الفصل الثالث

تحويل نصوص الطفولة

يتعرف كل جيل جديد على التقاليد الأدبية بعدة طرق مختلفة. وتتضمن هذه العملية — على الأرجح — قصصًا متناقلة شفويًّا، سواءٌ أكانت مرتجلة أم مقروءة بصوت مرتفع. وهذه العملية — بلا ريب — تعتبر جزءًا من عملية تعلم القراءة؛ حيث إن القراءة ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالتعليم وتقترن بحزمة ثقافية ضخمة تتعلق بدورها بالمكانة المميزة للنصوص والأجناس الأدبية، ومهارات تعلم القراءة والتفسير، وقيمة القصص في نقل المعلومات المتعلقة بالمجتمع. واليوم، يتعرف العديد من الأطفال على القصص عبر مجموعة مختلفة من الوسائل والعروض، وتهتم الدراسات التي تتناول أدب الأطفال بجميع هذه الوسائل والعروض، وبالطريقة التي تتفاعل بها بعضها مع بعض. فعلى سبيل المثال، قد يتعرف طفل يشاهد برنامجًا شهيرًا مثل «سي بيبيز» الذي تعرضه شبكة بي بي سي على مسرحية «حلم ليلة صيف» لويليام شكسبير لأول مرة أثناء مشاهدته لهذا البرنامج، ولكن يمكنه بعد ذلك زيارة الموقع الإلكتروني للبرنامج ليقرأ عنها وكذلك يقرأ الكتاب الرقمي، وفي الوقت المناسب يمكنه استكشافها مرة أخرى من خلال نسخة من كتاب الرسوم الهزلية (مسرحيات السيد ويليام شكسبير، ١٩٩٨) لمارشيا ويليامز. وبمرور الوقت، قد يستمتع ذلك القارئ الصغير نفسه بنسخة روائية رسومية (سلسلة «تصَوَّر هذا»، ٢٠٠٥)، أو نسخة نثرية معدلة للمسرحية من إعداد ليون جارفيلد (١٩٨٥)، أو فيلم مقتبس عن المسرحية كالفيلم الذي أخرجه مايكل هوفمان عام ١٩٩٩ وشارك فيه العديد من النجوم السينمائيين، أو إعادة صياغة حديثة للمسرحية معدة من أجل العرض التليفزيوني — ربما الحلقات المتعلقة بالمسرحية من سلسلة «إعادة سرد أعمال شكسبير» (إنتاج شبكة بي بي سي، ٢٠٠٥) لجون بوكر — علاوةً على مشاهدة عرض مسرحي تقليدي للمسرحية وقراءة نص شكسبير الأصلي. هناك العديد من الطرق التي يمكن للطفل من خلالها أن يتعرف على القصص الروائية، ولكن يمثل هذا الأمر جزءًا أساسيًّا من الانخراط في المجتمع؛ حيث إن — وكما يقول الخبير الإعلامي هنري جنكنز — «تمثيل وإعادة سرد وتعديل عناصر القصص القديمة يعد جزءًا قيِّمًا وحيويًّا من العملية التي يُنمِّي الأطفال من خلالها معرفتهم الثقافية».

إن التعرف على التقليد الأدبي — المخزون المتراكم من القصص — يعد أمرًا محوريًّا لفهم الثقافة، ولكن القصص السابقة ما هي إلا جزء من هذه العملية. وذلك المخزون من القصص ليس راكدًا، بل إنه يتجدد باستمرار ويزداد؛ ومن ثَمَّ يتلقى كل جيل من الأطفال قصصًا جديدة تخاطب الاحتياجات والاهتمامات والمخاوف الحالية. إن الإلمام بالحكايات والقصص الجديدة يعد كذلك جزءًا من المعرفة الثقافية. وفي بعض الأحيان، تخرج القصص الجديدة إلى الوجود من خلال إعادة صياغة النسخ القديمة، كما رأينا في حالة مسرحية «حلم ليلة صيف»، وفي بعض الأحيان الأخرى تكون القصص جديدة تمامًا ومتناسبة مع العصر الحديث، وفي كلتا الحالتين، تكون القصص الجديدة غالبًا نتاجًا للتفاعل مع الوسائل الجديدة.

أدب الأطفال وتطور الصيغ

يتمثل أحد أوجه الاختلاف بين أدب الأطفال والأدب المنشور للكبار في اللهفة التي يحتضن بها الأول التطورات التكنولوجية والوسائط الحديثة. وهذا الأمر ينعكس في حقيقة أنه في الوقت الذي تميل فيه دراسات أدب الكبار إلى اعتبار القصص الروائية التي كُتبَت من أجل الوسائط الحديثة وتعديل النصوص الموجودة بالفعل لتتناسب مع الوسائط المختلفة أمرين ثانويين بالنسبة لدراسة النصوص الأدبية، فإنهما يعدان جزءًا لا يتجزأ من دراسات أدب الأطفال. فمنذ فجر النشر التجاري لا ينفك الناشرون والمطابع عن محاولة اكتشاف طرق جديدة لجعل الكتب والمطبوعات الأخرى جذابة للأطفال. وغالبًا ما يعتمد هذا على التطورات الصناعية والتكنولوجية التي تؤدي إلى ابتكار طرق جديدة أو مُحسَّنة لتقديم النصوص. وفي القرن التاسع عشر، تضمنت هذه التطورات طرقًا لإنتاج واستخدام ورق أقل تكلفة، وإدراج المزيد من الصور بنفقات أقل، واكتشاف طرق اقتصادية للطباعة بالألوان، وطباعة أغلفة منخفضة التكلفة، وطرقًا يسيرة التكلفة لتضمين سمات جديدة مثل الكتب ذات الأشكال والرسومات ثلاثية الأبعاد، والمطويات، وعجلات الرسوم البيانية، وأشكال أخرى من هندسة الورق. وخلال القرن العشرين، امتد نطاق عمل إعادة تقديم النصوص الأدبية إلى تقنيات الوسائط الجديدة وتكنولوجيا المعلومات؛ ومن ثَمَّ أصبح من الممكن تقديم القصص في صور سمعية وسمعية بصرية متطورة.

ومنذ نهاية القرن الماضي، جرى استخدام الوسائط الرقمية بشكل متزايد لتقديم القصص الروائية في شكل ألعاب كمبيوتر ونصوص على الإنترنت مثل القصص التي يؤلفها المعجبون أو كتابة القصص باستخدام تقنية النص التشعبي. وقد عمل هذا على زيادة القدرة التفاعلية لصيغ العرض القديمة بشكل هائل، ولا يزال الدافع لزيادة هذا النشاط التفاعلي يشكل أساس العديد من جوانب النشر الرقمي. ومع ذلك، ولفترةٍ ما رفض أحد قطاعات السوق الرقمية إغراءات النشاط التفاعلي؛ فحتى وقت قريب، لم تكن الكتب الإلكترونية في الأساس سوى كتب مطبوعة تعرض على شاشة. ويتمثل أحد أسباب هذا الانتقال الذي يفتقر إلى الإبداع الأسلوبي من الكتاب المطبوع إلى الشاشة في التكلفة؛ حيث إن تحويل النصوص المتوافرة في شكل كلمات فقط إلى نصوص رقمية وتصنيع برامج قراءة الكتب الإلكترونية بوظيفة محدودة وهي قراءة الكتب الإلكترونية غير مكلف نسبيًّا. كما يتبلور سبب آخر لهذا الانتقال في حقيقة أن أول جمهور بارز للكتب الإلكترونية كان يتشكل من القراء الكبار — وهو أمر غير معتاد؛ إذ إن الجمهور الأصغر سنًّا عادةً هو الذي يكون أكثر احتضانًا لصيغ الوسائط الجديدة في ظهورها الأول — الذين أرادوا سمة سهولة النقل التي يتمتع بها الكتاب الإلكتروني مع الاحتفاظ بالسمات المألوفة للكتاب المطبوع الثابت.

إن القدرة المحدودة على تخزين المواد الزاخرة بالرسوم، وحقيقة أن الأجهزة في بداية الأمر كانت ضعيفة إلى حدٍّ ما والشاشات كانت أصغر من أن تناسب عرض النصوص ذات المحتويات المرئية عالية المستوى، جعلت الأجيال الأولى من الكتب الإلكترونية غير ملائمة للقراء الأصغر سنًّا. ولكن مؤخرًا أصبحت التكنولوجيا اللازمة لتوفير شاشات أكبر وأعلى جودة أقل تكلفة، وحتى الأطفال الأصغر سنًّا بدءوا يصبحون موضعًا لاهتمام هذه التكنولوجيا. وقد أدى ذلك إلى تغير طبيعة النصوص لإبراز إمكانات الوسيطة التي تُعرض باستخدامها. ونظرًا لأن الكتب الإلكترونية موجَّهة إلى سوق القراء من الشباب؛ فإنها تقدم محتوًى مرئيًّا فائقًا ومستويات أعلى من التفاعل. فكتب الأطفال الإلكترونية المصممة لأجهزة مثل آي باد تستجيب للَّمس والحركة؛ فعند قراءة النسخة الإلكترونية من رواية «أليس في بلاد العجائب» والمخصصة لأجهزة آي باد — على سبيل المثال — تؤدي إمالة الشاشة إلى نمو حجم «أليس» أو تقلصه، بينما يؤدي هز الجهاز إلى تحريك رءوس شخصيات الرواية. كما تحتوي الكتب الإلكترونية لأجهزة آي باد غالبًا ألعابًا وأنشطة وفرصًا للقراء لتسجيل أصواتهم وهم يقرءون الكتاب، مما يغير تمامًا من مؤشرات النصوص ومن معنى «القراءة لنفسك».

ظاهريًّا، قد يبدو الأمر كما لو أن الدعوات للتلاعب بالنصوص التي توفرها أحدث أجيال الكتب الإلكترونية مجرد زخارف إلكترونية للإمكانات التحويلية التي تقدمها الأجزاء المتحركة في النصوص الورقية التقليدية؛ ولكنها في الواقع تمثل جزءًا من تغيير هائل في طبيعة السرد الروائي. وفي الوقت الراهن، يكون هذا التغيير في أبرز صوره في مجالين: النُّسخ الحديثة للقصص التقليدية، وسلاسل الروايات مختلطة الجمهور، والتي هي نفسها تضم عناصر مستعارة من الخرافات والأساطير والقصص الملحمية والحكايات الشعبية والخيالية، بل وتعدل فيها كذلك. إن إجراء هذه المعالجات الحديثة على أقدم أشكال الأدب يُعَد تذكرة بأنه من خلال القصص سوف يتعرف الأطفال في الوقت نفسه على التراث الأدبي ويتعلمون المهارات التي تجعلهم مثقفين بمقاييس عصرهم.

الإلمام بالوسائط المختلفة، والتعالق النصي، والتحول

في وقت من الأوقات، كانت المعرفة تركز على القدرة على القراءة والكتابة، وكانت تتمحور على نحو أساسي حول المطبوعات الثابتة والوسائط الورقية. ولكن في القرن الحادي والعشرين أصبح من الضروري أن نفكر في الأمر من ناحية الإلمام بالوسائط المختلفة — المعرفة التي تتنقل بين الوسائط المختلفة والتي لم تعد قائمة على النصوص بشكل حصري. فالاطلاع على النصوص التقليدية في عدة نسخ مختلفة — بما في ذلك الوسائط المتعددة — يعتبر طريقة فعالة للتشجيع على المعرفة الثقافية والمعرفة المرتبطة بالنصوص. وبالطبع، الإلمام بالوسائط المختلفة ليس حكرًا على الأطفال؛ فالكثير من الكبار أصبحوا ملمين بالوسائط المختلفة بعد وقت طويل من تعلمهم القراءة والكتابة لأول مرة، وربما لا يشعرون بارتياح شديد في التنقل بين الوسائط المختلفة. والكبار الذين يشاركون الأطفال في النصوص الإلكترونية غالبًا ما يحسِّنون من معرفتهم بالوسائط المختلفة أثناء هذه المشاركة (يعد تطوير المعرفة لدى الكبار — في كثير من الأحيان — قيمة مضافة لأدب الأطفال). وغالبًا ما يجري تشجيع التنقل بين الوسائط من خلال استراتيجيات المعالجة (التي يشار إليها كذلك بعملية نقل النصوص لتقديمها من خلال وسائط جديدة)، التي تشير إلى الطريقة التي تحاول بها الوسائط الجديدة أن تتقرب إلى الجمهور من خلال الإشارة إلى الوسائط القديمة المعروفة أو محاكاتها أو حتى تضمينها. ونظرًا لأن المطبوعات تعتبر إحدى أشهر وسائط تقديم القصص؛ فإنها تكون في كثير من الأحيان الشكل الافتراضي للمعالجة. وهذا ينطبق بصورة خاصة على القصص الروائية للأطفال؛ نظرًا لأن الطفولة هي الوقت الذي يتعلم فيه معظم الناس القراءة. ويتضح الاتحاد بين خصائص المطبوعات (والتي تكون عادةً في شكل كتب) والوسائط الجديدة في عدد من الأمثلة التي تبدأ بأفلام ديزني المأخوذة عن الحكايات الخيالية الكلاسيكية — والتي تبدأ دائمًا بكتاب يُفتح لتنطلق منه القصة — وحتى الأسطوانات المدمجة والكتب الإلكترونية التي تحاكي حركة قلب الصفحات.

إن المعالجة ليست مجرد محاولة لاسترضاء هؤلاء الذين اعتادوا على الطرق القديمة لتلقي النصوص؛ حيث إن لها تأثيرات جمالية قد تكون محافظة؛ نظرًا لأن المنتجين والمصممين والفنيين من الكبار قد نشَئُوا كذلك على تلك الوسائط القديمة. وحتى الأشخاص الذين يتمتعون بالمعرفة الفنية الجيدة بإمكانيات الوسائط الجديدة ستكون لديهم أفكار باطنة حول كيفية عمل القصص في الوسائط التي يعرفونها جيدًا، وهذه الأفكار من شأنها أن تحد من مدى قدرتهم على تجربة إمكانات الوسيطة الجديدة في سرد القصص واستغلالها. وكقاعدة عامة، فإن هؤلاء الذين تعرَّفوا على الوسيطة الجديدة لأول مرة في صغرهم هم الأكثر جرأة وطموحًا بشأن استخدامها حين يصبحون بدورهم منتجين للنصوص ومديرين للوسائط. علاوةً على ذلك، ونظرًا لأن قدرة الوسائط الجديدة على سرد القصص تُستكشف تمامًا — في الغالب — في المواد الموجَّهة للصغار، حتى لو كانت المحاولات الأولى لتقديم القصص عبر وسيطة جديدة قد بدت بدائية لاحقًا مع إلمامنا الكامل بجوانب هذه الوسائط؛ فإن نصوص أدب الأطفال يمكن أن تكون نقطة انطلاق للابتكار. وقد ثبتت صحة ذلك بصورة خاصة مع التحول إلى الوسائط المتعددة؛ حيث لا يجمع سرد القصص بين الأنواع المختلفة للوسائط (السمعية، والبصرية، والصور الثابتة، والمطبوعات) في نص واحد فحسب، ولكنه منتشر كذلك في عدة أشكال (الكتاب، والفيلم، والرواية المصورة، والرسوم الهزلية، وأفلام الرسوم المتحركة، وألعاب الكمبيوتر)، في الغالب كجزء من ترخيص حقوق الملكية الفكرية للوسائط المختلفة.

حتى يومنا هذا، تعتبر القصص الروائية متعددة النسخ الأكثر تطورًا هي تلك التي أُنتجت للأطفال. ومن أوائل هذه القصص التي لفتت انتباه العامة تلك القصص التي نشأت من ظاهرة بوكيمون التي بدأت في تسعينيات القرن العشرين. وفيما يتعلق بأهداف هذه المناقشة، فإن القصص نفسها أقل إثارة للاهتمام من العلاقات بين الأجزاء التي بنيت منها، ومما تكشفه عن الكيفية التي تؤثر بها النسخ المتعددة للقصة عبر الوسائل المختلفة على طبيعة النص الأصلي، وكيف يتم تشجيع الجيل الصاعد على إدراك أهمية القراءة.

شبكات السرد

هناك تاريخ طويل لإنتاج نسخ متعددة من النصوص المعدة للأطفال. وحتى وقتنا هذا، تميل كل تجربة مع الفن القصصي إلى الاتسام بالتميز والاستقلالية. على سبيل المثال، في حين أن الأفلام القائمة على الكتب والكتب القائمة على الأفلام عادة ما يكون لهما الجمهور نفسه، فإن كلتا النسختين مستقلتان بذاتيهما وتعملان بمقاييس الوسيطة التي تُقدَّمان من خلالها. وهذا يعني أن المنتجات المختلفة التي تقوم على قصةٍ ما تتنافس بعضها مع بعض؛ نظرًا لأنه ليس كل الأطفال سيشاهدون ويستمعون ويقرءون النسخ المختلفة من النص نفسه، وأن النسخ المختلفة للنص كانت تقارَن بضعها ببعض وتُقيَّم بناءً على ذلك. وبالطبع، كان تركيز عملية التنقل بين الوسائط المختلفة منصبًّا على توسيع القاعدة الجماهيرية، وعادةً ما كان ذلك يحدث بالدخول إلى أسواق الجماهير الأصغر سنًّا. وهناك تغير واضح يحدث في العلاقة بين النسخ المتعددة للنصوص التي تقدم عبر وسائط مختلفة و/أو عبر صيغ مختلفة في وسيطة واحدة. وهذا التغيير يؤثر على كلٍّ من طبيعة النصوص متعددة النسخ وجمهورها.

وبينما يولد أطفال اليوم في بيئة متعددة الوسائط، فإن النصوص والصيغ الأقدم لم تختفِ؛ لذلك فإن فرصة تجربة العديد من النسخ المختلفة لقصة واحدة لا تزال قائمة، ولكنَّ هناك بُعدًا جديدًا لهذه العملية. من الناحية التاريخية، تميل النسخ الجديدة من النصوص إلى اتخاذ شكل الاقتباسات — أي تحويل قصة من وسيطة إلى أخرى بطريقة يُقصد منها خلق تجربة جمالية مُرضية في حد ذاتها. تولَّد نسخ متعددة للنصوص بصورة متزايدة كأجزاء من شبكات متصلة ومتناسقة تشكلت بفعل اندماج الوسائط المختلفة. وفي شبكات السرد عبر الوسائط المتعددة هذه، تنتشر القصة الأساسية وتُقدَّم عبر عدد من الوسائط المختلفة ومجموعة من الصيغ المتنوعة. على سبيل المثال، ككتاب و/أو فيلم و/أو رواية مصورة و/أو لعبة كمبيوتر و/أو جملة من النصوص الأدبية التي يصيغها معجبو هذه القصة حولها. وبدلًا من إنتاج سلسلة من الصور المتتابعة المستقلة لقصةٍ ما لشرائح عمرية مختلفة كما رأينا في حالة مسرحية «حلم ليلة صيف»، تترابط النسخ المتعددة للنصوص، والمعروضة عبر وسائط مختلفة بطرق تشبه سرد المسلسلات، بحيث يقدم كل عنصر معلومة ورؤية جديدة للجمهور نفسه تقريبًا. ولم تعد المنتجات المختلفة القائمة على القصة نفسها تتنافس بعضها مع بعض، بل أصبحت ديناميكية ومكملة بعضها لبعض بصورة متزايدة، وهي حقيقة تقرها عملية مشاركة الأصول. إذنْ فعبر شبكات الوسائط المتعددة، قد تجد — على سبيل المثال — أن لعبة كمبيوتر تتضمن مشهدًا من الفيلم، بينما سيشير الفيلم إلى طريقة ممارسة اللعبة، وإذا ما كانت هناك طبعات جديدة تصدر من النص المطبوع — كما هو الحال على الأرجح إذا كانت السلسلة مأخوذة عن سلسلة حديثة من الروايات — فإن الكتب الجديدة سوف تستفيد، أو تقر، بالطريقة التي طورت بها عناصر الوسائط الأخرى في الشبكة من الشخصيات والحبكة والزمان والمكان. من جانب، يتمحور هذا الأمر حول إثارة أنماط استهلاكية جديدة؛ حيث إن كل جزء من الشبكة يعد منتجًا كذلك ومن الممكن أن يخرج من رَحِمه منتج جديد، ولكنه في الوقت نفسه يؤثر على طبيعة النص السردي.

ودائمًا ما تدور معظم شبكات السرد عبر الوسائط المتعددة المشهورة في فلك الروايات الخيالية التي تحقق أعلى مبيعات. وسلسلة روايات «هاري بوتر» للمؤلفة جيه كيه رولينج تضرب مثلًا لهذه الشبكات، وتحدد أدب الأطفال بأنه عنصر أساسي في تطوير ما يطلِق عليه هنري جنكينز «ثقافة التقارب»، والتي يقصد بها:

تدفُّق المحتوى عبر منابر إعلامية متعددة، والتعاون بين مجالات إعلامية متعددة، وسلوك الترحال الذي يمارسه جمهور وسائل الإعلام الذين سيذهبون إلى أي مكان تقريبًا بحثًا عن تجارب التسلية التي يرغبون فيها.

وفي القراءات المتقاربة، تصبح القصص مزيجًا من كل الوسائط المتاحة يعتمد على حواس متعددة؛ فأنت تقرأها وتلعبها وتشاهدها وتسمعها. والأمر المثير للاهتمام على وجه الخصوص في سلسلة روايات «هاري بوتر» هو أنها بدأت ككتب مطبوعة تقليدية للأطفال، ولكن على مدار الوقت الذي كانت رولينج تكتب فيه باقي قصص السلسلة، كانت القصص قد تحولت إلى شبكة سرد عبر الوسائط المتعددة. وتتكون شبكة «هاري بوتر» الرئيسية من كتب وتسجيلات صوتية وأفلام وألعاب كمبيوتر وألعاب على شبكة الإنترنت ونصوص صاغها القراء المعجبون بالعمل، ومواقع ومدونات (هناك العديد من المنتجات والأحداث الأخرى التي استمدت وحيها من قصص «هاري بوتر» والتي تتفاعل مع الشبكة، ولكنها لا تطور في القصة؛ ومن ثَمَّ فهي خارج نطاق مناقشتنا). ومع نمو الشبكة، كانت كل نسخة مضافة تخلق فرصًا جديدة لاستكشاف عالم «هاري بوتر»، وتملأ فجوات الكتب، وتقدم وجهات نظر جديدة. وهناك شواهد كذلك على أن الكتب اللاحقة في السلسلة تُظهر تأثر أسلوب المؤلفة رولينج والحبكة الدرامية التي تصنعها بوعيها بالنسخ والملحقات الأخرى لكتبها، والتي كان جمهورها المخلص يستخدمها؛ مما أدى إلى وضع أجزاء وحبكات مثل خريطة مارودر التي تنقلك بسهولة إلى النسخ الأخرى من الكتب في شبكة السرد عبر الوسائط المتعددة.

تميل التحليلات التي تتناول هذه الظاهرة إلى افتراض أن الكتب هي الأصل أو النصوص التي تمثل المصدر، وأن كل الطرق الأخرى لتناول القصة المتطورة للفتى الساحر وسعيه لهزيمة الشر المتمثل في شخصية «فولدمورت» تنحصر في إعادة سرد القصة في نسخ مختزلة. وهذه هي الحجة التي جاء بها أندرو برن (٢٠٠٤–٢٠٠٦) عند مقارنة المشهد نفسه في ثلاث نسخ لرواية «هاري بوتر وحجرة الأسرار». يوضح برن أنه خلال تحويل القصة من كتاب (رولينج، ١٩٩٨) إلى فيلم (إنتاج شركة كولومبس ٢٠٠٢) إلى لعبة كمبيوتر (من تصميم شركة إلكترونيك آرتس ٢٠٠٢)، ليس هناك تفاصيل مفقودة إلى حدٍّ واضح فحسب، بل أيضًا أصبحت شخصية هاري بوتر أكثر تركيزًا على الحركة وبطولية وأقل تضاربًا بشكل مثير للاهتمام، في حين أن رفاقه باتوا أقل أهمية لنجاحه وسلامته وتطوره الشخصي. ورغم أن الحقائق هي كما قدمها برن، فإن تحليلاته نسبية، تركز على ردود الأفعال إزاء كل نسخة على حدة؛ ومن ثَمَّ فإنها لا تأخذ في الاعتبار العلاقة بين الأجزاء والكل في شبكة السرد عبر الوسائط المتعددة أو الأسلوب التعاوني للقراءة الذي تسعى إلى إثارته. ويوضح جنكينز قائلًا:

من أجل التواجد الكامل داخل أي عالم قصصي، ينبغي أن يلعب المستهلكون دور الصيادين والجامعين؛ حيث يطاردون أجزاء القصة عبر قنوات الوسائط الإعلامية، ويقارنون بين ملاحظاتهم عبر مجموعات نقاشية على الإنترنت، ويتعاونون لضمان أن كل مَن يستثمر وقته وجهده سوف يخرج بتجربة مسلية أكثر ثراءً.

إن الرغبة في استخدام الإنترنت لجمع المعلومات ومناقشة حلول محتملة للألغاز التي زرعتها رولينج في كل قصة لَهِيَ سلوك يرتبط في الأساس بألعاب الكمبيوتر، ويدل على انهيار الحواجز بين وسائل الإعلام والنسخ المختلفة من النصوص. وفي حين أن القراءة كانت تعتبر في يومٍ ما تجربة فردية شديدة الخصوصية — حيث كانت تحدث كاستجابة للنص المطبوع في عقل القارئ وبإيقاعه الخاص، كما كانت نوعية الاستجابات التي تثيرها عملية القراءة تدين بالكثير لحياة القارئ الشخصية وتاريخه مع القراءة — فإن هؤلاء الذين نشَئُوا في بيئة متعددة الوسائط يتوقعون على نحوٍ متزايد أن تتضمن عملية القراءة أشخاصًا آخرين ونسخًا أخرى من النصوص، والتي تحدد لهم أدوارًا مختلفة كمشاهدين ولاعبين وقراء ومنتجي نصوص. ونظرًا لأن الشبكة عبر الوسائط المتعددة كتلك التي تشكلت حول سلسلة روايات «هاري بوتر» سوف تتضمن إسهامات من أعداد ضخمة من القراء والمشاهدين واللاعبين والكتاب الذين يتشاركون المعلومات والآراء والحلول والتأملات؛ فإن هؤلاء الذين يميلون إلى المشاركة فيها لم يعودوا يعتبرون الكتب مستقلة بذاتها، ولكن يعتبرونها جزءًا من كيان أضخم وأعقد كثيرًا من أن يُقدَّم عبر وسيطة واحدة.

إن شبكات السرد عبر الوسائط المتعددة المتطورة بالكامل قليلة جدًّا في الوقت الحالي، وهي حتى الآن تميل إلى التركيز على النصوص التي تجمع بين المغامرة والبحث والخيال؛ ومع ذلك، فإن الطريقة التي تميل بها هذه الشبكات إلى بناء القصص تؤثر على سمات الكتابة للأطفال، وكذا على قراءة الأطفال أنفسهم للنصوص بطرق يمكن تمييزها بوضوح. تعتبر كتب المؤلف باتريك كارمان التي تصدَّرت قوائم أكثر الكتب بيعًا — على سبيل المثال — شبكات سرد مصغرة عبر الوسائط المتعددة. فَقُرَّاء سلسلة «المتعقبون» (٢٠١٠– ) يصلون إلى نقاط في النص المطبوع تحيلهم إلى الإنترنت لمشاهدة مقاطع الفيديو ولعب الألعاب التي تمدهم بمعلومات ضرورية بالنسبة للحبكة الدرامية للنص. وعلى الرغم من حقيقة أن هناك قلقًا من أن القصص السردية عبر الوسائط المتعددة تشكل تهديدًا لقراءة الوسائط المطبوعة التقليدية — كما هو الحال مع كل الوسائط الجديدة عند ظهورها للمرة الأولى — فإن بعض الطرق التي تتأثر بها عملية القراءة لديها القدرة على تعميق فهم الكيفية التي يعمل بها النص السردي. على سبيل المثال، تساعد هذه الطرق هؤلاء الذين لا يجدون متعة في قراءة الروايات المطبوعة للاستفادة بمهاراتهم في مجالات المعرفة الأخرى التي يكونون أكثر براعة فيها. كما أن انصهار الوسائط المختلفة يتيح كذلك طرقًا للكتابة تولِّد بدورها ألوانًا جديدة من القصص، قصص تعكس تجارب النشأة في كنف تقنيات معلومات متنوعة أكثر من أي وقت مضى.

عناصر السرد عبر الوسائط المتعددة: التفاعلية والتواصل الشخصي والانغماس

عادةً ما يبدأ اللقاء الأول للأطفال بالقصص — باعتبارها جزءًا من سلسلة السرد عبر الوسائط المتعددة — بمشاهدة البرامج التليفزيونية مثل «عالم سمسم» أو «بوب البناء» أو «حديقة المرح». وهذه البرامج تعرِّف الأطفال على شخصيات وأزمنة وأماكن ومجموعات مختارة من القصص، وتمتد هذه البرامج إلى المواقع الإلكترونية التي تقدم أنشطة تتضمن قراءة القصص، والتي تشبه إلى حدٍّ كبير الكتب المصورة التقليدية؛ حيث يستطيع الأطفال الاستماع إلى القصة ورؤية النص المطبوع كذلك، والذي يتغير لونه مع نُطق كلماته. وعلى الرغم من أنها تشبه الكتب المصورة، فإن هذه الإصدارات التي تُعرَض على شاشات الأجهزة الإلكترونية المختلفة تتضمن رسومًا متحركة وأصواتًا وبعض روابط النص التشعبي، والتي تتيح للأطفال التفاعل مع النص من خلال اللمس أو النقر.

وتتضمن الشبكات مجموعة مختلفة من المنتجات، بما في ذلك أقراص الفيديو الرقمية للبرامج التليفزيونية والأفلام المصنوعة خصوصًا لتكون جزءًا من هذه الشبكة، والكتب التفاعلية، وألعاب الكمبيوتر، والدُّمَى. وفي حين أنه من الممكن الاستمتاع بكل جزء من هذه الشبكة على حدة، فإن العديد منها قد صُمم خصوصًا ليُستخدَم جنبًا إلى جنب مع باقي أجزاء الشبكة؛ مما يزيد من احتمالية التفاعل بينما تُستحدَث محفزات لشراء المزيد من منتجات الشبكة. لذا، فعلى سبيل المثال، قد تتضمن دمية «بوب البناء» جهاز تحكم يرتبط بكتاب «بوب البناء»، بحيث يدفع الضغط على رقمٍ ما بوب إلى التلفظ بعبارات تكمل الصفحة التي تحمل ذلك الرقم في الكتاب. وحجم الطلب على شبكات السرد عبر الوسائط المتعددة هذه يوضح كيف أن مهارات التعلم التقليدية باتت تمتزج بأشكال التعلم والتسلية الأخرى. فمثلًا، بالإضافة إلى تدريس مثل هذه المهارات المألوفة كالتعرف على الأرقام والحروف والألوان، فإن متجر بوتون ساوند بوكس — المنتج لعدد كبير من كتب «بوب البناء» والمنتجات المرتبطة به — يَعِد بأن مستخدمي منتجاته من الأطفال سوف «يتعلمون كيفية استخدام الميكروفون، والكاميرا، والعزف على البيانو والجيتار»! توضح شبكات السرد عبر الوسائط المتعددة الأولية هذه عنصرين أساسيين عن عملية السرد عبر الوسائط المتعددة، ألا وهما: أنها تفاعلية؛ وذلك لأن الأطفال يحتاجون مساعدة الكبار في العديد من الجوانب المختلفة فيما يتعلق بالوصول إلى النصوص واستخدامها، كما أن لها بُعدًا اجتماعيًّا فطريًّا. ويمتد التواصل بين الأشخاص في حالة اشتراك أكثر من طفل واحد في النشاط، ويوضح ماكي (٢٠١٠) أن الأطفال يستطيعون العمل معًا على مثل هذه النصوص، حيث يتبادلون مهارات تفسير الرموز وحل المشكلات التي يتعلمونها من الكتب المصورة وألعاب الكمبيوتر بين الوسيطتين. وبالنسبة للأطفال الأكبر سنًّا، فإنهم يختبرون عنصر التواصل بين الأشخاص عبر الألعاب الإلكترونية ومنتديات الإنترنت التي أُنشئت خصوصًا للمستخدمين المتعددين.

أما العنصر الثالث لشبكات السرد عبر الوسائط المتعددة، فهو الانغماس، وهو تعبير دائمًا ما يُستخدم لوصف مستوى انخراط شخصٍ ما في لعب ألعاب الكمبيوتر. كذلك يمكن استخدام تعبير الانغماس لوصف تجربة «الاستغراق في الكتاب»، ودراسة الطرق التي قد تدعم بها سلاسل السرد عبر الوسائط المتعددة الانغماس أو تحول دونه تُظهِر مدى قدرة هذه السلاسل على أن تكون مكملًا لقراءة المواد المطبوعة التقليدية. إن الانغماس التام في قراءة كتاب أو مشاهدة فيلم أو لعب لعبة إلكترونية أمر ممتع، ولكنه غالبًا ما يُعد حالة تتوقف فيها القدرات النقدية عن العمل. إن أول لقاء بالنص في شبكة السرد عبر الوسائط المتعددة ينتج على الأرجح درجة عالية من الانغماس، ولكن ما إن يبدأ «القراء» في التنقل عبر باقي أجزاء الشبكة والمشاركة في المناقشات الدائرة حول الصور المختلفة التي ظهر بها النص، حتى يأتي الشعور بالرِّضَى الذي ينبع من الدراسة، وطرح الأسئلة، وفحص الأجزاء المختلفة من الشبكة ومحاولة التوصل إلى اكتشافات تعمق الفهم، بدلًا من الكفاح من أجل الوصول إلى درجات أعلى من الانغماس. وهذا الأمر يثير بعض المقارنات المثيرة للاهتمام بأهداف تدريس الأدب والاستراتيجيات المستخدمة في ذلك.

مع تقدم الأطفال في مسار النظام التعليمي، يصبحون مطالَبين بفهم القراءة كعملية تفسيرية؛ حيث إن القصص التي يتعلمونها تعمل على أكثر من مستوًى؛ ومن ثَمَّ فهي في حاجة إلى التفسير. وهناك شكوى شائعة تتمثل في أن القصص التي تُقرأ في المدارس تُدمَّر بفعل المطالبة المستمرة للطلاب بالنظر إلى عمق النص وليس سطحه، وتركيز الانتباه على أشياء من قبيل الجنس الأدبي، والمنظور السردي، والاستطرادات، وتغير الأزمنة، وعناصر الأسلوب، والحاجة إلى سد الثغرات في السرد. والمثير للاهتمام أن العديد من هذه السمات يكون موضحًا في عملية قراءة النصوص عبر الوسائط المختلفة، سواءٌ أكان ذلك يتضمن جمع دلائل تتعلق بالأحداث، أم الأفعال، أم رسم الشخصيات، أم الزمان والمكان، أم محاولة اكتشاف المنظور السردي. وتتطلب ألعاب الكمبيوتر التفاعلية على وجه الخصوص حل المشكلات التي تُحوِّل الاستراتيجيات التفسيرية إلى أنشطة فعلية. فممارسة لعبة كمبيوتر قائمة على إحدى روايات «هاري بوتر» — على سبيل المثال — قد تجعل من الممكن تغيير المنظور السردي للقصة من خلال تغيير الصور الكرتونية، في حين أن طبيعة الاستطرادات وسبب تضمنها تغييرًا في الأزمنة لا يمثلان إشكالية بالنسبة للاعب ينشِّط رابط نص تشعبي ويعيش أحد أحداث النص أثناء وقوعه، والذي يلقي الضوء على سمة من سمات الحبكة أو الدافع كانت خفية من قبل.

ومع تطور الألعاب الإلكترونية، فإنها توظف بشكل متزايد قصصًا معقدة ومدروسة بعناية ومكتوبة بإتقان، وتقدمها من خلال مزيج من المواد المطبوعة؛ فالحاجة إلى قراءة الكتب، والخطابات، والرسائل، والمفكرات اليومية، وأنواع مختلفة من المستندات للحصول على معلومات حيوية تعتبر سمة من سمات الألعاب الإلكترونية. والأمثلة على الاهتمام بكتابة قصص ألعاب الكمبيوتر هي لعبة «أساسنز كريد» (٢٠٠٨)، و«أساسنز كريد ٢» (٢٠٠٩)، اللتين تدور أحداثهما وسط مناظر تجسيدية موسعة ومفصلة للغاية للأرض المقدسة في حقبة الحملات الصليبية وفي إيطاليا القرن الخامس عشر على التوالي. وتعتبر هذه السلسلة قصص مغامرات تاريخية بقدر ما هي ألعاب إلكترونية، وقدرتها على التحفيز على الانغماس تُعزَى إلى الخلفية الدرامية مكتملة التطور، والتي نتعرف عليها من خلال الحوار ومستندات تصميم اللعبة، والتي أدَّت إلى خلق محيط زماني ومكاني واقعي إلى حدٍّ مدهش. وتتضح أهمية القصة بالنسبة لهاتين اللعبتين من حقيقة تعيين أومبيرتو إيكو — الباحث في تاريخ العصور الوسطى والروائي إلى جانب أشياء أخرى — مستشارًا لذلك المشروع. ونظرًا لاهتمام إيكو بخلق أدوار للقراء، بحيث يطلب منهم حل الألغاز التي غالبًا ما تستند إلى نصوص أخرى وإلى نشاط القراءة، وكذلك جعل النصوص مفتوحة للعديد من التفسيرات؛ فإن حماسه للنص الروائي للألعاب الإلكترونية قد يكون غير مثير للدهشة. إن مهارات إيكو كمؤرخ وكاتب تشكل سلسلة ألعاب «أساسنز كريد»، ولكن العلاقة التأثيرية بين الألعاب والروايات ليست ذات اتجاه واحد، علاوةً على أن كُتاب أدب الأطفال ينجذبون انجذابًا متزايدًا إلى السمات المرتبطة بالألعاب لإنتاج أنواع جديدة من القصص وطرق جديدة لسردها.

«إعادة إنتاج كتاب»: تقاليد جديدة للروايات القديمة

تعتبر رواية «هيكسوود» (١٩٩٣) للكاتبة ديانا وين جونز أحد الكتب التي تستخدم تقاليد سردية ترتبط بألعاب الكمبيوتر من أجل خلق نهايات أدبية مبتكرة. تبدأ هذه الرواية المعقدة الثرية بسلسلة من الفصول القصيرة جدًّا، والتي تبدو أنها تكرر الأحداث نفسها من وجهات نظر أو مراحل زمنية مختلفة. ثم يتضح بالتدريج السبب وراء التكرار والربط بين الأحداث؛ فالأحداث جزء من لعبة تقمص أدوار واقعية افتراضية كونية تُستخدم لاختيار حكام المجرة، وبنية الكتاب نفسها تقوم على أساس هذه اللعبة. ومثلما تنطلق رسالة «انتهت اللعبة» عدة مرات في تتابع سريع حين يرتكب اللاعبون الجدد أخطاء، أو يتسببون في مقتل شخصية اللعبة، ويُضطَرون للبدء من جديد وهم يستكشفون مساحة اللعبة، كذلك يبدأ قارئ «هيكسوود» القراءة من جديد مع شخصية آن، التي تلعب دور الشخصية الكرتونية للقارئ.

وبمجرد دخول الشخصيات في بيئة اللعبة، تفقد إحساسها بهويتها (بعبارة أخرى، تنغمس في اللعبة)، وتندمج مع الصور الكرتونية المحددة لها. وكل الصور الكرتونية عبارة عن شخصيات أسطورية، تتضمن الملك آرثر والساحر مرلين، وعددًا من فرسان المائدة المستديرة، وقاتل التنين في أسطورة بيوولف؛ باختصار، إنه «فريق الأحلام» الأدبي. ونظرًا لأن سلوك الشخصيات متأصل في تجسداتهم الأدبية؛ فإن العلاقة بين الكتب والألعاب تتضح أنها علاقة تكميلية. في الواقع، هذه العلاقة هي ما يحرك الحبكة، على الرغم من أن الحبكة في رواية «هيكسوود» ثانوية بالنسبة للسرد. وقد استُخدِمت عناصر التفاعل مع اللعبة من أجل تنظيم بنية الرواية وتطوير شخصياتها. على سبيل المثال، الانغماس، وإمكانية إعادة اللعب، وخلق عالم بديل قائم على مزيج من الأجناس الأدبية المذهلة، والمعركة بين الخير والشر للسيطرة على العالم، واستخدام الصور الكرتونية. وتكتسب الصور الكرتونية أهمية خاصة في هذه الرواية، حيث يتضح بالتدريج أن الاتفاق بين الهويات الأدبية الأصلية للشخصيات وصورهم الكرتونية قد خُلِق بعناية ويقدم لنا تلميحات بشأن ماضي الشخصيات، وطبائعهم، وقدراتهم.

هناك العديد من الطرق الأخرى التي يستفيد بها النص من خصائص ألعاب الكمبيوتر، ولكن رواية «هيكسوود» تعتبر مثيرة للاهتمام لهذه المناقشة؛ لأن ديانا وين جونز مزجت فيها أنماطًا وشخصيات ونماذج وحبكات درامية من الخرافات والأساطير والحكايات الشعبية والخيالية بسمات ألعاب الحاسب لخلق قصة وأسلوب جديدين من رحم تلك المكونات المألوفة. وقد فعل سلمان رشدي شيئًا مشابهًا في روايته «لوقا ونيران الحياة» (٢٠١٠)، وهي تتمة لرواية «هارون وبحر القصص» (١٩٩٠). وتدور أحداث رواية «لوقا ونيران الحياة» حول ابنٍ آخر من أبناء رشيد راوي القصص، والذي عليه أن ينقذ والده. في هذه المرة، استسلم رشيد لتعويذة غامضة أُلقيت عليه فأسلمته إلى نوم طويل، فانطلق لوقا يبحث عن نيران الحياة التي يأمل أن توقظ والده ليسترجع مهاراته في سرد القصص. وعلى غرار وين جونز، يُجرِي سلمان رشدي — الذي أصبح خبيرًا في ألعاب الكمبيوتر خلال سنوات الفتوى بإهدار دمه — مقارنات بين أسلوب السعي وراء الأهداف في ألعاب الكمبيوتر وفي الحكايات القديمة، بما في ذلك القصة الخيالية التي يكتبها في رواية لوقا. وتعتبر فكرة الفناء موضوعًا رئيسيًّا في هذا الكتاب، وتتمثل إحدى طرق استكشاف ذلك في المقارنة بين القيم المختلفة التي تكتسبها فكرة الحياة في الألعاب الإلكترونية، حيث تمتلك الشخصيات/اللاعبون عددًا لا يُحصى من الحيوات (وهو ما يشبه أسلوب إعادة التشغيل الذي استخدمته وين جونز في رواية «هيكسوود»)، وفي الحياة الواقعية، حيث يتقدم العمر برشيد ويواجه لوقا حقيقة أن والده لن يتمكن من النجاة إلى الأبد.

إن المزيج الذي يصنعه رشدي بين الألعاب الإلكترونية والحكايات التقليدية يتمحور في الأساس حول قابلية النص السردي للتكيف وأهمية ذلك لكل الثقافات (وهو يستخدم مجموعة كبيرة مختلفة من تقاليد السرد الروائي في رواية «لوقا»). تشارك رواية «هيكسوود» كذلك هذه المخاوف وتؤكد على قدرة القصص على التعليق على أحوال المجتمع، وفي هذه الحالة، تعلق القصة على مغريات أهل السلطة للتلاعب بالقواعد. وقد ظهرت فكرة مشابهة لهذه في رواية «ملحمة» (٢٠٠٤) للكاتب كونر كوستيك، وهي قصة تدور أحداثها في المستقبل على كوكبٍ ما حيث تُستخدم لعبة تقمص أدوار متعددة اللاعبين — تسمى الملحمة — لإدارة المجتمع بنية تجنب النزاعات. ولكنْ، هناك عصبة من الفاسدين أمسكوا سرًّا بزمام اللعبة لجمع ثروة وتحصين أنفسهم، وتدور قصة الرواية حول محاولات استعادة السيطرة المشروعة على زمام اللعبة. وللقيام بذلك، كان على السكان أولًا أن يدركوا أن هناك تلاعبًا في اللعبة. ولكن من الصعب القيام بذلك؛ نظرًا لأنهم منغمسون تمامًا في اللعبة. وتعمل فكرة الاستغراق في تلك اللعبة كاستعارة للأيديولوجية؛ حيث يجد المستعمرون أنه من المستحيل أن يدركوا أن الطريقة التي يعيشون بها ليست محتومة.

يأتي التغيير حين يتخلى إيريك — وهو لاعب صغير في اللعبة — فجأة عن الصورة الكرتونية التي يستخدمها طوال حياته — وهي تشبهه للغاية — ليجرب شيئًا مختلفًا تمامًا. فأتاح له الواقع الافتراضي أن يتقمص شخصية سينديلا قاتلة التنانين؛ وهي فتاة جذابة تستعين بالسحر عوضًا عن المهارات القتالية. وتعد القدرة على إعادة ابتكار الذات المرتبطة بالفضاء الإلكتروني والواقع الافتراضي مصدرًا للقلق في بعض الأحيان، إلا أن تصحيح الوضع يولِّد منظورًا جديدًا أو أكثر. مع اتخاذه لسينديلا كصورة كرتونية له، بدأت طرق جديدة للتفكير في اللعبة والحياة اليومية تطرأ على ذهن إيريك؛ مما مكَّنه هو ورفاقه من إكمال لعبة الملحمة، والإطاحة بالزمرة الحاكمة، واستعادة الحكم العادل لأهل الكوكب.

وعلى غرار روايتي «هيكسوود» و«لوقا ونيران الحياة»، توظف رواية «الملحمة» بنية السعي وراء تحقيق هدف محدد، بما في ذلك المحاولات والحاجة إلى إحراز تقدم عبر مستويات مختلفة من خلال هزيمة مجموعة متنوعة من الوحوش. كما أن جزءًا كبيرًا من نص هذه الرواية مكتوب كلعبة إلكترونية؛ ومن ثَمَّ يقرأ القراء الأوامر التي يعطيها إيريك لسينديلا، ثم يكتشفون ما يحدث عندما تنفذها. وفي حين أن كلًّا من روايتَي وين جونز وسلمان رشدي تتعقب شخصية وحيدة بشكل أساسي وهي تجتاز المستويات المختلفة لعالم اللعبة، فإن الفوز في لعبة «الملحمة» يتحقق عندما يتعاون إيريك مع أصدقائه وعائلته والأفراد الأساسيين في المجتمع؛ حيث يبنون ثقافة تقارب في مجتمعهم. وكل فرد من هؤلاء يشارك في اللحظات الحرجة، حيث يوحدون مهاراتهم ويتعاونون في حل مشكلاتهم. ومن ثَمَّ، فإن هذه الرواية التي تنتمي إلى القرن الحادي والعشرين، تؤكد على قيمة أساليب وتقاليد ألعاب الكمبيوتر ومجتمعات الإنترنت وتوظفها، حيث تمزجها بعناصر من القصص التقليدية من أجل ابتكار طرق جديدة لسرد القصص، والتي تَطرح كذلك طرقًا جديدة للتفكير بشأن كيفية تنظيم المجتمع وإدارته.

توضح الأمثلة الثلاثة السابقة كيف تتأثر النصوص المطبوعة بمبدأ السرد عبر الوسائط المتعددة. ورغم أن أيًّا من هذه الروايات الثلاث ليست جزءًا من شبكات سرد عبر الوسائط المتعددة، فإنها نصوص تفاعلية، حيث إنها تمزج بين سمات الألعاب الإلكترونية، والسرد الروائي، وتطورات الوسائط الجديدة، كما أنها جزء من عملية تعديل توقعات صغار القراء بشأن ماهية الرواية ووظيفتها. كما أنها تبين السبب وراء أن تحليل الروايات للأطفال يتطلب من الأكاديميين — على نحوٍ متزايد — النظر إلى ما وراء المناهج النقدية التقليدية إلى تلك الطرق التي تُطَوَّر لمناقشة التقنيات الجديدة. فالنصوص التفاعلية للأطفال تمهد الطريق لاتجاهات مستقبلية للرواية.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤