خلائق اليوم

(وحي صورة فنية للرسام الإنكليزي رسل فلنت عضو الأكاديمية في لندن.)

مظاهر فن أم تهاويل ساحر؟
لقد ملك الفنان لبي وخاطري
ألم يودع الأصباغ فتنة عصره
كما أنطق الأصباغ روح المعاصر؟
وما اختار غير البحر معرض فنه
فقد نبتت في البحر شتى المشاعر
أبونا١ الذي ربَّى العصور فأنجبت
له حيوات من كريم العناصر
وقد نشر الإلهام إثر مسيرها
كأنَّ من الإلهام زاد المسافر
رجعنا إليه٢ اليوم ظمأى لوحيه
وإن كان مذخورًا بصورة ساحر
وما الريشة الزهراء إلا عواطفًا
وإبداع خلاق ومزمار شاعر
فيرفض منها النور والظل عالمًا
جديدًا كأشعار الربيع المباكر
نُصحابه حسًّا وفيًّا مُجسمًا
وإن كان لم يبرح خيالًا لناظر
فيا لوحة فيها الملاحة نفحة
تعالى بها الفنان عن طيش عابر
عرفناك معنى عبقريًّا نحوطه
بأفئدة ولهى ونجوى السرائر
تراءت به (حواء) في مُثلٍ لها
منوعة كالخمر عند المعاقر
ولكنها كالخمر أصلًا ونشوةً
وإن نوعت في الوصف أو في المظاهر
فنسكر من لهوٍ لها وتجرد
ومن ضجعة هزت عروش قياصر
وما الزورق الثاوي قريرًا بقربها
سوى (زورق الدهر) الغيور المغامر
فلولا رضى (حواء) ما ساح ناجيًا
ولا كان أستاذ العصور الغوابر
ولا خلَّد العمران رغم انتشائه
بسفك الدم الغالي ونشر المقابر
شربت مع (الدهر) الخيالات وحدنا
وسحنا إلى مهد العلى والعباقر
وعدنا فلم نظفر بعلم مجدد
ولكننا عدنا بإيمان ثائر
وكانت لنا (حواء) في كل منزل
نزلناه معنى فوق معنى المقادر
كأنَّ ضياء الكون شعلة روحها
كأنَّ هواها غامر كل غامر
وكل الذي يُرجى سواها تعلةٌ
من الوهم نجزيها ببسمة ساخر!
معانٍ تراءت في خيالي كومضةٍ
ولكنَّها ذخر لحيٍّ وقاهرِ!
١٩٤٢
١  أي البحر.
٢  أي البحر.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤