الفصل الرابع

المشهد الأول

(شارع في وستمنستر – يدخل سيدان ويلتقيان.)

الأول : نِعم اللقاء ثانيًا!
الثاني : نِعم اللقاء بك!
الأول : هل أتيتَ هنا لتشهد السيدة آن عائدةً من حفل تتويجها؟
الثاني :
هذا ما أتيتُ من أجله. وعندما التقينا آخر مرة،
شاهدنا دوق بكنجهام عائدًا من المحكمة! ٥
الأول :
هذا صحيح، ولكن المشهد الأول جاء بالأحزان،
وهذا المشهد يبعث على سرور الجميع!
الثاني :
جميل! لقد أظهر المواطنون بالتأكيد إخلاصهم للملك
الذي منحهم حقوقهم، وها هم يشاركون في الاحتفال اليوم
بالزينات والاستعراضات ومظاهر التكريم! ١٠
الأول : أؤكد لكَ أنني ما رأيتُ أجملَ ولا أفخمَ منها!
الثاني : هل لي أن أسألكَ عما كُتب في الورقة التي تُمسِكها؟
الأول :
بكل سرور! إنها قائمة بأسماء الذين سيشتركون في حفل التتويج
بحكم مناصبهم! أوَّلهم دوق سافوك، وسيكون بمثابة ١٥
الأمين الأول، ويتلوه دوق نورفوك،
الذين سيكون بمثابة رئيس الحرس … خذها
واقرأ باقي الأسماء!
الثاني :
شكرًا لك يا سيدي. إنني أعرف تقاليد التتويج ٢٠
وإلا كنتُ انتفعتُ بالقائمة! ولكن قل لي أرجوك
ما الذي حدث للأميرة الأرملة كاثرين؟
ماذا صار من أمرها؟
الأول :
أستطيع أن أخبرك بذلك أيضًا.
عقد رئيس أساقفة كانتربري، مع بعض العلماء ٢٥
والآباء الأجلاء ممن هم في منزلته، محكمةً في الآونة الأخيرة
في منطقة «دانستابل» التي تَبعُد عن «أمتهيل»
حيث تُقيم الأميرة بستة أميال، وأعلنوها رسميًّا بالحضور عدة
مرات لكنها لم تحضُر. وباختصار تسبَّب عدم حضورها، ٣٠
والوساوس التي أقضَّت مضجع الملك، إلى أن أجمع
هؤلاء العلماء الأفاضل على إصدار قرارٍ بطلاقها،
وباعتبار زواجها من الملك باطلًا وكأن لم يكن!
وانتقلَت «كاثرين»، بعد ذلك إلى «كيمولتون»١
حيث تقيم الآن، وإن كانت ما تزال مريضة.
الثاني :
وا أسفًا على السيدة الكريمة. ٣٥
هل تسمع صوت الأبواق؟ فلنقترب.
الملكة قادمة.

(أصوات المزامير.)

نظام حفل التتويج

  • (١)

    الأبواق تعزف موسيقى مرحة.

  • (٢)

    يدخل اثنان من القضاة.

  • (٣)

    يدخل رئيس المجلس الخاص وأمامه شخص يحمل حقيبة نقود وصولجانًا.

  • (٤)

    بعض المرتلين يُنشِدون الأغاني.

  • (٥)

    عمدة لندن يحمل صولجانه، ثم كبير حجَّاب الملك يلبس درع النبالة وعلى رأسه تاجٌ من النحاس الموشَّى بالذهب.

  • (٦)

    المركيز دورسيت، يحمل صولجانًا من الذهب، وعلى رأسه تاجٌ نصفي من الذهب، ومعه لورد سَرِي، يحمل القضيب الفضي والحمامة، وعلى رأسه تاج اللوردات، وحول رقاب الجميع باقاتُ الشهداء التي أمر بها الملك.

  • (٧)

    دوق سافوك، في ردائه الرسمي، وعلى رأسه التاج، ويمسك بعصًا بيضاء طويلة، باعتباره الأمين الأول، ومعه دوق نورفوك يحمل عصا الماريشالية، وعلى رأسه تاج، باقات الشهداء.

  • (٨)

    مظلَّة يحملها أربعة من حراس الثغور الخمسة، وتسير الملكة تحتها مرتدية ثوبها الملكي، والتاج فوق رأسها الذي تُرصِّعه اللآلئ الكثيرة، وعلى جانبيها يسير أسقف لندن وأسقف ونشستر.

  • (٩)

    دوقة نورفوك العجوز وفوق رأسها تاجٌ ذهبي منقوش بالزهور، تحمل طرف ثوب الملكة.

  • (١٠)

    عدد من زوجات اللوردات أو الكونتيسات وحول رءوسهن أطواقٌ ذهبية غير منقوشة وغير مُحلَّاة بالزهور.

(يمر الموكب فوق السرح ويخرج، بنظام وفي هيئةٍ رسمية، ثم نسمع دويًّا جبَّارًا في الأبواق.)

الثاني :
يا له من موكبٍ ملكي باهر! أعرفُ الجميع
فيما عدا حامل الصولجان — فمن يكون؟
الأول :
إنه المركيز دورسيت.
وذلك هو اللورد سَرِي الذي يحمل القضيب.
الثاني : سيدٌ نبيل شجاع، لا بد أن يكون ذلك دوق سافوك. ٤٠
الأول : إنه هو، الأمين الأول!
الثاني : وذلك هو لورد نورفوك؟
الأول : نعم.
الثاني :
باركتكِ السماء أيها الملكة!
لم أرَ في حياتي وجهًا أجمل منه!
قسمًا بحياتي إنها ملاك!
لقد احتضن مليكنا الآن ثروات جزر الهند جميعًا!٢ ٤٥
بل كنوزًا أكبر وأغنى حين يضمُّها بين ذراعَيه!
مُحالٌ أن ألوم ضميره الآن!
الأول :
أما الذين يحملون مظلَّة الشرف فوقها فهم البارونات
حراس الثغور الخمسة.
الثاني :
إنها سعيدة! وكل القريبين منها سعداء! ٥٠
أظن أن تلك التي ترفع ذيل ثوبها هي النبيلة دوقة نورفوك.
الأول : هي بعينها، والأخريات جميعًا كونتيسات!
الثاني : وهذا ما تدُل عليها التيجان الصغيرة. إنهن نجوم وشهب!
الأول : ومثل الشهب يسقطن أحيانًا من السماء!
الثاني : لا تَزِد على ذلك. ٥٥

(يدخل سيد ثالث.)

الأول : حماك الله سيدي! أين كنتَ حتى بدا عليك هذا الإرهاق؟
الثالث :
مع أفراد الجمهور في الكنيسة! ولم يكن هناك موضع لقدم!٣
كدتُ أختنق من الزحام ورائحة أفراحهم!
الثاني : شاهدتَ حفل التتويج؟
الثالث : نعم.
الأول : وكيف كان؟ ٦٠
الثالث : يستحق المشاهدة!
الثاني : صف لنا ما حدث يا سيدي أرجوك.
الثالث :
سأبذل كل جهدٍ ممكن!
وصل الحشد الحاشد من اللوردات والسيدات،
فأجلسوا الملكة في المكان المخصَّص لها في ساحة المنشدين، ٦٥
ثم ابتعدوا عنها قليلًا؛ ومِن ثَمَّ جلسَت تستريح على العرش الفاخر
نحو نصف ساعة، وأنظار الجمهور تتطلَّع إلى جمالها!
صدقني يا سيدي. إنها أجمل امرأة يتزوجها رجل!
إذ عندما رآها الناس رأي العين،
ندَّت من أفواههم صيحاتُ الإعجاب التي تصاعدَت ٧٠
في جلبة كأنها جلبة الأشرعة عندما تهبُّ الريح العاصفة
على البحر! كانت أصواتهم عالية ومن نغماتٍ متفاوتة!
بل إنهم جعلوا يقذفون بقُبَّعاتهم في الهواء
بل وبعباءاتهم وصداراتهم أيضًا فيما أظن!
ولو استطاعوا أن يقذفوا وجوههم كذلك في الهواء ٧٥
لقذفوها وضاعوا هباءً! لم أشاهد في حياتي مثل هذا السرور!
وكانت الحُبالَى اللائي لم يَبقَ على موعدِ ولادتهن أسبوع
يقتحمن الجموع ببطونهن، مثل اقتحام المجانيق للأسوار،
في حروب العهود الغابرة! كن يدفعن الحشد
فيتهاوى الرجال أمامهن! لم يكن في طوق رجل أيًّا كان
أن يتعرَّف على زوجته من بينهن؛ إذ تشابَكَ الجميع ٨٠
في نسيجٍ واحد ملتحم!
الثاني : وماذا حدث بعد ذلك؟
الثالث :
وأخيرًا نهضَت الملكة وتقدَّمَت بخطواتٍ وقورة
إلى الهيكل، حيث ركعَت، وتطلَّعَت إلى السماء
بعينَيها الجميلتَين، مثل القديسات، وأدَّت صلاتها في خشوع
ثم نهضَت وانحنَت لتحية الجمهور. ٨٥
وبعد ذلك قام رئيس أساقفة كانتربري باتخاذ
جميع الإجراءات الرسمية الخاصة بالتتويج للملكة،
ومسح رأسها بالزيت المقدَّس، ووضع تاج إدوارد
على رأسها، ووضع الصولجان في يدها، وحمامة السلام،
ومثل هذه الرموز المعروفة. وقد جرت هذه المراسم
بروح الوقار والجلال، وعندها أنشَد المرتِّلون ٩٠
أناشيد الشكر لله، وهم نخبة من أعظم مُنشِدي البلاد.
وبعد ذلك غادَرتِ المكان بنفس الخطوات الوقورة
عائدةً إلى قصر يورك حيث أُقيمَت وليمة الزفاف.
الأول :
سيدي، يجب ألا تُطلِق على ذلك المكان اسم قصر يورك؛ ٩٥
فقد تغيَّر اسمه منذ سقوط الكاردينال؛
إذ عاد إلى يد الملك وأصبح اسمه «هوايت هول».
الثالث :
أعرف ذلك، ولكن التغيير لم يحدث
إلا منذ عهدٍ قريب، وما زال الاسم القديم على لساني.
الثاني : ومن كان الأسقفان اللذان سارا على جانبَي الملكة؟ ١٠٠
الثالث :
ستوكسلي وجاردنر، الأول أسقف ونشستر
الذي رقَّاه الملك أخيرًا وعيَّنه في هذا المنصب،٤
بعد أن كان الأمين الخاص له، والثاني أسقف لندن.
الثاني :
يُقال إن أسقف ونشستر لا يُضمِر حبًّا كبيرًا
لرئيس الأساقفة كرانمر، ذلك الرجل الفاضل.
الثالث :
يعرف الجميع ذلك، ولكن شُقَّة الخلاف ليست كبيرة! ١٠٥
فإذا اقتضت الضرورة فسيجد كرانمر إلى جانبه صديقًا
لا يخذله، ولا يتأخر عن خدمته.
الثاني : ومن ذاك الصديق من فضلك؟
الثالث :
توماس كرومريل! فهو رجل يُقدِّره الملك كل التقدير
وصديقٌ مخلص يُعتمد عليه. وقد عيَّنه الملك مشرفًا ١١٠
على فضيات القصر والجواهر، وهو عضو أيضًا في مجلس الملك الخاص.
الثاني : بل هو جديرٌ بأكثر من ذلك.
الثالث :
وبلا أدنى شك. هيا معي أيها السيدان إلى القصر،
وتكرما بالنزول في ضيافتي حيث أستطيع الاحتفاء بكما، ١١٥
وسوف أقص عليكما المزيد من الأنباء ونحن في الطريق.
الاثنان معًا : نحن طوعُ أمركَ يا سيدي.

(يخرجون.)

المشهد الثاني

(كمبولتون.)

(تدخل كاثرين الأرملة، وقد بدَت عليها آثار المرض، وهي تستند إلى جريفيث المنادي الخاص بها، وإلى بيشنس وصيفتها.)

جريفيث : كيف حال مولاتي؟
كاثرين :
في مرض الموت يا جريفيث!
ساقاي قد انحنتا إلى الأرض،
مثل الأغصان المحمَّلة بالثمار الثقيلة،
والتي تُوشِك أن تضع أحمالها! قرِّب ذلك المقعد مني!
(تجلس) أظن أنني أشعر ببعض الراحة الآن.
ألم تُخبرني يا جريفيث أثناء قدومنا
أن ربيب الشرف العظيم، الكاردينال وولزي، مات؟
جريفيث :
نعم يا مولاتي! ولو أنني ظننتُ أنك لم تسمعيني،
بسبب الآلام التي كنتِ تُعانين منها!
كاثرين :
أرجو يا جريفيث الكريم أن تُخبرني كيف قضى نحبه،
فإذا كانت روحه قد فاضت بسلام، فقد سبقَني لحسن الحظ٥ ١٠
إذ سأحذو حذوه الآن!
جريفيث :
يقولون إن خاتمته كانت طيبة يا سيدتي؛
فبعد أن قام لورد «نورثمبرلاند» القوي
بإلقاء القبض عليه في «يورك»، واستدعاه للمثول في المحكمة
لاستجوابه بشأن التهم الخطيرة الموجَّهة إليه،
أصابه المرض فجأة، وبلغ من ضعفه وإعيائه ١٥
أن عجز عن ركوب بغلته!
كاثرين : وا أسفًا على المسكين!
جريفيث :
وبعد التمُّهل في السير والركوب وصل إلى ليستر
وأقام في الكنيسة، حيث قابله رئيس الكنيسة والكهان جميعًا
بحفاوة وترحيب، وردَّ عليهم قائلًا: ٢٠
«يا أبي الكاهن الأعظم! جاءكم اليوم شيخٌ مهدَّم
حطَّمَته عواصف الدولة والسياسة، ليريح عظامه في رقدة
الأبد بينكم! فلتجودوا بإحسانكم عليه بحفنة من التراب.»
وهكذا أوى إلى فراشه، حيث لم يفارقه المرض،
بل إنه تفاقم حتى وافته المنية بعد ثلاث ليالٍ،
في نحو الساعة الثامنة، وهي الساعة التي تنبَّأ بأنها ستكون
ساعته الأخيرة! كان الندم يعصره،
منهمكًا في التأملات، يذرف العَبرات، نهبًا للأحزان.
وهكذا ردَّ إلى الدنيا ما استعار من أمجادها،
وصَعِدَت الروح المباركة إلى السماء، ورقد في سلام. ٣٠
كاثرين :
فليرحمه الله، وليُخفِّف من أثقال ذنوبه.
أرجو يا جريفيث أن تأذن لي بالحديث عنه
محسنةً إليه لا مسيئة! لقد كان رجلًا لا حدود لطموحه٦
يُنزِل نفسه دائمًا منزلة الأمراء. واستطاع بالتحايل والمكر ٣٥
أن يستعبد المملكة كلَّها! كان يعتبر التجارة في أموال الكنيسة
حلالًا له، وكان رأيه الشخصي هو القانون الذي يحكم به.
وكان يعمد إلى الكذب في حضرة الملك، ويُضمِر عكس ما يبديه
في ألفاظه ومعانيه. لم يكن يعرف الرحمة
إلا إذا كان يريد بها الهلاك! وكانت وعوده تحكي طبعه ٤٠
في المغالاة والشطط! وكانت أفعاله تحكي ما أصبح عليه الآن
هباءً منثورًا! وكان في قلبه مرض،
فضرب لرجال الكهنوت أسوأَ مثلٍ يُحتذَى.
جريفيث :
سيدتي النبيلة، إننا ننقش مساوئ الناس على النحاس
ولكننا ننقش فضائلهم على الماء! هل تأذنين لي ٤٥
يا صاحبة السمو أن أذكُر الآن حسناته؟
كاثرين :
طبعًا يا جريفيث الكريم،
وإلا كنتُ خبيثة الطوية.
جريفيث :
كان هذا الكاردينال، رغم أصله المتواضع،
ذا نفس عالية وهمة لاكتساب الشرف والمجد! ٥٠
لقد كان منذ نعومة أظفاره حريصًا على العلم،
فأصبح حبرًا علَّامة فهامة! كان ثاقب الرأي،
حسن الكلام، مقنع الحجة! وكان من لا يُحبونه
يرون فيه الكبر والصلف، ولكنه كان عذبًا
عذوبة نسائم الصيف للذين يسعَون إليه ويطلبون العون لدَيه!
وإذا كان يا مولاتي لا يشبع له نهم في اكتساب الثروة، ٥٥
ولا شك أن تلك خطيئة، فلقد كان فيَّاض الكرم كالأمراء!
وسيظل يشهد له إلى الأبد تَوءَما العلم اللذان أنشاهما
معهد إيسويتش ومعهد أكسفورد، ولو أن الأول قد زال بزواله،
كأنما رفض أن يزيد عمره عن رجل الخير الذي أنشأه. ٦٠
وأما الثاني فهو، رغم عدم استكماله، ذائع الصيت،
ممتاز في فنون العلم، وما زال بنيانه يعلو،
وستلهج ألسنة البلدان المسيحية إلى الأبد بفضله.
وقد أدى سقوطه إلى انهمار السعادة عليه
إذ لم يتيسر له أن يعرف نفسه إلا آنذاك، وآنذاك فحسب، ٦٥
فتبيَّن نعمة الإحساس بضالة الإنسان،
فاكتسب شرفًا أعظم مما يستطيع أي إنسان أن يُسبغه عليه،
إذ مات وهو يخشى الله حق خشيته.
كاثرين :
لا أريد أن ينعيني ناعٍ عندما أموت،
ولا أن يتحدث عما فعلتُه في حياتي، ٧٠
فيصون شرفي من ألسنة السوء سوى المؤرخ الأمين
جريفيث. لقد جعلتَني أنظر بعين التبجيل
إلى ذلك الرجل الذي كرهتُه كرهًا شديدًا في حياته.
إنني أُبجله الآن، بما أفصحتَ عنه في ورع من صدق،
وما رويتَه عنه دون مبالغة، بعد أن صار ترابًا،
رحمة الله عليه. ٧٥
اقتربي مني يا «بيشنس» وأخفضي مقعدي؛
فلن يطول عمري وإرهاقي لكِ بالطلبات.
يا جريفيث الكريم، اطلب من الموسيقيين أن يعزفوا لي
ذلك اللحن الحزين الذي أُسمِّيه ناقوس النعي،
بينا أُسرِّح خاطري في تأمُّل آيات التناغُم السماوي،
التي سأرحل إليها.٨٠

(موسيقى حزينة ورزينة.)

جريفيث :
لقد نامت. اجلسي يا فتاتي الطيبة في سكون حتى لا نوقظها.
بهدوء يا «بيشنس» الرقيقة.

الرؤيا

(يدخل ستة أشخاص يسيرون بوقار خلف بعضهم البعض، يرتدون ثيابًا بيضاء، ويضعون على رءوسهم أكاليل الغار، وعلى وجوهم أقنعة ذهبية، وفي أيديهم غصون الغار أو سعف النخيل. وبعد أن يرُدَّوا التحية لها يرقصون، وفي فواصلَ موسيقية معيَّنة يضع الشخصان الأولان إكليل غار على رأسها، بينما ينحني له الآخرون بالتحية. وبعد ذلك يقوم الاثنان الأوَّلان بتسليم الإكليل إلى الاثنَين التاليَين، اللذين يلتزمان بنفس النظام في فواصل الرقص والحركة، وعقد الإكليل فوق رأس الملكة النائمة. وبعد ذلك يُسلِّمان نفس الإكليل إلى الاثنَين الأخيرَين، اللذَين يلتزمان بنفس الحركة والنظام، وإذ ذاك تبدو على وجهها علامات الفرح والابتهاج، كأنما استلهمتها من وحيٍ بعيد وهي نائمة، وترفع يديها إلى السماء. وتختفي الأرواح بعد ذلك وهي ما تزال ترقص، حاملة أكاليل الغار معها، بينما تستمر الموسيقى.)

كاثرين :
أين ذهبتم يا أرواح السلام؟ هل مضيتم جميعًا؟
كيف تتركونني هنا وحدي في هذه التعاسة؟
جريفيث : ما نزال هنا يا سيدتي.
كاثرين :
إنني لا أُناديكم أنتم!
ألم تشاهدوا أحد يدخل الغرفة منذ أن غفَوتُ؟
جريفيث : لا أحد يا مولاتي.
كاثرين :
حقًّا؟ ألم تُشاهدوا الآن لتوِّكم رهطًا ملائكيًّا
يدعوني إلى وليمة، وتفيض وجوههم المشرقة
بآلاف الأشعة عليَّ مثل الشمس؟
لقد وعدوني بالسعادة الأبدية، ٩٠
وأحضروا لي يا جريفيث أكاليل غار،
أشعر أنني لست جديرة بها حتى الآن،
ولكنني لا شك سوف أتزيَّن بها.
figure
الفصل الرابع، المشهد الثاني؛ الرؤيا التي رأتها الملكة كاثرين. كانت زوجة المخرج (تشارلز كين Kean) هي التي تقوم بدور الملكة في هذا العرض الذي قُدِّم عام ١٨٥٥م. وعندما أُعيد العرض عام ١٨٥٨م، لَعبَت إلين تيري Ellen Terry دور الملاك الأوَّل الهابط من السلم الخلفي.
جريفيث :
ما أشدَّ فرحي يا مولاتي وسعادتي بهذه الأحلام الجميلة،
التي ترتاد خيالكِ!
كاثرين :
اطلب من العارفين أن يكُفُّوا؛
فموسيقاهم حادَّةٌ ثقيلة الوطء.

(تتوقف الموسيقى.)

بيشنس (جانبًا) :
هل تُلاحظ كيف تغيَّرتْ مولاتي فجأة؟
هل ترى كيف استطال وجهها وكيف علاها الشحوب
وما يشبه برد الموت؟ هل تُلاحظ عينَيها؟
جريفيث : إنها تُحتضر يا فتاتي. عليك بالدعاء لها.
بيشنس : اللهم هَبْها الراحة.

(يدخل رسول.)

الرسول : لو سمحتِ مولاتي.
كاثرين : أنتَ وقحٌ يا هذا، ألم نعُد جديرين بالتبجيل؟ ١٠٠
جريفيث :
لقد أخطأتَ يا هذا؛
فأنت تعرف أنها لم تفقد ما اعتادته من التعظيم،
حتى ترضى بهذا السلوك الوقح. تبًّا لكَ! اركع لها احترامًا.
الرسول :
إنني أتوسَّل إلى سُموِّكم بكل تواضع أن تصفحي عني؛
فإنني في عَجلة أنسَتْني السلوك الصائب.
إن بالباب سيدًا أرسلَه الملك لمقابلتك. ١٠٥
كاثرين :
اسمح له بالدخول يا جريفيث، ولكن لا تدع عيني تقع
على هذا الشخص بعد الآن.
(يخرج الرسول ويدخل لورد كابوشيوس.)
إن لم تَخنِّي عيناي فأنت اللورد كابوشيوس
سفير الإمبراطور، ابن أختي! ١١٠
كابوشيوس : إنه أنا يا سيدتي. خادمك المطيع.
كاثرين :
يا سيدي اللورد، لقد تبدَّل الزمان وتغيَّرتِ الأحوال تغيُّرًا شديدًا
عما كنتُ عليه عندما عرفتَني أول مرة!
ولكن تُرى ما سببُ زيارتكَ لي؟
كابوشيوس :
سيدتي النبيلة، جئتُ أولًا لأعرض خدماتي على معاليكم،
وجئتُ ثانيًا بناءً على طلب الملك، ١١٥
الذي يعتصره الحزن على ما أصابكم من الوهن،
وقد حمَّلَني إليكِ تحياته الخالصة،
ويتوسَّل إليكِ أن تخلدي إلى الراحة والاستجمام.
كاثرين :
يا أيها اللورد الكريم، لقد فات موعد الراحة والجمام، ١٢٠
كأنه قرارٌ بالعفو بعد تنفيذ حكم الإعدام!
كان يمكن لذلك الدواء الجميل أن يشفيَني لو قُدِّم لي
في الوقت المناسب، ولكني تجاوزتُ كل أملٍ في الراحة الآن،
عدا الراحة التي أجدها في الصلاة والدعاء.
كيف حال صاحب الجلالة؟
كابوشيوس : في صحةٍ جيدة يا مولاتي.
كاثرين :
أدامها الله عليه، ووهبه طول العمر، ١٢٥
حتى أقيم مع الديدان ويُنفى اسمي الحقير من المملكة.
تعالي يا بيشنس، هل أرسلتِ الخطاب الذي كلَّفتُكِ بكتابته؟
بيشنس : لا يا سيدتي.
كاثرين : سيدي، أرجوكَ أن تتكرَّم بتسليم هذا الخطاب إلى مولاي الملك.
كابوشيوس : بكل سرور يا مولاتي. ١٣٠
كاثرين :
إنني أُوصيه فيه خيرًا بالمثل الأعلى لحبنا الطاهر،
ألا وهو ابنته الصغرى.٧ أدعو الله أن تتساقَط عليها
أنداءُ السماء الحافلة بالبركات،
وأتوسَّل إليه فيه أن ينشئها نشأةً صالحة
فهي صغيرة السن، وذات نفسٍ نبيلة متواضعة، ١٣٥
وأرجو أن تكون جديرةً بما التمسْتُه من مولاي،
كما أرجو أن يُحبها، وإلى حدٍّ ما، من أجل أمها
التي أحبَّتْه، ويعلم الله بمدى إعزازها له.
أما مطلبي المتواضع التالي من جلالته،
فهو أن يعطف بما أُثر عنه من قبلُ،
على وصيفاتي البائسات، اللائي وقفن إلى جانبي طويلًا ١٤٠
في السراء والضرَّاء، وبذلن لي كل الإخلاص.
إن كلًّا منهن (وما ينبغي لي أن أكذب الآن)٨
تتحلى بالفضيلة الحقَّة، وجمال النفس الصادق،
وبالشرف والاستقامة، مما يجعلها جديرةً بزوجٍ كريم صالح ١٤٥
وليتَه يكون من النبلاء، وأنا واثقةٌ أن من يحظى بزوجةٍ منهن
سيحظى بالهناء والسعادة.
أما آخر مطلبٍ لي فهو خاص بالرجال الذين في خدمتي؛
فإنهم أفقر الرجال حقًّا، ولو أن فقرهم
لم يُبعِدهم يومًا عني؛ ولذلك ألتمس من جلالته ١٥٠
ألا يقطع أجورهم، بل وأن يزيدها قليلًا كيما يذكروني؛
فلو كانت السماء قد شاءت أن تهبَني عمرًا أطول
ومالًا أوفر لما فارقتُهم على هذا النحو.
هذا هو كل ما في الخطاب، وأستحلفك يا سيدي اللورد الكريم
بكل ما هو عزيزٌ عليك، إن كنتَ تريد الله أن يرحم نفسًا مؤمنة،
أن تقف إلى جانب هؤلاء الفقراء، وأن تَحُث الملك
على أن يهَبَني هذا الحق الأخير. ١٥٨
كابوشيوس : قسمًا بالسماء سأفعل، وإلا فلن أكون رجلًا حقًّا.
كاثرين :
أشكرك أيها اللورد الأمين. اذكرني عند مولاك بكل تواضع، ١٦٠
وقل له إن من سبَّبَت له قلقًا طويلًا
ترحل الآن من هذه الدنيا، وقل له إنني باركتُه
وأنا على شفا الموت، فهذا ما سأفعل.
إن غشاوةً تهبط على عينيَّ،
فالوداع سيدي، الوداع يا جريفيث. ١٦٥
أما أنت يا بيشنس فلا تتركيني الآن.
يجب أن آوي إلى الفِراش وعليكِ أن تأتي
بوصيفاتٍ أخريات. وعندما أموتُ أيتها الفتاة الكريمة
فاعملي على تكريمي في الممات، وانثري فوق جسدي
زهورًا نضرة بيضاء حتى يعرف العالم كله
أنني كنتُ زوجةً طاهرة حتى دخلت القبر. ١٧٠
وبعد الحنوط أرجو أن يُسجَّى جسدي،
حتى بعد فقد المُلك، بما يدل على أنني كنتُ ملكة
وابنة ملك، وبعدها أُدفَن في قبري.
لم أعُد أقوى على قول المزيد.

(يخرج الجميع وهم يساندون كاثرين.)

١  وهي «كيمبولتون» الحديثة، وقد صحح الهجاء بإضافة الباء في طبعة الفوليو الثالثة، واستند بعض ناشري ومحققي النص إلى هذا الهجاء الذي يؤكده الهجاء الوارد في هولنشد، فصحَّحوه في النص، ولكن طبعة الآردن ونيوكيمبريدج تحتفظان بالهجاء الأصلي، ويقول محرر الطبعة الأخيرة إنه من المحتمل أن يكون هجاءً يتبع النطق القديم.
٢  المقصود جزر الهند الشرقية (التي تضم الهند) وجزر الهند الغربية (التي تضم أمريكا) وهي تُعتبر مصادر لثراءٍ خُرافي.
٣  حرفيًّا: موضع لامع!
٤  انظر: ٢ / ٢ / ١١٥.
٥  الكلمة الإنجليزية happily محل خلافٍ كبير؛ فبعض المحقِّقين يصحِّحونها إلى haply بمعنى ربما بحيث يكون معنى البيت فربما سبقني وسأحذو حذوه، ولكن فوكس Foakes يقول إنه لا يُوجد ما يدعو إلى التعديل، ولا إلى تفسيرها بمعنى haply كما يفعل Foakes كابيل Capell ومن تَبِعه، مثل محقق طبعة نيوكمبريدج (جون مارجسون) مستندًا إلى ورودها بالمعنى المألوف في المسرحية نفسها ٥ / ١ / ٨٥ (حالفَني التوفيق) وفي مسرحية «تاجر البندقية» (شيكسبير) في الفصل الثاني، المشهد الثاني، البيت ١٩١.
٦  الكلمة الإنجليزية stomach قد تعني الكبرياء pride أو الغطرسة arrogance (وفقًا لما يقوله شميث Schmidt) ولكن فوكس Foakes ترد إنها الكلمة التي وردَت في هولنشد، وإنها تعني الطموح والطمع معًا هنا (ambition) والسياق يحتمل كلًّا من المعنيَين؛ ولذلك فإن جون مارجسون يُفضِّل المعنى الذي أورده شميث. والترجمة هنا تلتزم برأي فوكس لأنه يتفق مع معنى الكلمة عند هولنشد والمعنى الوارد في معجم أكسفورد الكبير (OED).
٧  ماري، التي جَلسَت على العرش في عام ١٥٥٣م، بعد وفاة الملك إدوارد السادس.
٨  كان يُفترض بصفةٍ عامة أن الإنسان يقول الحق حين يُشرِف على الموت. انظر: الفصل الثاني، المشهد الأول، البيت ١٢٥، من هذه المسرحية.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤