السكان في أيرلندا١
١٧٥٠–١٨٤٥م

و. ل. بيرن

تُعتبَر المجاعة التي اجتاحت أيرلندا فيما بين عامَي ١٨٤٥–١٨٤٧م واحدة من بين خمس كوارث هي أخطر كوارث سكانية عرفها التاريخ الأوروبي. (الأربعة الأخرى هي الموت الأسود وحرب الثلاثون والحربان العالميتان الأولى والثانية). فقد كان تعداد سكان أيرلندا عام ١٨٤١م هو ٨١٧٥٠٠٠. والمعتقَد أنه أصبح في عام ١٨٤٥م حوالي ٨٣٠٠٠٠٠، وأنه في عام ١٨٥١م لم يتعد ٦٥٥٢٠٠٠. وتناقص العدد باستمرارٍ حتى وصل إلى ٤٣٩٠٠٠٠ عام ١٩١١م و٤٢٤٠٠٠٠ عام ١٩٦١م. وأهم دراسة ديموجرافية تفصيلية عن الظروف التي أدت إلى هذه الكارثة الكبرى هي الكتاب الذي ألَّفه ك. ﻫ. كونيل، والذي نعرضه في المقال التالي.

كان تعداد سكان أيرلندا حسب تقديرات عام ١٨٢١م هو ٦٨٠١٨٢٧، وأهم تقديريْن من التقديرات السابقة على التعداد السكاني، واللذان يتسمان بالحرص الشديد في إعدادهما هما تقديرا نيو وينهام وبوش. وقدَّر الأول السكان في عام ١٧٨٨م ﺑ ٣٩٠٠٠٠٠، والثاني بما يربو على ٤٠٤٠٠٠٠. وحسب الأرقام التي قدمها نيو وينهام فقد زاد عدد السكان فيما بين عامَي ١٧٨٨م و١٨٢١م بنسبة ٧٤٪. وأشار السيد كونيل إلى أن أكثر التقديرات السابقة على التعداد كان يصل إليها أصحابها عن طريق معرفة عدد المنازل حسب تقرير جُباة العوائد ثم يضربون هذا العدد في رقمٍ ما (وهو رقم تخميني في أغلب الأحيان) يعتبرونه متوسطًا لعدد السكان في كل منزل. ويناقش هذا الاتجاه بقوله إن عدد المنازل كان يُقدَّر عادة أقل من الحقيقة، وإن العدد الإجمالي للسكان الذي يصلون إليه كان عددًا صغيرًا أيضًا ما لم يخطئ رجال الإحصاء ويبالغون في تقديرهم لحجم متوسط الأسرة. وكان تقديره الخاص للسكان عام ١٧٨٨م هو ٤٣٨٩٠٠٠. ويتبع هذا أن الزيادة خلال الأعوام الثلاثين السابقة على ١٨٢١م لم تكن زيادة سريعة جدًّا كما كان الاعتقاد السائد بشكلٍ عامٍّ.

ومع ذلك فقد كان الأمر مثيرًا للغاية. لماذا؟ لم يكن السبب — في رأي السيد كونيل — هو زيادة الطموح في حياةٍ أطول، والذي أصبح ممكنًا بفضل التقدم في علوم الطب والتحسينات التي دخلت ميدان الصحة العامة. إنه يشك في هذا بوضوحٍ على ضوء علاقته بالمشكلة في إنجلترا (ص١٨٥، ١٨٦): ويجد نفسه مضطرًّا إلى رفض هذه الفكرة بالنسبة لأيرلندا نتيجة مسحٍ شاملٍ وهام للغاية للمستشفيات في أيرلندا ومستودعات الأدوية وحوادث الجدري والحمى. «إن مهمة تفسير ازدياد السكان يجب أن تبحث عنها على أساس الخصوبة» (ص٤٤). ولقد كان الزواج المبكر هو القوة المحركة لهذه الزيادة الهامة في الخصوبة، ولكن لم يحدث أن سيطر على رجال ونساء أيرلندا فجاءة في عام ١٧٨٠م جنون ثوري للزواج المبكر، وإنما ما حدث — آنذاك وطوال ما يقرب من خمسين عامًا تالية — أن بعض العوامل يسَّرت باطرادٍ الرغبة القائمة في الزواج المبكر. وكان أهم هذه العوامل هو اتساع رقعة الأرض الصالحة للزراعة بعد عام ١٧٨٠م، والاعتماد أكثر فأكثر على إنتاج البطاطس وتفتيت الملكيات العقارية، وامتداد الزراعة إلى الجبل والمستنقعات، ثم الدفعة الاقتصادية التي دفعها البرلمان والحرب للاقتصاد الأيرلندي، وتحتل البطاطس وسط هذا كله المركز الرئيسي. وجدير بالذكر أن السيد كونيل يرفض وجهة نظر الدكتور سلامان في أن البطاطس أصبحت السلعة الغذائية التجارية لأيرلندا منذ عام ١٦٣٠م. ورأيه الخاص أن هذا التطور لم يكتمل إلا في الربع الأخير من القرن الثامن عشر. وهنا عند هذه النقطة، وهي نقطة حيوية في نجاح هذه القضية، يبدو أن ميزان الحجة والدليل يميل لصالح السيد كونيل، وهو يخالف أيضًا الأستاذ جورج أوبرن في اعتقاده بأنه على الرغم من أن مُلاك الأراضي بدأت تراودهم الرغبة في تجميع الملكيات بعد عام ١٨٢١م تقريبًا، إلا أنهم لم يستطيعوا فقط أن ينجزوا إلا شيئًا يسيرًا جدًّا قبل عام ١٨٤٥م.

وثمة شيء واحد واضح وضوحًا سافرًا. فقبل المجاعة الكبرى بربع قرن كانت هناك كارثة يُعتبَر وقوعها منذ تاريخ غير بعيدٍ قدرًا محتومًا كأي شيء آخر من شئون البشر؛ إذ أصبح مرض البطاطس أكثر شيوعًا، وربما كان ذلك لأن السلالات العديدة المستخدمة كانت أكثر تعرضًا للمرض. وزادت أوبئة الحمى أكثر من ذي قبل، وسُدَّت «الثغرة بين المجاعات» والتي ربما كانت أحد أسباب الزيادة الكبيرة في السكان منذ عام ١٧٨٠م.

وثمة خط واحد رئيسي في نقد كتاب السيد كونيل يمكن اعتباره مفيدًا أو ممكنًا في الحقيقة. ففي مقابل دراسته الفاحصة والرصينة للغاية عن الإحصاءات السكانية نجده يغرق بين الفينة والفينة في تعميماتٍ واسعة عن التنظيم الاجتماعي والظروف الاجتماعية، يدعمها حينًا برأي أدبي، ويعرضها أحيانًا أخرى كتأكيداتٍ مجردة. «كثيرًا جدًّا ما كان يتضمن اتجاه مالك الأرض إلى إقطاعيته الحط من مستوى الفلاحين (ص٦١)» إن سبب كثير من حالات عوز الفلاحين لمقومات الحياة وهجرهم لأراضيهم هو التكالب على جمع النقود الذي ملأ نفوس الكثيرين من ملاك الأراضي (ص٦٢). ومن العسير علينا أن نوفِّق بين استخدام بعض هذه الألفاظ مثل «غالبًا جدًّا» و«كثيرًا جدًّا» و«كثيرًا» وبين الدقة التي يتخذها السيد كونيل معيارًا له في موضعٍ آخر. كما أنه من العسير أيضًا أن نوفق بين رأيه عن مُلاك الأراضي واعتذاره بأنهم لم يكونوا جميعًا مستوطنين، وأنه لم يكن ثمة وسطاء يفصلون بينهم وبين مستأجري أراضيهم. ويرى أن علاج مشكلة غياب مُلاك الأراضي عن ضِياعهم إنما هو علاج قاصر، كما وأنه يكاد لا يذكر شيئًا عن نظام حق الإيجار في مقاطعة أولستر.

وإذا صحَّت هذه الانتقادات فإنها لا تنتقص كثيرًا من قيمة كتاب السيد كونيل والتي يستحقها عن جدارة. إنها فقط تشير إلى أنه عندما يقترب من حدود موضوعه، وهي المنطقة التي قد تصبح عند وضع الخرائط شيئًا عفا عليه الزمن، فإنه يقنع ببعض الأمور كمسلَّمات، ويطبِّق معيارًا أقل تزمتًا مما التزم به طوال الجانب الرئيس من كتابه.

١  أُعيد طبعها عن مجلة التاريخ الاقتصادي، السلسلة الثانية، ٤، (١٩٥١–١٩٥٢م) ص٢٥٦-٢٥٧، مع حذف بعض الفقرات بإذنٍ من جمعية التاريخ الاقتصادي والمؤلف. نسخة طبق الأصل، ١٩٥١-١٩٥٢م، أصدرتها جمعية التاريخ الاقتصادي. ويعتبر هذا المقال عرضًا لمقال ك. ﻫ. كونيل، سكان أيرلندا من ١٧٥٠ إلى ١٨٤٥م، أكسفورد، كلاريندون بريس، لندن، جيفري كامبرليج، مطبعة جامعة أكسفورد (١٩٥٠م)، ص١١–٢٩٣.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤