الفصل الثامن

بيمارستانات المغرب

(١) بيمارستان تونس

في تونس مارستان١ بالقرب من سيدي محرز لا يزال موجودًا ولكنه قد تغيرت معالمه. ويرجع تاريخه إلى القرن الثالث عشر الميلادي. وذكر الفقيه العلامة الشيخ أبو عبد الله محمد بن إبراهيم اللؤلؤي المعروف بالزركشي:٢ أن أمير المؤمنين أبا فارس عبد العزيز بن السلطان أبي العباس، أحمد بن أبي عبد الله محمد بن السلطان أبي يحيى بن أبي بكر، أحد ملوك الدولة الحفصية، تولى تونس بعد وفاة والده الخليفة السلطان أبي العباس أحمد في يوم الأربعاء ثالث شعبان سنة ٧٩٦، فأخذ بالحزم في أموره، وجعل في كل خطة من يصلح بها، فاستقامت الأمور بتونس وفي أيامه كلها أحسن استقامة، وأحدث في أيامه بتونس حسنات دائمة فمنها … ومنها إقامة الخزانة بجوفي جامع الزيتونة، وحبس ما فيها وفي غيرها من الكتب في العلوم الشرعية والعربية واللغة والطب والحساب والتاريخ والأدبيات وغير ذلك، ومنها إحداث المارستان بتونس للضعفاء والغرباء وذوي العاهات من المسلمين، وأوقف على ذلك أوقافًا كثيرة تقوم به.
ومن الأطباء الذين عملوا ببيمارستان تونس:
  • (١)
    محمد الشريف الحسني الزكراوي:٣ نسبه إلى جده أبو زكريا الفاسي نزيل تونس وبها توفي سنة ٨٧٤ﻫ وقد جاوز الخمسين، وكان أديبًا طبيبًا لبيبًا، ولي البيمارستان بتونس وقرأ العقليات مع مشاركة في الفقه واعتناء بالتاريخ.

(٢) بيمارستان مراكش

أو بيمارستان أمير المؤمنين المنصور أبي يوسف
قال عبد الواحد المراكشي٤ في سياق كلامه عن أبي يوسف يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن بن علي بن علوي الكومي من ملوك الموحدين بالمغرب: وبنى بمدينة مراكش بيمارستانًا ما أظن أن في الدنيا مثله، وذلك أنه تخير ساحة فسيحة بأعدل موضع في البلد، وأمر البنائين بإتقانه على أحسن الوجوه، وأتقنوا فيه من النقوش البديعة والزخارف المحكمة ما زاد على الاقتراح، وأمر أن يغرس فيه مع ذلك من جميع الأشجار والمشمومات والمأكولات، وأجرى فيه مياهًا كثيرة تدور على جميع البيوت، زيادة على أربع برك في وسط إحداها رخام أبيض، ثم أمر له من الفرش النفيسة من أنواع الصوف والكتان والحرير والأديم وغيره بما يزيد عن الوصف ويأتي فوق النعت، وأجرى له ثلاثين دينارًا في كل يوم برسم الطعام، وما ينفق عليه خاصًّا خارجًا عما جلب إليه من الأدوية، وأقام فيه من الصيادلة لعمل الأشربة والأدهان والأكحال، وأعد فيه للمرضى ثياب ليل ونهار للنوم من جهاز الصيف والشتاء، فإذا نقه المريض فإن كان فقيرًا أمر له عند خروجه بمال يعيش به ريثما يستقل، وإن كان غنيًّا دفع إليه ماله وتركته وسببه، ولم يقصره على الفقراء دون الأغنياء، بل كل من مرض بمراكش من غريب حمل إليه وعولج إلا أن يستريح أو يموت. وكان في كل جمعة بعد صلاته يركب ويدخله يعود المرضى ويسأل عن أهل بيت أهل بيت ويقول: كيف حالكم؟ وكيف القومة عليكم؟ إلى غير ذلك من السؤال، ثم يخرج، لم يزل مستمرًّا على هذا إلى أن مات رحمه الله في شهر صفر سنة ٥٩٥ﻫ وله من العمر ٤٨ سنة، ومدة ولايته ١٦ سنة وثمانية شهور.

الأطباء الذين خدموا في هذا المارستان

  • (١)
    أبو إسحاق إبراهيم الداني: كانت له عناية بالغة بصناعة الطب وأصله من بجاية ونقل إلى الحضرة، وكان أمين البيمارستان وطبيبه بالحضرة وكذلك ولداه، وتوفي الداني في مراكش دولة المستنصر بن الناصر.٥
  • (٢)
    محمد بن قاسم: ٦ بن أبي بكر القرشي المالقي نزيل غرناطة، قال ابن الخطيب: كان بارع الكتابة والنظم حسن النادرة عارفًا بالطب، ولي النظر على البيمارستان بفاس ومات وسط سنة ٧٥٧ﻫ وله ٥٤ سنة.

(٣) بيمارستان سلا

لما قدم أبو العباس أحمد بن محمد بن عمر بن عاشر الأنصاري الأندلسي من بلاد الأندلس جعل إقامته بسلا، وذلك في النصف الأول من القرن الرابع عشر الميلادي بعد أن تنقل في بلاد المغرب مثل فاس ومكناسة وشالة، وأخذ ابن عاشر يعالج المرضى واشتهر اسمه بسيدي ابن عاشر الطبيب، وأنشئ بالقرب من قبره مارستان، وتوفي ابن عاشر سنة ٧٦٤ﻫ أو سنة ٧٦٥. ودفن في القرية المسماة باسمه، وقبته من أكبر القباب في كل من سلا ورباط، وفي سنة ١٢٤٧ﻫ/١٨٤٦م جدد٧ السلطان مولاي عبد الرحمن بناء هذا المارستان.
fig20
شكل ٨-١: بيمارستان سيدي ابن عاشر بسلا.
وسلا مدينة بالمغرب الأقصى على ساحل المحيط الأطلنطي وقد اختارها ابن الخطيب٨ مقامًا له، وقد وصفها في مقاماته بقوله: «العقيلة المفضلة، والبطيحة المخضلة، والقاعدة المؤصلة، والسورة المفصلة ذات الوسامة والنظارة، والجامعة بين البداوة والحضارة، معدن القطن والكتان والمدرسة والمارستان.»

(٤) بيمارستان سيدي فرج بفاس

جاء في كتاب سلوة الأنفس:٩ أنه بالقرب من سوق العطارين وسوق الحنا بفاس، مكان يقيم به المرضى الذين بعقولهم مرض، وهم المجانين، ويسمى ذلك المكان سيدي فرج على أنه لم يدفن به أي شخص كان يسمى بهذا الاسم، وليس به قبر، وإنما بنى هذا المكان أحد السلاطين ليضم مرضى المسلمين الذين لا ملجأ لهم أو مأوى يأوون إليه، وسمي باب الفرج لأن المرضى كانوا يجدون فيها ما يفرج كربهم، وقد حبست عليه الحبوس التي كانت تصرف غلتها عليه.١٠
fig21
شكل ٨-٢: بيمارستان سيدي فرج بفاس.
وقد جلا الدكتور دومازل Dr. Du Mazel١١ وصف هذا البيمارستان فقال: بناؤه قديم يرجع تأسيسه إلى عهد سلاطين بني مرين، وهم في أوج عزهم وعظمتهم يعاونون على نشر العلوم وتجميل المدن. وبنى أحدهم، وهو أبو يعقوب يوسف بن يعقوب بن عبد الحق، هذا المارستان لما تولى الملك سنة ٦٨٥ﻫ/١٢٨٦م، وعهد مؤسسه إدارته إلى أشهر الأطباء، وأوقف عليه الحبوس الكثيرة من العقار للصرف عليه وحفظه، ولما عظم أمر البيمارستان واتسعت أعماله أدخل عليه السلطان أبو عنان الذي تولى الملك ٧٦٦ﻫ زيادات عظيمة.

وفي سنة ٩٠٠ﻫ اتخذ أهل الأندلس من المسلمين إقامتهم في فاس، فتولى رياسته طبيب من بني الأحمر يسمى فرج الخزرجي، ولذلك سمي بيمارستان فرج، فأصلح فيه وجعل الموسيقاريين يلحنون أمام المرضى. وليس في مدخل البيمارستان شيء يستوقف النظر، وهو في سوق الحنا، ويحيط به جدار أبيض وعليه باب عال مغطى بالحديد شأنه كسائر أبواب المدينة مقفل على الدوام ولا يفتح إلا قليلًا.

١  Manuel d’Art musulman. Par H. saladin p. 200.
٢  تاريخ الدولتين الموحدية والحفصية ص٩٩، ١٠٠، ١٠٢ طبع تونس سنة ١٢٨٩.
٣  الضوء اللامع في أعيان القرن التاسع لابن حجر العسقلاني.
٤  المعجب في تلخيص أخبار المغرب.
٥  عيون الأدباء في طبقات الأطباء ج٢ ص٧٩.
٦  الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة لابن حجر العسقلاني.
٧  أخبرني بذلك المسيو رينو Renaud مدير المعهد الفرنسي للتاريخ والعلوم بمراكش.
٨  الاستقصا لأخبار المغرب الأقصى ج٢ ص١١٣ طبع مصر.
٩  سلوة الأنفس ج٢ ص٢٧٦.
١٠  Michaux-Bellaire: description de la ville. De Fez. Paris 1907.
١١  Publications du service de la sante et de l’hygiene publique, editees a l’occasion de l’exposition calomole de Marseille on 1922 par Dr. Du Mazel.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤