مدائح الدولة الوسطى

لم نعثر على شيء من مدائح الدولة الوسطى غير الأناشيد التي قيلت في الفرعون «سنوسرت» الثالث، ويحتمل أن الأغاني الأربع الأولى منها ألِّفت بمناسبة دخول الملك مدينته، فجاء إليه أهلها مرحبين به، ويظهر من بداية الأغنية الأولى أن هذه المدينة تقع في الوجه القبلي. وسيلمح القارئ في هذه القصائد البساطة، وكثيرًا من الاستعارات في الأنشودة الثالثة، كما بدت الكناية فيها مألوفة معروفة في التفكير المصري، وأصبحت ميزة من مميزات الشعر الغنائي.

وتحتوي هذه المدائح على طائفة من الجمل والأفكار التي يمكن قرنها بما جاء في الأغاني العبرانية، وبخاصة المزامير إلى حد ما، وهي من غير شك دونها في السهولة والتنويع؛ فإن الأنشودة المصرية ظاهر فيها، على الأقل لنا، التكلُّفُ والتكرار الممل. وإذا أردنا أن نوازن بين الأناشيد المصرية وبعض الشعر العبري في بدايته رجحت كفة الأخير من حيث الظاهرة الفنية.

وخذ مثالًا لذلك نعيَ داود — عليه السلام — لشاول وبوناثان (كتاب صمويل الثاني، الفصل الأول) الذي يعدُّ أحسن ما قيل في الصداقة. ولكن من جهة أخرى نرى أن الأناشيد المصرية التي نتحدث عنها أعرق في القدم من الأغاني العبرانية السالفة الذكر. هذا؛ وتعتبر أناشيد «سنوسرت» الثالث ذات أهمية كبرى؛ لأنها الأغاني الوحيدة التي وصلت إلينا من الدولة الوسطى في المديح الملكي. وستكون مثالنا الوحيد لهذا العصر إلى أن تجود تربة مصر بأمثالها أو خير منها.

(١) أناشيد الملك «سنوسرت» الثالث

الأنشودة الأولى

الثناء لك يا «خا كاو رع»! يا «حور»، يا صقرنا المقدس الوجود
الذي يحمي الأرض ويمد حدودها
الذي يقهر البلاد الأجنبية بتاجه١
الذي يضم الأرضين (مصر) بين ذراعيه
والذي «يمسك» الأراضي الأجنبية بقبضته
والذي يذبح رماة السهم٢ من غير ضربة عصا٣
والذي يقوي سهمه دون أن يشد خيط القوس
والخوف منه قد أخضع «الأنو» في بلادهم٤
والرعب منه قد ذبح قبائل «البدو التسع» (أعداء مصر)
وسِكِّينه قد أمات الألوف من رماة السهام
وذلك قبل أن تطأ أقدامهم حدوده
وهو الذي يفوق السهم كالإلهة «سخمت»٥
حينما يهزم الآلاف ممن لم يعرفوا بطشه
وإن لسان جلالته هو الذي يحكم٦ «نوبيا (النوبة)»
ونطقه هو الذي يجعل البدو يولُّون الأدبار
والواحد الفريد، ذو القوة الفتية، الذي يذود عن حدوده
ومن لا يجعل شعبه يدب فيه الوهن٧
بل يجعل الناس ينامون في أمانٍ إلى طلوع الفجر
وشباب جنوده ينامون؛ لأن قلبه هو المدافع عنهم
وأوامره قد أقامت حدوده.

الأنشودة الثانية

ما أعظم اغتباط الآلهة! قد جعلت قرابينهم ثابتة
وما أعظم اغتباط أراضيك! وقد ثبت حدودها
وما أعظم اغتباط آبائك! فقد زدت في أنصبتهم٨
وما أعظم اغتباط مصر بقوتك! فقد حميت النظام القديم
وما أعظم اغتباط الشعب بحكومتك! فقد قمعت السلب، وقوتك قد استولت …
وما أعظم اغتباط الأرضين بشدة بأسك! فقد وسعت ممتلكاتها
وما أعظم اغتباط مُجنَّديك! فقد جعلتهم سعداء
وما أعظم اغتباط مُسنِّيك! فقد جددت شبابهم
وما أعظم اغتباط الأرضين بقوتك! فقد حميت جدرانها

[وبعد ذلك تأتي الديباجة: إنه …: «حور» الذي يمد حدوده، ليتك تعيد الأبدية، ومما لا شك فيه أن ذلك كان حداءً.]

الأنشودة الثالثة

ما أعظم سيد مدينته! فهو يعدل ألف ألف، وآلافًا آخرين، وليسوا هم جميعهم إلا قليلًا «بالنسبة إليه»
ما أعظم سيد مدينته! فهو سد حاجز للنهر ليمنع الفيضان
ما أعظم سيد مدينته! فهو حجرة رطبة توحي النوم لكل الناس حتى مطلع الفجر
ما أعظم سيد مدينته! فهو حصن جدرانه من نحاس شسم٩
ما أعظم سيد مدينته! فهو مأوى لا ترتعد يده
ما أعظم سيد مدينته! فهو محراب ينجي الخائف من عدوه
ما أعظم سيد مدينته! فهو ظل ظليل منعش في الصيف
ما أعظم سيد مدينته! فهو ركن دافئ وجافٌّ في وقت الشتاء
ما أعظم سيد مدينته! فهو تلٌّ يحمي من الزوبعة عندما تكون السماء ثائرة
ما أعظم سيد مدينته! فهو كالإلهة «سخمت»١٠ لأعدائه الذين تطأ أقدامهم حدوده.

الأنشودة الرابعة

لقد جاء إلينا ليستولي على مصر العليا، وقد وضع التاج المزدوج١١ على رأسه
لقد جاء إلينا ووحَّد الأرضين، وضم البوصة١٢ إلى النحلة
لقد جاء إلينا وجعل الأرض السوداء١٣ تحت سلطانه، وضم إليه الأرض الحمراء١٤
لقد جاء إلينا وأخذ الأرضين تحت حمايته، ومنح السلام إلى الأرضين
لقد جاء إلينا وجعل أهل مصر يحيون، ومحا آلامهم
لقد جاء إلينا وجعل الشعب يعيش؛ وجعل حناجر الرعية تتنفس
لقد جاء إلينا ووطئ بقدمه الممالك الأجنبية، فضرب على أيدي «الأنو» الذين لم يعرفوا الخوف منه
لقد جاء إلينا وحمى حدوده، وخلَّص من كان قد سُرق
لقد جاء إلينا … واحترم المسنَّ بما جلبت إلينا قوته

[بيت مهشم].

لقد جاء إلينا وساعدنا على تربية أولادنا وعلى دفن المسنين منا.

الأنشودة الخامسة

[وهي خاصة بالآلهة، ويمكن الإنسان أن يستخلص منها]:

أنت تحب «خا كاو رع» الذي يعيش إلى أبد الآبدين … فهو يوزع نصيبك من الغذاء … راعينا الذي يمكنه أن يمنح النفس … وأنت تجزيه عليها في حياة وسعادة مرات يخطئها العد.

الأنشودة السادسة

ثناء «لخا كاو رع» الذي يعيش أبد الآبدين … حينما أسيح في السفينة … محلاة بالذهب …

المصادر

  • (١)
    هذه القصيدة كتبت على بردية عثر عليها في اللاهون. راجع: Griffith, Heiratic Papyri from Kahun and Gurob (pl. I–III).
  • (٢)
    راجع كذلك: Peet, The Literature of Egypt, Palestine and Mesopotamia, pp. 66 ff.
  • (٣)
    راجع: Erman, The Literature of The Ancient Egyptians, pp. 134 ff.
١  كان التاج وعليه الصل الملكي يُعدُّ كآلهة تحمي الملك.
٢  هم الآسيويون.
٣  أي إن الخوف منه يكفي للقضاء عليهم.
٤  القوم الذين يسكنون فيما بين نهر النيل والبحر الأحمر، وهم العبابدة والبشاريون الحاليون.
٥  إلهة الحرب، رأسها رأس أسد.
٦  أي إن أوامره تكفي حينما لا يحارب بشخصه.
٧  في الحرب؛ لأن هذا هو اهتمامه الخاص.
٨  يحتمل أنها الأنصبة التي كانت تقرب للملوك المتوفين في قبورهم عند توزيع القرابين.
٩  يحتمل أن تكون «سيناء».
١٠  إلهة الحرب.
١١  أي التاج الذي يضم تاجي الوجه القبلي والوجه البحري.
١٢  البوصة رمز الوجه القبلي، أما النحلة فهي رمز الوجه البحري.
١٣  الأراضي المصرية.
١٤  الأراضي الأجنبية.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤