المقدمة

يتناول الجزء الرابع والأخير من كتابنا هذا — تاريخ آداب اللغة العربية — في عهد النهضة الأدبية الأخيرة، ويبتدئ من تاريخ دخول الفرنسويين القطر المصري تحت إمرة بونابرت في أواخر القرن الثامن عشر إلى هذه الأيام. وغني عن البيان أن هذا العصر يختلف عما تقدمه من عصور آداب اللغة، مثل اختلاف أحواله السياسية والاجتماعية عن أحوالها؛ فلقد كانت الدولة العربية في أول ظهور الإسلام، والأعصر التالية في بدء تكونها وعنفوان نشاطها، فتهيأ لها أن تتناول علوم الأمم المعاصرة وآدابها وتكيفها مع أطوار آدابها الخاصة، وتصبغها بصبغة مدنيتها العربية الإسلامية، بل إن تلك الأعصر نفسها كان يختلف بعضها عن بعض اختلافًا بيِّنًا، فكانت الدولة الأموية عربية بدوية، ثم تلتها الدولة العباسية، فإذا هي مصطبغة بصبغة فارسية إلا من حيث آداب اللغة فإنها ظلت عربية، ونضجت الآداب العربية في أيامها على ما سبق لنا بيانه في مستهل الجزء الثاني في الكلام على العصر العباسي الأول. أما في عهد النهضة الأخيرة فإن الدولة العربية كانت قد أدركها الهِرَم فلم تقوَ على مقاومة تيار المدنية الأوربية، وهي تختلف عن مدنيتها الإسلامية شكلًا وأسلوبًا، فجارتها وإن لم تخرج عن دائرتها الخاصة على ما سنبينه في تضاعيف هذا الجزء، وبه تمام هذا الكتاب الذي أردنا أن نخدم به الناشئة العربية، والمتأدبين الراغبين في درس تاريخ آداب اللغة في كل عصر ومصر، وفي كل موضوع من المواضيع الاجتماعية أو الأخلاقية أو اللغوية، فكان لنا من إقبالهم على اقتناء الأجزاء الأُوَل ما كان خير منشِّط لنا على متابعة الجهد في إيفاء هذه الخدمة الأدبية حقها من صدق اللهجة، والصراحة في القول، والخلو من الغرض، والحرص على إثبات الحقائق بلا تكلُّف، والمحافظة على سلامة المعنى قبل كل شيء، وهذا شأننا في كل ما نكتبه.

ولقد عنينا بوضع فهارس أبجدية بأسماء الكتب والمؤلفين، والمواضيع المشتملة عليها الأجزاء الأربعة سنصدرها في أوائل السنة القادمة من الهلال — بحيث يصبح كتابنا هذا موسوعة كبرى لآداب اللغة العربية، يجد فيها كل طالب بغيته، والله الموفق.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤