الجمعيات العلمية والأدبية

نريد بها الجمعيات التي تشد أزر العلم والأدب، وتأخذ بناصر أهلهما، وهي من ثمار التمدن الحديث في أوربا على أثر انتشار الحرية الشخصية، وتأييد حقوق الأفراد، وقد اقتبسناها من الإفرنج في جملة أسباب هذه المدنية، ولم يكن منها في الأعصر الإسلامية الماضية غير ما تقدم ذكره من الأسواق في الجاهلية وصدر الإسلام، كعكاظ والمربد ونحوهما، وما كانوا يعقدونه من مجالس الأدب في منازل الكبراء للمساجلة أو المناشدة، وقد يكون ذلك في مجلس امرأة عاقلة أديبة، كما كانت تفعل سكينة بنت الحسين، وعائشة بنت طلحة، وكان في صدر الدولة العباسية جارية شاعرة مغنية اسمها دنانير، كان أهل الأدب وذوو المروءة يقصدونها للمساجلة أو المذاكرة في الشعر، ويدخل في ذلك ما كان يقع في مجالس الخلفاء أو الأمراء من المناظرة، فهذه كلها ترفع شأن الأدب، لكنها ليست من قبيل الجمعيات التي نحن في صددها.

على أن المسلمين كانوا يؤلفون الجمعيات السرية للأبحاث العلمية الممنوعة في نظر أهل الدولة، مثل جمعية إخوان الصفا في الدولة العباسية، وما نُسِج على منوالها في المملكة الإسلامية، ومنها جمعيات سياسية تشبه الاشتراكية أو الفوضوية، كالخوارج وطائفة الحشاشين أو الإسماعيلية ونحوها ممن كانوا ينقمون على أهل السيادة، ويسعون في خلعهم أو قتلهم بالمكايد والدسائس أو الفتك، وكان عندهم جمعيات إنسانية أو أخوية، مثل الجمعية الماسونية، ولا يبعد أنه كان لها فروع في الشرق الإسلامي، وذكر ابن بطوطة في رحلته جمعية سماها الأخية الفتيان، لها فروع في جميع البلاد التركمانية والرومية في كل بلد ومدينة، ناهيك بالجمعيات التي هي من قبيل الطرق الصوفية ونحوها.

وهذا كله يختلف عن الجمعيات التي نشأت في هذا العصر واقتبسناها من الإفرنج، كما اقتبسنا منهم الشركات الاقتصادية، وغيرها من الأعمال التي يتعاون فيها الجماعات للمصلحة المشتركة، وقد أصبحت هذه الجماعات تُعامَل معاملة الشخص الواحد، وتُخاطَب كما يُخاطَب الفرد، وحدث نحو ذلك في تجريد سائر الإدارات أو المعاهد التي تسمى باسم خاص، كالجريدة والبنك ونظارات الحكومة ونحوها، فإنهم يخاطبونها كما يُخاطَب الفرد، ويقولون مثلًا: قالت الجمعية الفلانية، وفعلت النظارة الفلانية، بحيث إن شخصية الأفراد ضاعت في المصلحة المشتركة.

(١) الجمعيات العلمية والأدبية في سوريا

والجمعيات العلمية المشار إليها نشأت أولًا في سوريا؛ لأن الإفرنج تقاطروا إليها للتبشير أو التعليم قبل تقاطرهم لذلك إلى مصر، فنبدأ بذكر تاريخ الجمعيات في سوريا، وهي أربعة أقسام:
  • (١)

    جمعيات علمية خطابية.

  • (٢)

    جمعيات خيرية تعليمية.

  • (٣)

    جمعيات علمية فنية.

  • (٤)

    أندية أدبية.

فنتكلم عن كل من هذه الأقسام على حدة.

(١-١) أولًا: الجمعيات العلمية الخطابية في سوريا

  • (أ)
    الجمعية السورية: تأسست في بيروت سنة ١٨٤٧، أول الجمعيات العلمية في سوريا «الجمعية السورية»، أُنشئت في بيروت سنة ١٨٤٧ بمساعي المرسلين الأميركان قبل إنشاء المدارس الكبرى، وقبل ظهور الصحف أو المجلات، وقبل اقتباس التمثيل وغيره من وسائل المدنية الحديثة، والغرض منها نشر العلوم وترقية الفنون بين الناطقين بالعربية، ولم تمضِ عليها بضع سنوات حتى انتظم في سلكها نخبة الأدباء والفضلاء والوجهاء في ذلك العصر، وزاد عدد أعضائه على خمسين عضوًا، منهم نيف وأربعون في بيروت، ونحو عشرة أعضاء مراسلين في دمشق وطرابلس وصيدا وغيرها، ومن أعضائها الذين يعرف القرَّاء أسماءهم: الدكتور فانديك، بطرس البستاني، نوفل نوفل، عالي سميث، نصيف اليازجي، هنري دي فرست، نعمة ثابت، سليم نوفل، الدكتور ورتبات، تشرشل بك، مخائيل شحادة، الدكتور مخائيل مشاقة، سمعان كلهون، مخائيل عرمان، إبراهيم طراد، جبور الخوري، جرجس هوايتن، وغيرهم، وكلهم توفوا الآن، وكان أكثرهم يومئذٍ في مقتبل العمر.

    ظلت هذه الجمعية عاملة إلى سنة ١٨٥٣ تجتمع مرة في الشهر على الأقل، فبلغ عدد جلساتها ٥٣ جلسة كانت تقضى بالخطب والمباحثات، ويسعى أعضاؤها في جمع الكتب والصحف، واستنهاض الهمم لاكتساب العلم مع الابتعاد عن المسائل الدينية، وفيها مكتبة للمطالعة، لكل عضو الحق في استعارة الكتب لمطالعتها، ولها رئيس وثلاثة نواب وكاتب وأمين صندوق يعاد انتخابهم بالاقتراع كل سنة، وقد تولى رئاستها الدكتور طمسن وغيره، وكان رئيسها في السنة الأخيرة عالي سميث، وكاتب الوقائع بطرس البستاني، وأمين المكتبة أنطونيوس الأميوني، وأمين الصندوق مخائيل شحادة.

    وبين يدينا أعمال هذه الجمعية إلى آخر سنة ١٨٥١، طُبِعت في بيروت سنة ١٨٥٢، وفيها مجموع الخطب والمقالات التي تُلِيت في الجمعية بأثناء المدة الماضية، منها خطاب في لذة العلم وفوائده للدكتور فانديك، وفضل المتقدمين على المتأخرين له، ومقدار زيادة العلم في سوريا في هذا الجيل للدكتور ورتبات، والشرائع الطبيعية لسليم نوفل، وتعليم النساء لبطرس البستاني، ومدنية بيروت له، وعلوم العرب لليازجي، والسعد والنحس للدكتور مشاقة، والنبات لنوفل نوفل، وغير ذلك.

  • (ب)
    الجمعية العلمية السورية: أنشئت هذه الجمعية بعد تلك وقلَّدتها بقانونها وشروطها حتى اسمها، ودخل في عضويتها طائفة من أعضاء الجمعية السابقة، وظلت عاملة إلى سنة ١٨٦٨؛ إذ دخلت في طور جديد، واعترفت بها الدولة العثمانية رسميًّا في ٢٠ رمضان سنة ١٨٦٨ / ١٢٨٤ﻫ، ثم عقدت اجتماعًا بعد أسبوع حضره كامل باشا (الصدر الأعظم) متصرف بيروت يومئذٍ، وأذن لها بنشر أعمالها، وبلغ عدد أعضائها لتلك السنة نحو ١٥٠ عضوًا أكثرهم في بيروت، وبعضهم في دمشق وحمص وغيرهما من مدائن سوريا وفي الأستانة، وبينهم نخبة الأدباء والعلماء والوجهاء، وهذه أسماء عمدتها لتلك السنة:
    (١) الأمير محمد الأمين أرسلان رئيس
    (٢) حسين ييهم، وحنين خوري، وسليم بستاني مميزون
    (٣) عبد الرحيم بدران، وسليم شحادة كاتبان
    (٤) سليم رمضان، وموسى فريج مصححان
    (٥) حبيب الجلخ مدير أشغال
    (٦) رزق الله خضرا أمين صندوق

    ومن الأدباء أو الوجهاء أو رجال الإدارة بين أعضائها ممن يعرف القرَّاء أسماءهم: كامل باشا، إسبر شقير، الشيخ إبراهيم اليازجي، بشارة زينيه، جرجس تويني، جرجس فياض، حبيب بسترس، حبيب اليازجي، خليل الخوري، رسلان دمشقية، سليم قشوع، عبد البديع اليافي، محيي الدين بيهم، لسيم شحادة، محمد بيهم، مخائيل صبري، نقولا مدور، يوسف الشلفون، حنا إبكاريوس، عبد القادر الدنا، يوسف سرسق، وكلهم في بيروت. وجبران أسبر، روفائيل شامية، عبد اللطيف مارديني، يوسف وردة، عبده القدسي، مخائيل مشاقة في دمشق، وقد نبغ من هؤلاء طائفة من العلماء سنترجمهم في ما يلي.

    وكان بينهم جماعة من كبار رجال السياسة بالأستانة، منهم فؤاد باشا الشهير، ورشدي باشا، ومصطفى فاضل باشا، وصفوت باشا، ورءوف باشا، وغيرهم. وفي مصر سليمان أباظة، وأحمد أباظة وغيرهما، وبين يدينا مجموعة أعمال هذه الجمعية للسنتين الأخيرتين، وعليها كان معولنا في أكثر ما ذكرناه عنها.

  • (جـ)
    جمعية شمس البر: أنشئت هذه الجمعية في بيروت سنة ١٨٦٩ فرعًا لجمعية اتحاد الشبان المسيحيين في إنكلترا، وهي أدبية خطابية، وإن اشترط فيها بعض الشروط الدينية، وقد انتظم في سلكها طائفة كبيرة من أدباء بيروت وسوريا، أكثرهم من المتخرجين في المدرسة الكلية وغيرها من مدارس الأميركان، وفيهم طبقة من الكُتَّاب وأرباب الصحف والأساتذة والأطباء والوجهاء وغيرهم، ومنهم أصحاب المقتطف، وصاحب الطبيب، وصاحب الهلال، وأكثر الأطباء المتخرجين في كلية الأميركان الطبية، والأساتذة المتخرجين من كليتها العلمية، ولا تزال عاملة إلى الآن.
    figure
    طائفة من أدباء بيروت ١٨٧١ [مجلة سركيس] (الصف الأول على الكراسي من الشمال: المعلم بطرس البستاني، الشيخ يوسف الأسير، فضل الله غرزوزي، عبد الله شبلي، خليل ربيز. الصف الثاني من الشمال: سليم البستاني، الشيخ خطار الدحداح، شاهين سركيس، (الرابع غير معلوم)، سعد الله البستاني، إبراهيم باحوط، سعيد شقير).

    وقد انتشرت روح هذه الجمعية بانتشار أعضائها في أنحاء سوريا ومصر، فنبتت لها فروع في كثير من المدن، لكل منها اسم خاص، منها جمعية رباط المحبة في دمشق أنشئت سنة ١٨٧٤.

  • (د)
    جمعية زهرة الآداب: تأسست في بيروت سنة ١٨٧٣ برخصة من الحكومة العثمانية على يد أسعد باشا متصرف بيروت في ذلك العهد، انخرط في عضويتها طبقة أخرى من الأدباء، فيهم جماعة من متخرجي المدرسة الوطنية للبستاني، وغيرها من المدارس الكبرى، عرفنا منهم سليمان البستاني (ناظم الإلياذة العربية ووزير التجارة)، وروفائيل خوري مدير بنك مورتكج بالإسكندرية، وأديب إسحق، وإسكندر العازار، ونعمان الخوري (قنصل فرنسا)، وإسكندر شكري، وصاحبي المقتطف، والشيخ إبراهيم اليازجي، وحسن بيهم، وميشال تويني، وداود نحول، وكلهم في بيروت. وكان لها أعضاء مراسلون، منهم جورج يني صاحب المباحث في طرابلس، وبعض آل مراش في حلب.

    والغرض منها التمرن على الخطابة، وقوة الحجة والدرس والبحث، وكان كل عضو مكلَّفًا بدرس يلقيه على سائر الأعضاء مرة في الأسبوع، وكانت تؤلف الروايات، وأعضاؤها يمثلونها، ويُنفَق دخلها في سبيل الخير، وقد توقفت هذه الجمعية لما أحدقت الظنون بالمشروعات العلمية في أيام عبد الحميد.

  • (هـ)
    الجمعية العلمية في المدرسة الكلية: أنشأها تلاميذ المدرسة الكلية الأميركية في أوائل هذه المدرسة، وقد أخذ الأساتذة بناصرها، وترأَّسها غير واحد منهم، وكان رئيسها لما كنا في الكلية سنة ١٨٨١ الدكتور بوسط، غرضها تمرين الشبان على الاجتماع وإلقاء الخطب والمباحثات في المواضيع الاجتماعية والتاريخية المفيدة، ولا تزال عاملة إلى الآن.

    ومن قوانينها أن تعقد اجتماعًا عموميًّا كل سنة تدعو إليه أعيان بيروت وكبار رجال الحكومة وغيرهم، تُلقَى فيه الخطب والمباحثات، وكان لهذه الجمعية تأثير كبير في ترقية مواهب الشبان، وتعويدهم على البحث والدرس، وأما أعضاؤها فهم تلاميذ الكلية في الصفوف العلمية العالية، والصفوف الطبية من أبناء العرب، فيكون كل حاملي الشهادة العلمية الأميركية أو الطبية أو الصيدلية من أعضائها، وروح هذه الجمعية انتشرت في سوريا وغيرها بانتشار تلاميذ الكلية، فكانوا حيثما حلوا تاقت أنفسهم إلى مثل اجتماعاتهم الأدبية في مدرستهم، فيشكِّلون الجمعيات على مثالها من الأدباء الذين يقيمون بينهم.

    وفي المدارس الكبرى الوطنية في بيروت جمعيات من هذا القبيل، منها جمعية مدرسة الحكمة، أنشئت لمثل هذه الغاية سنة ١٨٨١.

  • (و)
    جمعية باكورة سوريا: وحدثت في بيروت نهضة نسائية في أثناء ذلك، فاقتدت الفتيات المتعلمات بالفتيان المتعلمين، فأنشأن جمعيات علمية خطابية لمثل غرض جمعيات الشبان المتقدم ذكرها، أقدمها «جمعية باكورة سوريا» صدرت أعمالها ودستورها في كتاب طُبِع سنة ١٨٨١، وفيه عدة خطب في مواضيع اجتماعية.

(١-٢) ثانيًا: الجمعيات الخيرية التعليمية

في سوريا كثير من الجمعيات التعليمية أكثرها دينية، وأهمها جمعيات المرسلين الأجانب من الأميركان واليسوعيين وغيرهم، وقد جاء ذكرهم في باب المدارس، ونكتفي هنا بذكر الجمعيات الوطنية التي أنشئت في سبيل التعليم أو التربية أو نحوهما، هاك أهمها:
  • (أ)
    جمعية المقاصد الخيرية: هي من خيرة الجمعيات العلمية في بيروت، أنشأها نخبة من أدباء المسلمين سنة ١٨٨٠، غرضها ترقية الناشئة المسلمة، فأنشأت مدرستين للبنات، ومدرستين للذكور، وسعت في إرسال بضعة شبان إلى المدرسة الطبية المصرية لتعلم فن الطب، لكن الحكومة العثمانية ظنت السوء بها، واتهمت أعضاءها، وصادرت بعضهم، ثم أبدلتها بمجلس المعارف. عرفنا من أعضائها المرحوم الشيخ فضل القصار الأديب الشاعر، وفي بيروت الآن جمعية بهذا الاسم لخدمة المدارس، لها عدة مدارس تنفق عليها من صندوقها.
  • (ب)
    جمعية زهرة الإحسان: جمعية زهرة الإحسان لطائفة الروم الأرثوذكس، أنشأتها جماعة من عقائل وجهاء هذه الطائفة في بيروت وأوانسهم سنة ١٨٨٠، الغرض منها تعليم الفتيات، وترقية نفوسهن، فأنشأت لذلك مدرسة بهذا الاسم، وقد سعت في إنشائها وتدبيرها السيدة لبيبة جهشان، ولا تزال تديرها إلى الآن، وتُعرَف بالحاجة مريم جهشان.
  • (جـ)
    جمعية تهذيب الشبيبة السورية: لهذه الجمعية منهج آخر في خدمة الناشئة السورية، نعني مساعدة الراغبين في التعلم ولا تساعدهم ماليتهم على الدفع، وهي من ثمار المدرسة الكلية الأميركية، وأعضاؤها أكثرهم من أساتذة هذه المدرسة ومعلميها، أنشئت سنة ١٩٠٣ وهي تجمع الأموال بالاشتراكات من أعضائها، وتساعد طلاب العلم بدفع راتب المدرسة عنهم، على أن يكون ذلك دينًا عليهم إذا استطاعوا وفاءه فعلوا، ولها فرع نسائي يُعرَف بجمعية النساء لتهذيب الشبيبة السورية تعمل نفس عملها للبنات، أعضاؤها من خيرة العقائل والأوانس السوريات في سوريا ولبنان ومصر وأميركا وغيرها.

    وقد أنشئت جمعية نسائية في برمانا (لبنان)، اسمها «جمعية الإبرة الذهبية» لمساعدة جمعية بيروت، غير ما يأتيها من إحسانات أهل البر، وبلغ عدد الذين أعانتهم جمعية تهذيب الشبيبة للتعليم إلى آخر السنة الماضية ٧٧ شابًّا، و١٤ فتاة بلا تمييز بين المذاهب، أنفقت عليهم جميعًا ٨٦٩٠٠ قرش، ولا يزال في صندوقها ٧٠٣٠٨ قروش تحت الاستثمار.

  • (د)
    جمعية المعارف الدرزية: وانتشرت روح جمعية التهذيب في سوريا، فتألفت الجمعيات لمثل غرضها في الطوائف الأخرى، عرفنا منها «جمعية المعارف الدرزية»، تشكلت في لبنان سنة ١٩١١، وغايتها تعميم الإصلاح في الطائفة الدرزية بنشر المعارف بين أبنائها استكمالًا لرُقيِّهم، وتمكينًا للجامعة العثمانية، تجمع أموالها بالاشتراك، وتنفق على الذين لا يستطيعون الإنفاق.
  • (هـ)
    جمعية يقظة الفتاة العربية: أنشأتها نخبة من عقائل المسلمين وأوانسهم من أوجَه عائلات بيروت في هذا العام؛ للتعاون على تعليم المسلمات العربيات اللواتي لا يستطعن إلى ذلك سبيلًا.

(١-٣) ثالثًا: الجمعيات العلمية الفتية

نريد بها الجمعيات الخصوصية لخدمة علم أو فن أو صناعة، وهذه قليلة في سوريا؛ لأنها تستلزم الإنفاق والدرس والتجارب العلمية وغيرها مما لا يتيسر لنا، ومع ذلك لم تعدم سوريا بعض الجمعيات الفنية هاك أشهرها:
  • (أ)
    المجمع العلمي الشرقي: أنشئ في بيروت سنة ١٨٨٢ للبحث في العلم والصناعة لما يعود على البلاد بالخير، أول مَن فكَّر فيه الدكاترة صروف ونمر وموصلي باشا ووليم فانديك، فشكَّلوه ووضعوا قوانينه، وانضم إليهم طائفة من علماء سوريا وخَدَمة العلم في ذلك العهد، منهم: الدكتور ورتبات، والدكتور فانديك، والدكتور إسكندر بارودي، ومرادي البارودي، وسليم بطرس البستاني، والدكتور مخائيل مشاقة، والشيخ إبراهيم اليازجي، والمعلم إبراهيم الحوراني، وإسبر شقير، ومؤلف هذا الكتاب، وتولى رئاسته الدكتور فانديك الكبير، والدكتور ورتبات، ومن أعضائه المراسلين شفيق بك منصور، وإدريس بك راغب، ولم يطل بقاء هذا المجمع بعد انتقال أصحاب المقتطف إلى مصر، وقد جُمِعت أعمال سنته الأولى في مجلد على حدة تحتوي على مقالات علمية ألقاها بعض الأعضاء فيه.
  • (ب)
    جمعية الصناعة: أنشئت في بيروت نحو سنة ١٨٨٢ لتنشيط الصناعة، ومن أكثر الناس سعيًا فيها شاهين بك مكاريوس، وقد توقفت بعد انتقال المقتطف إلى مصر.
  • (جـ)
    جمعية إحياء التمثيل العربي: تألفت هذه الجمعية في بيروت بعد إعلان الدستور، وهي تضم نخبة من هواة التمثيل، ويتولى إدارتها باترو باولي صاحب جريدة المراقب، واسمها يدل على غرضها.

(١-٤) رابعًا: الأندية

كثر ظهور الأندية في بيروت وغيرها من مدن سوريا على أثر إعلان الدستور، لكن أكثرها سياسي تابع لحزب الاتحاد والترقي، أو حزب الائتلاف، أو سواهما من الأحزاب السياسية مما ليس من شأننا الخوض فيه.

على أن إطلاق حرية الأقلام والاجتماعات ساعد على إنشاء الأندية الأدبية التي يجتمع فيها الأعضاء للمطالعة أو المذاكرة، وكان البيروتيون قد أنشئوا غرفًا للمطالعة قبل الدستور لها فروع في جهات سوريا — كما سيجيء في باب المكاتب — فعمدوا إلى إنشاء الأندية الأدبية، وآخِر نادٍ من هذا القبيل أنشئ في بيروت هذا العام، أعضاؤه نخبة أدباء بيروت المسلمين، وسموه «النادي الأهلي»، ويقال بالإجمال: إن الأندية الأدبية في سوريا لا تزال في أول نشأتها.

ومن الأندية العربية الهامة «المنتدى الأدبي»، تأسس في الأستانة بعد الدستور، وله مجلة علمية تصدر باسمه، غرضها تأييد العنصر العربي، وإحياء آداب العرب.

(١-٥) الجمعيات السورية خارج بيروت

كل ما تقدم ذكره من الجمعيات نشأ في بيروت أم مدائن سوريا من حيث العلم والأدب وسائر أسباب المدنية، وقد اقتدت بها سائر المدن السورية في هذا السبيل، فأنشأت الجمعيات الأدبية والعلمية والخطابية والتعليمية وغيرها، وناهيك بالجمعيات الخيرية فإنها كثيرة جدًّا في بيروت وغيرها، ولم نتعرض لذكرها؛ لأنها خارجة عن موضوع بحثنا، حتى الجمعيات الأدبية والعلمية فإن ما ذكرناه من جمعيات بيروت ليس كل ما نشأ فيها من هذه الجمعيات، فقد ظهر فيها بعد الدستور جمعيات عديدة، وإنما أردنا هنا بيان كيفية نشوء الجمعيات العلمية والأدبية في سوريا، كما بيَّنَّا كيفية نشوء المدارس والطباعة والصحافة وغيرها، على أننا لا نرى بأسًا من الإتيان بأمثلة من الجمعيات التي نشأت في بعض المدائن السورية الكبرى ليقاس عليها.
  • (أ)
    الجمعيات في حلب: لم ينشأ بحلب جمعيات علمية أدبية قبل الدستور، أو لعلها لم تظهر بسبب الاستبداد والضغط على الأفكار، وسوء ظن الحكومة بكل اجتماع، ومن الجمعيات التي ظهرت قبل الدستور في حلب «جمعية النشأة التهذيبية»، تأسست سنة ١٩٠٧، وظلت مستترة حتى أُعلِن الدستور في السنة التالية، فظهرت وعقدت الاجتماعات في التحريض على إنشاء الجمعيات لبث روح الرُّقِيِّ العلمي والأدبي في الناشئة الحلبية، فكان لكلامها وقع، لكنها أُقفِلت بعد عام آخر، فاجتمع جماعة من الأدباء في السنة التالية سنة ١٩١٠ لإنشاء نادٍ يمثِّل هذا الغرض جعلوه تحت رئاسة فخري باشا والي حلب إذ ذاك، وجعلوا غرضه التعاون على بث المعارف والرياضة البدنية والفنون المطربة، فلاقى إقبالًا لكنه لم يطل عمره.

    وقِسْ على ذلك تاريخ أندية وجمعيات أخرى أنشئت لمثل هذه الأغراض ولم يَطُلْ بقاؤها، «منها نادي الأدب» أنشأه القس توما أيوب سنة ١٩٠٩، يتخرج عليه الشبان في الأدب والمطالعة والاستفادة بدلًا من اللهو في القهوات، و«نادي الجهاد الأدبي»، و«جمعية تثقيف الفقير» أنشئت سنة ١٩١٣ ولا تزال، غير الجمعيات الأخرى لإعانة الفقراء في غير التعليم.

    وآخر جمعية تشكَّلت للتعليم بحلب جمعية المقاصد الخيرية، وهي من نوع جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية التي نشأت في بيروت، وقد تقدم ذكرها، أنشأها بعض أدباء حلب المسلمين في هذا العام، وشعارها «لا حياة إلا بالعلم». و«الجمعية الإسلامية الشرقية» قام بها بعض الناهضين من شبان حلب المسلمين للسعي في ترقية العلم ونشره بمال يُجمَع بالاشتراك من أفراد الأمة، وجعلوا الاشتراك عامًّا وقيمته زهيدة، فأصبح المشتركون فيها نحو ألف شخص، وبالجملة فإن في حلب نهضة أدبية في سبيل إنشاء الجمعيات، فعسى أن يُوفَّقوا إلى ما يريدون.

  • (ب)
    الجمعيات في حمص: أكثر ما أنشئ في حمص من الجمعيات يرمي إلى غرض خيري طائفي، وبعضها خيري فقط للقيام بالإحسان إلى الفقراء ودفن الموتى، والبعض الآخر للقيام بإدارة بعض المدارس الخيرية أو غير الخيرية، وبعضها من قبيل الجمعيات السياسية للجمع بين العناصر العثمانية، أو دينية لسماع الوعظ والإرشاد، وهذا كله يخالف ما أردنا بيانه في ما تقدم من الجمعيات العلمية والأدبية الخطابية أو التعليمية، على أن بعض هذه الجمعيات كثيرًا ما تتخذ هذه الخطة.

    ومن الجمعيات التي تدخل في هذا الباب جمعية دفن الموتى للروم الأرثوذكس، تأسست سنة ١٨٩٢، كان غرضها دفن الموتى، ثم نابت مناب جمعية المدارس الأرثوذكسية سنة ١٩٠٢ للاهتمام بما بقي من تلك المدارس بعد تسليم شطرها الآخَر إلى جمعية فلسطين. والجمعية الخيرية الإسلامية تأسست سنة ١٩١٣ لاستدرار حسنات المسلمين لأجل تربية أيتامهم، وجمعية نور العفاف الأرثوذكسية النسائية تأسست سنة ١٨٩٨، كانت مقتصرة أولًا على سماع الخطب الأدبية، ثم تطرقت إلى إنشاء مستشفى لمعالجة المرضى مجانًا، و«النهضة الحمصية» تأسست سنة ١٩١٣ للجمع بين العناصر العثمانية بالخطب والإرشاد.

  • (جـ)
    الجمعيات في دمشق: قد تقدم ذكر جمعية رابطة المحبة التي أنشئت في دمشق سنة ١٨٧٤ فرعًا لجمعية شمس البر، وأنشئ غيرها من الجمعيات لم نقف على خبرها.

    واهتم الدمشقيون في زمن مدحت باشا بأمر التعليم، فأنشئوا بإيعاز هذا الرجل المصلح الجمعية الخيرية سنة ١٨٧٨، انضم إليها علماء دمشق وأدباؤها في ذلك العهد، وعهد إليها في إنشاء المدارس وترقية المعارف، واشتغلت بإنشاء المكتبة الظاهرية الآتي ذكرها، ولم يطل بقاؤها إلا ريثما نقل مدحت من سوريا.

    والجمعية التاريخية: أنشئت سنة ١٨٧٥ للبحث في العلم والتاريخ.

    وجمعية الفنون الطبية: خاصة بالأبحاث، أنشئت سنة ١٨٨٧، انضم إليها الأطباء الوطنيون للبحث في المعارف الطبية ونحوها.

  • (د)
    الجمعيات في طرابلس الشام: نشأت الجمعيات في طرابلس اقتداء ببيروت أيضًا، وقد علمنا من رصيفنا جرجي يني صاحب المباحث في طرابلس الشام — وهو من أعضاء الجمعية العلمية في المدرسة الكلية — أنه اتفق في أواسط العقد الثامن من القرن الماضي مع بعض الأدباء، وأنشئوا جمعية أدبية رئيسها إسكندر كاتسفليس، وكاتبها جرجي يني، وانضم إليها كثيرون، وكانت تلقي الخطب في مواضيع مختلفة، فلما انتشبت الحرب الروسية العثمانية سنة ١٨٧٦ أُقفِلت.

    ثم أنشأ الطرابلسيون جمعية تعليمية سموها «جمعية كفتين»، أنشأت مدرسة كفتين على مبادئ حرة، وظلت المدرسة عاملة سبع سنين ثم أُقفِلت، وفي العزم إعادتها الآن.

    وفي سنة ١٨٩٠ أنشئت في طرابلس جمعية النادي الأدبي برئاسة جرجي يني، وكان من أعضائها شقيقه صموئيل وفرح أنطون صاحب الجامعة، وأسعد باسيلي وغيرهم، وأُقفِلت لسبب حوادث الأرمن سنة ١٨٩٤، وكان غرضها إلقاء الخطب على الجمهور.

    وقِسْ على ذلك نحو هذا التأثير في المدائن السورية الأخرى، وتكاد لا تخلو مدينة من مدن سوريا من مثل هذه النهضة، حتى القرى في لبنان، فإن في كثير منها جمعيات أدبية، والغالب أن يكون مؤسسوها من تلاميذ الأميركان.

    وتشكلت في سوريا في أواخر القرن الماضي وأوائل هذا القرن، ولا سيما بعد إعلان الدستور جمعيات عديدة في سبيل الخطابة أو التعليم لا حاجة إلى ذكرها.

(٢) الجمعيات العلمية والأدبية في مصر

إن نشوء الجمعيات بمصر يرجع الفضل فيه إلى واضع بذور المدنية الحديثة فيها بونابرت؛ فإنه أنشأ فيها معهدًا علميًّا لغته الرسمية الفرنساوية، وأُعِيد إنشاؤه في عهد الدولة الخديوية، وأنشئت جمعيات أجنبية أخرى، فرأينا أن نقول كلمة في هذه الجمعيات قبل التقدم إلى الجمعيات العربية.

(٢-١) الجمعيات العلمية الأجنبية بمصر

  • (أ)
    المعهد العلمي المصري تأسس سنة ١٧٩٨: أنشأه نابليون بونابرت، وسماه بالفرنساوية Institut d’Egypte، وهو فرنساوي اللغة لكنه مصري الغرض؛ لأنه أنشئ لخدمة مصر والمصريين، عُقِدت جلسته الأولى في ٢٢ أوغسطس سنة ١٧٩٨ في منزل حسن شركس بالناصرية، وقد دهش أدباء مصر في ذلك العصر مما شاهدوه في من مستحدثات الاختراعات، فوصفه مؤرخ تلك الحقبة (الجبرتي) بقوله:

    فيه جملة كبيرة من كتبهم، وعليها خُزَّان ومباشرون يحفظونها، ويحضرونها للطلبة ومن يريد المراجعة، فيراجعون فيها مرادهم، فتجتمع الطلبة منهم كل يوم قبل الظهر بساعتين، ويجلسون في فسحة المكان المقابلة لمخازن الكتب على كراسي منصوبة موازية لتختات عريضة مستطيلة، فيطلب من يريد المراجعة ما يشاء منها فيحضرها له الخازن، فيتصفحون ويراجعون ويكتبون، حتى أسافلهم من العساكر.

    والدليل على أنه أنشئ لخدمة مصر أنهم كانوا يحببون إلى أدباء المصريين المجيء إليه، وإذا جاء أحدهم بذلوا مودتهم، وأطلعوه على ما فيه من المدهشات العلمية، وقد جاء في قانونه أنه أنشئ لنشر المدنية والعلم بمصر، والتنقيب عن الآثار، ودرس الأخلاق وغيرها، وكان أعضاؤه ٤٨ عضوًا على أربعة أقسام حسب العلوم: الرياضيات والطبيعيات والاقتصاد السياسي والآداب، لكل منها ١٢ عضوًا، وبين أعضاء هذا المعهد نخبة من علماء فرنسا في ذلك العهد، وقد تعين الموسيو مونج رئيسًا، وبونابرت نائبًا، وفورنيه كاتبًا، وله نشرة كانت تصدر كل ثلاثة أشهر، ثم نشروا خلاصة أبحاثهم في أربعة مجلدات، ومن ثمار درسهم نشر الكتاب النفيس في وصف مصر Description d’Egypte في مجلدات كثيرة، وذهب ذلك المعهد بذهاب الفرنساويين من مصر سنة ١٨٠١.
  • (ب)
    مجلس المعارف المصري تأسس سنة ١٨٥٩: فلما صارت مصر إلى محمد علي، انقضت معظم ولايته وليس في مصر جمعية علمية، ولكن بعض الجاليات أنشئوا فيها جمعية إنكليزية سموها الجمعية المصرية The Egyptain Society غرضها درس اللغات والآثار، سموها بالفرنساوية Société d’Egypte ولا نعرف مصيرها.
    على أن جماعة من رجال العلم بالإسكندرية أجمعوا على إحياء المعهد العلمي المصري، فأحيوه سنة ١٨٥٩، وسموه Institut Egyptien وعرَّبوه «مجلس المعارف المصري»، ثم نُقِل إلى القاهرة سنة ١٨٨٠، ولا يزال يعقد فيها، ولغته الرسمية الفرنساوية لكن أبحاثه شرقية، وأعضاؤه من نخبة علماء الإفرنج والوطنيين، وتوالى على رئاسته بضعة عشر رئيسًا معظمهم من الإفرنج، في جملتهم مريت باشا ودشامبور وكولوتشي وماسبرو وأرتين باشا وغيرهم.١
  • (جـ)
    الجمعية الجغرافية الخديوية تأسست سنة ١٨٧٥: غرضها الأبحاث الجغرافية العلمية، ولغتها فرنساوية، وكان رئيسها عند تأسيسها شواينفرت الألماني، ووكيلاه محمود باشا الفلكي والجنرال ستون باشا، وسكرتيرها المركيز كومبيان، ورئيسها الآن أباتا باشا، وسكرتيرها جلياردو بك صاحب مجلة مصر الفرنساوية، وهي تنشر أعمالها بالفرنساوية في كتب تظهر حسب اللزوم منها مجموعات في المكتبة الخديوية.
  • (د)
    جمعيات أجنبية أخرى: ومن الجمعيات العلمية الإفرنجية بمصر الجمعية الإنكليزية في القاهرة سنة ١٨٩٨، رئيسها الدكتور فرغوسن، والجمعية الجغرافية الزراعية أنشئت سنة ١٨٩٨، رئيسها البرنس حسين كامل باشا، والجمعية الرمدية سنة ١٩٠٢، وجمعية علم الحشرات Entomologte تأسست سنة ١٩٠٧. والجمعية الدولية الطبية تأسست سنة ١٩٠٨، تجتمع في قاعة مجلس المعارف المصري، رئيسها كومانوس باشا. والجمعية الألمانية الطبية سنة ١٩٠٩، رئيسها الدكتور مايرهوف. والجمعية الخديوية للاقتصاد السياسي سنة ١٩٠٩، لها مجلة تنشر أبحاثها، وتجتمع في قاعة الجامعة المصرية.

(٢-٢) الجمعيات العربية في مصر

تأخر ظهور الجمعيات العربية بمصر إلى النصف الثاني من القرن الماضي على أثر تنبه الأذهان إلى الأمور السياسية في زمن الخديو إسماعيل، بما قام من المنافسة بينه وبين حليم باشا، وقد تكاثر الأجانب، وتزايد الاحتكاك بالمدنية الأوربية، ولا سيما بعد قدوم جمال الدين الأفغاني إلى وادي النيل، وانتشار روح السياسة الحرة في نفوس الأدباء، فمالوا إلى الاجتماعات السرية لتلك الأغراض، فاتخذوا الماسونية وسيلة للاجتماع، ثم أنشئوا الجمعيات السياسية، فنقول كلمة فيها قبل التقدم على الجمعيات العلمية والأدبية.

الجمعيات السياسية بمصر

كان أكثر هذه الجمعيات سرية تستتر باسم علمي؛ ولذلك كان تحقيق شئونها صعبًا، لكنا نذكر ما بلغنا من أخبارها نقلًا عن الثقات الذين عاصروها أو اشتركوا فيها، منها:
  • (١)

    (جمعية الآداب) أنشئت بمصر سنة ١٨٧١، وتولى رئاستها الشيخ محمد الخشاب الفلكي، وحالما علمت الحكومة بها أقفلتها.

  • (٢)

    (الجمعية الشرقية) أنشئت بمصر ١٨٧٧، ومن أعضائها أرتين باشا، وفخري باشا، وسليمان أباظة، وإلياس حبالين، والدكتور مهدي خان التبريزي، وعنه أخذنا خبرها، قال: «وكانت تجتمع في بيت أحمد فهمي بالسكرية»، وقد تعطلت في أيام عرابي.

  • (٣)

    (جمعية مصر الفتاة) ذكروا من أعضائها جمال الدين الأفغاني، وأديب إسحق، وسليم نقاش، وعبد الله نديم، ونقولا توما من أرباب الأقلام في ذلك العهد، وأصدروا جريدة «مصر الفتاة» باسم هذه الجمعية في أواخر أيام إسماعيل، وأكد لنا بعض الثقات العارفين أن هذه الجمعية كانت اسمًا بلا مسمى، وإنما أراد أصحاب جريدة مصر الفتاة إيهام أولي الأمر بوجود جمعية سرية يُخشَى بأسها، وليست الجمعية بالحقيقة إلا محرري تلك الجريدة أديب إسحق، وسليم نقاش، كانا يكتبان بإيعاز جمال الدين الأفغاني يريدون مقاومة شدة إسماعيل، ولذلك كانوا يصدرونها بالعربية والفرنساوية؛ ليوهموا الخديوي أنها لسان حال جمعية كبرى من الإفرنج والوطنيين تسعى في خلع إسماعيل أو قتله، وكان إسماعيل يخشاها، ويبحث عن أعضائها فلم يهتدِ إليهم.

  • (٤)
    (جمعية الشبان) أنشئت في الإسكندرية قبيل الثورة العرابية للاحتجاج على لائحة فرنسا وإنكلترا التي ترتب عليها شبوب نار الثورة، وطالبت أيضًا بإنشاء بنك وطني فرارًا من استثمار الأجانب بمرافق البلاد، وكثيرًا ما كان يحضر اجتماعاتها محافظ الإسكندرية (عمر باشا لطفي)، وضمن لها السعي لدى الحكومة في مطالبها، ومن أعضائها: السيد إبراهيم أبو هيف، وإبراهيم بك سعود، ومحمد بك شوباشي، وعبد القادر الغرياني، وكان هذا تابعًا لدولة فرنسا، فتنازل عن تبعيتها لهذا الغرض.٢

وهناك جمعيات سياسية أو أحزاب نشأت بعد الاحتلال لا فائدة من ذكرها في هذا المقام، أشهرها الحزب الوطني، وحزب الإصلاح، وحزب الأمة، والحزب الدستوري.

(٢-٣) الجمعيات العلمية والأدبية بمصر

أما الجمعيات التي أنشئت بمصر في سبيل العلم فهي عديدة، وقد توخت في خدمته طرقًا تختلف في بعض أحوالها عن الجمعيات السورية، فنقسِّمها إلى مجاميع باختلاف أغراضها أو أساليبها وهي:
  • (١)

    جمعيات نشر الكتب.

  • (٢)

    جمعيات الترجمة والتأليف.

  • (٣)

    الجمعيات العلمية الخطابية.

  • (٤)

    الجمعيات العلمية الفنية.

  • (٥)

    الأندية الأدبية.

  • (٦)

    الجمعيات الخيرية التعليمية.

  • (٧)

    جمعيات التمثيل.

أولًا: جمعيات نشر الكتب

هي أقدم الجمعيات العربية العلمية بمصر، ولعل المصريين عمدوا إليها اقتداءً بأعمال الحكومة في زمن محمد علي؛ إذ أخذ في نشر الكتب وترجمة العلوم، وإليك أهمها مرتبة حسب سِنِي إنشائها:

١- جمعية المعارف تأسست سنة ١٨٦٨

أسسها محمد عارف باشا أحد أعضاء مجلس الأحكام سنة ١٨٦٨ بمصر لنشر الكتب النافعة، وأنشأ إبراهيم بك المويلحي إذ ذاك مطبعة سماها باسم الجمعية لطبع تلك الكتب، وكانت تطبع في سواها أيضًا، وكانت جمعية المعارف شركة مساهمة، ثمن سهمها خمسة جنيهات، فلقيت إقبالًا كثيرًا حتى بلغ عدد المساهمين أو الأعضاء بضع مئات، وللأعضاء في مقابل ذلك أن يقتنوا مطبوعات الجمعية بثمن أقل مما يُعطى لسواهم، وكانت تعلن عن عزمها على نشر الكتاب، وتعين ثمنه فئات متفاوتة حسب التعجيل في الدفع. وقد طبعت طائفة من الكتب الهامة في التاريخ والفقه، منها: أُسد الغابة لابن الأثير خمسة مجلدات، وكتاب ألف باء مجلدان، والفتح الوهبي مجلدان، وتاج العروسة عدة مجلدات وغيرها. وفي ذيل الفتح الوهبي قائمة بأسماء الأعضاء في ذلك الحين.

وما زالت هذه الجمعية عاملة حتى حدث التنازع السياسي بين إسماعيل باشا وحليم باشا على منصب الخديوية، وكان محمد عارف باشا يروج آراء حليم، فبلغه أن إسماعيل عالم بأمره، ففر إلى الأستانة وتوفي هناك، وانحلت الجمعية، وكان عارف باشا من أهل الأدب وله مؤلفات في التركية منها: «آثار قلم» نُشِر في الديوان المعروف بمنشآت قلم، وكان يُحسِن اللغة العربية، ويروون من نظمه فيها بيتين يفتخر بهما قال:

ألم تعلم بأن سماء فكري
تلوح بأفقها شمس المعارف
تفرس والدي في المزايا
فيوم ولدت لقبني بعارف

٢- شركة طبع الكتب العربية تأسست سنة ١٨٩٨

تألفت سنة ١٨٩٨ لنشر الكتب الهامة في العربية، ومن أعضائها حسن باشا عاصم وأحمد بك تيمور وعلي بك بهجت وغيرهم، وقد طبعت طائفة من الكتب المفيدة، منها كتاب الموجز في فقه الإمام الشافعي، وسيرة السلطان صلاح الدين، وفتوح البلدان للبلاذري، والإحاطة في أخبار غرناطة، وتاريخ دولة آل سلجوق وغيرها.

ومن هذا القبيل لجنة تألَّفت لنشر كتاب «المخصص» لابن سيده سنة ١٩٠٢، أهم أعضائها الشيخ محمد عبده، وحسن باشا عاصم، وعبد الخالق باشا ثروت، ومحمد بك النجاري وغيرهم، فظهر الكتاب في ١٧ مجلدًا، وقد طبعت كتبًا أخرى.

ثانيًا: جمعيات التعريب والتأليف

وهناك جمعيات تشكلت لتعريب الكتب أو تأليفها، عرفنا منها:
  • (١)

    (جمعية التعريب) لترجمة الكتب الحديثة في الاجتماع والاقتصاد، أنشئت سنة ١٨٩٣، وهي أشبه بلجنة، أعضاؤها: علي (باشا) أبو الفتوح، ومحمود (بك) كامل رئيس نيابة قنا، وصالح (بك) نور الدين، ومحمد مسعود، فترجموا كتاب الاقتصاد السياسي لجيفونس وطُبِع، ثم انحلت الجمعية بعد سنة لتفرُّق أعضائها.

  • (٢)

    (جمعية تأليف الكتب) تشكلت سنة ١٩١١ برئاسة عبد الرحيم بك أحمد، وأعضاؤها نحو ثلاثين عضوًا من أدباء المصريين، غرضها تأليف الكتب المدرسية، وطبعها بمال يجمعونه منهم، وقد طبعت إلى الآن نحو عشرة كتب مدرسية، ولا تزال عاملة.

وآخر جمعية للتعريب اللجنة التي شكلتها نظارة المعارف لتعريب الكتب المدرسية.

ثالثًا: الجمعيات العلمية الخطابية

نريد بها الجمعيات العلمية والأدبية لترقية إحساس الأمة الاجتماعي، والتمرين على الخطابة والدرس والبحث، وهي بمصر أحدث منها في سوريا، وإليك ما عرفناه من أخبارها.

١- جمعية رواق الشوام بالأزهر تأسست سنة ١٨٧٣

هي أول جمعية خطابية أدبية ظهرت بمصر، وقد أنشأها طلبة الأزهر السوريون سنة ١٨٧٣ / ١٢٩٠ﻫ، أنبأنا بخبرها حفني بك ناصف مفتش أول اللغة العربية في نظارة المعارف، قال: «وكانت كلما عزم طالب سوري على الرجوع إلى الشام نهائيًّا، تحدِّد ليلةً للاجتماع تعلنها إلى أهل الرواق، فيعد الشعراء قصائد الوداع، ويتلونها ليلة السفر بمصر بين علماء الأزهر وأدبائه، وكانوا يبتدئون القصيدة بالغزل، ثم يتخلصون إلى المديح والوداع، وكان الشعراء يتبارون ويتنافسون فيها أيما تنافس، ولم يكن الشعراء من السوريين فقط، بل كل من أراد أن ينظم قصيدة، مصريًّا كان أو سوريًّا، تُقْبَل منه، ويُؤذَن له بتلاوتها، وبقيت هذه الجمعية إلى سنة ١٣٠٠ﻫ، ولا أدري باقية هي أم انتهى أمرها».

٢- الجمعية الخيرية الإسلامية (الأولى) تأسست سنة ١٨٧٨

أنشئت في الإسكندرية سنة ١٨٧٨ / ١٢٩٦ﻫ، وهي غير الجمعية الباقية بهذا الاسم إلى اليوم وسيأتي ذكرها، أما الجمعية الخيرية الإسلامية الأولى فكانت علمية أدبية، وإن كان الباعث على إنشائها روحًا سياسية اجتماعية دبَّت في نفوس المصريين في ذلك العهد على أثر ما شاهدوه من استئثار الأجانب بمرافق البلاد الاقتصادية، فتشكلت هذه الجمعية لفتح المدارس لتعليم البنين والبنات وتهذيب أخلاقهم، على أن تكون تلك المدارس حرة مطلقة، كما يستفاد من قانونها المطبوع، ومنه نسخة في المكتبة الخديوية.

وكانت هذه الجمعية تتبادل الخطب ليلًا في المواضيع العلمية والتاريخية، وقبيل افتتاحها انضم إليها عبد الله نديم فكلَّفته بافتتاح مدرسة تحت نظارته، وأعانته الحكومة بمساعدة مالية وبمكان للتعليم، بشرط أن لا تكون الجمعية خاصة بالمسلمين، فسموها «الجمعية الخيرية المصرية»، واعتبرتها الحكومة مدرسة رسمية، وصادقت على قانونها، وما زالت الجمعية والمدرسة تتقدمان حتى بدأت الثورة العرابية، فانفصل نديم عنها وانضم إلى العرابيين، وانفرط عقد الجمعية من ذلك الحين.

وقد أخبرنا محمد أفندي أمين باشكاتب محكمة الإسكندرية الأهلية أن من مؤسسي هذه الجمعية: حسن منصور، والدكتور حسن سري، ومحمد شكري معاون ضبطية إسكندرية، والحاج أمين الكيال، والشيخ محيي الدين النبهاني، ومحمود واصف، والشيخ علي ضيف، وحسن المصري، وعبد المجيد عمر شويطر. وذكر لنا غيره من مؤسسي هذه الجمعية: رستم بك العلايلي، وأحمد نبيه، ومحمد باشا الناضوري، ومحمد بك العدل، وعبد القادر بك الغرياني، وغيرهم.

أما المدرسة فأخبرنا حفني بك ناصف أنها كانت تديرها لجنة من أعيان الإسكندرية رئيسها محافظ الإسكندرية، ووُضِعت تحت رعاية الخديوي توفيق باشا، وفيها تخرَّج مصطفى باشا ماهر العضو الوطني بمصلحة الدومين، وإنه حصل شقاق بين أعضاء اللجنة فاستقال المحافظ من إدارتها فتولاها آخر، وتولى نظارة المدرسة عبد الله نديم، وأنشأت في أثناء ذلك رواية تمثيلية اسمها «مصر وطالع التوفيق»، كانت لهجتها تشف عن أسف عظيم على تقهقر مصر، ولذلك وقعت الشبهة بأنها تقاوم التيار الأجنبي، ثم أنشأ عبد الله نديم جريدة «التنكيت والتبكيت» وشُغِل عن المدرسة، وابتدأت الثورة العرابية فأُقفِلت. وكان خطباء هذه الجمعية: عبد الله نديم، وأحمد سمير، وأديب إسحق، وإبراهيم اللقاني، وأحمد العوام وغيرهم، ويجوز أن تُعَدَّ من الجمعيات التعليمية.

٣- جمعية الاعتدال تأسست سنة ١٨٨٦

أنشئت في القاهرة سنة ١٨٨٦، وغرضها بث روح الفضيلة، وترقية الأخلاق، والتمرن على الخطابة في المواضيع الاجتماعية ولا سيما الاعتدال، على مثال جمعية شمس البر في بيروت، أو الجمعية العلمية في الكلية، وأكثر مؤسسيها من متخرجي الكلية الأميركية، وانضم إليها طائفة حسنة من الأدباء والكتَّاب في ذلك العهد، وفيهم طبقة أصبحوا الآن من خيرة أرباب الأقلام وأصحاب المناصب، يحضرنا من أسمائهم الدكتوران صروف ونمر صاحبا المقتطف، الدكتور شبلي شميل، الدكتور أخنوخ فانوس، أحمد زكي باشا سكرتير مجلس النظار، حفني بك ناصف مفتش اللغة العربية بنظارة المعارف، جبرائيل بك كحيل المحامي، جندي بك إبراهيم صاحب الوطن، الشيخ علي يوسف صاحب المؤيد، إبراهيم الجمال المحامي، يوسف بك دبانة، نجيب غناجة، أثناسيوس صيقلي، الدكتور طحان بك صاحب الهلال، وقد تولى رئاستها الدكتور فارس نمر، وحفني بك ناصف، وتعطلت سنة ١٨٨٩.

٤- جمعية التقدم المصري تأسست سنة ١٨٩١

أسسها تلاميذ الحقوق المصريون في مونبلييه في فرنسا سنة ١٨٩١، ومنهم علي أبو الفتوح باشا، وشوقي بك شاعر الأمير، وغرضها التأليف وإلقاء الخطب في العربية، وقد نبتت لها فروع في بلاد فرنسا بين المصريين، وانتقلت سنة ١٨٩٣ إلى مصر، وظلت فروعها هناك، وكانت تجتمع بمصر مرة في الأسبوع، وأصدرت مجلة باسمها «التقدم المصري»، وانحلت الجمعية سنة ١٨٩٥ بسبب تفرُّق الأعضاء إلى مناصبهم.

٥ و٦- جمعية العلم المصري، وجمعية العلم الشرقي وغيرهما

تأسست الأولى بمصر سنة ١٨٩٣ برئاسة السيد بك رفعت، ومن أعضائها الشيخ المهدي أستاذ تاريخ آداب اللغة العربية في الجامعة المصرية الآن، وإسماعيل بك عاصم، والدكتور عبد الرحمن إسماعيل، وغرضها إلقاء الخطب والمباحثات الاجتماعية، ولم يطل عمرها، وتأسست الثانية في تلك السنة لمثل ذلك الغرض، وكان بقاؤها قصيرًا.

ومن هذا القبيل الجمعية الأدبية السورية سنة ١٨٩٥ بمصر، والجمعية الأدبية الشرقية في دمياط سنة ١٨٩٦، وجمعية الاقتصاد الأهلي في الإسكندرية سنة ١٨٩٦، وغيرها من الجمعيات التي أنشئت في مصر، أو غيرها من مدائن القطر المصري، وكلها توقفت.

رابعًا: الجمعيات العلمية الفنية

نعني الجمعيات الخاصة بفرع من فروع العلم، أقدمها:
  • (١)

    (الجمعية الجغرافية الخديوية) المتقدم ذكرها بالفرنساوية.

  • (٢)

    (الجمعية الزراعية) تشكلت سنة ١٨٨٠، وغرضها إيجاد العلائق المستمرة بين المشتغلين بالأمور الزراعية علمًا وعملًا، وإجراء التمرينات الزراعية الجديدة، ونشر نتائج أبحاثها في مجلة باسمها تصدر مرة في الشهر بالعربية والفرنساوية، ولا تصدر الآن.

  • (٣)

    (الجمعية الطبية المصرية) أنشئت سنة ١٨٨٨ بمصر برئاسة سالم باشا سالم، ومن أعضائها أرتين باشا، وحسن باشا محمود، وغيرهما من نخبة الأطباء المصريين، ثم توقفت فأعاد إنشاءها الدكتور عيسى باشا حمدي، وتولى رئاستها سنة ١٨٩٨ ووضع لها قانونًا.

  • (٤)

    (المجمع اللغوي) وهو يختص بالأبحاث اللغوية، وغرضه على الخصوص وضع المصطلحات العلمية لما حدث من المسميات الجديدة في أثناء هذه المدنية، أنشئ في القاهرة سنة ١٨٩٢ برئاسة السيد توفيق البكري شيخ مشايخ الطرق الصوفية، ولم يطل بقاؤه.

خامسًا: الأندية الأدبية

الأندية من قبيل الجمعيات مع بعض الاختلاف، وهي أنواع منها: الأندية السياسية، أو العلمية، أو الأدبية، أو أندية الألعاب، أو غيرها … ويهمنا هنا ما يتعلق منها بالعلم والأدب في اللغة العربية، وهاك أشهرها:
  • (١)

    (النادي الشرقي) هو خاص بالسوريين، أنشئ بمصر ١٨٩٨، وكان الغرض منه عند الشروع في إنشائه أن يكون جمعية أدبية على مثال جمعيات بيروت المتقدم ذكرها، ثم عدلوا عن ذلك فجعلوه ناديًا يجتمع فيه أعضاؤه للمطالعة أو المسامرة، وقد سموه النادي الشرقي، وهو يضم طائفة من خيرة السوريين في الوجاهة والعلم والثروة، تُعقَد فيه حفلات علمية أحيانًا للمحاضرة، ولا يزال.

  • (٢)

    (نادي رعمسيس) وهو خاص بالأقباط، أُسِّس في القاهرة سنة ١٩٠٥، غرضه ترقية الآداب، وتوثيق عرى المحبة، وفيه نخبة من أدباء الأقباط ووجهائهم، وقد تُلقَى فيه المحاضرات في سبيل المصلحة العامة، وفي الإسكندرية نادٍ بهذا الاسم لمثل هذا الغرض ولا يزال.

  • (٣)

    (نادي المدارس العليا) هو أقرب هذه الأندية إلى الجمعيات العلمية، وهو خاص بمتخرجي المدارس العليا، تُلقى فيه الخطب والمحاضرات في كل فن ومطلب، ولا سيما التاريخ والأدب، اقترح إنشاءه الدكتور عبد العزيز نظمي على متخرجي المدارس العليا، فتألفت لجنة للنظر في ذلك، فقررت إنشاءه، واختارت عمر بك لطفي رئيسًا له، وافتُتِح رسميًّا سنة ١٩٠٦، ولا يزال عاملًا، وفيه نخبة الشبيبة الراقية بمصر.

  • (٤)

    (نادي دار العلوم) أنشئ سنة ١٩٠٧ على أثر تأسيس نادي المدارس العليا؛ لأن هذا خاص بمتخرجي المدارس الحديثة (الأفندية)، فرأى أدباء دار العلوم وغيرهم من المشايخ أن ينشئوا ناديًا خاصًّا بهم، فأنشئوه برئاسة حفني بك ناصف، كانت تلقى فيه الخطب، وأكثر أبحاثه في اللغة ومصطلحاتها، وقد وضع أعضاؤه بضعة آلاف لفظة اصطلاحية جديدة، نُشِر بعضها في مجلة كانت تصدر باسم النادي، وقد توقفت الآن.

  • (٥)

    (نادي موظفي الحكومة بالإسكندرية) وهو من أقرب الأندية إلى الجمعيات الأدبية العلمية، تُلقَى فيه الخطب والمحاضرات في العلم والأدب والتاريخ، وتُمثَّل فيه الروايات الأدبية لترقية الأخلاق والحث على الفضائل، أنشئ سنة ١٩٠٩، وله لجنة مؤلفة من ١٢ عضوًا، رئيسها الآن عثمان باشا مرتضى رئيس الديوان الخديوي، ووكيلاها محمد بك مالك الإسكندري، ومحمد بك الجمال، وسكرتيرها محمد غالب الغرياني — وعليه عولنا في تحقيق أحوال هذا النادي — وأمين صندوقها محمد بك أمين مدور. وقد بلغ عدد المشتركين فيه نحو ٢٥٠ عضوًا، وتُلقَى في النادي دروس البكالوريا والليسانس في الحقوق، وقد تخرَّج فيه كثيرون، ومنه تنشأ المشروعات الأدبية النافعة، فقد تأسست فيه جمعية المواساة الإسلامية، ونقابة مستخدمي الحكومة، وشركة المشروعات الأهلية، وشركة التعاون المنزلي لموظفي الحكومة، ونادي الرياضة البدنية، ولجنة تمثيل، وكل من هذه المشروعات تديرها لجنة تتألف من مجلس إدارة النادي.

  • (٦)

    (جمعية الاتحاد السوري) هي من قبيل الأندية، أنشئت سنة ١٩١٤، غرضها جمع كلمة السوريين، والنظر في مصالحهم، وحفظ علائقهم مع سائر العناصر المكوِّنة للأمة المصرية، وهي تعقد الاجتماعات الأدبية لأغراض أدبية.

وتكاثرت الأندية في أنحاء القطر المصري في أوائل هذا القرن، ولا تكاد تخلو مدينة من نادٍ أدبي فيه غرفة للقراء، يجتمع إليه أدباء تلك المدينة مما يطول بيانه.

سادسًا: الجمعيات الخيرية التعليمية

الجمعيات الخيرية كثيرة في مصر، وما من طائفة أو أمة أو جماعة إلا ولها جمعية خيرية تنظر في شئون فقرائها لسد عوزهم، أو معالجة مرضاهم، وإنما يدخل في بحثنا منها الجمعيات التي غرضها الرئيسي إنشاء المدارس للتعليم، ولا يدخل في ذلك المشروعات الخيرية التعليمية للأوقاف الإسلامية أو الطوائف الأخرى، وإنما نريد الجمعيات التي تشكَّلت من أفراد الأمة المصرية لنشر التعليم في الناشئة المصرية، وهاك أشهرها حسب سِنِي تأسيسها:

١- جمعية المقاصد الخيرية تأسست سنة ١٨٧٨

هي أقدم الجمعيات الخيرية التعليمية المصرية، أُنشِئت في مصر أواخر أيام إسماعيل سنة ١٨٧٨ / ١٢٩٦ﻫ، وكان رئيسها سلطان باشا، وباشَر إدارتها مقبل باشا، وانضم إليها كثيرون من أعيان مصر، وأنشأت مدارس كثيرة، وأمدت عدة أسر فقيرة، وكانت تُلقَى فيها الخطب، وأشهر خطبائها عبد الله نديم، وحسن الشمسي، ونوابغ التلامذة، ولم تُعرَف الخطابة في مصر جهرًا قبل هذه الجمعية، فهي من قبيل الجمعيات الخطابية، لكننا وضعناها بين الجمعيات التعليمية؛ لأنها أقدم الجمعيات المصرية من هذا النوع، وقد أبطلت في الثورة العرابية، أنبأنا بخبرها حفني بك ناصف.

٢- جمعية العروة الوثقى الإسلامية تأسست سنة ١٨٩١

أنشئت في الإسكندرية سنة ١٨٩١ / ١٣٠٩ﻫ للقيام بالأعمال الخيرية، ونشر العلوم والمعارف والآداب والصنائع، وتعليم الفقراء مجانًا، والإعانة على تربيتهم، تجمع إيرادها من اشتراكات أعضائهم وتبرعات المحسنين، وقد مضى عليها بضع وعشرون سنة عملت في أثنائها أعمالًا جليلة في التربية والتعليم، ومواساة الفقراء وإعالة العاجزين، كما يظهر من تقاريرها السنوية، وتنقسم أعمالها إلى أقسام أهمها التعليم، وقد أنشأت له المدارس الابتدائية والثانوية والتحضيرية والصناعية للذكور والإناث، وعدد تلاميذها سنة ١٩١٠ نحو ٣١٠٠ تلميذ، بينهم ٨٥٠ تلميذة، نحو ألف منهم يتعلمون مجانًا، ولها مدرسة صناعية اسمها مدرسة محمد علي الصناعية، يتعلم فيها الطلاب أهم الصنائع، كالنجارة والحدادة والسروجية والنقش وصنع الأحذية والطباعة والتجليد، مع مبادئ الحساب والهندسة والكيمياء والطبيعة، عدد تلاميذها ٢٧٢ تلميذًا.

ولها ملجأ للأيتام اللقطاء اسمه الملجأ العباسي، يجتمع إليه كل سنة نحو ٢٠٠ طفل، يعتنى في تربيتهم غاية الاعتناء، ولها مجلة تظهر كل شهر تبحث في الدين والاجتماع والأدب والتاريخ والزراعة والتدبير المنزلي، يُفرَّق قسم كبير منها مجانًا، وقد انضمت إلى الجمعية جمعية أخرى اسمها «جمعية حماية الأطفال» أنشئت في الإسكندرية، ثم صارت في جملة جمعية العروة الوثقى.

٣- جمعية التوفيق القبطية أنشئت سنة ١٨٩١

تمهيد

للأقباط مجد قديم من زمن الفراعنة، وكل ما يروى من أحوال مصر العلمية والأدبية في ذلك العهد فالأقباط شركاء فيه، وكان لهم شأن أيضًا في الدول الإسلامية، ونبغ منهم علماء وأدباء، ثم دخلوا في الأجيال المظلمة في جملة الأمم الشرقية، ولا سيما في زمن أمراء المماليك، وقد وصف أحوالهم رجل منهم في القرن السابع عشر اسمه «أبو دقن المنوفي» في كتاب باللغة العربية تُرجِم إلى اللاتينية سنة ١٦٧٥، ثم نُقِل إلى الإنكليزية سنة ١٦٩٣ بقلم السير سدلر، ويقال إن الأصل العربي موجود في مكتبة أكسفورد، جاء في هذا الكتاب ذكر مدارس كانت بمصر يعلِّمون فيها القبطية والعربية والحساب والجغرافية والدين، لكنهم كانوا على الإجمال في ظلمة مثل سائر المشارقة، وما زالوا كذلك حتى نهضوا في هذا العصر في جملة الناهضين.

الأنبا كيرلس الرابع

وإمام هذه النهضة عندهم المرحوم البطريرك كيرلس الرابع المتوفى سنة ١٨٦١، وقد تقدم ذكره في كلامنا عن الطبعة بمصر، وهو أول مَن سعى في نشر العلم الحديث لترقية الناشئة ولا سيما الرهبان، فأنشأ لهم مدرسة في عزبة بوش، وجمع لهم مكتبة فيها كثير من الكتب المخطوطة، وأنشأ مدرسة كبرى بجانب كنيسة القبط في القاهرة لا تزال باقية إلى الآن، وهي أول مدرسة أهلية بمصر، ثم أنشأ المدرسة الكبرى في حارة السقايين، لا تزال باقية إلى الآن، وقد تخرَّج فيها طائفة من خيرة رجال الأعمال، منهم المرحوم بطرس باشا غالي، والمشهور أن البطريرك كيرلس المذكور أول مَن نبَّه إلى تعليم الفتاة القبطية، وسار الأقباط على خطواته، وأخذوا بأسباب الرقي.

الإصلاح القبطي

وتنبهوا إلى إحياء جامعتهم بإحياء لغة أجدادهم، فأخذوا في درسها ووضع القواعد التي تسهِّل فهمها بعد أن أوشكت تضيع — أو هي ضاعت إلا في بعض الطقوس الكنائسية مثل اللغة السريانية في سوريا — فأخذوا يؤلفون الكتب لتعليمها لأبناء العربية، وأشهر المشتغلين في ذلك برسومُ الراهب مدرِّسُها في المدارس القبطية، ألَّف عدة كتب مدرسية في هذا السبيل، وأقلاديوس لبيب أنشأ مجلة عين شمس لإحياء اللغة القبطية وآدابها، ووضع فيها معجمًا قبطيًّا عربيًّا في عدة مجلدات.

واهتمت الأمة القبطية في إصلاح إدارة أوقافها ومدارسها الطائفية، وكانت قد أُهمِلت بعد موت كيرلس المذكور، فسعوا في إنشاء مجلس مِلِّيٍّ يتولى هذه الأمور، فلاقوا في ذلك تعبًا ومشقة. وإنما يهمنا في هذا المقام سعيهم في سبيل التعليم، فإنه كان من أهم مطالب العقلاء منهم، ولا سيما تعليم البنات؛ لعلمهم أنه الوسيلة الفضلى لتغلب الحديث على القديم، فعمدوا إلى تشكيل الجمعيات لهذه الغاية.

جمعية الاقتصاد القبطية

وأقدم جمعياتهم في سبيل التعليم على ما نعلم «جمعية الاقتصاد»، عرفنا من أعضائها يعقوبَ بك نخلة، وفرج بك إبراهيم. أنشأت مدرسة لتعليم البنات في الفجالة سنة ١٨٨٧، تخرَّجت فيها كثيرات من فضليات الأمهات، ثم أُنشِئت جمعية التوفيق.

جمعية التوفيق القبطية

تأسست في ٢٤ أغسطس سنة ١٨٩١، وانضم إليها نخبة الشبان المتعلمين الغيورين، وغرضها الإصلاح على الإجمال، فأخذت تنظر في حال المدارس القبطية، والتربية الصحيحة، ووضعت تقريرًا في أحوال تلك المدارس وما تحتاج إليه من الإصلاح، كان له وقع شديد، ثم عمدت إلى العمل ونشر آرائها في اجتماعاتها بالمناقشة والمناظرة مرة في الأسبوع، وأنشأت مجلة سمَّتها «مجلة القبطية» تنشر فيها أبحاثها وقراراتها، فحدث في الطائفة القبطية نهضة وطنية، وانحاز المتعلمون إلى جانبها، وقوي صوت الشعب في طلب الإصلاح.

وعملت على نشر العلم، فأنشأت مدارس للبنين والبنات، ومدرسة للصنائع وغير ذلك، ونبتت للجمعية فروع في أنحاء القطر المصري تعمل مثل عملها، ولا تزال عاملة في ذلك إلى الآن، ويؤخذ من تقريرها لسنة ١٩١٣ أن عدد التلاميذ الذكور في مدارسها ٥١٣ تلميذًا منهم ١٦٧ يتعلمون مجانًا، وعدد الإناث ٢٥١ تلميذة منهن ١٠١ مجانًا، وتلاميذ الصنائع ٦٨ منهم ٥٨ مجانًا، غير أعمالها الخيرية المختلفة، واشتراكها في المشاريع الملية.

جمعيات قبطية أخرى

وكانت هذه الجمعية قدوة لسواها، فأنشئت بعدها جمعيات قبطية كثيرة للتعليم والتربية، منها «جمعية جامعة المحبة» بالفجالة لها مدرسة لتعليم البنات، و«جمعية التهذيب» في القللي لتعليم البنات، و«جمعية زهرة الآداب» لها مدرسة في القللي أيضًا وغيرها، غير المدارس في الأرياف مما لا محل لذكره.٣

ويدخل في بحثنا مشروعات «الجمعية الخيرية القبطية» التي أسسها المرحوم بطرس باشا غالي سنة ١٨٨١ لمساعدة الفقراء أدبيًّا وماديًّا، وهي عاملة على ذلك إلى الآن، ومن مساعيها الجليلة إنشاء «المشغل البطرسي» لتعليم البنات الفقيرات ما يرتزقن به من المهن اليدوية كالتفصيل والخياطة ونحوها، فأنشئوا المحل اللازم لذلك في الفجالة، وأتوا بالمعلمات من فرنسا وغيرها، وأعدوا العُدَد اللازمة، وافتتحوه رسميًّا في أول نوفمبر سنة ١٩١١، وللجمعية مشروعات خيرية أخرى لتعليم البنات، ومستشفى خيري، ومدرسة للبنات تعدهن للدخول في المشغل البطرسي.

٤- الجمعية الخيرية الإسلامية (الثانية) تأسست سنة ١٣١٠/ ١٨٩٢

هي غير الجمعية الخيرية الإسلامية التي تقدم ذكرها، غرضها مساعدة فقراء المسلمين المقيمين في القطر المصري، والإعانة على تربيتهم، وكان الإقبال على هذا المشروع عظيمًا، واهتم به نخبة رجال الأمة الغيورين، فاجتمع في صندوقها في السنة الأولى نيف وألف جنيه، فقررت أن تأخذ بالتعليم الابتدائي، وترشيح الفقراء لاكتساب الصنائع والحرف، وما زالت تتقدم وتتسع أعمالها، والأمة تأخذ بيدها بدفع المال أو وقف العقار أو البناء، حتى صارت ممتلكاتها سنة ١٩١٢ عظيمة، منها ٧٥٠ فدانًا من أجود الأطيان، أجرتها في السنة ٧٣٠٠ جنيه، ولها من الأبنية خمس مدارس في أسيوط ودسوق والمحلة الكبرى وبورسعيد وبني مزار، وأربعة مكاتب وملحقاتها، وأرض للبناء في المحلة مساحتها ٨٣٣٧ مترًا، غير ما يرد للجمعية من الأوقاف الأخرى، وغير الاشتراكات، وقيمتها سنويًّا ١٩٠٠ جنيه.

أما سعيها في سبيل العلم فأكثره في التعليم، وعدد مدارسها ٩ مدارس في مصر والإسكندرية والأرياف، عدد تلاميذها ٣٥٢٣ تلميذًا، منهم ١١٣٧ مجانًا، والمتخرجون من المدارس الابتدائية ينقلون إلى تعلم الحِرَف أو التجارة أو الزراعة، أو المدارس الثانوية.

جمعيات أخرى تعليمية

وتألفت بعد هذه الجمعيات الكبرى جمعيات أخرى عديدة لمثل هذا الغرض يضيق المقام عن ذكرها منها:
  • جمعية الإخلاص: تأسست في الإسكندرية سنة ١٨٩٥ برئاسة محمد طاهر، اشتغلت مدة ثم انضمت إلى جمعية العروة الوثقى المتقدم ذكرها.

  • جمعية المساعي المشكورة: في شبين الكوم تأسست سنة ١٨٩٧.

  • جمعية عاملة توراة: الإسرائيلية في الإسكندرية سنة ١٨٩٧، وجمعية مدارس الفنون والصنائع الإسرائيلية سنة ١٨٩٨، وجمعية صدق الوفاء بمصر، وغيرها كثير من الجمعيات واللجان.

  • جمعية الاتحاد لتعليم البنات: تألفت في القاهرة في أول هذا العام من أرقى طبقات السيدات بمصر، تحت رعاية والدة الجناب الخديوي.

سابعًا: جمعيات التمثيل

هي من قبيل الجمعيات في سبيل النهضة الأدبية، وقد نشأت مع التمثيل العربي في سوريا؛ لأن السوريين كانوا منذ ظهور هذا الفن عندهم يتألفون للتمثيل جماعات، ويعقدون الاجتماعات لدرس الرواية، وتدبير ما تحتاج إليه من النقود ونحوها، وكذلك فعل هواة هذا الفن بمصر، فإن جمعيات عديدة تألَّفت لإحيائه وتنشيطه، أو للاشتغال به عن الملاهي الضارة، وأكثرها في الإسكندرية، أقدمها جمعية ألَّفها عبد الله نديم من تلاميذ المدرسة الخيرية الإسلامية التي تألَّفت بالإسكندرية، ومن أعضاء جمعية الشبان المتقدم ذكرها، وقد مثلت روايتين وطنيتين في ملعب زيزينيا بحضور الخديوي السابق، الأولى رواية الوطن، والثانية رواية العرب، كلاهما تأليف عبد الله نديم، وهو يرمى بهما إلى غرض سياسي.

أما الجمعيات التي تألفت لترويج فن التمثيل فأقدمها نشأ في الإسكندرية:
  • جمعية الابتهاج الأدبي: أنشئت في الإسكندرية سنة ١٨٩٤، ألَّفها مستخدمو البوسطة المصرية برئاسة سليم عطا الله، وموضوعها مَنْعُ أعضائها من تمضية ساعات الفراغ في أماكن اللهو، وأن يجمعوا نقودًا يؤلفون بها جوقًا يمثل روايات أدبية يحضرها عائلات الأعضاء فقط، فلا يمضي شهر إلا مثلوا رواية، وقد ظلت عاملة أعوامًا عديدة، ورئيسها الآن صاحب جوق للتمثيل في الإسكندرية.

  • جمعية الترقي الأدبي: أنشئت بالإسكندرية نحو ذلك الزمن.

  • شركة التمثيل الأدبي: أنشئت بالإسكندرية.

  • جمعية المعارف الأدبية: أنشئت سنة ١٩٠٠.

  • جمعية أنصار التمثيل: هي آخر جمعية في سبيل التمثيل، أنشئت في القاهرة في أول هذا العام، غرضها إحياء هذا الفن بإلقاء الخطب والمحاضرات، وتأليف الروايات في مواضيع مستنبطة تلائم حالتنا الاجتماعية، وترجمة ما يفيد الناشئة من الروايات الأجنبية، وتدريب الراغبين في هذا الفن وغير ذلك.

(٢-٤) إحصاء الجمعيات بمصر

وهناك جمعيات أخرى لمواضيع مختلفة يضيق المقام عن ذكرها، أو الإتيان على تاريخها؛ لأننا نريد ذكر نشوء الجمعيات الأدبية والعلمية، وما هو من هذا القبيل في هذه النهضة، وإلا فإن الجمعيات كثيرة، ويؤخذ من إحصاء الحكومة الرسمي أن عدد الجمعيات الخيرية على اختلاف أغراضها يناهز ١٦٠ جمعية، تقسم حسب مواضيعها إلى ما يأتي — مع الإشارة إلى ما هو وطني أو أجنبي أو مشترك.
عدد الجمعيات والملاجئ مصرية أجنبية مشتركة
١٥٨ ٧٩ ٦٦ ١٣
٦٢ جمعيات خيرية منها ٣٤ ٢٧ ١
١٤ جمعيات الإسعافات منها ١٠ ٢ ٢
١٧ جمعيات المستشفيات منها ٥ ١٠ ٢
١٥ ملاجئ للرجال والنساء منها ٥ ٩ ١
٤ جمعيات رعاية الأطفال والفتيات منها ٢ ١ ١
٩ ملاجئ الأيتام واللقطاء منها ٣ ٥ ١
١٦ جمعيات التعليم والإحسان منها ١٢ ٤
٨ جمعيات التعليم منها ٥ ٣
١٠ جمعيات التعاون منها ١ ٤ ٥
٣ جمعيات أخرى منها ٢ ١

وأكثر هذه الجمعيات تشكلت بعد الاحتلال الإنكليزي، وأما التي كانت قبله فقد نشأت في الإسكندرية، وأقدمها هناك جمعية مار منصور تأسست سنة ١٨٣٣، تليها جمعية التعاون السويسري سنة ١٨٦٣، فالجمعية السورية الأرثوذكسية سنة ١٨٧٥.

إيرادات هذه الجمعيات ونفقاتها

يؤخذ من الإحصاء الرسمي لهذا العام أن جملة إيرادات هذه الجمعيات ٢٨٩٤٧٣ جنيهًا، ونفقاتها ٢٦٤٠٧٤، منها نحو ٤٠٠٠٠ جنيه تُنفَق على التعليم وحده، ونحو هذه القيمة على الإحسان والتعليم، غير ما تنفقه الحكومة في سبيل التعليم.

(٣) الجمعية العربية في أميركا للجالية السورية

السوريون حيثما حلوا اشتغلوا باللغة العربية ونشر آدابها بالصحافة والجمعيات والتمثيل وغيرها، وقد ذكرنا صحافتهم بأميركا في ما تقدم، أما الجمعيات العربية فلهم فيها شأن يذكر أيضًا، وأكثرها أنشئ في البرازيل والولايات المتحدة، وبلغ عدد الجمعيات التي أنشئوها هناك أكثر من ثلاثين جمعية أدبية أو خيرية أو دينية أو تهذيبية، والغرض من إنشائها المحافظة على الجامعة العربية، والاحتفاظ بالآداب العربية وترقيتها، وبعض هذه الجمعيات أشد غيرة في هذا السبيل من أهل هذا اللسان بمصر والشام، فقد أنشأ أدباء الجالية السورية في سانباولو بالبرازيل جمعية أدبية سموها «رواق المعري»، غرضها رفع شأن اللغة العربية وإحياء ذكر رجالها، فإذا ظهر كتاب أو أثر علمي قدَّرته قدره وقررت منزلته، وإذا مات رجل عالم اعترفت بفضله، واحتفلت بتأبينه وذكر آثاره ورفع الستار عن رسمه — كما فعلت عند وفاة الشيخ محمد عبده، والشيخ إبراهيم اليازجي.

وفي نيويورك جمعية عربية عظيمة الأهمية اسمها جمعية الاتحاد السوري، غرضها الدفاع عن حقوق السوريين، وكثيرًا ما تعقد الاجتماعات الأدبية، أو تتولى الأعمال الأدبية العايدة بالنفع على السوريين، ولها مواقف هامة في الدفاع عنهم، ولا سيما في مسألة الجنسية السورية، وهناك جمعيات أخرى لم نذكرها؛ لأن موضوع الكتاب يقتضي حصر الموضوع في الجمعيات العلمية الأدبية، على أننا نقول كلمة عن جمعياتهم التمثيلية، منها المنتدى الأدبي في سانباولو، وجمعية نهضة التمثيل العربي فيها، وقد مثلت كل منهما عدة روايات عربية، مؤلفوها عرب وممثلوها عرب وحضورها عرب في تلك القارة البعيدة.

والمنتدى السوري الأميركي في نيويورك في نحو ما تقدم، وقِسْ على ذلك جمعيات وأندية أخرى ألَّفتها الجالية السورية في المهجر بأميركا والبرازيل وأرجنتين، وغيرها من العالم الجديد يصعب علينا إحصاؤها.

غير الجمعيات العلمية في سائر العالم العربي كالجزائر وتونس، وهي هناك صبغتها فرنساوية؛ لتغلُّب العنصر الفرنساوي في الحكومة والطبقات العالية.

هوامش

(١) ترى تفصيل ذلك لتوفيق أسكاروس في الهلال صفحة ٥٧٩ سنة ٢١.
(٢) أخبرنا بذلك الشيخ أحمد أبو علي الأزهري وكيل المكتبة البلدية بالإسكندرية.
(٣) من أراد الاطلاع على تفصيل ذلك، فليطالعه في كتاب «الإنسانية والتمدن» لجرجس بك أنطون بمصر.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤