الشعر

تغيرت حال الشعر في هذا العصر عما كانت عليه قبله بعد ذهاب سيف الدولة والصاحب بن عباد وغيرهما من الآخذين بناصر الأدباء والشعراء، وصارت أمور الدولة أكثرها إلى الأعاجم وانصرفت القرائح إلى الفقه والتصوف وغيرهما من العلوم الدينية، فأصبح الشاعر لا ينظم رغبة في الجائزة أو تنافسًا في التقدم لدى ولاة الأمر، وإنما ينظم في الأكثر إرضاءً لقريحته، فتغيرت أغراض الشعراء من النظم وقل النابغون منهم، ومع اتساع المملكة الإسلامية وطول مدة هذا العصر لم ينبغ فيه من الشعراء البلغاء نصف ما نبغ في سواه قبله.

ونظرًا لما توالى على المملكة الإسلامية من الإحن والفتن كسدت سوق الشعر، وأصبح المنتجع من الشعراء لا يستنكف من شكوى الفقر وطلب الرفد بصراحة كقول ابن التعاويذي يخاطب عضد الدين بن رئيس الرؤساء:

فيا مولاي هل حدثت عني
بأني من ملائكة السماء
وأن وظائف التسبيح قوتي
وما أحيا عليه من الدعاء
وإني قد غنيت عن الطعام الـ
ـذي هو من ضرورات البقاء
وهل في الناس لو أنصفت خلق
يعيش كما أعيش من الهواء
فلا في جملة الأحرار أُدعى
ولا بين العبيد ولا الإماء

واتجهت القرائح إلى الأدعية ومدح النبي والراشدين بقصائد ظهر بعضها في أوائل العصر التالي هي أبلغ ما وصل إلينا من مدحهم، وكثرت المعاني الصوفية لشيوع التصوف فيه، ولا يرجى مع ذلك أن يكون الفرق بين شعر هذا العصر والذي سبقه كبيرًا لرغبة القوم في تحدي أسلافهم والنسج على منوالهم.

على أن ما انتاب الشعر من أطوار المدينة والانقلابات الاجتماعية أحدث تغييرًا في قواعده وأساليبه، وقد تقدم أن صناعته نضجت في العصر الماضي كما نضجت سائر آداب اللغة، وانتهى إلى ابن رشيق فوضع فيه كتاب العمدة في صناعة الشعر ونقده، وهو في الشعر العربي أشبه ببوالو في الشعر الفرنساوي؛ لأنه قيد شوارده وعين أساليبه، وتمكن ذلك منه في هذا العصر فأصبحت أبوابه ومناحيه معينة يراد بها الصناعة الشعرية لا التعبير عن الشعور، فصار الفخر — مثلًا — بابًا من تلك الأبواب يتسابق الشعراء إلى الإجادة فيه بالمبالغة بلا تحمس لمفاخرة في حرب أو للتفاخر بالأنساب أو نحو ذلك، وإنما يريدون به مجرد الصناعة الشعرية، وممن أجاد في ذلك ابن سناء الملك الشاعر المصري المشهور بمبالغته وسيأتي ذكره، وقس على ذلك سائر الأبواب.

وفي هذا العصر نضجت الموشحات في الأندلس وتوسع أهلها بوصف المناظر الطبيعية، ووضعوا فنًّا آخر سموه الزجل، شهره وقام عماده أبو بكر بن قزمان الأندلسي القرطبي المتوفى سنة ٥٥٥، ويعرف بإمام الزجالين وسيأتي ذكره، واستحدث أهل الأمصار في المغرب فنًّا آخر من الشعر في أعاريض مزدوجة نظموه بلغتهم الحضرية وسموه «عروض البلد» استنبطه ابن عمير الأندلسي، وشاع هذا الفن بفاس فنوعوه أصنافًا سموه المزدوج والكاري والملعبة والغزل وغيرها، كما شاعت الآن أنواع الزجل المصري في مصر والقريض والمعنى في الشام، وفي أواخر مقدمة ابن خلدون فصل طويل في هذا الموضوع وأمثلة يحسن الاطلاع عليها.

وفي هذا العصر انتقل التوشيح من الأندلس إلى الشرق وشاع فيه، وأول من استكثر منه وأجاد فيه ابن سناء الملك المذكور، ويمتاز هذا العصر بإتقان الصناعة اللفظية على الإجمال كما تقدم ولحق الشعر منه حظ كبير، فأصبح الشاعر يصرف همه إلى اللفظ ولو سخر له المعنى أحيانًا حتى يغلق فهم المراد منه، وقد أجاد بعضهم في ذلك إلى حد الإعجاز وأشهر الأمثلة عليه ديوان ابن الفارض.

(١) الشعراء

أما شعراء هذا العصر فقد تكاثروا في أطراف المملكة الإسلامية لكنهم في مصر أكثر منهم في كل عصر قبله، وفيهم جماعة من فطاحل الشعراء، وإليك خلاصة تراجم الشعراء حسب مواطنهم مع اعتبار سني الولادة، ونبدأ بمصر.

أولًا: شعراء مصر

السبب في تكاثر الشعراء بمصر في هذا العصر اعتزاز وادي النيل بالخلافة الفاطمية (٣٥٨–٥٧٦) ثم سلطة الأيوبيين (٥٧٦–٦٥٠ﻫ)، وكانت قبل ذلك إمارة تابعة للمدينة أو دمشق أو بغداد وإن استقلت بإدارتها في بعض الأحوال، وكان للفاطميين عناية عظيمة باللغة العربية كما تقدم والبلاد إنما تجود قرائح أهلها بالعز، وأكثر الشعراء المصريين نبغوا في أواخر الدولة الفاطمية، وهاك أشهرهم حسب سني الوفاة:
  • (١)
    ابن قلاقس (المتوفى سنة ٥٦٧ﻫ): هو أبو الفتوح نصر الله بن عبد الله بن قلاقس الأزهري الإسكندري الملقب بالقاضي الأعز كان شاعرًا مجيدًا صحب الشيخ الحافظ أبا طاهر السلفي الآتي ذكره وله فيه مدائح، ودخل في آخر وقته اليمن وامتدح بعض رجالها وحكامها فأثرى فركب البحر فانكسر المركب، وغرق ما كان معه عند جزيرة الناموس بالقرب من دهلك، فعاد إلى اليمن صفر اليدين ثم انتقل إلى صقلية وعاد منها وتوفي في عيذاب سنة ٥٦٧ﻫ.

    له ديوان مرتب على الأبجدية فيه كثير من مدائحه في السلفي، طُبع بمصر سنة ١٣٢٣ﻫ، وله قصائد متفرقة في أماكن أخرى، ومن أمثلة شعره قصيدة قالها بعد الغرق يستغيث ببعض ممدوحيه وقد أجازه فقال:

    وغلطت في تشبيهه
    بالبحر فاللهم غفرا
    أوليس نلت بذا غنى
    جمًّا ونلت بذاك فقرا
    وعهدت هذا لم يزل
    مدًّا وذاك يعود جزرا

    (ترجمته في ابن خلكان ١٥٦ ج٢).

  • (٢)
    ابن سناء الملك (توفي سنة ٦٠٨ﻫ): هو القاضي السعيد هبة الله بن القاضي الرشيد جعفر بن المعتمد سناء الملك المصري، كان من الرؤساء النبلاء وكان كثير التخصص والتنعم وافر السعادة، وكان في أيامه مجالس للشعراء في مصر يجري لهم فيها مفاكهات ومحاورات يروق سماعها هو واسطة عقدها، وكان منشئًا حسن الإنشاء على طريقتهم وهو أول من استكثر من الموشحات وأجاد فيها من المشارقة، ومن آثاره:
    • (أ)

      دار الطراز: ديوان موجود في ليدن، وفي الخزانة التيمورية بالقاهرة نسخة منه قديمة في ٢٠٠ صفحة، ومن شعره قصيدته الفخرية الشهيرة التي مطلعها:

      سواي يهاب الموت أو يرهب الرَّدى
      وغيري يهوى أن يعيش مخلدًا
    • (ب)

      كتاب فصوص الفصول وعقود العقول مجموع شعر ونثر ومراسلات أكثرها من القاضي الفاضل أستاذ المنشئين في ذلك العصر يمدحه ويمدح إباه وجده، وقد صدرها ابن سناء الملك بمقدمة من قلمه يفتخر بذلك المدح، ومن هذا الكتاب نسخة في الأسكوريال وباريس والمكتبة الخديوية. (ترجمته في ابن خلكان ١٨٨ ج٢).

  • (٣)
    كمال الدين بن النبيه (توفي سنة ٦١٩ﻫ): هو علي بن محمد بن الحسين كمال الدين بن النبيه المصري مدح بني أيوب، واتصل بالملك الأشرف موسى، وكتب له الإنشاء وأقام في نصيبين وتوفي فيها. وله ديوان أكثره في مدح الأيوبيين منه نسخة خطية في أكثر مكاتب أوربا، وطُبع في بيروت سنة ١٢٩٩ﻫ وفي مصر سنة ١٨٩٥، وله قصيدة ترجمها كارليل إلى الإنكليزية ونشرها في كتاب «أمثلة من الشعر العربي» في لندن سنة ١٨١٠. (ترجمته في فوات الوفيات ٧١ ج٢).
  • (٤)
    ابن شمس الخلافة (توفي سنة ٦٣٢ﻫ): هو أبو الفضل جعفر بن شمس الخلافة الأفضلي نسبة إلى الأفضل أمير الجيوش بمصر ويلقب مجد الملك، كان جميل الخط وكتب كثيرًا، وله مؤلفات من جملتها ديوان لا نعلم مكانه، وكتاب في الأدب منه نسخة في ليدن، ومن شعره في الحكم قوله:
    هي شدة يأتي الرخاء عقيبها
    وأسى يبشر بالسرور العاجل
    وإذا نظرت فإن بؤسًا زائلًا
    للمرء خير من نعيم زائل

    (ترجمته في ابن خلكان ١١٣ ج١.)

  • (٥)
    عمر بن الفارض (توفي سنة ٦٣٢ﻫ): هو أبو حفص عمر بن أبي الحسن علي بن المرشد علي الحموي الأصل المصري المولد والدار والوفاة ويُنعت بالشرف، وهو أشهر من أن يعرَّف لاشتهار ديوانه وكثرة شراحه، كان ينحو في شعره منحى الصوفية ورعًا، إذا مشى في المدينة ازدحم الناس عليه يلتمسون منه البركة والدعاء. وكان وقورًا إذا حضر مجلسًا استولى السكون على أهله. وإذا أراد النظم أصابته غيبوبة، قيل: إن بعضها كان يستغرق عشرة أيام لا يأكل ولا يشرب ولا يتحرك فإذا أفاق أملى من الشعر أبياتًا. جاور بمكة زمنًا، وتوفي في القاهرة ودفن في سفح المقطم وقبره معروف هناك.

    ويمتاز شعره بكثرة الجناس والبديع مع الإجادة فيهما مما كان مستملحًا في عصره وما زال محل إعجاب الأدباء إلى عصرنا هذا ثم جنح الناس إلى الحقائق واستنكفوا من كثرة التأنق في الصناعة اللفظية. وكان ديوان الفارض إلى عهد غير بعيد يعلَّم في المدارس فيحفظه الأحداث غيبًا، وإن لم يفهموه، لكنهم يرون في ذلك فائدة للقريحة الشعرية. وفي أغراض ابن الفارض اختلاف بين الشارحين، أشهر شراحه الشيخ حسن البوريني (١٠٢٤ﻫ) والشيخ عبد الغني النابلسي (١١٤٣ﻫ)، شرحه البوريني على ظاهر المراد منه أي: بحسب المعنى الظاهر، وشرحه النابلسي شرحًا صوفيًّا، وقد جمع رشيد بن غالب بين الشرحين في كتاب طُبع في مصر سنة ١٢٨٩، وفي مرسيليا سنة ١٨٥٣. وترجمت قصيدته التائية إلى الألمانية وطُبعت سنة ١٨٥٤، وتُرجم غيرها إلى الفرنساوية طُبعت بباريس سنة ١٨٨٦ (ترجمته في ابن خلكان ٣٨٣ ج١).

  • (٦)
    جمال الدين بن مطروح (توفي سنة ٦٤٩ﻫ): هو أبو الحسن يحيى بن عيسى الملقب جمال الدين من أهل صعيد مصر نشأ هناك وأقام في قوص، وتنقلت به الأحوال في الخدم والولايات حتى اتصل بخدمة السلطان الملك الصالح الأيوبي، وهو نائب عن أبيه الكامل بمصر، فلما اتسعت مملكة الكامل سير ابنه الصالح نائبًا عنه في ما بين النهرين، فسار ابن مطروح في خدمته حتى إذا رجع الملك الصالح إلى مصر سنة ٦٣٩ﻫ وتولاها جعل ابن مطروح ناظرًا في الخزانة، ثم عينه وزيرًا لنائب دمشق وحسنت حاله وارتفعت منزلته، واضطر الملك الصالح لمحاربة صاحب حمص فسير ابن مطروح في حملة إلى هناك، ثم أمره بالرجوع فعاد إلى مصر، ومات فيها ودفن في سفح المقطم، وكانت بينه وبين ابن خلكان المؤرخ مطارحات ومكاتبات ذكر ابن خلكان بعضها في كتابه وفيات الأعيان (٢٥٧ ج٢) مع أمثلة كثيرة من شعره.

    له ديوان منه نسخ خطية في برلين والمتحف البريطاني وكوبرلي، وقد طبع بالأستانة سنة ١٢٩٨ مع ديوان عباس بن الأحنف.

  • (٧)
    سيف الدين الياروقي (توفي سنة ٦٥٦ﻫ): هو الأمير علي بن عمر بن قزل بن جلدك سيف الدين التركماني الياروقي. ولد بمصر سنة ٦٠٢ وتوفي بدمشق ودفن في سفح قاسيون وتقلب في بعض المناصب الديوانية، ومنها: أنه تعين مشد الدواوين للناصر يوسف عبد العزيز وكان ظريفًا طيب العشرة، له ديوان منه نسخ في الأسكوريال والمتحف البريطاني، وتجد أمثلة من نظمه في فوات الوفيات (٦٣ ج٢).
  • (٨)
    بهاء الدين زهير (توفي سنة ٦٥٦ﻫ): هو أبو الفضل زهير بن محمد بن علي المهلبي العتكي الكاتب، كان من فضلاء عصره وأحسنهم نظمًا ونثرًا وخطًّا ومن أكبرهم مروءة، اتصل بخدمة السلطان الملك الصالح المتقدم ذكره وتوجه في خدمته إلى البلاد الشرقية، وحافظ على ولائه في أثناء نكبته فحفظ له ذلك فلما عاد الصالح إلى الملك قربه، وكانت بينه وبين ابن مطروح مودة ومحاضرات وعرفه ابن خلكان واجتمع به وأثنى عليه، ويمتاز شعره بالرقة والظرف وخفة الروح، لا تكاد تسمع منه أبياتًا حتى تتبين روح البهاء زهير فيها فتنمُّ عليه، وكثير من أشعاره شائع يتمثل به الناس وفي بعضه مجون لطيف، ولولا شيوع ديوانه وكثرة طبعاته لأتينا بأمثلة منه، فقد طُبع بمصر مرارًا ومنه نسخ خطية في أكثر المكاتب الكبرى، وترجمه المستشرق الإنكليزي بالمر نظمًا إلى اللغة الإنكليزية وطبعه في كمبريدج سنة ١٨٧٦ في مجلدين وعلق عليه الحواشي والشروح (ترجمته في ابن خلكان ١٩٤ ج١).
ومن شعراء مصر في هذا العصر أيضًا:
  • (٩)
    ابن زقاق البلقيني (توفي سنة ٥٢٨ﻫ): له ديوان مرتب على الهجاء في برلين.
  • (١٠)
    ظافر بن القاسم الحداد الإسكندراني (توفي بالقاهرة سنة ٥٢٩ﻫ): له ديوان في برلين.

ثانيًا: شعراء الشام

  • (١)
    ابن سنان الخفاجي (توفي سنة ٤٦٦ﻫ): هو أبو محمد عبد الله محمد بن سعيد بن سنان الخفاجي كان يرى رأي الشيعة، وعصي بقلعة عزاز من أعمال حلب وجرت معه وهو هناك النكتة المشهورة بوضع الشدة على النون، وذلك أنه كان بينه وبين أبي نصر محمد بن الحسن النحاس وزير محمود بن صالح مودة مؤكدة، وكان محمود يريد القبض على الخفاجي فأمر أبا نصر بن النحاس أن يكتب إليه كتابًا يستعطفه ويؤنسه وقال: «لا يأمن إلا إليك ولا يثق إلا بك»، فكتب إليه كتابًا فلما فرغ منه وكتب «إن شاء الله تعالى» شدد النون من إن، فقرأه الخفاجي وخرج من عزاز قاصدًا حلب، فلما كان في الطريق أعاد النظر في الكتاب فرأى التشديد على النون، فأمسك رأس فرسه وفكر في نفسه وأن ابن النحاس لم يضع الشدة على النون عبثًا، فلاح له أنه أراد: «إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك» فعاد إلى عزاز وكتب الجواب: «إنا الخادم المعترف بإنعام إلخ» وكسر الألف من إنا وشدة النون وفتحها (إنا) فلما وقف أبو نصر على ذلك سر وعلم أنه قصد به: «إنا لن ندخلها أبدًا ما داموا فيها» وكتب إليه الجواب يستصوب رأيه، وللخفاجي:
    • (أ)

      ديوان منه نسخة في المكتبة الخديوية وطبع في بيروت سنة ١٣١٦.

    • (ب)

      سرُّ الفصاحة منه نسخة في برلين (ترجمته في فوات الوفيات ٢٣٣ ج١).

  • (٢)
    ابن حيوس (توفي سنة ٤٧٣ﻫ): هو أبو الفتيان محمد بن سلطان بن محمد بن حيوس الغنوي الملقب صفي الدولة، وكان يدعى بالأمير لأن أباه كان من أمراء المغرب. وهو أحد الشعراء الشاميين المحسنين ومن فحولهم المجيدين، لقي جماعة من الملوك ومدحهم وأخذ جوائزهم وكان منقطعًا إلى بني مرداس أصحاب حلب ونال جوائزهم، وله ديوان شعر منه نسخة في المكتبة الخديوية مرتب على الأبجدية في ٣٥٠ صفحة. (ترجمته في ابن خلكان ١٠ ج٢).
  • (٣)
    ابن منير الطرابلسي (توفي سنة ٥٤٨ﻫ): هو أبو الحسين أحمد بن منير بن مفلح بن أحمد الطرابلسي مهذب الدين، كان أبوه ينشد الأشعار ويغني في الأسواق بطرابلس الشام، ونشأ مهذب الدين وتعلم اللغة والأدب وقال الشعر وقدم دمشق وسكنها وكان رافضيًّا كثير الهجاء خبيث اللسان وكان السيد المرتضى الموسوي نقيبًا للأشراف في العراق والشام، فلما كثر منه ذلك سجنه بوري بن أتابك طغتكين صاحب دمشق ثم شفعوا فيه فأطلقه، وجرت بينه وبين ابن القيسراني محمد بن نصر الشاعر مكاتبات وأجوبة. وهو غير ابن القيسراني المحدث الآتي ذكره١ وكان ابن القيسراني الشاعر وابن منير مقيمين في حلب يتنافسان في صناعتهما، ولابن منير قصيدة حكمية قال فيها:
    وإذا الكريم رأى الخمول نزيله
    في منزل فالحزم أن يترحلا
    كالبدر لما أن تضاءل جد في
    طلب الكمال فحازه متنقلا

    وذكر له صاحب تزيين الأسواق قصيدة رائية طويلة تعرف بالتترية، قالها في مملوك له اسمه تتر مطلعها:

    عذبت طرفي بالسهر
    وأذبت قلبي بالفكر

    ولهما حكاية مع الشريف المرتضى ذكرها صاحب تزيين الأسواق، ولم نقف له على ديوان ولكن في ابن خلكان (٤٩ ج١) طائفة من أشعاره.

  • (٤)
    ابن الساعاتي (توفي سنة ٦٠٤ﻫ): هو أبو الحسن بن رستم بن هردوز الملقب بهاء الدين ويعرف بابن الساعاتي، ولد في دمشق وتوفي بالقاهرة ودفن في سفح المقطم، وله ديوان شعر في مجلدين منه نسخة في أيا صوفيا، وهو غير ابن الساعاتي الفقيه الآتي ذكره. (ابن خلكان ٣٦٢ ج١).
  • (٥)
    بهرام شاه بن فرخشاه (توفي سنة ٦٢٨ﻫ): هو الملك الأمجد أبو المظفر صاحب بعلبك من بني أيوب له ديوان في الغزل والنسيب والحماسة في باريس، وهو صاحب البيتين:
    دعوت بماء في إناء فجاءني
    غلام بها صرفًا فأوسعته زجرا
    فقال: هو الماء القراح وإنما
    تجلى بها خدي فأوهمك الخمرا

    (فوات الوفيات ٨١ ج١.)

  • (٦)
    الشواء الحلبي (توفي سنة ٦٣٥ﻫ): هو أبو المحاسن يوسف بن إسماعيل بن علي الملقب شهاب الدين ويعرف بالشواء الحلبي، أصله من الكوفة وولد في الموصل، كان متقنًا لعلم العروض والقوافي، وقد عاصر ابن خلكان وبينهما مودة، وأنشده الشواء كثيرًا من شعره ذكره في ترجمته (٤١١ ج٢)، وذكر له ديوانًا كبيرًا في أربعة مجلدات منه منتخبات في برلين.
  • (٧)
    أمين الدين الحلبي (توفي سنة ٦٤٣ﻫ): هو عبد المحسن بن حمود التنوخي أمين الدين الحلبي، كان كاتبًا ووزيرًا لعز الدين أيبك صاحب صرخد وجمع كتابًا في الأخبار والنوادر في عشرين مجلدًا — لم نقف عليه — وإنما وصلنا ديوانه المسمى مفتاح الأفراح في امتداح الراح على نسق أبي نواس وفيه مجون منه نسخ خطية في برلين وفينا، ومنه أمثلة في ترجمة عبد المحسن في فوات الوفيات (١٠ ج٢).
  • (٨)
    صدر الدين ابن حمويه (المتوفى سنة ٦٥٣ﻫ): هو محمد بن عمر بن علي بن حمويه الدمشقي من الأدباء، له عدة مؤلفات ألفها للملك الكامل محمد، قدم مصر وولي مشيخة الشيوخ ورحل إلى القدس والمغرب ودخل مراكش، واتصل بخدمة أميرها الملك المنصور بن عبد المؤمن له كتاب تقويم النديم وعقبى النعيم المقيم مجموع أشعار وأخبار في الأدب والغزل واللذات، منه نسخة خطية بالمكتبة الخديوية في ١٣٢ صفحة.
  • (٩)
    نور الدين الأسعردي (توفي سنة ٦٥٦ﻫ): هو محمد بن محمد بن عبد العزيز بن عبد الصمد بن رستم كان من شعراء الملك الناصر له به اختصاص، وله قصائد سماها الناصريات منها نسخة في الأسكوريال وأمثلة في فوات الوفيات (١٦١ ج٢)، وفي شعره ميل إلى الخلاعة والمجون، جمع أشعاره المجونية في كتاب سماه سلافة الزرجون، لم نقف عليه.
  • (١٠)
    صدر الدين البصري (توفي سنة ٦٥٩): هو علي بن أبي الفرج بن الحسن البصري صاحب الحماسة البصرية، ألفها لصلاح الدين بن الملك العزيز بن الملك الظاهر سنة ٦٤٧، ورتبها في ١٢ بابًا على فنون الشعر: الحماسة والشدة والمديح والتقريظ والتأبين والرثاء والأدب والنسيب والغزل والأضياف والهجاء ومذمة النساء والصفات والنعوت والسِّيَر والنعاس والأكاذيب والخرافات والإنابة والزهو، اختارها من أقوال شعراء الجاهلية وفحول شعراء المسلمين، تجنب فيها ما جاء في المجاميع الشعرية الأخرى، منه نسخة خطية في المكتبة الخديوية في ٥٢٦ صفحة كبيرة.

ثالثًا: شعراء العراق والجزيرة

  • (١)
    الطغرائي (توفي سنة ٥١٣ﻫ): هو العميد فخر الكتاب أبو إسماعيل الحسين بن علي المنشئ الملقب مؤيد الدين ويُعرف بالطغرائي نسبة إلى مهنته في أوائل حياته، فإنه كان طغرائيًّا أي: يكتب الطغرى أو الطرة في أعلى الكتب فوق البسملة بالقلم الغليظ ومضمونها نعوت الملك الذي صدر الكتاب عنه، ثم ما زال يرتقي حتى وزر للسلطان مسعود السلجوقي بالموصل وصار يُنعت بالأستاذ ويُلقب بالمنشئ، وبهذا اللقب عرفه السمعاني في كتاب الأنساب، وكان نابغة عصره في النظم والنثر له ديوان شعر كبير أكثره في مدح السلطان سعيد بن ملك شاه ونظام الملك وغيرهما، منه نسخة خطية في المكتبة الخديوية وبرلين والمتحف البريطاني وبطرسبورج وطبع في الأستانة سنة ١٣٠٠، واشتهر الطغرائي بقصيدته المعروفة بلامية العجم التي مطلعها:
    أصالة الرأي صانتني عن الخطل
    وحيلة الفضل زانتني لدى العطل

    وهي مشهورة وقد طُبعت مرارًا وشرحها وشطرها كثيرون، وترجمها بوكوك المستشرق إلى اللاتينية وطبعها مع تعليقات في أكسونيا سنة ١٦٦١، وترجمها إلى اللاتينية أيضًا جولي وطبعت سنة ١٧٠٧، وللطغرائي عدة مؤلفات في الكيمياء القديمة منها نسخ في مكاتب أوربا، لا فائدة من ذكرها (ابن خلكان ١٥٩ ج١).

  • (٢)
    دلال الكتب (توفي سنة ٥٦٨ﻫ): هو أبو المعالي سعد بن علي الخزرجي الوراق الحظيري المعروف بدلال الكتب، كان يبيع الكتب في بغداد وكان شاعرًا وله رغبة في جمع الشعر فجمع منه كثيرًا في كتب أهمها:
    • (أ)

      لمح الملح، رتبه على الأبجدية منه نسخ في أكسفورد والأسكوريال.

    • (ب)

      الإعجاز في الأحاجي والألغاز، ألفه برسم الأمير مجاهد الدين قايماز المتوفى سنة ٥٩٥، صدره بمقدمة في فنون الألغاز وأقسامها جاء بالألغاز مرتبة على الأبجدية حسب حروف الروي، ويذكر بعد كل لغز تفسيره وما ألغز به، منه مجلد في المكتبة الخديوية في ٦٢٤ صفحة، ويحتوي على نحو ألف لغز.

    • (جـ)

      زينة الدهر وعصرة أهل العصر، وذكر ألطاف شعر العصر ذيله على دمية القصر للباخرزي الآتي ذكره، وفيه أخبار شعراء عصره ومن تقدمهم، لم نقف على مكانه (ابن خلكان ٢٠٣ ج١).

  • (٣)
    ابن التعاويذي (توفي سنة ٥٣٨ﻫ): هو أبو الفتح محمد بن عبد الله، ويُعرف أيضًا بسبط التعاويذي؛ لأنه سبط تعاويذي آخر من أجداده اسمه المبارك بن المبارك نُسب إليه؛ لأنه كفله صغيرًا فنشأ في حجره، وكان شاعر وقته، ويعتقد ابن خلكان أنه لم يكن قبله بمئتي سنة من يضاهيه، عمي في آخر عمره وله في عماه أشعار يرثي بها عينيه ويندب شبابه. جمع ديوانه بنفسه قبل العمى وصدَّره بخطبة، ورتبه على أربعة فصول، وكل ما جد بعد ذلك سماه الزيادات، طبع هذا الديوان بمصر سنة ١٩٠٣ مضبوطًا بالشكل الكامل بعناية الأستاذ مرجليوث، وقد ذيله بفهرس أبجدي مفيد وصدره بأسماء الكتب التي جاء فيها شيء من شعر ابن التعاويذي، وهو كثير الشكوى في أشعاره (ابن خلكان ١٩ ج٢).
  • (٤)
    نجم الدين الهرثي (توفي سنة ٥٩٢ﻫ): هو أبو الغنائم محمد بن علي ويعرف بابن المعلم الواسطي، ويلقب نجم الدين الهرثي. يكاد شعره يذوب من رقته، وهو لطيف الطبع أكثر قوله في الغزل والمدح وفنون المقاصد مع سلاسة اللفظ وصحة المعنى، ويغلب في شعره وصف الشوق والحب والصبابة والغرام، فشاع واستحلاه الناس ومن أشهر شعره قوله:
    أجيراننا إن الدموع التي جرت
    رخاصًا على أيدي النوى لغوالي
    أقيموا على الوادي ولو عمر ساعة
    كلوث إزار أو كحلِّ عقال
    فكم ثمَّ لي من وقفة لو شربتها
    بنفسي لم أغبن فكيف بمالي

    له ديوان منه نسخة في الأسكوريال (ابن خلكان ٢٢ ج٢).

  • (٥)
    حسام الدين الحاجري (توفي سنة ٦٣٢ﻫ): هو حسام الدين بن يحيى عيسى بن سنجر بن بهرام الإربلي، كان جنديًّا من أبناء الأجناد له معانٍ جيدة وله ديوان تغلب فيه الرقة جمع فيه الشعر والدوبيت والمواليا، ويندر من يجيد في هذه كلها كما أجاد هو، وأكثر تغزله بصيغة المذكر ومن لطيف شعره قوله:
    ما زال يحلف لي بكل ألية
    أن لا يزال مدى الزمان مصاحبي
    لما جفا نزل العذار بخده
    فتعجبوا لسواد وجه الكاذب

    وقوله:

    لك خالٌ من فوق عر
    ش شقيق قد استوى
    بعث الصدغ مرسلًا
    يأمر الناس بالهوى

    وقد جمع ديوانه عمر الحسيني في دمشق ورتبه على سبعة أبواب طبع بمصر سنة ١٣٠٥، وله أيضًا مسارح الغزلان الحاجرية في المكتب الهندي بلندن (ابن خلكان ٣٩٨ ج١).

  • (٦)
    ابن الحلاوي (توفي سنة ٦٥٦ﻫ): هو أبو الطيب أحمد بن محمد بن أبي الوفاء شرف الدين الموصلي بن الحلاوي، ولد سنة ٦٠٣ﻫ كان في خدمة بدر الدين لولو صاحب الموصل، وفيه لطف وأدب وظرف ودعابة، مدح الملوك والخلفاء وله قصائد رنانة شاعت أبياتها شيوع الأمثال منها قصيدته التي مطلعها:
    حكاه من الغصن الرطيب وريقه
    وما الخمر إلا وجنتاه وريقه

    ومن نظمه قوله من أبيات كتبت على مشط للملك العزيز محمد صاحب حلب:

    حللت من الملك العزيز براحة
    غدا لثمها عندي أجل الفرائض
    وأصبحت مفترَّ الثنايا؛ لأنني
    حللت بكف بحرها غير غائض
    وقبلت سامي كفه بعد خده
    فلم أخلُ في الحالين من لثم عارض

    وفي فوات الوفيات (٦٩ ج١) أمثلة كثيرة من نظمه، ولا نعرف له ديوانًا.

  • (٧)
    الصرصري (توفي سنة ٦٥٦ﻫ): هو أبو زكريا يحيى بن يوسف الأنصاري البغدادي الصرصري نسبة إلى صرصر قرب بغداد، له ديوان منه نسخة في المكتبة الخديوية وغيرها، وقصائد متفرقة بالتصوف ومدائح الرسول ومقاصد أخرى في الأسكوريال وغوطا وبرلين.
  • (٨)
    محيي الدين الوتري البغدادي (توفي سنة ٦٦٢ﻫ): له ديوان في مدح النبي اسمه القصائد الوترية أو بستان العارفين في معرفة الدنيا والدين، طبع بمصر سنة ١٣١١ وله القصيدة الذهبية في الحجة المكية مع تخميسها في برلين.
  • (٩)
    فخر الترك: هو الأمير علم الدين أيدمير المحيوي من أدباء القرن السابع له ديوان في المكتبة الخديوية بخط قديم.

رابعًا: شعراء فارس

  • (١)
    صردر (توفي سنة ٤٦٥ﻫ): هو الرئيس أبو منصور علي بن الحسن الكاتب المعروف بصردر، جمع شعره بين جودة السبك وحسن المعنى وفيه طلاوة وبهجة، ومن ذلك قوله في جارية سوداء:
    علقتها سوداء مصقولة
    سواد قلبي صفة فيها
    ما انكسف البدر على تمهِ
    ونوره إلا ليحكيها
    لأجلها الأزمان أوقاتها
    مؤرَّخات بلياليها

    له ديوان منه نسخة خطية في برلين ولندن وبطرسبورج والمكتبة الخديوية رواية أبي حكيم عبد الرحمن الحيري (ترجمته في ابن خلكان ٣٥٩ ج١).

  • (٢)
    الباخرزي (توفي سنة ٤٦٧ﻫ): هو أبو الحسن علي بن الحسن من باخرز بين نيسابور وهرات. كان في شبابه مشتغلًا بالفقه الشافعي، ثم اشتغل بالكتابة واختلف إلى ديوان الرسائل وتقلب في المناصب وسافر واغترب وغلب أدبه على فقهه، فنظم الشعر وله كثير من المعاني الجديدة ومن غريب معانيه قوله:
    وإني لأشكو لسع أصداغك التي
    عقاربها في وجنتيك تحوم
    وأبكي لدر الثغر منك ولي أبٌ
    فكيف يديم الضحك وهو يتيم

    وله كتاب في تراجم شعراء عصره سماه دمية القصر وعصرة أهل العصر، هو تكملة أو ذيل ليتيمة الدهر للثعالبي، منه نسخ خطية في برلين وفينا وغوطا وباريس ولندن وليدن، وفي المكتبة المارونية بحلب ومكتبة الأزهر في القاهرة، ومنه نسخة في الخزانة التيمورية عليها تصحيحات بخط الشنقيطي المتوفى سنة ١٣٢٢ﻫ (ابن خلكان ٣٦٠ ج١).

  • (٣)
    الطنطراني (توفي سنة ٤٨٥ﻫ): هو أحمد بن عبد الرزاق معين الدين كان ينظم لنظام الملك وزير السلاجقة، وله القصيدة الترجيعية المشهورة التي مطلعها:
    يا خلي البال قد بلبلت بالبلبال بال
    بالنوى زلزلتني والعقل بالزلزال زال

    منها نسخ خطية في أكثر مكاتب أوربا وفي المكتبة الخديوية، وقد نشرت في بعض كتب الأدب.

  • (٤)
    ابن الهبارية (توفي سنة ٥٠٤ﻫ): هو الشريف أبو يعلي محمد بن محمد بن صالح البغدادي الملقب نظام الدين، كان شاعرًا حسن المقاصد لكنه خبيث اللسان كثير الهجو والوقوع في الناس والهزل والمجون والخلاعة، والنظيف من شعره في غاية الحسن ومن مجونه قوله:
    يقول أبو سعيد إذ رآني
    عفيفًا منذ عام ما شربت
    على يد أي شيخ تبت قل لي
    فقلت: على يد الإفلاس تبت

    وذكر له ابن خلكان ديوانًا ضخمًا في أربعة مجلدات لا نعلم مكانه.

    ومن نظمه أيضًا الصادح والباغم على أسلوب كليلة ودمنة، وهو أراجيز في نحو ٢٠٠٠ بيت نظمها في عشر سنين وقدمه إلى المزيدي أمير الحلة، طبع في باريس سنة ١٨٨٦، وفي مصر سنة ١٢٩٢ وفي بيروت سنة ١٨٨٦.

    وله قصائد متفرقة في مكاتب أوربا وغيرها، منها أرجوزة في الشطرنج في برلين، ومن شعره أمثلة في ترجمته (ابن خلكان ١٥ ج٢).

  • (٥)
    ابن الخياط الدمشقي (توفي سنة ٥١٧ﻫ): هو أبو عبد الله أحمد بن محمد التغلبي المعروف بابن الخياط الشاعر الدمشقي من الشعراء المجيدين، طاف البلاد وامتدح الناس ودخل بلاد فارس واجتمع بابن حيوس الشاعر المتقدم ذكره بحلب، وعرض عليه شعره، وكتب إليه مرة يستمنحه شيئًا من بره بهذين البيتين:
    لم يبقَ عندي ما يباع بحبة
    وكفاك علمًا منظري عن مخبري
    إلا بقية ماء وجه صنتها
    عن أن تباع وأين أين المشتري

    فلما وقف عليهما ابن حيوس قال: لو قال: «وأنت نعم المشتري لكان أحسن.» ومن قصائده التي سارت بذكرها الركبان؛ البائية التي مطلعها:

    خذا من صبا نجد أمانًا لقلبه
    فقد كاد رياها يطير بلبه

    وله ديوان منه نسخة في الأسكوريال والمتحف البريطاني، وفي المكتبة الخديوية (ترجمته في ابن خلكان ٤٥ ج١).

  • (٦)
    أبو إسحق الغزي (توفي سنة ٥٢٤ﻫ): هو أبو إسحق إبراهيم بن عثمان بن محمد الكلبي الأشهبي الغزي، توفي في خراسان، كان يُضرب المثل بجودة شعره، ومن لطيف نظمه قوله:
    قالوا: تركت الشعر قلت: ضرورة
    باب الدواعي والبواعث مغلق
    لم يبقَ في الدنيا كريم يرتجى
    منه النوال ولا مليح يعشق
    ومن العجائب أنه لا يشترى
    ويخان فيه مع الكساد ويسرق

    وله ديوان في نحو ٥٠٠٠ بيت، منه نسخة خطية في المكتبة الخديوية في ٢٤٢ صفحة أكثره في مدح أبي عبد الله مكرم، وشاهنشاه البويهي، وغياث الدولة، وظهير الدين وغيرهم من أعيان عصره في فارس والعراق على أثر وقائع أو عطايا، وفيها مبالغات ومفاخر، فضلًا عن الوصف، غير مرتب على الهجاء. (ترجمته في طبقات الأدباء ٤٦٢).

  • (٧)
    ناصح الدين الأرجاني (توفي سنة ٥٤٤ﻫ): هو أبو بكر أحمد بن محمد بن الحسين الأرجاني الملقب ناصح الدين، كان قاضي تستر وعسكر مكرم، وكان في شبابه بالمدرسة النظامية بأصبهان، وله شعر في غاية الحسن، وهو كثير لم يُجمع منه إلا عشره في ديوان، أكثره قصائد جمعه ابنه، ومنه نسخ في مكاتب أوربا وطبع في بيروت (ترجمته في ابن خلكان ٤٧ ج١).
  • (٨)
    صلاح الدين الأبيوردي (توفي سنة ٥٥٧ﻫ): هو أبو المظفر محمد بن أبي العباس أحمد الأبيوردي، يتصل نسبه بأبي سفيان من بني أمية. كان من الأدباء المشهورين راوية نسابة شاعرًا ظريفًا، قسم أشعاره إلى أقسام سماها العراقيات والنجديات والوجديات وغيرها، وللنجديات شرح اسمه جهد المقل وجهد المستدل لعمر بن القوام المعروف بالنظام من أهل القرن الثاني عشر، شرح منها ما استعجم من ألفاظها وأعربها، وفسر أبياتها منه نسخة في المكتبة الخديوية في ٣٥٦ صفحة كبيرة. والعراقيات أكثرها في مدح المقتدر، والمستظهر ووزرائهما منها نسخة في باريس وأيا صوفيا. والوجديات في برلين ومنشن وأكسفورد، وطبع ديوان الأبيوردي في لبنان سنة ١٣٠٧.

    وله أيضًا زاد الرفاق في المحاضرات، وتشبه محاضرات الأصبهاني، وفيها مناظرات مع أصحاب النجوم ونقض حججهم، منه نسخة في المكتبة الخديوية في ٧٣٠ صفحة بخط جميل، وله مؤلفات في الطبقات والأنساب لم نقف عليها (ابن خلكان ١٢ ج٢).

خامسًا: شعراء الأندلس

كانت الأندلس في أكثر هذا العصر في أثناء تمزقها إلى ممالك الطوائف، وشعراء الأندلس كثيرون ترى أخبارهم وأمثلة من أشعارهم في نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، مما يضيق المقام عنه هنا، وإنما نأتي بأشهرهم ممن خلفوا آثارًا يمكن الرجوع إليها:
  • (١)
    ابن عبدون (توفي سنة ٥٢٠ﻫ): هو عبد المجيد بن عبدون أبو محمد الفهري وزير بني الأفطس من ملوك الأندلس، كان أديبًا شاعرًا كاتبًا مترسلًا عالمًا بالخبر والأثر، أخذ الناس عنه. أشهر شعره القصيدة الرائية التي رثى بها ملوك بني الأفطس، وذكر فيها من أباده الحدثان من ملوك كل زمان مطلعها:
    الدهر يفجع بعد العين بالأثر
    فما البكاء على الأشباح والصور

    وهي من قبيل القصائد التاريخية، تدخل في خمسين بيتًا، وقد شرحها كثيرون، منهم ابن بدرون — الآتي ذكره بين المؤرخين — طبع شرحه في ليدن سنة ١٨٤٦، وشرحها عماد الدين إسماعيل بن الأثير المتوفى سنة ٦٩٩ﻫ، سمي شرحه عبرة أولي الأخيار من ملوك الأمصار، اقتبس كثيرًا من ابن بدرون منه نسخة في باريس والمتحف البريطاني (فوات الوفيات ٨ ج٢).

  • (٢)
    ابن خفاجة (توفي سنة ٥٣٣ﻫ): هو أبو إسحق إبراهيم بن أبي الفتح بن عبد الله بن خفاجة الأندلسي، كان مقيمًا في شرق الأندلس ولم يتعرض لاستماحة ملوك الطوائف مع تهافتهم على أهل الأدب، وله ديوان أكثره في مدح أبي إسحق إبراهيم بن يوسف بن تاشفين، منه نسخ في أكثر مكاتب أوربا والمكتبة الخديوية، وطبع بمصر سنة ١٢٨٦ (ابن خلكان ١٤ ج١).
  • (٣)
    ابن قزمان (توفي سنة ٥٥٥ﻫ): هو أبو بكر محمد بن عبد الملك تقدم ذكره في مقدمة باب الشعر من هذا العصر (انظر فصل الشعر)، وله ديوان جمع ضروبًا من الشعر ولا سيما الزجل صدره بمقدمة في هذا الفن من الشعر فذكر ما بذل من الجهد والعناية في ضبطه والتبحر فيه، منه نسخة في مكتبة بطرسبورج اشتغل دافيد غونزبرج في نشرها مع ترجمة فرنساوية وتعاليق وشروح لغوية واجتماعية وتاريخية مع ترجمة الناظم، وبيان اللغة العربية التي كان يتكلمها الأندلسيون في القرن السادس للهجرة ومقابلتها باللغات التي يتكلمها العرب في البلاد الأخرى، صدر منه مجلد طبع في برلين سنة ١٨٩٦ بالفوتوغراف في ١٤٦ صفحة مع مقدمة فرنساوية.
  • (٤)
    ابن سهل الإسرائيلي (توفي سنة ٦٤٩ﻫ): هو إبراهيم بن سهل الإسرائيلي، كان من الأدباء الأذكياء أسلم وتولى الكتابة عند ابن خلاص صاحب سبتة، ومات غريقًا معه وهو في الأربعين من عمره، وله منظومات حسنة مشهورة بالرقة، منها قصيدة في مدح النبي قافيتها العين منها:
    وركب دعتهم نحو طيبة فتنة
    فما وجدت إلا مطيعًا وسامعًا

    ومن لطيف شعره القصيدة المشهورة في الغناء مطلعها:

    سل في ظلام الليل أخاك البدر عن سهري
    تدري النجوم كما يدري الورى خبري

    وكذلك التي مطلعها:

    ردوا على طرفي النوم الذي سلب
    وخبروني بقلبي أيَّةً ذهب

    وله ديوان مطبوع في مصر وفي بيروت (فوات الوفيات ٢٣ ج١).

ومن مشاهير الأندلسيين في الشعر:
  • (٥)
    أبو الحسن المايورقي: من جزيرة مايورقة، توفي ببغداد سنة ٤٧٧ﻫ، وله قصيدة في الأسكوريال.
  • (٦)
    الخليفة العبادي المعتمد صاحب إشبيلة (سنة ٤٨٤): له قصيدة في غوطا.
  • (٧)
    أبو العباس الطوتيلي الأعمى من طليطلة (٥٢٠): له ديوان في مدح علي بن يوسف بن تاشفين منه نسخة في المكتبة الخديوية.
  • (٨)
    عبيد الله بن المظفر: توفي سنة ٥٤٩ في دمشق، له أرجوزة اسمها معرة البيت في برلين.
  • (٩)
    أبو بحر صفوان التجيبي المرسي توفي سنة ٥٩٨: له كتاب زاد المسافر في تراجم الشعراء ذيل لقلائد العقبان لابن خاقان، منه نسخة في الأسكوريال مع تخاميس.
  • (١٠)
    أبو زيد عبد الرحمن بن يخلفتن الفزاري المتوفى سنة ٦٢٧: تولى الكتابة لبعض ولاة الأندلس وصاحب أبا إسحق بن المنصور، ثم خرج من الأندلس منفيًّا وجاء مراكش، وتوفي فيها وله مجموعة من الشعر والنثر جمعها بعض تلاميذه في الزهد والرسائل الإخوانيات ومخاطبات وقصائد كل منها ٢٠ بيتًا في المدائح النبوية موجودة في الأسكوريال، وله ٢٩ قصيدة في مدح النبي في برلين.
  • (١١)
    أبو الحسن الششتري النميري الفاسي: أصله من ششتر وتوفي بدمياط سنة ٦٦٨ﻫ، له ديوان أكثره موشحات في التصوف منه نسخة في برلين ومنشن وليدن، وهناك كتاب اسمه رد المفتري عن الطعن في الششتري شرح على بعض قصائده في برلين.

سادسًا: شعراء المغرب

أشهر شعراء المغرب في هذا العصر هم:
  • (١)
    أبو إسحق إبراهيم بن علي بن تميم الحصري القيرواني: المتوفى سنة ٤٥٣ (أو ٤١٣) أقام في القيروان له:
    • (أ)

      كتاب زهر الآداب وثمر الألباب، جمع فيه كل غريبة في ٣ أجزاء، طُبع بمصر سنة ١٣٠٢.

    • (ب)

      كتاب المصون في سر الهوى المكنون، فيه ملح وآداب، في ليدن.

    • (جـ)

      نور الطرف ونور الظرف، قصائد قصيرة في غوطا والأسكوريال (ترجمته في ابن خلكان ١٣ ج١).

  • (٢)
    المعز بن باديس بن المنصور بن بلكين بن زيري الصنهاجي: صاحب إفريقية الزيرية، توفي سنة ٤٥٤ﻫ، له قصيدة اسمها النفحات القدسية ذكر فيها استقلاله عن الفاطميين منها نسخة في الأسكوريال (ترجمته ابن خلكان ١٠٤ ج٢).
  • (٣)
    أبو الفضل يوسف بن محمد النحوي النوزري توفي سنة ٥١٣ﻫ: له عدة مؤلفات أهمها: (١) الوصية في برلين. (٢) قصيدة الفرج بعد الشدة في غوطا وغيرها، ولها شروح في أكثر مكاتب أوربا وتسمى أيضًا القصيدة المنفرجة.
  • (٤)
    أبو محمد عبد الجبار بن أبي بكر بن حمديس الصقلي: توفي سنة ٥٢٧ في جزيرة مايورقة، وهو ماهر في التعبير عن معانيه بألفاظ فخمة، وينصرف في التشبيه ويغوص على المعاني الغريبة، ومن أقواله البديعة في وصف نهر:
    ومطرد الأجزاء يصقل متنه
    صبا أعلنت للعين ما في ضميره
    جريح بأطراف الحصى كلما جرى
    عليها شكا أوجاعه بخريره
    كأن جبانًا ريع تحت حبابه
    فأقبل يلقي نفسه في غديره

    وله ديوان مطبوع في بالرم سنة ١٨٨٣، وفي رومية سنة ١٨٩٧ (ترجمته في ابن خلكان ٣٠٢ ج١).

  • (٥)
    أبو الحسن حازم بن محمد الأنصاري القرطاجني: توفي بتونس سنة ٦٨٤ﻫ، له القصيدة الألفية المقصورة في مدح المستنصر الحفصي منها نسخة في الأسكوريال.

سابعًا: شعراء جزيرة العرب

  • (١)
    البرعي اليماني: له ديوان أكثره في التصوف، طُبع بمصر غير مرة.
  • (٢)
    أبو الحسن بن خمارتاش الصوفي: توفي سنة ٥٥٤ في زبيد، وله قصيدة صوفية تسمى الخمارتاشية منها نسخة مشروحة في ليدن.
  • (٣)
    أمين الدولة الشيزري (٦٢٦): في اليمن له قصيدة اسمها جمهرة الإسلام ذات النثر والنظام في ليدن.
  • (٤)
    جمال الدين أبو عبد الله محمد بن علي بن المقرب بن منصور الإبراهيمي: توفي ببغداد سنة ٦٢٩، له ديوان في مدح بدر الدين لولو صاحب الموصل والخليفة الناصر لدين الله، مرتب على الهجاء، طُبع بمكة سنة ١٣٠٧ وفي الهند ١٣١٠.

وقد أغفلنا ذكر كثيرين من الشعراء لم نقف على أخبار شيء من آثارهم يستحق الذكر، ولكننا نذكر كتابًا من كتب الأدب فريدًا في بابه فيه فوائد لا توجد في سواه، نعني كتاب «المحاسن والمساوئ» لإبراهيم بن محمد البيهقي، لا يعرف زمنه تمامًا، وإنما يظن إنه من أهل العصر العباسي الرابع أو قبله قليلًا، والكتاب طُبع في ليبسك سنة ١٣١٦، وفي مصر سنة ١٣٢٥ في مجلدين كبيرين، أكثر ما فيه عن الآداب والأخلاق، فإذا ذكر خلقًا أو عادة ذكر محاسنها ومساويها وأتى بالنوادر والأمثال المؤيدة لذلك حتى الدين والصدق وكثير من الفضائل ذكر محاسنها ومساويها.

هوامش

(١) الأنساب للسمعاني ٤٦٨.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤