رحلة الزمان

وحي صورة فنية
يا راحلًا لم ينل من جهده تعب
مجذفًا وله الأمواج أدهار
في ذلك القارب الرمزي عالمنا،
الأمس والغد والمشهود حضَّار
تسوسها جامعًا من رمز وحدتها
للكون ما فصَّلت للكون أقدار
تحيا الأنوثة فيه بالرجاء لنا
وفي تأملها هديٌ وأنوار
تمثل (المقبل) المرجو ناظرة
إلى الأمام، فما تخفيه أستار
وهذه أختها في اللهو سادرة
تمثل (الحاضر) الحاويه قيثار
كأنما قد سلت عن غيره وبدت
نشوى فليس لها في الأمس تذكار
في حين أختٌ لها هيهات يشغلها
إلا التذكر معقود له الغار
قد أسندت رأسها إذ تستعيد منًى
ضاعت كما ضاع أحلام وأوطار
قد مجَّدتها جميعًا وهي فانية
كذلك (الأمس) مهما ساء يختار

•••

يا راحلًا عبؤه عبءٌ يُحيرنا
كم ملء رحلته همٌّ وأخطار
نراه لكن نرى السطحي يشملنا
وكم تحجب في التيار أغوار
لم تضرب الموج بالمجذاف معتبًطًا١
إلا وفي الموج للمجذاف آثار
يتلو روايتها الغادون في عصر
شتى وتخلد فوق الموج أسطار
كم من تجاريب قد دونتها حكمًا
أو ثأر أهل العلى لو يُؤخذ الثار
وكم تجاريب من طيش ومن نزق
مثل الكواكب قبل الموج تنهار
تبدو على ذلك التيار قصتها
وإن يكن طيها للنفس أسرار
وأنت حي على الآباد، محتكم
على المقادير، وثاب وجبار
مجنَّح ثم تأبى أن تطير سدى
ودائب ما له في الدأب أعمار

•••

من السماء رجعنا بعد رحلتنا
وبينها من عصور الخلق نظار
فقلت للزمن الموموق: «يا زمني
ألم تشبك كشيبي اليوم أسفار؟
أما سئمت من الأجرام عابثةً
ومن شموس لها قصف وأسمار
ومن تجاريب في الإبداع طائشة
رهن الملايين لا تخبو بها النار؟»
فقال: «بل هي سلوى ملء بوتقتي»
وتلك للفن إلهام وأخبار
إنا كلينا قبسنا من محاسنها
ومن محاسنها خلق وأفكار
ومن تجاريبها دنيا أجددها
كما يُجددها لحن وأشعار!»
١٩٤٢
١  معتبطًا: مجروحًا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤