أين المصلحون؟

قُضي الأمر، وتبينَّا أن الغُواة في هذا البلد قَوِيُّو الإرادة، صادقو العزيمة، يُوفون لأنفسهم بالعهد إن عاهدوها على الشر، ولجيوبهم بالوعد إن وعدوها سلب ما في أيدي الناس. وهذا ظاهر في كل ما وصلت إليه أعمال العادين على الأمن، فليس من سبيل إلى إنكار البراعة التي ظهرتْ في طائفة من هذه الأمة المسكينة، تلك الطائفة التي تُسمى حينًا بالنهابين وحينًا بالسفاحين.

وإنَّا إذا أسفنا لشيء فسيكون أسفُنا أشد كلما رأينا أن ضعف الإرادة، وخور العزيمة، وفتور الهمة؛ إنما هي من صفات طلاب الإصلاح في مصر، فإذا أتم السارق ما اعتزم المضيَّ فيه، ووصل السفاك إلى إزهاق ما يشاء من الأرواح؛ فإنك ترى الإخفاق لاحقًا بمن يعزم على تأسيس ملجأ، أو تأسيس مدرسة، أو تأليف كتاب، أو قتل رذيلة، أو غرس فضيلة.

لقد كان من الهين أن نحتمل وجود خونة ولصوص وفَتَّاكين، لو أن لدينا — بجانب ذلك — زعماء في الإصلاح، وعلماء في الأخلاق، وبناة للمجد، ودعاة إلى الرشد، ولكن كفة الرذيلة أرجحُ من كفة الفضيلة، وطالب الشر أسرع من خاطب الخير، وداعي الهدى أعجزُ من داعي الضلال.

هذا همٌّ نقاسي احتماله، ونشهد بأنفسنا مصرع الأخلاق، ونرى ظهورَ النِّحَل الدَّنِسة التي ترمي إلى انحلال العزائم، وانهزام النفوس، واندحار العقول. ولا يعلم إلا الله مآل هذه الأمة التي بدأت تتهاون في الشرف الذي لا تحيا أمة إلا به، والدين الذي كان السبب في كل ما لها من كيان.

ولولا أننا نكتب في الأخلاق وقد ينافيها التعرض ولو قليلًا للشخصيات؛ لَكشفنا الغطاء عن الأفراد والجماعات التي لا تعد الثبات على المبدأ إلا بقية من بقايا الجهالة، وترى الفضل في أن يكون المرء كالحرباء، يتلون بلون المكان الذي يحل فيه، فهو تارة نقي الوجه، وأخرى مسودُّ الجبين.

إلى بعض الناس

لقد صددنا كما صددتم
فهل ندمتم كما ندمنا
وشفنا الوجد مذ جفوتم
فأظهر الدمع ما كتمنا
وهبتُ روحي وقلت عطفا
فما عطفتم وما رجعنا
ملكتموها وما وصلتم
لقد غنمتم وما غنمنا
ما ازددت خوفًا على فؤادي
إلا وزدتم صفًا وأمنا
وما رجائي وقد قويتم
على جفائي وزدت وهنا
قتلت نفسي على جفاكم
وما قرعتم على سنا
لهفى على السالف المفدى
لو كان يجدي الفدا لجدنا
فما ذكرنا الذي تقضى
إلا على حسنه انتحبنا

•••

لو كنت أشكو الهوى لصخر
لحَنَّ وجدًا وأَنَّ حزنًا
وذاب من هول ما أراه
فقد برانا الهوى وذبنا
إن كان ذنبًا فسامحونا
ويشهد الله ما أسأنا

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤