السكان والسياسة في أوروبا١

بقلم: أ. ن. ك. أرجانسكي

تباينت الشعوب الأوروبية تباينًا واضحًا خلال القرن العشرين من حيث تطورها الديموجرافي واتجاهاتها السياسية. وتكشف الاتجاهات السياسية لفرنسا والسويد وألمانيا النازية وإنجلترا المعاصرة عن جانبٍ كبيرٍ من الأفكار القومية لكلٍّ منها.

وقد برزت مشكلة جديدة منذ الحرب العالمية الثانية، بعد أن تكوَّنت في أوروبا كتلتان، شيوعية وغير شيوعية، وبدأت العوامل الديموجرافية تسهم بنصيبٍ في تحديد قوة كلٍّ منهما.

•••

يتميز السكان في أوروبا اليوم بالكثافة، والكثرة معًا. وإذا نظرنا إليهم من حيث الكثافة في كل كيلومتر مربعٍ سنجد أن كثافة السكان في أوروبا أكبر منها في آسيا. ولكن الضغط السكاني في أوروبا لا يمثِّل عقبة في طريق التقدم الاقتصادي أو الاستقرار السياسي، بل إن السكان في أوروبا لا يتزايدون بنفس السرعة التي يتزايد بها سكان المناطق المتخلفة التي هي شغلنا الشاغل الآن. فمعدل الزيادة السنوية في أوروبا منذ ١٩٥٠م حتى ١٩٥٨م لم يتعد ٠٫٧ في المائة مقابل ١٫٨٪ في آسيا، و١٫٩٪ في أفريقيا، و٢٫١٪ في الأمريكتين، و٢٫٣٪ في بلدان المحيط الهادي٢ (جدول ٢). ونظرًا لأن أوروبا الغربية قد حققت — بالفعل — مستوى عاليًا من التقدم فإنها قادرة على أن تمتصَّ — بسهولة — أية زيادة يُحتَمَل حدوثها في المستقبل. وإذا كانت مناطق جنوب وشرق أوروبا لم تصل بعدُ إلى نفس المستوى من التطور، إلا أنها تعمل على زيادة كفايتها الاقتصادية بخطواتٍ سريعة؛ لذلك فإنها ستستطيع — هي الأخرى — مستقبلًا أن تعالج هذه الزيادة السكانية.
إلا أن هذا لا يعني أن الأحداث الديموجرافية لم تعد تؤثر على الاتجاهات السياسية في أوروبا. فالاتجاهات السكانية، سواء في الماضي أم في الحاضر، تؤثر تأثيرًا مباشرًا على مراكز القوى للدول الأوروبية من حيث علاقتها ببقية دول العالم وكذلك من حيث علاقتها ببعضها البعض، وهذا هو التأثير الهام. وسبب ذلك — على وجه التحديد — أن التنظيم الاقتصادي والاجتماعي للدول الأوروبية من النوع الذي لم يعد معه النمو السكاني يمثِّل مشكلة في الوقت الراهن. ونظرًا لأن غالبية الدول الأوروبية هي دول صناعية تخطو خطواتٍ سريعة في طريق التصنيع، فإنها تستطيع الاستفادة من شعوبها لتحقيق أغراضها الخاصة بتدعيم قوَّتها، وذلك على عكس وضع الدول المتخلفة المناضلة التي قد تجد في نموها السكاني عبئًا يثقلها.٣

١

إن العلاقة بين السكان والسياسة في أوروبا علاقة لها تاريخ طويل، فقد كان للاتجاهات الديموجرافية أثرها على القوة الأوروبية إبان قرن حرية العمل، بينما كان للتطورات السياسية أثرٌ ضئيلٌ على الاتجاهات الديموجرافية، وكان للنمو الهائل للسكان في أوروبا — وهو نمو غير مخطَّط أو موجَّه — أثره الحاسم في جعل الأوروبيين القوة الأولى في العالم. فالانفجار السكاني في أوروبا هو الذي أمدَّها بالأيدي العاملة التي أنجزت النظم الاقتصادية الصناعية الحديثة داخل البلاد، وهو الذي زوَّدها بالمهاجرين الذين خَلقوا لأوروبا حلفاءها في الخارج، وزوَّدها بالإداريين والجنود الذين ساعدوا على خلْق إمبراطوريات مترامية الأطراف، تمتد إلى نصف مساحة الكرة الأرضية، وتضم ثلث سكانها.

إلا أن النمو السكاني الذي مكَّن أوروبا من أن تجني مثل هذه النتائج السياسية العظيمة، بفضل تقدمها الاقتصادي، بدأ يهِن خلال القرن العشرين. وحدث أول انخفاض في نسبة المواليد في أوروبا الغربية قبل غيرها؛ فهي مهد الثورة الصناعية وحيث القيم الحضرية التي ترتبت عليها، والتي تُؤْثر الأسر الصغيرة الحجم، وقد استغرقت هذه القيم أمدًا طويلًا إلى أن أصبحت قيمًا سائدة وعميقة الجذور. ولكن بمضي الأعوام في القرن العشرين بدأت تنخفض نسبة المواليد في شرق أوروبا كذلك. (٢، ص١٢-١٣). وأصبحت اليوم نسبة المواليد المنخفضة ونسبة الوفيات المنخفضة ونسبة الزيادة المنخفضة أو المعتدلة للسكان من حقائق الحياة في أغلب أنحاء أوروبا. بيد أن الحكومات الأوروبية بدأت الواحدة تِلوَ الأخرى تشن حربًا ضد هذا الأمر الواقع؛ وتغيرت العلاقة القائمة بين السكان والسياسة أثناء القرن العشرين؛ إذ حاولت السياسة أن تُؤَثِّر على الاتجاهات الديموجرافية.

ونهجت الحكومات سياسة تهدف إلى رفع نسبة الخصوبة، بعد أن واجهتها مشكلة انخفاض نسبة المواليد واحتمال نقص عدد السكان. ولكن حدث — في نفس الوقت — أن اعترضتها أحداثٌ سياسية من نوعٍ مختلف أشد الاختلاف من شأنها أن تؤثر على السكان في أوروبا مثل الحروب والثورات التي قضت على كل المكاسب التي كان من الممكن أن تجنيها سياسة تشجيع إنجاب الأطفال، والتي كان يمكن أن يتدفق عنها فيضٌ جديدٌ من الهجرة.

وإذا نظرنا إلى مدى الاهتمام بنسبة المواليد الآخذة في الانخفاض في أوروبا، والتي انخفضت إبان سنوات الكساد إلى الحد الذي أصبحت تهدد فيه النمو السكاني، بل وكانت تنذر بتدهورٍ سكاني، فإن ما قد يثير الدهشة أن نجد عددًا قليلًا جدًّا من الدول الأوروبية هي التي اختطَّت لنفسها سياسة سكانية؛ كما يدهشنا — كذلك — مدى تهافت بعض هذه الاتجاهات السياسية. فإنجلترا، على سبيل المثال، رغم أنها أَوْلت هذه المشكلة اهتمامًا كبيرًا إلا أنها لم تُقدِم على فعل شيء ما إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية عندما سنَّت برنامجًا للعلاوات الاجتماعية التي تُمنَح للأسر من أجل الأطفال. وكان هذا الإجراء بمثابة إجراء للرفاهية أكثر منه محاولة للتأثير على حجم الأسرة،٤ ذلك لأن هذه العلاوات كانت من الضآلة بحيث لا تشجع على إنتاج أسرة كبيرة. وفي أوائل الخمسينيات تبنَّت المجر سياسة تشجيع إنجاب الأطفال، ولكنها تخلَّت عنها عام ١٩٦٠م (٤، ص١٩٣). وتُعتبَر السويد وبلغاريا (٤، ص١٩٦) مثالَين للأمم التي تتخذ إجراءاتٍ لتشجيع إنجاب الأطفال، وتتخذ — في نفس الوقت — إجراءاتٍ أخرى ضدها.٥ وتطبِّق روسيا سياسة لتشجيع إنجاب الأطفال، وتُعَد أكثر هذه السياسات اتساقًا، بيد أنها ظلَّت — لأعوامٍ طويلة — وهي تنكر أنها وضعت برنامجها الشامل هذا بهدف التأثير على حجم الأسرة. وربما كانت ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية وفرنسا المعاصرة تستحق كلٌّ منها جائزة لسياستها المتسقة، وإن كان مدى فعالية سياسة كلٍّ منها أمرًا موضع مناقشة.٦
وتعتمد السياسة السكانية في فرنسا على تشريعٍ مقيدٍ للحريات وإجراءات قضائية وبوليسية واسعة المدى للحيلولة دون عمليات الإجهاض أو استخدام موانع الحمل، كما تعتمد على نظام العلاوات النقدية الفورية، وهي علاوات مرتفعة — بقدرٍ كافٍ — بحيث تضمن زيادة حقيقية في دخل الأسر الكبيرة. ويشمل البرنامج الفرنسي — كذلك — قروضًا للزواج وعلاوات حملٍ ومِنَحًا للولادة وعلاوات ومِنَحًا للإسكان وخفضًا للمصاريف المدرسية وإعفاءات مالية لأطفال الأسر الكبيرة.٧
ويتضمن برنامج السويد بعض إجراءات خاصة متميزة، مثل العلاوات النقدية، ولكنه يركز أساسًا على اتِّباع سياسة تحقق الرفاهية الاجتماعية العامة؛ بحيث توفر لكل الأسر دخلًا كافيًا وسكنًا ورعاية طبية. وذلك على فرض أن هذا كله من شأنه أن يزيد بعض العقبات التي منعت سكان السويد من أبناء الجيل السابق من إنجاب أُسر كبيرة. ومع ذلك فقد اتخذت السويد — في نفس الوقت — سلسلة من الإجراءات تُعتبَر من حيث نتائجها، إن لم تكن تهدف إلى ذلك عمدًا، إجراءاتٍ مضادة لسياسة تشجيع إنجاب الأطفال. فقد أجازت الإجهاض لأسبابٍ عضوية أو نفسية أو اقتصادية، كما وأن موانع الحمل تُباع في الصيدليات، أو تُقَدَّم المعلومات عن منع الحمل كجزءٍ من التربية الجنسية في المدارس الثانوية. فمن الواضح أن السويد تسعى من أجل إنجاب أسر كبيرة، ولكن فقط إذا كان الأطفال شيئًا مرغوبًا فيه.٨
وربما كان برنامج الاتحاد السوفييتي هو أكثر البرامج شمولًا، فهو يشمل إجراءات للرفاهية على نطاقٍ واسعٍ، وإعانات مالية وأوسمة شرفٍ للأمهات اللائي ينجبن أسرًا كبيرة. ومع ذلك فقد خُفِّفَت في الأعوام الأخيرة قيود التشريع الذي يحرِّم الإجهاض أو استخدام موانع الحمل. والرعاية الطبية ميسورة للجميع، وإن كانت تُولِي الأمهات والأطفال رعاية خاصة. ويُعَد «التخصص في رعاية الأم والطفل» أحد التخصصات الأساسية الثلاثة التي يتدرَّب عليها كل الأطباء في الاتحاد السوفييتي. كما وأن التعليم المجاني إلى مستوى الجامعة يزيد من خفض نفقات إعالة الأطفال. وتُمنَح الأمهات العاملات عملًا مخفَّفًا أثناء الحمل وإجازة وضع مدفوعة الأجر وفسحة من الوقت أثناء العمل للإرضاع، ودور للحضانة لصغار الأطفال أثناء النهار. وتشجيع الإعفاءات الضريبية والمكافآت التقدمية على إنجاب أسر كبيرة، كما أن الحكومة السوفييتية تكرِّم الأمهات اللائي ينجبن أسرًا كبيرة بمنحهن أوسمة وميداليات خاصة، بذلك تبدأ من ميدالية الأمومة التي تُمنَح للأم التي تنجب خمسة أطفال إلى وسام الأم البطلة والذي يُمنَح للأم التي تنجب عشرة أطفال بالغين، علاوة على شهادة من مجلس الرئاسة السوفييتي الأعلى لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية (٤، ص١٧٩).٩

٢

إن العدد الكبير من السكان ليس هدفًا في ذاته بطبيعة الحال. وكل الشعوب الأوروبية التي يعنيها زيادة حجم سكانها لها أهداف أخرى بعيدة، هي الرفاهية الاقتصادية والمنعة القومية والمحافظة على التراث الثقافي. ولقد عبَّر الكُتَّاب في بريطانيا والسويد عن قلقهم خشية أن يقلل التدهور السكاني من فرص الاستثمار، ويؤدي إلى حالة من الركود الاقتصادي، ومن ثَم بالتالي إلى خفض مستوى المعيشة١٠ (٥، ص١٢٤، الباب العاشر والحادي عشر).
واعتبارات القوة هي أكثرها حسمًا، وكان لها دورها في كل السياسات التي تشجع إنجاب الأطفال. وكان الألمان والإيطاليون أكثر وضوحًا في تحديدهم لهذه الاعتبارات. فقد أعلن جوزيف جويلز: «إذا كانت ألمانيا ترغب في الوفاء بمهامها القومية والعالمية الكبرى؛ فإنها بحاجة إلى الأيدي، ولهذا السبب يشجع النظام الجديد الأسر الكبيرة.»١١
بل إن موسوليني كان أكثر صراحة حين قال: «إذا كانت إيطاليا تريد أن تكون شيئًا ذا قيمة في هذا العالم فلا بد وأن يصبح تعداد سكانها — على الأقل — ستين مليونًا في أوائل النصف الثاني من هذا القرن … لنكن صرحاء مع أنفسنا، ما قيمة أربعين مليونًا من الإيطاليين بالقياس إلى تسعين مليونًا من الألمان ومائتَي مليون من السلاف؟»١٢

والسياسة السكانية في فرنسا كان يحركها — أساسًا — الخوف من التكاثر السكاني السريع في ألمانيا. ويمكن النظر إلى قانون الأسرة الذي صدر في فرنسا عام ١٩٣٩م باعتباره — جزئيًّا — ردًّا على السياسة التي نهجتها من قبل ألمانيا النازية لتشجيع إنجاب الأطفال في شكل سباقٍ للتسلُّح الديموجرافي. وكان رجال الدولة في بريطانيا يدركون — بدورهم جيدًا — الدلالات السياسية لانخفاض معدل النمو السكاني في البلاد. وعبَّرت اللجان المَلَكية للهجرة والسكان عن خشيتها من أن تتعرَّض روابط بريطانيا بشعوب الكومنولث للخطر إذا لم ينمُ السكان في بريطانيا بسرعة كافية تكفل خلْق تيارٍ مستمر من المهاجرين حتى يظل الأصل البريطاني هو الطابع الغالب لشعوب هذه البلدان، مثل كندا وأستراليا ونيوزيلاندا (٩، ص١٢٥، ٢٢٥، ١٣٣).

وربما كانت اعتبارات القوة هي الشيء الكامن وراء السياسة السكانية التي تنهجها روسيا أيضًا، وإن كان من الصعب أن نقيم الدليل على صدق هذا الكلام. فإن الاتحاد السوفييتي لا يحتاج إلى القوة البشرية ليعوض بها خسائره في الحرب، ولكي يوفر القوة اللازمة لصناعاته النامية فقط، بل يحتاج إليها كذلك ليملأ بها أراضيه الفضاء، ويتجنَّب وضعه كقزمٍ بالقياس إلى حليفه وجاره العملاق في الجنوب.

ويبدو — من ناحية أخرى — أن السويد تهتم بالمحافظة على تراثها الثقافي أكثر من اهتمامها بالقوة، ورسمت سياستها السكانية على أساس تخليد التراث الثقافي للسويد، وكذلك لتدعيم مركز البلاد في المحيط الدولي. وعبَّرَت (ألفا ميروال) عن هذا الشعور بالكلمات التالية: «إن مجتمعنا غير جديرٍ بالبقاء على الإطلاق … إنه لا يريد أن يستجمع همَّته للعمل من أجل الحفاظ على ثقافة قومية في طريقها إلى الاندثار، إنه لا يريد أن يقتنع بضرورة تدعيم بناء اجتماعي سيحرم أطفالنا من وراثته.»١٣ ومن الطبيعي أن سياسة تشجيع إنجاب الأطفال في جميع الأمم ترتكز — بشكلٍ ما — على الرغبة في المحافظة على التراث الثقافي.
ومن العسير علينا أن نحكم على مدى فعالية السياسة الأوروبية لتشجيع الإنجاب. وربما كانت حالة ألمانيا هي أكثر الحالات التي دُرِسَت دراسة شاملة. فقد ارتفعت نسبة المواليد في ألمانيا ارتفاعًا كبيرًا بعد تطبيق إجراءات تشجيع الإنجاب مباشرة. وكان طبيعيًّا أن يزهو رجال الدولة النازيون بهذا التحول؛ إلا أن الشيء الأكثر احتمالًا — على ما يبدو — هو أن ارتفاع نسبة المواليد إنما يرجع إلى عودة الرخاء الاقتصادي والعمالة الكاملة؛ نظرًا لأن هناك مُعامل ارتباط عاليًا بدرجة لا نظير لها (+٧٩) بين معدل العمالة الشهرية ونسبة المواليد الشهرية بعد تسع شهورٍ ابتداءً من عام ١٩٣١م إلى عام ١٩٣٩م.١٤

وشهدت السويد أيضًا ارتفاعًا في الخصوبة، وكان هذا الارتفاع مصاحبًا لتطبيق سياستها السكانية؛ إذ ارتفعت نسبة المواليد من ١٣٫٧ عام ١٩٣٤م إلى ٢٠٫٦ عام ١٩٤٤م. ومع ذلك فقد بدأت نسبة المواليد تتناقص — تدريجيًّا — منذ ذلك الحين (إذ ارتدَّت إلى ١٤٫٢ عام ١٩٥٨م) رغم استمرار الدولة في سياستها لتشجيع الإنجاب.

وتتميز تجربة فرنسا بأهمية خاصة؛ فقد صاحب سياستها السابقة على الحرب انخفاضٌ مستمرٌّ في نسبة المواليد. إلا أن تطبيق قانون الأسرة لازمته زيادة في الخصوبة إبان الأعوام الأخيرة للحرب؛ ومع نهاية الحرب ارتفعت نسبة المواليد في فرنسا كثيرًا. واحتفظت فرنسا بهذا الارتفاع النسبي للمواليد بعد أن تم تطبيق سياسة تشجيع إنجاب الأطفال في غيرها من بلدان أوروبا الغربية بعد الحرب. ويضع الخبير الفرنسي ألفريد سوفي ثقته في سياسة فرنسا١٥ ولكن يجب أن نلاحظ أن نسبة المواليد في الولايات المتحدة قد ارتفعت هي الأخرى كثيرًا، وحافظت على ارتفاعها منذ الحرب العالمية الثانية دون تطبيق سياسة سكانية مقصودة أيًّا كان نوعها.

٣

قضى الصراع السياسي في أوروبا على كل المكاسب التي حققتها سياسة الحكومات الأوروبية لزيادة السكان فقد شهد هذا القرن، وهو أكثر القرون سفكًا للدماء، أوروبا وقد خرَّبتها حربان عالميتان، وحرب أهلية، وثورة وعدد من الصدامات المحدودة، ومن العسير أن نحصي جملة خسائر أوروبا من السكان، ذلك لأنها لا تشمل فقط صرعى الحرب، بل تشمل كذلك الوفيات التي حدثت من جراء المرض وسوء التغذية التي جاءت في أعقاب الحروب، و«الخسائر» التي يمكن إرجاعها إلى أن عددًا كبيرًا من المواليد ممن كان يمكن أن يُولَدوا في زمن السِّلم، لم يأتوا في زمن الحرب. وتُقَدَّر جملة ما تكلَّفته أوروبا من حياة أبنائها١٦ خلال الحربين فقط بما يزيد على مائة مليون نسمة.
ومن الأمور التي لها دلالتها أن خسائر أوروبا الشرقية في كلٍّ من الحربَين كانت أفدح من خسائر أوروبا الغربية، ولكن كان الفارق جسيمًا في الحرب العالمية الثانية بوجه خاص. وفيما يتعلق بالدول الكبرى فقد كانت الخسائر التي تكبدتها فرنسا في قواتها العسكرية إبان الحرب العالمية الثانية تُقَدَّر بحوالي ٢٠٠٠٠٠. وإذا أضفنا إلى هؤلاء صرعى الحرب من المدنيين والمثقفين والأسرى سيصل المجموع الكلي إلى حوالي ٦٠٠٠٠٠ أو أقل من نصف خسائرها في الحرب العالمية الأولى. وكانت خسائر بريطانيا بالنسبة لجميع الفئات — القتلى من العسكريين، والعدد الهائل من وفيات المدنيين، بالإضافة إلى العجز في المواليد — أقل مما كانت عليه في الحرب العالمية الأولى. أما خسائر روسيا فهي على النقيض؛ إذ كانت أكثر من ضعف ما كانت عليه في الحرب العالمية الأولى، ذلك لأن الاتحاد السوفييتي تكبَّد ما يُقَدَّر بخمسة وعشرين مليونًا من صرعى الحرب، بالإضافة إلى عجزٍ في المواليد يُقَدَّر بعشرين مليونًا نتيجة للحرب العالمية الثانية، وبالنسبة لدول شرق أوروبا المتحالفة مع الاتحاد السوفييتي فقد كانت خسائرها من الوفيات فقط ما يزيد على ٦ ملايين (٢، ص١٤).١٧

ويمكن أن نُرجع — جزئيًّا — هذا الفارق الضخم بين خسائر بلدان شرق أوروبا وغربها إلى الفترة القصيرة التي خاضت فيها أوروبا الغربية الحرب. يُضاف إلى هذا ذبح الألمان لأَسراهم من الأوروبيين الشرقيين، وكان هذا أسوأ — بكثيرٍ — من كل ما حدث في أوروبا الغربية.

ومع ذلك فليس العجز السكاني وحده هو التغيرات الديموجرافية الوحيدة التي نجمت عن الصراع السياسي في أوروبا. فالحرب والثورة والتمرد والاضطهاد السياسي، كل هذا دفع الملايين من الأوروبيين إلى ترك ديارهم، وأكرههم على الهجرة من بلدٍ لآخر، وأدى إلى خسارة جسيمة بالنسبة لسكان أوروبا.

وللمرة الثانية نقول إنه لعسير علينا أن نصل إلى الأرقام الدقيقة لأن الكثيرين ممن أُكرِهُوا على الهجرة كانوا مهاجرين غير قانونيين؛ ومن ثَم لم يُحسَب عددهم، أو نظرًا لأنهم غيَّروا أماكنهم إبان الحرب. إلا أن التقدير الإجمالي للمهاجرين من اللاجئين في أوروبا منذ الحرب العالمية الأولى يقارب الثلاثين مليونًا من الأنفس. ويشمل هذا العدد ١٫٥ مليون من اللاجئين بعد الثورة الروسية، وحوالي نصف مليون من الجمهوريين اللاجئين من إسبانيا، (وعاد أكثر من نصفهم إلى أرض الوطن) وحوالي ٨٠٠٠٠٠ من اللاجئين قبل الحرب الذين فرُّوا من حكم النازي في ألمانيا والنمسا وتشيكوسلوفاكيا.١٨

ومع ذلك فلا شيء مما حدث قبل الحرب يمكن مقارنته بهجرة ما لا يقل عن ٢١ مليونًا من البشر، ومغادرتهم بلادهم مع الحرب العالمية الثانية. فعندما كانت الجيوش الهتلرية تواصل زحفها فرَّت أمامها الملايين من الأوروبيين، بينما ما لا يقل عن ثمانية ملايين ممن لم يسعفهم الفرار أُعيدَ شحنهم ثانية إلى ألمانيا كأسرى حرب وعمَّال أرقاء. وعلاوة على ذلك فقد نفى الألمان ما يزيد على المليونَين من البولنديين والسلاف وسكان الألزاس واللورين، وأخرجوهم من ديارهم ليفسحوا مكانهم لمستوطنين من الألمان. ثم ما أن بدأت ألمانيا تخسر الحرب، وبدأت جيوشها في التراجع حتى قام النازي بحملة إبادة جماعية للمدنيين من غير الألمان، ورحل معهم، وبمحض اختيارهم، من شرق أوروبا المستوطنون الألمان ورجال الأعمال من غير الألمان وأعداء الشيوعية، ومع نهاية الحرب كان في أوروبا ما قد يزيد على اثنَي عشر مليونًا من غير الألمان من المطرودين من بلادهم، وما يقرب من ٩٫٥ ملايين من اللاجئين الألمان الذين لجَئوا من مناطق أخرى، وتكدسوا جميعهم في ألمانيا.

وأدت التغيرات الإقليمية التي حدثت في نهاية الحرب العالمية الثانية إلى مزيدٍ من الامتزاج بين سكان أوروبا، وتحوُّل في ولاء الكثيرين من الأوروبيين حتى وإن لم يكونوا قد هاجروا، كما أدت كذلك إلى تغير في حجم الدول. وكانت ألمانيا — بطبيعة الحال — هي أكثر البلدان تأثرًا بذلك. وما إن حلَّ عام ١٩٥٣م حتى بلغ المجموع الكلي لسكان ألمانيا نفس الحجم الذي كان عليه عام ١٩٣٩م، وأصبحت ألمانيا الغربية — مرة ثانية — أضخم بلدان أوروبا الآن من حيث حجم السكان (ما لم نحسب الاتحاد السوفييتي). إلا أن ألمانيا الآن لم تعُد قادرة على أن تزهو على بريطانيا بتعداد سكانها مثلما كانت تفعل قبل الحرب. وخسرت رومانيا أكثر من أربعة ملايين نسمة (خُمس تعداد سكانها) بسبب ما خسرته من أراضيها. وتكبَّدت بولندا خسارة صافية تُقَدَّر بثلاثة ملايين. وأصبح سكان بولندا ورومانيا وتشيكوسلوفاكيا اليوم أقل مما كانوا عليه عام ١٩٣٩م.

وخسرت أوروبا الشرقية ككل (عدا الاتحاد السوفييتي) خمسة وعشرين مليونًا من البشر فيما بين عامَي ١٩٣٨م و١٩٤٧م، وهي النتيجة النهائية للتغيرات الإقليمية وخسائر الحرب (٢، ص١٦). ومنذ الحرب العالمية الثانية غادر ألمانيا الشرقية إلى ألمانيا الغربية ما يقرب من ٣٫١ ملايين، وغادر المجر ١٩٠٠٠٠ أثناء التمرد الفاشل.

ومن الأمور الهامة ذات الدلالة هذا التدفق المستمر من الألمان المعادين للاشتراكية، الذين يبحثون عن ملاذٍ لهم في ألمانيا الغربية وبرلين الغربية. وكانت هذه الهجرة من الضخامة بحيث محت أثرَ الزيادة الطبيعية من السكان في ألمانيا الشرقية، والتي نتجت عن زيادة عدد المواليد على عدد الوفيات مما تسبَّب عنه انخفاضٌ مستمر في المجموع الكلي لسكان ألمانيا الشرقية. وعلاوة على ذلك فقد أثرت الهجرة في بنية الأعمار نظرًا لأن غالبية المهاجرين من الشباب؛ إذ إن ٤٠٪ منهم هم ممن تتراوح أعمارهم بين ١٤ و٢٤ عامًا (٢، ص٢١).١٩

٤

إن الرحيل عن ألمانيا الشرقية يعطينا صورة حية لأهم ما ورثته أوروبا عن الحرب العالمية الثانية: ألا وهو تقسيم القارة إلى معسكرَين متعارضَين. ومن المحتمَل أن يظل هذا التقسيم تقسيمًا دائمًا، ذلك لأنه لا يرتكز فقط على هذه الخصومة الواضحة بين اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية والقوى الغربية، وهي خصومة لا سبيل إلى المصالحة بينها؛ وإنما لأنه بدأ يرتكز على شيء آخر أبعد غورًا من الأيديولوجية، أي على أساس عملية التكامل النامية في المجالَين الاقتصادي والعسكري لبلدان كلٍّ من الكتلتين.

وتلعب العوامل الديموجرافية دورًا خطيرًا في تشكيل القوة النسبية لهاتين الكتلتين؛ ذلك لأن حجم السكان يمثِّل في منتصف القرن العشرين أحد المحددات الرئيسية لقوة الشعوب، رغم وجود محددات أخرى هامة كذلك.٢٠ وتُعتبَر الكتلتان متساويتين — تقريبًا — من حيث حجم السكان. ولا نعني بذلك أنهما متعادلتان من حيث القوة؛ ذلك لأن الغرب يمتاز بأنه أكثر تقدمًا من الناحية الاقتصادية، بينما يمتاز الشرق بأنه يتألف من عددٍ أقل من الوحدات، والتي ترتبط ببعضها ارتباطًا وثيقًا أقوى من الغرب.

بيد أن توزيع السكان بين شعوب أوروبا يعطيها ميزة كبيرة على شعوب الدول الشيوعية؛ ذلك لأنه لا يوجد في أوروبا الشيوعية سوى تسع دول فقط، بينما يوجد ثماني عشرة دولة أوروبية غير شيوعية (دون احتساب الدويلات الصغيرة الحجم مثل أندورا وليكتنشتين وموناكو وسان مارينو والفاتيكان). هذا فضلًا عن أن سكان الدول الأوروبية الشيوعية تتركز تركزًا كبيرًا حيث يوجد ثلثا السكان في الاتحاد السوفييتي. ويُضاف إلى هذا الحقيقة التالية، وهي أن الاتحاد السوفييتي، ويمكن هنا أن نستثني تشيكوسلوفاكيا، هو أيضًا أكثر بلدان أوروبا الشرقية تقدمًا من الناحية الاقتصادية. وواضح أن روسيا تتمتع بقوة هائلة تميزها على جيرانها.

وميزة القوة هذه لها أهمية كبرى في تحديد مسار الأحداث في شرق أوروبا. فلولا قوة روسيا لما بقيت الدول التابعة لها داخل المعسكر الشيوعي على الإطلاق. واستخدمت روسيا قوتها، بما لها من نفوذ غلاب، والتي تستند أساسًا إلى تفوقها السكاني لتفرض التكامل الاقتصادي بين دول أوروبا الشرقية، وتسير المؤسسات العسكرية لهذه الدول في اتجاه التكامل أيضًا.٢١

والموقف على خلاف ذلك تمامًا في أوروبا الغربية، فثمة خمس دول غير شيوعية لا تدخل من وجهة النظر السياسية ضمن المعسكر الغربي على الإطلاق (وهي النمسا وفنلندا وأيرلندا والسويد وسويسرا). والثلاث عشرة دولة الباقية هي أبعد ما تكون عن الوحدة. وسبب الافتقار إلى الوحدة أننا لا نجد دولة من الدول التي تتميز بحجمها الهائل تتولى مهمة قيادة المنطقة. فالسيادة على أوروبا الغربية مقسَّمة بين أربع دول متوسطة الحجم، وكلها متساوية من حيث الحجم تقريبًا. وهي بريطانيا وفرنسا وألمانيا الغربية وإيطاليا، وتحكم هذه الدول ثلثَي سكان أوروبا الغربية. ولا ترغب أيٌّ من هذه الدول أن تذيب ذاتها، بل ولا أن تضحي بمصالحها القومية الرأسمالية من أجل الوحدة الغربية. وتملك كلٌّ من هذه الدول الأربع القوة التي تمكِّنها من مقاومة رغبات الثلاث الآخرين.

ومع ذلك فثمة طريق واحد يمكن لأوروبا الغربية أن تسلكه إذا شاءت أن تستفيد من سكانها لتزيد من قوتها. وذلك بأن تعيد تنظيم سكانها في شكل وحداتٍ سياسية أقل عددًا وأضخم سكانًا، بل وقد يكون من الأفضل في شكل دولة واحدة هي أوروبا المتحدة؛ إذ تستطيع أوروبا الغربية بذلك أن تحقق القوة التي تتهيَّأ لها من كونها دولة عملاقة، وستكون قوة مماثلة لتلك القوة التي تتمتع بها اليوم الولايات المتحدة وروسيا، والتي تضم كلٌّ منها عددًا من السكان أقل مما ستضمُّه أوروبا المتحدة.

١  عن مجلة العلم، ٣١٣، العدد ٣٤٦٧ (١٩٦١م) مع حذف بعض فقراتها بإذنٍ من المؤلف وهيئة تحرير مجلة العلم. نسخة طبق الأصل ١٩٦١م لرابطة تقدُّم العلوم الأمريكية.
٢  الكتاب السنوي الديموجرافي لعام ١٩٥٩م، الأمم المتحدة، نيويورك، ١٩٥٩م.
٣  ج. كومبس، «الاتجاهات السكانية في أوروبا الشرقية واتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية والصين»، مجموعة ميلبانك التذكارية، ١٩٦٠م.
٤  ك. أرجانسكي وأ. ف. ك. أرجانسكي، «السكان والنفوذ العالمي» نوف، نيويورك، ١٩٦١م، الباب السابع.
٥  و. ب. مولدين، «الاتجاهات السكانية في أوروبا الشرقية واتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية والصين»، مجموعة ميلبانك التذكارية، ١٩٦٠م.
٦  ج. ميردال، «المشكلة السكانية مشكلة من أجل الديمقراطية»، مطبعة جامعة هارفارد، كامبريدج. ماسوشيت ١٩٤٠م.
٧  ك. واطسون، «دراسات في السكان»، ٢، ٢٦١ (١٩٥٢م)، ٨، ٤٦ (١٩٥٤م).
٨  أ. ل. كالفستن، «الزواج والحياة الأسرية»، ١٧–٢٥٠، (١٩٥٥م)؛ ﻫ. جيل، «دراسات في السكان» ٢، ٣ (١٩٤٨م)؛ نفس المرجع السابق ٢، ١٢٩ (١٩٤٨م).
٩  م. ج. فيلد، «الزواج والحياة الأسرية»، ١٧، العدد ٣ (١٩٥٥م).
١٠  تقرير اللجنة المَلَكية عن السكان، المملكة المتحدة، مكتبة صاحبة الجلالة، لندن ١٩٤٩م.
١١  هذه الفقرة استشهد بها ف. س. رايت في كتاب «السكان والسلام»، عصبة الأمم، باريس ١٩٣٩م، ص١٤٧.
١٢  استشهد بهذه الفقرة د. ف. جلاس في كتاب «الصراع من أجل السكان»، كلاريندون، أكسفورد، ١٩٣٦م، ص٣٤.
١٣  أ. ميرال، «الأمة والأسرة»، هاربر، نيويورك، ١٩٤١م، ص١٠٤-١٠٥.
١٤  د. كيرك، المجموعة التذكارية لميلبانك، ٢٠ و١٢٦ (١٩٤٢م).
ج. هاجنال، «دراسات في السكان» ١–١٣٧ (١٩٤٧م).
١٥  أ. سوفي «المجلة الاقتصادية لمقاطعة هينسو البلجيكية»، (مارس ١٩٥١م).
١٦  وتشمل البيانات الخاصة باتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية.
١٧  ف. و. نوتشتين وآخرون، «مستقبل السكان في أوروبا والاتحاد السوفييتي»، عصبة الأمم، جنيف ١٩٤٤م، ص٧٥).و. س. تومبسون، «المشاكل السكانية»، ماك جروهيل، نيويورك ١٩٥٣م، ص٦٦-٦٧. و. و. إيزون، مجلة الشئون الخارجية، عدد يوليو، ١٩٥٩م.
١٨  أ. ف. ك. أرجانسكي، «مجلة التاريخ المعاصر»، عدد أبريل، ١٩٥٩م..
١٩  انظر «المقدمة» جدول ٢، (ملاحظة بقلم المشرف على إصدار الكتاب).
٢٠  أ. ف. ك. أرجانسكي، «السياسة الدولية»، نوف، نيويورك، ١٩٥٨م، الباب الثامن.
٢١  الملاحَظ أن كاتب المقال، خلال حديثه كله، ينظر إلى مجموعة الدول الاشتراكية نظرة الدول الاستعمارية المعادية لاتجاه الاشتراكية عمومًا. فعداؤه للاشتراكية يملي عليه نظرتَه وأسلوبه في التعبير عن أن الاشتراكية نظامٌ مفروضٌ على شعوب هذه الدول، وليست نظامًا يتفق تمامًا مع مصالح هذه الشعوب، ويتعارض أيضًا تعارضًا تامًّا مع مصالح الرجعيين من المفكرين والرأسماليين. فالتكامل الاقتصادي مثلًا بين مجموعة من الدول تؤمن بالاشتراكية يخدم حقًّا مصالح الشعوب، لأنه يبتغي رفاهيتها، وليس نظامًا مفروضًا من مركز قوة بعينه. هذا على عكس السوق الأوروبية أو الاتفاقيات الاقتصادية بين الولايات المتحدة وألمانيا الغربية أو اليابان أو دول أمريكا اللاتينية؛ فهي تعني مزيدًا من استنزاف أموال وخيرات هذه الشعوب لصالح أصحاب رءوس الأموال الأمريكيين، وليس تعاونًا من أجل رفاهية الشعوب كاتفاقيات التكامل الاقتصادي بين الدول الاشتراكية. (المترجم)

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤