الْأَمِيرَةُ الْمَنْفِيَّةُ

فِي زَمَنِ حُكْمِ سُلَالَةِ تانج، كَانَ يَعِيشُ رَجُلٌ اسْمُهُ ليو الْأَوَّلُ، وَكَانَ قَدْ فَشِلَ فِي اجْتِيَازِ اخْتِبَارَاتِ الدُّكْتُورَاهْ؛ وَلِذَلِكَ عَادَ إِلَى مَوْطِنِهِ مُجَدَّدًا. كَانَ قَدْ سَارَ سِتَّةَ أَوْ سَبْعَةَ أَمْيَالٍ عِنْدَمَا جَاءَ طَائِرٌ فَوْقَ الْحَقْلِ فَجَفَلَ حِصَانُهُ وَرَكَضَ عَشَرَةَ أَمْيَالٍ قَبْلَ أَنْ يَتَمَكَّنَ مِنْ إِيقَافِهِ. وَهُنَاكَ شَاهَدَ امْرَأَةً كَانَتْ تَرْعَى الْغَنَمَ عَلَى مُنْحَدَرِ التَّلِّ. نَظَرَ إِلَيْهَا وَقَدْ كَانَتْ جَمِيلَةً، وَلَكِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِهَا مَلَامِحُ حُزْنٍ مَخْفِيٍّ؛ فَسَأَلَهَا فِي دَهْشَةٍ مَا الْأَمْرُ؟

بَدَأَتِ الْمَرْأَةُ تَبْكِي وَقَالَتْ: «لَقَدْ تَخَلَّى الْحَظُّ عَنِّي وَأَنَا فِي ضِيقَةٍ وَأَشْعُرُ بِالْخِزْيِ، وَلِأَنَّكَ كُنْتَ مِنَ الطِّيبَةِ أَنْ سَأَلْتَ عَنْ حَالِي فَسَأَحْكِي لَكَ: أَنَا الِابْنَةُ الصُّغْرَى لِلْمَلِكِ التِّنِّينِ، مَلِكِ بَحْرِ دونجتينج، وَقَدْ كُنْتُ مُتَزَوِّجَةً مِنَ الِابْنِ الثَّانِي لِلْمَلِكِ التِّنِّينِ جينج دشاو، وَلَكِنَّ زَوْجِي كَانَ يُعَامِلُنِي بِقَسْوَةٍ وَقَدْ تَبَرَّأَ مِنِّي. شَكَوْتُهُ إِلَى وَالِدَيْهِ وَلَكِنْ كَانَ حُبُّهُمَا لِابْنِهِمَا أَعْمَى وَلَمْ يَفْعَلَا شَيْئًا، وَعِنْدَمَا أَصْرَرْتُ غَضِبَا وَبُعِثْتُ هُنَا لِأَرْعَى الْغَنَمَ.» عِنْدَمَا انْتَهَتِ السَّيِّدَةُ، لَمْ تَتَمَالَكْ نَفْسَهَا وَانْفَجَرَتْ فِي الْبُكَاءِ، ثُمَّ أَكْمَلَتْ: «إِنَّ بَحْرَ دونجتينج بَعِيدٌ عَنْ هُنَا، وَلَكِنْ أَعْلَمُ أَنَّكَ سَتَمُرُّ بِهِ فِي طَرِيقِكَ لِمَوْطِنِكَ. أَوَدُّ أَنْ أُعْطِيَكَ خِطَابًا لِتُوَصِّلَهُ لِوَالِدِي، وَلَكِنْ لَا أَعْلَمُ إِنْ كُنْتَ سَتَقْبَلُ بِفِعْلِ ذَلِكَ.»

أَجَابَ ليو: «لَقَدْ حَرَّكَتْ كَلِمَاتُكِ قَلْبِي. لَوْ كَانَ لَدَيَّ أَجْنِحَةٌ لَطِرْتُ بِكَ بَعِيدًا. سَأُوَصِّلُ الْخِطَابَ لِوَالِدِكِ بِكُلِّ سُرُورٍ، وَلَكِنَّ بَحْرَ دونجتينج طَوِيلٌ وَوَاسِعٌ، فَكَيْفَ سَأَجِدُهُ؟»

أَجَابَتْهُ السَّيِّدَةُ: «عَلَى الشَّاطِئِ الْجَنُوبِيِّ تُوجَدُ شَجَرَةُ بُرْتُقَالٍ، يُطْلِقُ عَلَيْهَا النَّاسُ شَجَرَةَ التَّضْحِيَةِ. عِنْدَمَا تَصِلُ إِلَى هُنَاكَ يَجِبُ أَنْ تَفُكَّ حِزَامَكَ وَتَضْرِبَ بِهِ الشَّجَرَةَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مُتَتَابِعَةً، ثُمَّ سَيَظْهَرُ لَكَ شَخْصٌ يَجِبُ أَنْ تَتْبَعَهُ. عِنْدَمَا تَرَى وَالِدِي، أَخْبِرْهُ عَنْ حَالِي وَعَنِ احْتِيَاجِي الشَّدِيدِ لِمُسَاعَدَتِهِ.»

ثُمَّ أَخْرَجَتْ خِطَابًا مِنْ ثَوْبِهَا وَأَعْطَتْهُ إِلَى ليو. انْحَنَتْ تَحِيَّةً لَهُ وَنَظَرَتْ إِلَى الشَّرْقِ وَتَنَهَّدَتْ، وَبِدُونِ إِنْذَارٍ سَقَطَتِ الدُّمُوعُ مِنْ عَيْنِ ليو أَيْضًا. أَخَذَ ليو الْخِطَابَ وَوَضَعَهُ فِي حَقِيبَتِهِ.

ثُمَّ سَأَلَهَا: «لَا أَفْهَمُ لِمَاذَا عَلَيْكِ رَعْيُ الْغَنَمِ. هَلْ تَذْبَحُ الْآلِهَةُ الْمَاشِيَةَ مِثْلَ الْإِنْسَانِ؟»

أَجَابَتِ السَّيِّدَةُ: «إِنَّهَا لَيْسَتْ أَغْنَامًا عَادِيَّةً؛ إِنَّهَا أَغْنَامُ الْمَطَرِ.»

«وَلَكِنْ مَا هِيَ أَغْنَامُ الْمَطَرِ؟»

أَجَابَتِ السَّيِّدَةُ: «إِنَّهَا مَنْ تَتَسَبَّبُ فِي الرَّعْدِ.»

وَعِنْدَمَا دَقَّقَ النَّظَرَ، لَاحَظَ أَنَّ هَذِهِ الْأَغْنَامَ تَمْشِي بِفَخْرٍ وَفَظَاظَةٍ، وَمُخْتَلِفَةٌ جِدًّا عَنِ الْأَغْنَامِ الْعَادِيَّةِ.

أَضَافَ ليو: «وَلَكِنْ إِذَا وَصَّلْتُ الْخِطَابَ وَنَجَحْتُ فِي الْعَوْدَةِ إِلَى بَحْرِ دونجتينج بِسَلَامٍ، عِنْدَهَا لَا تَعْتَبِرِينِي غَرِيبًا.»

أَجَابَتِ السَّيِّدَةُ: «كَيْفَ أَعْتَبِرُكَ غَرِيبًا؟ سَتُصْبِحُ صَدِيقِيَ الْمُقَرَّبَ.»

وَعَلَى هَذِهِ الْكَلِمَاتِ افْتَرَقَا.

فِي غُضُونِ شَهْرٍ، وَصَلَ ليو إِلَى بَحْرِ دونجتينج وَسَأَلَ عَنْ شَجَرَةِ الْبُرْتُقَالِ وَوَجَدَهَا بِالْفِعْلِ. فَكَّ حِزَامَهُ وَضَرَبَ الشَّجَرَةَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَظَهَرَ فِي الْحَالِ مُقَاتِلٌ مِنْ بَيْنِ أَمْوَاجِ الْبَحْرِ وَسَأَلَ: «مِنْ أَيْنَ أَتَيْتَ أَيُّهَا الزَّائِرُ؟»

قَالَ ليو: «لَقَدْ أَتَيْتُ فِي مَهَمَّةٍ وَأُرِيدُ رُؤْيَةَ الْمَلِكِ.»

أَشَارَ الْمُقَاتِلُ نَحْوَ الْمَاءِ وَقَدْ تَحَوَّلَتِ الْأَمْوَاجُ إِلَى طَرِيقٍ جَافٍّ قَادَ ليو خِلَالَهُ. كَانَتْ قَلْعَةُ التِّنِّينِ قَائِمَةً أَمَامَهُمَا بِبَوَّابَاتِهَا الْأَلْفِ، وَأَزْهَارِهَا السِّحْرِيَّةِ، وَعُشْبِهَا النَّادِرِ النَّامِي بِوَفْرَةٍ. أَمَرَهُ الْمُقَاتِلُ أَنْ يَنْتَظِرَ دَاخِلَ الْقَاعَةِ الْكَبِيرَةِ.

سَأَلَ ليو: «مَاذَا يُدْعَى هَذَا الْمَكَانُ؟»

كَانَتِ الْإِجَابَةُ: «قَاعَةُ الْأَرْوَاحِ.»

نَظَرَ ليو حَوْلَهُ وَرَأَى كُلَّ الْجَوَاهِرِ الْمَعْرُوفَةِ لَدَى الْإِنْسَانِ؛ كَانَتِ الْأَعْمِدَةُ مَصْنُوعَةً مِنَ الْمَرْوِ الْأَبْيَضِ وَمُرَصَّعَةً بِالْيَشْمِ الْأَخْضَرِ، وَالْمَقَاعِدُ كَانَتْ مَصْنُوعَةً مِنَ الْمَرْجَانِ، وَالسَّتَائِرُ مَصْنُوعَةً مِنْ كِرِيسْتَالِ الْجِبَالِ النَّقِيِّ كَالْمَاءِ، وَالنَّوَافِذُ مِنَ الزُّجَاجِ الْمَصْقُولِ الْمُزَيَّنِ بِالتَّعَارِيشِ، وَعَوَارِضُ السَّقْفِ مُزَخْرَفَةً بِالْكَهْرَمَانِ وَالْوُرُودِ عِنْدَ الْمَدَاخِلِ. مَلَأَتِ الْقَاعَةَ رَائِحَةٌ غَرِيبَةٌ، وَاخْتَفَتْ حُدُودُهَا فِي الظَّلَامِ الْمُخَيِّمِ.

انْتَظَرَ ليو الْمَلِكَ لِمُدَّةٍ طَوِيلَةٍ. وَقَدْ أَجَابَ الْمُقَاتِلُ عَلَى كُلِّ أَسْئِلَتِهِ قَائِلًا: «سَيِّدُنَا يَتَشَرَّفُ فِي هَذِهِ اللَّحْظَةِ بِالْحَدِيثِ مَعَ كَاهِنِ الشَّمْسِ فِي أَعْلَى بُرْجِ الْمَرْجَانِ حَوْلَ كِتَابِ النَّارِ الْمُقَدَّسِ. إِنَّهُ، بِدُونِ شَكٍّ، سَيَنْتَهِي قَرِيبًا.»

سَأَلَ ليو: «وَلِمَاذَا يَهْتَمُّ هُوَ بِكِتَابِ النَّارِ الْمُقَدَّسِ؟»

وَكَانَتِ الْإِجَابَةُ: «إِنَّ سَيِّدَنَا تِنِّينٌ، وَالتَّنَانِينُ قَوِيَّةٌ بِقُوَّةِ الْمَاءِ. يُمْكِنُهُمْ غَمْرُ تَلٍّ وَوَادٍ بِمَوْجَةٍ وَاحِدَةٍ. الْكَاهِنُ إِنْسَانٌ، وَالْبَشَرُ أَقْوِيَاءُ بِالنَّارِ. يُمْكِنُهُمْ حَرْقُ قُصُورٍ عَظِيمَةٍ بِشُعْلَةٍ وَاحِدَةٍ. النَّارُ وَالْمَاءُ يُقَاوِمَانِ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ لِاخْتِلَافِ طَبِيعَتِهِمَا؛ وَلِهَذَا السَّبَبِ يَتَحَدَّثُ سَيِّدِي الْآنَ مَعَ الْكَاهِنِ مِنْ أَجْلِ إِيجَادِ طَرِيقَةٍ لِكَيْ يُكْمِلَ النَّارُ وَالْمَاءُ كُلٌّ مِنْهُمَا الْآخَرَ.»

قَبْلَ انْتِهَاءِ حَدِيثِهِمَا، ظَهَرَ رَجُلٌ يَرْتَدِي ثَوْبًا أُرْجُوَانِيًّا وَيُمْسِكُ صَوْلَجَانًا مِنَ الْيَشْمِ فِي يَدِهِ.

قَالَ الْمُقَاتِلُ: «هَذَا هُوَ سَيِّدِي!»

انْحَنَى ليو تَحِيَّةً لَهُ.

سَأَلَ الْمَلِكُ: «أَلَسْتَ إِنْسَانًا حَيًّا؟ مَا الَّذِي جَاءَ بِكَ إِلَى هُنَا؟»

أَخْبَرَهُ ليو بِاسْمِهِ وَشَرَحَ قَائِلًا: «لَقَدْ ذَهَبْتُ إِلَى الْعَاصِمَةِ وَهُنَاكَ رَسَبْتُ فِي امْتِحَانِي، وَعِنْدَمَا كُنْتُ مَارًّا بِنَهْرِ جينج دشاو، رَأَيْتُ ابْنَتَكَ الَّتِي تُحِبُّهَا تَرْعَى الْغَنَمَ فِي الْبَرِّيَّةِ. طَيَّرَتِ الرِّيَاحُ شَعْرَهَا وَبَلَّلَتْهَا الْأَمْطَارُ. لَمْ أَحْتَمِلْ رُؤْيَتَهَا فِي شِدَّتِهَا وَتَحَدَّثْتُ مَعَهَا. اشْتَكَتْ مِنْ أَنَّ زَوْجَهَا قَدْ رَمَاهَا بَعِيدًا وَبَكَتْ بِحُرْقَةٍ، ثُمَّ أَعْطَتْنِي خِطَابًا مِنْ أَجْلِكَ؛ وَلِهَذَا السَّبَبِ جِئْتُ لِزِيَارَتِكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ!»

وَعِنْدَ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ، أَخْرَجَ ليو الْخِطَابَ وَأَعْطَاهُ لِلْمَلِكِ، وَعِنْدَمَا قَرَأَهُ الْأَخِيرُ خَبَّأَ وَجْهَهُ فِي أَكْمَامِ ثَوْبِهِ وَقَالَ فِي حَسْرَةٍ: «إِنَّهَا غَلْطَتِي. لَقَدِ اخْتَرْتُ زَوْجًا حَقِيرًا لَهَا؛ فَبَدَلًا مِنْ ضَمَانِ السَّعَادَةِ لَهَا جَلَبْتُ لَهَا الْعَارَ فِي أَرْضٍ غَرِيبَةٍ. أَنْتَ غَرِيبٌ وَلَكِنَّكَ كُنْتَ مُسْتَعِدًّا لِمُسَاعَدَتِهَا فِي مِحْنَتِهَا وَأَنَا مُمْتَنٌّ لَكَ كَثِيرًا.» ثُمَّ بَدَأَ الْمَلِكُ يَبْكِي مُجَدَّدًا وَقَدْ ذَرَفَ كُلُّ مَنْ حَوْلَهُ الدُّمُوعَ. عِنْدَ ذَلِكَ، أَعْطَى الْمَلِكُ الْخِطَابَ لِلْخَادِمِ، فَأَخَذَهُ إِلَى دَاخِلِ الْقَصْرِ، وَسُرْعَانَ مَا جَاءَ صَوْتُ الْعَوِيلِ مِنَ الْغُرَفِ الدَّاخِلِيَّةِ.

تَنَبَّهَ الْمَلِكُ وَالْتَفَتَ لِلْمَسْئُولِ قَائِلًا: «اذْهَبْ وَأْمُرْهُمْ أَلَّا يَبْكُوا بِصَوْتٍ عَالٍ! أَخْشَى أَنْ يَسْمَعَهُمْ تسيان تانج!»

سَأَلَ ليو: «مَنْ يَكُونُ تسيان تانج؟»

أَجَابَ الْمَلِكُ: «إِنَّهُ أَخِي الْحَبِيبُ. كَانَ حَاكِمَ نَهْرِ تسيان تانج وَلَكِنَّهُ تَنَحَّى الْآنَ.»

سَأَلَ ليو: «وَلِمَاذَا يَجِبُ إِخْفَاءُ الْأَمْرِ عَنْهُ؟»

كَانَتِ الْإِجَابَةُ: «إِنَّهُ جَامِحٌ وَيَتَعَذَّرُ التَّحَكُّمُ فِيهِ؛ فَأَخْشَى أَنْ يُسَبِّبَ ضَرَرًا كَبِيرًا. كَانَ الْفَيَضَانُ الَّذِي غَمَرَ الْأَرْضَ لِمُدَّةِ تِسْعِ سَنَوَاتٍ فِي عَهْدِ الْإِمْبِرَاطُورِ ياو مِنْ نِتَاجِ غَضَبِهِ؛ لِأَنَّهُ اخْتَلَفَ مَعَ أَحَدِ مُلُوكِ السَّمَاءِ فَسَبَّبَ فَيَضَانًا عَظِيمًا وَصَلَ إِلَى قِمَمِ خَمْسَةِ جِبَالٍ شَاهِقَةٍ. غَضِبَ مَلِكُ السَّمَوَاتِ مِنْهُ وَكَلَّفَنِي بِحِرَاسَتِهِ. تَوَجَّبَ عَلَيَّ تَقْيِيدُهُ إِلَى عَمُودٍ فِي قَصْرِي.»

قَبْلَ انْتِهَائِهِ مِنَ الْحَدِيثِ حَدَثَتْ فَوْضَى عَارِمَةٌ؛ قُسِمَتِ السَّمَاءُ، وَجَعَلَتِ الْأَرْضُ تَهْتَزُّ؛ فَكَانَ الْقَصْرُ بِأَكْمَلِهِ يَرْتَجُّ، وَارْتَفَعَ السَّحَابُ وَالدُّخَانُ يُحْدِثَانِ حَفِيفًا. انْدَفَعَ تِنِّينٌ أَحْمَرُ اللَّوْنِ، طُولُهُ أَلْفُ قَدَمٍ، عَيْنَاهُ ثَاقِبَتَانِ، لِسَانُهُ أَحْمَرُ لَوْنَ الدِّمَاءِ، حَرَاشِفُهُ قَانِيَةٌ وَلِحْيَتُهُ نَارِيَّةٌ. كَانَ التِّنِّينُ يَجُرُّ وَرَاءَهُ فِي الْهَوَاءِ عَمُودًا تَمَّ تَقْيِيدُهُ إِلَيْهِ. زَئِرَ الرَّعْدُ وَالْبَرْقُ حَوْلَ جَسَدِهِ، وَانْهَمَرَتِ الْأَمْطَارُ وَالثُّلُوجُ حَوْلَهُ فِي فَوْضَى. دَوَّى هَزِيمُ الرَّعْدِ فَجْأَةً وَطَارَ التِّنِّينُ إِلَى السَّمَاءِ وَاخْتَفَى.

سَقَطَ ليو أَرْضًا مِنَ الرُّعْبِ. سَاعَدَهُ الْمَلِكُ عَلَى الْوُقُوفِ بِنَفْسِهِ وَقَالَ: «لَا تَخَفْ! هَذَا أَخِي الْمُتَّجِهُ إِلَى جينج دشاو فِي غَضَبٍ. سَنَسْمَعُ أَخْبَارًا سَارَّةً عَنْ قَرِيبٍ.»

ثُمَّ أَمَرَ بِإِحْضَارِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ لِضَيْفِهِ. عِنْدَمَا امْتَلَأَتِ الْكُئُوسُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، هَبَّتْ نَسْمَةُ هَوَاءٍ هَامِسَةٌ وَتَسَاقَطَ مَطَرٌ خَفِيفٌ. دَخَلَ شَابٌّ يَرْتَدِي ثَوْبًا أُرْجُوَانِيًّا وَقُبَّعَةً شَامِخَةً، وَيَتَدَلَّى سَيْفٌ مِنْ جَانِبِهِ. كَانَ مَنْظَرُهُ يُوحِي بِالرُّجُولَةِ وَالْبُطُولَةِ. خَلْفَهُ كَانَتْ تَسِيرُ فَتَاةٌ تُشِعُّ بِالْجَمَالِ، وَتَرْتَدِي ثَوْبًا رَائِحَتُهُ ذَكِيَّةٌ. وَعِنْدَمَا نَظَرَ ليو إِلَيْهَا، وَجَدَ أَنَّهَا الْأَمِيرَةُ التِّنِّينُ الَّتِي قَابَلَهَا فِي طَرِيقِهِ! اسْتَقْبَلَهَا حَشْدٌ مِنَ الْفَتَيَاتِ يَرْتَدِينَ الْأَثْوَابَ الْوَرْدِيَّةَ وَهُنَّ يَضْحَكْنَ وَيَقُدْنَهَا إِلَى دَاخِلِ الْقَصْرِ. أَمَّا الْمَلِكُ فَقَدْ قَدَّمَ ليو إِلَى الشَّابِّ قَائِلًا: «هَذَا هُوَ تسيان تانج؛ أَخِي!»

شَكَرَهُ تسيان تانج لِإِحْضَارِهِ الْخِطَابَ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى أَخِيهِ وَقَالَ: «لَقَدْ قَاتَلْتُ التَّنَانِينَ الْمَلْعُونَةَ وَهَزَمْتُهُمْ شَرَّ هَزِيمَةٍ!»

«كَمْ وَاحِدًا قَتَلْتَ؟»

«سِتَّمِائَةِ أَلْفٍ.»

«هَلْ تَضَرَّرَتْ أَيُّ حُقُولٍ؟»

«لَقَدْ تَضَرَّرَتِ الْحُقُولُ لِمَسَافَةِ ثَمَانِمِائَةِ مِيلٍ.»

«وَأَيْنَ هُوَ الزَّوْجُ الْعَدِيمُ الرَّحْمَةِ؟»

«لَقَدْ أَكَلْتُهُ حَيًّا!»

فَانْزَعَجَ الْمَلِكُ وَقَالَ: «مَا فَعَلَهُ الْفَتَى الْمُتَقَلِّبُ كَانَ لَا يُحْتَمَلُ. وَهَذِهِ حَقِيقَةٌ، وَلَكِنَّكَ كُنْتَ عَنِيفًا بَعْضَ الشَّيْءِ مَعَهُ. فِي الْمُسْتَقْبَلِ يَجِبُ أَلَّا تَقُومَ بِمِثْلِ هَذَا الْفِعْلِ مُجَدَّدًا.» وَقَدْ وَعَدَهُ تسيان تانج بِذَلِكَ.

فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ تَمَّ الِاحْتِفَالُ بليو فِي الْقَلْعَةِ. أَضَافَتِ الْمُوسِيقَى وَالرَّقْصُ جَوًّا سَاحِرًا عَلَى الْوَلِيمَةِ. كَانَ أَلْفُ مُقَاتِلٍ يَحْمِلُونَ الْأَعْلَامَ وَالرِّمَاحَ فِي أَيْدِيهِمْ وَيَقِفُونَ فِي تَأَهُّبٍ. تَرَدَّدَ صَدَى آلَاتِ التُّرُومْبُونِ وَالْأَبْوَاقِ، وَدَقَّتِ الطُّبُولُ أَثْنَاءَ تَأْدِيَةِ الْمُقَاتِلِينَ لِرَقْصَةِ حَرْبٍ. وَصَفَتْ هَذِهِ الْمُوسِيقَى كَيْفَ خَرَقَ تسيان تانج صُفُوفَ الْأَعْدَاءِ، وَقَدْ وَقَفَ شَعْرُ الضَّيْفِ عَلَى رَأْسِهِ فِي رُعْبٍ لِمَا سَمِعَ، ثُمَّ بَدَأَتْ مُوسِيقَى الْآلَاتِ الْوَتَرِيَّةِ وَالنَّايِ وَالْأَجْرَاسِ الذَّهَبِيَّةِ الصَّغِيرَةِ، وَرَقَصَتْ فِي الْأَرْجَاءِ أَلْفُ فَتَاةٍ يَرْتَدِينَ الْحَرِيرَ الْقُرْمُزِيَّ وَالْأَخْضَرَ. ثُمَّ وَصَفَتْ عَوْدَةَ الْأَمِيرَةِ أَيْضًا بِالْأَنْغَامِ. كَانَتِ الْمُوسِيقَى تَبْدُو حَزِينَةً، وَقَدْ تَأَثَّرَ كُلُّ مَنْ سَمِعَهَا وَبَكَى. كَانَ مَلِكُ بَحْرِ دونجتينج سَعِيدًا جِدًّا. رَفَعَ كَأْسَهُ وَشَرِبَ نَخْبَ ضَيْفِهِ وَزَوَالِ كُلِّ الْحُزْنِ عَنْهُمْ. شَكَرَ الْحُكَّامُ ليو بِأَبْيَاتٍ شِعْرِيَّةٍ، وَقَدْ أَجَابَهُمْ ليو بِنَخْبٍ. صَفَّقَتِ الْحَاشِيَةُ الْمَوْجُودَةُ فِي الْقَاعَةِ. أَخْرَجَ مَلِكُ بَحْرِ دونجتينج سَلَّةً زَرْقَاءَ اللَّوْنِ كَانَ بِهَا قَرْنُ فَرَسِ النَّهْرِ، وَالَّذِي يَسْتَطِيعُ أَنْ يَقْسِمَ صَفْحَةَ الْمِيَاهِ. أَخْرَجَ تسيان تانج طَبَقًا مِنَ الْكَهْرَمَانِ الْأَحْمَرِ وَعَلَيْهِ عَقِيقٌ أَحْمَرُ. قَدَّمُوا ذَلِكَ إِلَى الضَّيْفِ، وَقَدْ وَضَعَ النُّزَلَاءُ الْآخَرُونَ فِي الْقَصْرِ مُطَرَّزَاتٍ وَلَآلِئَ بِجَانِبِهِ. جَلَسَ ليو مُبْتَسِمًا وَهُوَ مُحَاطٌ بِالْبَرِيقِ وَالضَّوْءِ، وَانْحَنَى تَحِيَّةً لِكُلِّ مَنْ حَوْلَهُ. عِنْدَمَا انْتَهَتِ الْوَلِيمَةُ، نَامَ ليو فِي قَصْرٍ مِنَ الْبَرِيقِ الْمُتَجَمِّدِ.

فِي الْيَوْمِ التَّالِي، أُقِيمَتْ وَلِيمَةٌ أُخْرَى. جَلَسَ تسيان تانج، وَالَّذِي لَمْ يَكُنْ طَبِيعِيًّا، عَلَى كُرْسِيِّهِ لَا مُبَالٍ وَقَالَ: «أَمِيرَةُ بَحْرِ دونجتينج جَمِيلَةٌ وَلَطِيفَةٌ. تَعَرَّضَتْ إِلَى مِحْنَةِ تَخَلِّي زَوْجِهَا عَنْهَا، وَالْيَوْمَ أَصْبَحَ زَوَاجُهَا لَاغِيًا. أَوَدُّ أَنْ أَجِدَ لَهَا زَوْجًا آخَرَ. إِذَا كُنْتَ مُوَافِقًا فَسَيَكُونُ مِنْ حَظِّكَ، وَلَكِنْ إِذَا كُنْتَ لَا تَوَدُّ الزَّوَاجَ مِنْهَا؛ فَلْتَمْضِ فِي طَرِيقِكَ وَيَجِبُ أَلَّا نَلْتَقِيَ مُجَدَّدًا، وَلَنْ يَعْرِفَ أَحَدُنَا الْآخَرَ.»

غَضِبَ ليو مِنَ الطَّرِيقَةِ اللَّامُبَالِيَةِ الَّتِي تَحَدَّثَ تسيان تانج بِهَا مَعَهُ. صَعِدَ الدَّمُ إِلَى رَأْسِهِ فَأَجَابَ: «لَقَدْ أَوْصَلْتُ الرِّسَالَةَ لِأَنِّي شَعَرْتُ بِالْأَسَفِ عَلَى الْأَمِيرَةِ، وَلَيْسَ لِنَيْلِ مَنْفَعَةٍ لِنَفْسِي. قَتْلُ زَوْجٍ وَالْفَوْزُ بِالزَّوْجَةِ هُوَ شَيْءٌ لَا يَفْعَلُهُ رَجُلٌ شَرِيفٌ؛ وَحَيْثُ إِنِّي رَجُلٌ عَادِيٌّ، أُفَضِّلُ الْمَوْتَ عَلَى أَنْ أَفْعَلَ مَا تَقُولُ.»

وَقَفَ تسيان تانج وَاعْتَذَرَ قَائِلًا: «كَانَتْ كَلِمَاتِي طَائِشَةً. أَتَمَنَّى أَلَّا تَنْزَعِجَ مِنْهَا!» وَتَحَدَّثَ مَلِكُ بَحْرِ دونجتينج بِلُطْفٍ مَعَهُ أَيْضًا وَانْتَقَدَ تسيان تانج بِعُنْفٍ عَلَى كَلَامِهِ الْفَظِّ. وَهَكَذَا لَمْ يُنَاقَشْ أَمْرُ الزَّوَاجِ مَرَّةً أُخْرَى.

فِي الْيَوْمِ التَّالِي، اسْتَأْذَنَ ليو لِلرَّحِيلِ وَأَقَامَتْ مَلِكَةُ بَحْرِ دونجتينج وَلِيمَةَ وَدَاعٍ عَلَى شَرَفِهِ.

قَالَتِ الْمَلِكَةُ دَامِعَةً إِلَى ليو: «ابْنَتِي مَدِينَةٌ لَكَ بِالشُّكْرِ وَالْعِرْفَانِ وَلَمْ تَسْنَحْ لَنَا الْفُرْصَةُ لِتَعْوِيضِكَ. وَالْآنَ أَنْتَ رَاحِلٌ وَنُوَدِّعُكَ بِقُلُوبٍ حَزِينَةٍ.»

ثُمَّ أَمَرَتِ الْأَمِيرَةَ بِأَنْ تَشْكُرَ ليو.

وَقَفَتِ الْأَمِيرَةُ بِخَجَلٍ وَانْحَنَتْ تَحِيَّةً لَهُ وَقَالَتْ: «لَنْ نَرَى بَعْضَنَا مَرَّةً أُخْرَى عَلَى الْأَرْجَحِ!» ثُمَّ اخْتَنَقَتْ بِعَبْرَتِهَا.

صَحِيحٌ أَنَّ ليو قَدْ قَاوَمَ إِلْحَاحَ عَمِّ الْأَمِيرَةِ الشَّدِيدَ، وَلَكِنْ عِنْدَمَا شَاهَدَهَا أَمَامَهُ بِكُلِّ سِحْرِهَا وَجَمَالِهَا، شَعَرَ بِالْحُزْنِ فِي قَلْبِهِ، وَلَكِنَّهُ تَمَالَكَ نَفْسَهُ وَمَضَى فِي طَرِيقِهِ. كَانَتِ الْكُنُوزُ الَّتِي أَخَذَهَا مَعَهُ لَا تُحْصَى، وَقَدْ رَافَقَهُ الْمَلِكُ وَأَخُوهُ بِأَنْفُسِهِمَا حَتَّى النَّهْرِ.

عِنْدَمَا عَادَ إِلَى مَوْطِنِهِ، بَاعَ مَا لَا يَزِيدُ عَلَى جُزْءٍ مِنَ الْمِائَةِ مِمَّا أَخَذَهُ وَحَسْبُ، وَكَانَتْ ثَرْوَتُهُ قَدْ بَلَغَتْ مَلَايِينَ، وَكَانَ أَغْنَى مِنْ كُلِّ جِيرَانِهِ. قَرَّرَ الزَّوَاجَ وَسَمِعَ عَنْ أَرْمَلَةٍ تَعِيشُ فِي الشَّمَالِ مَعَ ابْنَتِهَا. كَانَ وَالِدُهَا قَدِ اتَّبَعَ فَلْسَفَةَ التَّاوِ فِي الْفَتْرَةِ الْأَخِيرَةِ، وَقَدِ اخْتَفَى بَيْنَ السَّحَابِ وَلَمْ يَعُدْ مُطْلَقًا. كَانَتِ الْأُمُّ تَعِيشُ فِي فَقْرٍ مَعَ ابْنَتِهَا، وَلَكِنْ حَيْثُ إِنَّ الْفَتَاةَ كَانَتْ جَمِيلَةً فَوْقَ الْوَصْفِ، فَأُمُّهَا كَانَتْ تَبْحَثُ عَنْ زَوْجٍ مُتَمَيِّزٍ لَهَا.

كَانَ ليو رَاضِيًا عَنِ اخْتِيَارِهِ لَهَا، وَتَمَّ تَحْدِيدُ مَوْعِدِ الزِّفَافِ. وَعِنْدَمَا رَأَى الْعَرُوسَ بِدُونِ حِجَابٍ فِي لَيْلَةِ الزِّفَافِ، كَانَتْ تَبْدُو مِثْلَ الْأَمِيرَةِ التِّنِّينِ. سَأَلَهَا عَنِ الْأَمْرِ وَلَكِنَّهَا اكْتَفَتْ بِالِابْتِسَامِ لَهُ وَلَمْ تَقُلْ شَيْئًا.

بَعْدَ فَتْرَةٍ أَرْسَلَتْ لَهُ السَّمَاءُ ابْنًا. عِنْدَ ذَلِكَ قَالَتْ لَهُ زَوْجَتُهُ: «الْيَوْمَ سَأَعْتَرِفُ لَكَ أَنَّنِي بِالْفِعْلِ أَمِيرَةُ بَحْرِ دونجتينج. عِنْدَمَا رَفَضْتَ عَرْضَ عَمِّي وَرَحَلْتَ، مَرِضْتُ مِنَ الشَّوْقِ وَكُنْتُ عَلَى مَشَارِفِ الْمَوْتِ. أَرَادَ وَالِدَايَ اسْتِدَعَاءَكَ وَلَكِنْ خَشِيَا أَنْ تُهِينَ عَائِلَتِي. وَهَكَذَا تَزَوَّجْتُكَ كَامْرَأَةٍ بَشَرِيَّةٍ مُتَخَفِّيَةً. لَمْ أَجْرُؤْ عَلَى إِخْبَارِكَ حَتَّى الْآنَ، وَلَكِنْ بِمَا أَنَّ السَّمَاءَ قَدْ أَرْسَلَتْ لَنَا وَلَدًا، فَأَتَمَنَّى أَنْ تُحِبَّ أُمَّهُ أَيْضًا.»

شَعَرَ ليو وَكَأَنَّهُ اسْتَيْقَظَ مِنْ نَوْمٍ عَمِيقٍ، وَمُنْذُ ذَلِكَ الْوَقْتِ أَحَبَّ الِاثْنَانِ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ حُبًّا جَمًّا.

فِي أَحَدِ الْأَيَّامِ قَالَتْ زَوْجَتُهُ: «إِذَا أَرَدْتَ الْبَقَاءَ مَعِي إِلَى الْأَبَدِ؛ فَعَلَيْنَا أَلَّا نَعِيشَ فِي عَالَمِ الْإِنْسَانِ. نَحْنُ — التَّنَانِينَ — نَعِيشُ عَشَرَةَ آلَافِ عَامٍ وَسَتُشَارِكُنَا فِي طُولِ عُمْرِنَا. عُدْ مَعِي إِلَى بَحْرِ دونجتينج!»

مَرَّتْ عَشَرَةُ أَعْوَامٍ وَلَمْ يَعْرِفْ أَحَدٌ مَكَانَ ليو الَّذِي اخْتَفَى، ثُمَّ عَنْ طَرِيقِ الْمُصَادْفَةِ أَبْحَرَ أَحَدُ أَقْرِبَائِهِ فِي بَحْرِ دونجتينج، وَفَجْأَةً ظَهَرَ جَبَلٌ أَزْرَقُ مِنْ وَسَطِ الْمِيَاهِ.

صَرَخَ الْبَحَّارَةُ فِي فَزَعٍ: «لَا يُوجَدُ جَبَلٌ فِي هَذِهِ الْمِنْطَقَةِ! لَا بُدَّ وَأَنَّهُ وَحْشٌ مَائِيٌّ!»

بَيْنَمَا كَانُوا يُشِيرُونَ إِلَى الْجَبَلِ وَيَتَحَدَّثُونَ، اقْتَرَبَ الْجَبَلُ مِنَ السَّفِينَةِ، وَانْزَلَقَ قَارِبٌ مُلَوَّنٌ بِأَلْوَانٍ مُبْهِجَةٍ مِنْ قِمَّتِهِ إِلَى الْمِيَاهِ. جَلَسَ رَجُلٌ فِي مُنْتَصَفِ الْقَارِبِ وَوَقَفَتِ الْجِنِّيَّاتُ عَلَى جَانِبَيْهِ. كَانَ الرَّجُلُ هُوَ ليو. أَشَارَ إِلَى قَرِيبِهِ وَأَمْسَكَ الْأَخِيرُ بِثِيَابِهِ وَرَكِبَ الْقَارِبَ مَعَهُ، وَلَكِنْ بِمُجَرَّدِ دُخُولِهِ الْقَارِبَ، تَحَوَّلَ الْقَارِبُ إِلَى جَبَلٍ. عَلَى الْجَبَلِ كَانَتْ تَقِفُ قَلْعَةٌ فَخْمَةٌ، وَدَاخِلَ الْقَلْعَةِ وَقَفَ ليو مُحَاطًا بِالْبَهَاءِ وَتَنْبَعِثُ مِنْ حَوْلِهِ الْمُوسِيقَى.

حَيَّا أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، وَقَالَ ليو لِقَرِيبِهِ: «لَقَدِ افْتَرَقْنَا لِلَحْظَةٍ فَقَطْ وَقَدْ شَابَ شَعْرُ رَأْسِكَ!»

أَجَابَهُ قَرِيبُهُ: «أَنْتَ إِلَهٌ وَمُبَارَكٌ. أَنَا أَمْلِكُ جَسَدَ فَانٍ. وَهَذَا حُكْمُ الْقَدَرِ.»

فَأَعْطَاهُ ليو خَمْسِينَ حَبَّةً وَقَالَ: «كُلُّ حَبَّةٍ سَتَمُدُّ مِنْ عُمُرِكَ عَامًا. عِنْدَمَا تَعِيشُ كُلَّ هَذِهِ الْأَعْوَامِ، تَعَالَ إِلَيَّ وَلَا تَعِشْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ؛ حَيْثُ لَا يُوجَدُ سِوَى الْعَنَاءِ وَالشَّقَاءِ.»

ثُمَّ أَعَادَهُ إِلَى الْبَحْرِ وَاخْتَفَى.

انْعَزَلَ قَرِيبُهُ عَنِ الْعَالَمِ، وَبَعْدَ مُرُورِ خَمْسِينَ عَامًا وَبَعْدَمَا كَانَ قَدْ أَخَذَ كُلَّ الْحَبَّاتِ، اخْتَفَى وَلَمْ يَرَهُ أَحَدٌ بَعْدَ ذَلِكَ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤