رجالي أرسلتُه إليه من لندن؛ ولكن حتى الآن، باءت كلُّ مَساعيهما بالفشل. والآن أقترح أن تذهبي بهدوءٍ إلى فيينا، ولن أُخبر أيًّا من الرجُلَين أنكِ تُحقِّقين في القضية التي عَمِلا على حلِّها دون نجاح يُذكَر؛ فهما رجلان مجتهدان ولا أريد أن أُحبِط أيًّا منهما؛ ولكن، الأهم من ذلك كله، أودُّ أن أعرف حلَّ هذا اللغز. ومن ثمَّ، خطر لي الليلة الماضية أنكِ قد تنجحين فيما فشل الآخرون فيه. فما رأيكِ في ذلك؟»

قالت الآنسة باكستر: «أنا على أتمِّ استعدادٍ للمحاولة.» إذْ طرأَت على ذهنها فكرة أن هذه قضية يُمكن للأميرة فون شتاينهايمر أن تكون مصدرَ عونٍ كبير للغاية فيها.

تابع رئيس التحرير قائلًا: «لقد ساد الاعتقادُ بأن إمبراطور النمسا يُعارض بشدة مواجهة مشاكل مع إنجلترا أو أي دولةٍ أخرى. لكن، لو أن الأمر كذلك، لكان من المفترض إقالة رئيس الوزراء بعد هذا الخطاب المُتجاوِز وتعيين حكومةٍ جديدة؛ لكن هذا الرجل لا يزال يحتفظ بمنصبه، ولم يصدُر أي تفسير أو اعتذار من قصر الحكم أو مجلس الوزراء. وأنا واثقٌ من أن هناك شيئًا ما وراء كل هذا، ثمة مراكز نفوذ مختلفة وأسباب مُتباينة تُؤدي جميعها إلى تعقيد الموقف؛ لأنه في اليوم التالي للخطاب، خرجَت شائعة من فيينا تُفيد بوقوع محاولةٍ لاغتيال الإمبراطور أو رئيس الوزراء، وكانت غامضة للغاية، لكن زُعِمَ أن انفجارًا بالديناميت قد وقع في بلاط الحكم. وسرعان ما نُفِي الخبر على الفور، لكننا نعلم جميعًا ما يمكن أن يُفهَم من النفي الرسمي. هناك مشكلة داخلية من نوعٍ ما في بلاط الحُكم بفيينا، وإذا تمكَّنا من نشر التفاصيل الكاملة، فإنَّ مثل هذا التحقيق سيُروِّج لنا داخل أوروبا. متى ستكونين مُستعدة لبدء رحلتكِ، يا آنسة باكستر؟»

«أنا مستعدة الآن.»

«حسنًا، في قضية كهذه من الأفضل ألا نُضيع أي وقت؛ يمكنكِ الذهاب صباح الغد إذن؟»

«أوه، بالتأكيد، لكن يجب أن أغادر المكتب فورًا، ويجب أن تستعينَ بشخصٍ ما لإنهاء العمل الذي بين يدَي الآن.»

قال رئيس التحرير: «سأهتمُّ بذلك.»

وهكذا شعرَت جيني بالارتياح، ثم ذهبت إلى مكتب تلغراف؛ فهي تعلَم أنها إذا كتبَت رسالة إلى الأميرة، التي تُقيم الآن في فيينا، فمن المُحتمَل أنها ستصل هي نفسها إلى تلك المدينة قبل رسالتها، لذلك أرسلت برقيةً بأنَّ لديها مهمة عمل في فيينا وأنها ستصِل في اليوم التالي على متن قطار أورينت السريع، وألمحت إلى أنها مهمة قد تحتاج فيها إلى مساعدة الأميرة. ثم أسرعت إلى منزلها لتحزم أمتعتها. وفي المساء، وصلتها برقيةُ ردٍّ من فيينا؛ حيث طلبت منها الأميرة إحضار فستانها الخاص بحضور الحفلات وكل ملابسها الأنيقة. وأضافت السيدة أنها ستنتظرها بنفسها في محطة القطار، وطلبت من جيني أن تُرسِل إليها برقية، في الطريق، بوقت وصولها. كان من الواضح أن سموَّها مُستعدة تمامًا للانخراط في هذه المهمة أيًّا كان المخطط الموضوع لها، وقد شجَّعَت هذه الحقيقة جيني على الأمل في أن النجاح ربما ينتظرها.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤