رثاء أحمد محرم

(وجَّهه صاحب الديوان إلى عميد الشعر العربي خليل مطران بك.)

لم يبقَ في النَّاس من خير ومن أدب
فمن أعزِّي إذن في شاعر العرب؟
ومن أرجِّى مثيلًا في مناقبه
سوى (خليل) عميد الشعر والأدب؟
حفظتما اللغة الفصحى كصونكما
مكارم الخلق عن عاتٍ ومغتصب
وكنتما فرقدي فنٍّ وفلسفةٍ
على وشائج لم تُوهن ولم تغب
إنْ قطع الموت أسبابًا مؤصلةً
فأنت واصل ما قد بتَّ من سبب
لك العزاء أمير الشعر، سيده
يا عارف الفضل من دانٍ ومغترب
في الشاعر الفحل يستعلي الخميس به
في نشوة النصر فوق الجحفل اللجب
المرسل الصيحة الكبرى مدويةً
والمنقذ الحق في شعر من اللهب
جمُّ الإباء تراه في تواضعه
كالشمس دانت وما دانت لمقترب
من يستهين بها يلقى خصاصته
ومن يدين بها يُغنى عن الذهب
ضخم المروءة لم تقعد نحافته
به ولا جسمه الواهي عن السبب
في كلِّ يوم أياديه مرددة
ولو تقاصر عن جاهٍ وعن نشب
وكل حينٍ له شعر تتيه به
محافل الأدب العالي من الطرب
فللحماسة آيات مغلبة
في ثورة الحق لا في سورة الغضب
وللروائح في تاريخ نهضتنا
ما صاغ من عجب أو ردَّ من صخب
وللتغزل ما جادت أنامله
حتى استعاد (أبوللو) عصره الذهبي
وللتفلسف في تحليل مهجته
خوالد رنحت أعطاف مكتئب
يتلو بدائعه الراوون في جذل
وينعمون بما أسدته للحقب
كأنَّما كل بيتٍ جاء يورثهم
كنزًا من الدر أو ذخرًا من الحسب!
أمثل هذا يعفَّي ذكره كسلًا
عن واجب، أو يُوفى جد مقتضب
والشهب تسقط أشجانًا محرِّقةً
من النجوم ويشجى بارق السحب؟
إن جاز نسيان من لله نسبته
ومن يمد جمال الكون بالطُّنب
فأيُّ معنى لدنيانا وزخرفها
وللحقيقة إنْ عُدت من الكذب؟
١٩٤٦

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤