الفصل الرابع

المصرية

المصرية من باحثة البادية مصريتان: مصرية بظُرفها ومصرية بوطنيتها.

من لا يعجب بالظرف المصري الذي يبدو أدبًا وحسن مجاملة في المعاملات، ويتناقله المتحادثون نكاتًا تمر في الحديث فتجعله ذا لذعةٍ لطيفة تشرح القلب وتبهج الخاطر؟ إن لكلٍّ من الشعوب صفة كهذه التي يسميها الفرنساويون esprit والأنجلو أمريكيين humour وهو رسم جولة الفكر منهم مع ما تتضمنه من وخز «يفلفل» الأحاديث والمناقشات فيحميها من الملل الذي يتهدد جميع العلائق البشرية إذا استمرت على وتيرة واحدة.

تتكون الشخصية الجاذبة من عنصرين اثنين: أولهما ثابت لا يتغير وهو الطبع، والآخر يفرفر متنقلًا وهو الظرف. ولئن كانت قيمة المرء الأخلاقية وكرامته وعظمته في العنصر الأول وهو القوة الأصلية الجاذبة، فإن الظرف (إذا كان طبيعيًّا لا تكلُّف فيه) ينقذ الانتباه من تعب التوتر؛ إذ يمزج الطبع الجدِّيَّ العبوس بشيء خفيف رشيق وثَّاب يرضي دائمًا إذا كان خاضعًا للذوق السليم.

وجميع الأقطار العربية تعترف للمصريين بالمقام الأول في عالم الظرف (كما في آفاق معنوية أخرى) ويساعدهم على التفرد به لفظهم ولهجتهم ونكتهم اللاذعة. وقلَّ مَن مِن الأوروبيين يفهم ذلك؛ لأن فكرهم على توقُّده وانتباهه لا يستطيع الوصول إلى الدقة الشرقية الخفية. أيكفي التوقُّد والانتباه لمن يطلب التفهُّم؟ أليس هناك صفة أخرى تصيب جوهر المعاني والأغراض بوثبة واحدة، وهي البداهة التي كانت وستظل دائمًا قوة النفس الشرقية؟ وهذه الدقة المتوارية إزاء النظر الغريب أليست هي البادية في السلَّم الموسيقي عوارض كثيرة التجزئة غريبة الأوضاع؟ تلك العوارض أخذ بعضها نفرٌ من كبار الموسيقيين في الغرب ونظمها بيانًا فنيًّا جميلًا، على أن الجمهور الأجنبي ما زال يحسبها خطأً وخللًا موسيقيًّا في حالتها الشرقية الصرفة. مع أنها هي الجاعلة لموسيقانا سذاجتها وفعلها الأليم المستحب.

للسان المصري سلطان يعنو له الكلام، وللمصري سرعة خاطر مدهشة لا تكلُّ ولا تنضب وألفاظ كالسلسبيل حلاوة. ولكن هذه الميزة تظهر على أتم ما تكون في المصري الراقي الذي يرفع المعاني المتداولة إلى أوج فكره ثم يظهرها جديدة الأنس والسلاسة تتبعثر فيها الملَح الحسناء ورءوس حراب صغيرة تتهدد بالوخز كثيرًا ولا تفعل إلا نادرًا.

•••

كل ذلك في باحثة البادية محدِّثةً وكاتبةً؛ خفة الروح ترفرف على جميع سطورها. إنها تستوقفك الوقت بعد الوقت بنكتة غير منتظمة وتهكُّم شائق يناسب الموضوع. كقولها في انتقاد الشراسة العابسة التي يستعملها بعض الشرقيين في منازلهم:
زرت مرة سيدة ممن ابتُلين بمثل هذا الزواج القاسي وكنا نتكلم وأولادها الصغار يلعبون قريبًا منا وبناتها الشابات يضحكن وإذا بهن سكتن فجأة وارتبكت أمهن وغارت أعينهن وعلاهن الاصفرار، وقامت إحداهن تهرول إلى الصغار لتُسكتهم، والثانية تتسمَّع على السلَّم، والأخرى ترى ماذا يمكنها ترتيبه في حجرة والدها. تعجبت من هذه الحركة الفجائية وسألت عن الباعث لها، فأخبرتني السيدة والحزن بادٍ عليها وتكاد لا تنطق إلا همسًا: «إن البك ربما يكون قد حضر.» فقلت في نفسي إذا كان كل هذا الاضطراب وفي حضوره شكٌّ فماذا يفعل هؤلاء النسوة إذا قيل لهن: «إنه قد والله حضر»؟١
ظرفها يبدو في الغالب تهكمًا سليمًا لا مرارة فيه ترطبه البسمة التي لا تبعد عنه كثيرًا، ويعجبها أن تستعمله لإيضاح أغلاط الرجل. ولو كنت رجلًا لجزلت لشراستي المزعومة وضاعفتها أحيانًا لتوحي إلى الباحثة مثل هذه النكتة المليحة:
فما أقدر زوج الضرتين على التفنن! ولو أنصفوا لعيَّنوا زوج كل اثنتين سياسيًّا أو ناظرًا للمستعمرات! (ولكن الذي يؤسف له أنَّا ليس لنا مستعمرات.)٢
وهذه غيرها:
يقول لنا الرجال ويجزمون: إنكن خُلقتنَّ للبيت ونحن خلقنا لجلب المعاش. فليت شعري أي فرمان صدر بذلك من عند الله؟! «إنهم لو أنصفوا ولم يتحزبوا لما عيَّرونا بأننا قليلات النبوغ وأنه لم يُسمع بأن إحدانا غيرت قاعدة في الحساب والهندسة مثلًا. وليتفضل أحدهم بإخبارنا عما استنبطه من تلك القواعد. فنحن نعترف لرجال الاختراع والاكتشاف بعظيم أعمالهم، ولكني لو كنت ركبت المركب مع خريستوف كلومبس لما تعذَّر عليَّ أنا أيضًا أن أكتشف أمريكا.»٣
ودونك هذا الوصف الحي في غاية الحياة؛ لأنه ينطبق على بعض مشاهدات واقعية. ولكنه يتناول المرأة هذه المرة:
تسافر المرأة الإفرنجية الآن أو البدوية وحدها فتركب القطار أو الجمل، وسرعان ما تحمل متاعها أو تُحضر من يحمله لها بلا ضوضاء. أما المصرية فلا تسافر إلى محطة قريبة إلا ومعها من الخدم والأقارب من تعطلت أعمالهم من أجلها، ثم تجدها لا تكاد تحرك رجلًا لتنزل حتى يتحرك القطار، وإذا ساعدها الله (والأولياء!) ونزلت فما أكثر ما تفقده ولا تجده. ضاعت حقيبة المصوغات، وانكسرت القلة فبللت حبرتها، واشتبك برقعها بمفتاح العربة فانقطع خيطه، وإذا لم يسرع حشمها في التقاط أطفالها فقد يقع أحدهم تحت العجلات صريعًا.٤

صدقت الباحثة، إن طائفة من النساء الشرقيات لم تتهذب منهن الحركة، فإذا مشين شعر الرائي بأنهن متنبهات لحركاتهن مرتبكات فيها، وربما سرن على غير هدًى فيصطدمن بما حولهن من أثاث وجدران، ويقلبن مرغمات ما على الطاولات من إناء ومزهرية وكتاب. قد يكون هذا راجعًا إلى دور الانتقال الذي نحن فيه من القديم المنبوذ إلى الجديد المحبوب، ودور الانتقال يظل أليف الحيرة والخبط والتردد إلى أن يقوِّمه المران وتألفه العادة. ولكن من الشرقيات عمومًا والمسلمات خصوصًا من هنَّ موزونات الكلمة يُعدُّ ما يُقتضى معهن من الأوقات لحظات أنس وهناء.

ينتشر ظرف الباحثة غالبًا في سطور كما رأينا في النبذ السابقة ويجتمع أحيانًا في كلمة واحدة أو جملة مختصرة كقولها في نقد الحبرة العصرية:
إن نصف إزارنا السفلي مرط (جونيلة) لا يتفق مع كلمة حجاب ولا مع معناها ولا مع الحكمة منه. أما نصفه العلوي فهو كالعمر كلما تقدَّم قصُر. أما البرقع فأشفُّ من قلب الطفل.٥

كذلك تظل يدها سائرة على هواها والنكتة جزء من معانيها. وقد تدري بها فتضحك لها بعد رسمها على القرطاس، وقد لا تلتفت إليها مطلقًا. فتبقى في إعراضها والظرف يتسرب بين مقاطع الخطاب حتى يجيء الانفعال الشديد يهزها فتتطاير إذ ذاك من حول صحيفتها أسراب الملَح والنكات والتهكم ويتفرَّغ اليراع لصبِّ مقذوفات العاطفة المشتعلة والشعور المعاني.

•••

أما المصرية الوطنية فمضمرة دائمًا وإن لم ترفع القناع إلا الوقت بعد الوقت. وربما تكلمت الوطنية أحيانًا باسم الإسلام وتارة باسم الشرق بأسره كقولها:

إننا لو سلَّمنا بما يقترحه الكتَّاب من ضرورة تقليد الغربيين في أمور معاشنا ولباسنا وزيِّ بلادنا مما قد لا يوافق روح الشرق فإننا نندمج فيهم ونفقد قوميتنا بمرور الزمن، وهذا هو ناموس الكون؛ إذ يفني الضعيف في القوي، وإنه لمن العار أن نهمل هذا الأمر يجري مجراه. فأدعو الكتَّاب والباحثين للتفكير فيه وفي إيجاد مدنية خاصة بالشرق تلائم غرائزه وطبائع بلاده ولا تعوقنا عن اجتناء ثمار التمدن الحديث.

رأيٌ في منتهى العقل والاعتدال، وإخاله يتفق غرضًا مع الجمعية النسائية التي تألفت في هذه الأيام لمقاومة تيار المدنية الأوروبية في هذا القطر. أنا الشرقية المحبة لكل ما هو شرقي أتمنى لكلٍّ من أقطارنا طابعًا شرقيًّا. لكن حسن أن يبسط المرء مدى فكره إلى ما وراء حدود ما يتمنى؛ لأن جدران «التمني» ضيقة أحيانًا. ثم إذا مال الإنسان إلى أمر ووجد من نفسه دافعًا يحمله على طلب ذلك الأمر بقوة كان ملبيًا نداء سرِّيًّا منبثقًا من أعماق مزاجه. وكأن خفايا المزاج تعلم أن في الأمر المطلوب ما يكمل منه قوًى لم يبرز إلا بعضها، أو أن في ذلك الأمر اقتدارًا لتنبيه قوًى جديدة مجهولة؛ إذ ذاك ما تنفع الآراء، وهل يستفيد المرء منها حقيقة ولو تظاهر بالإصغاء والطاعة؟ إن كان من قوة الإِرادة بحيث يتيسر له التملُّص من هذا الانجذاب فهل في ذلك خيره أم كان خاسرًا ظرفًا من الظروف النادرة التي تهيئها الحياة لتوسيع الممكنات وإنماء الملكات؟ تُرى هل فنيت قوة اليابان منذ احتضنت المدنية الأوروبية واستخدمت مظاهرها أم تحسب اليابان من الرابحين؟

أما ساعةَ تتكلم الباحثة بلسان المرأة فهي تحذف اسم الشرق والأقطار الإسلامية ولا تهتم إلا بالمرأة المصرية دون غيرها كقولها:
إن من يتصفح تاريخ المرأة المصرية الحديثة يرى أنها كانت دائمًا مظلومة مهضومة الحقوق؛ ففي عصر إسماعيل هجم علينا جيش من الشركسيات انهزمنا أمامه وخرج ظافرًا منا بأحسن رجالنا، فلم يكن شريفٌ ولا نابهٌ بمصر إلا وأمُّ ولده جارية شركسية من شراء إسماعيل. ثم ابتدأ رجالنا بعد ذلك الزمن يتزوجون بالأوروبيات. «أما وقد صار الآن بمصر من المتعلمات من يصلُحن للزواج بأبناء جلدتهن أفليس من العار أن تقدر على أن تجعل ابنك شريفًا من أم ذات حسب فتختار أن يكون ابن جارية شركسية أو راقصة أوروبية؟» … «ألا ربَّ معترض يقول أن قد بطل الرقُّ الآن، وإن من يصاهر الترك يصاهر أكفاء. هذا صحيح ولكن الأم تغذي الطفل بأميالها وطباعها كما تغذيه بلبنها، فإذا ما حنَّت التركية لوطنها (وكلٌّ يحنُّ بالطبع لوطنه) نشأ متشبعًا بأميالها؛ يحب تركيا ويميل عن مصر وهو معدود من رجالها» … «وسبب فشل المصريين وعدم ميلهم الفطري للاتحاد هو على ما أرى ناشئ عن تشعُّب أجناس أمهاتهم؛ فابن الفرنساوية يحب فرنسا، وابن الزنجية يذكر خصب السودان، وابن العربية يفتخر بمحتده، وولد المغربية لا يفتأ يذكر بلده، وهكذا أضعنا وطنيتنا المصرية عن طريق المصاهرة بالأجانب» … «ثم أجدني محقة إذا قلت إن الدم يحنُّ إلى نوعه؛ فإذا تكافأ الرجل والمرأة في العلم والتربية وكانا مصريين مثلًا فإن الحب بينهما يكون أصدق وأمتن منه لو كانا مختلفي الجنس.»٦

عندي اعتراض صغير على كلمتي «أصدق وأمتن». إن للحب درجة واحدة من المتانة والصدق، وتلك الدرجة كعبة تدركها قلوب المخلصين قبل أن يفطنوا لها، بل إن الإخلاص المجرد من انتباه الشخص المخلص لوقوع إخلاصه كان دائمًا من الصفات الودادية الأولية. ثم إن الحب هو العالم الأنور والأفق الأطهر الذي تتلاشى عنده كل جنسية وكل تحزبٍ، ولا يخطو بابه إلا المخلصون. كلا، لا يكون الحب «أصدق وأمتن» بين مصري ومصرية منه بين مصري وفرنساوية، أو إنجليزي وزنجية. إلا إذا أرادت باحثة البادية أن أبناء الوطن الواحد والطبقة الواحدة يكون لهم في الغالب أذواق متشابهة متقاربة فلا يولِّد الاحتكاك فيما بينهم نفورًا. وهي نظرية أصادق عليها نصف مصادقة فقط؛ لأن أخوة الجنسية والطبقة لا تعني أخوة النزعات. كم من الناس رأوا أنفسهم منعكسين في مرآة نفوس الغرباء المختلفين عنهم جنسية وعقيدة وأطماعًا ومصالح، فكانوا معهم متفاهمين متفقين؛ لأنهم وجدوا أن بينهم وبين هؤلاء الغرباء علاقات معنوية وقرابة روحية لم يربطهم مثلها بذويهم وأقرب الناس إليهم! ذلك لأن للنفوس والميول وطنًا غير وطن الجسد. على أن هذا لا ينفي أن أبناء الوطن الواحد أقرب إلى الاتفاق فيما بينهم إزاء المصلحة الوطنية.

باحثة البادية تحب كل ما هو مصري؛ ما ألطف هذه الكلمة في وصف اللون المصري:
وما أحلى السُّمرة الجاذبة لو فهمنا معناها. إنها جميلة لأنها جميلة ولأنها مصرية ولو لم يكن فيها غير المصرية والطبيعة لكفى.٧
وكم من رجل وامرأة في مصر يستحقان هذا التعنيف:
إننا في مصر ولكننا لا نعرفها. أرأيت أغرب من مبصر أعمى؟ إن الأهرام على قيد فلتة العيار من القاهرة ولكن كثيرات منا لم يزرنها، والآثار تخبرنا عنها السائحات الأجنبيات فنبدي جهلًا مزريًا ونعجب مما يقصصن علينا، وتاريخنا مبعثر في الأرض من قديم وحديث ولا من تلمُّ به حيًّا من غير الكتب الجامدة الخالية من الروح.٨
على أن وطنيتها أتم وضوحًا عندما تعالج الموضوع الذي يكثر عودها إليه وهو ألَّا يأخذ أبناء هذا الوادي من مدنية الغرب إلا ما لا بد من أخذه، على شرط أن يصطبغ بالصبغة المصرية ويتسم بالطابع الوطني، كقولها:
فانصراف شبابنا لتلقِّي العلوم الحديثة في أوروبا يجب أن يكون لخير البلاد لا لشرها. فكما يتعلمون لنفع أنفسهم يجب أن يقرنوا ذلك النفع بنفع مواطنيهم أيضًا. فواجبهم الوطني يقضي عليهم بأن يدخلوا كل ما يرونه صالحًا في بلادهم مع الاستغناء عن الأجنبي على قدر الإمكان. فصانع الحرير الوطني إذا رأى معامل أوروبا وسرعتها وجب أن يشتري لبلاده الآلات اللازمة لسرعة إنجاز العمل لا أن يدخل تلك الصناعة بعينها ويقضي على صناعته الجميلة فيكون قد اقتبس شكلًا وأبطل آخر. فنحن إذا اتبعنا كل شيء قضينا على مدنيتنا. والأمة التي لا مدنية لها ضعيفة هالكة لا محالة. «إذا أردنا أن نكون أمة بالمعنى الصحيح تحتم علينا ألَّا نقتبس من المدنية الأوروبية إلا الضروري النافع بعد تمصيره حتى يكون ملائمًا لعاداتنا وطبيعة بلادنا. نقتبس منها العلم والنشاط والثبات وحب العمل. نقتبس منها أساليب التعليم والتربية وما يرقِّينا حتى نبدل من ضعفنا قوة. وإنما لا يجوز في عرف الشرف والاستقلال أن نندمج في الغرب فنقضي على ما بقي لنا من القوة الضعيفة أمام قوته المكتسحة الهائلة.»٩

ما أجمل هذه العبارات معنًى ومبنًى، وما أوفاها حصافة وحكمة! إنها لتستفز الحمية وتدعو إلى التصفيق وها أنا أصفق لها بقلبي وراحتي.

•••

ليس بين المعاني الاجتماعية ما هو أدعى إلى التحمس والطرب من اسم الوطن؛ لأن الوطن كل شيء؛ فهو الأهل والأحباب، والدموع والابتسامات، وهو القبور الغاليات، ومهد الذراري المقبلات، هو مجموع الوارثات الأثرية والتاريخية والأخلاقية والعلمية والعملية، كما أنه الفجر وأجواق بدائعه الذهبية والغروب بسرادقه المهيب المنصوب فوق جيوش السحب المتلمعة.

هو العلم الذي ترتعش لتلاعب النسيم بأهدابه ذرات القلوب.

نحن الذين أحببنا من مصر جمالها الطبيعي وجلالها التاريخي وعظمتها الأثرية وعذوبة بنيها وبناتها، نحن الذين أحببنا من مصر كل شيء نعلم أن مصر الحقيقة، مصر الصميمة، كانت تلك السائرة عالية الجبهة وراء أعلامها المنشورة. مصر هي تلك الشبيبة الطامح إلى الارتقاء، وتلك الأمة التي لها من فطنتها ما يذكرها أن طريق التقدم ليست التخريب والتشويش والتدمير، بل الهدوء والعمل والتفكير. مصر هي المرأة المصرية التي أرتنا في هذه الأيام أن فيها ما كنا نتمناه لها، وهو ينتظر أن تنبهه يد الأحوال ليبدو مسطورًا. ما كان ألطف البسمات النسائية أيام المظاهرات وراء النقاب الأبيض! وما كان أبهج الأعلام المصرية المثلثة الأهلَّة الموحدة الصليب تلوِّحها الأيدي النحيفة! وما أحب الأصوات الشجية الخافتة تُنشد أناشيد العز وتهتف هتاف الحماسة!

لترقد الباحثة بأمان وسلام، إن لأخواتها أهلية وطنية كأهليتها. أحيي هنا ما كان عندها من مصرية صادقة وأحيي بعدها كل امرأة مصرية، ولا أخشى ختم هذا الفصل بهتاف واحد: لتحيَ مصر!

١  النسائيات.
٢  النسائيات.
٣  النسائيات.
٤  النسائيات.
٥  النسائيات.
٦  النسائيات.
٧  النسائيات.
٨  النسائيات.
٩  النسائيات.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤