الحرية في الأموال

هي إطلاق التصرف لأصحابها يذهبون في اكتسابها والتمتع بها على الطريق الوسط، دون أن تُلِمَّ بها فاجعة اغتصاب، أو تتخطفها خائنة كيد واحتيال، فاقتضى هذا البيان إجراء البحث في أربعة مطالب: اكتساب الأموال، طريقها الوسط، التمتع بها، الاعتداء عليها.

اكتسابها

لما كان المال معونة على الدين ومادة لنشأة الحياة الطبيعية، حتَّمت الإسلامية السعي خلف اكتسابه، وأذنت في الاسترزاق بكل عمل لا يتبع صاحبَه بأذى، ولا يُلحِق بغيره ضررًا، قال تعالى: فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ الآية، وقال تعالى: وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ إلى غير ذلك من الآيات، وإنما لم يُؤَكَّد الطلب في هذا الموضع، ولا أُجْرِيَ مجرى الواجبات وكثيرٍ من المطالب في اقترانها بمؤكد الترغيب والترهيب؛ اكتفاءً وحِوالةً على ما طُبِعَت عليه نفوس البشر من الحرص في جمع الأموال وقوة الرغبة في اكتسابها؛ لما فيها من الحظ العاجل واللذة الحاضرة، بل غالب ما سِيق في هذا الغرض جاء على صورة الإباحة ونفْي الحرج، كقوله تعالى: وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ، وقوله: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ.

فلا حرج في جمع الدنيا من الوجوه المباحة ما لم يكن صاحبها عن الواجبات في شغل شاغل، وقد ذكر الله تعالى التجارة في مَعرِض الحط من شأنها؛ حيث شغَلت عن طاعة في قوله تعالى: وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ، ولما رجعوا عن صنيعهم، وأخذوا بأدب الشريعة في إيثار الواجبات الدينية وعدم الانقطاع عنها إلى الاشتغال بالتجارة ونحوها ذكرها ولم يهضم من حقها شيئًا، فقال تعالى: رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ، فأثبت لهؤلاء الكُمَّل أنهم تجار وباعة، ولكنهم لم يشتغلوا بضروب منافع التجارة عن فرائض الله، وهذا قول المحققين في الآية، أما ما يقوله بعضهم من أنه نفى كونهم تجارًا وباعة، فخلاف ظاهر الآية، والسر في اختصاص الرجال بالذكر هنا أن النساء لسن من أهل التجارات والجماعات، وما ينبغي لهن ذلك، كما أن تخصيص التجارة من بين سائر أسباب الملك لكونها أغلب وقوعًا وأوفق لذوي المروءات.

وعدَّ المحققون في العلم الحرف والصناعات، وما به قَوام المعاش كالبيع والشراء والحراثة، وسائر ما تمس الحاجة إليه، حتى الحجامة والكنس من فروض الكفاية يجب أن يقوم بكل صنف منها طائفة وإلَّا أثِمَت الأمة تمامًا، وبذلك فُسِّرَ حديث: «اختلاف أمتي رحمة.» على فرض صحته، فالأمة لا تنهض من وَهْدة ضعفها إلى مستوى قوتها، إلا بتحمل كل طائفة منها حظًّا عظيمًا من وسائل حياتها ولوازمها البدنية والعقلية، وسدِّ كل خَلة من الحاجات ما تزايدت، وينقسم الناس في ذلك إلى أربع طبقات؛ الأولى: طائفة تُدبِّر أمور الرعية. الثانية: طائفة تتميز بنشر المعارف سواءٌ في ذلك علمُ الحلال والحرام ووسائله كعلوم العربية والحساب والهندسة، أو العلوم التي تعود بتحسين حال الثروة كمعرفة الصنائع. الثالثة: طائفة تمسك بزمام التجارة أخذًا وعطاءً. الرابعة: طائفة عظيمة تُقبل على الاشتغال بالصنائع، ومن جملتها الفِلاحة التي هي أقدمها وأجداها نفعًا. بيد أن الشريعة أمرت العامل بأن يكون قلبه حالَ عمله مطويًّا على سراج من التوكل والتفويض؛ فإن اعتماد القلب على قدرة الله وكرمه يستأصل جراثيم اليأس ومنابت الكسل، ويشُد ظهر الأمل الذي يلِج به الساعي أغوار البحار العميقة، ويقارع به السباع الضارية في فَلَواتها.

الطريق الوسط

لم تغادر هذه الشريعة صغيرةً ولا كبيرةً من وجوه التصرفات في الأموال إلا أحصَتها، وعلقت عليها حكمًا عادلًا، وتألَّفت أحكام هذه الوجوه في سلك المناسبة مرتبةً على أبواب.

المملوكات إما أعيان أو منافع، ويدور الكلام فيها على ثلاثة أنظار:
  • النظر الأول: يتعلق بها من جهة انتقالها، أما الأعيان فانتقالها على خمسة أقسام؛ أحدها: ما ينتقل من مالك إلى مالك بعِوض، والعَقد في ذلك إما أن يكون على عين بعين، فهو البيع، أو على عين بشيء في الذمة، فإنْ تماثَل العوضان فقرْضٌ، وإلا فسَلَم، أو على ذمة بذمة فإن كانت إحدى الذمتين من غير المتعاملين فحِوالة وإلا فمُقاصَّة. الثاني: ما ينتقل من مالك إلى مالك بغير عوض؛ وهي الهِبات والوصايا والمواريث. الثالث: ما ينتقل من مالك إلى غير مالك بالعوض؛ وهي الكتابة. الرابع: ما ينتقل من مالك إلى غير مالك بغير عوض؛ وهو العتق والتدبير. الخامس: ما ينتقل من غير مالك إلى مالك، وهو تملُّك المُباح من الموات.

    وأما المنافع فالعَقد فيها على ضربين؛ منه ما هو بغير عِوَض كالوقف، ومنه ما هو بعوض، وهذا إما أن يكون العوض معلومًا، فينظر في العمل المقصود، فإن كان معلومًا فهي الإجارة، وإن كان العمل مجهولًا فهي الجعالة. وإما أن يكون العوض مجهولًا ولكنه في حكم المعلوم، فهو القراض والمساقاة والمزارعة.

  • النظر الثاني: يتعلق بالأموال من جهة وضع يد الغير عليها، وهو على نوعين؛ أحدهما: ما يكون بالرضا والإذن من صاحبه، وهذا إن قصد التوثُّق به في دين فهو الرهن، وإن قصد الانتفاع به ثم إعادته إلى ربه فهي العارية، وإن قصد حفظه لربه فهي الوديعة. ثانيهما: ما كان بدون إذنه ورضاه، وهذا إن كان المالك مجهولًا، وكان المملوك مُعرَّضًا للضياع فهو اللقطة، وإن علم صاحبه وقصد التصرف فيه والانتفاع به فهو الغصب، ثم يَنجرُّ النظر إلى قيام ربها بمطالبتها والعمل في إعادتها إليه، فينتظم في سلكها باب الاستحقاق.
  • النظر الثالث: أن المال الواحد قد يدخل في مِلكٍ متعدد، فإذا توجه النظر إلى حال دخوله في ذلك الملك المتعدد وبقائه عليه، فهي الشركة، وإذا تعلق بتوحيد الملك ورفع تعدُّده، فإما بانفراد كل من الشريكين بنصيبه وهي القسمة، أو بانفراد أحد الشريكين بالجملة وهي الشُّفعة.

فإذا أنت تدبرت هذه الأبواب المدوَّنة، ودققت النظر في أحكامها المفصَّلة لتعلم أين مكانُها من الإصلاح والنظام ظَفِرْتَ فيها بنِظاماتٍ مُحكَمة وأصول عُمْرانية لا تصل الناسُ إلى السعادة الاجتماعية والمعاملةِ بشرفٍ وفضيلةٍ إلا من طريقتها الوسطى.

التمتع بها

كما أَذِن الإسلام في اكتساب الأموال واستثمار أرباحها من وجوهها المعتدلة، أَذِن في الاستمتاع بها وترويح الخاطر بنعيمها على شريطة الاقتصاد، قال تعالى: قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ، وقال تعالى: وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ، وقال تعالى: وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ، وقال تعالى: وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا، وقال تعالى: وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا، فذِكرُ هذه الأشياء في مَعرِض الامتنان والإذن في الانتفاع بها دليلٌ واضح على دخولها في قسم المباحات لا حرج في تناولها، ولا يُعَدُّ الإعراض عنها طاعة يُرْجَى ثوابُها كما تقتضيه حقيقة الإباحة.

لما فتح أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه أنطاكية، عزم على الرحيل منها وعدم الإقامة بعسكره فيها؛ مخافة أن يألفوا جودة هوائها ويأنسوا بطيب نسيمها، فيخلُدوا إلى الراحة والدعة، وأرسل بهذه النيَّة إلى الخليفة عمر بن الخطاب، فكان من جواب عمر: «أما قولك إنك لم تُقِم بأنطاكية لطيب هوائها، فالله عز وجل لم يحرم الطيبات على المتقين الذين يعملون الصالحات، فقال تعالى: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ، وكان يجب عليك أن تريح المسلمين من تعبهم، أو تدعهم يُرغِدون في مطعمهم …» إلخ.

وأما الآيات الواردة في سياق التزهيد والحطِّ من متاع الحياة الدنيا، فلا يُقْصَدُ منها ترغيب الإنسان ليعيش مجانبًا للزينة ميِّت الإرادة عن التعلق بشهواته على الإطلاق، وإنما يُقْصَدُ منها فيما نفهمه حِكم أخرى؛ كتسلية الفقراء الذين لا يستطيعون ضربًا في الأرض، ومن قصُرت أيديهم عن تناولها لئلا تضيق صدورهم على آثارها أسَفًا. ومنها تعديل الأنفس الشاردة، وانتزاع ما في طبيعتها من الشَّرَه والطمع لئلا يَخرُجا بها عن قصد السبيل ويَتطوَّحا بها في الاكتساب إلى طرق غير لائقة؛ فاستصغار متاع الدنيا وتحقير لذائذها في نفوس الناس يرفعهم عن الاستغراق فيها، ويَكبُر بهِمَمهم عن جعلها قِبلة يولُّون وجوههم شطرها حيثما كانوا، وقد بيَّن لنا العِيان أن الإنسان متى عكف على ملاذِّ الحياة، ولم يَصْحُ فؤاده عن اللهو بزخارفها، ماتت عواطفه ونسي أو تناسى من أين تُؤْتَى المكارم والمروءة، ودخل مع الأنعام في حياتهم السافلة.

وأما ما ثبت عن بعض السلف من نبذ الزينة والإعراض عن العيش الناعم عند القدرة عليه أو في حال وجوده فلا يريدونه قُربةً بنفسه، ولكن يبتغون به الوسيلة إلى رياضة النفس وتدريبها على مخالفة الشهوات؛ لتستقر تحت طَوع العقل بسهولة، وتتمكن من طرح أهوائها الزائغة بدون كُلفة، فلو وَثِقَ الإنسان من نفسه بحسن الطاعة، لم تكن في مجانبته للطيبات مَزِيَّة ولا مؤاخذة.

ولما كان السَّرَفُ في صرف الأموال وبسْطُ الراحة بإنفاقها يُفضي إلى نفاذها، والتشوف إلى ما في أيدي الناس، أو يؤدي في الأقل إلى قِلَّتها وعيش صاحبها كاسفًا على ما فاته من السعة ورفاهية الحال؛ أمر الشارع بالاقتصاد في الاستمتاع بها، ولم يرسم لذلك حدًّا فاصلًا، بل أوكله إلى اجتهاد المُكلَّف وما يعلم من وُسْعه، فقال تعالى: لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ، وقال تعالى: كُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ، وقال تعالى: وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا، وقال: وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا، وقال: وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ، ولما كان الشأن في الحرير والنقدين الذهبِ والفضةِ غلاءَ الثمَن لنفاستها ونُدرتها، منَع من استعمالها على التعيين، وميَّز النساء في حُكمها على الرجال، فأباحها لهنَّ لباسًا لاحتياجهن إلى الزينة والتحسين أكَثر مما يحتاج الرجال، فالنهيُ عن استعمال الذهب والفضة ولُبْس الحرير مبنيٌّ على رعاية حفظ المال عن التبذير والإنفاق لغير مصلحة، ويحسب كثير من الناس أنها لم تُحَرَّمْ إلا لقهر النفوس وقطع أعناقها عن الفخر والتباهي، وليس بصحيح، وإلى هذه القاعدة — قاعدة الاقتصاد — ترجع أحكام الحَجر على الصبي ومن لا يُحسن التصرف في ماله.

وحرَّمت الإسلامية من المطاعم ما كان رِجسًا يعافُه الطبع ويتقذَّره الذوق كالميتة وما أُلْحِقَ بها، أو مُوبقًا للبَدن كالسُّموم وما شاكلها، أو مؤثِّرًا على العقل كالمُسكِرات، ولا يُنازِع في قبيح مفسدتها إلا من غَرِق في سَكرة من الجهل والغواية، يقول أبناء الحانات في إطرائها: تغرس الشجاعة في النفوس. قلنا: في إرغام وجوههم، أما بعد مفارقتها صحوًا، فإنكم تعودون إلى سجيتكم الأولى من الخوَر والجبن، وأما حال استيلائها على عقولكم فلا حكمة ولا تدبير ولا شجاعة إلا بهما.

قالوا: تُسلِّي الهموم. قلنا: وتحُل عُقدة اللسان فينثر ما في كِنانات القلوب من أسرار تخشَون إذاعتها. وتسلية الهموم تثقِّف العزائم عن مقاومة أسبابها الجالبة لها إن استطاع إليها حيلة، وإلا فالعقل الصحيح أكبر مجلبة للسلوان وأعز مدافع لها عند الهجوم. قالوا: تبعث في الفؤاد سرورًا. قلنا: تبعث في هيئة حركاتكم كِياسةً تسُر الناظرين، أما ما زعمتموه من مسرَّتكم فضرْب من التوسع في الخيال؛ إذ السرَّاء التي يتطلبها الخاطر ويهنأ لها ارتياحًا ما كانت ناشئة عن موجب يشمله الوجود.

ولا ننسى أن كثيرًا من الشعراء قد طغى بهم الإبداع في المقال إلى أن نسقوا في مديح الخمر صفات الجمال، وضربوا للتنويه بشأنها الأمثال، فاستهْوَوا لمعاقرتها عبيد الخيال والشعراء يتَّبعهم الغاوون.

فالإسلام وإن عُنِيَ بتزكية الأرواح وترقيتها في مراقي الفلاح لم يَبخس الحواس حقها، وقضى للأجسام لُبانتَها من الزينة واللذة بالقسطاس المستقيم.

رُوي أن عبد الله بن أبي السمط أنشد بين يدَي المأمون أبياتًا يمتدحه بها، فلما انتهى عند قوله:

أضحى إمامُ الهدى المأمونُ مشتغلًا
بالدينِ والناسُ بالدنيا مشاغيل

قال له المأمون: ما زدت على أن جعلْتَني عجوزًا في محراب وبيدها سبحة، أعَجزتَ أن تقول كما قال جرير في عمر بن عبد العزيز:

فلا هُو في الدنيا مُضِيعٌ نصيبَه
ولا عرَضُ الدنيا عن الدين شاغلُه

وقد كان المتعبِّدون من قبل يترهَّبون بالتخلي عن أشغال الدنيا وترك ملاذِّها والعزلة عن أهلها وتعمُّد مشاقها، فنفاها النبي ، ونهى المسلمين عنها، فقال: «لا رهبانيَّة في الإسلام.» وتدبر إن شئت قوله تعالى: خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ، فقد بيَّن بهاتِه الآية أن الزينة من علائق العبادة غيرُ منافية لها، وأن العبادة لا تستدعي الإعراض عن اللذَّات الحسيَّة المعتدِلة.

الاعتداء عليها

من الطبائع المركَّبة في نفوس البشر داعيةُ حبِّ الأموال والحرصِ في مُكْتسَبها واقتنائها، قال تعالى: وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا، وقال تعالى: إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ * وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ * وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ.

هذا الباعث يقذفه الله في نفوس قوم، فيدعوهم إلى تسوية طرائق العُمْران وتشييد أركانه، ويسلكه في قلوب آخرين فيترامى بهم إلى بث الفساد على وجه البسيطة، وإثارة غُبار التوحش في أرجائها، القويُّ بسطوته، والضعيفُ باحتياله ومكيدته، واعتَبِرْ في هذا برجل فاضت خزائنه ذهبًا، وقد بلغ من الكِبَر عتيًّا، ولم يهَب الله له في ورثته وليًّا، وتجده قائمًا على ساق الجِد في العمل المستمر، يبني بكل ريع آية، ويشُق الأرض بأدوات الفلاحة شقًّا، ماذا حمله على ذلك الحرص الأكيد والأمل الواسع وقد تقوَّس ظهره وانكمش جلده؟ حب المال، حب المال هو الذي ينزع من فؤاد الرجل الرأفة، ويجعل مكانها القسوة والفضاضة، حتى إذا أظلم الأفق واسودَّ جناح الليل تأبَّط خِنجرًا، أو تقلد سيفًا، وذهب يخطو في بُنيَّات الطريق خُطًى خفافًا ليأتي البيوتَ من ظهورها، ويمُد بسبب إلى أمتعتها، فإذا دافَعه صاحبُها أذاقه طعم المَنُون، وانصرف ثَمِلًا بلذة الانتصار؛ ولهذا افتقرت داعيةُ حب المال إلى وازعٍ يسدِّد طَيْشها ويَكسِر من كُعوبها إلى أن تستقيم قناتها، والوازع ما ورد في مجمَل الشريعة ومفصَّلها من الأصولِ القابضةِ على أيدي الهدَّاجين حول اختلاسِها والعاملين على اغتصابها، أو التصرف فيها بغير ما يأذن صاحبها، قال تعالى: لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ، وقال : «من ظلَم قِيدَ شبر من أرض طُوِّقَه من سبع أَرَضِينَ.»

وقال تعالى: وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ، وقد تضمَّنت هذه الآيةُ الإشارة إلى حكم الارتشاء، وقال في شأنه النبي : «لعَن اللهُ الراشي.» هو دافع الرِّشوة، «والمرتشي» وهو قابضها، «والرائش» وهو المتوسط بينهما. الرشوة أخت السرِقة وابنة عم الاغتصاب، وإن شئتَ فقل: تزوج الاغتصاب بالسرقة، فتولدت بينهما الرشوة؛ لأنها عبارة عن أخذ مالٍ معصوم خِفْية، ولكنه بسُلطة على حين عِلم من صاحبه، وكان الذين اجترحوا سيئتَها قصدوا بها معارضة قاعدة الزكاة في وضعها وحكمتها. أما وضعُها فالزكاة مال أوجبه الله على الأغنياء، لتُسَدَّ منه خَلَّة الفقير والمسكين، والرشوة مال يُدلي به الفقراء والأرامل والأيتام إلى الغني ومن وَلِيَ الأحكام ليُنصفهم في الحكومة ولا يخذلهم في مجلس قضائه. وأما حكمتها فالزكاة شُرِعَت لتطهِّر نفوس الأغنياء من رذيلة الشح، وتجعل بدلها الكرم والسماح، وتنزع الغل والحسد من قلوب الفقراء، وتنشر في مكانهما المودة والرحمة لأهل اليسار، والرشوة تزيد الغني لهفةً وحرصًا في جمع الأموال، وتفتح في صدره أبوابًا من المطامع بقدر ما له من سَعة التصرف وقوة النفوذ، ثم تُوقد له في قلب الراشي ضغينةً وحقدًا، وتُطلِق لسانه بخزيه وهوانه، وإن لم يكن بقضائه شقيًّا. ولما كانت الرشوة عقبةً كئودًا في سبيل الحرية أخذت الشريعة في تحريمها بالتي هي أحوط، فلا يَسُوغُ للقاضي قبول الهدية إلا من خواص قرابته؛ لئلا تزِلَّ به مَدرجتُها إلى أكل الرشوة، أو يتخذ اسم الهدية غطاءً للرشوة يسترها به عن أعين المراقبين لأحواله السرية، ورَدَّ عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه الهدية، فقيل له: كان النبي يقبلها، فقال: كانت له هديةً ولنا رشوة؛ لأنه كان يُتَقَرَّبُ إليه لنبوته لا لولايته، ونحن يُتَقَرَّبُ بها إلينا لولايتنا.

ولم يكتف الشارع الحكيم في النهي عن اغتصاب الأموال واختلاسها بما قرَع به الأسماعَ من الزواجر الكلية، فأردَفها بتعليمات عُمْرانية في مواضيعَ غامضةٍ تقصُر عقول البشر عن إدراكها بدون توقيف وتعليم مثل المعاملة بالربا؛ فقد يُتَوَهَّم سلامتها من أكل المال باطلًا، وهي معدودةٌ في قبيله غيرُ خارجة عن معناه. يوافق الربا الاغتصاب في أن الزائد على رأس المال أُخِذَ بغير عِوَض يقابله، ولم تَطِب له نفسُ الدافع، ولا سمح به خاطرُه، ولكنَّ الحاجة هنا ألجأت إلى إعطائه، كما تُلجئ سلطة الغاصب إلى تسليم المال في الغصْب الصريح، وهو بهذا الاعتبار ذريعة لاستيلاء المُوسِرين على تراث أهل الخَصاصة وامتصاص أموالهم التي هي بمنزلة الدم لحياتهم شيئًا فشيئًا، ويقطع سببًا وثيقًا ترتبط به القلوب رحمةً وإخاءً وهو السلَف مِثلًا بِمِثْل، فضلًا عما يَبذُره في نفوس أهل الثروة من أُلْفةِ البطالة والتقاعد عن الصنائع والمعاملات التجارية، ولم تتقدم الأمم المستحِلَّة للربا في حياتها المدنية بارتكاب مطيَّتِه العشواء أخذًا وإعطاءً، وإنما منبَعُ ثروتها ورفاهية حالها عقدُ المبادلات التجارية. والإقبالُ على الفلاحة والصنائع واستِنزاف المعادن، والمعاملة بالربا عندهم أمر يسير لا يكاد يظهر بالنسبة إلى مشروعاتهم الواسعة وأعمالهم المُتواصلة.

وأما العقوبات المتعلقة بالجناية على الأموال فأربعة أنواع:
  • أحدها: عقوبة السارق، قال تعالى: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللهِ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ. من تحقَّق في النظر إلى جناية السرقة وجدها مَفْسدة يَعسُر تلَافيها، إذ لا يمكن للناس أن يُحرِزوا أمتعتهم ويصونوها عن التلف والضياع بأكثر من وضعها في دُورٍ قائمةٍ جدرانُها موصَدةٍ أبوابُها مُزرَّرةٍ أقفالُها، ويتعذر على صاحب المتاع المواظبة على حراسة متاعه بنفسه صباحًا ومساءً، ولا يتيسر لكل أحد أن يتخذ حراسًا يكفونه شر أهل الخيانات أو يجعل دون ماله سدًّا لا يستطيعون أن يَظهروه، ولا يستطيعون له نقبًا، والسارق يترصد أوقاتَ الخَلوة بالأمتعة، فيذهب إليها في حال تنكُّرٍ واختفاءٍ، ويَخرِق الدار ويَتسوَّر جدارها، ويَقلَع الأبواب أو يَكسِر أقفالها، ثم يملأ حقيبتَه منها، وينصرف آمنًا مطمئنًّا من افتكاك ما أخَذ منه أو إقامة البيَّنة عليه، بخلاف الغاصب أو المنتهِب، فإنه يأخذ المال مُجاهَرةً، فيُمكن استرجاعُه منه بالقوة أو بالإشهاد عليه؛ ولهذا كانت السرقة أكثرَ وقوعًا، وأجلبَ للخَلَل في النظام، فاستحق صاحبها تشديد العقوبة عليه؛ لقطع جُرثومة فسادها عن الناس، وأليَقُ العقوبات به قطعُ الجارحة التي يَتوسل بها إلى الإذاية، ويباشر بها الجناية على الأموال المعصومة.

    وهل أتاك حديثُ من ينظر ببصيرةٍ عشواءَ، فأورَدَ على ما قررته الشريعة من قطع يد السارق في ربع دينار، وجَعْل دِيَتِها خمسَمائةِ دينارٍ إذا جنى عليها غيرُه فقطَعَها، فقال:

    يدٌ بخمسِ مِئينَ عَسْجدٍ فُدِيَت
    ما بالُها قُطِعَت في رُبْعِ دينار

    وقال بعضهم في جوابه:

    حمايةُ الدمِّ أغلاها وأرخصُها
    صيانةُ المال فانظر حكمة الباري

    وأجاب الإمام الشافعي فيما رُوي منه:

    هناك مظلومةً غالت بقيمتها
    وها هنا ظَلَمت هانت على الباري

    ثم إن قطْع اليد في ربع دينار مثلًا فيه حكمة الزجر للسارق نفسِه عن مُعاودة السرقة، وردع أمثاله عن الإقدام عليها، وفي هذا عصمةٌ لأموال كثيرة، وسدٌّ لمَنفَذ تتفشى منه المفسدة بطريق العدوى، والله لا يحب المفسدين.

  • ثانيها: عقوبةُ من يُخيف السبيل ويُشهر السلاح لأخذ المال باطلًا، وهو المحارِب، قال الله تعالى: إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ، شرَع الله في عقاب المحارب أربعةَ أنواع، أَوكَل أمرَها إلى خِيرة الإمام، فإما أن يُقتل بدون صلب، وإما أن يُصلب حيًّا ثم يُقتل ويُراقَ دمُه على الخشبة التي صُلِبَ فيها، أو تُقَطَّعَ يدُه ورجله من خِلاف، أو يُنفَى من الأرض، أي يُبْعَثَ من بلده إلى بلد آخر، ويُودَعَ في السجن إلى أن ينتفي خُبثُه وتظهر توبته، وليس معنى نفيه إبعاده إلى بلد آخر مع تركه خالِعَ العِنان يمشي في مناكبها، ويجتني بها قطوف لذَّاتها، فإن هذا لا يَمحق كيده، ولا يقطع ذيل فساده، فلا نأمن أن يسحبه مرةً أخرى، ويُلوث به بقاعًا كانت آمنة مطمئنة، وأُضِيفَ التغريب في هذه العقوبة إلى السجن زيادةً في الخزي والنكال؛ فإن من يُبارِحْ وطنه ويغادرْ مَسقَط رأسه يجدْ في نفسه حرجًا، وفي خاطره ضجرًا؛ لانقطاعه عن أهلٍ تربى في حجورهم وليدًا، وحنَوا عليه بعواطفهم حِقبةً، ثم مفارقته لعشيرةٍ شب على أخلاقهم وعوائدهم، واشتمل برداء عزِّهم من قبل أن يَكبُر عن الطوق، ومن ثم نبعت الغَيْرة على الوطن في صدور الطوائف، وأصبحوا يُجِلُّونه أعظم إجلال، فلو هاجر قومُه الوطنَ الأول، وانتبذوا بدله مكانًا قصيًّا، لتحولت غَيرتُه معهم وخَصَّ بها المنزل الحديث، كما يَخصه بالتشوُّق والحنين، وعلى هذا المعنى يُحْمَلُ حديث: «حب الوطن من الإيمان.» على فرض ثبوته، فحب الوطن على هذا الوجه يدل على حُسن العهد، ويدعو إلى التعاضد على البر والتقوى.

    وقد يألف الإنسان بعض البقاع، فيجد في إحساسه ميلًا نحوها زائدًا عما تقتضيه قيمتها في نفسه، ويأبى أن يستبدلها بالذي هو خير، ولكن هذا الميل بعد أن نُسلِّم أنه أثر طبيعي غير خيالي، فلا يُعْتَدُّ من العواطف المعتبَرة في نظر الشريعة ومجاري عادات العقلاء حتى يستحق من أجلها صفة تمجيد، فمن تحيَّز عن أمته وطفِق يرمي في وجوههم بعبارات الازدراء، وينفُث في كأس حياتهم سمًّا ناقعًا، لا نَصفُه بصفة الغَيْرة والوطنية، وإن شُغِفَ بحب ديارهم وقبَّلها جدارًا بعد جدار، ولا يراد بالتخيير هنا إلقاء العقوبة بيد الإمام يحُدُّ الجاني بأي نوع اتفق أو تعلقت به مشيئته، كالتخيير في خصال الكفارة، وإنما المرادُ فتحُ مجال الاجتهاد في هذه الأنواع من غير أن يخرج عن دائرتها، فيجب عليه النظر أولًا، وبذل الوُسْع فيما هو الكافي لحسم هذا الفساد من أصله، وبعد تعديل الرأي وتنقيحه، يتعين العمل بما هو أصلَحُ في الردع وأنفى لوباء الفتنة.

    فمن المحاربين من لا يُقاتل بنفسه، ولكن له دهاء ومهارة في المكر والتدبير، بحيث يستطيع حِيلةً أن يؤلِّف الجموع ويثير غُبار الفتنة، فهذا يجب قتلُه، فإن كان للمبالغة في إشهار العقوبة وإيقاعها بمكانٍ تشخَص فيه الأبصار تأثيرٌ نافعٌ في ردع العائثين وإرهابهم جُمِعَ بين صَلبه وقَتله، ومنهم من لا رأي له ولا تدبير، وإنما يقطع السبيل بقوة بدنه وشدة بطشه، فهذا يُقَطَّعُ من خِلاف؛ ليُكَفَّ شرُّ يدِه التي يبطِش بها، ورجلِه التي يَفتِن عليها، وأمَّا من يُعْلَمُ من حاله العفاف، وإنما صدَر منه ذلك على وجه الفَلْتة والمساعدة لغيره مع توقُّعِ الندم منه، فهذا حُكمه النفي، ولا يسُوغ قتلُه ولا قطعُه، وإنما كانت عقوبة المحارب أشد من عقوبة السارق؛ لأن الحرابة أعظم مفسدةً وأوسع خرقًا في النظام؛ لإفضائها إلى انتهاب الأموال وسفك الدماء عند المدافعة عنها، إذ يسُوغ لصاحب المال المدافعةُ عن ماله بما يملك من الاستطاعة، كثيرًا كان المالُ أو يسيرًا، وله أن يُقاتل بعد الإنذار والموعظة إذا لم يَجِدْ للدفاع طريقًا سوى القتال.

    وجعل الإمامُ الشافعي رضي الله عنه أنواعَ العقاب المقرَّرةَ في الآية مرتبةً على حسَب حال اختلاف المحارِبين بالنظر إلى ما صنعوا، فقال: إذا قَتَل المحارِب ولم يأخذ مالًا قُتِلَ، وإن أخذ المال وقتَل وجب قتلُه وصلبُه، وإن أخذ المال ولم يَقتل قُطِّعَ من خِلاف، والنفي والحبس فيمن لم يبلغ جرمُه إلى أن يَستحِق أكثر منهما.

  • ثالثها: عقوبة المتعدِّي بغير السرقة والحرابة كالغاصب، وأمرُ تشخيصها وتحديدها موكولٌ إلى ذكاء القاضي وعدالته يجتهد فيها رأيَه ويقدِّرها على حسب الجناية.
  • رابعها: عقوبة المُتلِف لمال غيره وهي تغريمه المثل أو القيمة، والعقوبة بالمال في غير هذه الجناية، وقَع النزاعُ في حكمها بين علماء تونس في سنة ٨٢٨، فأفتَوا بالمنع، وانفرد عنهم الشيخ البرزلي، فأفتى في ذلك بالجواز، وجعلها من قبيل المصالح المرسَلة، وقال: إذا لم يُمكن ردعُ الجناة إلا بالمال رُدِعُوا بالمال. وألَّف في ذلك تأليفًا فيه نحو أربع أوراق، وخالفه جميعُ من حضر في ذلك الوقت، وألزموه مخالفةَ الإجماع، ورُوي أن مرْوان بن عبد الحكم أخذ رجلًا راود امرأةً على نفسِها وقبَّلها وكشفَها، فسجَنه ولم يُطلِقْه إلا بعد أن فداه أبوه بألفٍ، فأنكر الإمامُ مالكٌ على مروانَ فِعلَه؛ لأنه لا يرى القضاء بالعقوبة بالمال، وهذه مسألة عظيمة تستدعي بسطًا واستدلالًا لا يسَعُهما هذا المقام.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤