كلمة لا بد منها

هذه هي الطبعة الخامسة لمسرحية «الفرافير»، تظهر الآن في مايو عام ١٩٧٧ بينما كُتبت لنا الفرافير في شتاء عام ١٩٦٤. ثلاثة عشر عامًا مضت لا بد أن يضعها القارئ في اعتباره، فقد كان المسرح المصري أيام كتابة الفرافير مسرحًا «تقليديًّا» في الشكل والمضمون، معظمه مقتبس أو ممصر، ولم يكن سوى نعمان عاشور وألفريد فرج قد حاولا خلق أشكال يدخلان بها صميم تاريخنا الخاص وواقعنا الخاص. وجاءت الفرافير، بالمقدمة التي آثرتُ وضعها في أول هذا الكتاب لتثير لدى النقاد والمهتمين بالحركة المسرحية ضجة عارمة عارضني فيها معظمهم: «المرحوم» الدكتور مندور، الدكتور لويس عوض، الدكتور عبد القادر، الدكتور رشاد رشدي، الأستاذ أحمد رشدي صالح، عارضوني على هيئة موضوع كبير نُشر في آخر ساعة في ذلك الوقت ينفون فيه تمامًا وجود ما أسميته ﺑ «المسرح المصري»، بل وبعضهم ينفي حالة «التمسرح» التي أقمت عليها المسرحية.

وإن كان كثير من هؤلاء الأصدقاء النقاد الكبار (مثل الدكتور علي الراعي والمرحوم الدكتور مندور) قد عادوا بعد هذا ببضع سنين وبعد أن رأوا فكرة ازدهار المسرح المحلي في أماكن كثيرة من العالم يسلمون معي بمعظم ما كتبته وما رأيته عن المسرح المصري وحالة التمسرح، إلا أنك وأنت تقرأ هذه المقدمة التي كتبتها لن تحس بالاستغراب لكثير مما جاء فيها وكأنها آراء سبق لك أن قرأتها أو سمعت بها، لكنها لم تكن كذلك عام ١٩٦٤. كانت شيئًا جديدًا تمامًا على المسرح العربي كله، وكأن مجرد المناداة بها عمل جريء يستحق من الكاتب قطع رقبته. الآن كل شيء يبدو عاديًّا وليس بمستغرب، ذلك أن هذا الرأي الذي كان جريئًا عام ١٩٦٤ سرعان ما أخذ ينتشر ويأخذ به كتاب من المغرب ومن سوريا ومن الكويت وتونس، بل يأخذ به المسرح التجاري كمسرح تحية كاريوكا وأصبحت مسألة التمسرح تزاول بعادية مطلقة، وانطلق المسرح السياسي نابعًا من الفرافير ليشمل كافة أرجاء وملامح حياتنا.

لا تؤاخذني أني أتحدث عن عملي بهذه الطريقة، فالواقع أن أحدًا من النقاد لم يتتبع دور الفرافير في المسرح العربي ولا يزال دورها إلى حد كبير مجهولًا بعض الشيء، حتى التمسرح، أخيرًا وأنا في نيويورك رأيت مسرحية غنائية تمسرحية يجلس فيها الممثلون في صفوف المتفرجين وبينهم التمسرح وصل حتى برودواي.

هذه كلمة لا بد منها قبل أن تبدأ رحلتك مع عمل ظهر مجهولًا عربيًّا مستنكرًا، والآن، أصبح هو القاعدة.

يوسف إدريس

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤