تقديم

قليلة ونادرة هي الكتب القديمة المجهولة التي تغيِّر حقيقةً ثابتةً في مجال الأدب المسرحي، وتضيف — في الوقت نفسه — تاريخًا مجهولًا لم يكُ معروفًا من قبل في تاريخ المسرح المصري. والأمر الصعب الذي يصادف الباحثين دائمًا هو كيفية الوصول إلى هذه الكتب؛ خصوصًا إذا كان الحصول عليها أشبه بالمستحيل، وذلك لقِدَمها وندرة نُسَخها! ولحسن طالع مصر أن حباها الله بوجود المركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية، الذي يُعْتبر صرحًا شامخًا تفتخر به الأمة المصرية والعربية؛ لما يحتويه من كنوز تراثية فنية وأدبية يندر وجودها في أي مكان آخر.

والكتاب الذي تطلع عليه الآن — أيها القارئ العزيز — هو أحد إصدارات المركز القومي، وهو أحد الكتب القليلة النادرة التي ستغير حقيقةً ثابتةً في مجال الأدب المسرحي؛ تلك الحقيقة التي تغنَّى بها الكُتاب والباحثون، والتي تقول إن بيتر فايس «الألماني» هو رائد المسرح التسجيلي في العالم منذ ١٩٦٤، ولكن بعد قراءة هذا الكتاب — وتحديدًا بعد قراءة البحث المرفق به — سينتابك الشك في هذه المقولة الشهيرة شيئًا فشيئًا؛ لتصل في النهاية إلى الاطمئنان بأن حسن مرعي «المصري» هو رائد المسرح التسجيلي منذ عام ١٩٠٦.

كما أن هذا الكتاب — بالإضافة إلى بحثه المُرفَق — سيُضيف تاريخًا مجهولًا لم يكُ معروفًا من قبل في تاريخ المسرح المصري؛ حيث إن دراسات الباحثين السابقين أثبتت أن الألمان هم رواد المسرح التسجيلي في العالم منذ منتصف القرن العشرين، ولكن هذه الحقيقة التاريخية ستقف عاجزةً أمام هذا الكتاب الذي يحتوي على أدلة منطقية تثبت أن مصر كانت سباقةً إلى ريادة المسرح التسجيلي عالميًّا منذ أوائل القرن العشرين.

والكتاب الذي بين أيدينا الآن يحمل بداخله نصًّا مسرحيًّا تراثيًّا تم طبعه لأول مرة عام ١٩٠٩، والطبعة التي بين أيدينا الآن هي طبعته الثانية؛ حيث أراد الأستاذ الدكتور سامح مهران؛ رئيس المركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية، إعادة نشره، فكلفني بكتابة كلمة عنه على سبيل التقديم، ولكن عندما قرأت النص قراءةً متأنيةً اكتشفت أنني وقعت على كنز ثمين لا يمكن وأده في مقدمة أو دراسة عادية، بل يجب عليَّ أن أكتب بحثًا علميًّا يليق به ويتناسب مع قيمته؛ لأنني أعتبر هذا النص المسرحي اكتشافًا كبيرًا يُضَاف إلى اكتشافات الباحثين في تاريخ المسرح المصري.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن مسرحية «الأزهر وقضية حمادة باشا» لها قيمة تاريخية تعليمية وتربوية، بالإضافة إلى قيمتها الفنية؛ حيث إنها تؤرِّخ لأول اعتصاب قام به طلاب الأزهر الشريف طوال تاريخ الأزهر الديني والتعليمي، وهذا الاعتصاب أخذ شكل ثورة ومظاهرات قام بها الطلاب من أجل إلغاء قانون الأزهر عام ١٩٠٨، الذي كان يهدف إلى تغيير بعض المناهج الدراسية، وإضافة مناهج جديدة ومواد علمية معاصرة؛ بهدف تطوير الأزهر علميًّا في الظاهر، وتقليل أهميته الدينية والتعليمية وإضعاف أثره الاجتماعي في الباطن.

لذلك رفض طلاب الأزهر هذا المخطط، وقاموا بالاعتصاب، وامتنعوا عن تلقي الدروس، وأصبح الأزهر خاويًا من طلابه وعلمائه طوال شهر كامل، فقام الخديوي وحكومته بتهديد المعتصبين بقطع جراياتهم، فلم ينجحوا في إثناء الطلاب عما عزموا عليه، فقاموا بقطع رواتبهم فصمد الطلاب أكثر فأكثر! فقاموا بمخالفة القوانين بتجنيدهم في الخدمة العسكرية، فتقبل المعتصبون الأمر بشجاعة فائقة! فقاموا بإحاطة الأزهر بالعساكر والسلاح، فلم يكترث المعتصبون بالأمر! فقاموا بإدخال القوة العسكرية إلى صحن الأزهر، فكظم المعتصبون غيظهم! فقام حمادة باشا وأعوانه بجلد الأزهريين داخل الجامع الأزهر، وحوِّل الرواق العباسي إلى سجن زجَّ فيه المعتصبين … وهنا هاج الشعب المصري ووقف بجانب الأزهريين، وأصبحت القضية قضية رأي عام لم يستطع الخديوي وأعوانه الصمود أمامها، فرضخ أخيرًا لمطالب الأزهريين وألغى قانون الأزهر الجديد، وأعاد العمل بالقانون القديم!

figure
الأزهر الشريف.

هذه الحادثة التاريخية التي حدثت منذ قرن تقريبًا لا يستطيع المرء حيالها إلا أن يتساءل: أكان الأزهريون مصيبين حقًّا في ثورتهم ضد تغيير المناهج الدينية وإدخال بعض العلوم العصرية في النظام التعليمي للأزهر الشريف؟ أم كانوا مخطئين؟! أليسوا بثورتهم هذه قد أخَّروا تطوير التعليم في الأزهر عدة أعوام؟! ماذا كان سيحدث لو قبل الأزهريون تغيير المناهج وإدخال العلوم العصرية في مناهج الأزهر الشريف الدينية منذ عام ١٩٠٨؟! وهل كان هذا الأمر له علاقة بما حدث منذ وقت قريب — وما زال يحدث حتى الآن — من الدعوة إلى إعادة النظر في مناهج التربية الإسلامية ومناهج اللغة العربية في البلدان الإسلامية والعربية بحجة التطوير والإصلاح؟! أم أن هذه الدعوة تهدف إلى عزل العربي والمسلم عن هويته وعقيدته؟! … مجرد سؤال!

وفي نهاية هذه الكلمة، أتوجه بخالص الشكر إلى الأستاذ الدكتور سامح مهران؛ رئيس المركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية؛ لتكليفه إياي بكتابة هذا البحث الخاص بمسرحية «الأزهر وقضية حمادة باشا»، وإتاحة الفرصة كي أضيف حجرًا جديدًا في بناء تاريخ ومكانة مسرحنا المصري؛ فإقدام الدكتور سامح مهران على نشر هذه المسرحية يُعْتبر خطوةً جديدةً من خطواته السديدة في سبيل الحفاظ على تراث أمتنا المصرية، وكذلك أتوجه بالشكر إلى كافة العاملين بالمركز القومي، وفي مقدمتهم: رضا فريد يعقوب، وأحمد محمد عبد الله، ورانيا عبد الرحمن … باعتبارهم قادة إدارة التراث المسرحي؛ تلك الإدارة التي تمثل عصب تراث المسرح المصري في المركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية.

أولًا: الإطار العام

(١) الموضوع

يعالج هذا البحث موضوع «ريادة المسرح التسجيلي في مصر» متخذًا من مسرحية «الأزهر وقضية حمادة باشا» نموذجًا، ويُقْصَد ببداية المسرح التسجيلي تلك الإرهاصات المبكرة للإبداع المسرحي التسجيلي؛ التي اتكأت على أحداث التاريخ توثِّقها وتُسجِّلها طبقًا للمفهوم العلمي للمسرح التسجيلي وسماته المتنوعة كما جاءت في الدراسات التنظيرية والتطبيقية المترجمة عن الألمان، وكذلك في الدراسات العربية. وقد اتخذت الدراسة من المبدع «حسن مرعي» نموذجًا لذلك المسرح، تحديدًا في الأنموذج المختار؛ وهو مسرحية «الأزهر وقضية حمادة باشا»، المؤلفة في وقت مبكر عام ١٩٠٩ من أجل تعقُّب السمات الفنية للمسرح التسجيلي من خلال التحليل؛ طبقًا لمعايير الدراسة التي يتبناها البحث للتحقق من أهدافه المرجوة.

(٢) أهمية الدراسة وأسباب اختيار الموضوع

تُعَد دراسة المسرح التسجيلي واحدةً من أهم دراسات الأجناس الأدبية لفن له خصائصه الدقيقة والمتميزة؛ حيث إن خيال المبدع فيه محكوم بأطر فنية وأهداف؛ إذ هو لا ينقل لنا تاريخًا واقعًا كما هو في سرد الأحداث بالحياة. ومن جانب آخر، فهو لا يخرج عن إطار التاريخ والأحداث، وبين هذه وتلك فإنه لا يقع على مجرد حوادث عابرة، ولكنه يقف إزاء قضية لها قيمتها الاجتماعية والإنسانية، يتبنى منها موقفًا ينبثق منه خياله الإبداعي، متجسدًا في الرؤى الفنية التي يلبسها للأحداث من خلال مسرحتها، بشكل لا يخل بالحقيقة التاريخية؛ ولكنه تحت قناع المسرح في العمل الفني؛ ومن ثم فإن أهمية هذه الدراسة تتمثل في محاولة إلقاء الضوء على باكورة المسرح التسجيلي ونشأته في مصر عام ١٩٠٩، قبل أن يبتكره الألمان في ستينيات القرن العشرين تطبيقًا وتنظيرًا، كما أكدت على ذلك بعض الدراسات الحديثة.

ومن زاوية أخرى، فإن الدراسة تحاول أن تميط اللثام عن أحد رواد هذا اللون المسرحي في مصر؛ لتستوضح مدى الدور الريادي الذي يمكن أن يُنْسب إليه بوضعه على محك معايير التأليف في هذا الفن، ومن ثم يمكن دحض ما أقرته بعض الدراسات العربية من أن مصر وليبيا عرفتا هذا اللون المسرحي في سبعينيات القرن العشرين.١ هذا بالإضافة إلى أن ندرة النص المسرحي الذي تتناوله الدراسة في هذا الفن يجعل منه قيمةً جديرةً بالدراسة؛ للتحقق من سمات الإبداع الفني فيه، في وقت عاش فيه المؤلف أحداثه ورصدها فنيًّا، ومُنِع فيه العمل من التمثيل؛ حيث لا تتوافر — على حد تعقبي للموضوع — من العمل المطبوع غير نسختين؛ الأولى: محفوظة بدار الكتب المصرية وممنوع الاطلاع عليها بسبب تمزقها وتهالكها،٢ والأخرى: محفوظة بالمركز القومي للمسرح والموسيقى: وهي في حالة جيدة نوعًا ما، وهي النسخة التي اعتمدت عليها الدراسة.

(٣) الدراسات السابقة

لم تُعْن دراسة سابقة — على حد اطلاعي — بتناول أعمال حسن مرعي بالدراسة والتحليل من أية وجهة فنية؛ ناهيك عن مسرحيته «الأزهر وقضية حمادة باشا» على وجه الخصوص، إلا أننا إذا نظرنا إلى الموضوع من دائرة أوسع فيما يخص المسرح التسجيلي: تاريخه وتحديد مفهومه؛ فإننا نجد هناك دراسات عديدة نظرية وتطبيقية تتناوله — خصوصًا عن الكتاب الغربيين — ومن هذه الدراسات: معالجة جلال العشري — في صفحات قليلة — مفهوم المسرح التسجيلي في كتابه «لن يسدل الستار: اتجاهات المسرح المعاصر» الصادر عام ١٩٦٧؛ حيث وضَّح دور بيتر فايس في ازدهار هذا اللون المسرحي من خلال الإشارة إلى بعض مسرحياته. وتناول الدكتور يسري خميس في تقديمه لمسرحية «مارا صاد»، لبيتر فايس، المنشورة في سلسلة روائع المسرحيات العالمية عام ١٩٦٧، مفهوم المسرح التسجيلي، وحدد عناصره، وتبنى رأيًا يذهب إلى أن الكتَّاب الألمان هم المؤسسون الفعليون للمسرح التسجيلي.

وتُعَد دراسة بيتر فايس عن المسرح التسجيلي، التي نُشِرت لأول مرة في مارس ١٩٦٨ بمجلة Theater Heute الألمانية، الدراسة النظرية الأولى لأسس وملامح ومميزات المسرح التسجيلي. وقد ترجمها ونشرها الدكتور يسري خميس في مقدمته لمسرحية «أنشودة أنجولا» لبيتر فايس؛ التي صدرت ضمن سلسلة من المسرح العالمي في نوفمبر ١٩٧٠ بالكويت. وفي هذه الدراسة وضع بيتر فايس ملاحظات كثيرة حول المسرح التسجيلي؛ ومنها: أن المسرح التسجيلي مسرح تقريري، وأنه جزئية من مكونات الحياة العامة تعكس بشكل ما وجهة نظر الجماهير العريضة، وأنه مسرح يقف ضد كل الفئات التي يهمها خلق ذلك الجو السياسي المضبب والمظلم والمزيف، وأنه يكتسب أصالته الكاملة من تفسيره للواقع، وأن قوته في أنه يختار من جزئيات الواقع عينةً قابلةً للاستعمال والعرض نموذجًا للأحداث الحاضرة والمهمة، وأنه يضع الحقائق تحت منظار التقييم، وأنه مسرح متحيز، وأغلب موضوعاته لا يمكن أن تقود إلا إلى إدانة موقف معين.

وعالج الدكتور عبد القادر القط في كتابه «من فنون الأدب: المسرحية»، الصادر عام ١٩٧٨ — من خلال صفحات قليلة — معنى المسرح التسجيلي مع ذكر بعض خصائصه؛ مشيرًا في ذلك إلى دراسة بيتر فايس النظرية. وتنتظم دراسة الدكتور علي الراعي في كتابه «المسرح في الوطن العربي»، الصادر عام ١٩٨٠ بالكويت، سِلْك هذه الدراسات التي عُنِيت بمفهوم المسرح التسجيلي؛ حيث تحدث في صفحتين عن مسرحية «يوم الهاني»، الصادرة عام ١٩٧٦، للكاتب الليبي «الأزهر أبو بكر حميد»، التي اعتبرها د. علي الراعي مسرحيةً تاريخيةً لا مسرحيةً تسجيليةً، كما قال مؤلِّفها.

وتعرض الدكتور إبراهيم حمادة في كتابه «معجم المصطلحات الدرامية والمسرحية»، الصادر عام ١٩٨٥، لتعريف مصطلح المسرح التسجيلي، كما تناول الدكتور فاروق عبد القادر في كتابه «مساحة للضوء مساحات للظلال: أعمال في النقد المسرحي»، الصادر عام ١٩٨٦، بصورة سريعة، معنى المسرح التسجيلي من خلال حديثه عن بيتر فايس، وهو المسلك ذاته الذي صنعه الدكتور أحمد العشري في كتابه «مقدمة في نظرية المسرح السياسي»، الصادر عام ١٩٨٩؛ حيث وضَّح سريعًا تعريف المسرح التسجيلي.

(٤) المادة عينة الدراسة ومعايير الاختيار

إذا كانت الدراسة قد حددت لنفسها نقطةً محددة الأبعاد في المسرح التسجيلي — لما ذُكر قبلًا من أسباب — فإن مقتضى البحث العلمي يوجب على البحث أن يحدد بدقة مبنية على معايير واضحة المادة التي من خلالها ستتم معالجة الموضوع من خلال ثلاث نقاط كالآتي:

(أ) المؤلف وتاريخه الفني

يُعَد حسن مرعي من الشخصيات المغمورة تاريخيًّا في هذا المجال — وهذا شأن البدايات — حيث لا يوجد في الدراسات الحديثة، على قدر اطلاعي، ترجمة وافية تناولت حسن مرعي، ولا يوجد أيضًا من كتب عنه أو عن مسرحياته، كما ذكرت الدراسة، من قبلُ. وما استطاعت الدراسة الحصول عليه عن حسن مرعي هو بعض الأخبار التي نُشِرت في الدوريات القديمة؛ يمكن من خلالها أن يُحَدد على وجه التقريب إبداعه المسرحي ونشاطه الفني مع بعض ملامح شخصيته، وهو أمر مهم بالنسبة للبحث لاختبار سبق الريادة في المجال، وكذلك لتحديد آثار الشخصية في العمل الإبداعي.

والأخبار التي بين يدي الدراسة تقول: إن حسن مرعي وُلِد عام ١٨٨٠ تقريبًا، حيث كان ممثلًا شابًّا بتياترو ألف ليلة وليلة عام ١٨٩٩، وخُصِّص له إيراد إحدى ليالي تمثيل مسرحية «عرابي باشا»،٣ وفي بدايات القرن العشرين اتجه إلى الصحافة؛ حيث كان صاحب مجلة الصحائف،٤ وفي يوليه عام ١٩٠٦ ألَّف أول مسرحية له؛ وهي «صيد الحمام أو حادثة دنشواي». وقد كتبها بعد أقل من شهر من وقوع حادثة دنشواي المشهورة، ثم عزم على تمثيلها بمسرح حديقة الأزبكية في شهر أغسطس؛ ولكن الحكومة منعت تمثيلها، فقام بطبعها وبيعها لعامة الناس.٥ وفي الذكرى الثانية لمذبحة دنشواي حاول حسن مرعي إعادة الكرة مرةً أخرى؛ حيث عزم على تمثيل مسرحيته «دنشواي» في يوليه ١٩٠٨، فتقدم إلى نظارة الداخلية للحصول على تصريح بتمثيلها، ولكن الداخلية بعد أن أخذت رأي الحكمدارية رفضت رفضًا باتًّا قبول تمثيل هذه المسرحية.٦
figure
حسن مرعي.
وفي مارس ١٩٠٩، نشر حسن مرعي مسرحيته الثانية «الأزهر وقضية حمادة باشا»، وقد ضمنها حادثة اعتصاب طلاب الأزهر.٧ وفي الذكرى الثالثة لحادثة دنشواي احتال حسن مرعي على القانون، فعزم على تمثيل مسرحيته «دنشواي» على مسرح النوفتيه بالتوفيقية دون التصريح له من قِبَل الداخلية، فقام بطبع التذاكر وتوزيعها على الناس. ولكن اكتشف أصحاب المسرح هذا الأمر فأبلغوا قسم الموسكي، وتم القبض عليه واتهامه بالنصب والاحتيال، وانتهت القضية ببراءته لعدم ثبوت نية النصب والاحتيال لديه.٨ وأمام هذا الأمر نشرت جريدة الأخبار في ٢ / ٤ / ١٩١١ خبرًا قالت فيه: «أصدرت المحافظة منشورًا إلى الأقسام بمنع تمثيل خمس روايات؛ وهي: رواية إسرائيل، والوقائع المدهشة، ونابليون، والأزهر، ودنشواي، وشددت على المأمورين بملاحظة ذلك.» وهذا الخبر يشير إلى أن حسن مرعي حاول أكثر من مرة تمثيل مسرحيته دون جدوى؛ مما دعا المحافظة إلى تعميم مصادرة المسرحيتين مع المسرحيات الأخرى المذكورة في الخبر.
وتتوقف الأخبار عن حسن مرعي بضع سنين، بعدها يُلاحَظ ظهوره مرةً أخرى عام ١٩١٥؛ لنكتشف أنه كان نزيلًا في مستشفى المجاذيب، وقد هرب منها بعد أن تنكر في ملابس سيدة! وبعد هروبه ساعدته فرقة إخوان عكاشة بإعطائه إيراد ليلة خيرية مُثِّلت فيها مسرحية «جناية الملكة»، وقامت بتعيينه وكيلًا لها في توزيع التذاكر.٩ ويتنقل حسن مرعي بعد ذلك بين الفرق المسرحية؛ إذ عمل ممثلًا عند الريحاني تارةً، وإداريًّا بمسرح برنتانيا، ووكيل إدارة مسرح الماجستيك تارةً أخرى.١٠ وفي عام ١٩٢١ كون فرقةً مسرحيةً أطلق عليها اسم «فرقة الكوميدي العصري»، ومثَّل بها عدة مسرحيات بمدينة بورسعيد.١١
في عام ١٩٢٥، كتبت مجلة التياترو المصورة كلمةً عن حسن مرعي بوصفه مديرًا مسرحيًّا، فأشادت فيها بكفاءته وحزمه وحسن تصرُّفه في الإدارة المسرحية، كما حمدت له صراحته وعدم تزلُّفه للآخرين، وقدَّرت عدم خشيته أو رهبته أمام عظائم الأمور.١٢ وهذا في حد ذاته يعني أن الحس الفني لدى حسن مرعي كان متأصلًا في وجدانه، وهذا ما دفع الدراسة إلى أن تجعل منه نموذجًا لتحليل عمله. ومن الجدير بالذكر أن الكلمة التي نُشِرت في مجلة التياترو المصورة كانت آخر ما توفر لدى البحث من أخبار عنه. بعدها اختفت الأخبار عن ذكر حسن مرعي — على حد علمي — ولعله مات بعد ذلك.١٣

(ب) المسرحيات

يتمثل نتاج حسن مرعي طبقًا للمتاح بين يدي الدراسة من مصادر ومراجع في مسرحيتين؛ الأولى: «حادثة دنشواي» عام ١٩٠٦، والأخرى: «الأزهر وقضية حمادة باشا» عام ١٩٠٩. وستتناول الدراسة المسرحية الثانية — رغم أن المسرحيتين مشتركتان في عنصري الطباعة والمنع من التمثيل — لأن مسرحية دنشواي مفقودة حتى الآن، ولا توجد منها نسخة في دار الكتب أو في المركز القومي للمسرح. وهذا يعني أن ٥٠٪ من نتاج حسن مرعي الفني ليس متوافرًا؛ ومن ثم اعتمدت الدراسة على المسرحية الثانية نموذجًا للتحليل والتطبيق، وهي تمثل ٥٠٪ من نتاجه. وهذه المسرحية تقع في أربعين ورقة من القطع الصغير، ستتناولها الدراسة كاملةً مع استكشاف السمات الفنية، وعلاقة الحدث الدرامي بالحدث التاريخي … إلخ أهداف البحث المنطوية عليها الدراسة.

(ﺟ) الحدث التاريخي

اعتمدت مسرحية «الأزهر وقضية حمادة باشا» على حدث تاريخي سجَّله الكاتب فنيًّا، وهذا الحدث عُنِي به مصدران للكشف عن لثامه؛ الأول: العمل الفني، والثاني: ما سجلته الصحف في تاريخ القضية إبان وقوعه؛ لذلك فقد جُعِل من تلك الصحف مصدرًا مساندًا للعمل؛ لكون الدراسة تبحث عن سمات المسرح التسجيلي، وكيفية توظيف الحدث فنيًّا بطريقة لا تخلُّ به واقعيًّا؛ ولهذا فقد تعقبت الدراسة الصحف التي عُنِيت بالموضوع، فوقعت على ثلاث صحف قامت بتسجيل الأحداث التاريخية التي تناولتها المسرحية بطريقة فنية؛ وهذه الصحف هي: الجريدة واللواء والمؤيد، ويقوم هذا التحديد على ثلاثة معايير؛ الأول: أنها أكثر الصحف تسجيلًا لهذه الأحداث، والثاني: أن بعضها ذُكِر في نص المسرحية، والثالث: أن مظاهرات طلبة الأزهر توجهت إليها أثناء مسيرتها. وبالرغم من ذلك فسيكون اعتماد الدراسة الأساسي على جريدة الجريدة؛ لأنها كانت جريدةً محايدةً في الأحداث، بعكس جريدة اللواء التي وقفت بجانب اعتصاب الطلاب وساندتهم، وبعكس جريدة المؤيد التي وقفت ضد اعتصاب الطلاب وهاجمتهم.

(٥) المنهج والأدوات

لقد حاول البحث أن يجد لنفسه منهجًا يمكِّنه من الوصول إلى أهدافه بيُسر ووضوح؛ فاختار المنهج التكاملي الذي يأخذ بحظٍّ من المناهج الأدبية المختلفة؛ كالفني والتحليلي والتاريخي والنفسي والوصفي، الأمر الذي يمكِّن الدراسة من استقصاء الظواهر المختلفة التي تناولها النص المسرحي، وهو ما يخدم أيضًا الأهداف التي تطمح إليها الدراسة. ومن أجل ذلك، ستقوم الدراسة بمعالجة عناصر المسرحية تبعًا لتعريف ومفهوم وسِمات المسرح التسجيلي، وذلك في ضوء الأحداث التاريخية الفعلية التي صاحبت اعتصاب طلاب الأزهر عام ١٩٠٩.

(٦) أهداف الدراسة

إذا كان لكل عمل علمي أهداف يطمح إلى التحقق منها، فقد اختار الباحث هذا الموضوع على وجه الخصوص، وهذه المسرحية وتلك القضية على وجه التحديد؛ وعُنِي بالمنهج والأدوات سالفة الذكر بغية الوصول إلى:
  • (أ)

    تتبع بواكير المسرح التسجيلي في مصر.

  • (ب)

    تبين سمات المسرح التسجيلي في مسرحية الأزهر وقضية حمادة باشا.

  • (جـ)

    استيضاح الفروق الفنية للأحداث بين الواقع التاريخي والإبداع الفني.

  • (د)

    استكشاف أسس المسرح التسجيلي بين التنظير والتطبيق.

ثانيًا: الدراسة التحليلية

(١) بواكير المسرح التسجيلي في مصر

لقد رصدت الدراسات التي دارت حول المسرح التسجيلي Documentry Theater ملامح هذا المسرح، وحددتها في كونه مسرحًا تقريريًّا يختار مادته من الصحف والأخبار والخطب والبيانات والإحصاءات … إلخ، ثم تُكتب أو تُعرض بصورة فنية بحيث لا تبدو المسرحية تسجيلًا خالصًا للوقائع والأحداث. وعملية اختيار المادة تتم تبعًا للموضوع الاجتماعي أو السياسي المشتمل على مضمون إنساني عامٍّ يعكس — بشكل ما — وجهة نظر الجماهير العريضة؛ أملًا في إبراز عنصر التهييج السياسي في إدانة موقف معين. ولا بد للمؤلف أن يكون محايدًا أمام الحادثة التاريخية، ويستطيع إبداء وجهة نظره الإيجابية في الحادثة بصورة غير مباشرة، من خلال اختيار الأحداث وطريقة ترتيبها، دون أن يجعل من نفسه قاضيًا على التاريخ.١٤
وإذا نُظِر في تاريخ المسرح المصري — من خلال هذا التعريف — منذ بدايته وحتى عام ١٩٠٦، فسيلحظ أن أقوى احتمال هو القول بأن معظم المسرحيات التي عُرِضت، أو التي نُشِرت في مصر في هذه الفترة لا ينطبق عليها تعريف المسرح التسجيلي. وهذا الحكم جاء بناءً على دراسة سابقة؛١٥ حيث إن المسرحيات في هذه الفترة تتنوع بين المسرحيات التاريخية، والمسرحيات المترجمة، والمسرحيات الكوميدية، والمسرحيات المعتمدة على التراث الشعبي … إلخ الأنواع المسرحية التي لا تُعزى للمسرح التسجيلي.
ويشذ عن هذا الأمر مسرحية واحدة هي مسرحية «أدهم باشا»،١٦ من الممكن تجاوزًا أن يُطْلق عليها مسرحية تسجيلية بناءً على ما بين يدي الدراسة من أخبار عنها؛ ففي مارس ١٨٩٧ نشبت الحرب بين تركيا واليونان، وانتهت بانتصار تركيا بقيادة أدهم باشا،١٧ وبعد انتهاء الحرب بقليل مُثِّلت مسرحية باسم «أدهم باشا» في بعض الأقاليم المصرية؛ ظهرت فيها قوة ومهارة الباشا في هزيمة اليونانيين، مما أثر على نفسية الجالية اليونانية في مصر، فحدثت مشاكل بينها وبين من قاموا بتمثيل هذه المسرحية. وفي سبتمبر ١٨٩٧، عزمت جمعية الاتحاد على تمثيل المسرحية مرةً أخرى بالمنصورة، فنبهتها جريدة المقطم إلى عواقب ذلك، وطالبتها بحذف ما يجرح مشاعر اليونانيين منها. وفي يناير ١٨٩٨، أرادت جمعية السراج المنير تمثيل المسرحية بالمسرح العباسي بالإسكندرية، ولكن محافظ المدينة وحكمدارها منعا تمثيلها رعايةً لمشاعر الجالية اليونانية في الإسكندرية.١٨

وبناءً على هذه الأخبار، يمكن القول إن هذه المسرحية تجاوزًا مسرحية تسجيلية؛ وذلك لأن الدراسة لا تملك الدليل على أن تأليفها جاء من خلال أقوال الصحف والتقارير الرسمية التي تحدثت عن هذه الحرب في هذا الوقت، كما أنها لا تملك الدليل على أن هذه المسرحية مؤلفة؛ لأنه من الممكن أن تكون مترجمةً عن التركية، ولا تملك أيضًا الدليل على أن مؤلفها مصري، فربما يكون تركيًّا. وأخيرًا لا يمكن الجزم أن هذه المسرحية منشورة؛ لعدم وجودها في فهارس دار الكتب أو في مقتنيات المركز القومي للمسرح، والأرجح أنها مسرحية مخطوطة ومفقودة. وهذه الأمور كلها لا تتوافر لها أدلة قاطعة لتثبت أن مسرحية «أدهم باشا» مسرحية تسجيلية بصفة نهائية. ويبقى الأمر مجرد احتمال يفتح طريقًا للبحث لتعقبه، أو ربما يتعقبه آخرون.

وإذا عادت الدراسة مرةً أخرى إلى تعريف المسرح التسجيلي ستجده مسرحًا يعبر عن وجهة نظر الجماهير العريضة؛ أملًا في إبراز عنصر التهييج السياسي في إدانة موقف معين. وهذا التعريف بهذا الوصف يحمل بين جنباته موانع رقابية لم تسمح بها أية رقابة مسرحية في مصر طوال تاريخها السياسي؛ فمن غير المعقول أن توافق الحكومة أو السلطة على عرض مسرحية تعبر عن الرأي العام للجمهور في قضية مُثَارة في الصحف بهدف التهييج السياسي وإدانة موقف معين؛ لأنه من المحتمل — بل من المؤكد — أن هذه الإدانة ستكون موجهةً إلى الحكومة أو السلطة الاستعمارية؛ ولهذا السبب ترجح الدراسة أن المسرح التسجيلي في مصر هو المسرح المرفوض رقابيًّا لأسباب سياسية أو اجتماعية.

وبالعودة إلى تاريخ المسرح المصري منذ نشأته حتى عام ١٩٠٦، وبالنظر إلى المسرحيات المرفوضة رقابيًّا؛ سيبرز جليًّا أنها مسرحيات مرفوضة لأسباب دينية، مثل مسرحية «يوسف» عام ١٨٩١، ومرفوضة لأسباب شخصية، مثل مسرحية «قطب العاشقين» عام ١٩٠١؛ حيث إنها تعرضت لشخصيات مهمة بالتجريح والتشويه،١٩ فضلًا عن مسرحية «أدهم باشا» — التي ذُكِرت قبلًا — مع التحفظ في الجزم بأنها مسرحية تسجيلية لما قِيل آنفًا.

وإذا كانت الدراسة قد جعلت من عنصر الزمان معيارًا لتعقب بواكير الريادة في المسرح التسجيلي، فاتخذت من عام ١٩٠٦ حدًّا للبحث عن ظهور المسرح التسجيلي في مصر، لكونها تعتقد أن هذا المسرح ظهر في مصر على يد حسن مرعي، عندما كتب مسرحيته «صيد الحمام» أو «حادثة دنشواي» عام ١٩٠٦. وهذا الاعتقاد — رغم عدم وجود النص وفقدانه حتى الآن — يرجع إلى المنطق وبعض الأخبار المتوفرة عن المسرحية، التي تشير إلى تطابق تعريف المسرح التسجيلي على هذه المسرحية.

فإذا كان المسرح التسجيلي هو مسرح تقريري يختار مادته من الصحف بصورة فنية؛ فإن مسرحية دنشواي لحسن مرعي أقرت حقيقة الحادثة — بدليل عنوانها «صيد الحمام» أو «حادثة دنشواي» — وقد اختار مؤلفها مادتها من الصحف؛ لأنه كان في ذلك الوقت صحافيًّا يمتلك مجلة الصحائف. ولا توجد صحيفة في ذلك الوقت لم تتحدث عن حادثة دنشواي.٢٠ وقد قام المؤلف بصياغة مادته الصحفية بصورة فنية، بدليل أن الجنس الأدبي الذي خرجت فيه هو الأدب المسرحي، أي لا بد من وجود شخصيات وحوار وحدث وزمان ومكان … إلخ، وهذا كله يؤكد أن صياغة المادة جاءت بصورة فنية تبعًا لقواعد الكتابة المسرحية.

وإذا كان المسرح التسجيلي يعكس — بشكل ما — وجهة نظر الجماهير العريضة، أملًا في إبراز عنصر التهييج السياسي في إدانته موقفًا معينًا تبعًا لتعريفه. إذا كان الأمر كذلك فإن الدراسة لاحظت أن مسرحية دنشواي لحسن مرعي عبَّرت عن وجهة نظر الجماهير المصرية في ذلك الوقت، وأدانت المحاكمة والاستعمار ودور اللورد كرومر. والدليل على ذلك — رغم عدم وجود النص بين يدي الدراسة — أن المسرحية مُنِعت من التمثيل بأمر من الحكومة والاستعمار. وكفي بالدراسة للتدليل على ذلك ذكرُ قول جريدة اللواء بتاريخ ١٢ / ٧ / ١٩٠٦: «منعت الحكومة تمثيل رواية «حادثة دنشواي» التي سبق الإعلان عن تمثيلها يوم ١٩ أغسطس القادم في تياترو حديقة الأزبكية بمعرفة حسن أفندي مرعي؛ حتى لا تزيد الناس أشجانًا، والقلوب أحزانًا، بعرض أفظع مظهرٍ من مظاهر القسوة والجبروت.»

لم يبق أمام الدراسة غير التحقق من أن مسرحية «دنشواي» لحسن مرعي اشتملت على عنصر التهييج السياسي. وهذا الأمر لا بد فيه من الاطلاع على نص المسرحية، وهذا أمر ليس متاحًا الآن، ولكن — لحسن الحظ — أن عبد الحليم دولار٢١ ألف قصةً بعنوان «حِمَام أم حَمَام دنشواي»؛ كتَب في مقدمتها المؤرخة في ٢٠ / ٧ / ١٩٠٦ — مقارنًا بين عمله وبين عمل آخر يدور حول حادثة دنشواي — قائلًا: «… ولم يكن القصد من وضعها — أي قصته — إلا التفكُّه بمطالعتها وقت الخلوِّ من العمل، وليس لباعث سياسي يحرك مكامن القراء، ويوقظ في قلوبهم مرامي الهيجة كما خاض البعض في بحار السياسة، فجمع روايته٢٢ على مبدأ يخالفني تمامًا، والفرق بين خطتي والخطة التي سلكها بعيدٌ بمراحل شاسعة.»٢٣
وعلى الرغم من عدم ذكر العمل الآخر الذي يقارن عبد الحليم دولار عمله به، إلا أن كلامه يخص مسرحية «حادثة دنشواي» لحسن مرعي، والدليل على ذلك عدم وجود أي عمل قصصي أو مسرحي يخص حادثة دنشواي قبل صدور قصة دولار غير مسرحية «حادثة دنشواي» لحسن مرعي.٢٤ وبناءً على ذلك يُعْتبر كلام عبد الحليم دولار دليلًا قويًّا على أن مسرحية «دنشواي» لحسن مرعي كانت تشتمل على عنصر التهييج السياسي، وبذلك يتطابق تعريف المسرح التسجيلي على مسرحية «حادثة دنشواي». وبناءً على ما سبق، يمكن القول — وبتحفظ شديد — إن حسن مرعي يُعْتبر أحد رواد المسرح التسجيلي في مصر، إن لم يكن الرائد بالفعل.

(٢) سمات المسرح التسجيلي في مسرحية الأزهر

على الرغم من التحفظ الشديد في القول بأن حسن مرعي يُعْتبر من رواد المسرح التسجيلي في مصر — إن لم يك رائده بالفعل — بناءً على مسرحيته «دنشواي» المفقودة؛ فإن هذا التحفظ له وجه آخر عندما تتناول الدراسة مسرحيته الثانية «الأزهر وقضية حمادة باشا» عام ١٩٠٩؛ وذلك لأن نص المسرحية بين يدي الدراسة، ثم يمكن اختبار معايير المسرح التسجيلي من خلالها — كما مر ذكره آنفًا — خصوصًا تعريف المسرح التسجيلي. ولكن المُلَاحظ على هذا التعريف أنه جاء بصورة جامعة لسمات عديدة أوردتها الدراسات السابقة عن المسرح التسجيلي. وطالما النص في حوزة الدراسة الآن، فيجب عليها عدم الاكتفاء فقط بتطبيق تعريف المسرح التسجيلي عليه، بل يجب عليها التحقق من توافر سمات المسرح التسجيلي فيه؛ لذلك فإنه من المفيد لمنهج البحث أن تكون الخطى منظمةً من خلال نقطتين؛ أُولاهما: عرض ملخص عام لفصول العمل المسرحي المناط بالتحليل، وثانيتهما: اختبار السمات الفنية للمسرح التسجيلي من خلال النص المسرحي المتاح بين يدي الدراسة على النحو التالي:

(أ) ملخص عام للمسرحية

تقع مسرحية حسن مرعي «الأزهر وقضية حمادة باشا» عام ١٩٠٩ في أربعة فصول. أدار أحداث الفصل الأول في ساحة الدرس بالأزهر الشريف من خلال حوار بين الطلاب والعلماء حول مطالب مشروعة من قبل الطلاب؛ يطالبون فيها بتحسين أحوالهم الدراسية والمعيشية التي ساءت بسبب فرض قانون جديد طُبِّق عليهم في الأزهر. وتصاعدت وتيرة الحوار بينهم لتصل إلى درجة اتهام الحكومة والخديوي بسرقة أموال أوقاف الأزهر، وحرمان الأزهريين من حقهم فيها. وينتهي الحوار بإعلان الطلبة اعتصابهم؛ أي امتناعهم عن حضور الدروس في الأزهر حتى تُجاب مطالبهم.

وأمام هذا الاعتصاب يجتمع شيخ الأزهر مع علماء وشيوخ الجامع لمعالجة هذا الأمر، ويُفْهم من الحوار أن شيخ الأزهر قدم مطالب الطلاب إلى أولي الأمر، ولكنهم لم يستمعوا إليه ولم يهتموا بالأمر بسبب تدخل الغرباء في شئوننا — على حد قول المسرحية — ويقصد بذلك الإنجليز. وعندما يلمح أحد الشيوخ بأن الأزهر من اختصاص الخديوي شخصيًّا ولا دخل للإنجليز في أموره يتصاعد الحوار، ويبين — بصورة تهكمية — أن الخديوي لا يهتم بالأزهر بقدر اهتمامه بتجارته وزراعته الخصوصية، واستبدال أراضيه بأملاك أخرى من الأوقاف، والاحتفاظ بأموال الأوقاف المخصصة للأزهر في خزانته الشخصية. وفي هذا الوقت تأتي الأخبار بأن اعتصاب الطلبة وصل إلى درجة الهياج والثورة، فيقوم شيخ الأزهر بطلب قوة عسكرية للمحافظة على الأمن.

وتنتقل الأحداث في الفصل الثاني إلى قصر عابدين لنرى اجتماعًا بين شيوخ الأزهر ورئيس الوزراء وبعض الوزراء المعنيين. وفي هذا الاجتماع نعلم أن الخديوي متغيب لتفقُّد مزارعه الخاصة، فيطلب شيخ الأزهر من رئيس الوزراء التصرف في أمر اعتصاب الطلبة، فيرد عليه بأنه اكتفى بوجود القوة العسكرية التي تحيط بالجامع الأزهري، وهنا تثور ثورة شيخ الأزهر على الجميع لعدم اكتراثهم بالأمر بالصورة المطلوبة، كما أظهر استياءه من وجود هذه القوة العسكرية التي أحالت الأزهر إلى ساحة حرب لا ساحة علم ودين. وأثناء هذا النقاش تُسْمع أصوات طلبة الأزهر خارج أسوار قصر عابدين مطالبين بحقوقهم المهضومة، بعد أن قاموا بمظاهرة سلمية واصلت طريقها إلى قصر عابدين، فيقوم رئيس الوزراء بإبلاغ الجموع المحتشدة من الطلاب بأن الخديوي سوف ينظر في مطالبهم قريبًا؛ وذلك تسكينًا لثورتهم.

وتنتقل الأحداث بعد ذلك إلى ساحة حديقة عامة بالجيزة اجتمع فيها الطلاب المعتصبون، ووقف بينهم خطيب ألقى خطبةً حماسيةً؛ أبان فيها مطالب الأزهريين، كما أبان عيوب النظام الجديد الذي طُبِّق في الأزهر، ومن ذلك: أن العلوم الدراسية المستحدثة في الأزهر أُحِيل تدريسها إلى أساتذة غير أكْفاء، هذا بالإضافة إلى زيادة عدد الساعات الدراسية، حتى إن الطالب لا يجد وقتًا لدراسة ما هو مقرر عليه، كما أن الفقر يزداد يومًا بعد يوم على طلاب الأزهر، لدرجة أن الطالب لا يجد ثمن الكتب والأدوات المدرسية؛ وذلك بسبب نهب الحكومة لأموال الأوقاف الأزهرية. ويطالب هذا الخطيب رجال الفكر والثقافة والصحافة ونواب الأمة وأعضاء الجمعية العمومية بالوقوف بجانبهم حتى تجاب مطالبهم، ثم تتوالى الخطب الحماسية بعد ذلك من قبل الطلاب؛ لتبيِّن أمورًا كثيرةً وشروحًا أكثر حول هذه المطالب.

وفي الفصل الثالث، تسير هذه الجموع الحاشدة من الطلاب المعتصبين في شوارع القاهرة في مظاهرة سلمية منظمة، في حماية قوة عسكرية تسير بجانبهم، وهم يهتفون بإحياء الإسلام والدين والأزهر والطلبة والخديوي وجريدة اللواء. وعندما وصل الطلاب بمظاهرتهم إلى شارع محمد علي وأمام مبنى جريدة المؤيد، قام عمال المؤيد برشقهم بالحجارة، فشهد هذا الأمر رئيس القوة العسكرية، ووعد الطلاب بأنه سيكون شاهدًا على هذه الواقعة، وتدور مناقشات داخل دار المؤيد بين صاحبه الشيخ علي يوسف،٢٥ وبين مديره سركيس،٢٦ انتهت بقيام سركيس بإبلاغ المحافظة أن الطلاب يرشقون مبنى الجريدة بالحجارة، ويطالبهم بإرسال قوة عسكرية لحماية المبنى ومَن فيه. وفي الجانب الآخر، تدور مناقشة بين طالبينِ يُفْهم منها أن صاحب المؤيد كان السبب في إفساد الأمر بين الأزهر وبين الخديوي، كما أنه كان مدافعًا عن الأميرة نازلي هانم فاضل؛٢٧ عندما أهانت المصريين بقولها: إن المصري لا يساوي ثمن الحبل الذي يُشْنق به.
وفي أثناء ذلك يهتف الطلاب بسقوط المؤيد وصاحبه، ويقومون برشق عمال المؤيد بالحجارة التي تساقطت عليهم، فيحدث هرج ومرج بين الطلاب والقوة العسكرية المصاحبة لهم، وتأتي قوة عسكرية أخرى فتهاجم جموع الطلبة، فتقوم معركة شديدة بين البوليس والطلبة، انتهت بالقبض على ثلاثة من الطلاب وثلاثة من عمال المؤيد، ولكن العمال تم الإفراج عنهم سريعًا. أما الطلاب فزُجَّ بهم في السجون. وينتقل المشهد بعد ذلك إلى خارج جامع الأزهر لنرى قوةً من البوليس تحوطه وتحرس أبوابه، وتمنع الطالب من دخوله طالما لا يحمل بيده تذكرة الدخول، ونعلم من مناقشات الطلاب أن مجلس الوزراء برئاسة الخديوي اجتمع أمس، وقرر السماح فقط لطلاب السنتين الأولى والثانية بدخول الأزهر، ومنع طلاب السنتين الثالثة والرابعة من دخوله؛ لأنهم أساس الاعتصاب، مع شطب أسمائهم وصفتهم الأزهرية؛ لتُطَبق عليهم لائحة القرعة العسكرية ويتم تجنيدهم، كما قرر المجلس انتداب خليل باشا حمادة — مدير الأوقاف٢٨ — ليكون مشرفًا على الأزهر.

وفي الفصل الرابع والأخير، تنتقل الأحداث إلى داخل الأزهر؛ لنرى المدرسين وسط طلابهم مع وجود المفتشين والملاحظين وحجاب ديوان الأوقاف ممسكين بقضبان الخيزران وآلة التعذيب (الفلقة)؛ متحرشين بالطلبة في وجود دولار بك والشيخ عاشور، وهما من أعوان خليل حمادة باشا، الذي يتحدث معهما عن وجوب اتباع الشدة مع الطلاب المتمردين، فتتوجه مجموعة من الطلبة إلى الباشا مطالبين السماح لزملائهم الممنوعين بدخول الأزهر لاستكمال تعليمهم، فيحتدم النقاش بينه وبينهم، وينتهي بحبسهم في الرواق العباسي. ويقوم أعوان الباشا بوضع كل طالب متمرد في هذا الرواق الذي أصبح سجنًا داخل الأزهر، فتحدث ثورة بين الطلاب خارج الرواق، فيقوم الباشا وأعوانه بضرب مجموعة من الطلاب بالفلقة في صحن الجامع وأمام أعين زملائهم، فيشتد الأمر هياجًا بين الجميع، فيستصدر الباشا أمرًا بإدخال القوة العسكرية إلى الجامع، ويأمر جنودها بالقبض على كل طالب مهيج، وأن يضربوا كل عاصٍ. وبذلك تنتهي المسرحية.

(ب) اختبار معايير المسرح التسجيلي من خلال المسرحية

أولًا: ملمح التقرير

من سمات المسرح التسجيلي في اختيار مادته أنه مسرح تقريري، يختار مادته من المقالات الصحفية والخطب والسجلات والمحاضر والتقارير والمقابلات والتصريحات … إلخ كل مادة وثائقية، بحيث يكون الاختيار مركزًا على قضية اجتماعية أو سياسية من أحداث الماضي ووقائع التاريخ، بحيث تشتمل القضية على مضمون إنساني عام يعكس وجهة نظر الجماهير العريضة.٢٩

وهذه الأمور متوفرة في مسرحية «الأزهر وقضية حمادة باشا»؛ حيث إنه نص يقر بحادثة تاريخية معاصرة حقيقية وقعت قبيل تأليف النص بأيام قليلة، بل وتمت كتابة النص أثناء وقائع الحادثة، كما سنرى فيما بعدُ. ومادة النص المسرحي مختارة من أقوال الصحف المصرية التي غطت الحادثة بتفاصيلها عام ١٩٠٩، وبالأخص صحف الجريدة واللواء والمؤيد، بالإضافة إلى بعض المنشورات الرسمية والخطب الحماسية، كما سيُعْرَض في البحث عند الحديث عن الفروق الفنية لأحداث الأزهر بين الواقع والإبداع.

كما أن قضية اعتصاب طلاب الأزهر من القضايا الاجتماعية والسياسية التي هزت الرأي العام عام ١٩٠٩، وهي قضية اشتملت على مضمون إنساني عام؛ عكست وجهة نظر الجماهير العريضة. وكفي للتدليل على ذلك الكمُّ الهائل من التلغرافات والرسائل المنشورة في الصحف التي يناشد فيها أصحابها الخديوي عباس حلمي الثاني، ومجلس الأمة، ورئيس الوزراء بطرس غالي، بالنظر بعين الرحمة والإنصاف في الاستجابة لمطالب طلاب الأزهر. وهذه التلغرافات والرسائل كانت مرسلةً من قبل الأعيان والمحامين، وضباط الجيش، وعلماء الأزهر، وأعضاء محفل الصدق العثماني، وتجار وأعيان فاقوس، وزفتى، والمنصورة، وشبرا اليمن، وقليوب، وبني سويف، والمنيا، وقنا، وأسيوط، والفيوم.٣٠

ثانيًا: ملمح معالجة الأحداث بصورة فنية

ومن سمات المسرح التسجيلي في معالجته لمادته التوثيقية أنه يقوم بمسرحتها بصورة فنية في الشكل دون تغيير في المحتوى؛ وذلك حرصًا على القيمة الفنية إلى جوار الواقعة التاريخية، بحيث لا تبدو المسرحية تسجيلًا خالصًا للوقائع والأحداث. ويتم ذلك بأساليب فنية عديدة؛ منها: تنظيم الأخبار، أو وضع مقتطفات من الأخبار في مقاطع دقيقة التوقيت، أو استبدال اللحظات القصيرة من الحدث الحقيقي بوحدات طويلة ومعقدة، أو تركيب موقف اعتمادًا على قول مقتبس أو مقولات مضادة، أو تحول الأقوال والأحاديث إلى أشكال فنية أخرى، أو استخدام المونولوج والحلم والرجوع إلى الخلف من أجل كشف سلوك معين.٣١
  • (١)
    المادة التاريخية: والشواهد على ذلك كثيرة في النص المسرحي؛ حيث إن المؤلف قام بمسرحة مادته التوثيقية بصورة فنية مع احتفاظه بمحتوى الحقيقة التاريخية؛ وذلك عندما نظم الأخبار الصحفية في شكل مسرحي تنظيمًا منطقيًّا في الأحداث أخضعه للمنهج الفني. ويتضح ذلك من ملخص المسرحية سالف الذكر، ومقارنته بملخص القصة التاريخية لاعتصاب الطلاب، كما سيأتي في الجزء الخاص بالفروق الفنية لأحداث الأزهر بين الواقع والإبداع.
  • (٢)
    استغلال مقتطفات الأخبار: قام المؤلف بوضع مقتطفات من الأخبار في مقاطع دقيقة التوقيت في نصه المسرحي. وهذا أمر له شواهده في النص المسرحي، ومثال على ذلك: المناقشة التي دارت بين شيخ الأزهر وأعوانه حول اعتصاب الطلاب في أول الأمر. ومن هذه المناقشة هذا الموقف:
    آخر: قلت يا فضيلة الشيخ أنك كثيرًا ما عرضت أمرنا على أولي الأمر، أو بالأحرى على جناب خديوينا المعظم، فما كانت النتيجة؟
    الشيخ: إن مولانا المعظم ليس خاليًا لنا، ولا لمصلحة معهدنا ولا لمصلحة الأزهريين التي أصبحت من خصائصه وشأنه الخاص.
    عالم: وما الذي يشغله عن مصالحنا؟ فلعلها أمور سياسية لمصلحة بلاده العامة، وقد تكون خيرًا لنا.
    الشيخ: لا، مولانا — حفظه الله — لا يشغله هذا الأمر، بل تشغله أمور أخرى.
    عالم: وما هي؟ أمشتغل بالسعي في مطالبة الأوقاف بإبدال بعض أراضيه المجهول مكانها وقيمتها بأراضٍ أخرى في الجزيرة أو في وسط عاصمة البلاد؟
    الشيخ: وغير ذلك! فإن ما يشغله عن مصلحة الأزهر وغيره من مصالح الأمة اشتغالُ سُموِّه بالتجارة وزراعاته الخصوصية.٣٢

    وهكذا يتضح للدراسة أن المؤلف وضع بعض مقتطفات من حقائق التاريخ ومن أقوال الصحف حول هذه الأزمة في توقيت دقيق للغاية. فبدلًا من اهتمام الخديوي الذي يرأس المجلس الأعلى للأزهر بأمر اعتصاب الطلاب، نجده يهتم بأموره الشخصية من تجارة وزراعة واستبدال الأراضي. واختيار هذه الأمور في هذا التوقيت له دلالته السياسية والاجتماعية، كما سيتضح — فيما بعد — عند الحديث عن فنية عنصر الإضافة.

  • (٣)
    استبدال اللحظات القصيرة بوحدات طويلة: لجأ المؤلف إلى استبدال اللحظات القصيرة من الحدث الحقيقي بوحدات طويلة ومعقدة، فأهم شاهد على ذلك معالجته لزيادة مرتبات المدرسين بالأزهر، وهو أحد مطالب الاعتصاب الأزهري. وقد ذكرت الصحف هذا المطلب بأكثر من صورة؛ منها: «… أن تكون مرتبات المدرسين على الأقل مثل مدرسي المدارس الابتدائية الأميرية.» أو «… أن غلاء جميع حاجات العيش يدعو إلى جعل مرتبات العلماء غير كافية بحاجتهم.» أو «… أن مرتبات علماء الأزهر ومدرسيه في الحقيقة قليلة جدًّا، بل هي لا تكاد تُذْكر في جنب مرتبات أساتذة أصغر مدرسة في العالم.»٣٣ وهذا الأمر الذي لم يستغرق سوى سطر أو سطرين في الصحف عالجه المؤلف في مسرحيته بصورة فنية، من خلال حوار طويل هذا جزء منه:
    طالب: وعلى هذا؛ أيمكن لسيدي أن يخبرني عن مرتبه الذي يتقاضاه قيامًا لما يقوم به من الأعمال الجليلة؟
    عالم: لنَدَعْ مقدار المرتب الذي لا يُذْكر، ونبشِّركم بأنه وإن كان مرتبنا قليلًا جدًّا؛ فإن لنا مكافآت متوالية نأخذها عند نجاحنا في كل امتحان!
    طالب: وما هي مدة كل امتحان؟ وما هو مقدار المكافأة؟
    عالم: أما المدة فهي قصيرة جدًّا، وهي سنتان أو ثلاث بالأكثر، ومقدار المكافأة فعظيم جدًّا؛ وهو جنيه واحد إنكليزي يُخْصم منه ستون غرش ثَمَنُ استمارات ورسوم للامتحان، والباقي وهو الأربعون قرش إلا قرشي ونصف لنا خاصةً. بارك الله لنا فيها. وقد نصَّت اللائحة أن هذه المكافأة لم تُعْط إلا تشجيعًا للاجتهاد على العمل، والإقدام في خدمة الدين الإسلامي.٣٤
  • (٤)
    تركيب المواقف اعتمادًا على المقتبس: عُنِي حسن مرعي بتركيب مواقف اعتمادًا على قول مُقتَبَس، والشاهد الأبرز على ذلك من المسرحية ما جاء على لسان أحد الطلبة في خطبته أمام زملائه من المعتصبين قائلًا: «إخواني … اسمعوا مني هذه الكلمة الأخيرة، وهي أنه إذا أرسلت لكم الإدارة للتفاوض مع لجنة مخصوصة، فلا تُفَعِّلوا هذه اللجنة بالمرة، كما لا تُفَعِّلوا رئاسة لجنة الإصلاح الأزهري، إلا إذا كانت مسندةً إلى صاحب الفضيلة قاضي مصر، وأعضاؤها: الشيخ بخيت، وحسن مدكور باشا، وإبراهيم رفعت باشا، ومجدي بك؛ المستشار بالاستئناف، وإبراهيم ممتاز باشا، وحسن جلال بك، على شرط أن تُنْشر المناقشات على صفحات الجرائد يوميًّا. فإذا نفَّذت اللجنة طلباتنا كان بها، وإلا فنحن باقون على ما نحن عليه من المظاهرات.»٣٥
    والجدير بالذكر أن الأسماء الواردة هنا مقتبسة مما أوردته الصحف المصرية حول تشكيل لجنة فحص مطالب المعتصبين؛ فعلى سبيل المثال: طالب المعتصبون أن اللجنة تضم ضمن أعضائها الأسماء الآتية: الشيخ محمد بخيت، والشيخ عبد الكريم سلمان، والشيخ محمد الطوخي، ومحمود بك عبد الغفار، وعبد العزيز بك فهمي المحامي، وعمر بك لطفي. أما اللجنة في صورتها النهائية فقد شكلها الخديوي من: الشيخ محمد أبو الفضل؛ وكيل مشيخة الأزهر، والشيخ عبد الغني محمود؛ عضو مجلس الإدارة، والشيخ أحمد نصر؛ وكيل رواق الصعايدة، والشيخ علي الفزاني؛ شيخ رواق المغاربة، وإبراهيم بك ممتاز؛ مندوب الداخلية، وحسن بك جلال؛ مندوب الحقانية.٣٦
  • (٥)
    تركيب المواقف بالاعتماد على المقولات المضادة: أما من حيث قيام المؤلف بتركيب موقف اعتمادًا على المقولات المضادة، فخير شاهد على ذلك قول أحد المعتصبين في خطبته أمام الطلبة: «… واحذروا من في الظاهر يتظاهر بالميل لكم، وفي الباطن يدس لكم الدسائس ليفشل مسعاكم. ولكن لا أخشى أن أقول إنه خاب مسعاهم، وساء حالهم، فنحن رجال لا تؤثر فينا الدسائس.»٣٧ وهذا الموقف من الخطيب جاء به المؤلف مركبًا من مقالة كتبها أحمد علي المنشاوي تحت عنوان: «دس الدسائس ودفع المفتريات في الأزهر»، قال فيها على سبيل المثال: «علمنا من ثقة أن بعض الخائنين لأمتهم يرسلون أناسًا إلى المساجد يؤذون العلماء ليُنْسب ذلك إلى الطلبة، ويقصدون بذلك تثبيط هممهم، والضرب على مطالبهم.»٣٨ كما جاء في مقالة أخرى هذا القول: «… ثم علم الطلاب من جهة أخرى أن يدًا خفيةً حركت بعض صنائعها على إهانة بعض المدرسين؛ لإلقاء تبعة الاضطراب على المتظلمين، فتنبَّه الطلاب إلى ذلك.»٣٩
  • (٦)
    تحويل الأقوال والأحاديث إلى أشكال فنية: وأما من حيث قيام المؤلف بتحويل الأقوال والأحاديث إلى أشكال فنية أخرى، فهذا أمر واضح في المسرحية، وخير دليل على ذلك تحويل بعض المقالات المنشورة في الصحف إلى خطب حماسية ألقاها الطلبة في المسرحية.٤٠ وكذلك تحويل نشرات الأزهر الرسمية وقرارات المجلس الأعلى للأزهر المنشورة في الصحف إلى حوار فني بين شخصيات المسرحية.٤١

    وهذا الأمر سيتضح أكثر عندما تتعرض الدراسة إلى الحديث عن الفروق الفنية لأحداث الأزهر بين الواقع والإبداع.

  • (٧)
    ظاهرة الرجوع للخلف: لقد لجأ المؤلف لفكرة الرجوع إلى الخلف من أجل كشف سلوك معين، فخير دليل على ذلك من المقالات المنشورة في الصحف قيام الطلبة في مظاهرتهم بالهتاف ضد جريدة المؤيد، وضد صاحبها الشيخ علي يوسف.٤٢ فيقوم المؤلف بصورة فنية بتفسير هذا الأمر بأسلوب الرجوع إلى الخلف تاريخيًّا؛ وذلك عن طريق قول طالب مع آخر أثناء المظاهرة قائلًا له: «لندع يا أخي صاحب المؤيد وشأنه، بعدما تحقق لنا أن هذا الرجل هو الذي قد أثار غبار مسألتنا الأزهرية بدسائسه وسوء قصده، بما ألقاه من المنشورات المفسدة على مسامع سمو خديوينا المعظم.»٤٣ وهذا الأمر تثبته مقالات المؤيد التي نُشِرت قبل إثارة مسألة الاعتصاب في الأزهر تمجيدًا في قانون الأزهر الجديد؛٤٤ ذلك القانون الذي رفضه الأزهريون واعتصبوا من أجل إلغائه.
figure
جريدة المؤيد.

ثالثًا: ملمح العناية بالقضية الاجتماعية والسياسية

من سمات فنية المسرح التسجيلي أن كاتبه يُعنى في المقام الأول بالقضية الاجتماعية والسياسية، ولا يحفل كثيرًا بالفرد من حيث وجوده الذاتي. وبالرغم من ذلك، فإنه يضفي لمسات إنسانية مؤثرة على الموضوع العام، من خلال تصويره بعض لوحات من مآسي الأفراد، ويحاول كذلك أن يغطي على المعالجة المباشرة بكثير من السخرية الطريفة ذات الدلالة الاجتماعية والسياسية.٤٥
  • (١)
    التركيز على القضية العامة: وهذا الأمر قام به المؤلف خير قيام، خصوصًا عندما اهتم بقضية الأزهر واعتصاب طلابه أكثر من اهتمامه بالأفراد؛ فعلى سبيل المثال: لا يوجد حوار في المسرحية يقوم به شخصيات ذات أسماء محددة إلا في موضعين اثنين.٤٦
    وكان حوار المسرحية في مجملها يدور بين طالب وطالب، أو بين طالب وعالم، أو بين عالم وملاحظ، أو بين ملاحظ ومفتش، أو بين مفتش وشيخ، أو بين شيخ وناظر، أو بين ناظر ورئيس … إلخ. ولم نجد اسمًا لطالب أو لعالم أو لملاحظ أو لمفتش طوال المسرحية؛ وذلك على الرغم من ذكر الصحف لبعض هذه الأسماء، ومنها: عبد الظاهر محمد، أحمد علي المنشاوي، علي أحمد الجرجاوي، أبو زيد، سليمان نوار، محمد قنديل، محمد زهدي الخماس، أحمد نديم، مسعود فراج، حامد مطاوع، عبد السلام المليجي، سليمان فهمي، فهيم قنديل، محمد منصور، حسن موسى، محمد خاطر.٤٧
  • (٢)
    إضفاء اللمسات الإنسانية: عُنِي المؤلف بإضفاء لمسات إنسانية مؤثرة على الموضوع العام، من خلال تصوير بعض لوحات من مآسي الأفراد؛ فقد حقق المؤلف هذا الأمر عندما قال طالب لآخر واصفًا زملاءه المقبوض عليهم بسبب الاعتصاب: «وقد قضينا ليلة الحادثة والأسف ملء قلوبنا على الثلاثة الأبرياء الذي قُبِض عليهم وزجوا في أعماق السجون … وكان الغرض بلا شك استعمال كل قسوة زائدة، وتشديدًا بتكسير هؤلاء المساكين، وذلك إرهابًا لباقي المعتصبين.»٤٨
  • (٣)
    استخدام السخرية للبُعد عن المباشرة: لجأ المؤلف إلى استخدام السخرية الطريفة من أجل التغطية على المعالجة المباشرة؛ فخير مثال على ذلك في المسرحية ما قاله شيخ الأزهر لرئيس الوزراء، عندما انشغل الخديوي بأعماله الخاصة غير مُبالٍ باعتصاب الطلبة: «وهل تظنون سعادتكم أن مولانا الخديوي — حفظه الله — يأتي مسرعًا على إثر وصول تلغرافكم، ويترك أعماله الزراعية الخصوصية التي لولاها لرأينا سُموَّه قد تفرَّغ إلى نُصرة العلم وتعضيد المشروعات الدينية، بل ورأيناه ندِيَّ الكفِّ، مُطلق اليسار بالعطا والجود للمشروعات الخيرية.»٤٩

رابعًا: ملمح تواري الرأي الشخصي

ويُقصد بملمح تواري الرأي الشخصي أنَّ كاتب المسرح التسجيلي يعي تمامًا أن رأيه الشخصي لا أهمية له بخصوص المشاكل التي يعالجها؛ حيث إنه ليس من حقه أن ينصِّب نفسه قاضيًا على التاريخ. ومهما كانت درجة وعيه والتزامه بهذه الحقيقة، فإنه في النهاية ورغمًا عنه لا يستطيع إلا أن يكون إيجابيًّا في مواجهة الحادثة التاريخية التي يعرضها. وإن كان ذلك لا يبدو لنا مباشرةً، وإنما من خلال اختيار الأحداث وطريقة ترتيبها.٥٠

وهذا الأمر له وجود فعلي في المسرحية؛ حيث إن الدراسة لم تجد قولًا مباشرًا للمؤلف — على لسان شخصياته — يفيد صراحةً أنه مع الحكومة ضد اعتصاب الأزهريين، أو أنه مع الأزهريين ضد الحكومة. وبالرغم من ذلك، فالقارئ يستشعر من اختيار الأحداث التاريخية وترتيبها — وفقًا لأحداث الاعتصاب كما جاءت في الصحف المصرية — أن المؤلف كان له موقف إيجابي من هذه القضية، وهو الموقف الذي أعلنه الرأي العام بأحقية طلبة الأزهر في مطالبهم. وهذا الأمر سيتضح أيضًا عند الحديث عن الفروق الفنية لأحداث الأزهر بين الواقع والإبداع.

خامسًا: ملمح تجلية الموقف السياسي للجماهير

ومن سمات أهداف المسرح التسجيلي أنه يدعو الجماهير إلى التهييج السياسي لإعادة النظر في القضية المختارة من أجل التغيير، ويقف ضد كل الفئات التي يهمها خلق ذلك الجو السياسي المضبب والمظلم والمزيف الذي يقف ضد ميول أغلبية الجماهير، ويعكس رد الفعل تجاه الأوضاع الحاضرة مطالبًا بتوضيحها؛ لذلك فإن أغلب موضوعاته لا يمكن أن تقود إلا إلى إدانة موقف معين، باعتبار هذا الموقف جريمةً من طرف واحد.٥١
  • (١)
    التهييج السياسي: وهذا الأمر متوفر في النص المسرحي؛ حيث إن المسرحية تدعو الجماهير أو القراء إلى التهيج السياسي. وهذا يتضح من ذلك الحوار الذي جاء قبيل الاعتصاب بين طالب وأستاذه العالِم من أجل تغيير الوضع الراهن:
    عالم: وما بال إخوانكم متهيجين، وأراهم ليسوا براضين عما يلقيه عليهم حضرة المدرس؟
    طالب: لعلهم يتفكرون في مطالبهم التي طالما طالبوا بها من زمن بعيد ولم يُصغِ لقولهم أحد!
    عالم: وأي شيء يطلبون؟ … وهل هذا الوقت هو مُعدٌّ لتقديم طلبات؟ … وهل بمثل تلك الغوغاء يؤمِّلون الالتفات إلى مطالبهم؟
    طالب: وبأي كيفية يطلبون مطالبهم الحقة إذا لم يفعلوا ما هم فاعلون الآن من الغوغاء وتهييج الأفكار؟٥٢

    وهكذا يستمر الحوار وتتصاعد وتيرته، فيطلب العالم أحد المفتشين لتهدئة الأمر، فيأتي الحوار:

    مفتش: إن لم تجلسوا مختارين أجلسناكم مجبرين.
    طالب: أتجبروننا بالقوة على الجلوس؟ فإذا كان كذلك فنحن أقوى منكم بالنسبة لعددنا!
    مفتش: في أقل من لمح البصر أحضرنا قوة الحكومة، عندها تعلموا يا ذا الهفوة أن الحق مع القوة.
    طالب: كلا يا حضرة المفتش؛ ليس الحق مع القوة، فإن القوة مع الحق. ومع ذلك، فها أنا أول من ينادي على إخواني بالاعتصاب والإيقاف عن العمل إن لم يُجِيبوا مطالبنا (يقف على مقعد عالٍ وينادى بصوت جهوري): يا إخواني الطلبة، ويا من تجمعني وإياكم أكبر كلية دينية، ويضمنا أعظم معهد علمي، أشير عليكم بالاعتصاب والانقطاع عن دروسكم حتى تُجَاب مطالبنا الحقة، أو خير لنا ترك هذا المعهد غير آسفين، ما دمنا بهذا الشكل السيئ والضنك والبؤس.
    طلبة: نعم، نعم، فهذا خير لنا … وها نحن يد واحدة معتصمين بحبل الله جميعًا؛ فإن القوة في الاتحاد.٥٣
    وهذا الحوار وغيره مما جاء في المسرحية كان القصد منه تهييج القارئ أو المشاهد سياسيًّا؛ لإعادة النظر في قضية إصلاح الأزهر، وتبني رأي الأزهريين في مطالبهم الحقة، خصوصًا وأن المسرحية نُشِرت أثناء ذروة أزمة الأزهريين. وكان المؤلف يأمل في تمثيلها أيضًا ولكن الحكومة منعت تمثيلها، كما بينت الدراسة. وكدليل على أن مطالب الأزهريين حقوق مهضومة قول أحد العلماء في مجلس الوزراء، عندما سمع أصوات الأزهريين خارج قصر عابدين: «اسمعوا … اسمعوا، ثم انظروا من هذه النوافذ تروا بأعينكم، وتسمعوا بآذانكم صراخ هذا الجمع المحتشد الذي تجمع للمطالبة بحقوقه المهضومة، فها قد حضروا للمطالبة بأنفسهم بحقوقهم من سمو الأمير.»٥٤
  • (٢)
    تجلية ضبابية الموقف: وأما من حيث إن المسرحية تقف ضد كل الفئات التي يهمها خلق ذلك الجو السياسي المضبب والمظلم والمزيف، الذي يقف ضد ميول أغلبية الجماهير؛ فإن الشاهد على ذلك من المسرحية قول شيخ الأزهر لمجلس الوزراء، أثناء التباحث في أمر الاعتصاب وتنصُّل الوزراء من الأمر؛ لأنه بيد الخديوي المتغيب عن العاصمة لمباشرة أموره الخاصة: «ما هذا الكلام يا نظار حكومتنا؟ وكيف لا تعلمون وقد أُلْقِيت بيدكم مقاليد الأحكام وزمام الأنام، وعلى الخصوص حفظ أموال بيوت الإسلام؟ وكان أول واجب عليكم أن تنظروا أولًا في تحسين شئون خدمة الدين، وحملة كتاب رب العالمين … أوليس هذا خيرًا لكم من تشييد عمارات، وعمار مهجورات، وشراء خرابات، وسفرياتكم إلى المنتزهات، وانتقائكم أحسن مياه الحمامات، وإصدار أوامركم بتوسيع حساب الوليمات، وإسرافكم الزائد على المراقص والباللوات.»٥٥
  • (٣)
    إدانة موقف مخصوص: لا تقف المسرحية عند حد تجلية ضبابية الموقف فحسب، بل تزيد خاصيةً أخرى من خصائص المسرح التسجيلي؛ أعني قصد المؤلف الواضح لإدانة موقف محدد باعتباره جريمةً من طرف واحد، فهذا الأمر يتضح من سياق أحداثها التي تنتهي إلى إدانة الحكومة بعدم اهتمامها بمطالب الأزهريين، وسعيها إلى إرضاء الخديوي على حساب الأزهر، وإطلاق يده في أموال الأوقاف الأزهرية. هذا فضلًا عن إدانة خليل حمادة باشا وأعوانه على جريمتهم لضرب الأزهريين في صحن الجامع، ومخالفتهم للقوانين الأزهرية والإنسانية.

    ومما سبق يتضح إن مسرحية «الأزهر وقضية حمادة باشا»، المنشورة عام ١٩٠٩، تُعْتبر مسرحيةً تسجيليةً؛ لتطابق تعريف المسرح التسجيلي عليها، ولاشتمالها على كافة عناصر وسمات هذا النوع المسرحي. وبذلك يُعْتَبر حسن مرعي من أوائل من كتبوا المسرحية التسجيلية في مصر، إن لم يكن الأول بالفعل.

(ﺟ) الفروق الفنية لأحداث الأزهر بين الواقع والإبداع

للتعرف على الفروق الفنية بين واقع أحداث اعتصاب طلاب الأزهر، كما جاء في الصحف المصرية، وبين فنية هذا الواقع، كما عالجه المؤلف بأدواته المتنوعة في المسرحية؛ لذلك يمكن أن تقسم الدراسة هذا المحور إلى نقطتين؛ الأولى: ذكر ملخص لهذه الأحداث حسب واقعها التاريخي، كما جاءت في الصحف؛ لتكون خلفيةً لها عند الحديث عن الفرق بين هذا الواقع التاريخي وبين معالجته فنيًّا، كما جاء في النص المسرحي، والأخرى: ملامح المعالجة الفنية لهذه الأحداث طبقًا لتوظيفها فنيًّا خلال العمل الإبداعي.

(١) الأحداث من واقع الصحف

بدأت قصة اعتصاب طلاب الأزهر منذ منتصف عام ١٩٠٨، عندما رفع الطلاب عريضةً إلى الخديوي عباس حلمي الثاني، يطلبون فيها تصحيح بعض المواد الخاصة بالقانون الجديد للأزهر، الذي صدر عام ١٩٠٧،٥٦ وبالأخص فيما يتعلق بوظيفتي القضاء والإفتاء اللتين أُلْغِيتا من خريجي الأزهر.٥٧ وقد عضد بعض الكتاب هذه العريضة بكتابة المقالات التي أبانت عن بعض أضرار القانون الجديد، ومنهم ابن النجوم محمود؛ الذي رأى أن إصلاح الأزهر ليس بزيادة علومه، وإنما بإنفاق أموال أوقافه على شئونه.٥٨ وفي المقابل، نجد عبد الظاهر محمد؛ طالب العلم بالأزهر، يكتب مقالةً يحث فيها طلاب الأزهر على تقبُّل العلوم الحديثة، ويذكرهم بدور الشيخ محمد عبده في إصلاح الأزهر فيما مضى.٥٩
figure
اعتصام طلاب الأزهر.
وتتصاعد وتيرة السخط ضد النظام الجديد في الأزهر، فيتظاهر ألف وأربعمائة طالب من الأزهريين في حديقة الجزيرة مُعربين عن مطالبهم، ومنها: أن المدرسين الذين يدرسون العلوم الحديثة غير أكْفَاء، وأن النظام الجديد يفرض عليهم أعباءً ماليةً بشراء الكتب والأدوات، وأن النظام الجديد لم يراعِ في تنفيذه سنن التدريج، وأن الطلبة يظنون أن أوقاف الأزهر إذا أُدِيرت بمعرفة الأزهر لأمكن الحصول على ربح أوفر. وبعد انتهاء الخطب، سار الطلاب في مظاهرة سلمية منتظمة، ووقفوا أمام إدارات الصحف فهتفوا بحياة صحيفتي الجريدة واللواء، وهتفوا بسقوط صحيفة المؤيد.٦٠
وفي اليوم التالي، قام أحد زعماء الاعتصاب بنشر مطالب الأزهريين في الصحافة، ومنها: أن يكون انتخاب مجلس إدارة الأزهر بمعرفة جميع العلماء بالقرعة السرية، وانتخاب شيخ الجامع يكون بمعرفة مجلس إدارة الأزهر، وأن مجلس إدارة الأزهر هو الذي ينظر في أوقافه، وأن يُنْتَخب لتدريس كل فن من هو كفءٌ له، وأن تُصْرف جميع الأدوات والكتب لجميع السنين مجانًا، وأن تكون الشهادة الابتدائية مسوغةً لحاملها حق المأذونية والإمامة والخطابة، ومن ينال الشهادة الثانوية يُوَظف مدرسًا في المدارس الأميرية، أو كاتبًا في المحاكم الشرعية، ومن ينال شهادة العالمية له حق التوظيف في المحاكم الشرعية قاضيًا أو مفتيًا أو محاميًا، وأن توجد المشيخة طريقةً منضبطةً لامتحان شهادة العالمية، وأن تبطل إعطاء شهادة فتح البيوت، وشهادة المحسوبية، وشهادة الأقارب والتلمذة، وأن تكون مرتبات المدرسين على الأقل مثل مدرسي المدارس الابتدائية الأميرية، وألا يُكَلف الطالب بأكثر من ثلاثة دروس في اليوم الواحد؛ ليمكنه أن يفهمها جيدًا. وأخيرًا، طالب المعتصبون بتعطل الدروس في الأزهر بالطرق السلمية إلى أن تُجَاب مطالبهم هذه.٦١ فنُشِرت بعض المقالات الصحفية التي تؤيد هذه المطالب وتشجع الطلبة على الاعتصاب.٦٢
وأمام هذا قامت الحكومة بإحاطة الأزهر بقوة من البوليس، فنشر الطلاب المعتصبون مقالةً في اليوم التالي أبانوا فيها توضيحات كثيرة بخصوص مطالبهم السابقة، ومن ذلك — على سبيل المثال — شرحهم لمطلب أن تكون الشهادة الابتدائية مسوغةً لحاملها حق المأذونية والإمامة والخطابة قائلين: «قضت المادة ١٧ من قانون الأزهر الشريف بأنَّ من أدى الامتحان الأول ونجح فيه ينال الشهادة الأولية؛ وبموجبها يكون أهلًا لأن يُدْرج ضمن طلبة القسم الثاني. ونحن نطلب مع هذا أن يكون حامل هذه الشهادة أهلًا لأن يُجعل إمامًا وخطيبًا ومأذونًا في القرى؛ إذ إن المادة التاسعة من اللائحة الداخلية تقضي بأن يكون حامل هذه الشهادة حاصلًا على علوم التجويد والتوحيد والفقه، والأخلاق الدينية، والسيرة النبوية، والحديث، والخط والإملاء، والنحو والصرف، والبيان والإنشاء، وعلم الشعر، والمنطق والحساب، والتاريخ، وتقويم البلدان، مع التمرين على رسم الخرط (الخرائط)، وقواعد الصحة. وإن طالبًا يلمُّ بمبادئ هذه العلوم لكفءٌ لأن تُسْند إليه الإمامة والخطابة والمأذونية في صغيرات القرى.»٦٣
وهكذا كان منطقهم في شرح كافة طلباتهم، وبدأ زعمائهم في نشر المقالات التي تستدر عطف الرأي العام للوقوف بجانبهم،٦٤ وبالفعل نجحوا في ذلك؛ ففي اليوم التالي وجدنا تلغرافًا منشورًا في الصحف أرسله طلبة المدارس غير الأزهرية إلى الخديوي قالوا فيه: «الجناب العالي الخديوي المعظم بعابدين، طلبة المدارس المصرية المخلصون لعرشكم السامي يلتمسون من سموكم أن تنظروا نظرة عطف وحنان إلى إخواننا طلبة الأزهر الشريف، وأن تصدروا أمركم الكريم بإجابة مطالبهم العادلة، وكلنا آمال في مراحمكم الأبوية.»٦٥ وبدأت أيادٍ خفية تحاول إفساد تضامن الأزهريين؛ حيث ارتدى البعض زي الأزهر وقام بإيذاء علماء بعض المساجد؛ ليُنْسب ذلك إلى الطلاب المعتصبين. وقد نبه على ذلك أحد زعماء الاعتصاب، وهو أحمد علي المنشاوي، كما قام علي أحمد الجرجاوي؛ رئيس جمعية الأزهر، بدعوة المعتصبين إلى اجتماع لبحث الأمر،٦٦ كما كتب صالح حمدي حماد مقالةً كبيرةً أبان فيها أحقية المعتصبين في مطالبهم، خصوصًا رفع مرتبات المدرسين.٦٧
وأمام هذا الموقف أصدرت مشيخة الأزهر إعلانًا قالت فيه: «نظرًا للاعتصاب الذي حصل من الطلبة، صدر النطق السامي بتشكيل لجنة تحت رياسة صاحب الفضيلة وكيل مشيخة الجامع الأزهر، وبعضوية حضرات: الشيخ عبد الغني محمود؛ عضو مجلس الإدارة، والشيخ أحمد نصر؛ وكيل رواق السادة الصعايدة، والشيخ علي الفزاني؛ شيخ رواق المغاربة، وصاحبي السعادة: إبراهيم بك ممتاز؛ مندوب الداخلية، وحسن بك جلال؛ مندوب الحقانية؛ للبحث في أسباب الاعتصاب.»٦٨
وأمام هذا الإعلان نشر زعماء الاعتصاب مقالةً كشفوا فيها عن رأيهم في هذه اللجنة، وطالبوا بزيادة أعضائها قائلين: «تلك اللجنة التي أصبحت الأغلبية فيها لأصحاب العمل من هذه الهيئة التي نشكو من قسوتها. أليس رئيس هذه اللجنة هو وكيل المشيخة؟ أليس أحد أعضائها عضوًا في الإدارة؟ أليس أحدهم وكيلًا لرواق كذا والآخر شيخًا لرواق كذا؟! إنا لا نطلب إسقاط هذه اللجنة، ولكن نطلب أن تنظروا معنا إلى أقوالها وأفعالها بعين الاحتراس والغيرة على المصلحة. قد انتخبت المعية والحكومة وإدارة الأزهر هذه اللجنة، فلم لا ينتخب الطلبة أعضاءً يُزَادون عليها، لتكون موضع ثقتهم جميعًا؟ إنا نرى ونرجو أن يُنَفذ هذا الاقتراح، ونحن ننتخب لذلك ثلاثةً من علماء الأزهر: فضيلة الشيخ بخيت، وفضيلة الشيخ عبد الكريم سلمان، وفضيلة الشيخ محمد الطوخي، وثلاثةً من رجال الأمة؛ هم: سعادة محمود بك عبد الغفار، وسعادة عبد العزيز بك فهمي المحامي، وسعادة عمر بك لطفي.»٦٩
وفي اليوم التالي، قام الطلاب بمظاهرة سلمية أخرى، بدأت بإلقاء الخطب في حديقة الجزيرة. وقد عينت الحكومة البكباشي جرفس؛ المفتش ببوليس العاصمة، والصاغ محمود محمد؛ مأمور قسم عابدين، لمراقبة المظاهرة التي سارت في انتظام وهدوء إلى قصر عابدين، وصاحوا: فليَحْيَ الخديوي! ولما وصلوا أمام مبنى جريدة الجريدة صاحوا: فلتَحْيَ الجريدة! ولما مروا أمام دار المؤيد بشارع محمد علي أخذوا يصيحون: فليسقط المؤيد! وإذا بحجارة تتساقط من أعلى دار المؤيد من قبل عماله، فتناول الطلبة الحجارة المتساقطة ورجموا بها جدران المؤيد. وفي هذه الساعة وصلت إشارة تلفونية إلى محافظة العاصمة من جريدة المؤيد، تفيد أن الأزهريين اجتمعوا أمام المؤيد يريدون الدخول عنوةً. وبعد فترة قصيرة، وصلت قوة من عساكر السواري بقيادة اليوزباشي ستش وفرقة أخرى من المشاة، وبدأ العساكر في ضرب الطلاب، فاضطر الطلبة إلى الدفاع عن أنفسهم، وانتهى الأمر بالقبض على ثلاثة من الأزهريين؛ هم: أبو زيد، والشيخ سليمان نوار، والشيخ محمد قنديل، وعلى ثلاثة من عمال المؤيد؛ هم: حسين عبد الله، وحنفي محمد، ومصطفى علام؛ الذين أُفْرِج عنهم بالضمان المالي. أما الطلبة فقضوا ليلتهم في سجن الموسكي، ونُقِلوا في اليوم التالي إلى المحافظة،٧٠ ورُفِعت عليهم القضايا، وترافع عنهم أحمد لطفي السيد، وحُكِم على اثنين منهم بالسجن خمسةً وأربعين يومًا، وببراءة الثالث.٧١
وأمام هذا التصعيد، اجتمع مجلس الوزراء برئاسة الخديوي واتخذ قرارًا أعلنته مشيخة الأزهر بوجوب عودة المدرسين والطلبة إلى دروسهم يوم السبت القادم، ومن يمتنع يُقطع عنه راتبه وجرايته، ويُشْطب اسمه من السجلات؛ سواء كان طالبًا أو عالمًا، مع التنبيه بأن هذا آخر منشور تصدره المشيخة في هذا الشأن.٧٢ وقابل الطلاب والعلماء هذا القرار بإصرارهم على مواصلة الاعتصاب، وعدم عودتهم إلى دروسهم قبل أن تُجاب طلباتهم. وبدأ الأهالي في إرسال خطابات استرحام إلى الخديوي من أجل إزالة القوة العسكرية حول الأزهر. ومثال على ذلك: رسالة أهالي الدرب الأحمر، وقالوا فيها: «مولانا … نعلم يقينًا أن سموكم لأمته كالأب الشفيق لبَنِيه، شأن الأمراء الذين يحبون الخير لأمتهم، ويرفعون عنهم المضرات، وغير خاف أن معظم الأمة المصرية مسلمون، ويجرح إحساساتهم وعواطفهم المساس بأمر دينهم، والأزهر أكبر جامعة دينية إسلامية في الأرض، فيحزننا كل الحزن أن نرى أهله مهددين بقوة عسكرية وهم أبناؤنا الذين نعدهم لحفظ ديننا من الضياع! فنرفع أكف الضراعة لسموكم في رفع هذا الأمر المزعج وتلافيه على حسب ما نعهده في العواطف الشريفة من الحنان والشفقة. أطال الله بقاء سموكم آمين.»٧٣
ويستمر الاعتصاب، ويتضامن مع طلاب الأزهر طلاب الجامع الأحمدي في طنطا، ولكن شيخه استطاع إيقاف الأمر سريعًا بالقبض على تسعة أشخاص، بدعوى أنهم مدبرو الحركة في الجامع، ثم شطَب أسماءهم من صحيفة الجامع الأحمدي، وحكم عليهم بعدم القبول في أي معهد من المعاهد العلمية.٧٤ ووصل الأمر بالمعتصبين إلى تشكيل لجنة منهم تمثلهم في أمر اعتصابهم أطلقوا عليها «لجنة الاتحاد الأزهري»، فقامت الحكومة بإصدار أمرها بتجنيد كل معتصب من الأزهريين، مخالفةً بذلك قانون إعفاء طلبة الأزهر من التجنيد. وهذا الأمر زاد المعتصبين إصرارًا على موقفهم بامتناعهم عن الدروس. وتبرع كل من الشيخ محمد عز العرب، والشيخ عبد الوهاب النجار؛ المحاميين الشرعيين، بالدفاع عن مطالب المعتصبين أمام لجنة الحكومة.٧٥
وتوالت البرقيات على الصحف من الأعيان والأهالي تؤيد موقف الأزهريين في مطالبهم الحقة.٧٦ فما كان من المجلس الأعلى للأزهر برئاسة الخديوي إلا أن أصدر قرارًا بمنع دخول طلاب الأزهر من السنتين الثالثة والرابعة؛ لأنهم رءوسهم الاعتصاب، والسماح فقط بدخول السنتين الأولى والثانية في موعد غايته السبت القادم.٧٧ فانهالت المقالات الصحفية رافضةً هذا القرار، ومؤيدةً موقف المعتصبين. ومن هذه المقالات ما كتبه الفلكي؛ صاحب مجلة طوالع الملوك، وما كتبه أحمد لطفي السيد.٧٨ ويأتي يوم السبت ويتضامن طلاب السنتين الأولى والثانية مع إخوانهم الممنوعين، فلم يدخل منهم الأزهر إلا مجموعة صغيرة قابلت الشيخ حسونة النواوي؛٧٩ شيخ الأزهر، وطالبته بالوقوف بجانبهم في مطالبهم؛ مما أدى إلى أن يصدر الشيخ إعلانًا بعودة جميع الطلبة، ويتعهد لهم بطلب العفو عنهم من الخديوي، وحثِّه على إجابة طلباتهم بعد عودته من سياحته في الصعيد، فتقدر لجنة الاتحاد الأزهري هذا الموقف من شيخ الأزهر، وتدعو جميع الطلبة بالعودة إلى دروسهم في الأزهر.٨٠
وفي اليوم التالي، وقبل عودة الطلبة، أصدر شيخ الأزهر قرارًا جديدًا قال فيه: «حيث إن قرار المنع لا يُلْغى إلا بقرار مثله، وسمو الجناب العالي الخديوي قد سافر إلى جهة الوجه القبلي، وسافر معه أحد أعضاء المجلس العالي، وصار من المتعذر الآن إصدار قرار عدم المنع حتى يعود الجناب العالي، فالمشيخة ترجو هؤلاء الطلبة أن ينتظروا قليلًا، ولا يعودوا إلى دروسهم حتى يصدر قرار عدم المنع الذي سيصدر — إن شاء الله تعالى — عند عودة الجناب العالي، مع العلم بأن المشيخة لا تزال على وعودها لهم بالنظر في مصالحهم، وإجابتهم إلى مطالبهم الحقة.»٨١
ويفسر أحمد لطفي السيد هذا الموقف بأن الحكومة لا تريد القضاء على الاعتصاب في حد ذاته؛ بل تريد القضاء على حرية الطلبة وعلى ترابطهم مع الشيخ حسونة النواوي.٨٢ ويتضح هذا الأمر بعد ذلك؛ حيث علم الشيخ حسونة النواوي بأن الحكومة تريد إذلال الطلبة ولا ترغب في تنفيذ طلباتهم، فما كان منه إلا أن قدَّم استقالته. وأمام ضغط الرأي العام، قامت الحكومة بتوزيع طلب العفو على كل طالب يريد دخول الأزهر هذا نصه:
نلتمس من فضيلتكم استرحام العفو عنا، والتصريح بعودتنا لتلقي دروسنا كما كنا، وندعو لسمو خديوينا المعظم بطول العمر والبقاء.٨٣
figure
أحمد لطفي السيد.
وفي اليوم التالي، عينت الحكومة خليل حمادة باشا؛ ناظر الأوقاف العمومية، مشرفًا على الأزهر مؤقتًا، ودخل الباشا الأزهر يوم ١٦ فبراير ١٩٠٩، وأمر بإدخال القوة العسكرية، كما أمر بإغلاق أبواب الأزهر وتحرَّش هو وأعوانه — أمثال الشيخ عاشور ودولار بك — بالطلاب الذين وقَّعوا على طلبات العفو والاسترحام، فقاموا بضرب مجموعة منهم بالفلقة وبالخيزران على الأرجل، وبالصفع على الوجوه، وأمر الباشا بتحويل الرواق العباسي إلى سجن أودع فيه مجموعةً كبيرةً من الطلبة.٨٤ وجاءت النيابة إلى الأزهر في اليوم التالي وباشرت التحقيق داخله، فكتب أحمد لطفي السيد مقالةً أظهر فيها ألوان التعذيب والتنكيل بطلاب الأزهر من قبل حمادة باشا، وطالب فيها بالدستور حمايةً للقانون وللأزهريين.٨٥ ووصل الأمر إلى الآستانة، فكتبت جرائدها تصف خليل باشا، المشهور بالاستبداد، بأنه جلاد الخديوي، كما كتب أيضًا الزعيم محمد فريد مقالةً في هذا الشأن في صحف الآستانة.٨٦
figure
الزعيم محمد فريد.
ويثور الرأي العام في مصر أكثر من ذي قبل، لنجد الأعيان والباشوات والتجار وضباط الجيش من محافظات مصر يرسلون تلغرافات إلى الخديوي كي يحمي الأزهريين من التعذيب والتنكيل. كما قام عشرون محاميًا بالتطوع للدفاع عن الأزهريين المقبوض عليهم في الرواق العباسي، وكتب حسن موسى العقاد مقالةً ذكَّر فيها الأمة بما حل بالمنشاوي باشا قديمًا، عندما ضرب وأهان رجلًا من ذوي السوابق في بيته، فأمرت المحكمة بحبسه، ويعقب على ذلك قائلًا: أين حمادة باشا الغريب عنا من المنشاوي باشا الذي منا.٨٧
وأمام ثورة الرأي العام بهذه الصورة، لم تجد الحكومة مفرًّا سوى الرضوخ أمام الأمر الواقع، والعفو عن جميع الطلبة، وعودتهم إلى الأزهر، وإلغاء العمل بقانون الأزهر الحالي — سبب الاعتصاب — والعودة إلى قانون الأزهر القديم الصادر عام ١٨٩٦. وتتوالى الأحداث سريعًا بعد ذلك لنجد أمرًا جديدًا يصدر بحفظ أوراق قضية اعتداء حمادة باشا على الطلبة، واستدعاء الآستانة لحمادة باشا ليتولى نظارة الأوقاف فيها.٨٨ وهذا هو الجانب التاريخي لقضية الاعتصاب كما عرضته الصحافة.

(٢) الأحداث طبقًا للمعالجة الفنية

عاصر حسن مرعي؛ مؤلف مسرحية «الأزهر وقضية حمادة باشا»، هذه الأحداث، وكتب مسرحيته بعين ترقب الحدث الواقعي وتعايشه على مسرحه الحقيقي؛ حيث إن تاريخ طباعتها مؤرخ بمارس ١٩٠٩، كما جاء على الغلاف.٨٩ وبرغم هذه المعايشة إلا أن تعامله مع الأحداث الواقعية لحادثة الاعتصاب كان تعاملًا فنيًّا، عندما نقل هذه الأحداث مسرحيًّا؛ معتمدًا على مجموعة من التيمات الفنية للمسرح التسجيلي، تنوعت بين التصريح والتلميح، والتغيير، والإضافة والحذف، والتلخيص، والتجاهل، والتضمين الحدثي، والإسهاب، كما سنرى.
  • أولًا: التصريح: وأعني به كشف التلميحات العابرة؛ إذ إن الحدث عندما يأخذ منحًى سياسيًّا يصبح من الصعب على متناوله في حينه أن يتحدث بصورة واضحة عن أمور قد تكون لها عواقبها الوخيمة، حسب تقدير الموقف بالنسبة للسلطة، أو بالنسبة للمساس بمقدسات دينية. وفي الوقت الذي يمكن فيه القول إن مسرحية «الأزهر وقضية حمادة باشا» تُعَد نسخةً فنيةً تسجيليةً من الأحداث التاريخية لاعتصاب طلبة الأزهر، كما جاءت في الصحف التي تحدثت عن هذا الاعتصاب وقت حدوثه؛ حيث إن المؤلف صرح بأهم الأحداث التاريخية، وأثبت ذلك بصورة فنية على امتداد صفحات المسرحية، في الوقت الذي يمكن القول فيه بذلك، وجدت الدراسة أنه صرح بأمور لم تستطع الصحف التصريح بها، واكتفت فقط بالتلميح عنها.
    ومن ذلك على سبيل المثال: تلميح الصحف بأن أموال أوقاف الأزهر لا تذهب إليه؛ وفي ذلك يقول ابن النجوم محمود في مقالته: «لو كان ما حُبِس على الأزهر يُصْرف على الأزهر لما فُرِش إلا بأفخر البسط والسجادات، ولأُثِير بأفخر الثريات، ولأُعْطِي صغار الطلبة ما للعلماء من المرتبات، ولركب العلماء العربات الفاخرات، والدواب الفارهات، ولكانت مكتبته حاويةً لمئات آلاف المجلدات، ولكان للأزهر فروع في سائر الجهات.»٩٠
    وعلى الرغم من هذا التلميح في الصحف، إلا أن المؤلف صاغه بصورة صريحة؛ متهمًا الخديوي نفسه بسرقة أموال أوقاف الأزهر. وقد جاء هذا التصريح على لسان أحد مشايخ الأزهر الثائرين أمام عدم اكتراث الخديوي بالأزهر قائلًا: «… أو على الأقل إدارة مصلحة معهدنا هذا، الذي قد تعهَّد سموُّه بإصلاحه شخصيًّا، وأصبح كل فرد من أفراد الأمة يعرف هذه المسئولية؟ أو لعل سموه لا يرغب إلا في حفظ أمواله وما هو مخصص لهذا المعهد في خزينته العامرة؛ للاستعارة منها متى شاء بلا حساب …»٩١

    وهذا الاتهام ربما كان الناس يتحدثون به همسًا في ذلك الوقت، وكان يسمعه حسن مرعي أو ينقله بحسِّه الصحفي، فصرح به في جرأة كبيرة كانت السبب في منع الحكومة هذه المسرحية من التمثيل، كما جاء في الدراسة سابقًا. ومهما يكن من أمر تمثيل المسرحية من عدمه، إلا أن هذا الاتهام تم تسجيله في المسرحية المنشورة. وهذا يُحْسب للمؤلف؛ لأنه استطاع أن يسجل أحداثًا لم ترد في الصحف. وهذا يُعْتبر إضافةً تاريخيةً يعلم من خلالها قارئ المسرحية ماذا كان يدور بين الناس من أمور خطيرة لم تستطع الصحف تسجيلها، واستطاع حسن مرعي — على سبيل المثال — تسجيلها وحفظها للتاريخ وللمستقبل.

    ومن أمثلة التصريح أيضًا: ما كشفه المؤلف عن مظاهرة الطلاب أمام دار المؤيد؛ إذ وصفت الصحف مظاهرة الطلبة أمام مبنى جريدة المؤيد هكذا: ولما مروا أمام دار المؤيد أخذوا يصيحون: فليسقط المؤيد! وإذا بحجارة أخذت تتساقط من أعلى دار المؤيد، فاستشهد الأزهريون بالبكباشي جرفس على هذا العمل، فوقف عندئذٍ البكباشي ونظر إلى الناس الذين يلقون الحجارة، وقال لهم بالعربية: «ارجعوا … ارجعوا.» فلم يسمعوا لقوله، بل ظلوا يرجمون الطلبة بالحجارة، فأراد بعض الأزهريين الدخول إلى دار المؤيد للقبض على المعتدين وتسليمهم للبوليس، وتناول بعضهم لحجارة المتساقطة ورجموا بها جدران المؤيد. وفي هذه الساعة وصلت إشارة تلفونية إلى محافظة العاصمة من جريدة المؤيد تفيد أن الأزهريين اجتمعوا أمام المؤيد يريدون الدخول عنوةً.٩٢
    figure
    الشيخ علي يوسف.

    وبالنظر إلى وصف الحدث من خلال الجريدة؛ نلحظ أنه يخلو من ذكر الشيخ علي يوسف؛ صاحب المؤيد، إلا أن حسن مرعي صرح بشخصيته — لأنه كان يكتب المقالات ضد اعتصاب الأزهريين مؤيدًا قانون الأزهر الجديد، كما أوضحت الدراسة ذلك سابقًا — وجعله هو ومحرر الجريدة سليم شاهين سركيس يشتركان في حوار المسرحية في هذا الموقف:

    مفتش البوليس (ملتفتًا إلى دار المؤيد): ارجعوا يا أفندية … ومروا عمَّالكم بعدم رمي الأحجار على الطلبة؛ إذ هذا يُعَدُّ تعدِّيًا فاحشًا منكم، ونحن نخاف عليكم وعلى إدارة جريدتكم من أن يمسَّكم ضرٌّ من هؤلاء المعتصبين.
    الشيخ (من داخل نافذة): من هذا الذي يخاطبكم يا حضرات الأفندية بقوله: أخشى عليكم وعلى إدارة جريدتكم من هؤلاء المعتصبين؟
    سركيس: هذا يا سعادة الباشا جناب وكيل حكمدارية مصر يأمرنا بمنع عمال لنا وقفوا على سطح الدار يقذفون الأحجار على الطلبة المارِّين.
    الشيخ: ومن هم أولئك الطلبة الذين نخشى منهم علينا وعلى إدارة المؤيد؟ ولِمَ نمنعُ أطفالًا يتسلَّوْنَ برمي الحجارة على الطلبة؟ ولأي شيء يهددنا البوليس بالتخوف من الطلبة (يتزايد رمي الحجارة على الطلبة).
    طالب: انظروا يا إخواني كيف أن صاحب المؤيد يأمر عماله بأن تقذفنا بالأحجار ونحن سائرون، وقد أمرهم جناب وكيل الحكمدار بمنع ذلك ولم يمتنعوا!
    الجميع (يصيحون): فليسقط المؤيد، فليسقط المنافق، فلتسقط الخونة (يقترب البعض منهم بالهجوم على إدارة المؤيد ليُرجعوا قاذفي الأحجار، فيردهم البوليس ويغلق باب المؤيد … الجميع يسيرون وينادون: فليسقط المؤيد).
    الشيخ: اطلب يا خواجة سركيس تلفونيًّا من المحافظة إرسال قوة لحفظ الإدارة، وزِدْ على ذلك أن حياة الشيخ في خطر، ويجب الإسراع بالقوة بكل سرعة؛ حيث تعدي الطلبة يزداد علينا.
    سركيس: إنني يا سعادة الباشا قد أرسلت في طلب القوة من لحظة، وما أظنها إلا حاضرة الآن.٩٣
    figure
    سليم سركيس.
    وربما هذا الحوار سمعه حسن مرعي من الشيخ علي يوسف أو من سركيس، أو ربما سمعه من آخرين نقلًا عنهما باعتباره صحافيًّا، وربما أيضًا تخيله ونسج أحداثه من خياله المسرحي. ومهما يكن من أمر حقيقة مصدر هذا الحوار، إلا أن هذا الموقف إذا كان متخيلًا لا يختلف كثيرًا عن حقيقة ما وقع؛ لأن الثابت أن إشارة تلفونية وصلت إلى المحافظة من جريدة المؤيد تطلب قوةً عسكريةً لحماية مبنى الجريدة من الطلبة المعتصبين.٩٤ وهذا يعني أن هناك حوارًا تم بين أعضاء الجريدة انتهى بطلب القوة العسكرية، وهكذا يتفق الحوار المُتَخيل في المسرحية مع حقيقة ما ذكرته الصحف بخصوص هذه الواقعة.
  • ثانيًا: التلميح: وعلى عكس ما سبق، وجدت الدراسة أن الصحف صرحت بأمور لمَّح بها حسن مرعي في مسرحيته دون التصريح بها، ومن ذلك قضية أحمد باشا المنشاوي، وتشابه موقفه مع موقف خليل باشا حمادة. وقصة المنشاوي تتلخص في قيام لص عام ١٩٠٢ بسرقة ثورين من مزارع الخديوي ولم تفلح المديرية في القبض عليه، ولكنها حصرت الشبهة في لصين أودعتهما سجن مركز طنطا لتسليمهما النيابة. وبعد يومين، طلب المنشاوي باشا من مأمور المركز تسليم المشتبهين له في منزله بالقرشية حتى يجبرهما على الاعتراف بجريمتهما، وبالفعل قام المأمور بتنفيذ الأمر، وبعد فترة أُعيدا إلى السجن. ولما ذهب رئيس النيابة لسؤالهما قررا أنهما عُذِّبا بالضرب في منزل المنشاوي باشا، فأُحِيلا للكشف الطبي، ووُجِدت بهما آثار الضرب، فأخذت النيابة في تحقيق الواقعة الجديدة، وذهب النائب العام إلى طنطا والمستر ويلسون؛ مفتش الداخلية. وانتهى الأمر بالقبض على المنشاوي باشا، والقبض على مأمور المركز نفسه؛ لإخراجه مسجونين من السجن بدون إذن من النيابة، وأُوقف مدير الغربية لسماحه للمأمور بهذا العمل. وسرعان ما أصبحت القضية قضية رأي عام في مصر انتهت بحبس المنشاوي باشا ثلاثة أشهر. وهذا الحكم ترك صدًى في الرأي العام؛ لعلو شأن المحكوم عليه باعتباره من كبار الأعيان في البلاد.٩٥
    وعندما قام حمادة باشا بضرب طلاب الأزهر في المسجد كتبت الصحف عن قصة المنشاوي باشا؛ لتذكر الرأي العام بتشابه الجريمتين، ومثال على ذلك ما كتبه حسن موسى العقاد قائلًا عن حمادة باشا: «أنسي هذا الضارب وأعوانه ما حل بالمرحوم منشاوي باشا حين أمر بضرب رجل من ذوي السوابق في بيته من الإهانة والحبس، وما أغنى عنه ماله ولا عظيم رتبته شيئًا. فمن هو حمادة الأجنبي عنا بجانب المنشاوي العزيز بيننا».٩٦
    figure
    المنشاوي باشا.
    وبالرغم من تصريح الصحف باسم المنشاوي باشا وبقضيته، إلا أن حسن مرعي لمَّح بذلك — في المسرحية — من خلال قول أحد الطلبة إلى حمادة باشا، بعد قيام الباشا بضرب بعض الطلاب قائلًا له في جرأة وشجاعة: «… كان يجب عليك الصلاة في المكان الذي تجلد خدام الدين فيه. لقد أجرمت جرمًا عظيمًا يعاقبك عليه العدل. إن كنت تقول إنك باشا ولا تُحَاكم على فعلك هذا، فأقول لك يا سعادة الباشا أنك مخطئ وألف مخطئ؛ فقد سبقك لهذا الفعل كثيرون أعظم منك مقامًا ورفعةً بين الناس، حكم عليهم القانون. ويعاقبك القانون على جلدك للطلاب خدام الدين.»٩٧

    وربما عدم ذكر حسن مرعي لاسم المنشاوي باشا صراحةً، والاكتفاء فقط بالتلميح عنه راجع إلى حسِّه المسرحي الذي كان أسبق تطبيقًا — من تنظير الألمان للمسرح التسجيلي — عندما عُنِي في المقام الأول في مسرحيته بالقضية الاجتماعية والسياسية، ولم يحفل كثيرًا بالفرد من حيث وجوده الذاتي. وهذا مما يُعَد سمةً من سمات المسرح التسجيلي — كما مر شرحه — وبناءً على ذلك، لمَّح المؤلف بالاسم ولم يُصرح به؛ لأن اهتمامه اتجه إلى القضية لا إلى الأفراد.

  • ثالثًا: التغيير: قام حسن مرعي في مسرحيته بتغيير بعض الأمور التي جاءت صريحةً في الصحف، ومن ذلك قيام شيخ الأزهر مضطرًّا باستدعاء القوة العسكرية لحفظ الأمن في الأزهر، وفي ذلك يقول الشيخ لأعوانه: «يعزُّ عليَّ كثيرًا طلب قوة لحفظ نظام أشرف معهد، ولكن للضرورة أحكام؛ فاذهب يا حضرة المفتش واطلب عن لساني تلفونيًّا من المحافظة إرسال قوة عسكرية لحفظ ما طرأ من التهييج في الأزهر.»٩٨ وهذا الأمر لم تذكره الصحف — فيما يتوافر بين يدي الدراسة من صحف — ولم تقل أية صحيفة بأن شيخ الأزهر هو الذي طلب القوة، بل ذكرت إن الحكمدارية عينت القائمقام أحمد عفت، والصاغ بدر الدين رأفت، وحسين كامل؛ مأمور قسم الدرب الأحمر، ونحو عشرين من فرسان البوليس، ومائتين من الجنود؛ للمحافظة على الأمن والنظام في الأزهر، مع استخدام القوة والقسوة عند الضرورة.٩٩

    وربما اتهام شيخ الأزهر بجلب القوة العسكرية إلى الأزهر كان يدور بين الناس في ذلك الوقت، فنقله المؤلف بوصفه تسجيلًا حيًّا لما كان يدور بين عامة الناس في هذا الأمر، خصوصًا وأن القوة العسكرية — مهما كان مصدر الأوامر بتواجدها في الأزهر — لا تستطيع التواجد حول الأزهر أو فيه إلا بموافقة شيخ الأزهر نفسه؛ لأن شيخ الأزهر هو أحد أعضاء المجلس الأعلى للأزهر الذي يرأسه الخديوي نفسه.

  • رابعًا: الإضافة والحذف: والأمثلة على قيام حسن مرعي بحذف أو إضافة في الأحداث كثيرة. ومنها — على سبيل المثال: عدم ذكره لاسم لجنة أو جماعة أو جمعية «الاتحاد الأزهري»، رغم ذكره في المسرحية لكثير من أقوالها وأفعالها.١٠٠ كذلك ذكره لأسماء لم ترد في الصحف ضمن الأسماء المقترحة من قبل الأزهريين لضمهم إلى لجنة الحكومة لتسوية أمر الاعتصاب.١٠١ وقد تحدثت الدراسة عن هذه الأسماء سابقًا. وأيضًا ذكره لهتاف الطلبة في مظاهراتهم بتمجيد وحياة صحيفة اللواء، وبسقوط صحيفة المؤيد، دون ذكره لهتافهم بحياة صحيفة الجريدة.١٠٢ والسر في ذلك ربما يعود إلى أن صحيفة اللواء كانت تقف دائمًا بجوار أزمة الأزهريين، خصوصًا مقالات عبد العزيز جاويش.١٠٣ أما صحيفة المؤيد فكانت على النقيض تمامًا. وهنا التزم المؤلف بهتاف الطلبة المتناقض بين الصحيفتين؛ ليبين عن تناقضهما أمام القضية. وتجاهله لصحيفة الجريدة كان بسبب محايدتها. وهذا هو السبب في التزام الدراسة بالنقل عنها؛ حتى لا تتأثر بأي طرف من الطرفين المتناقضين.
    figure
    عبد العزيز جاويش.

    ومن هذه الظاهرة أيضًا قيام المؤلف بإضافة أمور تاريخية لم تتحدث عنها الصحف أثناء نشوب أزمة ١٩٠٩، ومن ذلك مسألة قيام الخديوي باستبدال أجزاء من أراضيه بأجزاء أخرى من أراضي الأوقاف. وهذا الموقف عبَّر عنه المؤلف صراحةً على لسان أحد العلماء أثناء مناقشته لشيخ الأزهر في أمر الاعتصاب، وتعجبه من عدم اكتراث الخديوي بالأمر وانشغاله عن أمور الدولة بأموره الشخصية، فعندما قال:

    شيخ الأزهر: مولانا — حفظه الله — لا يشغله هذا الأمر، بل تشغله أمور أخرى.

    ردَّ عليه العالم: وما هي؟ أمشتغل بالسعي في مطالبة الأوقاف بإبدال بعض أراضيه المجهول مكانها وقيمتها بأراضٍ أخرى في الجزيرة أو في وسط عاصمة البلاد؟!١٠٤
    figure
    الخديوي عباس باشا حلمي الثاني.
    وقصة استبدال الأراضي هذه بدأت عام ١٩٠٥، عندما فكر الخديوي في استبدال جزء من أطيانه الزراعية مقابل بعض أراضي البناء الموقوفة في مدينة الجيزة، وطلب أن يُعطى له ثلاثون ألف جنيه فوق الأراضي الزراعية، على أساس أن الأرض الزراعية تغل ريعًا سنويًّا، وأن أرض المباني لا تغل أي ريع، وعرض الأمر على مجلس الأوقاف فوقف له بالمرصاد الشيخ محمد عبده؛ عضو المجلس — والذي كان دائمًا يقف أمام محاولات الخديوي لسرقة أموال الأوقاف؛ التي كان ينفقها على أسرته وعلى مزارعه الخاصة — وذكر الحكم الشرعي بأن الوقف يُقَدر بقيمته وليس بغلته، فألف المجلس لجنةً لفحص الموضوع انتهت بأن قررت أنه على الخديوي أن يدفع مبلغ عشرين ألف جنيه فوق الأرض الزراعية؛ لتكون مساويةً في القيمة لأرض الوقف. وبسبب هذا الموقف وغيره، بدأ الخديوي يشن الحرب على الشيخ محمد، فأجبره على الاستقالة من مجلس إدارة الأزهر.١٠٥
    figure
    الشيخ محمد عبده.
    وربما كان هذا الموضوع من الموضوعات المثارة بين الناس، والذي من الصعب تسجيله في المقالات الصحفية؛ لأنه طعن مباشر في ذات الخديوي، فأراد حسن مرعي أن يُفيد بالحدث التاريخي بصورة فنية، كذلك قام المؤلف بوضع مجموعة كبيرة من خُطب الأزهريين في مسرحيته،١٠٦ والتي أُلْقيت في تجمعهم بحديقة الجزيرة. وهذه الخطب لم تسجلها الصحافة في وقتها، بل أخذت منها بعض المقتطفات التي تمثل مطالب الأزهريين.١٠٧ وهذا الأمر يُحْسب للمؤلف؛ لأنه سجَّل في مسرحيته نصوصًا من خطب الأزهريين يُسْتفاد منها في الدراسات الأدبية والتاريخية.
  • خامسًا: التلخيص: قام حسن مرعي بتلخيص بعض الأمور الخاصة بقضية اعتصاب الأزهريين، ومن أهمها مطالبهم الحقة؛ فقد ذكرت الصحف هذه المطالب١٠٨ التي وصلت إلى ثمانية عشر مطلبًا، وأسهبت في توضيحها. وقد أوردت الدراسة أهمها فيما سبق. وبالرغم من ذلك لم يذكر منها حسن مرعي إلا ثلاثة مطالب فقط، جاءت على لسان خطيبين معتصبين.
    قال الخطيب الأول عن نظام الأزهر المعمول به قبل الاعتصاب: «… إن العلوم وُزِّعت بطريقة غير معقولة، فأُنِيطت الدروس بالعلوم المهمة لأساتذة غير أكْفَاء فيها … وزِيد في عددها عن ذي قبل، حتى أصبح الطالب لا يجد لحظةً من أوقاته يصرفها في إعداد الدروس لمذاكرته وحده، ليعرض بعد ذلك فكره على أستاذه؛ حتى يتبين أصاب أم أخطأ. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن أكثر طلبة الأزهر بفضل إصراف رجال الحكومة بأموال المسلمين فيما لا يعود على المسلمين ولا على الدين الحنيف بأي فائدة كانت؛ تراهم في فاقة وفقر شديد، بحيث لا يتسنى لهم شراء الكتب التي التزموا بدرسها بمقتضى النظام الجديد.»١٠٩
    وقال الخطيب الآخر: «… إن الإنسان منا يا حضرات الأفاضل يقضي زهرة عمره وعنفوان شبابه في طلب العلم، حتى إذا ما انتهى يأخذ من المرتب ما لا يسد به رمق الفؤاد. هذا إذا كان وحده، وما بالك إن كان رب عائلة وصاحب منزل؟! فماذا يفعل؟ ومن أين له أن يصرف على أولاده وعائلته إذا كان هذا مرتبه؟»١١٠

    والدراسة تلاحظ هنا أن حسن مرعي ذكر فقط المطالب التي تتعلق بالأمور الإنسانية، دون الاهتمام بالأمور الإدارية والوظيفية التي ذُكِرت في بقية المطالب، مثل: أن يكون انتخاب مجلس إدارة الأزهر بمعرفة جميع العلماء بالقرعة السرية، وأن تكون الشهادة الابتدائية مسوغةً لحاملها حق المأذونية والإمامة والخطابة، وأن توجد المشيخة طريقةً منضبطةً لامتحان شهادة العالمية … إلخ هذه المطالب. وكأن المؤلف أدرك بحسه الفني التطبيقي — قبل التنظير — أن المسرح التسجيلي يهتم بالمضمون الإنساني.

  • سادسًا: التجاهل: قام حسن مرعي في مسرحيته بتجاهل بعض الأمور المهمة التي حدثت في قضية اعتصاب طلاب الأزهر. ومن هذه الأمور: استقالة شيخ الأزهر الشيخ حسونة النواوي، فقد أفردت الصحف صفحاتها لملابسات هذه الاستقالة، وأوضحت أن الشيخ عقد مجلس الأزهر الأعلى تحت رئاسته أثناء سفر الخديوي في سياحة بالصعيد، وأعلن الشيخ إعادة الطلبة إلى الأزهر؛ حيث إنه سيقنع الخديوي بالعفو عنهم عند عودته. ولما عاد الخديوي، أصرَّ على عدم العفو إلا بعد أن يوقِّع كل طالب معتصب على طلب عفو واسترحام من الخديوي، يقرُّ فيه بأنه كان معتصبًا. وأمام هذا التعنت من قبل الخديوي، قدَّم الشيخ استقالته، وعبثًا حاول الأعيان والعلماء والرأي العام ردَّ الاستقالة بعد ذلك.١١١

    وهذه الأمور الخاصة باستقالة حسونة النواوي تجاهلها المؤلف في مسرحيته مطلقًا. وربما السبب في ذلك راجع إلى أن المؤلف أراد أن يوجه مسرحيته نحو قضية اعتصاب الطلاب دون أن يوجهها إلى أية قضية أخرى، خصوصًا وأن الطلاب كانت تجمعهم رابطة روحية كبيرة بهذا الشيخ، وذِكْر موقف استقالة الشيخ ربما يحيد بقضية الاعتصاب عن غرضها الأساسي، وهو إبرازها بوصفها قضيةً إنسانيةً اجتماعيةً سياسيةً عامةً، لا قضيةً شخصيةً تختص بفرد أو بأفراد بأعينهم.

    بالرغم من ذلك، فقد قام المؤلف برسم الشخصية الفنية لحسونة النواوي في المسرحية بما يتناسب مع صورتها الواقعية في بُعديها الاجتماعي والنفسي، وذلك عندما قال الشيخ للوزراء أثناء تباحثهم في أمر الاعتصاب، وأثناء وجود القوة العسكرية بالأزهر: «وهل تودون سعادتكم إبقاء هذه القوة بمنظرها البشع وشكلها المرعب في ذاك المعهد لحين حضور الجناب العالي؟ أفيما بكرة وعشية تستحيل كعبة الإسلام الثانية طللًا مقفرًا، ويعود أكبر معهد علمي على المسلمين في شرق الأرض وغربها موصدًا هامدًا، ويُخْلى من أساطين الدين وحماة اللسان المبين، وحملة العلم من قديم السنين، ويُشَرد منه ورثة الأنبياء، فيتبدل الأنس وحشةً، وتنسخ آية الخذلان آية الفتح، ويتفرق في يوم أو بعض يوم ما جُمِع في عشرة قرون؟ أفيما بين غدوة وأصيل يتحول المسجد الأكبر ميدانًا تُصادم فيه القواتُ العسكرية دعاةَ السكينة والسلم، وحملة القرآن والعلم؟ أفيما بين صباح ومساء يمعنون في الأزهريين تنكيلًا وتكبيلًا، فتتفرق بتفرقهم أجزاء القوة العظمى الدينية التي كانت تعمل للخير العام؟ … أما في قلوب الناس رحمة للناس؟ اللهم لا سبيل إلى العداء؛ فقد جلَّ الخطبُ! … فيا للرحمة بالأزهر والأزهريين!»١١٢
    ومن أمثلة التجاهل أيضًا عدم تعريج المؤلف على نهاية أحداث اعتصاب الطلاب، وبالتحديد ما نتج عن قيام خليل حمادة باشا بضرب الطلاب في الأزهر من إثارة للرأي العام، وتحويل الأمر إلى النيابة، التي حققت مع الباشا باعتباره متهمًا، وإنهاء التحقيق بحفظ أوراقه. وربما يظن القارئ أن المؤلف أنهى كتابته المسرحية قبل هذه الأحداث، بدليل أن آخر مشهد في المسرحية كان ضرب حمادة باشا للطلاب، وإصدار أمره بدخول العسكر إلى الأزهر.١١٣ هذا بالإضافة إلى أن المسرحية مؤرخة في مارس ١٩٠٩ كما جاء على غلافها.١١٤ وعلى ذلك فلا بد أن المؤلف أنهى كتابتها في منتصف أو أواخر فبراير ١٩٠٩، ورغم وجاهة هذه التبريرات، إلا أن عنوان المسرحية يقول شيئًا آخر!
    فالعنوان يقول: «الأزهر وقضية حمادة باشا»، وهذا يعني أن المؤلف يعلم تمامًا بأن هناك قضيةً مرفوعةً على حمادة باشا، أو أن قضيته ما زالت تُحقِّق فيها النيابة حتى وقت نشر المسرحية؛ حيث إن أحداث ضرب الباشا للطلاب وقعت يومي ١٦ و١٧ فبراير، وأن النيابة باشرت تحقيقها في القضية ابتداءً من يوم ٢١ فبراير، وأن قرار حفظ أوراق القضية تم يوم ٣ مارس.١١٥ وإذا كان الأمر غير ذلك، فكان من الممكن أن يقول المؤلف في عنوانه مثلًا: «الأزهر ومهمة حمادة باشا» … إلخ العناوين البعيدة عن ذكر كلمة (قضية). وهناك دليل آخر على أن المؤلف لم يرد ذكر تفاصيل القضية؛ وهو تذييله للمسرحية بمجموعة من قصائد الشعراء — أمثال: أحمد نسيم،١١٦ وإبراهيم الدباغ١١٧ — التي قِيلت في حمادة باشا وضربه لطلاب الأزهر. ومن هذه القصائد قصيدة الشاعر ثابت فرج الجرجاوي١١٨ الذي أنهاها بقوله:
    قف عند حدِّك يا حمادة وانتظر
    عدل الحكيم فإنه إنذار
    الآن قد حُسِم النزاع واقشعت
    سحب القرار وزالت الأكدار
    سمح المليك بعفوه مع أننا
    برَّاء عما تفتري الفجار١١٩

    والمعنى الواضح بأن الشاعر يقر بأن القضية انتهت، وأن تدخل الخديوي بالعفو عن الطلاب وحفظ أوراق القضية ليس معناه أن الرأي العام يوافق على ذلك؛ لأن ما فعله حمادة باشا هو فعل الفجار الذي سيُجَازى عليه في الآخرة من قبل الحكيم العادل. وإذا صح ظن الدراسة بأن المؤلف تعمد عدم ذكر تفاصيل القضية ونهايتها — تبعًا لما أوردته من أدلة — فإن السؤال الذي يطرح نفسه الآن: لماذا تعمَّد المؤلف عدم ذكر قضية حمادة باشا رغم وضعها في عنوان المسرحية؟

    الإجابة من وجهة نظر الدراسة تتمثل في أن حسن مرعي أراد ألا يكون قاضيًا لحمادة باشا، ويُصدر الحكم عليه بالإدانة، بل أراد أن يحاكمه ويدينه كل قارئ لهذه المسرحية التي نُشِرت أثناء توهج القضية بين الناس، وأراد أن يحاكمه ويدينه كل متفرج لهذه المسرحية قبل أن تمنعها الحكومة من العرض على المسرح. وهذا الأمر يتوافق تمامًا بالنسبة لكاتب المسرح التسجيلي، الذي يعي أن رأيه الشخصي لا أهمية له بخصوص القضية التي يعالجها في مسرحيته، فليس من حقه أن ينصِّب نفسه قاضيًا على التاريخ وكأن حسن مرعي طبَّق هذا المعنى عمليًّا قبل أن يُنظِّر له الألمان بسنوات كثيرة.

  • سابعًا: التضمين الحدثي والإسهاب: قام حسن مرعي في مسرحيته بتضمين بعض الأحداث التي حدثت في الماضي، ولا علاقة مباشرة لها مع قضية اعتصاب طلاب الأزهر، ولم يكتف المؤلف بذلك، بل أسهب في هذه الأحداث المتضمنة إسهابًا لافتًا للنظر، فأخذت مساحةً أكبر من حجمها في نص المسرحية. ومن ذلك على سبيل المثال: تضمينه لمسألة القاضي الشرعي؛ فتاريخيًّا حدثت هذه المسألة في أوائل يناير ١٩٠٩، وكان محورها يدور حول: هل للحكومة العثمانية حق تعيين القاضي الشرعي؟ أو هذا الحق للحكومة المصرية؟ واتفقت آراء مجلس الوزراء المصري على أن يكون انتخاب القاضي من حق الحكومة المصرية، وأن يكون تعيينه من حق الحكومة العثمانية.١٢٠
    وعالج حسن مرعي هذه المسألة في مسرحيته من خلال حوار طويل دار بين شيخ الأزهر وأعوانه، عندما سأله أحد العلماء قائلًا: «وأي غرباء تعني يا مولانا؟ وهل صار الأزهر كباقي مصالح الحكومة تلعب به يد الأغراض والغايات والمفاسد؟» فيرد عليه الشيخ قائلًا: «وهل تستغرب من ذلك؟ أوَلَمْ يتداخل ذوو المفاسد من قبل في القضاء الشرعي، وهو لم يقلَّ في احترامه عن معهدنا هذا؟ أما تعلم قبل الآن ما حل بمحاكمنا الشرعية، وما أنزلوه على سماحة قاضي قضاتنا، وما قاموا به في وجهه بحجة الإصلاح المقلوب الذي وضعه أذناب الاحتلال؛ ليقطعوا الصلة التي تربط مصر بالدولة العلية، ولينزعوا القضاء الشرعي المصري من يد الخليفة المُمَثَّل في سماحة القاضي؟»١٢١ … إلخ الحوار الذي شغل ثلاث صفحات من المسرحية.
    وربما تضمين هذا الموضوع والإسهاب فيه من قِبل المؤلف في مسرحيته؛ راجع إلى تخوُّف عامة الناس من استغلال الاحتلال الإنجليزي لهذا الاعتصاب كحجة للتدخل في شئون الأزهر،١٢٢ كما تدخل في مسألة القضاء الشرعي. فمن المعروف أن الاحتلال تدخل في كل أمور الدولة، ولم يبق له إلا أن يتدخل في شئون الخديوي الخاصة، وهي شئون تتعلق بالجامع الأزهر وبالأوقاف وبالقضاء الشرعي.١٢٣ وطالما تدخل الاحتلال في القضاء الشرعي، فمن المؤكد أنه سيسعى للتدخل في الشأنين الباقيين، ومنهما الأزهر. وربما سمع المؤلف أو عاصر هذه المخاوف بنفسه، فأراد إثبات مسألة القضاء الشرعي كتنبيه للقراء أو للمشاهدين إلى هذا التخطيط من قبل الاحتلال.
    وأمر آخر ضمنه حسن مرعي في مسرحيته وأسهب فيه: عندما تحدث عن حياة وتصرفات بعض أميرات الأسرة الحاكمة، وبالأخص الأميرة نازلي فاضل، التي ذكرها باسم الأميرة نازلي هانم. واتخذ هذا التضمين شكل حوار بين طالبين أثناء المظاهرة؛ تحدَّثا فيه عن صاحب المؤيد ودفاعه عن الأميرة نازلي، وبدأ الحوار عندما قال طالب لآخر: «حقيقة ذلك يا أخي، ولقد تعجبتُ من دفاع هذا الشيخ المنافق هذا الدفاع الفظيع، الذي قام يدافع عن الأميرة نازلي هانم التي أهانت المصريين بقولها لمحرر إحدى الجرائد الإفرنكية؛ بأن المصري لا يساوي ثمن الحبل الذي يُشْنق به، بعدما أطنبت بالتبجيل والتمجيد في رجال الإنكليز.»١٢٤ ويستمر الحوار بعد ذلك على مدار أربع صفحات حول تصرفات هذه الأميرة وتصرفات أميرة أخرى لم يذكر المؤلف اسمها.
    figure
    الأميرة نازلي فاضل هانم.

    وربما تضمين هذا الموضوع من قِبَل المؤلف في مسرحيته والإسهاب فيه — رغم عدم علاقته المباشرة بقضية الاعتصاب وعدم وجوده في الصحف في تلك الفترة — راجع إلى شيوعه بين الناس في ذلك الوقت، وربما كان الحديث به سرًّا على اعتبار أنه مساس بالأسرة الحاكمة، فأراد المؤلف أن يجعل منه تُكأةً فنيةً باستخلاص وجه الشبه الرابط بين الأمور، حينما تتردى وتسوء الأحوال، وتُفْتَعل الأحداث للتدخل في شئون البلاد من قِبَل الغرباء، أو ربما لبيان عدم اكتراث ذوي الأمر بالموضوع. ومن المحتمل أن ذكر هذا الأمر في المسرحية وغيره من الأمور التي تمسُّ الخديوي شخصيًّا كان من أهم الأسباب التي جعلت الحكومة تمنع تمثيل هذه المسرحية.

(د) أسس المسرح التسجيلي بين التنظير والتطبيق

وصلت الدراسة من خلالها خطواتها السابقة إلى قناعة بأن مسرحية «الأزهر وقضية حمادة باشا»، التي نُشِرت في مصر عام ١٩٠٩، هي مسرحية تسجيلية؛ ينطبق عليها تعريف المسرح التسجيلي، وتحمل بين طياتها معظم — إن لم يكن كل — سِمَات المسرح التسجيلي التي جاءت في الدراسات التنظيرية المنشورة — ابتداءً من ستينيات القرن الماضي — عن المسرح التسجيلي.

وإذا نُظِر إلى الدراسات السابقة التي تحدثت تنظيريًّا عن المسرح التسجيلي — كما جاءت في الدراسة — سيلاحظ أن الألمان قاموا بكتابتها، وترجمها العرب وأفادوا منها في معظم دراساتهم عن المسرح التسجيلي. ومن الجدير بالذكر أن هذه الدراسات — سواء الألمانية أو العربية — أجمعت على أن المسرحيات التسجيلية التي كُتِبت منذ أول ستينيات القرن الماضي كتبها الألمان، وكانت تدور حول موضوعات منها: جرائم النازية، ومجزرة إندونيسيا، ومشكلة الشرق الأوسط، ومقتل جون كنيدي، والتدخل العسكري ضد أنجولا وموزمبيق، والتفرقة العنصرية في أميركا وجنوب أفريقيا … إلخ هذه الموضوعات.١٢٥
وإذا طرحت الدراسة سؤالًا يقول: لماذا قام الألمان بكتابة مسرحيات تسجيلية تدور حول هذه الموضوعات على وجه الخصوص، ولا تدور حول غيرها؟ فستأتي الإجابة من بيتر فايس — صاحب أول دراسة تنظيرية منشورة عن المسرح التسجيلي — قائلًا: إن الكُتَّاب الألمان تعرضوا إلى مثل هذه الموضوعات لأنها موضوعات لا يُنظر إليها إلا كجريمة من طرف واحد فقط.١٢٦ وبناءً على ذلك تقول الدراسة: ألم يقم حسن مرعي في كتاباته المسرحية باختيار موضوعات لا يمكن النظر إليها إلا على اعتبار أنها جريمة من طرف واحد؟! ألم يكتب «حادثة دنشواي» عام ١٩٠٦ باعتبارها جريمةً من طرف الاحتلال الإنجليزي في شخص اللورد كرومر ضد الشعب المصري؟ ألم يكتب مسرحيته «الأزهر وقضية حمادة باشا» عام ١٩٠٩ باعتبارها جريمةً من السلطة في شخص خليل حمادة باشا ضد طلاب الأزهر؟!
وإذا عادت الدراسة مرةً أخرى إلى موضوعات المسرحيات التسجيلية التي كتبها الألمان؛ فسيُلاحَظ عليها أنها موضوعات بعيدة مكانيًّا عن مؤلفيها! فأين مكان إندونيسيا والشرق الأوسط وأميركا وأنجولا وموزمبيق وجنوب أفريقيا … من الكتاب الألمان؟! ويجيب على ذلك بيتر فايس أيضًا قائلًا: إن مؤلف المسرح التسجيلي لا يوجد في مركز الأحداث، ولكنه يأخذ موقف المراقب والمحلل.١٢٧ وهنا تتساءل الدراسة: أيهما أجدى للمسرح التسجيلي: وجود المؤلف بعيدًا عن مركز الأحداث، فيقوم بمراقبتها وتحليلها بناءً على ما يصل إليه من صحف وتقارير وسجلات من مركز الأحداث البعيد عنه؟ أم وجوده في مركز الأحداث واطلاعه، في المراقبة والتحليل، على ما لديه من صحف وتقارير وسجلات داخل مركز الأحداث الموجود فيه؟!
والأمر نفسه ينطبق أيضًا من حيث الزمان! فالدراسة تتساءل: أين زمان أحداث إندونيسيا والشرق الأوسط وأميركا وأنجولا وموزمبيق وجنوب أفريقيا … من زمان كتابة الألمان لهذه الأحداث؟! فالمعروف أن الكُتَّاب الألمان هم المؤسسون الفعليون للمسرح التسجيلي، الذي لا يمكن تحديد نظريته العامة إلا باستقراء أعمالهم.١٢٨ حيث بدأ المسرح التسجيلي — كحركة درامية — بظهور مسرحية «النائب» عام ١٩٦٣، للكاتب الألماني «هو خهوت»؛ الذي عرض فيها شريحةً مقتطعةً من التاريخ، كما قام بيتر فايس بكتابة مسرحيته «مارا صاد» عام ١٩٦٤،١٢٩ ومسرحيته «أنشودة أنجولا» عام ١٩٦٧، وزمن أحداثهما يسبق كتابتهما بسنوات طويلة.

وهنا تتساءل الدراسة: أيهما أجدى للمسرح التسجيلي: وجود المؤلف في زمن آخر غير زمن أحداث مسرحيته ليطلع على صحفها وسجلاتها وتقاريرها؟ أم وجوده في زمن الأحداث ومعايشتها، والاطلاع على صحفها وسجلاتها وتقاريرها؟! فإذا كان الاختيار الأول هو الأجدى بالنسبة للمكان والزمان، فللألمان الريادة في ذلك المضمار. أما إذا كان الاختيار الآخر هو الأجدى، فلحسن مرعي الريادة المصرية والعربية، بل والعالمية في مضمار تأليف المسرحيات التسجيلية؛ حيث إنه عاش وتعايش في مكان وزمان الأحداث.

وإذا كان أحد الدارسين قال عن المسرح التسجيلي: «… ليس هناك من يزعم أن الزمن الذي تُعْرض فيه مسرحية ما مطابق للزمن الذي حدثت فيه وقائع المسرحية في الواقع.»١٣٠ فإن الدراسة تستطيع أن تزعم بذلك؛ حيث إن حسن مرعي كتب مسرحيتيه التسجيليتين في الزمن نفسه لأحداثهما، بل وأراد عرضهما على المسرح لولا منعهما من قبل الرقابة المسرحية الحكومية.

وفي ختام هذا الأمر، تستطيع الدراسة أن تقول: إن حسن مرعي بكتابته للمسرحية التسجيلية كان أسبق تطبيقيًّا من الألمان روَّاد تنظير وتأليف المسرح التسجيلي، بل وكان أقرب من تنظيرهم وتطبيقهم إلى الروح الفنية والمنطقية للمسرح التسجيلي، عندما كتب مسرحيتيه وهو في قلب أحداثهما، وعايش زمن أحداثهما بكل دقائقه وتفاصيله. وعلى ذلك، فيُعْتبر حسن مرعي رائد التطبيق المسرحي للمسرح التسجيلي في مصر والعالم العربي، بل وفي العالم الغربي، إن صحت خطوات الدراسة في إثبات ذلك.

ثالثًا: النتائج

في نهاية هذه الدراسة التي تناولت قضية «بداية المسرح التسجيلي في مصر»: مسرحية «الأزهر وقضية حمادة باشا نموذجًا»، توصلت الدراسة إلى النتائج الآتية:

  • (١)

    من حيث «بواكير المسرح التسجيلي في مصر»، اتضح أن المسرح التسجيلي في مصر هو المسرح المرفوض رقابيًّا لأسباب سياسية أو اجتماعية، وأن هذا المسرح ظهر في مصر على يد حسن مرعي عندما كتب مسرحيته الأولى «حادثة دنشواي» عام ١٩٠٦.

  • (٢)

    من حيث «سمات المسرح التسجيلي في مسرحية الأزهر وقضية حمادة باشا»، لُوحِظ أن مسرحية «الأزهر وقضية حمادة باشا»، المنشورة عام ١٩٠٩، تُعْتبر مسرحيةً تسجيليةً؛ لتطابقها مع تعريف المسرح التسجيلي، ولتضمُّنها عناصر وسمات هذا النوع المسرحي، كما جاءت في الدراسات التنظيرية. وبذلك يُعْتبر حسن مرعي من أوائل من كتبوا المسرحية التسجيلية في مصر، إن لم يكن الأول بالفعل.

  • (٣)

    من حيث «الفروق الفنية لأحداث الأزهر بين الواقع والإبداع»، وُجِد أن تعامل حسن مرعي مع النص المسرحي كان تعاملًا فنيًّا في مسرحة الأحداث التاريخية، وذلك من خلال أدواته الفنية التي تنوعت بين التصريح والتلميح، والتغيير والإضافة والحذف، والتلخيص والتجاهل، والتضمين الحدثي والإسهاب؛ وذلك عندما صرح بأن الخديوي يسرق أموال أوقاف الأزهر، ولمح بقضية المنشاوي باشا، وغيَّر في بعض الأحداث؛ كطلب شيخ الأزهر لقوة البوليس، وأضاف مسألة قيام الخديوي بإبدال بعض أراضيه بأراضي الأوقاف، وحذف اسم لجنة الاتحاد الأزهري، ولخص مطالب الأزهريين، وتجاهل ذكر استقالة شيخ الأزهر حسونة النواوي، وضمَّن مسألة القضاء الشرعي، وأسهب في وصف تصرفات الأميرة نازلي فاضل.

  • (٤)

    من حيث «أُسس المسرح التسجيلي بين التنظير والتطبيق»، انتهت الدراسة إلى أن حسن مرعي بكتابته للمسرحية التسجيلية كان أسبق تطبيقيًّا من الألمان؛ روَّاد تنظير وتأليف المسرح التسجيلي العالمي، بل وكان أقرب من تنظيرهم وتطبيقهم إلى الروح الفنية والمنطقية للمسرح التسجيلي، عندما كتب مسرحيتيه «دنشواي» و«الأزهر» وهو في مكان أحداثهما، معايشًا لزمانهما، بكل ما في المكان والزمان من دقائق وتفاصيل. وعلى ذلك، يُعْتبر حسن مرعي رائد التطبيق المسرحي للمسرح التسجيلي في مصر والعالم العربي، بل وفي العالم الغربي؛ سابقًا بذلك تنظيرات الألمان، كما مر توضيحه في الدراسة.

رابعًا: التوصيات

وبناءً على ما تكشَّف للدراسة من خلال تناول الموضوع، يمكن القول: إن قضية المسرح التسجيلي بحاجة إلى دراسات مُسانِدة تتعقب النصوص المسرحية المجهولة التي عُرِضت في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، وأخص تلك المسرحيات التي سجلت الأحداث التاريخية أو الاجتماعية في حينها؛ حتى نتمكن من رسم صورة متكاملة للمسرح التسجيلي في مصر؛ ومثال على ذلك:

  • (١)

    هناك نص مفقود لمسرحية «أدهم باشا»، التي عُرِضت في مصر عام ١٨٩٧، والعثور على هذا النص والتحقق منه: هل هو نص مُتَرجم عن التركية أو هو نص مُؤَلَّف؟ وهل مؤلِّفه تركي أو مصري؟ وهل هو نصٌّ منشور أو مخطوط؟ كل ذلك يُمكِّن دراسةً من الوقوف على سمات فنية لمسرحية تنبئ أخبارها القليلة أنها من الجائز أن تكون ضمن جنس المسرح التسجيلي.

  • (٢)

    إذا كانت الدراسة قد عنيت بمسرحية «الأزهر وقضية حمادة باشا» لحسن مرعي، فإن هناك نصًّا مسرحيًّا آخر للمؤلف ذاته مفقودٌ؛ هو مسرحية «صيد الحمام» أو «حادثة دنشواي»، وهو لا يقل أهميةً — حسب ظني — عن النص السابق؛ حيث إن هذه المسرحية تُعْتبر باكورة كتابات حسن مرعي، والعثور على مثل هذا النص يمكِّن دراسةً من فحص واستبيان تطور الحس الفني في الإبداع المسرحي التسجيلي لدى حسن مرعي؛ إذ ربما تكون السمات الفنية متطابقةً مع سمات النمط الذي عالجه البحث، أعني مسرحية «الأزهر وقضية حمادة باشا»، وربما تكون مختلفةً قليلًا. وهذا أمر لا تكشفه إلَّا دراسة النص، ومن ثمَّ يمكن أن يرسِّخ لظاهرة المسرح لدى حسن مرعي، ويمكن أن يُكتشف أنها خطوة سابقة في استخدام الأدوات.

  • (٣)

    أن تُعْنَى دراسة برصد وتجميع القصائد الشعرية التي كُتِبت ونُشِرت عن أحداث اعتصاب طلاب الأزهر عام ١٩٠٩، خصوصًا وأن المؤلف أورد أربع قصائد منها في تذييل مسرحيته، حتى تتم المقارنة بين تسجيل هذه الحادثة مسرحيًّا وشعريًّا. وهذا الأمر ربما يكشف لنا عن نمط جديد في الأدب يقوم على الرصد والتسجيل بغير أدوات المسرحي. فإذا عُنِيت دراسات بمثل ذلك أمكنت الحقل الأدبي من الإفادة من نتائجها، وأثْرَت المكتبة العربية في هذا المجال.

د. سيد علي إسماعيل

هوامش

(١) يقول د. إبراهيم حمادة: إن ألفريد فرج كتب مسرحيته «النار والزيتون» عام ١٩٧٠ على أسلوب المسرح التسجيلي. كما أشار أيضًا د. علي الراعي إلى أن الكاتب الليبي الأزهر أبو بكر حميد كتب مسرحيته «يوم الهاني» عام ١٩٧٦ بأسلوب المسرح التسجيلي. وللمزيد عن هذا الأمر، يُنظَر: د. إبراهيم حمادة، معجم المصطلحات الدرامية والمسرحية، دار المعارف، ١٩٨٥، ص٢١٩، د. علي الراعي، المسرح في الوطن العربي، سلسلة عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، عدد ٢٥، يناير ١٩٨٠، ص٤٨٥.
(٢) وهي محفوظة بفهارس دار الكتب المصرية تحت فن (ز) ورقم (١١٩٨٧).
(٣) حول هذا الأمر يُنْظَر: جريدة مصر ٧ / ٢ / ١٨٩٩.
(٤) يُنْظَر في ذلك: جريدة المقطم ٧ / ٧ / ١٩٠٦. ومن الجدير بالذكر أننا — على حدِّ علمنا — لم نجد أثرًا لهذه المجلة في فهارس دوريات دار الكتب المصرية، ولم نجد لها أثرًا في الكتب التي أرَّخت للصحافة العربية!
(٥) حول ذلك يُنْظَر: جريدة المقطم ٧ / ٧ / ١٩٠٦، جريدة اللواء ١٢ / ٧ / ١٩٠٦، ٢٩ / ٨ / ١٩٠٦، جريدة المؤيد ١٢ / ٧ / ١٩٠٦.
(٦) حول هذا الرفض المسرحي يُنْظَر: جريدة الشرق ٨ / ٧ / ١٩٠٨، جريدة الأخبار ٨ / ٧ / ١٩٠٨.
(٧) حول ذلك يُنْظَر: حسن مرعي، «رواية الأزهر وقضية حمادة باشا»، مارس سنة ١٩٠٩.
(٨) حول هذه القضية يُنْظَر: جريدة مصر ٣ / ٨ / ١٩٠٩، جريدة الأخبار ١٨ / ٨ / ١٩٠٩.
(٩) حول هذا الأمر يُنْظَر: جريدة المؤيد ١ / ٥ / ١٩١٥، جريدة الأخبار ٨ / ٨ / ١٩١٥، ١٦ / ١٢ / ١٩١٥، جريدة الأفكار ٢٠ / ١٢ / ١٩١٥، ٨ / ٣ / ١٩١٦، ١٣ / ١٠ / ١٩١٦، جريدة النظام ٥ / ٣ / ١٩٢٠.
(١٠) حول هذه الوظائف يُنْظَر: جريدة النظام ٥ / ٣ / ١٩٢٠، جريدة الأهرام ٧ / ٤ / ١٩٢٠.
(١١) للتعرف على أخبار هذه الفرقة يُنْظَر: جريدة مصر ٢٤ / ٩ / ١٩٢١، جريدة المنبر ٢٥ / ٩ / ١٩٢١.
(١٢) حول فحوى هذه الكلمة يُرْجَع إلى: مجلة التياترو المصورة، عدد ٧، أبريل ١٩٢٥، ص٢١.
(١٣) وهذا الترجيح سببه أن الصحف ذكرت أخبارًا فنيةً بدأت في الظهور عام ١٩٢٩ عن ابنه «عيد حسن مرعي»، وهذه الأخبار تقول: إن عيد حسن مرعي ألف مسرحية «كوكو في الجيش» عام ١٩٢٩، وكان متعهدًا لفيلم «الزواج»، تأليف وإخراج وتمثيل فاطمة رشدي عام ١٩٣٤، كما عرض لحسابه الخاص فيلم «أولاد مصر»، بطولة أحمد المشرقي وحنان رفعت بسينما القليوبية عام ١٩٣٤ أيضًا، وللمزيد حول هذه الأخبار يُنْظَر: جريدة السياسة ٥ / ٤ / ١٩٢٩، وإعلان فيلم «الزواج» عام ١٩٣٤، وفيلم «أولاد مصر» عام ١٩٣٤ المحفوظان بإدارة التراث بالمركز القومي للمسرح والموسيقى.
(١٤) حول ذلك يُرْجع إلى: جلال العشري، لن يسدل الستار … اتجاهات المسرح المعاصر، مكتبة الأنجلو المصرية، ط١، ١٩٦٧، ص٢٦٣، د. يسري خميس، مقدمة مسرحية «مارا صاد» لبيتر فايس، سلسلة روائع المسرحيات العالمية، عدد ٤٣، دار الكتاب العربي، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والنشر، وزارة الثقافة، ١٥ مارس ١٩٦٧، ص١٢، بيتر فايس، دراسة عن المسرح التسجيلي، نُشِرت في مجلة Theater Heute الألمانية في مارس ١٩٦٨، وترجمها د. يسري خميس ونشرها بعد تقديمه لمسرحية بيتر فايس «أنشودة أنجولا»، سلسلة من المسرح العالمي، عدد ١٤، نوفمبر ١٩٧٠، وزارة الإرشاد والأنباء بالكويت، ص١٩–٢٥، د. علي الراعي، السابق، ص٤٨٦.
(١٥) حول ذلك يُنْظَر: د. سيد علي إسماعيل، تاريخ المسرح في مصر في القرن التاسع عشر، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ١٩٩٨.
(١٦) أدهم باشا (١٨٤٤–١٩١٩): وُلِد بالآستانة وتُوُفي بالقاهرة. وزير عثماني ومستشار في مجلس التنظيمات، وقائد عام الجيش التركي في الحرب ضد اليونان عام ١٨٩٧، وللمزيد عنه يُنْظَر: المنجد في الأعلام، دار المشرق، بيروت، ط٩، ١٩٧٨، ص٣٠.
(١٧) للمزيد عن أخبار هذه الحرب يُنْظَر: أحمد حسين، موسوعة تاريخ مصر، الجزء الثالث، مطبوعات الشعب، ١٩٨٥، ص١١٨٣-١١٨٤.
(١٨) حول هذه العروض يُرْجع إلى: جريدة المقطم ١٦ / ٩ / ١٨٩٧، ١٨ / ١ / ١٨٩٨.
(١٩) للمزيد عن هذه المسرحيات وغيرها من المسرحيات المرفوضة رقابيًّا في تاريخ المسرح المصري، يُنْظَر: د. سيد علي إسماعيل، الرقابة والمسرح المرفوض، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ١٩٩٧.
(٢٠) للتعرف على تفاصيل حادثة قرية دنشواي ومحاكمة أهلها، يُرْجع إلى: جريدة اللواء ابتداءً من ١٥ / ٦ / ١٩٠٦ وحتى نهاية شهر يوليه ١٩٠٦.
(٢١) بدأ عبد الحليم دولار ظهوره الأدبي عام ١٩٠٥ بتعريبه لمسرحية البؤساء التي وضعها شارل هوجو؛ ابن فيكتور هوجو، ثم ألَّف عام ١٩٠٦ قصته «حمام دنشواي» عام ١٩٠٦، ثم اتجه إلى المسرح بصفة عامة وعرَّب مسرحية «سارقة الأطفال» لفرقة سلامة حجازي عام ١٩١٢، وألف مسرحية «نعيم بن حازم»، وعرب مسرحية «منقذ اليتامى» عام ١٩١٤ لفرقة عكاشة، ثم ألَّف مسرحية «ابن طولون» عام ١٩١٥؛ ولكن الرقابة منعتها من التمثيل، ثم كتب مجموعةً كبيرةً من المقالات بجريدة المنبر في قضية رأي عام تخص العروض المسرحية الفودفيلية عام ١٩١٦، ثم عرَّب مسرحية «أم أربعة وأربعين» لفرقة عزيز عيد، ومسرحية «الممثل كين» لفرقة جورج أبيض عام ١٩١٧، وألَّف مسرحية «فيروزشاه» لفرقة جورج أبيض عام ١٩١٨، كما عرب للفرقة نفسها مسرحية «رحلة المسيو بريشون» ومسرحية «ميشيل أستروجوف» عام ١٩٢٥، وهو عام وفاته بالقاهرة. وللمزيد عنه يُنْظَر: جريدة الوطن ٨ / ١١ / ١٩٠٥، والمقطم ٢ / ٣ / ١٩١٢، ومصر ١٢ / ٣ / ١٩١٤، ١٩ / ٩ / ١٩١٤، والأخبار ١ / ٥ / ١٩١٥، والمنبر ٢٦، ٢٩ / ٢ / ١٩١٦، ١، ٣، ٩ / ٣ / ١٩١٦، والأهرام ١٤ / ٢ / ١٩١٧، والأفكار ١ / ٣ / ١٩١٧، والأخبار ٢٢ / ٨ / ١٩١٨، والسياسة ٢٤ / ٤ / ١٩٢٥.
(٢٢) من الجدير بالذكر أن كلمة «رواية» كانت تُطلق على القصة بمعناها الأدبي الحديث، وكانت تُطلق على المسرحية بمعناها الأدبي الحديث، ولكن مع إضافة كلمة تمثيل أو تشخيص على المسرحية كفَرْقٍ بينها وبين الرواية، وذلك في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، وبمعنى آخر: إن القصة كان يُطلق عليها اسم «رواية» فقط. أما المسرحية فيُطلق عليها اسم «رواية تمثيلية» أو «رواية تشخيصية»؛ ولذلك سنلاحظ أن غلاف مسرحية «الأزهر وقضية حمادة باشا»، الموجود صورته في ملحق الدراسة، مكتوب عليه: «رواية الأزهر وقضية حمادة باشا» سياسية تمثيلية لمؤلفها حسن مرعي؛ صاحب «رواية دنشواي» التمثيلية. وللمزيد عن هذا يُنْظَر: الأخبار والإعلانات المنشورة عن المسرحيات في مصر في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين في: د. سيد علي إسماعيل، تاريخ المسرح في مصر في القرن التاسع عشر، السابق، وأيضًا: د. سيد علي إسماعيل، مسيرة المسرح في مصر: فرق المسرح الغنائي، ١٩٠٠–١٩٣٥، الجزء الأول، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ٢٠٠٣.
(٢٣) هكذا جاء على غلاف القصة: «حِمَام أو حَمَام دنشواي» رواية أدبية أخلاقية غرامية تاريخية، تأليف عبد الحليم دولار، مصحح بمطبعة التقدم، طُبِعت على نفقة محمود توفيق الكتبي بالأزهر، مطبعة التقدم بشارع محمد علي بمصر، ١٩٠٦، المقدمة.
(٢٤) لم تَجِدِ الدراسة — بما توافر من مراجع — أية مسرحية أو قصة عن دنشواي قبل مسرحية حسن مرعي عام ١٩٠٦، ولكن بعد ذلك وجدت مسرحية «دنشواي الحمراء» لخليل الرحيمي عام ١٩٥١، ومسرحية «دنشواي» التي مُثِّلت بالمسرح القومي عام ١٩٥٦ — ولعلها مسرحية دنشواي الحمراء — ومسرحية «دنشواي» أو «المحاكمة» ليسري الجندي عام ١٩٧٦.
(٢٥) هو علي باشا أحمد يوسف مبارك يوسف شيخون. وُلِد سنة ١٨٦٣ في بلدة بلصفورة بجرجا، وتُوُفي والده بعد عام من ميلاده، وسافرت به والدته إلى بلدتها بني عدي، وبها نشأ وتعلم وحفظ القرآن الكريم، وأخذ العلوم الدينية واللغوية على الشيخ حسن الهواري، ثم سافر إلى القاهرة والتحق بالأزهر، وتلقى العلوم الدينية واللغوية والأدبية على مشاهير علماء عصره، واشتغل في شبابه بنظم الشعر، كما نشر المقالات الأدبية والعلمية في الصحف والمجلات المشهورة في عصره حتى احترف الصحافة والتحرير، وأنشأ سنة ١٨٨٩ مجلة الآداب، ثم اشترك مع الشيخ أحمد ماضي في إصدار جريدة المؤيد التي استقل بها بعد ذلك بمساعدة بعض الأغنياء المصريين. وكانت المؤيد من أكبر الصحف المصرية، وباكورة الجرائد الإسلامية التي دافعت عن حقوق الوطنيين، كما كانت أول الجرائد المصرية والشرقية التي استعملت المحركات الكهربائية في طباعتها. وفي شهر يوليه سنة ١٨٩٦، قُدِّم علي يوسف للمحاكمة بسبب قضية التلغرافات المشهورة، وكان وكيل النيابة في القضية الزعيم محمد فريد، وحكمت المحكمة بالبراءة، وأما قضية زواجه بالسيدة صفية السادات، فقد سببت له أزمات مالية وصحية، وكان لها دوي كبير في جميع الأوساط المصرية، واستغلها خصومه السياسيون أسوأ استغلال. وكان علي يوسف من المخلصين للخديوي عباس حلمي الثاني، وجريدة المؤيد كانت لسانًا رسميًّا للخديوي. وفي سنة ١٩٠٧، أنشأ حزب الإصلاح على المبادئ الدستورية وتولَّى رئاسته، وانْتُخِب عضوًا في مجلس الأمة. وفي ٤ مارس سنة ١٩١٢، اعتزل علي يوسف السياسة والصحافة والتحرير، وعُيِّن شيخًا لمشيخة السادة الوفائية حتى وفاته في العام التالي ١٩١٣. ومن مؤلفاته ديوانه الشعري نسمة السحر، أيام الخديوي عباس الثاني في دار السعادة، مقالات قصر الدوبارة، منتخبات المؤيد، بيان في خطة المؤيد تجاه الدولة العلية العثمانية. وللمزيد عنه يُرْجع إلى: الفيكونت فيليب دي طرازي، تاريخ الصحافة العربية، الجزء الثالث، المطبعة الأدبية، بيروت، ١٩١٤، ص٤٠، زكي محمد مجاهد، الأعلام الشرقية في المائة الرابعة عشرة الهجرية، الجزء الثالث، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط٢، ١٩٩٤، ص١٠٥٢–١٠٥٥.
(٢٦) هو الأديب الشامي سليم شاهين سركيس (١٨٦٧–١٩٢٦): اشتهر في مصر، وكانت له طريقة خاصة في الكتابة الأدبية. تلقى ثقافته في جريدة «لسان الحال» البيروتية، ورحل إلى باريس ولندن فارًّا من عسف بعض الحكام، وعاد إلى الشرق فأنشأ في القاهرة جريدة «المشير» ومجلة «مرآة الحسناء»، واضطر إلى الرحيل من مصر، فقصد أميركا وأصدر بها دوريتي «البستان» ثم «الراوي». عاد بعد خمس سنوات إلى مصر فكتب في العديد من صحفها كالمؤيد والأهرام. وأشهر آثاره مجلة سركيس التي أصدرها في القاهرة واستمرت إلى آخر حياته عندما تُوُفي في القاهرة. ومن مؤلفاته: «الندى الرطيب في الغزل والنسيب»، و«سر مملكة»، و«غرائب المكتوبجي»، ورواية «تحت رايتين». وللمزيد عنه يُرْجع إلى: خير الدين الزركلي، الأعلام، المجلد الثالث، دار العلم للملايين، بيروت، ط٩، ١٩٩٠، ص١١٨.
(٢٧) هي الأميرة نازلي فاضل هانم ابنة الأمير مصطفى بهجت فاضل بن إبراهيم باشا بن محمد علي باشا الكبير: وُلِدت سنة ١٨٥٣، وصاحبت والدها في إقامته خارج مصر، وتزوجت سنة ١٨٧٣ من خليل باشا شريف؛ وزير خارجية الدولة العلية، ولم تَعُدْ إلى مصر إلا بعد وفاة والدها سنة ١٨٧٥، وما لبث زوجها أن عُيِّن سفيرًا للدولة العثمانية في باريس، فسافرت معه ونهلت من ثقافة فرنسا الكثير، خصوصًا فكرة الصالونات الأدبية التي كانت تحضرها باستمرار. عادت بعد ذلك إلى مصر كامرأة مثقفة متحضرة تُجِيد التحدُّث بعدة لغات؛ منها: التركية والإنجليزية والفرنسية والألمانية والإيطالية، فأقامت في قصرها أول صالون ثقافي في تاريخ مصر؛ ذلك الصالون الذي ارتاده الشيخ جمال الدين الأفغاني، والشيخ محمد عبده، وسعد زغلول باشا، وقاسم أمين، والمويلحي، وأديب إسحاق، وغيرهم، كما ضم أيضًا أصدقاءها من الإنجليز؛ أمثال: اللورد كرومر، وكتشنر، وبوند، وستورس. وتزوجت الأميرة نازلي بعد وفاة زوجها الأول من خليل بوحاجب في تونس سنة ١٨٩٩. وقد تُوُفِّيت الأميرة نازلي سنة ١٩١٣. وللمزيد عنها يُرْجع إلى: عمرو سميح طلعت، الأميرة نازلي فاضل … أأميرة التنوير أم عميلة الاحتلال؟ مجلة مصر المحروسة، عدد ٦، مارس ٢٠٠١، ص٤١–٤٩.
(٢٨) خليل حمادة باشا: تركي الأصل. كان عضوًا في مجلس الأعيان العثماني، وانتقل إلى مصر فعمل أمينًا لجمرك الإسكندرية، وأصبح بعد ذلك مديرًا للأوقاف منذ أواخر نوفمبر ١٩٠٨، وقد انْتُدِب مشرفًا على الأزهر أثناء أزمة اعتصاب طلابه، وبعد انتهاء الأزمة بأيام قليلة سافر إلى الآستانة مرةً أخرى وتقلد وظيفة ناظر الأوقاف في الآستانة. للمزيد عنه يُنْظَر: جريدة الجريدة ٣، ١٦ / ٢ / ١٩٠٩، ٢ / ٣ / ١٩٠٩، جريدة اللواء ٦ / ٣ / ١٩٠٩، مذكرات سعد زغلول، تحقيق د. عبد العظيم رمضان، الجزء الثاني، مركز وثائق وتاريخ مصر المعاصر، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ١٩٨٨، ص٩٠٠.
(٢٩) حول ذلك يُرْجع إلى بيتر فايس، السابق، ص١٩، ٢٠، جلال العشري، السابق، ص٢٦٢، د. علي الراعي، السابق، ص٤٨٦.
(٣٠) حول ذلك يُنْظَر — على سبيل المثال: جريدة الجريدة في التواريخ الآتية: ٢٧، ٣٠ / ١ / ١٩٠٩، ٣، ٦، ١٨، ٢٠ / ٢ / ١٩٠٩.
(٣١) حول ذلك يُرْجع إلى: جلال العشري، السابق، ص٢٦٣، بيتر فايس، السابق، ص١٩، ٢٠، ٢٦.
(٣٢) حسن مرعي، المسرحية، ص٨، ٩.
(٣٣) جريدة الجريدة ٢٥، ٢٦ / ١ / ١٩٠٩، جريدة المؤيد ٢٧ / ١ / ١٩٠٩.
(٣٤) المسرحية، ص٤.
(٣٥) المسرحية، ص١٩.
(٣٦) حول ذلك يُنْظَر: جريدة الجريدة ٢٧ / ١ / ١٩٠٩، جريدة المؤيد ٢٧ / ١ / ١٩٠٩.
(٣٧) المسرحية، ص١٨، ١٩.
(٣٨) جريدة الجريدة ٢٧ / ١ / ١٩٠٩.
(٣٩) جريدة الجريدة ٢٨ / ١ / ١٩٠٩.
(٤٠) حول ذلك يُنْظَر: مقالة «مظاهرة طلبة الأزهر»، جريدة الجريدة ١٣ / ١ / ١٩٠٩، ومقالة «طلبات الأزهريين من جميع السنين»، جريدة الجريدة ٢٥ / ١ / ١٩٠٩، ويقارن بينهما وبين خطب الطلبة في نص المسرحية، ص١٥–٢٩.
(٤١) حول ذلك يُنْظَر: مقالة «قرار مشيخة الأزهر»، جريدة الجريدة ٣٠ / ١ / ١٩٠٩، ومقالة «مسألة الأزهر»، جريدة الجريدة ٢ / ٢ / ١٩٠٩، ومقالة «مشيخة الأزهر»، جريدة الجريدة ٨ / ٢ / ١٩٠٩؛ ويقارن بينها وبين حوار الطلبة في نص المسرحية، ص٣٠-٣١.
(٤٢) حول ذلك يُنْظَر: جريدة الجريدة ٣٠ / ١ / ١٩٠٩.
(٤٣) المسرحية، ص٢٤.
(٤٤) حول ذلك يُنْظَر: مقالات جريدة المؤيد الخاصة بالأزهر وإصلاحه، المنشورة ابتداءً من أبريل ١٩٠٨ وحتى سبتمبر ١٩٠٨، ومنها على سبيل المثال: «الأزهر والتعليم» ٩ / ٤ / ١٩٠٨، «إصلاح الأزهر» ١، ١٧ / ٦ / ١٩٠٨، «الإصلاح الديني وطريقه العلمي» ٢٥، ٢٧ / ٨ / ١٩٠٨.
(٤٥) حول ذلك يُرْجع إلى: د. عبد القادر القط، من فنون الأدب: المسرحية، دار النهضة العربية، بيروت، ١٩٧٨، ص٣٢٣.
(٤٦) الموضع الأول كان به اسم «سركيس»، والآخر كان به أسماء «حمادة باشا، صديق بك، دولار بك، الشيخ عاشور». حول ذلك يُنْظَر: المسرحية، ص٢٣، ٣٢–٤٠.
(٤٧) حول ذلك يُنْظَر: جريدة الجريدة ١٣، ١٨، ٢٧، ٣٠ / ١ / ١٩٠٩، ١، ٢٣ / ٢ / ١٩٠٩، جريدة المؤيد ١٤ / ٣ / ١٩٠٩.
(٤٨) المسرحية، ص٢٩، ٣٠. وحول ذلك يُنْظَر مآسي الطلبة المضروبين من قِبَل خليل حمادة باشا وأعوانه، كما جاءت في المسرحية ص٣٧–٣٩.
(٤٩) المسرحية، ص١١، ١٢.
(٥٠) د. يسري خميس، مقدمة مسرحية «مارا صاد» لبيتر فايس، السابق، ص١٢.
(٥١) حول ذلك يُرجع إلى: بيتر فايس، السابق، ص٢١، ٢٤.
(٥٢) المسرحية، ص٢.
(٥٣) المسرحية، ص٥-٦.
(٥٤) المسرحية، ص١٣-١٤.
(٥٥) المسرحية، ص١٣.
(٥٦) في هذا العام، أصدر الخديوي عباس حلمي قانونًا لنظام الأزهر والمعاهد الدينية، أضاف فيه إلى العلوم الدراسية علومًا جديدة، وجعل الامتحان في العلوم الحديثة إجباريًّا بعد أن كان اختياريًّا في قانون الأزهر القديم الصادر عام ١٨٩٦، كما أوجب الامتحان في هذه العلوم في كل قسم من الأقسام الابتدائية والثانوية والعالمية للحصول على شهادته. وللمزيد عن ذلك يُنْظر: مذكرات سعد زغلول، السابق، ص٨٩٦.
(٥٧) حول ذلك يُنْظر: جريدة المؤيد ١٨ / ٥ / ١٩٠٨.
(٥٨) حول ذلك يُنْظر: جريدة الجريدة ١٣ / ١ / ١٩٠٩.
(٥٩) حول ذلك يُنْظر: جريدة الجريدة ١٨ / ١ / ١٩٠٩.
(٦٠) حول ذلك يُنْظر: جريدة الجريدة ٢٣ / ١ / ١٩٠٩.
(٦١) حول ذلك يُرجع إلى: جريدة الجريدة ٢٥ / ١ / ١٩٠٩.
(٦٢) حول ذلك يُنْظر: جريدة الجريدة ٢٥ / ١ / ١٩٠٩.
(٦٣) جريدة الجريدة ٢٦ / ١ / ١٩٠٩.
(٦٤) حول ذلك يُنْظر: مقالة «إلى نواب الأمة»، بتوقيع: أحد الزعماء نائبًا عن إخوانه، جريدة الجريدة ٢٦ / ١ / ١٩٠٩.
(٦٥) حول ذلك يُنْظر: مقالة «الأزهريون وطلبة المدارس: تلغراف لسمو الأمير وبلاغ لأولي الأمر»، بتوقيع: جمهور كبير من الطلبة ينطق بلسان الجميع، جريدة الجريدة ٢٧ / ١ / ١٩٠٩.
(٦٦) حول ذلك يُنْظر: جريدة الجريدة ٢٧ / ١ / ١٩٠٩.
(٦٧) حول ذلك يُنْظر: جريدة المؤيد ٢٧ / ١ / ١٩٠٩.
(٦٨) جريدة المؤيد ٢٧ / ١ / ١٩٠٩.
(٦٩) حول ذلك يُنْظر: مقالة «إلى الأمة ورأيها العام وأحزابها المصلحين»، توقيع: أحد الزعماء نائبًا عن إخوانه، جريدة الجريدة ٢٧ / ١ / ١٩٠٩.
(٧٠) حول ذلك يُرْجع إلى: جريدة الجريدة ٣٠ / ١ / ١٩٠٩.
(٧١) حول ذلك ينظر: «محاكمة الأزهريين الثلاثة»، جريدة الجريدة ٦ / ٢ / ١٩٠٩.
(٧٢) حول ذلك يُرْجع إلى: «قرار مشيخة الأزهر»، جريدة الجريدة ٣٠ / ١ / ١٩٠٩.
(٧٣) جريدة الجريدة ٣٠ / ١ / ١٩٠٩.
(٧٤) حول ذلك يُنْظر: جريدة الجريدة ٣١ / ١ / ١٩٠٩.
(٧٥) حول ذلك يُنْظر: جريدة الجريدة ٣١ / ١ / ١٩٠٩.
(٧٦) حول ذلك يُنْظر: جريدة الجريدة ١ / ٢ / ١٩٠٩.
(٧٧) حول ذلك يُنْظر: جريدة الجريدة ٢ / ٢ / ١٩٠٩.
(٧٨) حول ذلك يُنْظر: جريدة الجريدة ٢، ٣، ٤ / ٢ / ١٩٠٩.
(٧٩) هو الشيخ حسونة عبد الله النواوي الحنفي: شيخ الجامع الأزهر، وهو الشيخ الثاني والعشرون من شيوخ الأزهر. وُلِد سنة ١٨٣٩ في قرية نواي بمركز ملوي بالمنيا، ونشأ بها وتلقى مبادئ العلم، ثم التحق بالأزهر وتلقى العلم على شيوخ عصره. ولما تخرج درَّس في الأزهر، بالإضافة إلى تدريس الفقه بمسجد محمد علي الكبير بالقلعة، ثم عُيِّن مدرسًا بدار العلوم، ثم بمدرسة الإدارة (مدرسة الحقوق)، ثم عُيِّن وكيلًا للجامع الأزهر، ثم شيخًا له ومفتيًا لمصر بجانب مشيخته للأزهر، كما كان عضوًا بمجلس شورى القوانين. وتمت إقالته من مشيخة الأزهر بسبب خلاف بينه وبين بطرس غالي باشا، وبعد فترة أُعِيد إلى منصبه مرةً أخرى حتى استقال بسبب أزمة اعتصاب طلاب الأزهر عام ١٩٠٩، فأقام بداره واعتزل الناس حتى وفاته عام ١٩٢٩، وله كتاب «سلم المسترشدين لأحكام الشريعة والدين» في ثلاثة أجزاء. وللمزيد عنه يُرْجع إلى: زكي محمد مجاهد، الأعلام الشرقية في المائة الرابعة عشرة الهجرية، الجزء الأول، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط٢، ١٩٩٤، ص٣٠١-٣٠٢.
(٨٠) حول ذلك يُنْظر: جريدة الجريدة ٤، ٦، ٧ / ٢ / ١٩٠٩.
(٨١) جريدة الجريدة ٨ / ٢ / ١٩٠٩.
(٨٢) حول ذلك يُنْظر: مقالة «الحكومة والأزهريون»، جريدة الجريدة ٩ / ٢ / ١٩٠٩.
(٨٣) جريدة الجريدة ١٦ / ٢ / ١٩٠٩.
(٨٤) حول ذلك يُرْجع إلى: جريدة الجريدة ١٦، ١٧ / ٢ / ١٩٠٩.
(٨٥) حول ذلك يُنْظر: أحمد لطفي السيد، «من أجل ذلك نطلب الدستور»، جريدة الجريدة ١٨ / ٢ / ١٩٠٩.
(٨٦) حول ذلك يُنْظر: جريدة اللواء ١٤ / ٣ / ١٩٠٩، ١ / ٤ / ١٩٠٩.
(٨٧) حول ذلك يُنْظر: مقالات «الأمة بأسرها مستاءة من حالة الأزهر»، جريدة الجريدة ١٨ / ٢ / ١٩٠٩، «الأمة تدافع عن الأزهر»، جريدة الجريدة ٢٠ / ٢ / ١٩٠٩، «المحامون ومسألة الأزهر»، جريدة الجريدة ١٨ / ٢ / ١٩٠٩، «إصلاح ذات البين»، جريدة الجريدة ٢٠ / ٢ / ١٩٠٩.
(٨٨) حول ذلك يُنْظر: جريدة الجريدة ٢١، ٢٢، ٢٣ / ٢ / ١٩٠٩، ٢، ٤، ٦ / ٣ / ١٩٠٩، جريدة المؤيد ١٧ / ٤ / ١٩٠٩.
(٨٩) مكتوب على الغلاف الآتي: رواية الأزهر وقضية حمادة باشا، سياسية تمثيلية ذات أربعة فصول، لمؤلفها حسن مرعي؛ صاحب رواية دنشواي التمثيلية. النسخة قرشان صاغ، وتُطْلب من الكتبية أو صاحبها بالجمالية، مصر، في مارس سنة ١٩٠٩. حول ذلك يُنْظر: صورة الغلاف في ملحق الدراسة.
(٩٠) حول ذلك يُنْظر: مقالة «الأزهر الشريف والمحكمة الشرعية»، بتوقيع ابن النجوم محمود، جريدة الجريدة ١٣ / ١ / ١٩٠٩.
(٩١) المسرحية، ص١٠.
(٩٢) حول ذلك يُرْجع إلى: مقالة «تظلم الأزهريين: مظاهرة الخميس»، جريدة الجريدة ٣٠ / ١ / ١٩٠٩.
(٩٣) المسرحية، ص ٢٢-٢٣.
(٩٤) حول ذلك يُنْظر: جريدة الجريدة ٣٠ / ١ / ١٩٠٩.
(٩٥) حول ذلك يُرْجع إلى: أحمد حسين، موسوعة تاريخ مصر، السابق، ص١٢٢١.
(٩٦) جريدة الجريدة ٢٠ / ٢ / ١٩٠٩.
(٩٧) المسرحية، ص٣٨.
(٩٨) المسرحية، ص١١.
(٩٩) حول ذلك يُنْظر: جريدة الجريدة ٢٦، ٢٨، ٣٠ / ١ / ١٩٠٩.
(١٠٠) يُقَارن بين مقالات جريدة الجريدة: «إلى الرأي العام من لجنة الأزهريين» ٣١ / ١ / ١٩٠٩، «إلى الجناب العالي ورئيس الجمعية العمومية» ٢ / ٢ / ١٩٠٩، «منشور لجنة الاتحاد الأزهري إلى طلبة الأزهر» ٧ / ٢ / ١٩٠٩، «شكوى مرة من لجنة الاتحاد الأزهري» ١٧ / ٢ / ١٩٠٩، «منشور لجنة الاتحاد الأزهري» ٢٢ / ٢ / ١٩٠٩، وبين أحداث المسرحية، ص٥، ٦، ١٥–٢١.
(١٠١) تُقَارن هذه الأسماء كما وردت في جريدة الجريدة ٢٧ / ١ / ١٩٠٩، جريدة المؤيد ٢٧ / ١ / ١٩٠٩، وبين ما أوردته المسرحية من أسماء، ص١٩.
(١٠٢) يُقَارن هتاف الطلبة المتظاهرين بين مقالتي جريدة الجريدة: «مظاهرة طلبة الأزهر»، ٢٣ / ١ / ١٩٠٩، «تظلم الأزهريين: مظاهرة الخميس»، ٣٠ / ١ / ١٩٠٩، وبين المسرحية، ص٢٢-٢٣.
(١٠٣) هو عبد العزيز خليل جاويش؛ الذي وُلِد بالإسكندرية سنة ١٨٧٦، ولكن أصل أسرته من تونس، هاجرت بعد الاحتلال الفرنسي إلى مصر، وأقامت بمدينة الإسكندرية، وعملت في التجارة. وقد تعلم جاويش في الأزهر ودار العلوم، ثم سافر إلى إنجلترا وتخصص في علوم التربية والآداب، ولما عاد إلى مصر عُيِّن في وزارة المعارف. وفي سنة ١٩٠٢، سافر مرةً أخرى إلى إنجلترا وعُيِّن مدرسًا للغة العربية بجامعة أكسفورد. وبعد مدة، عاد إلى مصر وعُيِّن مفتشًا، ثم استقال من الحكومة واشتغل بالسياسة والصحافة، وانضم إلى الحزب الوطني. واشتغل بالتحرير في جريدة اللواء، وكتب مقالات ضد الاحتلال الإنجليزي، وقُدِّم إلى المحاكمات عدة مرات، وحُكِم عليه بالسجن. ولما أُفْرج عنه سافر إلى تركيا وأصدر جريدة الهلال، فمجلة الهداية، ثم مجلة العالم الإسلامي. وانتدبته الحكومة التركية للسفر إلى أوروبا للدعاية لها في الحرب العالمية الأولى. وبسبب مواقفه السياسية، عاد إلى مصر على إحدى البواخر متخفيًا عام ١٩٢٣، ليشتغل بالصحافة والسياسة. وفي سنة ١٩٢٥، عُيِّن مديرًا للتعليم الأولي واشترك في تأسيس جمعية الشبان المسلمين بالقاهرة. وقد تُوُفي سنة ١٩٢٩ بالقاهرة. ومن مؤلفاته: العالم الإسلامي، وأثر القرآن في تحرير الفكر البشري، وآثار الخمرة، والإسلام دين الفطرة، والصحف الخالدة. وللمزيد عنه يُنْظر: زكي محمد مجاهد، الأعلام الشرقية، الجزء الثالث، السابق، ص١٠٤١–١٠٤٥، أنور الجندي، عبد العزيز جاويش: من رواد التربية والصحافة والاجتماع، سلسلة أعلام العرب، عدد ٤٤، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والأنباء والنشر، الدار المصرية للتأليف والترجمة، أغسطس ١٩٦٥، ص١٧٥-١٧٦.
(١٠٤) المسرحية، ص٨، ٩.
(١٠٥) حول ذلك يُرجع إلى: د. سعيد إسماعيل علي، الأزهر على مسرح السياسة المصرية، دار الثقافة للطباعة والنشر بالقاهرة، ١٩٧٤، ص٢٤٢–٢٤٤، أحمد حسين، موسوعة تاريخ مصر، السابق، ص١٢٤٠-١٢٤١.
(١٠٦) حول ذلك يُنْظر: المسرحية، ص١٥–٢١.
(١٠٧) حول ذلك يُنْظر: جريدة الجريدة ٢٣، ٢٥، ٢٦ / ١ / ١٩٠٩.
(١٠٨) حول ذلك يُنْظر: جريدة الجريدة ٢٥ / ١ / ١٩٠٩.
(١٠٩) المسرحية، ص١٥.
(١١٠) المسرحية، ص١٨.
(١١١) حول ذلك يُنْظر: جريدة الجريدة ١٦، ١٧، ١٨ / ٢ / ١٩٠٩.
(١١٢) المسرحية، ص١٢-١٣.
(١١٣) حول ذلك يُنْظر: المسرحية، ص٤٠.
(١١٤) حول ذلك يُنْظر: غلاف المسرحية في ملحق الدراسة.
(١١٥) حول ذلك يُنْظر: جريدة الجريدة ١٦، ١٧، ١٨، ٢٠، ٢١، ٢٥، ٢٨ / ٢ / ١٩٠٩، ١، ٢، ٤ / ٣ / ١٩٠٩.
(١١٦) هو الشاعر أحمد نسيم عثمان محمد: وُلِد سنة ١٨٧٨، وتُوُفي والده وهو صغير، وعُنِي بتربيته أخوه الأكبر إبراهيم عصمت؛ ناظر الرصدخانة، وتلقى العلم في مدرسة المبتديان والمدرسة الخديوية والأزهر الشريف، فعُيِّن مصححًا بدار الكتب المصرية، وكان من أعلام الشعر الوطني. ويمتاز شعره بجزالة الأسلوب، وتدفق المعاني والأحاسيس الوطنية. وتم جمع هذا الشعر في ديوان من جزأين، اشتمل الجزء الثاني على شعره الوطني. وللمزيد عنه يُرْجع إلى: زكي محمد مجاهد، الأعلام الشرقية، الجزء الثاني، السابق، ص٦٧٤-٦٧٥.
(١١٧) هو الشاعر إبراهيم مصطفى عبد القادر الدباغ الفلسطيني: وُلِد سنة ١٨٨٠ في مدينة يافا، ونشأ بها، ودرس فيها القرآن والتجويد. وفي سنة ١٨٩٣، سافر إلى القاهرة والتحق بالأزهر الشريف، واشتغل بالعلم ونظم الشعر، وأخذ العلم والأدب على مشاهير رجال عصره؛ كالشيخ سليم البشري، وأحمد باشا تيمور، وحمزة فتح الله، والشيخ سيد المرصفي، وكان يكتب في الشئون الدينية والسياسية، وعاش حياته بائسًا، وكُفَّ بصره في كهولته، وامتاز شعره بالقوة والعاطفة وصدق التصوير. وقد تُوُفي سنة ١٩٤٦ بالقاهرة. ومن مؤلفاته: ديوان الطليعة (في جزأين)، حديث الصومعة، في ظلال الحرية. وللمزيد عنه يُرْجع إلى: زكي محمد مجاهد، السابق، ص٦٤٨-٦٤٩.
(١١٨) هو الشاعر الشيخ ثابت فرج عبد الرءوف الجرجاوي: وُلِد في مدينة جرجا بصعيد مصر، ونشأ بها وتلقى مبادئ العلم، ثم التحق بالأزهر ونال شهادة العالمية. عمل بالتدريس وعُيِّن ناظرًا في مدرسة ابتدائية بجرجا، ثم وكيلًا ومدرسًا بالمعهد الديني بجرجا. وكان رئيسًا لرابطة التعليم الأولي الإلزامي، ورئيسًا لجمعيتي نهضة القرى ومنع المسكرات بجرجا، واشترك في الحركة الوطنية الكبرى سنة ١٩١٩، واعْتُقِل ونُفِي إلى مالطة. وكان عالمًا وشاعرًا وأديبًا. ومن مؤلفاته: ديوانه الشعري، وكتاب النبراس في تاريخ الخديوي عباس الثاني. وللمزيد عنه يُرْجع إلى: زكي محمد مجاهد، السابق، ص٦٨٨.
(١١٩) المسرحية، ص٤٨، وقصائد بقية الشعراء منشورة في نهاية المسرحية، ص٤٠–٤٨.
(١٢٠) حول ذلك يُرْجع إلى: مذكرات سعد زغلول، السابق، ص٨٤٩-٨٥٠.
(١٢١) المسرحية، ص٦-٧.
(١٢٢) يقول سعد زغلول: اجتمعنا عند بطرس غالي باشا؛ رئيس الوزراء، وتكلمنا في مسألة الأزهر فقلت: الرأي عندي أن يصدر عفو عام، وأن يصدر من الخديوي شيء يدلُّ الكافة على أنه غير راضٍ عن الأعمال التي صدرت من خليل حمادة؛ لأن هذه المسألة ليست من المسائل الهيِّنة، والسخط عام، والتأثر شديد. ولا نغتر بسكوت الإنجليز، فإنهم إن سكتوا الآن فلا يبعد أن يتحركوا غدًا، ويتخذوا من هذه الأعمال حجةً علينا. حول ذلك يُنْظر: مذكرات سعد زغلول، السابق، ص٩٠٣.
(١٢٣) حول ذلك يُنْظر: أنور الجندي، السابق، ص١٧٥، د. سعيد إسماعيل علي، السابق، ص٢٣٢، أحمد حسين، السابق، ص١١٦٩، ١١٧٠.
(١٢٤) المسرحية، ص٢٤.
(١٢٥) حول ذلك يُرْجع إلى: بيتر فايس، السابق، ص٢١–٢٥، جلال العشري، السابق، ص٢٦٣.
(١٢٦) حول ذلك يُنْظر: بيتر فايس، السابق، ص٢٣.
(١٢٧) حول ذلك يُنْظر: بيتر فايس، السابق، ص٢٨.
(١٢٨) د. يسري خميس، مقدمة مسرحية «مارا صاد»، لبيتر فايس، السابق، ص١١.
(١٢٩) حول ذلك يُرْجع إلى: د. إبراهيم حمادة، السابق، ص٢١٩.
(١٣٠) د. يسري خميس، مقدمة مسرحية «مارا صاد»، لبيتر فايس، السابق، ص١٧.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤