ظاهر المدينة

عُدْ بذاكرتك إلى اليوم الثامن والعشرين من شهر يونية سنة ٦٢٢م، ففي ذلك اليوم كان رسول الله قد بلغ من هجرته أن أصبح على أبواب يثرب لم يبقَ بينه وبينها غير ثلاثة فراسخ، أفيدخلها وليس يعلم ما أعدَّه أهلها لمَقْدَمِه، وهو بعدُ مُتْعَبٌ كصحابه ودليله بعد أن قضوا ثمانية أيام يحفُّ بهم الخطر أثناء مسيرهم في الصحراء خلا ثلاثة الأيام الأولى التي قضاها مع أبي بكر في غار ثور؟ أيستريح إلى ظل جبل عَيْر الذي يفصل بين البادية وبينها؟ هذا بُرَيْدَة شيخ قبيلة بني سَهْمٍ قد جاء يُحَيِّيه ويذكر له أن أهل يثرب على أحَرِّ من الجمر في انتظاره، وأنهم يخرجون إلى أعالي الجبال والحِرَار كل يوم يتلمسونه بظاهر مدينتهم حتى تغلبهم الشمس على الظلال في هذه الأيام التي بلغ فيها القيظ حَمَارَّتَه، خير له مع ذلك أن يعدل إلى قُباء على فرسخين من يثرب حتى يرى ما الله صانع به، وحتى يستطلع بنفسه جَلِيَّة الأمر فيما هو مُقْبِل عليه.

وتخطَّى الرجال الثلاثة جبل عَيْر على رواحلهم في موضع تستطيع الإبل أن تتخطاه، فلما بلغوا ذروته وتنسموا نسيم أعاليه انكشف أمامهم سفحه المواجه يثرب، وامتدت أمام أبصارهم جنات النخيل والبساتين ذات الرواء والبهجة، ما أكرمك ربي! أية طمأنينة يبعثها هذا المنظر الساحر لنفوس أجهدتها المشقة، وقلوب لولا يقينها أن الله معها لانقبضت من الفزع طول هذه الرحلة! هذا وادي العقيق عن يسار عَيْر تبدو فيه أمام النظر منازل هي للنظر أُنس وسكينة، وتفصل بينه وبين يثرب حَرَّة الوَبَرَة، وهذه حرَّة وَاقِم عن اليمين تفصل بين يثرب والعُرَيْض، وتقوم منازل بني قريظة وبني النضير أسفلها، وهذه قباء على مقربة من سفح عَيْر تحيط بها البساتين تجري خلالها المياه متفجرة من الآبار فتزيدها رواء وبهجة، وأنِس الرسول إلى هذا المنظر وودَّ لو يطيل المكث فوق الجبل لولا حرصه على أن يتحرى أنباء بُرَيدة وأن يعرف مبلغ الحق فيها، وانحرف القوم عن عَيْر متجهين إلى قُباء، فلما بلغوها ألْفَوْا عددًا غير قليل من المسلمين أسرعوا إليها يستقبلون نبي الله ورسوله وكلهم النشوة والجَذَل.

لقد انتظروه يومهم هذا كما انتظروه في الأيام التي سبقت، فلما غلبهم القَيْظُ عادوا إلى منازلهم، وإنهم لكذلك إذ سمعوا يهوديًّا على أُطُمٍ له يَصِيح بهم: يا بني قَيْلَة هذا صاحبكم قد جاء، إذ ذاك أسرعوا إليه يسألونه! أين رآه، فأشار إلى ناحية قباء، وحث القوم إليها المسير حتى بلغوها قبل أن يبلغها محمد وأبو بكر، فلما رأوهما أحاطوا بهما إلى دار كُلْثوم بن الهِدْم إذ نزل رسول الله كما نزل بها قبله كثيرون من المسلمين الذين سبقوه إلى الهجرة من مكة، ولما استقرَّ به المقام ذهب أبو بكر إلى السُّنْحِ على مقربة من قباء، فنزل بدار خارجة أحد زعماء الأوس، وفي قباء قضى رسول الله أربعة أيام يقيم الليل بدار كلثوم ويجلس معظم النهار بدار سعد بن خَيْثَمة الأوسي، فيستقبل أنصار الله بيثرب يسألهم عن حالها ويفكر وإياهم في الانتقال إليها، وبينما هو في قباء بلغها علي بن أبي طالب قادمًا من مكة بعد أن أدَّى إلى أهلها ما كان لهم عند ابن عمه من ودائع، وفي أربعة الأيام التي أقامها النبي بقباء بنى مسجدها، وكان يعمل فيه بيده ويشاركه المسلمون، فلما اطمأن إلى أنباء يثرب دخلها وأهلها في لهفة وشوق لرؤيته بينهم، ودخلها على النحو الذي تعرفه والذي قصصته عليك في فصل «آثار المدينة».

هذا المسجد الذي بناه رسول الله بقباء هو أول بناء أُقيم في الإسلام ليكون مسجدًا؛ ولذلك اتفق جمهور المفسرين على أنه المسجد المقصود بقوله — تعالى — في سورة التوبة: لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَىٰ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ ۚ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا ۚ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ، وإن ذكر بعضهم أن هذه الآية تتناول كذلك مسجد المدينة، واستند إلى أحاديث رواها تؤيد رأيه، وأولية هذا المسجد في الإسلام وقيامه بقباء، أول منزل للنبي بعد هجرته من مكة، يجعل لضاحية قُباء ولمسجدها من المكانة في نفوس المسلمين ما يجعل زيارتها مُسْتَحَبَّةً يوم السبت من كل أسبوع، وكان الناس من أهل المدينة وزُوَّارها يقومون بهذه الزيارة منذ قرون، وما زالوا كذلك يفعلون، وهم كانوا — لا ريب — ولن يزالوا يفعلونه تبركًا بالمسجد والآثار النبوية التي به، أو التماسًا للعبرة في آثاره.

والأثر النبوي الذي يذكرونه في مسجد قباء ولا يختلفون عليه هو مَبْرَك الناقة، فالمتواتر أن هذا المسجد أقيم حيث بركت ناقة النبي أول ما بلغ قباء؛ والراجح أن يكون هذا صحيحًا، ومؤرخو المدينة متفقون على أن دار كلثوم بن الهِدْم كانت منزل الرسول ودار سعد بن خيثمة التي كانت مجلسه كانتا تجاوران المسجد، وكانت الداران موجودتين ومعروفتين في عهد المطري في القرن الثامن، والسمهودي في القرن التاسع، ويذهب الأستاذ عبد القدوس الأنصاري في تعليل زوالهما وعفاء آثارهما الآن إلى أنهما بُنيتا قُبَّتين إشادة بهما وإبقاء لذكرهما، وأنهما كانتا تقومان حيث تقوم القبتان البَيْضيَّتان الواقعتان اليوم على اثني عشر مترًا من جنوب المسجد، ورقعة المسجد كانت فضاء مجاورًا لدار كلثوم بن الهِدْم مملوكًا له، وكان قد جعله مِرْبَدًا يُجَفَّف فيه التمر، فأخذه رسول الله وبنى به هذا المسجد الذي أُسِّس على التقوى من أول يوم، والذي ظل رسول الله يذهب إليه طول مُقامه بالمدينة يذكر فيه هجرته وبلوغه منها مأمنه، ويذكر فيه دخول يثرب ونصر الله إياه فيها وإعلاء كلمة الله بانتشار الإسلام بين أهلها.

زرت قباء صُبْحَ السبت الثامن والعشرين من شهر مارس في صُحْبةٍ بينهم الأستاذ عبد القدوس الأنصاري، وإن السيارة لتجري بنا في طريق واسع مستوٍ إذ قال عبد القدوس: هذا طريق استحدثه فخري باشا عام ١٣٣٦ﻫ/١٩١٥م، لكنه سُدَّ بعد الغزوة الوهابية وظلَّ مسدودًا حتى اشتراه أمير المدينة اليوم عبد العزيز بن إبراهيم فوقفه طريقًا لقباء، أما قبل ذلك فكان طريقها معوجًّا يتعرَّج من الشرق إلى الغرب وتحيط به نخيل صغار، كثيرًا ما اختبأ فيها الأشرار فآذَوْا سالِكِيه، وأغلب الظن أن يكون رسول الله قد سلك هذا الطريق المتعرج بين قباء والمدينة، وأن يكون قد استمتع بجمال نُضْرَته ومَرْأَى المياه الجارية خلاله وبهوائه العذب الرقيق.

وبلغنا قباء ونزلنا أمام المسجد، ما أفسح رقعته! فهو مربع، ضلعه أربعون مترًا، وما أعلى جدرانه وأمتنها! فهي تعلو الأرض قرابة ستة أمتار، وتدعمها دعائم مبنية وراءها تزيدها قوة، وتخطينا باب المسجد فإذا صحن مكشوف فُرِشَ بالحصباء تتوسطه قبة يقابلها محراب، قيل: إنها أقيمت حيث بركت ناقة النبي، ويسمونها لذلك مَبْرَك الناقة، وزُوَّار المسجد يقفون عندها يعيدون من الأدعية ما يتلوه «المزوِّرون» عليهم، وفي جانب من الصحن بئر تُنْسَب لأبي أيوب الأنصاري، لم أعرف لنسبتها له سببًا مذكورًا في التاريخ، وإن رَوَى عنها المزوِّرون الروايات المختلفة، وعلى يمين الداخل من الباب جانب مسقوف ممتد طول ضلع المسجد ويزيد عرضه على عشرة أمتار، في هذا الجانب يُقيم الناس الصلاة، وفيه تقوم عُمُد وقباب، ويفرشه حصير نظيف، ويتوسطه محراب هو قِبْلة المصلين، وفي نهاية الجدار الذي يقوم فيه هذا المحراب محرابٌ آخر يقال له: طاقة الكشف، والمزورون يذكرون أن النبي رأى الكعبة من موضعه، وهذا قول ينكره الحِسُّ، وبين قباء والكعبة أكثر من ثلاثمائة ميل؛ ولذلك يقول صاحب «مرآة الحرمين»:

وفي المسجد موضع يقال: إنه طاقة الكشف يزوره الناس، ولا أدري كشف أيِّ شيء.

ليس يشبه هذا البناء الذي نراه اليوم ذلك المسجد الذي بناه الرسول بقباء؛ فقد كان ذلك المسجد الأول من اللبِن والجريد، فلما كانت خلافة عثمان بن عفان جَدَّدَه وزاد فيه على نحو ما جدد المسجد النبوي وزاد فيه، وكما هدم عمر بن عبد العزيز المسجد النبوي وشيَّده بناء بالغًا غاية الروعة، هدم كذلك مسجد قباء ووَسَّعه وبالغ في تنميقه، وأقام له مئذنة، وجعل له رَحَبة وأروقة، وفي سنة خمس وثلاثين وأربعمائة عمَّره أبو يَعْلَى الحسيني وكتب على حَجَر يوجد اليوم فوق محراب طاقة الكشف: «بسم الله الرحمن الرحيم إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللهِ الآية. أمرَ بعمارة مسجد قُباء الشريف أبو يعلى أحمد بن الحسن بن أحمد بن الحسن — رضي الله عنه — ابتغاء ثواب الله وجزيل عطائه في سنة خمس وثلاثين وأربعمائة.» وأحدث عمارة في هذا المسجد أجراها السلطان محمود الثاني سنة ألف ومائتين وخمس وأربعين، ونَقْشُ تاريخها في حَجَرٍ لا يزال على بابه.

على مقربة من المسجد مقبرة يزعمون أن مسجد الضرار الذي ورد ذكره في القرآن كان يقوم موضعها، ويذكرون أنها اليوم مقبرة الشيعة والرافضة والنخاولة، ونسبة مسجد الضِّرار إلى هذا المكان وهمٌ، وحسْبُك أن تعلم أن مسجد الضرار الذي أحرقه رسول الله كان بذِي أوان شمال المدينة، وأن قباء في أقصى جنوبها، لتدفع هذا الوهم.

قلَّ من يُعْنَى بهذه المقبرة وما يُرْوَى عنها، وإنما يُعْنَى الزائرون ببناء مظلم يجاور مسجد قباء ويسميه بعضهم مسجد عليٍّ، ويروي الأكثرون أنه دار زوجه فاطمة ابنة الرسول، ويُزِيرُون الناسَ حَجَرًا في داخله يقولون: إنه الرَّحَا التي كانت فاطمة تطحن بها الحِنْطة، وليس لهذا الكلام سند من الثبوت العلمي، وإن كان في روايته من الخير أنه يُعَلِّم الناسَ شَرَف العمل اليدوي وخدمة المرء نفسه والمرأة بيتها.

فأما الأثر الثابت بقباء ثبوت المسجد، والذي يسترعي لذلك الانتباه والعناية، فبئر أَرِيس، ومنبع العين الزرقاء، وهما يقعان قبالة باب المسجد وعلى مقربة منه، ويلفتان مثله نظر الباحث المحقق كما يلفتان نظر الزائر المتبرك، فأنت ترى أمامك قبة تحسبها مزار وليٍّ أو صحابي، وتعجب كيف لم يهدمها الوهابيون؟! ثم تسمع حين تسأل عنها أنها قائمة على بئر أريس، وترى إلى جانبها قبة أخرى ذات محراب بها طاقة تطل على البئر ويُسْتَقَى منها، فماء البئر عذب سائغ والزائرون يشربونه تبركًا لما يقال لهم من أنه كان أُجَاجًا فتَفَلَ النبي فيه فعَذُبَ، وهذه رواية لم يُثْبِتْها ثقات المحدِّثين، ونفاها نُقَّاد الحديث ولم يتجاوز عنها إلا أقلُّهم.

ولهذا القول الضعيف تُسَمَّى بئرُ أريس بئرَ التَّفْلة، وهي تسمى كذلك بئر الخاتم، لما يقال من أن خاتم رسول الله سقط فيها، ورواية سقوط الخاتم ليست منسوبة إلى النبي، فقد بقي هذا الخاتم في حياته وطول خلافة أبي بكر وعمر، وفي السنة السادسة من خلافة عثمان سقط الخاتم من يده في هذه البئر؛ بئر أريس، وعبثًا بحث الباحثون عنه لاستخراجه منها.

وقد أضيفت بئر أريس بعد ذلك إلى العين الزرقاء الواقعة في جوارها، كما أُضيفت إليها بئر الرباط وبئر بُوَيْرة، ومياه الآثار تُحْدِث حين انحدارها في العين الزرقاء دَوِيًّا كدوي الشلالات؛ ولذلك يسميها أهل المدينة شلالات العين الزرقاء.

هذه هي البقعة التي نزل بها رسول الله أول ما بلغ يثرب حين مُهَاجَره من مكة، وتحيط بها إلى مرمى النظر من كل جانب طبيعة متفاوتة الألوان تصف ظاهر المدينة وتعيد إلى الذاكرة صورةً مِن تفاوُت حظها، ذكرنا ما يراه القائم بأعلى عَيْر من هذا المحيط، إذ يرى يثرب أمامه ووادي العقيق إلى يساره ممتدًّا غرب المدينة فيما وراء حَرَّة الوَبَرة إلى ما بعد بئر رُومة في شمالها، والعُرَيْض وعوالي المدينة إلى يمينه من شرق حَرَّة واقم، وهناك في الشمال من أقصى المدينة أُحُد، وتبدو هذه الأودية منحدرة من الجنوب إلى الشمال تسيل في انحدارها مياه الأمطار، فتجعل منها جنَّات ذات زرع زاهي الخضرة، وبساتين تنبت من الفاكهة ما لذَّ وطاب، إلا التفاح والكمثرى مما لا يجود في البلاد الحارة، لقد كان وادي العقيق حتى هاجر رسول لله إلى المدينة ممرعًا بالمزارع ذات البهجة، فلما انتشر الإسلام وامتد لواء عاصمته إلى مصر والروم والفرس وانهالت الأموال إلى المدينة أصبح العقيق قصورًا كله، يفاخر في ترف الحضارة قصور بزنطية ورومية، ولقد كانت عوالي المدينة زاهرة عامرة بعد أن أُجْلِيَ اليهود عنها وأصبحت خالصة للمسلمين، بها منازل بني عبد الأشهل وبني معاوية، حولها البهاء والنضارة والرواء، فلما تنَكَّر الحظ للمدينة بعد أن تركها أبناؤها الأولون ليقيموا بدمشق وبغداد والقاهرة؛ ولينعموا في رياض الأندلس بما حسبه آباؤهم في العهد الأول حلمًا من الأحلام، بدأت قصور العقيق تنْدَكُّ، وبدأت نُذُر التدهور تمُدُّ يدَها القاسية المدمرة إلى كل ناحية من المدينة.

وأنت اليوم لا ترى في طريقك إلى قباء من غِرَاسٍ أو بساتين تلفت النظر بعض ما ترى من يَبَابٍ بَلْقَعٍ لا زرع به ولا ثمار، ومتى كانت الأرض تأخذ زخرفها وتزدان لقوم هجروها فلم يعكفوا على استغلالها والإفادة من خصبها مكتفين بأن يعيشوا كَلًّا على غيرهم لا يأتون بخير من سَعْيِهم ودأبهم.

وهذه المنطقة بين قباء والمدينة من أخصب مناطقها، بل لعلها أخصبها؛ وهي لذلك تثمر جُلَّ فاكهتها وخُضَرها؛ ومِن ثَمَّ كانت مُتَنَزَّه المدينة ومَصَحَّها في مختلف العصور، يخرج إليها الناس للتروُّض، ويقيم بها النَّاقِهون استعادةً للنشاط والقوة، ولقد كان رسول الله كثيرًا ما يخرج في أصحابه إليها، فهي قد تركت في نفسه أجمل الأثر مذ نزل أول مهاجره بها، فلما أزمع إذ ذاك الانصراف إلى المدينة سار في مظاهرة من المسلمين متخطيًا بئر أريس بوادي رَانُونَاء متجهًا إلى وادي بُطْحان فنخيل يثرب، وإنه لَبِوَادِي رانوناء إذْ أذَّنتْ صلاة الجمعة، فنزل فصلَّاها بمَن معه، وذكرًا لهذا الحادث أقيم على طريق قباء مسجدُ الجمعة، يقوم اليوم على يمين الذاهب من قباء إلى المدينة، وكان موضع هذا المسجد يوم صلى به النبي واقعًا في منازل بني سالم من الأنصار، ولا تذكر كتب التاريخ المدونة أول مَن بنى هذا المسجد، أما بناؤه الحالي فأقامه بايزيد السلطان العثماني الذي تولى السلطنة من سنة ٨٨٦ إلى سنة ٩١٨ هجرية، يدلُّ على ذلك نقش لا يزال موجودًا على حجرين من الرخام الأبيض مُثبَّتَيْن في جداره، وقد عفت الأيام على منازل بني سالم وتركت المسجد يقوم اليوم في أرضٍ مُهْملة إلا من بستانين قلَّت العناية بهما، يقع أحدهما في شماله، والآخر في جنوبه.

ذكرتُ في فصل «آثار المدينة» ما حدث حين دخول النبي إليها بعد صلاة هذه الجمعة وخطبته فيها، فلا حاجة إلى العَوْد لذكره، وإنما أقف هنا فيما بين قباء ومسجد الجمعة ليحدثني الأستاذ عبد القدوس عن أُطُم الضُّحيان وحصن كعب بن الأشرف، يقع أولهما على مقربة من قباء إلى ناحية الغرب، ويقع الآخر إلى ناحية الشرق وبينه وبين قُباء أربعة أمثال ما بين الضُّحيان وبينها، وذكرتُ لحديث الأستاذ عبد القدوس ما كان بيثرب حين هجرة الرسول إليها من آطام وحصون تحميها غائلة المعتدين عليها، وتجعل عبد الله بن أُبَيٍّ ابنَ سَلُولَ يقول إذ يتحدث القوم في أمر قريش قبيل غزوة أُحُد: «لقد كنا يا رسول الله نقاتل فيها، ونجعل النساء والأطفال في هذه الصَّيَاصي، ونجعل معهم الحجارة، ونشبك المدينة بالبنيان فتكون كالحصن من كل ناحية، فإذا أقبل العدوُّ رَمَتْه النساء والأطفال بالحجارة وقاتلناه بأسيافنا في السكك، إن مدينتنا يا رسول الله عَذْرَاء ما فُضَّت علينا قطُّ، وما دخل علينا عدو فيها إلا أصبناه.»

وشاقني أن أرى هذه الحصون والآطام كيف كانت؟ وانطلقت بنا السيارة حتى كنا عند أُطُم الضُّحيان، فإذا أحجار سود من حجارة الحرار مركوم بعضها فوق بعض، ولم يبقَ من الأُطم إلا جدار هو القائم يحدِّث سُمْكه وارتفاعه عما كان عليه من عظمة وقوة ومنعة، وهو بالغ الدلالة على ذلك كله، يبعث ما بقي منه إلى النفس رهبة ومهابة، تسلقنا بعض هذا الجدار السميك ورميت بنظري إلى الفضاء حولي، فخلتني أرى ما كان عليه من قبل بما تبينتُ من نوع عمارته، تدل عليها الآثار القليلة الباقية منه، وهبطتُ أسأل عن حِصْن كعب بن الأشرف، فعلمت أنه ليس خيرًا من هذا الأطم صيانةً، وأن ما بقي من آثاره لا يزيد عما بقي من الضحيان، على أن كعبًا وحصنه أثارا في ذاكرتي مَقْتَل الرجل على عهد الرسول، في حين لم يثر الضحيان شيئًا أعرفه، فقد كان كعب عدوًّا للمسلمين شديد اللَّدَدِ في عداوته، يهجوهم ويرسل فيهم الأشعار ويعيبهم بمقذع القول، هنالك ائْتَمَرَ به جماعةٌ من شبان المدينة، فاحتالوا عليه واستدرجوه ليلًا من حصنه وقتلوه، وكعب هو الذي قال بعد غزوة بدر ومقتل سادات قريش بها: «والله لئن كان محمد أصابَ هؤلاء القومَ لَبَطْنُ الأرض خير من ظهرها.» وهو الذي ذهب إلى مكة يُحرِّض على رسول الله، وينشد الأشعار ويبكي أصحاب القليب؛ قليب بَدْر، وهو الذي رجع بعد ذلك إلى المدينة وجعل يتشبَّب بنساء المسلمين، ومقتل كعب هو الذي أدَّى إلى حصار بني قَيْنُقاع وإلى تجويعهم فتسليمهم وإجلائهم عن المدينة.

وليس يسعني وأنا الآن في طريق قباء إلى المدينة أن أغفل الحديث عن مَشْرَبة أم إبراهيم، ولست أخفي ما كان بي من شوق إلى زيارة هذه المَشْرَبة والوقوف بها مذ نزلت المدينة، ولا عَجَبَ، فأمُّ إبراهيم هي مارية القبطية، وهي المصرية التي بعث المقوقس بها وبأختها سيرين هدية لرسول الله حين بعث رسول الله إليه يدعوه إلى الإسلام، أما وهي ابنة وطني مصر، وهي التي وَصَلَتْ بين وطني ونبينا — عليه أفضل الصلاة والسلام — بصلة خالدة على التاريخ إذْ ولدت له ابنه إبراهيم، وهي التي أبقت لذلك في مدينة الرسول آثارًا يزور الناس جميعًا؛ منها قبر إبراهيم بالبقيع؛ فلا جرم أن أحرص — أنا المصري الصميم — على زيارة المكان الذي اختاره الرسول مقامًا لمارية، والذي كان مقامه كلما ذهب إليها، والذي شهد عَبَرَاتِه تتساقط يوم مات إبراهيم حُزْنًا وجزعًا، ولا جرم أن يكون بي إلى هذا المكان هَوًى لا يشعر به غيري ما أشعر أنا به.

ومَشْرَبة أم إبراهيم تقع بالعالية من ضواحي المدينة، وقد يكون تجوزًا نسبتها إلى قباء وطريقها، فأنت تسير إليها من المدينة سالكًا طريق قباء حتى تبلغ ملتقى وادي بُطحان بوادي رَانُوناء؛ إذ ذاك تتياسر مع وادي بطحان متجهًا إلى شرق المدينة مُيَمِّمًا وادي مُذّيْنِب ووادي مَهْزُور، والعوالي تقع بين هذين الواديين، هناك يأخذ بنظرك مسجد قائم بين خضرة نضرة وزرع بهيج، وبيئة طبيعية تثير في النفس ذكرى البيئة المصرية، وهذا المسجد يقوم اليوم حيث كانت تقوم المشربة في عهد رسول الله.

أفأقامت مارية بالمشربة مُذْ أهداها المقوقس إلى رسول الله، أما أقامت بها بعد مولد إبراهيم أو قبيل ذلك بعد الحمل به؟ لم يرد عن ذلك نبأ صريح، وكُتَّاب السيرة الذين يجيبون عن هذه المسائل يذهبون في جوابهم مذهب الظنون، وأحسب مارية أقامت بالمشربة بعد قليل من مجيئها من مصر، وأنها ظلت بعد ذلك بها، وأحسبها أقامت بها قبل أن تُسْلِم، فهي إنما أسلمت بعد حَمْلِها — أو بعد مولد إبراهيم — ولذلك لم تُضَمَّ إلى أزواج النبي، ولم تكن أول أمرها بين أمهات المؤمنين، فلم تُبْنَ لها حجرة إلى جانب حجراتهن، ولعل النبي حباها بها إكرامًا لها؛ لأنه كان كريم الطبع؛ ولأن مارية كانت يومئذٍ نصرانية، وأقرب الناس مَوَدَّةً للذين آمنوا الذين قالوا: إنَّا نصارى، ولعله اختار لها هذا المكان مقامًا؛ لأنها ألِفت فيه شَبَهًا بطبيعة بلادها.

ونمط مسجد المشربة كنمط مساجد مكة والمدينة التي أُقيمت للذكرى لا للصلاة، وهو خير في بنائه وفي صيانته من كثير من المساجد التي من نوعه، وفي صَحْنه إلى جوار الجدار المقابل للمحراب بئر ما يزال الماء بها، لكنها لم تُبْنَ فوهتها، ولم تعلق عليها دلوٌ، مما يدل على أن ماءها غير مأثور للشرب ولا للتبرك.

أقمتُ طويلًا عند مسجد المشربة، ودرتُ حوله من نواحيه جميعًا، وحاولت أن أصور لنفسي تلك المصرية التي سكنت هذا المكان كيف كانت، وهل كانت تعيش ها هنا كما كانت تعيش في مصر؟ أما أنها آثرت حياة أهل المدينة فسارت سيرتهم ونسجت على منوالهم؟ وإن المؤرخين ليذكرون أنها كانت جميلةً، حلوة القسمات، قمحية اللون، يتوِّج رأسها شعرٌ أسود متموج، وأنها كانت تعيش في مشربتها بين الحدائق التي أهداها مُخيْريق إلى الرسول بعد جلاء بني النضير عن المدينة، عيش طمأنينة ونعمة، أما بعضهم فيذكر أنها أقامت أول عهدها في دارٍ بالمدينة تُجاوز حجرات النبي، وأنا لم تُنقل إلى المشربة إلا بعد مولد إبراهيم، وحين ظَاهَرَتْ حفصة وعائشة على النبي بعد أن عادت حفصة يومًا من دار أبيها فوجدت مارية في بيتها مع النبي، وهذا قول مرجوحٌ؛ لأن مارية لم يُعْرَف لها بالمدينة بيتٌ قط، ولأن مُظاهرة حفصة وعائشة لا ترجع إلى سبب واحد.١

على مقربة من مسجد المشربة يقع مسجد الفَضِيخ شرق قرية العوالي، وهو أوسع رقعة من مسجد مارية ومن كثير من المساجد الأثرية، له شُرفات وخمس قبابٍ، ومحرابٌ يجاوره منبر من حجارة يرتفع عن الأرض درجتين، وقد سُمِّي هذا المسجد الفضيخ لما يُرْوَى من أن أبا أيوب أراقَ به الفَضِيخَ، وهو خمر التمر، إذ بلغه وهو في نفر من أصحابه نزول تحريمها، ويُسمى هذا المسجد كذلك مسجد الشمس؛ لأن الشمس تطلع عليه أول شروقها، وهو مسجد مأثور لصلاة النبي بموضعه ست ليال حين حصاره بني النضير.

ليس يُقابلك إذ تسير شرق الخندق من ظاهر المدينة أثر غير ما قدمنا خلا مسجد بني ظَفَر ومسجد الإجابة، وقد ذكرنا مسجد الإجابة حين تحدثنا عن آثار المدينة، أما مسجد بني ظَفَر فيقع شرق البقيع، ويُؤثر عنه أن رسول الله أتى بني ظَفَر فجلس على الصخرة التي في مسجدهم في جماعة من أصحابه وأنه أمر قارئًا فقرأ حتى أتى على هذه الآية: فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَٰؤُلَاءِ شَهِيدًا، فبكى رسول الله وقال: «أي رب! شهيد على مَن أنا بين ظَهْرانَيْه! فكيف بمَن لمْ أرَه؟!» ويذكر صاحب مرآة الحرمين أن هذا المسجد يسمَّى كذلك مسجد البغلة لوجود أثر بجوار المسجد في حرَّة واقم يزعم المزوِّرون أنه لحافر بغلة النبي، كما يزعمون في تأويل انخفاض في حجر هناك أن رسول الله اتكأ في هذا المكان بمرفقه فترك في الحجر هذا الأثر، كما تركت أصابعه أثرًا في حَجَر آخر، ويُضيف إبراهيم باشا رفعت: «ولم يثبت شيء من ذلك، وإنما هو محض افتراء زَوَّره المرشدون للآثار ليستدرُّوا بذلك أموال الدهماء.»

تقع هذه الآثار كلها بحَرَّة وَاقِم، والحرة كما أسلفنا منطقة سوداء من الحجارة المحترقة اختلط بها أكثر الأمر حممٌ بركاني، وحرة واقم تحدُّ المدينة من الشرق كما تحدها حرة الوبرة من الغرب، ولقد كانت واقم أكثر عمرانًا من الوبرة أول ما جاء رسول الله إلى المدينة، كانت منازل اليهود من بني النضير تقع في جنوبها ويليها إلى الشمال منازل بني قريظة منهم؛ ثم كان بها ثلاثة منازل للأوس: منازل بني ظَفَر واقعة إلى الشمال من وادي مَهْزُور، ومنازل بني عبد الأَشْهَل في أوسط الحَرَّة، ومنازل بني حارثة في شمالها، وفي منازل بني عبد الأشهل كان يقوم في حصنهم واقم الذي سُمِّيت الحَرَّة باسمه، وقد ترك أصحاب هذه المنازل من اليهود والأوس آثارًا في الحرة تدل على حضارة ونظام؛ تركوا بها آثار مصانع وصهاريج مياه لم يبقَ منها اليوم إلا أطلال دَوارِس، ولا عجب، وقد كانت هذه الحرة ميدان حرب مذ استقر الإسلام بالمدينة، حاصر رسول الله بني النضير في منازلهم بها وقد ائتمروا به ليقتلوه، وذلك حين خرج إليهم بعد مقتل كعب بن الأشرف يريد أن يقر السلم باحترام عهد الموادعة بينه وبينهم، وقد أدرك ائتمارهم فانسحب من ديارهم، وأرسل إليهم محمد بن مسلمة يبلغهم: «أن رسول الله أرسلني إليكم أن اخرجوا من بلادي، لقد نَقَضْتُم العهدَ الذي جعلتُ لكم بما همَمْتُم به من الغَدْر بي، لقد أجَّلتكم عشرًا، فمن رُئِيَ بعد ذلك ضربتُ عنقه.» وتحيَّرت بنو النَّضير ما تصنع، ثم انتهت بتحريض عبد الله بن أُبَيٍّ إلى عدم النزول على حُكم هذا الإنذار النهائي الذي أُبلغ إليهم، هنالك حاصرهم المسلمون وقاتلوهم عشرين ليلة وقطعوا نخيلهم، فلما بدا لهم اليأس من المقاومة سألوا محمدًا أن يُؤَمِّنهم حتى يخرجوا من المدينة، وخرجوا منها تاركين وراءهم مغانم كثيرة.

وحاصر رسول الله بني قُرَيْظَةَ بعد أن نقضوا عهده وغدروا به وانضموا إلى الأحزاب في غزوة الخندق، فلما تولى الأحزاب عن المدينة بعد أن خلع الإعصار خيامهم وقلوبهم، قاتل المسلمون بني قريظة في منازلهم خمسًا وعشرين ليلة حتى سَلَّموا وحَكَّموا سعدَ بنَ مُعاذ في مصيرهم، فحكم بأن تُقتل المُقاتِلة، وتُقَسَّم الأموال، وتُسبى الذرية والنساء، وكذلك كان.

من بعد ذلك ظلت المدينة آمنة إلى مقتل عثمان، ثم بدأت الثورات والحروب الداخلية بين عليٍّ ومعاوية، فلما قُتِل عليٌّ بالكوفة وانقضى عهد معاوية وتولى يزيد ابنه إمارة المؤمنين انتقض عبد الله بن الزبير والحسين بن علي، وأقام عبد الله بن الزبير بمكة وبايعه الهاشميون، فجهز يزيد لمحاربته جيشًا مؤلَّفًا من اثني عشر ألفًا من الفرسان وخمسة آلاف من المُشاة وجعل على رأسهم مسلم بن عُقبة المُرِّي، وبلغ مسلم المدينة سنة ثلاث وستين فوجدها مُحَصَّنة حولها الخندق، لكنها لم تقاوم غير أربعة أيام ثم سلَّمت، وكانت هذه وقعة الحَرَّة المشهورة في التاريخ الإسلامي، وإنما سُميت هذه الوقعة الحَرَّة؛ لأن جيوش يزيد جاءت من حَرَّة واقم.

تحدُّ هذه الحَرَّة المدينة من الشرق وتحدها حَرَّة الوبرة من الغرب، وتبدأ حرَّة الوبرة قُبالة قُباء من الجنوب عند ذي الحُليفة؛ ميقات الإحرام لأهل المدينة، وأول الطريق منها إلى مكة، وليس بذي الحليفة اليوم غير بئر ومسجد؛ بئر توضأ منها رسول الله وتوضأ منها المسلمون للإحرام للعمرة والحج عام الحديبية وعام الوداع، ومسجدها قائم بالمكان الذي كانوا يُصلُّون فيه للإحرام، والمسجد القائم اليوم أثَري لا يتسع لمائة أو لمائتين من المصلين، وبه محراب كُتب أعلاه:

بمسجد سيِّد الأَبْرَار كَرِّرْ
سُجودَكَ بالغَدَاةِ وبالعَشِيِّ
لعَلَّك أن تَمَسَّ بحُرِّ وَجْهٍ
مكانًا مَسَّه قَدَمُ النبيِّ

وكُتب كذلك: «بات رسول الله مبدأه، وصلى بمسجدها.» في صحيح مسلم عن ابن عمر، وفي الصحيح أن مبدأه أي: في أول حجة له.

وأغلب الظن أن تكون هذه الكتابة قد نُقشت بأعلى المحراب في عصر متأخر من عصور الانحلال، فهذا البيتان من الشعر يدلان على ذلك بلفظهما ومعناهما.

وعلى مقربة من مسجد ذي الحُليفة آثار لجدران ذكر لي الأستاذ عبد القدوس الأنصاري أنها جدران مسجد المُعَرَّس، وأن هذه الجدران بقيت مطمورة إلى أن كشف عنها السيلُ عام ١٣٥٢ﻫ، وأن المأثور أن هذا المسجد كان يُعَرِّس به النبي، أي: يبيت به عند عوده من مكة، ولم أُعَنِّ نفسي بالبحث في صحة هذه الرواية.

وطريق المدينة إلى ذي الحليفة مُسْتوٍ يُحاذي حرة الوبرة، يبتعد عنها حينًا ويقترب منها حينًا آخر، ويقف الكثيرون أثناءها عند بئر عروة يستقون من مائها العذب الرقيق، بلغ من عذوبته ورقته أن كان حُكَّام المدينة يُهدون منه للملوك والأمراء وكبار المسلمين، ويقال: إن مياه هذه البئر تُصلح الكُلَى، ولعلهم في ذلك غير مخطئين، وهي تنسب إلى عروة بن الزبير، وإن ذكر الأستاذ عبد القدوس في كتابه «آثار المدينة المنورة»: أن رجلًا له مقهى إلى جانبها يذكر جهلًا منه أن عُرْوة امرأة يهودية هي التي حفرت البئر.

بأعلى حرَّة الوبرة من ناحية الشمال مسجد وبئر مأثوران، ومأثوران بحقٍّ؛ ذلك مسجد القبلتين، وتلك بئر رُومة، أما مسجد القبلتين فيقع على ربوة مرتفعة من الوبرة، وهو من طراز مساجد مكة التي لا يصلَّى فيها، وبه محرابان محراب داخل الجانب المسقوف منه يتجه إلى الكعبة، أي: إلى الجنوب، ومحراب في الجانب المكشوف يتجه إلى بيت المقدس، أي: إلى الشمال، والمأثور أنه صلَّى في هذا المسجد إلى بيت المقدس حتى أمره الله أن يجعل الكعبة قِبلته، وذلك على رأس سبعة عشر شهرًا من هجرته إلى المدينة، وحين نزل قوله — تعالى: قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ ۖ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ۚ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۚ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ، وقد كان تحول القبلة إلى الكعبة بعضَ ما زاد في خُصومة اليهود والمسلمين، حتى لقد ذهبت يهود إلى محمد يسألونه أن يعودَ إلى قبلتهم فيتَّبعوه فأَبَى؛ فهو لم يحول الكعبة عن هوًى منه بل إجابة لأمْرِ ربه.

أما بئر رُومة فكانت ليهودي تسمَّت باسمه، وكان يبيع ماءها للمسلمين، فاشتراها منه عثمان بن عفان إجابةً لرغبة رسول الله، ودفع له فيها عشرين ألف درهم، وهي تقع بمجتمع أسيال المدينة، إذ تلتقي بُطحان ورانُوناء في مَسِيل العقيق ثم يتصل بها مسيل قَنَاة.

وهذه بئر مقصودة حتى اليوم، أُقيم عليها بناء أمامه بِرْكة يسير فيها ماؤها عذبًا سائغًا للشاربين، وتتدفق إلى حيث تُروى المزرعة المحيطة بالبئر وبالبناء القائم في جواره، وقد يكون تجوُّزًا أن يُسمى هذا البناء مسجدًا وإن كان الناس يصلون فيه، فهو ليس كهيئة المساجد في عمارته، بل هو أدنى إلى أن يكون إيوانًا مشرفًا على البِرْكة والبئر والمزارع حولهما.

تفصل حرَّة الوبرة بين المدينة ووادي العقيق، وإذا ذُكر العقيق من أودية المدينة نسي الناس كل وادٍ للعقيق سواه، فقد كان له في أنباء التاريخ من الذكر ما جعله وادي النِّعْمة وخفض العيش والترف، يترنَّم الشعراء بمحاسنه، ويقص الرُّواة أنباء ما انطوت عليه قصوره، كان هذا الوادي الخصب الدافق بجداول المياه وبالعيون والآبار خاليًا من البناء لمَّا قَدِم النبي المدينة، وقد أقطعه بلالَ بن الحارث المُزَنِي بحجة نصُّها: «بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أعطى محمدٌ رسول الله بلالَ بنَ الحارث؛ أعطاه من العقيق ما أصْلَح فيه معتملًا. وكتب معاوية.» ولم يُصلح بلال من العقيق شيئًا، فلما كانت خلافة عمر نزعه منه وأقطعه للناس، وترك له قسمًا صغيرًا لعله يصلحه، ولم يكد عمر يفعل حتى تنافس الذين ملكوا العقيق في غرسه بساتين وجنات جعلته بهجة للناظرين، وتدفقت أموال الفتح في عصر الدولة الأموية، فبدأت القصور تقوم في عَرَصَاته تُزْري بقصور الشام وما افتنَّ الرومان في تشييده منها، وأصبح العقيق بذلك ضاحية الكُبَرَاء المُتْرَفين، ولا تزال آثار قصر سعيد بن العاص القائم بالشمال الغربي منه تشهد بذلك وتدل عليه، وكان هذا القصر مبنيًّا بالحجارة المطلية بالجصِّ من الداخل والخارج بناء أبقت متانته من آثاره ما نرى منه اليوم، وكانت تُحيط به بساتين غَنَّاء ورياض ممرعة ونعمة وارفة الظل؛ حتى لقد قال أبو قَطِيفة الشاعر يصفه ويفضِّله على قصور دمشق وبساتينها ورياضها:

القصرُ فالنخلُ فالجمَّاء بينهما
أشهى إلى النفس من أبواب جَيْرُونِ

وجيرون: دمشق، وسعيد بن العاص صاحب القصر كان أميرًا للمدينة في عهد معاوية، فهذا القصر يرجع إذن إلى أكثر من ثلاثمائة وألف من السنين، وقد جعله سعيد موضع رياضته ونزهته وكان يدعو إليه أصحابه ونُدَمَاءَه ينعمون فيه بالحياة كخير ما ينعم إنسان بين الرياض الفيحاء والبساتين الغنَّاء ومفاتن الفن المختلفة التي نافس بها أجمل قصور الشام.

وإنما كان قصر سعيد واحدًا من قصور العقيق الكثيرة التي جعلها أصحابها مرابع تَرَف وجنات نعيم، كان به قصر عُرْوَة بن الزبير على مقربة من بئره، وقصر سُكَيْنة بنت الحسن وكان يسمى الزَّيْنَبِي، وقصر مروان بن الحكم، وقصر عبد الله بن عامر، وقصر جعفر بن سليمان، وقصر إبراهيم بن هشام، وغيرها من القصور الكثيرة القائمة بين بساتينه وآباره ومزارعه وجَمَّاوَاتِه، وجَمَّاوات العقيق مرتفعات سود كبار قائمة على شفيره الغربي دون الجبال وفوق الهضاب، وأقرب هذه الجَمَّاوات إلى المدينة جَمَّاء تُضَارع القريبة من بئر عُروة، وتجاورها جَمَّاء أم خالد وتكاد تتصل بها من ناحية الشمال، أما جَمَّاء عاقل فتبعد عنها إلى الشمال كذلك، وهي أقرب الجَمَّاوات إلى قصر سعيد بن العاص.

بدأنا الحديث عن ظاهر المدينة من جنوبها حيث تقع قُباء في سفح عَيْر، وتناولنا الشرق موقع حرة واقم، والغرب موقع حرة الوبرة ووادي العقيق، ونحن في غنًى عن أن نتناول بالقول شمال المدينة، فشمالها أُحُد يفصل بينها وبين وادي قناة، وقد تحدثنا عنهما حين حديثنا عن قبرة حمزة، وهذا التحديد لظاهر المدينة يرسم أمامنا صورة منها ومما يحيط بها من نواحيها الأربع، ويفسر لنا الأحاديث المنسوبة إلى النبي في تحريمها كحُرمة مكة، فقد روي أنه قال: «إن إبراهيم حرَّم مكة ودعا لأهلها، وإني حرَّمت المدينة كما حرم إبراهيم مكة.» أو قال: «إن إبراهيم حرَّم مكة وإني حرَّمت المدينة ما بين لَابَتَيْها لا تقطع عِضَاهُهَا ولا يُصاد صيدها.» أو قال: «إني أحرِّم ما بين جبليها مثل ما حرَّم إبراهيم مكة.»

وجبلا المدينة المقصودان هنا هما: عَيْرٌ وأُحُد، أو عَيْر وثَوْر الواقع وراء أُحُد ليدخل أُحُد في الحرم، ولابتا المدينة هما الحَرَّتان: واقم والوبرة، ولسنا نقف بطبيعة بحثنا عند مناقشة ما قيل في إثبات هذه الأحاديث أو نفيها، وفي حُرْمة المدينة أو عدم حرمتها، ولا نريد أن نضع هذه الأحاديث إلى جانب خطاب النبي على أثر فتح مكة إذ قال: «إن الله حرم مكة يوم خلق السموات والأرض فهي حرام من حرام من حرام إلى يوم القيامة.» لنقول: إن حرمة مكة مرجعها إلى البيت العتيق، إنما أردنا أن نُظهر القارئ على ما يراد بجبلي المدينة ولابتيها لتكمل أمامه صورتها، وليرى أن العقيق الواقع أمام لابة الوبرة يقع بعد ظاهر المدينة على التحديد الذي اخترناه حين جعلنا الخندق الحد الفاصل بينهما وبين ظاهرها.

هَبْ هذه الأحاديث صَحَّتْ وكان رسول الله قد حرَّم المدينة كما حرم إبراهيم مكة، أفيجدر بنا أن نستنبط من ذلك أن الذين شَيَّدوا قصورهم بالعقيق إنما تخطَّوْا حَرَمَ المدينة ليكون لهم من الحرية ما ليس للمقيم داخل هذا الحرم، أم أن الأمر لا شيء من ذلك فيه، وإنما بنى ذوو الثراء بالعقيق لجودة جوه وعذوبة مائه وجمال مناظره ولما يوحيه ذلك إلى النفس من معاني النعمة في الحياة؟ أم أن الأمر لم يكن هذا ولا ذاك وإنما بنى بالعقيق مَن بنى؛ لأن المدينة انفسحت رقعتها وكثر أهلها حين كانت عاصمة الإسلام وحاملة لوائه، فلم يكن بدٌّ من تجاوز حدودها لمن أراد الابتعاد عن ضَجَّة الحاضرة وجلبة الحياة فيها؟

لا أخالنا قادرين على أن نقطع أيُّ هذه الأسباب الصحيح؟ وربما كانت كلها قد تضافرت فأخرجت الناس من حرم المدينة إلى وادي العقيق، فلما انحلَّت الحضارة الإسلامية ولم تبقَ المدينة عاصمة الإسلام وحاملة لوائه عاد العقيق فأقفرت عَرَصَاتُه، وكثرت جَمَّاواته، واضطرب مسيل الماء فيه، فارتد اليوم قفرًا كما كان قبل أن يعطيه رسولُ الله بلالَ بنَ الحارث المزني، ويوم كانت يثرب موضع نزاع دائم ودسائس متصلة بين الأوس والخزرج واليهود.

أرجأنا الحديث عن حياة رسول الله وأصحابه بالمدينة حين حديثنا عن آثارها حتى نُتِمَّ الحديث عن ظاهرها، أما وقد أتممناه فحق علينا أن نصف طرفًا من هذه الحياة الإسلامية الأولى في عاصمة الإسلام، ولعلك صورت لنفسك طرفًا من هذه الحياة بما قصصنا عليك من أمر المدينة وطبيعتها وآثارها وظاهرها، فقد بلغ رسول الله المدينة أول هجرته إليها وأهلها من الأوس والخزرج مشوقون لحياة روحية جديدة تسمو بهم على الأصنام وعبادتها مما كان اليهود المقيمون بين أظهرهم يعيبونهم عليه، وتقيم لمدينتهم وحدةً طالما جنت عليها المنازعات والحرب الداخلية جناية دعتهم إلى التفكير في إقامة رجل منهم أميرًا عليهم جميعًا، فلما جاء النبي إليهم وأقام بين أظهرهم والتف حوله من الأوس والخزرج كثيرون بدأت الحياة في المدينة تتجه اتجاهًا جديدًا، وبدأ الأوس والخزرج الذين أقاموا على شِرْكِهم ينظرون إلى هذا التطور الجديد بعين الريبة والحذر، وينسَوْن لذلك ما كان بينهم وبين اليهود من عداوة وبغضاء.

وبدأ رسول الله حياته السياسية في المدينة، وجعل سياسته فيها سياسة قوة لا يتطرق إليها الضعف، وإن لم تشبها شوائب العدوان على الغير، وسياسة القوة هذه كانت مقدِّمة حياة الجهاد الذي اندفع إليه المسلمون من يومئذٍ إلى أن بدأت نُذُر الانحلال أيام الدولة العباسية، وأنت إذ تعود بذاكرتك إلى ما قصصنا من أمر الآثار بالمدينة وبظاهرها ترى هذا المعنى واضحًا جليًّا، ذلك حديث المساجد والآطام والقصور، بل هو حديث الجبال والآبار والعيون، لم أذكر مسجد السبق بين المساجد التي تحدثت عنها؛ لأني لم أقف له على أثر، لكن الروايات تجري بأن هذا المسجد أقيم شاهدًا على المكان الذي اعتاد المسلمون الاستباق في ميدانه الفسيح رجالًا وعلى الجياد، وفي هذا مظهر قوة وإقدام.

ومسجد القبلتين يذكر حادثًا روحيًّا استقلَّ به المسلمون عن غيرهم من أهل الأديان التي تتجه إلى بيت المقدس، ويُحَدِّث لذلك عن استهانة المسلمين باليهود ودسائسهم التي جعلت أهل المدينة قبل هجرة الرسول إليهم يخشونهم ويحسبون لهم ألف حساب، ومسجد الفتح ومسجد الإجابة والمساجد الواقعة على مقربة من أُحُد والقائمة حول الخندق تُحَدِّث كلها عن غزوات اشتبك المسلمون فيها واستهانوا بالموت أثناءها، ثم كانوا أبدًا الغالبين، وكثير من الآبار يُحَدِّث عن إيثار المسلم إخوانه على نفسه، فبئر رُومة اشتراها عثمان بن عفان بعشرين ألف درهم لتكون خالصة للمسلمين ولم يكن له منها إلا حظُّ رجل منهم، والعيون التي ضُمَّت للعين الزرقاء كانت كلها مملوكة لأفراد من المسلمين، فنزل كثيرون منهم عن مالهم لله وفي سبيل الله، وما كان لنفس تعرف الجهاد في سبيل الله وتُقْبِل عليه راضية مرضية أن تعرف الأَثَرة أو ترضاها، أو أن تعرف الضعف فتذل له، والقوة والإيثار لا يجتمعان في نفس ما يجتمعان في نفس المجاهد، وليس يسمو أحد إلى ما يسمو إليه المجاهد المؤثر من أمثال الحياة العليا، فإذا بلغ المؤثر من إيثاره أن نَسِيَ نفسه في إخوانه وأن أحبَّ إخوانه في الله لم تغلبه قوةٌ في الأرض حيًّا، فإن مات بقي مِن ذكر جهاده ما يكفل لمثله الأعلى النصر لا محالة.

هذا اللون من حياة المسلمين في المدينة وما كان لهم في رسول الله من أسوة حسنة هو الذي طوَّع للمسلمين فتح الأمصار وحُكم الأمم ونشر لواء إيمانهم في الخافِقَيْن، وفي ذلك الدليل على أن الحياة فكرة أولًا وآخرًا، وأن قوة المرء وضعفه — كقوة الأمة وضعفها — رهن بقوة فكرته في الحياة أو ضعفها، فمن آثر الحياة خوفًا من الموت، راضيًا من الحياة بما تريد الحياة منه لا بما يريده هو منها يبلغه أو يموت دونه، فهو ضعيف وإن بلغ من الجاه والسلطان أعظم مبلغ، ومَن غَرَّته الحياة بزينتها فخدعته عن المثل الأعلى من الجهاد في سبيل الله، فقد ذَلَّ للحياة ابتغاء عَرَضٍ زائل وأوهام خاطئة كاذبة، فأما مَن أراد الحياة لمثل أعلى يبتغي تحقيقه لخير إخوانه فهو سيِّد الحياة العزيز الجَنَاب، وإن كان بين الناس الفقير الضعيف الذي يُحاربه الناس.

هذه كانت حياة المسلمين الأولين في المدينة، وبهذا تُحَدِّث آثارها ويشهد ظاهرها، فلما نسي المسلمون ما لله من المثل الأعلى وعكفوا على أنعُم الحياة وتوهموها الغاية من الحياة، بدأت نُذُر الانحلال يدبُّ دبيبها فيهم، وتسري جراثيمها إليهم، وغرَّهم ما فعل أسلافهم وما أورثوهم من قوة، كما يغترُّ القوي العضل بقوة عضله فيُقْبِل على اللهو مستهينًا بالنُّذُر، ناسيًا أن لليوم غدَه، وأن للشباب كهولةً وشيبًا، ولو أن المسلمين فطنوا إلى النُّذُر من أول عهد الانحلال لأغنتهم ولَمَا أصابهم من الهوان ما أورثوه أبناءهم، فما يزالون حتى اليوم يَصْلَوْن من أثره ذلة تَرْهَقُهم وتجعلهم أسوأ عنوان لدينٍ هو دين الكمال والمثل الأعلى.

إن يرد المسلمون خروجًا من هذا الهوان فليعيدوا سِيرَةَ السلف الأولين في القوة على الحياة والإيثار على النفس وفي البر والتقوى، وليذكروا قوله — تعالى: لَيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا ۖ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ ۗ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ، وقوله — جل شأنه: وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ۖ فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللهِ ۚ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا ۖ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ.

إنهم إن فعلوا فآثروا على أنفسهم، وذكروا الجهاد في سبيل الله، وتحابوا بنور الله بينهم، واتخذوا من مثل السَّلف الأول أسوتهم، غفر الله لهم وغيَّر ما بهم، وأنزلهم مكان العِزَّة، ورفع عنهم مَقْتَه، تلك سنته في الكون، فمن تدبرها فاز في الآخرة والأولى، ورفعه الله مكانًا عَلِيًّا.

١  راجع «حياة محمد» فصل «إبراهيم ونساء النبي».

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤