علوم اللغة في النهضة الأخيرة

أكثر ما ظهر من علوم اللغة في العصر الأول من هذه النهضة لا يخرج عما كُتِب قبله، وأكثره تلخيص أو شرح أو تعليق على كتب القدماء، وظلت الحال على ذلك في مصر إلى عهد غير بعيد، أما في سوريا فحدثت في اللغة وعلومها حركة بين المسيحيين، وكانوا إلى ذلك العهد قلما يشتغلون في اللغة، وقَلَّ مَن ألَّف منهم فيها، وإذا ألَّفوا فلا يُلتفَت إلى تأليفهم، ولا يُوثَق بأقوالهم، وكانت المدارس على اختلاف أديانها تعلِّم اللغة في الكتب القديمة كالآجرمية، وابن عقيل، والأشموني، والصبان، والحريري، ونحوها.

فلما ظهر اليازجي الكبير في أواسط القرن الماضي، وقد تكاثرت المدارس النصرانية في بيروت، ولا سيما الأميركان — قربوا اليازجي، وعولوا عليه في تصحيح مسودات ترجمة التوراة وغيرها، فألَّف أرجوزته ومقاماته، وأخذوا في تعليمها في مدارسهم، وقد لاقى اليازجي مشقة قبل رسوخ قَدَمه بين اللغويين، وهان على غير المسلمين بعده الاشتغال بعلوم اللغة، وقد أعانهم على ذلك تعويل المدارس النصرانية على كتبهم.

ثم ظهر أحمد فارس الشدياق الآتي ذكره، فنظر في اللغة نظرًا تحليليًّا، ووضع كتابه «سر الليال في القلب والإبدال» على نسق جديد سرد فيه الأفعال والأسماء الأكثر تداولًا، ورتَّبها بالنظر إلى التلفُّظ بها لإيضاح تناسبها وتجانسها لفظًا ومعنى، وألَّف كتاب «الفارياق أو الساق على الساق» على أسلوب جديد في اللغة العربية.

وبعد انتشار مذهب النشوء والارتقاء في سوريا أصاب علوم اللغة شيء منه، فتولَّد علم الفلسفة اللغوية، وظهر أول كتاب فيه سنة ١٨٨٦ في بيروت لمؤلف هذا الكتاب، وهو بحث تحليلي في أصل اللغة وكيف تكونت بالتدريج، وظهر له بعد ذلك كتاب تاريخ اللغة العربية سنة ١٩٠٤، ومداره النظر في اللغة العربية باعتبار أنها كائن حي قابل للارتقاء بالنمو والدثور، وألَّف في الفلسفة اللغوية أيضًا جبر ضومط أستاذ اللغة العربية في المدرسة الكلية الأميركية، فظهر له كتاب «الخواطر» في اشتقاق اللغة وصِيَغها، بحث فيه بحثًا فلسفيًّا، وكذلك كتابه الخواطر الحسان في المعاني والبيان، وفلسفة البلاغة، والخواطر العراب في النحو والإعراب، وفك التقليد في الصرف. ثم تولَّد علم تاريخ آداب اللغة، وقد تكلمنا عنه في مقدمة الجزء الأول من هذا الكتاب.

أما فيما خلا ذلك، فالعلوم اللغوية قلما أصابها تغيير إلا في بعض الكتب المدرسية من حيث ترتيب أبوابها لتسهيل تناولها على الطلاب.

(١) علماء اللغة في النهضة الأخيرة

علماء اللغة في أوائل هذه النهضة أكثر مؤلفاتهم شروح وحواشٍ — كما كان أهل العصر العثماني — وآخر هؤلاء الشيخ أحمد السجاعي المتوفى سنة ١٧٨٢ / ١١٩٧ﻫ، فإن له عدة مؤلفات من هذا القبيل، وهاك أشهر علماء اللغة بعد دخول القرن التاسع عشر في القطرين المصري والسوري حسب سني الوفاة، وقد أدخلنا فيهم بضعة من العلماء لا يدخلون في الأبواب الأخرى:
  • (١)
    الشيخ محمد الدسوقي توفي سنة ١٨١٥ / ١٢٣٠ﻫ: هو محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي المالكي، وُلِد في دسوق من أرياف مصر، وجاء القاهرة فتثقف على علمائها، ومن جملتهم حسن الجبرتي والد الشيخ عبد الرحمن الحبرتي المؤرخ، فتمكَّن من العلوم الإسلامية، وبعض العلوم الرياضية كالهيئة والهندسة والتوقيت، وتصدَّر للإقراء في الأزهر، وكان قادرًا في إظهار المعاني، وخلف مؤلفات حسنة بعضها حجة في هذه العلوم، هاك أهمها:
    • (أ)

      حاشية الدسوقي على مغني اللبيب في النحو، طبعت بمصر سنة ١٢٨٦ﻫ في مجلدين.

    • (ب)

      حاشيته على سعد الدين التفتازاني في البلاغة، طبعت بمصر سنة ١٢٧١ﻫ في مجلدين.

  • (٢)
    إلياس بقطر القبطي المتوفى سنة ١٨٢١ / ١٢٨٦ﻫ: هو صاحب المعجم الفرنساوي العربي المعروف باسمه، أصله قبطي مصري، ولما جاءت الحملة الفرنساوية إلى مصر كان في مقتبل العمر، فاستُخْدِم مترجمًا في جندها، ورحل معها إلى باريس، واشتغل بترجمة الأوراق العربية التي أرجعتها الحملة معها، وتعيَّن أستاذًا للغة العربية في مدرسة اللغات الشرقية في باريس، فكلَّفوه وهو هناك بتأليف معجم فرنساوي عربي، فوضع ذلك المعجم وأتمه سنة ١٨١٤، وما زال ينقحه ويهذبه حتى توفي، فاهتم القوم بطبعه، فظهر سنة ١٨٢٨، ثم طُبِع ثانية وثالثة وهو مشهور.
  • (٣)
    الشيخ حسن العطار المصري توفي سنة ١٨٣٤ / ١٢٥٠ﻫ: أصل عائلته من المغرب، لكنه وُلِد في القاهرة، وكان أبوه عطارًا، ورآه راغبًا في حبه العلم فأعانه على تحصيله، فبرع فيه وتعلم مبادئ الهيئة والعمل بالإسطرلاب وغيرهما، وجاء الفرنساويون مصر وهو في الثانية والثلاثين من عمره، فاتصل بأناس منهم فتعلم بعض العلوم العصرية، وعلَّمهم اللغة العربية، ثم رحل إلى الشام وغيرها، وعاد إلى مصر وتولى التدريس في الأزهر، وتولى مشيخته، وتقرب إلى محمد علي، وقد تقدَّم في ترجمة السيد إسماعيل الخشاب ما كان بينهما من الصداقة، ثم توفي سنة ١٢٥٠ﻫ، وقد خلف آثارًا حسنة في أهم علوم اللغة وهي:
    • (أ)

      إنشاء العطار: في الإنشاء، طُبِع بمصر مرارًا.

    • (ب)

      منظومة في النحو شرحها تلميذه الشيخ حسن قويدر الآتي ذكره.

    • (جـ)

      ديوان ابن سهل الإسرائيلي: جمعه وبوَّبه، طُبِع بمصر سنة ١٢٧٩ﻫ وغيرها.

    • (د)

      حاشية على شرح الأزهرية: في النحو، طُبِعت بمصر مرارًا.

    • (هـ)

      حاشية على السمرقندية:في البلاغة، طُبِع بمصر سنة ١٢٨٨ﻫ.

    • (و)

      مظهر التقديس بذهاب دولة الفرنسيس:هو للجبرتي على ما يظهر، وفيه جانب من منظوم العطار ومنثوره مما يناسب هذا الموضوع، منه نسخة في المكتبة الخديوية.

  • (٤)
    الشيخ حسن قويدر الخليلي المتوفى سنة ١٨٤٥ / ١٢٦٢ﻫ: هو حسن بن علي قويدر، أصل أجداده من المغرب، نزحت عائلته إلى فلسطين وأقامت فيها، وجاء علي إلى مصر فوُلِد له حسن سنة ١٧٨٩ / ١٢٠٤ﻫ، وتفقه في الأزهر على الشيخ العطار المتقدم ذكره والباجوري، واشتهر في اللغة والأدب وهو لا يزال يتعاطى تجارة أبيه بين مصر والشام، ويشتغل في ساعات الفراغ بالتأليف والشروح، وذكروا أنه أرَّخ وفاته وهو مريض سنة ١٢٦٢ﻫ بقوله: «رحمة الله على حسن قويدر»، وكان عالمًا بأسرار اللغة وآدابها، وهاك أهم مؤلفاته:
    • (أ)

      نيل الأرب في نظم مثلثات العرب: يشتمل على ما يثلث من الألفاظ، منظومة في أرجوزة مطلعها: «يقول من أساء واسمه حسن»، طُبِعت بمصر سنة ١٣٠٢ﻫ في صدرها ترجمة المؤلف بقلم محمد فني، وقد ترجمت هذه المثلثات إلى اللغة الإيطالية بقلم ڨيتو المستشرق، وطُبِعت الترجمة في بيروت.

    • (ب)

      شرح منظومة العطار: في النحو مشهورة.

    • (جـ)

      زهر النبات في الإنشاء والمراسلات: لم يُطبَع.

    • (د)

      رسالة الأغلال والسلاسل في مجنون اسمه عاقل: انتقد فيها رجلًا اسمه عاقل انتحل قصيدة لسواه، منه نسخة في المكتبة الخديوية.

    وتجد أمثلة من منظوم قويدر ومنثوره في كتاب أعيان البيان للسندوبي.

  • (٥)
    ناصيف المعلوف اللبناني توفي سنة ١٨٦٥ / ١٢٨٢ﻫ: هو من أسرة معلوف الشهيرة في سوريا ومصر، تفقه في سوريا حتى أتقن اللغات العربية والفرنساوية واليونانية والإيطالية.
    وسافر إلى أزمير يعلِّم أبناء أحد وجهائها، ثم سافر إلى إيطاليا، وانتظم في سلك أساتذة اللغات الشرقية في البروبوغاندة، وهو شديد الكلف بدرس اللغات، فأتقن الإنكليزية والتركية واليونانية الحديثة، قضى في تلك المهمة نحو عشر سنوات، زار في أثنائها أهم عواصم أوربا، وألَّف كتبًا تعليمية يحتاج إليها الطلاب في تلك المدرسة وفي غيرها، وتولى مهام أخرى في لندن وغيرها، وتردَّد إلى أزمير غير مرة، وتوفي بجوارها فريدًا وحيدًا، وقد نال وسامات الدولة العلية، وعضوية جمعيات كثيرة، وأتقن ست لغات غير العربية، ألَّف فيها كلها ٢٧ كتابًا أكثرها كتب تعليمية لغوية، وكثير منها طُبِع غير مرة.١
    figure
    ناصيف المعلوف.
  • (٦)
    الأمير محمد أرسلان اللبناني توفي سنة ١٨٦٨ / ١٢٨٥ﻫ: هو الأمير محمد بن الأمير أمين من أسرة أرسلان الشهيرة في لبنان، وُلِد في الشويفات سنة ١٨٣٤، وأتقن اللغة العربية واللغات الأجنبية، وفوضت إليه الحكومة إدارة الغرب الأسفل وهو في الخامسة عشرة بمناظرة والده، ولما مات والده سنة ١٨٥٨ انتقل إلى بيروت وتوطنها، وتفرغ للتأليف وتنشيط الأدب، وكان منزله كعبة الأدباء والعلماء يعضد طلاب العلم، وقد مدحه معاصروه الشعراء، وفاجأته المنية وهو في إبان شبابه، وقد خلف آثارًا مخطوطة في علوم اللغة على اختلاف مواضيعها وفي الأدب لم تُطبَع، وكان من كبار مؤسسي الجمعية العلمية السورية، وتولى رئاستها سنة ١٨٦٨، وفي تلك السنة طُلِب إلى الأستانة وتوفي على عجل.
  • (٧)
    الشيخ ناصيف اليازجي اللبناني توفي سنة ١٨٧١ / ١٢٨٨ﻫ: هو عميد بيت اليازجي، وركن من أركان النهضة العلمية في سوريا، وهو أشهر من أن يُعرف لما كان له من القِدْح المُعَلَّى في اللغة والشعر والأدب، وقد تقدَّم أنه أول من راجت كتبه اللغوية في المدارس العربية من النصارى، وُلِد في كفر شيما (لبنان) سنة ١٨٠٠، واتصل بالأمير بشير الشهابي سنة ١٨٢٨ فاستكتبه وقربه، فخدمه نحو ١٢ سنة، فلما نُفِي الأمير سنة ١٨٤٠ انتقل ناصيف إلى بيروت مع عائلته، وتفرغ للمطالعة والتأليف والتعليم ومراسلة معاصريه من الشعراء والأدباء، وتخرَّج عليه طبقة من الأدباء نبغ كثيرون منهم في العلم أو التجارة أو السياسة أو غيرها.
    figure
    الشيخ ناصيف اليازجي.
    وكان حجة في اللغة والأدب وهو مطبوع على الشاعرية، وله في شعره أسلوب سهل، وكثير من أشعاره جرت مجرى الأمثال لشيوع مؤلفاته بين أيدي الطلاب، ولا سيما في سوريا، وقد مضى دهر ليس بين أدباء سوريا مَن لا يحفظ لليازجي قصيدة أو مقامة، وهاك مؤلفاته:
    • (أ)

      دواوينه: فيها مجموع أشعاره، وهي مطبوعة ومشهورة.

    • (ب)

      مجمع البحرين: هو مقامات على نسق مقامات الحريري، طُبِعت مرارًا.

    • (جـ)

      فصل الخطاب: في الصرف والنحو.

    • (د)

      الجمانة: في علم الصرف.

    • (هـ)

      جوف الفرا: في النحو.

    • (و)

      الجمان في علم البيان.

    • (ز)

      نقطة الدائرة: في العروض.

    • (ح)

      قطب الصناعة: في المنطق.

      وكل هذه الكتب مشروحة بقلم المؤلف ومطبوعة مرارًا، وأكثرها يُعلَّم في المدارس، وهي عبارة عن أهم علوم اللغة العربية، وله أراجيز في مواضيع مختلفة، ومؤلفات أخرى لم تُطبَع.٢
  • (٨)
    أبو الوفاء نصر الهوريني المصري المتوفى سنة ١٨٧٤ / ١٢٩١ﻫ: هو من تلاميذ الإرساليات المصرية في زمن محمد علي، تفقه في فرنسا وأقام فيها مدة، ثم عاد إلى مصر، وله من المؤلفات:
    • (أ)

      كتاب المطالع النصرية للمطابع المصرية في الأصول الخطية، طُبِعت بمصر مرارًا.

    • (ب)

      وكتاب تسلية المصاب على فراق الأحباب، منه نسخة خطية في المكتبة الخديوية.

  • (٩)
    أحمد فارس الشدياق اللبناني توفي سنة ١٨٨٧ / ١٣٠٥ﻫ: هو من أركان النهضة العلمية الأخيرة، أصله ماروني من عائلة عريقة في النسب في لبنان، وُلِد في عشقوت سنة ١٨٠٤، ثم انتقل والده إلى الحدث بجوار بيروت فشب فيها، وتعلم في عين ورقة بلبنان، وتلقى اللغة العربية على أخيه أسعد، ودخل أخوه في المذهب الإنجيلي على أيدي المبشرين الأميركان، فاضطهده أهله وكهنتهم حتى مات قهرًا في محبسه، فغضب فارس وفر إلى مصر، أتم فيها علمه، وحرر في الوقائع المصرية حينًا كما تقدم، ثم رحل إلى مالطة سنة ١٨٣٤ في خدمة المرسلين الأميركان لتصحيح مطبوعاتهم هناك، ثم سافر إلى لندن للمساعدة في ترجمة التوراة كما ذكرنا، ثم تعرَّف إلى باي تونس، وسافر إليه فأكرمه وقدَّمه فأسلم، وسُمِّي أحمد، وانتقل إلى الأستانة، وأصدر الجوائب سنة ١٨٦٠ / ١٢٧٧ﻫ، وقد تقدم ذكرها بين الصحف، واتسعت شهرته من ذلك الحين.
    وكان متبحرًا في علوم اللغة، وله قريحة شعرية، لكنه امتاز بمعرفته الواسعة في مواد اللغة، وسهولة أسلوبه في الإنشاء، وإرسال عبارته بالنسبة إلى لغة ذلك العصر، وله مؤلفات هامة تحتاج إلى بحث وأعمال فكرة وهي:
    • (أ)

      سر الليال في القلب والإبدال: تقدَّم ذكره.

    • (ب)

      الفارياق أو الساق على الساق: وهو لغوي فكاهي، صورته في الظاهر وصف أسفاره، وانتقاد جماعة الأكليروس انتقامًا لما فعلوه بأخيه أسعد بأسلوب جديد لم يسبقه إليه أحد في اللغة العربية، ويورد في أثناء الكلام مجموعات من الألفاظ المترادفة في كل موضوع، لكنه تجاوز فيه حد المجون إلى ما ينفر منه أدباء هذا العصر.

    • (جـ)

      الجاسوس على القاموس: انتقد فيه قاموس الفيروزابادي.

    • (د)

      كشف المخبأ عن فنون أوربا: يصف فيه رحلته إليها بأسلوب لطيف.

    • (هـ)

      الواسطة في أحوال مالطة: يصف بها هذه الجزيرة وأهلها.

    • (و)

      اللفيف في كل معنى ظريف: في الأدب.

    • (ز)

      غنية الطالب: في الصرف والنحو للتعليم.

    • (ح)

      الباكورة الشهية في نحو اللغة الإنكليزية للتعليم.

    • (ط)

      السند الراوي في الصرف الفرنساوي للتعليم.

    • (ي)

      شرح طبائع الحيوان: نقله عن الإنكليزية.

    وكل هذه الكتب مطبوعة في الأستانة، وناهيك بجريدة الجوائب فإنها خدمت اللغة العربية مدة طويلة، وخلف آثارًا لم تُطبَع، منها ديوان شعر، وتراجم المعاصرين، وألَّف كتابًا في اللغة سماه «منتهى العجب في خصائص لغة العرب» يدخل في عدة مجلدات عن خصائص حروف الهجاء، ذهب فريسة النار.٣
  • (١٠)
    عبد الهادي نجا الإبياري المصري توفي سنة ١٨٨٨ / ١٣٠٦ﻫ: هو من أكبر علماء مصر في القرن التاسع عشر، ومن أعظم الكتَّاب والمؤلفين، وُلِد في أبيار الغربية سنة ١٨٢١، ومال إلى الدرس فجاور في الأزهر، وجد في طلب العلوم الإسلامية واللغوية، فأدرك منها شأوًا بعيدًا، وذاعت شهرته فاستدعاه الخديوي إسماعيل لتثقيف أبنائه، وجعله الخديوي السابق إمامًا للمعية ومفتيها، وما زال في هذا المنصب حتى توفي، وكان شاعرًا وأديبًا ولغويًّا ثقة، يُرجَع إليه في حل المشكلات، وله مخابرات ومراسلات مع معاصريه من الشعراء والأدباء في سائر العالم العربي، وهاك مؤلفاته:
    • (أ)

      سعود المطالع: جمع فيه ٤١ فنًّا في شرح لغز باسم إسماعيل على نسق غريب، وجعله تحفة للخديوي إسماعيل، طُبِع بمصر سنة ١٢٨٣ في مجلدين.

    • (ب)

      نفح الأكمام في مثلثات الكلام: طبعت بمصر سنة ١٢٧٦ﻫ.

    • (جـ)

      الوسائل الأدبية في الرسائل الأحدبية: مكاتبات في مواضيع شتى بينه وبين الشيخ إبراهيم الأحدب.

    • (د)

      الكواكب الدرية في نظم الضوابط العلمية.

    • (هـ)

      نيل الأماني في توضيح مقدمة القسطلاني.

    • (و)

      الباب المفتوح لمعرفة أحوال الروح: تصوف.

    ومن مؤلفاته المهمة التي لم تُطبَع:

    • (أ)

      كتاب ترويح النفوس على حواشي القاموس.

    • (ب)

      القصر المبني على حواشي المغني.

    • (جـ)

      حيح المعاني في شرح منظومة البلياني.

    • (د)

      الفواكه في الأدب.

    • (هـ)

      الدورق في اللغة.

    • (و)

      النجم الثاقب في المحاكمة بين البرجيس والجوائب.

  • (١١)
    الكونت رشيد الدحداح اللبناني توفي سنة ١٨٨٩ / ١٣٠٧ﻫ: هو من أسرة وجيهة في لبنان نبغ فيها غير واحد من الأدباء والشعراء، وتولى كثيرون منهم المناصب السياسية والكتابية في حكومة لبنان، لكن رشيد امتاز بتعشق العلم. وُلِد سنة ١٨١٣ / ١٢٢٩ﻫ، وخدم حكومة لبنان في شبابه، ثم نفر من فساد الأحوال فنزح إلى مرسيليا سنة ١٨٤٥، واشترك في التجارة هناك مع حميه الشيخ مرعي الدحداح إلى سنة ١٨٥٢، فاشتغل بالتجارة مع أخيه سلوم، وأخيرًا انقطع للأدب، وسكن باريس وأنشأ فيها جريدة البرجيس (أو برجيس باريس)، وتقدم لدى الحكومة الفرنساوية، واتصل بباي تونس لما جاء باريس، ومدحه بلامية عارض فيها لامية كعب، فأجازه واصطحبه وجعله ترجمانًا له وكلَّفه أمورًا هامة.
    ثم عاد إلى باريس واستقر فيها واتسعت حاله، فابتنى قصرًا واتخذ أبعادية، وقضى سائر حياته في المطالعة واقتناء الكتب والبحث فيها، ونشر المؤلفات النافعة، فنشر معجم جرمانوس فرحات، وقد ذكرنا في ترجمة هذا المطران مقدار ما عاناه الدحداح من التعب في تنقيح تلك الطبعة والتعليق عليها، ونشر شرح ابن الفارض للبوريني والنابلسي، ونشر فقه اللغة وغيره — كأنه يقلد المستشرقين في نشر الكتب النافعة — وله مؤلَّفات أهمها «قمطرة طوامير» طُبِع في فينا سنة ١٨٨٠، وفيه مقالات أدبية وفوائد لغوية، وله تاريخ كبير سماه «سيار المشرق في بوار المشرق» لم يُطبَع، وله منظومات حسنة، وجمع مكتبة نفيسة فيها خيرة الكتب العربية لم يرغب أبناؤه في استبقائها، فعُرِضت للبيع ونحن في باريس صيف ١٩١٢، فتفرَّقت كتبها.٤
  • (١٢)
    صديق حسن القنوجي الهندي توفي سنة ١٨٨٩ / ١٣٠٧ﻫ: اشتهر في الهند واتصل بخدمة ملوكها، وتزوج ملكة بهوبال وناب عنها، واشتغل بالعلم وجمع مكتبة نفيسة، وله مؤلفات كثيرة باسمه، يقال إنه كلَّف بعض العلماء بتأليفها، ووضع اسمه عليها كلها أو بعضها، وهي:
    • (أ)

      فتح البيان في مقاصد القرآن: طُبِع بمصر سنة ١٣٠٢ﻫ في عشرة أجزاء.

    • (ب)

      الإذاعة لما كان ويكون بين يدي الساعة: طُبِع في بهوبال سنة ١٢٩٣ﻫ.

    • (جـ)

      نيل المرام في تفصيل آيات الأحكام: طُبِع في لكناو الهند سنة ١٢٩٢.

    • (د)

      البلغة في أصول اللغة: طُبِع في بهوبال سنة ١٢٩٤ﻫ.

    • (هـ)

      نشوة السكران: طُبِع في بهوبال سنة ١٢٩٤ﻫ.

    • (و)

      غصن البان المورق بمحسنات البيان: طُبِع في بهوبال سنة ١٢٩٤ﻫ.

    • (ز)

      لف القماط على تصحيح ما استعملته العامة من العرب والدخيل والأغلاط.

    • (ح)

      لقطة العجلان: في اللغة، طُبِع في الأستانة.

    • (ط)

      أبجد العلوم: وهو كتاب نفيس يشبه كشف الظنون في موضوعه لكنه على ترتيب آخر، طُبِع في الهند سنة ١٢٩٦ﻫ في ٣ مجلدات كبيرة.

    • (ي)

      خبيئة الأكوان في افتراق الأمم على المذاهب والأديان: طُبِع في الأستانة.

    • (ك)

      حسن الأسوة بما ثبت عن الله ورسوله في النسوة.

    وتُنسَب إليه كتب أخرى.
  • (١٣)
    الشيخ حسين المرصفي المصري توفي سنة ١٨٨٩ / ١٣٠٧ﻫ: هو الشيخ حسين بن أحمد المرصفي، تلقى العلم في الأزهر، وكان كفيف البصر، وبلغ من ذكائه واجتهاده أنه تولى التدريس فيه، وله مؤلفات هامة هي:
    • (أ)

      الكلم الثمان: في الأمة والوطن والحكومة، والعدل والظلم، والسياسة والحرية والتربية، وهو يمثل حال الأمة المصرية في أيامه، طُبِع سنة ١٢٩٨ﻫ.

    • (ب)

      الوسيلة الأدبية في العلوم العربية: طُبِع بمصر سنة ١٢٩٦ﻫ.

  • (١٤)
    المطران يوسف داود السرياني توفي سنة ١٨٩٠ / ١٣٠٨ﻫ:
    figure
    المطران يوسف داود.
    هو من كبار علماء القرن الماضي في اللغات والأدب والتاريخ، أصل عائلته من الموصل، ونشأ فيها وتعلم في مدارسها، وأُرسِل بعد ذلك إلى رومية سنة ١٨٤٥ للتبحر في العلوم اللاهوتية وغيرها، فأكبَّ على درس العلوم الدينية والرياضية والطبيعية والعقلية والتاريخية وغيرها، وتعلم اللغات اللاتينية والإيطالية والعبرانية واليونانية والفرنسية والإنكليزية والألمانية، وأتم اللغة السريانية والكلدانية، ثم سيم قسيسًا سريانيًّا سنة ١٨٥٥، وما زال يرتقي حتى صار مطرانًا، وأقام في دمشق وهو يشتغل في خدمة العلم بحثًا وتأليفًا، فضلًا عن خدمة طائفته، حتى زادت مؤلفاته على خمسين مؤلَّفًا في اللغات المتقدم ذكرها، في مواضيع مختلفة أهمها لقراء هذا الكتاب:
    • (أ)

      اللمعة الشهية في نحو اللغة السريانية: لتعليم هذه اللغة لأبناء العرب، طُبِع غير مرة.

    • (ب)

      كتاب التمرنة في الأصول النحوية: بالعربية، في مجلدين.

    • (جـ)

      تروض الطلاب في علم الحساب: مطول.

    • (د)

      علم الجغرافية في العربية.

    • (هـ)

      علم التاريخ الكنائسي في العربية.

    • (و)
      القصارى في حل ثلاث مسائل تاريخية لغوية في جملتها لغة المسيح، وهو جزيل الفائدة. وهناك طائفة من الكتب الجدلية والمذهبية في العربية وغيرها.٥
  • (١٥)
    الشيخ إبراهيم اليازجي اللبناني توفي سنة ١٩٠٦ / ١٣٢٤ﻫ: هو ابن الشيخ ناصيف المتقدم ذكره، وُلِد في بيروت سنة ١٨٤٧، ونشأ فيها بين المكاتب والمحابر، وتلقى العلم على أبيه، وأكبَّ على المطالعة بنفسه، فأتقن اللغة العربية وأوضاعها وسائر علومها، وامتاز عن معاصريه بأسلوبه الإنشائي لجمعه بين المتانة والسهولة، فضلًا عن صحة العبارة، وكان في عصره حجة اللغة وإمام الإنشاء، قضى شبابه في بيروت يعلِّم الناشئة علوم اللغة في المدرسة البطريركية، وتخرَّج عليه طائفة من الأدباء، وقد تقدَّم أن أباه أعان عالي سميث والدكتور فانديك في تنقيح ترجمة التوراة الأميركية مع الأسير والبستاني، فاستعان اليسوعيون على تنقيح ترجمتهم بالشيخ إبراهيم، وهي الترجمة الكاثوليكية المتقدم ذكرها، طُبِعت في مطبعتهم، وهي أصح سائر ترجمات التوراة عبارة وأضبط تركيبًا.
    figure
    الشيخ إبراهيم اليازجي.

    واشتغل بالصحافة مرارًا فحرر المصباح في بيروت سنة ١٨٧٣، والطبيب سنة ١٨٨٤ مع الدكتور بشارة زلزل والدكتور سعادة، وانتقل سنة ١٨٩٤ إلى مصر، وأنشأ مجلة البيان مع الدكتور زلزل سنة ١٨٩٧، ثم استقل بإصدار مجلة الضياء، وظلت تصدر إلى عام وفاته سنة ١٩٠٦، وفيها أبحاث جليلة في اللغة والتعريب، وأغلاط العرب القدماء، وأصول اللغات السامية، وأغلاط المولدين، ومقالات فلكية ورياضية هامة، ومن مؤلفاته الهامة:

    نجعة الرائد في المترادف والمتوارد: في مجلدين طُبِع بمصر سنة ١٩٠٦، وله منظومات في غاية البلاغة منشورة في الضياء وغيرها، منها مجموعة لم تُطبَع بعدُ، ويُنسَب إليه كثير من الأوضاع العربية للمصطلحات الحديثة ذكرناها في ترجمته المطولة في تراجم مشاهير الشرق صفحة ١١٩ ج٢ (طبعة ثانية)، وله فضل على الطباعة لا يمحوه كرور الأيام؛ لأنه كان جميل الخط، دقيق صناعة الحفر، فاصطنع أمهات الحروف العربية في بيروت، وأكثر مطبوعاتها ومطبوعات مصر الآن مسبوكة على المثال الذي رسمه.

  • (١٦)
    سعيد الشرتوني اللباني توفي سنة ١٩١٢ / ١٣٣٠ﻫ: هو من أساتذة اللغة العربية، وُلِد في شرتون لبنان سنة ١٨٤٨، وتعلم أولًا في مدرسة عبية الأميركية، ووجَّه عنايته إلى اللغة العربية حتى تمكَّن منها، وقضى معظم حياته وهو يعلمها في مدرسة اليسوعيين في بيروت، وألَّف كتبًا مدرسية كثيرة لتعليم هذه اللغة، لكنه اشتهر بمعجمه العربي «أقرب الموارد»، صدر في مجلدين كبيرين سنة ١٨٨٩، ثم ألحقه بثالث كالذيل استدرك فيه أمورًا، وهو على نسق محيط المحيط للبستاني.
  • (١٧)
    محمد النجاري المصري توفي سنة ١٩١٤ / ١٣٣٢ﻫ: وُلِد بمصر ونشأ فيها، وارتقى في مناصب حكومتها إلى القضاء في المحكمة المختلطة، وكان فيه ميل إلى الأدب واللغة، فألَّف في ساعات الفراغ معجمًا مطولًا في الفرنساوية والعربية في خمسة مجلدات طُبِع بمصر، واشتغل في وضع معجم لسان العرب والفيروزآبادي على ترتيب جديد في معجم واحد على نسق لم يسبقه إليه أحد في العربية؛ لأنه رتَّب موادهما على الأبجدية مثل محيط المحيط بدون أن يلتفت إلى الاشتقاق، فيذكر المادة كما هي بدون تجريدها، فلفظ «كتب» يضعه في حرف الكاف، أما «مكتب» ففي حرف الميم، واجتمع له في أثناء عمله نحو ٣٠٠٠ لفظة مشتركة بين العربية والفرنساوية، ولم يُطبَع بعدُ.

كتب لغوية للمعاصرين

ومن كتب اللغة للأحياء المعاصرين:
  • الاشتقاق والتعريب: لعبد القادر المغربي.

  • تاريخ أدب العرب: لمصطفى الرافعي.

  • تاريخ الآداب العربية في القرن ١٩: للأب شيخو.

  • تاريخ آداب اللغة العربية في العصر العباسي: للشيخ أحمد عمر الإسكندري

  • تاريخ علم الأدب: لحفني بك ناصف.

  • أدبيات اللغة العربية: لمحمد نصار.

هوامش

(١) تفصيل ترجمته في كتاب دواني القطوف في تاريخ بني المعلوف، أو مشاهير الشرق ٢٣٢ ج٢.
(٢) تفصيل ترجمة حاله وأمثلة من أشعاره في تراجم مشاهير الشرق ٩ ج٢ (ط٢).
(٣) تفصيل ترجمته في مشاهير الشرق ٨١ ج٢ (ط٢).
(٤) تفصيل ترجمته في كتاب الصحافة العربية ١٠٠ ج١.
(٥) تفصيل ترجمته في مشاهير الشرق ٢٢٣ ج٢ (ط٢).

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤