السكان والزراعة في السويد١
١٧٠٠–١٨٣٠م

بقلم: جوستاف أوترستروم

إن النظرية القديمة التي تقول إن الثورة الصناعية هي المسئولة عن خفض مستوى معيشة الطبقات العاملة يرفضها المؤرخون الإنجليز بالنسبة لبلدهم التي تُعتبَر «ورشة العالم». ونظرًا لأن الزيادة السريعة في السكان التي بدأت في النصف الثاني من القرن الثامن عشر تُعدُّ عاملًا هامًّا في مناقشتنا هذه، فمن المفيد أن نقارن التطور الذي حدث في إنجلترا بتطورٍ آخر في بلدٍ زراعي أساسًا مثل السويد. ومقال الدكتور أوتيرستروم الذي اختصرناه هنا كثيرًا، يشير إلى أن التغيُّرات الديموجرافية تُعَدُّ شرطًا يحدد البناء الطبقي، وكذلك مستويات المعيشة، بطريقة مستقلة تمامًا عن التصنيع.

أيًّا كانت القوى التي أدَّت — خلال أزمنة مختلفة — إلى زيادة السكان، فمن الواضح والمسلَّم به أنه ما إن يزيد عدد السكان حتى يصبح هذا العدد الكبير من السكان — في حد ذاته — عاملًا مستقلًّا يؤثِّر بدوره على الحياة الاقتصادية. وطبيعي أن آثاره تختلف حسب طبيعة المجتمع، أي إذا ما كان مجتمعًا مكتفيًا بذاته، أو إذا ما كان مجتمعًا يعتمد — أساسًا — على اقتصاد المقايضة أو اقتصاد نقدي. وقد ساد السويد وبلدان اسكندنافيا خلال هذه الفترة نوعٌ من الاقتصاد الثنائي. ويلزمنا أن نقول بأن عنصر الاكتفاء الذاتي كان هو العنصر السائد من الناحية الكمية.

وأي زيادة في السكان في مجتمعٍ يقوم اقتصاده على أساس الاكتفاء الذاتي إنما تفترض — مقدَّمًا — وجود زيادة في إنتاج الطعام. وإذا كان التكنيك المستخدَم تكنيكًا استاتيكيًّا فإن هذه الزيادة لن تتحقق إلا عن طريق استصلاح الأراضي في الداخل. وقد ترتبط عملية الاستصلاح هذه بتفتيت المزارع القائمة. وليس ثمة شك في أن الزيادة في سكان السويد خلال القرن الثامن عشر وبداية التاسع عشر أمكن امتصاصها بهذه الطريقة داخل المجتمع المكتفي بذاته.

ونظرًا لأن الزيادة في عدد المزارع لا يمكن أن تسير بنفس السرعة التي يزيد بها عدد الأسر؛ فقد زاد بطبيعة الحال عدد أبناء الطبقات الزراعية الذين هم دون طبقات المزارعين. واستمرت هذه الزيادة طوال الفترة التي نحن بصدد دراستها وما بعدها أيضًا، ولكن لم تكن الزيادة بمعدلٍ واحدٍ دائمًا؛ فالتباين في أرقام المواليد سنويًّا، وبالتالي في مجموعات الأعمار الكبيرة هو تباين له أهميته بالنسبة لموضوعنا هذا. ففي خلال العقدين الأخيرين من القرن الثامن عشر كانت الزيادة في عدد الأسر المعدَمة تمامًا أو المعدَمة إلى حدٍّ كبير زيادة كبيرة بشكلٍ خاص. ويبدو أن الزيادة كانت واضحة جدًّا قبل هذه الفترة بين طبقة صغار المستأجرين. ولكن ابتداء من هذه الفترة وما بعدها كانت الزيادة الكبيرة بين العمَّال الزراعيين والأُجَراء ممن يملكون مساحة ضئيلة من الأرض أو من المعدَمين تمامًا.٢ ويشير هذا التغير إلى أن مطالب الفلاحين للعمل كانت تُلَبَّى تدريجيًّا، وأن فتيان الريف عندما كانوا يبلغون سن الزواج كانوا يضطرون — في الغالب الأعم — إلى العمل كأجراء يعتمدون في حياتهم أساسًا على أجورهم التي يتقاضونها كعمَّالٍ يوميين. بيد أنهم أيضًا كانوا يستطيعون بذلك أن يتحايلوا على تدبير معاشهم بهذه الطريقة. وربما سارت الأمور على هذا النحو بسبب زيادة الطلب على العمَّال الموسميين في فترة ارتفاع الأسعار والتطورات التي حدثت نتيجة لذلك في ميدان الزراعة مثل استصلاح الأراضي وتكثيف الزراعة إلى حدٍّ ما، وإن كان ذلك قد تم بشيء من الصعوبة. ويبدو أنه مع نهاية القرن الثامن عشر لم تعُد الأيدي العاملة الزراعية والفتيات العاملات في الريف تُختار أساسًا، كما كان الحال من قبل، من بين المجموعات العابرة من أطفال الفلاحين، وإنما كانوا يُختَارون من بين أبناء الطبقة العاملة الزراعية.
وحدث أيضًا خلال العقدين الأخيرين من القرن الثامن عشر أن انتشر نظام استخدام الأجراء الزراعيين المتزوجين بدلًا من غير المتزوجين. وبدأ هذا النظام يمتد إلى الإقطاعيات الزراعية في السويد الوسطى، وبوجه خاص في المقاطعات القائمة حول بحيرتَي ملارين وجالمارين. وامتد كذلك جنوبًا حتى منطقة استيرجوت. وكان الخادم الزراعي المتزوج يحصل على كوخٍ من مالك الأرض ويتقاضى أجره عينًا أساسًا مع قليلٍ من النقود كأجرٍ إضافي. ويرتبط ارتباطًا وثيقًا بهذه الطبقة الجديدة المعدَمة طبقة جديدة من صغار الفلاحين يُسَمون sta ttorpare. وصغار الفلاحين هم غالبًا فئة لا تملك أرضًا خاصة بها، ويتقاضى أفرادها أجرهم عينًا بشكلٍ أساسي. ونظرًا لأن الفلاح الفقير كان يملك قطعة أرض صغيرة يفلحها لحسابه الخاص، أو هكذا كان أصلًا على أقل تقدير، لذلك فإنه كان يتقاضى أجرًا عينيًّا أقل، وربما كان بوسعه أن يعمل أيامًا أقل من الأيام التي يعملها الأجير المعدَم. ويظل هذا الأخير دائمًا بطبيعة الحال طوال أيام الأسبوع تحت تصرف سيده تمامًا، ويعتمد اعتمادًا كليًّا في رزقه على ما يتقاضاه من أجرٍ عينًا ونقدًا. وابتداء من عام ١٨٠٠م على أقل تقدير، وما بعد ذلك، كانت زوجات رجال كلٍّ من المجموعتين يجدن أنفسهن عادة ملزَمات بالمساعدة في أعمال حلب اللبن في حظائر الماشية التابعة للمزارع الكبيرة مقابل أجرٍ ثابتٍ ضئيل.

وثبت أن عمل الطبقة المعدَمة الجديدة من فقراء الفلاحين والمعدَمين يمثِّل بديلًا مربحًا للعمل الذي كان يقوم به قبلًا المزارعون من فلاحي الإقطاعيات وإلى حدٍّ ما، وكان وضع هؤلاء غير مأمون تمامًا؛ إذ كان من السهل طردهم وضم حيازاتهم إلى مزرعة البيت التابعة للإقطاعية. ويبدو أن هذا الإجراء قد تكرر كثيرًا جدًّا، وبخاصة في السويد الوسطى.

وأصبح اصطلاح «الفلاح الفقير» اصطلاحًا شائعًا في ضريبة الأرباح، وسجلات الولايات الإقطاعية في السويد الوسطى، ابتداء من عام ١٧٧٠م وما بعد ذلك. ويطالعنا بالمثل اصطلاح «الفلاح المعدَم» ابتداء من هذا التاريخ، ولكنه أقل شيوعًا منه بكثيرٍ. وإدخال هذا النظام من العمل علامة واضحة على الرغبة الشديدة لدى مُلاك الأراضي في أن يكون تحت تصرفهم مورد منتظم وكافٍ للأيدي العاملة، يعيشون بين أيديهم حتى يتيسَّر لهم تطوير وتوسيع الزراعة في أراضيهم. وربما كان أيضًا علامة على اهتمامهم المتزايد بمزارع ماشية اللبن. وربما كان هذا النظام يستند، حتى في هذه الأيام، إلى بعض المحاولات التي تهدف إلى خفض النفقات الخاصة بالأجور. وثمة دليل يشير إلى هذا الاتجاه، ولا ريب في أن انتشار نظام العمل الجديد على نطاقٍ واسعٍ عقب الانخفاض الشديد في أسعار الحبوب في أوائل عام ١٨٢٠م إنما يرجع إلى بعض الاعتبارات الخاصة بتكاليف الإنتاج.

ومن بين الظروف التي مهدت لنظام العمل الجديد خلال هذه الفترة، بما في ذلك الفترة الواقعة في أواخر القرن الثامن عشر، وفرة الأيدي العاملة من الشباب. وربما كان أقوى عامل أدى إلى رواج هذا النظام على نطاقٍ واسعٍ هو الاتجاه المشجع لأسعار المنتجات الزراعية.

ويبدو أن ارتفاع الأسعار عمومًا، وبشكلٍ واضحٍ في السويد، بعد منتصف القرن الثامن عشر، ثم عند نهاية القرن، كان له أثره الإيجابي على الإنتاج الزراعي، أو هكذا على الأقل في بعض المناطق.

وإذا سلَّمنا بالفرض القائل بأن التوسُّع السكاني كان نفسه مسئولًا جزئيًّا عن ارتفاع أسعار الحبوب، إذن فإن هذا لا يفترض مقدَّمًا مجرد الزيادة في السكان ولا شيئًا آخر، بل يفترض كذلك أن هذه الأعداد الإضافية أسهمت في إنتاج الغذاء، وأن مساهمتها كانت أقل من استهلاكها، وأنه لا بد أيضًا وأن هذا العدد الإضافي من السكان كان يتمتع بقوة شرائية إضافية لها أثرها الفعال. وفي النصف الثاني من القرن الثامن عشر، وبخاصة عند نهاية هذا القرن، ذاع — على نطاقٍ واسعٍ — الاستثمار الزراعي في شكل استصلاح للأراضي وأعمال الصرف وغير ذلك من تحسينات في المزارع الكبيرة وفي بعض المزارع الصغيرة. وكان من النتائج المتوقعة لذلك ارتفاع الدخل الإجمالي للعمال، بما في ذلك الدخل النقدي. ومن خلال ما نعرفه عن تركيب أجور خدم المزارع وغيرهم من العمال الزراعيين فقد كانوا على الأكثر يتقاضون الجانب الأكبر من دخلهم عينًا، وبخاصة دخلهم عن العمل في ضياع الفلاحين، وإن كان هناك جزءٌ ضئيلٌ من الأجر يُدفَع نقدًا في أماكن كثيرة من البلاد. وإذا أخذنا في الاعتبار الزيادة التي طرأت على عدد العمال وزيادة الاستثمار في ميدان الزراعة، إذن فمن المعقول أن نفترض أن القوة الشرائية الإجمالية قد زادت أيضًا.

وكان من المألوف في السويد، وكذلك في أغلب بلدان أوروبا، عند دراسة زيادة السكان في القرن الثامن عشر، ومحاولة تفسير هذه الزيادة على ضوء المصطلحات الديموجرافية، أن يُنظَر أولًا إلى التغيُّرات التي طرأت على الوفيات. وربما لا يأبه الباحث كثيرًا للتغيرات التي تطرأ على نسبة الزواج والخصوبة. وتدل إحصائيات السويد على أن نسبتَي الزواج والخصوبة كانتا عاليتين في منتصف القرن الثامن عشر، وسبق لنا أن ناقشنا احتمال ارتفاعها فيما قبل ذلك أيضًا، ومع ذلك فمنذ هذا التاريخ وما بعده وضح أيضًا أن هناك انخفاضًا مستمرًّا وثابتًا. وتدل نسبة الزواج المرتفعة ونسبة المواليد المرتفعة، إذا اجتمعتا معًا، على أن هناك فرصًا طيبة للعمل والاكتساب، وفرصًا طيبة أمام الشباب للزواج وتأثيث بيت. ويمكن أن نأخذ أي هبوط في الأرقام على أنه دليل على وجود مصاعب كبيرة في هذه المجالات. وثمة مؤشر آخر في نفس الاتجاه وأكثر إيجابية يشير إلى سوء الظروف التي كانت تعيش فيها الجماهير العريضة من السكان، تتمثَّل في الأمل الضعيف في الحياة لدى من تجاوزوا عامهم العشرين من ١٧٩١م إلى ١٨١٥م قياسًا بالفترة الواقعة بين عامَي ١٧٥١–١٧٩٠م. ومن العسير علينا أن نتجنَّب النتيجة التالية، وهي أن النمو الاقتصادي في نهاية القرن الثامن عشر لم يستطع في سهولة أن يلاحق النمو السكاني.

١  أُعيد طبعها عن مجلة التاريخ الاقتصادي لاسكندنافيا، عدد ٩، (١٩٦١م)، ص١٧٦–١٩٤، مع حذف بعض الفقرات بإذنٍ من المؤلف ورئيس تحرير مجلة التاريخ الاقتصادي لاسكندنافيا، نسخة طبق الأصل، ١٩٦١م.
٢  لوحِظَ أن تغيرًا مماثلًا في الزيادة النسبية للطبقات الزراعية حدث كذلك في فنلندا (أ. جوتيكالا).

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤