الفصل الثاني

المشهد الأول

(وستمنستر – شارع – يدخل سيدان من بابَين متقابلَين ويلتقيان.)

السيد الأول : إلى أين وفيمَ العجلة؟
السيد الثاني :
وقاكَ الله! إلى قاعة المحكمة الكبرى
لأعرف مصير دوق بكنجهام العظيم!
الأول :
سأُوفِّر عليك التعَب؛ فقد انتهت المحاكمة، ٥
ولم يَبقَ إلا إجراءاتُ العودة بالسجين.
الثاني : هل شَهِدتَ المحاكمة؟
الأول : شهدتُها كلَّها!
الثاني : أرجوك قل ما حدث!
الأول : كما توقَّعتُ تمامًا!
الثاني : ثَبتَت عليه التهمة؟
الأول : نعم، وحُكم عليه بالإعدام.
الثاني : كم يُؤسِفُني ذلك.
الأول : ويؤسف كثيرين غيرك!
الثاني : وكيف كان ذلك؟ ١٠
الأول :
لن أُطيل عليك. أتى الدوق العظيم إلى المحكمة،
وأنكر التهمة الموجَّهة إليه، وأدلى ببراهينَ قوية
ليفلت من قبضة القانون، ولكن النائب العام ١٥
بَرع في استجوابه، وأدلى بأدلَّته،
واستند إلى اعترافات مختلف الشهود الذين طلب الدوق إحضارهم!
وهكذا مَثلَ من شهود الإثبات وكيل الدوق،
ثم أمين خزائنه السير جلبرت بيرك، ٢٠
ثم صاحب اعترافه جون كار،
ثم ذلك الراهب الشيطان هوبكنز
الذي تسبَّب في تلك الكارثة!
الثاني : أهو الذي سقاه من كأس نبوءاته؟
الأول :
هو نفسه! وكانت الأدلة التي ساقُوها ضده دامغة!
ورغم محاولاته دحض تلك الأدلة فقد باء بالفشل! ٢٥
وهكذا حَكَم أقرانه من النبلاء بإدانته بتهمة الخيانة العظمى.
لقد تكلَّم طويلًا، وأظهر التبحر في العلم عند محاولته
إنقاذ حياته، ولكن أقواله لم تفلح
إلا في إثارة الشفقة عليه، بينما تجاهلها القضاة!
الثاني : وماذا كانت حاله بعد ذلك كله؟ ٣٠
الأول :
عندما عاد الحُراس به إلى المحكمة ليسمع ناقوس نعيه،
أي الحكم الصادر عليه، بدَت عليه آثارُ الألم المُبرِّح
حتى لقد تصبَّب منه العَرق،
وتَفوَّه بألفاظٍ تنم على الغضب والمرض والتعجُّل،
لكنه سرعان ما استعاد رباطة جأشه، ورقَّة حاشيته، ٣٥
وأظهر بعد ذلك أبلغَ آيات الصبر الجميل!
الثاني : لا أظنُّه يخشى الموت!
الأول :
إنه حقًّا لا يخشاه، ولم يكن يومًا ما جبانًا١ إلى هذه الدرجة!
ولكن سبب الحكم بإعدامه هو الذي يؤلمه بعض الشيء.
الثاني : لا شك أن الكاردينال هو الذي دبَّر كل ذلك. ٤٠
الأول :
محتمل! بل هو ما تُرجِّحه الشواهد جميعًا! فهو الذي فصل
لورد كيلدير نائب الملك في حكم أيرلندا، وصادر أملاكه،
وما إن تخلَّص منه حتى أرسل مكانه اللورد سَرِي،
وعلى وجه السرعة أيضًا حتى تفُوتَه فرصةُ مساعدةِ صِهره!
الثاني :
تلك أُحبولةٌ عميقة الجذور من أحابيل السياسة،
ودافعها الحسد!
الأول :
لكن اللورد سَرِي سوف يثأر لصهره عندما يرجع ولا شك! ٤٥
لقد لاحظ الجميع أنه ما من شخصٍ يحظى بحُب الملك،
حتى يجد الكاردينال عملًا آخر له، وبعيدًا عن البلاط أيضًا!
الثاني :
إن العامة جميعًا يكرهون الكاردينال،
بل يُبغِضونه بغضًا شديدًا. وأشعُر في قرارة نفسي ٥٠
أنهم يودُّون لو كان يرقُد على عُمقِ عشر قاماتٍ في الأرض!
لكنهم يحبُّون الدوق ويُكنُّون له كل احترام!
وكُنيتُه لدَيهِم هي ذو الكرم والنِّعَم،
مرآة الذَّوق الرفيع واللباقة!

(يدخل بكنجهام من باب المحكمة، وأمامه الكتبة وحدُّ بلطة الجلاد موجَّه إلى عنقه، وحاملو الرماح على الجانبَين، معه السير توماس لافل والسير نيكولاس فوكس، والسير والتر ساندز، وبعض العامَّة.)

السيد الأول : انتظِر هنا سيدي حتى ترى النبيل الذي أخنى عليه الدهر!
السيد الثاني : فلنقترب منه حتى نراه.
بكنجهام :
يا أيها الكرام جميعًا! يا من قطَعتم هذه المسافة ٥٥
كي تُظهروا العطف والثقة بي،
استمعوا إلى ما أقول ثم عودوا إلى بيوتكم،
واحتسبوني بين الموتى. لقد صدر عليَّ اليوم حكمٌ بالخيانة
وسوف أموتُ مُدانًا بهذه التهمة. لكني أُشهِد السماء
على أنني مخلص! وإذا كان عندي ضمير
فليته يقذف بي في وَهْدة العدم ٦٠
من قبل أن يمسَّني نصلُ الجلاد. أنا لا أُناصب القانون العَداء
فقد أخذَت العدالة مجراها بافتراضِ صحة الأدلة،
ولكنَّني كنتُ أودُّ ممن سَعَوا في هلاكي أن يكونوا
أقربَ إلى خصال المسيحية. ومع ذلك، ومهما يكونوا،
فإنني أصفح عنهم من أعماق قلبي. ٦٥
ألم يكن الأَوْلى بهم أن يُحقِّقوا أمجادهم
بغير الأذى والإساءة؟
وألا يَبْنوا شُرورهم على قبور العظماء؟
إذ إن دمي البريء لا بد أن يصرُخ مطالبًا بالثأر!
لقد انقطَع أملي في أن أعيش أكثر مما عِشتُه
في هذه الدنيا، ولن أتفرَّع لطلب المزيد،
رغم أن الملك قادرٌ على أن يعفو ٧٠
على ما لا أجسر عليه من الخطايا،
لكنني يشُق عليَّ فراقكم يا من أحببتم بكنجهام،
على قلَّتِكم، ومن جرؤتم على رثائه
لا مَرارة في الموت إلا مَرارة هذا الفراق!
سيروا معي إذن مثل ملائكة الخير إلى حيث ألقى مصيري. ٧٥
وعندما يهوى النصل الفولاذي الفاصل على رقبتي،
قدِّموا صلواتِكم قربانًا شافعًا يرفع روحي إلى السماء،
فلتَصْحبوني باسم الله!
لافل :
أتضرَّع إلى سعادتِكم أن تُحسِنوا إليَّ،
وإذا كُنتم تُضمِرون ذرَّة من الحقد في قلبكم عليَّ، ٨٠
فأرجو أن تُعلِنوا صَفْحكم صراحة!
بكنجهام :
يا سير توماس لافل! إني لأصفح عنكم مخلصًا،
صفحا أرجوه لنفسي، بل إني أصفح عن الجميع.
فلم يُصِبني من الإساءاتِ ما لا يُحصى،
حتى أعجز عن الصفح عنها،
ولن يُبنى قبري من الحسَد الأَسود. ٨٥
اذكُرني عند صاحب الغبطة، فإذا سألك عن بكنجهام
فأرجو أن تقول له إنكَ لقيتَه وإحدى قدمَيه في السماء.
وما زلتُ حافظًا لعهودي ودعواتي للملك،
وسأظل أبتهل الله أن يُباركه،
حتى تصعد روحي إلى بارئها. فليمُدَّ الله في عمره ٩٠
سنواتٍ لا أقوى على عدِّها.
وليستمرَّ في الحكم عاهلًا محبًّا ومحبوبًا،
وعندما يقضي الدهر التليد بالنهاية المحتومة،
فليدفن مع الخير معًا في ضريحٍ واحد.
لافل :
مهمتي أن أصحبكم حتى شاطئ النهر، ٩٥
ثم أَعهَد بالمهمَّة إلى السير نيكولاس فوكس،
فهو الذي سيمضي معكم إلى حيث تنتهون.
فوكس :
استعدُّوا أيها الرجال فالدوق قادم.
احرصوا على إعداد السفينة،
وتزويدها بالأثاث الذي يليق بجلال قَدْره.
بكنجهام :
لا يا سير نيكولاس! بل اتركوها كما هي! ١٠٠
إن حالي الآن يسخر مني ويضحك!
عندما قَدِمتُ إلى هنا كنتُ دوق بكنجهام ورئيس جهار الشرطة،
أما الآن فأنا إدوارد بوون — فرد لا حَول له ولا طَول!
ومع ذلك فأنا أغنَى نفسًا من الحُقَراء الذين رمَوني بالتهم،
والذين لم يدركوا يومًا معنى الصدق. ١٠٥
إنني أضع خاتم الدم عليه، وسوف أجعلهم بهذا الدم
يصرخون ذات يوم ألمًا وندمًا!
كان والدي النبيل هو هنري دوق بكنجهام،
الذي كان أوَّل من عارض ريتشارد المغتصب،
ولمَّا أحدقَ به الخطرُ طلَب الغوثَ من خادَمه بانيستر،
ولكنَّ ذلك الوغدَ خانَه ووشَى به، ١١٠
فكان مصيره الإعدام دون محاكمة! عليه رحمة الله!
ولذلك فلما تولى هنري السابع حكم المملكة،
أحزنه مصير أبي، وفعل ما يفعله كل أميرٍ شريف؛
إذ ردَّ لي شرفي ومنزلتي،
ومن بين الأطلال أعاد بناء اسمي النبيل الشامخ. ١١٥
وها هو ابنه هنري الثامن يُجرِّدني بضربةٍ واحدة،
من الحياة والشرف والألقاب وسعادة الدنيا كلها!
ولكنني قد مَثلتُ للمحاكمة على أي حال،
وهي محاكمةٌ قانونية لا شك جعلَتْني أسعد حالًا
من أبي المسكين، وإن كان كلانا قد لقي نفس المصير؛ ١٢٠
إذ إن كلًّا منا قد راح ضحيةَ خدَمه،
وضحيةً للرجال الذين أحببناهم حبًّا جمًّا،
فيا لها من خدمةٍ خئون تُنافي الطبيعة.
لكنَّ للسماء حكمةً في ذلك!
ولذلك فإنني أقول لكم قولًا ثابتًا،
يا من تستمعون إليَّ الآنَ وأنا على شفا الموت، ١٢٥
حذارِ ممن تُحبُّونهم كل الحب وتُسِرُّون إليهم بأسراركم،
لا تُسرفوا في الحب وتُقبلوا عليهم دون رويَّة؛
فالذين تتخذونهم أصدقاء وتُقدِّمون لهم أفئدتكم
سوف يخذلونكم عندما يُدبِر الحظ عنكم،
ويَفْلتون كالماء لا تنضم عليه الأصابع! ١٣٠
ولن يعودوا إليكم إلا حين يريدون القضاء عليكم.
أرجو من جميع الأخيار أن يرفعوا الدعوات لي؛
فلقد آن أوان رحيلي، وحانت الساعة الأخيرة،
في هذه الحياة المريرة الطويلة! وداعًا!
وإذا أردتُم يومًا ما أن تذكُروا ما يثير الأشجان،
فاذكروا هذه النهايةَ التي انتهيتُ إليها!
لقد انتهيتُ حقًّا، وليشملني الله بعفوه ومغفرتِه. ١٣٥

(يخرج الدوق والحاشية.)

السيد الأول :
ما أشَدَّ ما يبعثُ ذلك على الأسى!
وما أكثر اللعناتِ التي سيمطرها على رءوس من كانوا السبب!
السيد الثاني :
إذا كان الدوق بريئًا
فما أعظم الويلَ والثبور!
ومع ذلك فسوف أُلمح لكَ عن كارثةٍ مقبلة، ١٤٠
لو وقعَت فسوف تفوق هذه المأساة حقًّا!
السيد الأول :
فلتحفظنا ملائكة الخير من شرها! ما عساها تكون؟
أفصح لي عنها! هل تشُك في إخلاصي؟
السيد الثاني : إنه سِرٌّ كبير يتطلَّب إرادةً جبارة في كتمانه!
السيد الأول : أَفصِح عنها؛ فأنا قليل الكلام.
السيد الثاني :
أنا واثق من ذلك، وسأبوحُ لك بالسر. ١٤٥
ألم تسمع في الأيام الأخيرة همهماتٍ عن الفِراق الوشيك
بين الملك وكاثرين؟
السيد الأول :
سمعتُ الهمهمة التي لم تلبث أن سكَتتْ،
وعندما سمعها الملك غضِب، وأرسل إلى العمدة ١٥٠
أمرًا بنفي الشائعة، وإسكات ألسنة الذين تَجرَّءوا
على نشرها.
السيد الثاني :
ولكنَّ تلك الشائعة المغرضة، يا سيدي،
قد أصبحَت اليوم حقيقة! إذ عادت إلى الانتشار بقُوة،
وبات من المؤكَّد أن الملك سوف يتركُ زوجته. ١٥٥
وسواءٌ كان المدبِّر هو الكاردينال أم غيره من المقرَّبين للملك،
فلقد دفع الحقد على الملكة الكريمة بعضَهم
إلى الإيحاء إلى الملك بأن زواجه منها باطل،
ولا بُد له أن يُفارِقها.
وتأكيدًا لذلك وصل الكاردينال كامبيوس أخيرًا إلى القصر، ١٦٠
ويعتقد الجميع أنه جاء لهذا السبب نفسه.
السيد الأول :
إنه من تدبير الكاردينال،
وهدفه هو الانتقام من إمبراطور إسبانيا قريب الملكة؛
لأنه رفَض منحَه أسقفيةَ طليطلة.
لقد تعمَّد ذلك دون شك.
السيد الثاني :
لقد أصبتَ كبدَ الحقيقة فيما أرى!
ولكن أليس من الظلم أن تُعاقِب الملكة على ذلك؟ ١٦٥
لسوف يُنفِّذ الكاردينال إرادته، وسوف يقضي على الملكة!
السيد الأول :
هذا موضوعٌ مؤلم. إننا نتكلم في الطريق العام وقد يسمعُنا أحدُهم!
فلنستكمل حوارنا في مكانٍ خاص.

(يخرجان.)

المشهد الثاني

(غرفة استقبال في القصر – يدخل كبير الأمناء وهو يقرأ خطابًا.)

كبير الأمناء (يقرأ) :
«سيدي اللورد! إن الخيول التي أرسلتُم في طلبها قد تمَّ اختيارها بكل عناية، كما تم تدريبها وتجهيزها. وهي في فورة الشباب وجميلة المظهر، ومن أفضل سُلالات بلدان الشمال. وعندما كنتُ على أُهبة الرحيل بها إلى لندن، تعرَّض لي رجلٌ من أتباع مولاي الكاردينال، وأخذها مني بالقوة قائلًا إن مولاه لا بد أن يتمتع بالأولوية على الجميع، إن لم يكن على الملك نفسه، وإذ ذاك لم نستطع الرد عليه.»
أظُن أن الكاردينال سوف يستولي عليها حقًّا! فليكن! وظني أنه لن يترك شيئًا حتى يستولي عليه. ١٠

(يدخل دوق نورفوك وسافوك.)

نورفوك : مرحبًا بكبير الأمناء.
كبير الأمناء : طاب يومكما يا صاحبَي السعادة!
سافوك : ما الذي يشغل الملك؟
كبير الأمناء : تركتُه وحيدًا، مهمومًا يعصره القلق.
نورفوك : وما السبب يا تُرى؟
كبير الأمناء :
أمر زواجه من أرملة أخيه! ١٥
يبدو أنه تسلَّل إلى قلبٍ من ضميره!
سافوك (جانبًا) : بل قل إن ضميره تسلَّل إلى قلب فتاةٍ أخرى!
نورفوك :
هذا صحيح! وهو من تدبير الكاردينال،
هذا الكاردينال المتوَّج، هذا القَس الأعمى،
كأنه الابن الأكبر لربَّة الحظ! إنه يُدير عجلَة الحظوظ.
سافوك :
في الوجهة التي يريدها. وسوف ينكشف أمره للملك يومًا ما! ٢٠
أسأل الله ذلك، وإلا فلن يعرف الملك حقيقة ذاته نفسها!
نورفوك :
إن الكاردينال يتفانى في كل ما يعمل،
كأنه يتفانى في عبادة الله! لقد نجح في فَصْم عُرى التحالف
بيننا وبين إمبراطور إسبانيا، ابن شقيقة الملكة!٢ ٢٥
كما نجحَ في النفاذ إلى أعماقِ قلب الملك،
وبثَّ فيه التشكك من صحة زواجه، وغرس فيه بذور الأخطار،
وآلام الضمير، وآيات اليأس!
وهو ينصحه بالطلاق حتى يطهِّر روحه؛ ٣٠
أي بأن يرمي تلك الجوهرة التي زانت صدره
عشرين سنة، كأنها قلادةٌ ثمينة،
لم تفقد فيها بريقها لحظةً واحدة.
تلك التي أخلصَت في حبه إخلاص الملائكة
في حب الأخيار، والتي لن تتوقَّف عن مباركة الملك، ٣٥
حتى حين تصيبها طعنة القَدَر الساحقة!
كبير الأمناء :
أفلا يدُل سلوكُ الكاردينال على التقوى والورع؟
فلتَحْفظني السماء من مثل هذه النصيحة!
لقد انتشَرتِ الأخبار في كل مكان، وهي على كل لسان،
وتبكي القلوبُ المخلصة لذكرها. أما من يجرؤ على النظر في الأمر
فسيرى غايةً واحدة وهي أخت ملك فرنسا.٣
ليت السماءَ تفتحُ عين الملك يومًا ما،
بعد أن ظلت ردحًا طويلًا غافلةً عن ذلك الخبيث الجسور!
سافوك : وليتها تُنقذنا من عبوديته!
نورفوك :
علينا أن نبتهل إلى الله من قلوبنا حتى يُخلِّصنا منه، ٤٥
وإلا هبط بنا هذا الجبَّار من مراتب الأمراء
إلى مراتب الخدم! فإن شرف الناس في يدَيه
مثل الصلصال يُشكِّله في الشكل الذي يريده.
سافوك :
أما أنا يا صاحبَي السعادة فلا أحبه ولا أخافه،
وهذه عقيدتي الراسخة؛ فأنا لست مدينًا له بشيء، ٥٠
وسأظل في موقعي ما دام الملك يريد ذلك.
وأما لعنات هذا الرجل وبركاته فلا أثَر لها في نفسي؛
إذ إنها كلماتٌ لا أومن بها! لقد عرفتُه في الماضي
وأعرفه اليوم حقًّا؛ ولذلك فأنا أتركه للرجل الذي نفَث فيه هذه الكبرياء والجبروت — أي البابا. ٥٥
نورفوك :
فلندخل على الملك، ونطرح عليه بعض المسائل التي
تمحو أثَر تلك الأفكار المحزنة التي تعكِّر صفوه وتشغل باله.
هل تصحبنا يا سيدي اللورد؟
كبير الأمناء :
عفوا! لقد كلَّفَني الملك بمهمة في مكانٍ آخر.
والواقع أن هذا الوقت غيرُ مناسبٍ إطلاقًا لإقلاق الملك. ٦٠
أرجو لكم موفور الصحة.
نورفوك : شكرًا لك يا كبير الأمناء الأكرم.

(يخرج كبير الأمناء – يقوم الملك برفع الستار ويجلس وهو يقرأ غارقًا في أفكاره.)

سافوك : ما أشَدَّ الحزن الذي يكسو وجهه! لا بد أنه في غاية الهم والكرب.
الملك : من هناك؟ من أنتَ؟
نورفوك : أدعو الله ألا يكون غاضبًا!
الملك :
من هناك أقول؟ كيف تجسران على اقتحام خلوتي،
وتعكير صفو تأمُّلاتي؟ هل تعرفان من أكون؟ ٦٥
نورفوك :
ملكٌ رحيم، يغفر كل ذنبٍ غير مقصود!
إننا ما جرؤنا على انتهاك الواجب بهذا الشكل،
إلا لأمرٍ هامٍّ من أمور الدولة،
نريد استطلاع رأي جلالتكم فيه.
الملك :
بل هي جرأةٌ غير مقبولة! تبًّا لكما! ٧٠
سوف أُعلِمُكما مواعيد العمل المقرَّرة لكما.
هل هذه ساعة إنجاز أعمال الدولة؟
(يدخل وولزي وكامبيوس حاملًا أوراق اعتماده.)
مَن هناك؟ إنه الكاردينال الكريم!
أقبل يا وولزي العزيز! يا ترياقَ ضميري المجروح!
إنك الدواء الشافي للملوك! ومرحبًا بك يا كامبيوس!
أيها الحَبْر العلَّامة في مملكتنا! ٧٥
فنحن وإياها في خدمتك، عزيزي اللورد وولزي،
أرجو أن تحتفي به حقًّا حتى لا يُقال
إن كلامي ألفاظٌ جوفاء!
مُحالٌ أن يقال ذلك! أرجو من جلالتكم أن تسمحوا لنا.
وولزي :
بساعةٍ للحديث على انفراد.
(إلى نورفوك وسافوك) إننا مشغولون الآن. تفضَّلا بالرحيل. ٨٠
الملك (جانبًا إلى سافوك) : أمَا لدى هذا القَس كبرياء؟!
نورفوك (جانبًا) : بل ما لا يذكر! ولو أنني لا أحسُدُه مطلقًا على.
سافوك :
منزلته! ولكن هذا لن يستمر!
(جانبًا) إذا استمر فسوف أضربه ضربةً ماضية!
نورفوك (جانبًا) : وأضربه أنا ضربةً أخرى!
سافوك (يخرج سافوك ونورفوك) : لقد قدَّمتَ يا صاحب الجلالة مثالًا على الحكمة.
وولزي :
سبقتَ به جميع الأمراء!
لقد قمتَ طواعية بإحالة شكوكك إلى الكنيسة ٨٥
وهي المتحدث بصوت العالم المسيحي!
كيف يغضب أحد؟ وأي حقدٍ يمكن أن ينالك؟
إن ملك إسبانيا الذي يرتبط بالملكة برابطة الدم ويعطف عليها
لا بد أن يعترف الآن بأن قرار إجراء المحاكمة
قرارٌ منصف وشريف؛ فالإسبان من الأخيار؛ ٩٠
إذ إن رجال الدين، وأعني بهم الراسخين في العلم
في الممالك المسيحية، سوف يُدْلون بأصواتهم بصراحة.
أما روما، مرضعة الحُكم السديد،
فلقد لبَّت دعوتَكُم الشريفة، وأرسلَت
رجلًا ينوب عن الجميع إلينا. وهذا هو الرجل الصالح،
القَس المنصف العلَّامة، الكاردينال كامبيوس، ٩٥
الذي أقدِّمه الآن من جديد إلى سُموِّكم.
الملك :
وأنا أُرحِّب به من جديد، وأفتح له ذراعيَّ،
وأشكُر رجال المجمع المقدَّس
على ما أبدَوْه من حُبٍّ بإرسال مثل هذا الرجل،
الذي كنتُ أتطلَّع إلى قدومه.
كامبيوس :
إنكم يا صاحب الجلالة جديرون
بحب الأجانب جميعًا لشرف منزلتكم السامية. ١٠٠
إنني أقدِّم أوراق اعتمادي إلى يدَي سُموِّكم.
وقد قضت محكمة روما بأن تشاركني. (إلى وولزي)
يا سيدي كاردينال يورك، في إصدار الحكم المحايد،
في هذه القضية. ١٠٥
الملك :
إن منزلتكما عندي سواء، وسوف تُحاط الملكة فورًا بسبب
زيارتكم. أين جاردنر؟
وولزي :
أعرف يا صاحب الجلالة أنك طالما أحببتَها
وطالما أحللتَها أعز مكانٍ في قلبك؛ ومِن ثَمَّ أرجو
ألا تحرمها من الحق الذي يُوفِّره القانون للجميع ١١٠
حتى من هم أقلُّ منزلةً منها، ألا وهو حق الدفاع،
ولْيتولَّه بعض العلماء بحرية وصراحة.
الملك :
بل سيتولاه أفضل العلماء! وسيحظى برضاي من يُخلِص
في الدفاع عنها! حاشا الله أن يكون موقفي غير ذلك!
أرجوك يا كاردينال أن تدعو جاردنر للحضور.
إنه أمينُ سِرى الجديد! وأعتقد يصلُح لهذا العمل. ١١٥

(يخرج وولزي ويعود مع جاردنر فورًا.)

وولزي (جانبًا إلى جاردنر) :
هاتِ يدَكَ. أرجو لك السعادة والتوفيق؛
فأنت الآن في خدمة الملك.
جاردنر (جانبًا إلى وولزي) :
لكتني طوعُ أمرِكم إلى الأبد؛
فإن يدكَ هي التي رفعَتْني إلى هذه المنزلة!
الملك : تعال هنا يا جاردنر.

(يذهب إليه ويتهامس معه.)

كامبيوس :
يا سيدي كاردينال يورك! ألم يسبق هذا الرجل في منصبه ١٢٠
شخصٌ يُدعى الدكتور بيس؟
وولزي : نعم.
كامبيوس : ألم يكن يُقال آنذاك إنه عالمٌ نحرير؟
وولزي : بالتأكيد.
كامبيوس :
صدِّقني يا سيدي الكاردينال، لقد انتشَرتِ الظنون السيئة
آنذاك، حتى بكم يا مولاي!
وولزي : عجبًا؟ كيف يُساء الظن بي؟ ١٢٥
كامبيوس :
لم يتردَّد الناس في القول بأنك كنت تحسُدُه،
وأنك خشيتَ أن يرقى إلى الدرجات العلا،
بسبب فضائله العليا،
فنقلته إلى مكانٍ بعيد، مما سبَّب له حزنًا شديدًا،
دفعه إلى الجنون، ثم قضى عليه.٤
وولزي :
عليه رحمة السماء! وهذا ما يجب على كل مسيحيٍّ صادق
أن يقوله! أما مُروِّجو الإشاعات بيننا فلا بد من عقابهم! ١٣٠
لقد كان يتسم بالبلاهة إذ قصر حياته على التنسُّك!
ولكن أمين السر الجديد رجلٌ صالح،
يُصغي إليَّ ويأتمر بأمري،
وإلا ما كنتُ قرَّبتُه مني. واعلم يا أخي
أننا لا نسمح بأن يتَحكَّم البُغَضَاء فينا. ١٣٥
الملك (إلى جاردنر) :
سَلِّم هذا بكل أدب واحترام إلى الملكة.
(يخرج جاردنر.)
إن أفضل مكان يصلح في رأيي لمثل هذه المناظرة العلمية
هو دير بلاك فرايرز.٥ فليكن مكان لقائكم
لبحث تلك القضية الهامة. أنت مكلَّف يا عزيزي وولزي
بإعداده الإعداد اللائق، يا لله!
كم يُحزِن الرجل القوي أن يفارق تلك الزوجة الرقيقة! ١٤٠
ولكن آه من وخز الضمير! الضمير الضمير!
إنه حسَّاسٌ رقيق، ولا مناص لي من فراقها!

(يخرجون.)

المشهد الثالث

(غرفة داخلية في قصر الملكة.)

(تدخل آن بولين مع سيدةٍ عجور.)

آن :
ولا لهذا السبب أيضًا! أما مصدر الألم الذي يخزني وخزًا،
فهو أن جلالتَه قد عاش معها ردحًا طويلًا من الزمن،
وهي سيدةٌ كريمة فاضلة، لا يمكن للسانِ أن يمسَّها
بما يخدش شرفَها، وأُقسم بحياتي أنها لم تعرف الإساءة
يومًا ما! انظري كم مرةً دارت الشمس في فلكها منذ تتويجها، ٥
وكيف تزداد بهاءً كل يوم وعظمة!
إن مرارة تخلِّيها عن مكانتها تزيد ألف مرة،
عن فرحتها بوصولها إليها أول مرة!
وكيف يستطيع بعد هذه الحياة المشتركة أن ينبذها؟
إن الأسى عليها يثير قلوب الوحوش! ١٠
العجوز : إن أغلظَ القلوب وأشدَّها تحجُّرًا لتذوب حسرةً وكمدًا عليها.
آن :
بل هذه إرادة الله! ليتها ما عرفَت الأُبَّهة والمجد،
ولو كانا ينتميان للدنيا الفانية!
ومع ذلك فإذا عبسَت ربة الحظ المشاكسة،
وجرَّدَت الإنسان منهما، كان الألم مُبرِّحًا،
كفراق الروح للجسد.
العجوز :
وا أسفًا أيتها المسكينة!
لقد أضحت غريبةً من جديد!
آن :
وهو ما يبعث على المزيد من الأسى والرثاء!
أُقسم إنه لأهونُ على الإنسان
أن يُولَد في أُسرةٍ متواضعة،
ويعيش مع الفقراء القانعين، ٢٠
من أن يلبس أفخر الثياب وهو حزين،
ويزدان بالذهب وهو كاسف البال.
العجوز : القناعة أثمنُ كنزٍ للإنسان.
آن : أقسم بشَرفي وعفافي إني لا أتمنَّى أن أصبح ملكة.
العجوز :
وانا أُقسم إني أتمنى ذلك ولو ضحَّيتُ بعفافي، ٢٥
وكذلك أنت يا فتاتي، رغم نفاقِك وتظاهُركِ بغير ذلك!
إنكِ تجمعين بين جمال المرأة الفائق وقلب المرأة،
وهو ما اجتذب إليك قلوب الوجهاء والأغنياء والملوك!
وهو في الحق نعمةٌ أنعمها الله عليك، ٣٠
بل تلك هي هباتٌ يستطيع ضميرك الحسَّاس أن يتقبَّلها؛
فليس ضيقًا إلى الحد الذي يُوحي به تزمُّتُك،
وتستطيعين «توسيع ذمتك» قليلًا.
آن (مقاطعة) : أبدًا! كلا قسمًا بالله.
العجوز : بل هو الحق كل الحق. أفلا تريدين أن تصبحي ملكة؟
آن : كلا، ولو أُعطيتُ جميع الثروات تحت قبة السماء! ٣٥
العجوز :
هذا غريب! إني أقبل رغم سني الكبيرة أن أُصبح ملكة من أجل قطعة نقودٍ بثلاثة بنسات
ولو كانت القطعة مُعوجَّة! لكن أرجوك أجيبي:
ما رأيك في لقب الدوقة؟ هل تستطيع أطرافك أن تحمل ثقل
ذلك اللقب؟
آن : كلَّا حقًّا!
العجوز :
إذن فأنت ذات جسدٍ ضعيف! فلننزل عن هذه الدرجة
قليلًا! ما رأيك في لورد شاب؟ هل تتمنَّعين هنا أيضًا؟ ٤٠
إذا كان كاهلك سينوء بهذا العبء أيضًا،
فهو أضعف من أن يحمل طفلًا!
آن :
ما أغربَ كلامَكِ! أُقسم من جديد
إنني لا أريد أن أصبح ملكة،
ولو أُعطيتُ الدنيا وما فيها. ٤٥
العجوز :
بل قد تقبلين خَدْش عفافك من أجل تاج إنجلترا،
أما أنا فأُقدِّم عفافي كله من أجل أفقر مقاطعة
وهي كارنافون شاير! حتى ولم يبقَ
في المملكة سواها! انظري مَن القادم!

(يدخل كبير الأمناء.)

كبير الأمناء : عِمْتُما صباحًا! هل لي أن أعرف موضوع حديثكما؟ ٥٠
آن :
بل لا يستحق يا سيدي الكريم طلبَك ولا سؤالك عنه،
كنا نَرثِي لحال مولاتنا الملكة!
كبير الأمناء :
موضوعٌ نبيل، ويليق بذوات الأخلاق الفاضلة،
ما زلنا نأمل في إصلاح الحال. ٥٥
آن : أدعو الله مخلصةً، آمين.
كبير الأمناء :
إن لكِ نفسًا كريمة، وبركاتُ السماء
تتنزل على أمثال هؤلاء. وحتى تعرفي
يا آنستي الجميلة مدى صدقي، ومدى إدراك العظماء
لفضائلك الجمَّة، أقول لك إن جلالة الملك ٦٠
قد كلَّفني بأن أنقل إليك تقديره البالغ،
واعتزامه إسباغ شرفٍ كبير عليك
وهو لقب مركيزة بمبروك، ومنحك إلى جانب ذلك
دخلًا سنويًّا قدْرُه ألفُ جنيه، إعالة لك.
آن :
لا أعرف كيف أُعبِّر عن امتناني وطاعتي، ٦٥
وماذا أقدم لجلالته؟ إن قلتُ كل شيء وأكثر
لم يكن شيئًا يُذكر، وإن قلتُ دعواتي وابتهالاتي
فلن تكون ألفاظًا كسَتْها القداسة حقًّا
وإن قلتُ تمنياتي الطيبة،
فلن تكون سوى كلماتٍ جوفاء. ومع ذلك فإن دعواتي
وتمنياتي هي كل ما أستطيع أن أُقدِّمه. أرجوكَ يا سيدي اللورد
أن تُعرِب له عن شكري، وعن طاعتي، ٧٠
باعتباري خادمةً غلبها الحياء،
وأبلغ سُموَّه أنني أدعو له بالصحة ودوام الملك.
كبير الأمناء :
آنستي! لن أتوانى عن إقرار حسن ظن الملك بك.
(جانبًا) لقد فحصتُها فحصًا دقيقًا!
إن الجمال والعفاف يمتزجان فيها امتزاجًا كاملًا ٧٥
حتى سلبت لب الملك! ومن يدري؟
فقد تنجب هذه الفتاة درة يسطع ضَوءُها
على أرجاء هذه الجزيرة.
(إلى آن) سأذهب إلى الملك وأُخبِره بأني حادثتُكِ!

(يخرج كبير الأمناء.)

آن : الوداع، سيدي الجليل. ٨٠
العجوز :
وهكذا حدث ما حدث! فانظري وتعجَّبي!
لقد قضيتُ ستة عشر عامًا في البلاط أستجدي الفضل
وما زلتُ على حالي من الفقر! كنتُ أُسرف في البكور
أو أُسرف في التأخُّر فلا أنال جنيهاتٍ معدودة! ٨٥
أما أنتِ فما أعظم حظَّك! سمكة خرجَت من الماء لتوها!
تبًّا تبًّا لهذه الأَقدار التي أتتكِ بالحظ رغمًا عنكِ!
لقد ملأَت فمكِ بالطعام من قبل أن تفتحيه!
آن : ما أشَدَّ ما يُدهِشني ذلك!
العجوز :
ما طعمُ الحظ الآن؟ أبه مرارة؟
أُراهنُكِ بأربعين بنسًا أنه ليس مريرًا!
هل تذكُرين القصة القديمة، عن سيدة أبَت أن تصبح ملكة، ٩٠
ورفضَت الملك ولو أُعطيَت كل طَميِ مصر الخصبة؟
هل سَمعتِيها؟
آن : إن حديثك ممتع!
العجوز :
إذا تحدَّثتُ عنكِ استطعتُ التحليق عاليًا،
وتفوَّقتُ على القُبَّرة! مركيزة بمبروك؟
وألف جنيه في السنة تقديرًا لك ودون التزام من جانبك؟ ٩٥
أُقسم بحياتي إن هذا ليُنبئ عن آلافٍ أخرى مقبلة!
فذيول رداء الشرف أطول من طرفه الأمامي!
والآن أرى أن ظهرك يستطيع حمل لقب الدوقة!
تكلمي! أَلستِ الآن أقوى مما كُنتِ عليه؟
آن :
سيدتي الكريمة، أرجوك أن تَجدي موضوعًا آخر للهزل ١٠٠
حسبما يميل خيالُكِ! وأخرجيني من هذا الموضوع.
قسمًا بحياتي إن ذلك لم يُثِر مشاعري على الإطلاق!
بل يكاد أن يُغمَى عليَّ إذا تأمَّلتُ عواقبه!
إن الملكة يعتصرها القلق وقد غبنا عنها طويلًا
وتناسينا قلقها! أرجو ألا تذكُري أمامها شيئًا ١٠٥
مما سمعتِيه هنا.
العجوز : من تظُنينني أكون؟

(تخرجان.)

المشهد الرابع

(غرقة في دير «بلاك فرايرز».)

(أصوات نفير وأبواق ومزامير.)

(يدخل حاجبان يحملان صولجانَين من الفضة، يتبعهما كاتبان في ثياب العلماء، ثم أسقف كانتربري وحده، وبعده أساقفة لِنْكُن، وإيلي، وروتشستر، وسانت أساف. ويتبعهم بمسافة قصيرة سيد يحمل خزانة النقود، وخاتم الدولة، وقبَّعة الكاردينال. وبعد ذلك يدخل قسيسان يمسك كلٌّ منهما بصليبٍ من فضة ثم منادٍ من السادة عاري الرأس، يصحبه ضابط يحمل السلاح ومعه صولجانٌ فضي. وبعده سيدان يمسك كلٌّ منهما بقضيبٍ فضي كبير، ثم يدخل الكاردينالان جنبًا إلى جنب، وشريفان مع كلٍّ منهما سيفه وصولجانه. ويجلس الملك في الكرسي تحت شعار المملكة، وعلى مِنَصةٍ أقل ارتفاعًا يجلس الكاردينالان في أماكن القضاة. وتأخذ الملكة مكانها على مسافة من الملك، وتجلس الأساقفة على الجانبَين على النحو المتبَع في مجمع الإكليروس، وفي مقدمة المسرح يجلس الكتَبة، بينما يجلس اللوردات إلى جوار الأساقفة، ويقف الأتباع في الأماكن المناسبة في أرجاء المسرح.)

وولزي :
فليصمت الجميع أثناء قراءة التوكيل الذي تلقَّيناه من روما
بفحص القضية.
الملك :
وما جدوى ذلك؟ لقد سبقَت قراءته علنًا،
وأعلن الطرفان التزامهما به. لا تُضِع الوقت في القراءة.
وولزي : فليكن. (إلى الكاتب) ابدأ عملك. ٥
الكاتب : نادوا هنري الثامن ملك إنجلترا.
المنادي : هنري الثامن ملك إنجلترا …
الملك : حاضر.
الكاتب : نادوا كاثرين ملكة إنجلترا.
المنادي : كاثرين ملكة إنجلترا. ١٠

(لا تردُّ الملكة بل تقوم من كرسيها وتجتاز ساحة المحكمة، ثم تصل إلى الملك فتركع أمامه وتتكلم.)

الملكة :
سيدي! أنشُد منكم العدل والإنصاف،
وأن تشملني بشفقتكَ وعطفكَ؛
فأنا امرأةٌ مهيضة الجناح، غريبة عن هذه الديار،
رأيت النور خارج المملكة،
وليس لي قاضٍ محايد ينظر أمري،
أو أي ضمان بالإنصاف في إجراءات المحاكمة، ١٥
أو العطف على حالي. وا أسفًا يا سيدي!
قل لي فيمَ أسأتُ إليك؟ ما الذي أغضبكَ مني
ومن سلوكي حتى اعتزمتَ أن تطرحني
وتحرمني عطفك ورضاك؟ فلتشهد السماء
أنني كنت وما أزال الزوجة المخلصة الوديعة، ٢٠
الخاضعة لإرادتك دائمًا وفي جميع الأحوال،
وكنتُ دائمًا أخشى أن أُثير سخطك،
بل كنتُ تابعةً لأهوائك في الأفراح والأتراح،
حسبما أُشاهد في محيَّاك! قل لي متى خالفتُ مشيئتك؟ ٢٥
أولم أجعل مشيئتك مشيئتي؟ قل لي مَن مِن أصدقائك
لم أصادقه، حتى ولو كان لي عدوًّا؟ ومَن مِن أصدقائي
غضبتَ يا مولاي عليه فلم أقطع صداقتي به؟ ٣٠
بل إنني كنتُ أعلن أنه مغضوبٌ عليه طريد!
أرجوك يا سيدي أن تذكُر أنني كنتُ وما أزال زوجتَكَ
مطيعة لك مخلصة، لما يربو على عشرين عامًا،
كما رُزقتُ منك بأطفالٍ كثيرين. فإذا استطعت أن تذكُر ٣٥
وأن تثبت أنني ارتكبتُ أي شيءٍ يمَس شرفي
على امتداد هذه الفترة الطويلة، أو يمَس رباط زواجي بك
أو حبي وواجبي إزاء شخصكم المقدس؛
فلك باسم الله أن تنبذَني، وأن تُلقي بي ٤٠
في محبس العار والاحتقار، حتى تلتهمَني أحد أسنان العدالة.
أرجوك يا مولاي أن تذكُر والدك الملك العظيم
وما اشتُهر به، أميرًا حكيمًا بالغ الحصافة،
ذا ذكاء وقاد، وقدرة على الحكم الصائب لا تجارى! ٤٥
واذكُر والدي الملك فرديناند، ملك إسبانيا،
الذي كان أحكم من تولَّى الحكم من الأمراء،
قبل سنواتٍ عديدة، ولا مِراء في أنهما جمعا مجلسًا
من الحكماء من كل إقليم، وناقشوا هذه المسألة، ٥٠
وأقرُّوا بشرعية زواجك مني؛ ومن ثَمَّ فإنني أرجو
بكل تواضعٍ منكم، وأتوسَّل إليكم أن تُمهلني
حتى أطلب المشورة من أصدقائي في إسبانيا
وإذا لم يجبني مولاي إلى طلبي
فإنني سأنصاع باسم الله إلى إرادته. ٥٥
وولزي :
لديك يا مولاتي هنا هؤلاء العلماء الأفاضل
من القساوسة الذين وقع اختيارك عليهم،
وهم صفوةُ أحبار الأرض الذين اجتمعوا
للدفاع عن قضيتك؛ ولذلك فلا طائل من تأجيل الجلسة، ٦٠
بل إن الانتهاء من نظَر القضية مهِم لبَثِّ الطمأنينة في قلبك،
ولتبديد القلق الذي يُساوِر الملك.
كامبيوس :
لقد تحدَّث صاحب الغبطة فأحسَن الحديث ولازم العدل؛
ومن ثَمَّ فأرجو يا سيدتي الاستمرار في إجراءات هذه الجلسة،
وطرح حُجَج العلماء وأدلَّتهم والاستماع إليها. ٦٥
الملكة : إنني أُوجِّه الخطابَ إليه يا مولاي الكاردينال.
وولزي : أنا طوعُ أمركَ يا سيدتي.
الملكة :
كنتُ يا سيدي على شَفا البكاء، ولكنَّني ذكرتُ أنني ملكة،
أو قُل ذاك ما توهَّمتُه سنينًا طويلة،
وذكرتُ أنني قطعًا ابنة ملك،
وهكذا فإن عَبَراتي السائلة سوف أُحيلها ٧٠
إلى شررٍ متطاير!
وولزي : بل اصبري يا مولاتي!
الملكة :
سأعرفُ الصبر عندما تعرفُ التواضُع!
ولن أُظهِر الصبرَ قبل ذلك وإلا فليُعاقبني الله!
لديَّ اعتقادٌ راسخ، يستند إلى براهينَ قاطعة،
بأنك عَدوِّي؛ ومن ثَمَّ فإنني أطعن في صلاحيتك ٧٥
للحكم في قضيتي. إنك أنتَ الذي أوقدَ لهيب هذه الجمرة،
التي اشتعلَت بيني وبين مولاي،
وأدعو الله أن يُحيلها بردًا وسلامًا!
ولذلك فإنني أُكرِّر أنني أمقتُكَ مقتًا شديدًا
وأرفض أن تكون القاضيَ في هذه المسألة، ٨٠
بل إنني أعتبركَ ألَدَّ وأخبثَ أعدائي
ولا أراك مطلقًا ممن يصادقون الصدق!
وولزي :
لا بد أن أُقر بأن ألفاظَكِ لا تنِم عن طبعك الحق!
فلقد اتسَمتِ دائمًا بالميل إلى الإحسان والخير،
وكان حديثُكِ يشي برقَّة الشمائل، والحكمة، ٨٥
والتعقُّل الذي تَبزِّين فيه بناتِ جنسكِ، سيدتي!
لقد ظلمتِني؛ فلستُ حاقدًا عليك، ولا أنتوي بك ظلمًا،
بل ولا ظلمًا بأي أحد! ولم يكن ما فعلتُه حتى الآن،
ولن يكون ما أفعلُه بعد ذلك، إلا بموجب السلطة التي
خوَّلها لي مجمع الإكليروس، والمجمع المقدَّس في روما. ٩٠
إنكِ تتهمينَني بأنني قد ألهبتُ نار الجمرة، وأنا أُنكِر اتهامك.
وها هو الملك بيننا، فإذا رأى أنني أُنكر حقيقة وقعَت
فما أقدَره وأجدَره بأن يجرح كذبي! ٩٥
مثلما جَرحتِ يا مولاتي صدق أقوالي!
فإذا كان واثقًا من براءتي مما ذكرتِه عني
فهو واثق أنني لم أُسِئ إليك، وهو قادر
على علاج الأمر! أما العلاج فهو إقصاء هذه الأفكار
عن ذهنك، وأرجو قبل أن يتكلم مولاي في الموضوع، ١٠٠
بل أتوسَّل إليكِ يا سيدتي الكريمة
أن تُعيدي النظر في أقوالكِ، وألا تُكرِّري هذا الاتهام.
الملكة :
سيدي يا سيدي! إنني امرأةٌ ساذجة
أضعف بكثيرٍ من أن تتصدى لمكرك وتحايلك!
إنك تكسو ألفاظك بالرقَّة والتواضُع، ١٠٥
وتتظاهر بهاتَين الصفتَين، اللتَين هما من خصائص منزلتك ومهنتك،
ولكن قلبك مُفعَم بالغطرسة والحقد والكبر!
لقد ساعدَك الحظ، وحب مولاي صاحب الجلالة،
على أن تتخطى درجاتك الدنيا بحذق وحنكة،
فصَعِدتَ إلى ذروة ترعاك فيها الصولة والسطوة، ١١٠
وأصبحَت الألفاظ خَدمًا مطيعة لك،
تأتمرُ بأمرك، وتفعلُ ما تودُّ منها أن تفعل!
لا بد لي أن أُصارِحكَ أنكَ تخدم أمجادك الشخصية،
أكثر مما تنهض بوظائف الكهنوت الروحية! ١١٥
وهذا يدفعني أيضًا إلى رفض قضائك في أمري،
وأعلن أمام الجميع أنني أُناشِد البابا
إحالة القضية برمتها إلى قداسته،
وأن يتولى هو إصدار الحكم فيها.

(تنحني احترامًا للملك، وتتجه إلى باب الخروج.)

كامبيوس :
إن الملكة عنيدة، فهي ترفض إجراء العدالة، ١٢٠
بل توجِّه التهم إليها، وتأنف المحاكمة في ساحة العدالة.
وذلك ما لا ينبغي أن يكون. إنها ستغادر القاعة.
الملك : نادِها من جديد.
المنادي : كاترين ملكة إنجلترا، تمثل أمام المحكمة.
الحاجب : سيدتي، لقد نادَوْا عليكِ يطلبون عودتكِ. ١٢٥
الملكة :
لا تأبه لهم! أرجو أن تُواصِل عملك وإذا دعَوكَ
فعُد إليهم، رحماك ربي رحماك!
لا أستطيع الصبر على مضايقاتهم، أرجوكم استمروا!
لن أنتظر أكثر من ذلك، بل ولن أمثل في أيٍّ من محاكمهم
بشأن هذه المسالة بعد الآن. ١٣٠

(تخرج الملكة مع حاشيتها.)

الملك :
افعلي ما بدا لك يا كيت!
ولو زعم رجلٌ ما في هذا العالم
أن له زوجةً أفضل منها، فحذارِ أن تثقوا
بأي شيء يقوله لكذبه في هذه المسالة.
إنكِ امرأةٌ فريدة! نادرة الصفات،
رقتك ذات حلاوة وطلاوة، متواضعة كالقديسات، ١٣٥
وحكمك السديد حكم زوجةٍ صالحة،
مطيعة حتى حين تصدرين الأوامر، فنفسكِ حرةٌ أبية
ذات تقوى وورع، فإذا كان لهذه الشمائل
أن تتحدث عنها لقالت إنها ملكةُ ملكاتِ الأرض،
فهي كريمة المَحتِد حقًّا، وقد أخلصَت لكرم مَحتِدها الأصيل ١٤٠
في سلوكها معي.
وولزي :
سيدي الأكرم والأعظم،
إنني أطلب من سُموِّكم بأقصى آيات التواضع
أن تعلنوا رأيكم على مسمع من هؤلاء الحضور جميعًا.
فما دمتُ قد تعرَّضتُ للسرقة وشد الوثاق
فلا بد أن تُطلِق جلالتكم سراحي، وإن لم يكن ذلك فورًا، ١٤٥
ابتغاء رد اعتباري، أقول أرجوكم أن تقولوا
إذا ما كنتُ أنا الذي فتح باب هذا الموضوع
أمام سموكم، أو أثَرتُ لديكم أي شكوكٍ
قد تكون السبب في تساؤلكم عن حقيقة الأمر،
وإذا ما كنتُ قد تفوَّهتُ في أسماعكم
بغير الشكر لله على هذه الملكة، ١٥٠
أو نطقتُ بأدنى كلمةٍ تنال من فضائلها
أو تمَس شخصها الكريم.
الملك :
سيدي الكاردينال! إنني أعلن براءتك المؤكدة،
وقسمًا بشرفي لا ذنب لك في هذه المسألة،
لا تحتاج إلى من يُذكِّركَ بأن لك أعداءً كثيرين ١٥٥
لا يعرفون لماذا يناصبونك العَداء،
لكنهم يُنابحونك مثل الكلاب في القرية
عندما تسمع نباح غيرها! وبعض هؤلاء قد أغضب الملكة!
إنك بريء، فإذا طلبتَ المزيد من الإنصاف، ١٦٠
فسأذكُر أنكَ دائمًا ما طلبتَ إخماد هذه المسالة
ولم تطلُب يومًا الخوض فيها،
بل كثيرًا ما أغلقتَ السبل المؤدية إليها.
وقسمًا بشرفي إنني أَصْدقُكم القول بشأن الكاردينال الكريم،
وأُبرِّئ ساحته من المشاركة في إثارة القضية.
أما الباعث الحقيقي على إثارتها، ١٦٥
فاسمحوا لي أن أطلب المزيد من وقتكم وإصغائكم،
وأرجو أن تُنصِتوا إلى ما دفعَني إلى ذلك،
وتنتبهوا إلى منشأ القضية: لقد بدأَت أوَّل ما بدأَت
بخفقٍ رقيق في ضميري، كأنه الشك المثبِّط،
أو الوخز المُوجِع، عندما سمعتُ بعض الخطب التي ألقاها
أسقف «بايون» الذي كان سفيرًا لفرنسا لدينا، ١٧٠
والذي كان قد بُعث به إلينا للتفاوُض على الزواج
بين دوق «أورليان» وابنتنا ماري.
وأثناء السير في الإجراءات،
وقبل اتخاذ قرارٍ نهائي، طلب الأسقف مهلة ١٧٥
يستطلع فيها رأي مولاه الملك عما إذا كانت ابنتنا هذه
تُعتبَر ابنةً شرعية أم لا،
وذلك لأنني أنجبتُها من زوجة هي أرملة أخي.
وقد زَلزلَت هذه المهلة أعماق ضميري، ١٨٠
واقتَحمَت نفسي بقوةٍ جبَّارة فغَدوتُ أرتعدُ
حتى قضْقضَت ضلوع صَدْري، وكان من عُنف اقتحامها
أن أثارت أمشاجًا مختلطة من التساؤلات،
تزاحمَت في فؤادي ورانَت عليه بثقلٍ عظيم من الريبة،
فقلت في نفسي أولًا إنني أغضبتُ السماء، فأمَرتِ الطبيعة ١٨٥
أن تجعل رحم زوجتي قبرًا يئد الحياة ولا يهبُها
لأي مولودٍ ذكر تحمله مني؛ فكل جنينٍ ذكر كان يموت
في رحمها، أو يلقَى الموت حالما ينشق هواء الدنيا؛
ومن ثَمَّ تبادر إلى ذهني أن ذلك حُكمٌ قضت به السماء، ١٩٠
وأن مملكتي الجديرة بأفضل وريث في العالم،
قد كُتِب عليها أن تُحرم من الفرحة بسليلٍ من صُلبي.
وتلا ذلك أني قدَّرتُ الأخطار التي تتعرَّض لها المملكة ١٩٥
لعدم وجود وريث، فكان ذلك يطرحني أرضًا صارخًا من الألم
المرة تِلْو المرة، ويدفع بسفينتي وقد طويت قلوعها
في لُجج بحر الضمير المتلاطمة، ومن ثَمَّ يمَّمتُ وجهي
شطر هذا العلاج، وهو ما اجتمعنا الآن من أجله، ٢٠٠
أي إنني أردت إرضاء ضميري، وشفاءه من الألم
الذي أحسستُ به في مرضه الشديد، بل وما زلتُ أُحس
أنه مريض، بأن أجمع كل آباء الكنيسة الأحبار
وعلماء الأرض معًا، وقد بدأتُ على انفراد بالحديث
مع لورد لِنْكُنْ، ولعلك تذكُر كم كنتُ أتصبَّب عرقًا ٢٠٥
بسبب ما كنت أنوء بحمله من أثقال، عندما حادثتُك أولًا
في هذا الأمر.
لنكن : بل أذكُر ذلك جيدًا يا سيدي.
الملك :
لقد أطلتُ الحديث، فأرجوك أن تتفضَّل بتبيان ما فعلتَه
لمساعدتي.
لنكن :
سمعًا وطاعة يا صاحب السمو.
لقد أذهلَني الأمر أولًا وحيَّرني، ٢١٠
بسبب أهميته البالغة وعواقبه التي يرتعد لها القلب،
حتى أسديتُ لكم المشورة الجسورة بعَقْد المجلس الحالي،
وإن كنتُ غير واثقٍ منها كل الثقة،
ورجوتُ من سُموِّكم سلوك السبيل الذي تسلكونه الآن.
الملك :
وبعد ذلك استشرتُكَ أنت أيضًا يا لورد كانتربري، ٢١٥
فأذِنتَ لي بعَقْد الاجتماع الحالي، حتى دون أن أطلبَ منك ذلك.
ولم أترك أحدًا من السادة الأفاضل في هذه المحكمة،
إلا استشرتُه وحظيتُ بموافقته شخصيًّا، بخط يده وخاتمه الشخصي.
وإذن فلتَشرعوا في المحاكمة؛ إذ لا يُحفِّزني إلى هذا العمل ٢٢٠
أي كراهيةٍ مهما تكن ضئيلةً للملكة، بل الأشواك الحادة
التي تخزُ ضميري، كما سبق لي أن بيَّنتُ عند طرح أسباب المحاكمة.
وقسمًا بحياتي وكرامتي الملكية، إنكم لو أثبتُّم
أن شرعية زواجنا لا غُبار عليها، ٢٢٥
فسوف أقضي معها بقية عمري حتى الموت،
ولن أُوثِر على كاثرين مليكتنا أفضل مخلوقٍ على ظهر الأرض.
figure
الفصل الثاني، المشهد الأول؛ حيث يوجِّه دوق بيكنجهام خطبة الوداع من السفينة التي أُعدَّت لنقله إلى مكان تنفيذ حكم الإعدام.
وهذا العرض الذي أخرجه هيربرت بيربوم تري Beerbohm Tree عام ١٩١٠م، في مسرح هيز ماجستي His Majesty’s Theatre يحتفظ بمشاهد الإبهار وعناصر الثراء البصري الحافلة التي اتَّسَم بها تقديم المسرحية في القرن التاسع عشر.
كامبيوس :
أرجو أن يأذن مولاي فيسمح بتأجيل المحاكمة
بسبب غياب الملكة؛ فهذا ما تقضي به الإجراءات، ٢٣٠
كما أرجو أن نسعى جادِّين لإقناع الملكة
بالرجوع عما اعتزمَتْه من التقدُّم بطلب
إلى قداسة البابا.
الملك (جانبًا) :
يبدو أن هؤلاء الكرادلة يعبثون بي.
إني أكره هذا التباطؤ والتسويف وغيره من ألاعيب روما. ٢٣٥
(إلى كرانمر) اسمع يا كرانمر، أرجوك أيها العالم الفاضل
المخلص في خدمتنا أن تعود؛ فإنني أجد راحتي في القرب منك.
ولتنفَضَّ المحكمة، ولنرجع جميعًا إلى القصر.

(يخرجون بنفس الترتيب السابق.)

١  في الأصل womanish أي مثل المرأة، وهي كلمة غريبة على شيكسبير، والشرَّاح يظنون أنها مدسوسة عليه.
٢  كان شارل الخامس ابنًا لأخت كاترين، واسمها جوانا، وفقًا لما جاء في طبعة كلارندون.
٣  وهي دوقة ألينسون، التي كان الكاردينال يسعى لزواجها من الملك. انظر: الفصل الثالث، المشهد الثاني، السطر ٨٥.
٤  يقول المؤرخون إن حبس الدكتور بيس Pace أثناء عمله سفيرًا للكاردينال في الخارج عدة مرات تسبَّب في اختلال عقله، ولكنه لم يمُت إلا في عام ١٥٣٦م؛ أي بعد وفاة الكاردينال وولزي بست سنوات.
٥  انظر المقدمة التي تُلقي الضوء على معنى «بلاك فرايرز»؛ أي الوعاظ الذين يرتدون اللون الأسود، أو طائفة الدومينيكان.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤