أناشيد الدولة الحديثة١

(١) قصيدة في انتصارات «تحتمس الثالث»

مقدمة

وفي خلال الدولة الحديثة نجد قصائد المديح في الملوك قد زاد عددها، واتسع مجالها، ولا غرابة في ذلك؛ فإن أملاك مصر قد امتدت حدودها من الشلال الرابع إلى أعالي نهر دجلة والفرات؛ فأصبح خيال الشاعر لا يقف عند الحدود المصرية، بل صار يسبح في أرجاء تلك الإمبراطورية الفسيحة، فنشاهده يضع أمامنا صورًا خلابة لما أتاه هؤلاء الملوك من جلائل الأعمال، وما وهبهم الإله الأعظم من القوة التي بها قضوا على الأعداء، وكذلك يصف لنا أحوال الأقوام المغلوبين، وما صاروا إليه من الذِّلة والمسكنة، وما يقدمونه للفرعون من الهدايا والجزية المضروبة عليهم؛ مما يدلنا على منزلة البلاد في هذا العصر.

وسيرى القارئ ما في هذه القصائد من النمو والتقدم في خيال الشاعر، واتساع أفقه بتقدُّم المدنية. ولكن برغم ما نشاهده من كثرة هذه الأناشيد وعقود المدح في هذا العصر، فإننا نلحظ أنها ترتكز في أصل تركيبها على أصول قديمة؛ ولذلك كان من أصعب الأمور أن يفصل الإنسان عناصر الأناشيد القديمة من الحديثة، فلا مناص من أن نعتبر ما لدينا من هذه القصائد نماذج تمثِّل الشعر الغنائي أو المديح في عصر الدولة الحديثة.

وسنبتدئ هنا بالقصيدة التي وضعت حوالي ١٤٧٠ق.م باللغة القديمة، وهي التي أُنشدت مديحًا في «تحتمس الثالث» مؤسس الإمبراطورية المصرية في سوريا. وتدل شواهد الأمور على أنها كانت نموذجًا إنشائيًّا؛ لأن كلًّا من «سيتي الأول» و«رعمسيس الثاني» قد نقلها على آثاره ونسبها لنفسه. وقد نقشت على لوحة جميلة من الحجر أقيمت في معبد «آمون» بالكرنك، وتحتوي على مديح وجَّهه الإله نفسه لابنه الفرعون الذي كان يدخل المعبد منتصرًا بعد غزوة مظفرة. وتشتمل على مقدمة وخاتمة مكتوبتين بلغة شعرية، أما الجزء الأوسط من القصيدة فإنه بلا نزاع شعر مقفًّى. وسنورد القصيدة هنا بأكملها:

المتن

يقول «آمون رع» رب الكرنك: أنت تأتي إلي٢ وتنشرح حينما تشاهد جمالي، يا بني، يا حاميَّ، يا «منخبر رع»٣ الباقي أبديًّا، إني أطلع منيرًا٤ حبًّا فيك.

إن قلبي ينشرح بمجيئك الميمون إلى معبدي، ويداي تمنحان أعضاءك الحماية والحياة.

ما أرق الشفقة التي تظهرها نحو جسمي؛ ولهذا سأثبتك في مأواي، وأقدم لك أعجوبة.٥
إني أمنحك القوة والنصر على كل البلاد الجميلة، وإني أمكن مجدك والخوف منك في كل البلاد السهلة كذلك، والرعب منك يمتد إلى عمد السماء الأربعة.٦ إني أجعل احترامك عظيمًا في كل الأجسام، وأجعل نداء جلالتك الحربي يتردَّد بين «أمم القوس التسع».٧
وعظماء جميع البلاد الأجنبية جميعهم في قبضتك. وإني بنفسي أمد يدي وأصطادهم لك، وأربط الأسرى من «الترجلوديت»٨ بعشرات الألوف، والألوف، وأهل الشمال بمئات الألوف.

إني أجعل أعداءك يسقطون تحت نعليك فتطأ … الثائرين، كما أني أمنحك الأرض طولًا وعرضًا، فأهالي المغرب وأهالي المشرق تحت سلطتك.

إنك تخترق كل البلاد الأجنبية بقلب منشرح، وأينما حلت جلالتك فليس هناك من مهاجم. وإني مرشدك؛ ولذلك تصل إليهم. إنك تعبر المنحنى الأعظم٩ لبلاد «النهرين» بالنصر والقوة اللذين قد منحتهما إياك. وعندما يسمعون نداء إعلان الحرب يلجئون إلى الأحجار. لقد حرمت أنوفهم نفَس الحياة. وأرسلت رعب جلالتك ساريًا في قلوبهم.
والصل الذي على جبهتك يحرقهم ويستولي على الأشقياء منهم غنيمة باردة، ويحرق الذين في … بلهيبه، ويقطع رءوس الآسيويين، ولا يفلت منه أحد، بل يسقطون، وينكل بهم بسبب قوته.١٠
إني أجعل انتصاراتك تنتشر في الخارج في كل البلاد. ذلك الذي يضيء١١ على جبيني خاضع لك. ولا أحد يثور عليك في كل ما تحيط به السماء. بل يأتون بالهدايا على ظهورهم، ويقدِّمون الطاعة لجلالتك كما آمر.
لقد عملت على كَبْت من يقوم بغارات١٢ ومن يقترب منك؛ فقلوبهم تحترق، وأعضاؤهم ترتعد.
لقد حضرت١٣ لأجعلك تتمكن من أن تدُوس بالقدم عظماء فينيقيا.

ولأجعلك تشتت شملهم تحت قدميك في ممالكهم.

وأجعلهم يشاهدون جلالتك كرب الشعاع.١٤

عندما تضيء في وجوههم بوصفك صورتي.

لقد حضرت:

لأمكنك من أن تطأ أولئك الذين في آسية.

وتضرب رؤساء «عامو»١٥ (آسية).

أجعلهم يشاهدون جلالتك مدججًا بدرعك.

حينما تقبض على آلات الحرب في عربتك.

لقد حضرت:

لأتمكن من أن أجعلك تطأ بالقدم الأرض الشرقية.

وتطأ من في أقاليم أرض الإله.١٦ ولأجعلهم يشاهدون جلالتك مثل النجم «سشد» الذي ينشر لهيبه كالنار حينما ترسل سيلها.١٧

لقد حضرت:

لأجعلك تتمكَّن من أن تطأ الأرض الغربية.

«فكفتيو» و«آسي»١٨ تحت سلطانك.

ولأجعلهم يشاهدون جلالتك مثل الثور الصغير.

ثابت القلب، حاد القرن، لا تُمكن مهاجمته.

لقد حضرت:

لأمكنك من أن تطأ هؤلاء الذين في مستنقعاتهم (؟).

في حين أن أرض «متن»١٩ ترتعد خوفًا منك.

ولأجعلهم يشاهدون جلالتك كالتمساح.

رب الرعب في الماء لا يمكن الاقتراب منه.

لقد حضرت:

لأمكنك من أن تطأ هؤلاء الذين في الجزائر.

والذين في وسط المحيط، وهم الذين تحت لوائك، ولأجعلهم يشاهدون جلالتك منتقمًا.٢٠

قد ظهر منتصرًا على ظهر فريسة.

لقد حضرت:

لأمكنك من أن تطأ اللوبيين.

«والأوتنتيو»٢١ بقوة سلطانك.

ولأجعلهم ينظرون إلى جلالتك كالأسد المفترس.

حينما تجعلهم أكوامًا من الجثث في وديانهم.

لقد حضرت:

لأمكنك من أن تطأ أقصى حدود الأراضي، في حين أن ما يحيط به الأقيانوس يكون في قبضتك.

ولأجعلهم ينظرون إلى جلالتك كرب الجناح.٢٢

الذي يقبض على ما يرى كما يشتهي.

لقد حضرت:

لأمكنك من أن تطأ هؤلاء الذين في البلاد الغربية.

وتربط سكان البدو أسرى.

لأجعلهم ينظرون إلى جلالتك كابن آوى الوجه القبلي (وهو أشد ما يكون افتراسًا)، وهو رب السرعة سباقًا مخترقًا الأرضين.

لقد حضرت:

لأمكنك من أن تطأ «آنو» النوبة، ويكون في قبضتك حتى بلاد «شات»،٢٣ ولأجعلهم ينظرون إلى جلالتك كأخويك التوأمين.٢٤

واللذين ضممت أيديهما لك في النصر.

ولذلك وضعت أختيك٢٥ خلفك حماية لك، على حين أن ذراعي جلالتي كانتا مرفوعتين لتقبضا على كل شر.٢٦ إني أمدك بالحماية يا بني المحبوب «حور». يا أيها الثور القوي الذي يسطع في «طيبة»، والذي أنجبته من أعضائي الإلهية، «تحتمس» المخلد أبديًّا الذي عمل لي كل ما تتوق إليه نفسي «كا». لقد أقمت لي مسكنًا، وهو عمل سيبقى أبدًا، وجعلته أطول وأعرض مما كان عليه من قبل، والباب العظيم … الذي يجعل جماله «بيت آمون» (؟) في عيد. إن آثارك أعظم من آثار كل ملك سلف. إني أعطيك الأمر لتقيمها، وإني لمنشرح بها، وإني أثبتك على عرش «حور» مدة آلاف آلاف السنين حتى ترعى الأحياء إلى الأبد.

ولا شك في أن القارئ قد لاحظ في هذه القصيدة مبالغات خارجة عن حد المألوف كما هي العادة في المدائح التي نقرؤها في أشعار المدائح في الشرق عامة. وهي تعتبر من الشعر الرسمي الذي ينقصه التنويع في التعبير والخيال السامي؛ ولذلك فهي لا تعد في نظرنا من الأدب الراقي، غير أنها كانت في نظر المصري من الشعر النموذجي، وإلا لما نسبها بعض الملوك لأنفسهم كما ذكرنا.

ولدينا قصيدة أخرى من طراز خصب الخيال، حر التعبير، كُتِبت في عهد «رعمسيس الثاني».٢٧ وقد حفظت لنا منقوشة على عدة لوحات بالقرب من معبد «أبو سمبل» وداخله، ولم يكن لها علاقة خاصة بهذا المعبد ولا الإقليم الذي هو فيه؛ ومن أجل ذلك يخيَّل إلينا أن مثلها كمثل القصيدة التي أطلق عليها خطأً اسم «بنتاور» التي تصف لنا ملحمة «قادش» وما جرى فيها. فهي إذن من القصائد التي كان قد أُغرم بها «رعمسيس الثاني» وأراد أن يخلِّدها على آثاره. وبداية هذه القصيدة تحتوي في الواقع على أسماء الملك، وبإضافة هذه إلى ألقابه أصبحت تكون أنشودة. ثم يتلو ذلك خمس مقطوعات مختلفة الطول تنتهي كل منها باسم الملك «رعمسيس الثاني».

(٢) أنشودة لرعمسيس الثاني

ألقاب الملك

إنه «حور» الثور القوي المحبوب من إلهة العدل و«منتو»٢٨ الملوك، وثور الحكام، عظيم القوة مثل والده «ست» صاحب «أمبس»،٢٩ رب التاجين، حامي مصر، وقاهر البلاد الأجنبية، المخيف، عظيم الاحترام في كل الأراضي، الذي لم يسمح لأرض النوبة أن تعيش، والقاضي على تفاخر بلاد الخيتا.
مخضع الخصم، والكثير السنين، والعظيم الانتصارات، الذي يصل إلى أطراف الأرض حينما يطلب للنزال، والذي يضيق أفواه الأمراء الأجانب الواسعة.٣٠

ملك الوجه القبلي والبحري، رب الأرضين «وسيمارع»: المختار من «رع».

ابن «رع» الذي يدوس أرض الخيتا «رعمسيس: محبوب آمون» معطي الحياة، المحبوب من «رع حور أختي»، «آتوم»٣١ رب أرض «عين شمس» والمحبوب من «آمون رع»٣٢ ملك الآلهة، ومن «بتاح» العظيم الذي يسكن جنوبي جداره،٣٣ ورب «عنخ توي»٣٤ الذي طلع على عرش «حور» ملك الأحياء.

القصيدة الحقيقية

الإله الطيب، الواحد القوي، الذي يمدحه الناس، السيد الذي يفتخر به الناس، حامي جنوده، الذي يمد حدوده على الأرض كما يريد مثل «رع» حينما يضيء على دائرة العالم — وهو ملك الوجه القبلي والبحري و«سيمارع: المختار من رع» ابن «رع رب التاجين»، «رعمسيس: المحبوب من آمون معطي الحياة».٣٥

وهو الذي يحضر العاصي أسيرًا إلى مصر والأمراء بهداياهم إلى قصره، والخوف منه يسري في أبدانهم، وأعضاؤهم ترتعد منه عند غضبه، رب الأرضين، وهو الملك «رعمسيس».

وهو الذي يدوس بالقدم أرض الخيتا ويصيرها كومة من الجثث، مثل «سخمت»٣٦ حينما تهيج بعد الوباء. وهو الذي يصوب سهامه فيهم، ويتسلَّط على أعضائهم. وكل أمراء البلاد الأجنبية قد خرجوا من بلادهم يقظين لا يغشاهم النوم،٣٧ وأجسامهم تخور، وهداياهم مجموعة من محاصيل بلادهم، وجنودهم وأولادهم يقفون في الصف الأول طالبين السلام من جلالة ملك الوجهين القبلي والبحري «رعمسيس».

وأمراؤهم يرتعدون حينما يشاهدونه؛ لأنه مثل الإله «منتو» سلطانًا وقوةً؛ لأنه يقطع رءوسهم مثل ابن «نوت». وإنه كَثَوْرٍ حادِّ القرنين عظيم الاستيلاء (؟) … ولا يطلق سراح أحد إلا بعد أن يقضي على أعدائه: ملك الوجه القبلي والوجه البحري «رعمسيس».

الأسد القوي المخالب، العالي الزئير، والمرسل صوته في وادي الفرائس الوحشية: ملك الوجهين القبلي والبحري «رعمسيس».

الفهد الذي يعدو سريعًا حينما يبحث عن منازله، مخترقًا دائرة الأرض في لحظة. الصقر الإلهي العظيم المزود بجناحين، والمنقضُّ على الصغير والكبير؛ حتى لا يجعلهم يعرفون أنفسهم أبدًا: ملك الوجهين القبلي والبحري «رعمسيس».

وهو الذي يجعل الآسيويين الذين يحاربون في ساعة القتال يولون الأدبار، فيكسرون سهامهم ويلقون بها في النار. وقوته متسلِّطة عليهم مثل اللهيب، حينما يخترم في نبات ملتهب،٣٨ والعاصفة وراءه، ومثل النار المفترسة حينما تذوق طعم الوهج، وكل فرد فيها يصير رمادًا: ملك الوجهين القبلي والبحري «رعمسيس».

الحاكم الشديد القوي في ذبح الذين لا يعرفون اسمه؛ وهو مثل العاصفة التي تدوي بعنف على البحر؛ فأمواجه كالجبال، ولا أحد يمكنه أن يقترب منه، وكل فرد فيه يغوص إلى العالم السفلي: ملك الوجهين القبلي والبحري «رعمسيس».

وهو الملك المنير في التاج الأبيض، وهو قوة مصر، ماهر في فنون الحرب، في ساحة القتال، بطل في المعمعة؛ محارب جبار، شجاع القلب، الواضع ذراعيه كجدار حول جنوده، ملك الوجهين القبلي والبحري «رعمسيس» معطي الحياة كالإله «رع».

ولا نزاع في أن هذه الأنشودة تُعدُّ من الشعر الجميل؛ فهي بحق تمتاز عن قصيدة النصر التي قيلت في «تحتمس الثالث» من كل الوجوه؛ فالصور التي تحتويها بارزة، وليست مقصورة على مجرد ذكر نعوت الملك وأوصافه، بل نجد تلك النعوت مفصلة بشروح موفقة. والقصيدة من هذه الناحية تشبه بعض المزامير العبرية، حتى إنها إذا ترجمت على طريقة التوراة، كان من الصعب على الإنسان أن يستخرجها من بينها بسهولة.

على أن هذه الأنشودة ليست الوحيدة من نوعها في الدولة الحديثة، بل لدينا ما يضارعها أو يفوقها مما سنورده هنا بعدُ، وبخاصة قصيدة «مرنبتاح» المشهورة بلوحة بني إسرائيل، وسنذكرها في موضعها بعد الكلام عن ملحمة «قادش» والقصائد الجميلة الأخرى التي قيلت في «رعمسيس الثاني».

(٣) ملحمة قادش المسماة خطأً قصيدة «بنتاور»

في سياق الكلام عن قصة المخاصمة بين «حور» و«ست» عرَّفنا معنى كلمة ملحمة في الأدب عامة. وإذا كان المصريون القُدامى قد تركوا لنا لونًا من الأدب يطلق عليه بحق اسم ملحمة، فإن القصيدة التي قيلت في انتصار «رعمسيس الثاني» على الخيتا وحلفائها جديرة بهذه التسمية؛ لما توافر فيها من الخصائص والميزات التي ينفرد بها هذا اللون من الأدب.

ولقد ظلت الروايات المختلفة التي رويت بها هذه الملحمة مبعثرة على جدران المعابد العدة التي نقشت عليها دون أن يجمع شتاتها كتاب واحد؛ هذا فضلًا عن أن النسخة الوحيدة التي وصلت إلينا على البردي منقوصة غير كاملة؛ ولذلك لم يكن في مقدور أي أثري درسُ هذه الملحمة على الوجه الأكمل. وقد عني المؤلف بجمع هذه النصوص المختلفة وترتيبها في مجلد واحد٣٩ بحيث أصبح في الإمكان الحصول منه على متن كامل يمكن الاعتماد عليه من كل الوجوه. والترجمة التي سنضعها أمام القارئ هنا مأخوذة من هذه الروايات العدة، التي لا يختلف بعضها كثيرًا عن البعض الآخر في النقوش التي على الآثار. أما النسخة الخطية فتحوي أغلاطًا عدة؛ لذلك كان اعتمادنا على النصوص المنقوشة على الآثار.

والظاهر أن هذه القصيدة قد بلغت من الأهمية مكانةً تفوق كل وصف في نظر «رعمسيس الثاني»، ولا أدل على ذلك من أنه نقشها على معظم المعابد في أمهات البلاد المصرية. وقد بالغ في حب بقائها لدرجة أنه نقشها على معبد الأقصر أكثر من مرتين، موضحًا المتن بالرسوم التي تصور لنا سير المعركة ومراكز تنقل الجيوش؛ مما سهَّل علينا فهم الحركات العسكرية التي قام بها كل من الفريقين المتحاربين. وقد كانت نهاية هذه المعركة على ما يظهر انتصار «رعمسيس الثاني» على أعدائه الخيتا وحلفائهم. غير أن هذا النصر لم يكن حاسمًا كما برهن على ذلك استمرار الحرب فيما بعد بينه وبين دولة الخيتا.

وإذا أردنا أن نعرف الأسباب التي أدت إلى تلك الحرب الطاحنة بين «رعمسيس الثاني» والخيتا، فلا بد أن نرجع إلى الوراء عدة أجيال في تاريخ العاهلية المصرية؛ فقد أسَّس «تحتمس الثالث» ومن سبقه عاهلية مترامية الأطراف تمتد من أعالي نهر دجلة والفرات إلى الشلال الرابع، وقد حافظ عليها أخلافه من بعده بحد السيف تارة وبالسياسة الحكيمة تارة أخرى.

وقد بقيت العاهلية متماسكة الأطراف، عزيزة الجانب، إلى أن تولَّى «إخناتون» الملك، فشغله أمر دينه الجديد عن المحافظة على عاهلية أجداده، وبخاصة أملاكه في آسية، وقد كانت مقسَّمة وقتئذٍ ولايات صغيرة، فاستقلَّت كل واحدة منها. هذا فضلًا عن أنه قد قامت في تلك العهود مملكة جديدة في هذا الجزء من آسية أسَّسها قوم يقال لهم الخيتا.

وقد بقيت الحال على هذا المنوال من الفوضى في تلك الأصقاع إلى أن أصبحوا شبه مستقلين عن مصر، وأصبحت العلاقات بينهم وبينها اسمية. وأول من حاول استرجاع مجد مصر في هذه الأصقاع هو «سيتي» الأول. غير أنه في هذه المرة لم يكن يحارب مع ولايات صغيرة متفرقة الكلمة كما فعل أخلافه من قبل، بل كان ينازل دولة قوية فتية، وهي دولة الخيتا، التي كانت تشمل آسية الصغرى، وكذلك قد انضمَّت إليها بلاد أخرى من آسية؛ ولم يوفَّق «سيتي» في حملته هذه إلا بعض التوفيق.

وقد كان لزامًا على ابنه «رعمسيس الثاني» أن يستمر في حمل السلاح لإعادة هذه الأملاك التي أضاعها أجداده بتراخيهم وإهمالهم. ولقد أشار لنا هذا الفرعون في قصيدته التي نحن بصددها الآن إلى إهمال آباء والده، وتقاعُدهم في مصر يلهون ويلعبون؛ مما أدى إلى ضياع ممتلكات مصر. ولا غرابة إذا كانت هذه الإشارة في القصيدة يقصد بها «إخناتون» عندما كان لاهيًا عن أملاك مصر بدينه الجديد، ثم تبعه في ذلك من جاء بعده.

وقد ذكرت لنا نقوش القصيدة التي تعتبر بمثابة تقرير رسمي أن حملة «رعمسيس الثاني» قد خرجت للغزو في السنة الخامسة من حكمه، وكان لا يزال في ريعان الشباب غضَّ الإهاب ممتلئًا حماسًا وقوة. فسار على رأس جيش عرمرم لمقابلة العدو. ولم يكن يدور بخلده في هذه الآونة أن يخضع بلاد «فلسطين» في طريقه؛ ليأمن شرَّ قيام أهلها من خلفه، بل فضَّل مهاجمة العدو الجبار الذي قضى على سلطان مصر في آسية، وقد كان تصميمه أن يوقع العدو في أحبولة، فاندفع بجيشه وعبر نهر الأرنت (العاصي) في حين كان جيش ملك الخيتا وحلفائه معسكرًا في شمالي بلدة «قادش»، ولما فطن إلى ذلك علم أنه قد وقع هو في الفخ، وانقضَّ فعلًا ملك الخيتا على جناحي الجيش المصري الذي كان يسير في أربع فرق منعزل بعضها عن بعض، فشتَّت شمل الجيشين المصريين المتقدمين، وهما جيش «آمون» وجيش «رع». وبذلك أصبح «رعمسيس» محاصَرًا بالعدو، ولم يبقَ معه إلا حاشيته وقليل من جنوده المخلصين.

وقد قيل إن الملك «رعمسيس» هزم، وأنه أراد أن يسدل الستار على الهزيمة أمام بلاده بغزو فلسطين في عودته وقهرها. ولكن هذا الرأي لا أساس له من الصحة، والواقع أنه خلَّص نفسه من مأزقه الحرج باختراق صفوف الخيتا، وبقي يناضل ويظهر من ضروب الشجاعة لصد العدو حتى أتته النجدة، وبذلك انقلبت تدابير الخيتا إلى خزي واندحار. وما ظهر بادئ الأمر هزيمةً منكرة للمصريين قد صار فوزًا مبينًا، وعلى إثر ذلك طلب العدو من «رعمسيس» أن يهادنه.

هذه هي الرواية التي قصها علينا علماء الآثار في الجيل السابق لعصرنا، ونجد في قصة «وردة» التي ألَّفها «جورج إبرس» أنه احتفالًا بهذا النصر العظيم الذي فاز به «رعمسيس» في هذه الموقعة قد ألقى شاعر اسمه «بنتاور» قصيدة فذة تخليدًا لهذه المناسبة السعيدة. والواقع أن «إبرس» قد أخطأ فهم النص المصري عندما نسب هذه القصيدة إلى «بنتاور»، بل الحقيقة أن «بنتاور» هذا هو الكاتب الذي نسخ القصيدة على البردية فقط كما جرت العادة بذلك.٤٠ أما الشاعر الذي صاغ هذه القصيدة فمجهول لنا كغيره من الأدباء والمفتنِّين الذين تركوا لنا تآليف عظيمة وقطعًا فنية منقطعة القرين دون أن يسجلوا أسماءهم عليها، فكانوا بذلك جنودًا مجهولين.

أما طبقة علماء الآثار المعاصرين الذين تناولوا موضوع هذه القصيدة بالبحث والنقد والتحليل، فإن معظمهم قد غرق في بحر المبالغات التي نسجها «رعمسيس» حول نفسه، فلم يتركوا ناحية من نواحي القصيدة دون أن يقتلوها فحصًا ونقدًا، حتى انتهى بهم المطاف إلى أن المصريين قد هزموا، وأن «رعمسيس» أخفى تلك الهزيمة تحت ستار البلاغة والمبالغات التي حلَّى بها هذه القصيدة.

والواقع أن هذا الرأي لا يرتكز على برهان متين، وربما يجود الحظ يومًا ما بالعثور على تقرير عن الموقعة من جانب الخيتا، فيضع الأمور في نصابها بعد موازنته بما جاء في قصيدتنا، أو إخراج حكم سليم منها.

وإلى أن نسعد بمثل هذا التقرير، نرى فيما جاء عن الموقعة أنه ليس فيه ما يبعث على أي شك في أن المصريين قد انتصروا في هذه الملحمة. حقًّا إن التدابير الحربية والخطط التي استعملها ملك «الخيتا» هي من الحيل التي تُستعمل كثيرًا في الحروب، وتؤدي عادة إلى النصر، وبخاصة عندما يكون المهاجم لا يملك في يده قيادة جنوده تمامًا، ولكنا قد شاهدنا أن الملك الشاب قد ترك العدو يهاجمه على حين غفلة، ولم يلبث أن أفاق من تلك الصدمة المفاجئة، وأخذ يجمع زمام القيادة في يده إلى أن صار في مقدوره أن يحمل حملةً صادقة على العدو ردَّته على أعقابه خاسرًا.

وليس لدينا ما يدعو إلى الشك في أن العدو عندما رأى تخاذل جنوده طلب الهدنة. وأن «الخيتا» وحلفاءهم هزموا، ولكن موقعة «قادش» لم تكن من الملاحم الفاصلة؛ ولا أدلَّ على ذلك من أن خلف عاهل «الخيتا» لم يكفوا عن محاربة أعدائهم المصريين، بل شنوا عليهم الغارة ثانية عندما لاحت لهم الفرصة.

ولكن هل كل ذلك يعني أننا ننتزع انتصار «رعمسيس» الثاني منه ونصغر من شأنه؟ ولأجل الوصول إلى رأي حاسم في ذلك يجب علينا أن نستعرض أمامنا حوادث هذه الموقعة ونفحصها فحصًا دقيقًا؛ حتى لا نجعل حكمنا النهائي مأخوذًا مباشرة من الألفاظ التي وردت في القصيدة وحدها. ولدينا في التاريخ الحديث وجه شبه مدهش لهذه الملحمة، وأعني بذلك موقعة «أم درمان» التي استعر لهيبها في عام ١٨٩٨، وقد تكلَّم عنها تيدمان في كتابه Meine Erlebnisse im Hauptquarter Lord Kitchenner (Tieamann) «مشاهداتي في مركز قيادة اللورد كتشنر»:
إن واقعة «أم درمان» رغم انتصار المصريين والإنجليز فيها لم تكن الواقعة الفاصلة؛ فقد استمر المهدي في المقاومة إلى أن قُضِيَ عليه نهائيًّا بعد أكثر من عام.٤١

وبدهي أن الشاعر الذي يريد أن يرسم لنا حوادث في صورة ملحمة لا يقتصر على صياغتها في أسلوب خلاب وألفاظ عذبة، بل من واجبه أن يقصَّ علينا طرفًا غير الحقائق العارية التي يحتوي عليها التقرير الرسمي؛ أي يجب عليه أن يكسوَ عظام تلك الحقائق الجافة لحمًا ودمًا، وينفخ فيها من روحه وخياله؛ وذلك لأن الملحمة لا بد أن تصف لنا موقعة حدثت في منازلة واحدة، فلا بد من أن تأخذ صورة رائعة كما نشاهد ذلك كثيرًا في ملاحم كل الأمم، ومن خصائص الشاعر الذي يصور لنا ملحمة أن يكون عنده المهارة الفنية في صياغتها بحيث يظهر بطلها ممتازًا على كل الأبطال الآخرين الذين حوله في الملحمة، ويخرج لنا قطعة فنية متماسكة الأطراف محبوكة الحواشي سهلة المأخذ.

والشاعر الذي صاغ قصيدتنا قد جعل بطله في قصته الرائعة «رعمسيس الثاني»، وجعل لهذا الفرعون فيها مكانة ضخمة وصورة يظهر فيها كأنه العملاق في وسط الأقزام، أو كما يصور فعلًا الفرعون في الرسوم بين أفراد رعيته. وإن من يفحص المناظر التي تصور لنا ملحمة قادش على جدران المعابد لا يجد كبير عناء في تمييز «رعمسيس» من بين جنوده؛ فالفرق بينه وبينهم في الضخامة كالفرق بين العملاق والطفل الرضيع٤٢ أو أعظم من ذلك.

وقد وُجِّه نقد إلى ما جاء في القصيدة مكررًا: «إن الملك كان فريدًا، ولم يكن معه أحد آخر بجانبه» خلال المعركة. وهذه العبارة لو أخذت بمعناها الحرفي لا تنطبق على الواقع، وليس لها نصيب من الصحة؛ فإن الملك كان يقصُّ تلك العبارة لسائق عربته. وفي الحق يمكن تحديد معنى العبارة بأنه لم يكن أحد غير الملك قد شاهد ما تملَّكه من اليأس حين كان يشرف على فقدان المعركة.

والمبالغة حق مباح لكل أمة، وبخاصة في تقاريرها عن المواقع الحربية؛ لأنها تُذكي نار الوطنية والفخار في نفوس أفراد الشعب، وتلك سجية متأصلة في أخلاق الشعوب حديثها وقديمها؛ للفخر بمناقب بلادهم وما أتته من جلائل الأعمال والتغلُّب على الأعداء.

ولما كان من المحتَّم أن يمثِّل الفرعون في هذه الملحمة بطلَها الفذ؛ فقد كان لزامًا على الشاعر أن ينتهج إحدى طريقتين في صياغتها: فإما أن يقصَّ علينا ما قام به الفرعون من ضروب الشجاعة والبطولة في صيغة الغائب، وإما أن يجعل الفرعون يقصُّ الحوادث الجسام التي قام بها في صيغة المتكلم عن نفسه. ولا نزاع في أن الطريقة الثانية لها ميزتها وخطرها إلى حد لايُدانَى؛ فالقارئ في هذه الحالة يسمع من فم المتكلم وصفًا مباشرًا للحوادث يخرج من أعماق نفس إلى أعماق نفس أخرى؛ فيُحدث تأثيره المنشود. ولدينا مثال لذلك في التاريخ المصري من عهد الدولة الوسطى، وذلك عندما جعل «خيتي» مؤلف تعاليم «أمنمحات الأول» الملك يتكلم عن نفسه ويصف لابنه ما لاقاه من نكران الجميل، وما حاق به ممن أحسن إليهم وأسدى لهم الجميل وقرَّبهم إليه؛ وهذا الخطاب يعدُّ من روائع الأدب المصري (راجع ص٢٠٢).

وهذه الطريقة هي التي اختارها الشاعر لنفسه، ولا نشك في أنه حينما كان يؤلف قصيدته كان أمامه نموذج يحتذيه؛ ولذلك يصعب علينا أن نحدِّد ما أتى به من جديد في عالم الأدب في هذه القصيدة. ولكن على الرغم من ذلك نجد في فن صياغة هذا الشعر ما يجعل الإنسان يعتقد أن الشاعر كان يحلل نفسية بطله، وبخاصة إذا عرفنا أن «رعمسيس الثاني» كان يفوق كل الفراعنة في المبالغة والفخر وحب الظهور والعظمة؛ مما جعله منقطع النظير في هذا المضمار. من أجل ذلك نجد أن شاعرنا قد أرخى العنان للفرعون يتكلم، ولكنه لم يجعله يتكلم وصفه قاصًّا، بل كان ينقله إلى معمعة القتال، فنرى الفرعون يتوسل إلى والده «آمون» ويدعوه إلى نصرته ونار الحرب مستعرة، ثم هو يفكر في الوقت نفسه فيما يجب عليه أن يقوم به لإلهه من الخدمات؛ ولا شك في أن ذلك كان له أثره المباشر على سير الموقعة. هذا إلى أن الفرعون قد عدد أشياء أخرى كثيرة عن مخازي جنوده وعن سير القتال.

ومن كل هذا تألفت أمامنا صورة طريفة لم يكن مألوفًا لنا سماعها من قبل؛ فنقرأ ملحمة كُتِبَ نصفها شعرًا منثورًا والنصف الآخر شعرًا منظومًا. والواقع أن مقدمة هذه القصيدة قد كتبت نثرًا، بينما نهايتها قد نظمت شعرًا. وكذلك نجد في وسطها تعابير نثرية، ويسهل على القارئ الفطن معرفتها؛ لأنها وضعت في صيغة الغائب.

والقصيدة الأصلية تبتدئ عندما يشتِّت العدو شملَ جيش الفرعون، ويضرب نطاقًا حول الفرعون ومَنْ معه من خيرة جنوده وعرباته الكثيرة؛ وعندئذ نرى الفرعون يتوسل لإلهه آمون قائلًا: «ماذا جرى يا والدي آمون؟ هل نسي الأب حق ابنه؟ وهل عملت شيئًا من دونك؟» ثم يذكر له ما قام به من أعمال الخير وبناء المعابد وتقديم القرابين، ويرجوه أن يخلِّصه من ذلك المأزِق الذي وقع فيه.

وعلى إثر ذلك نشاهد أن «آمون» قد أتى لنجدته، وأنه لن يتخلَّى عنه في محنته فيقول له: «إلى الأمام! إلى الأمام! أنا والدك، وإني أكثر نفعًا من مائة ألف رجل. أنا رب النصر الذي يحب القوة!» وينتهي النضال بنصر «رعمسيس» مؤقتًا تمده روح إلهه «آمون».

ولكن ملك «الخيتا» يقف ثانية في وسط جنوده ويشرف على القتال ويعيد الكرة على جيش «رعمسيس»، فيقابله الأخير بعزم وحزم، وفي ذلك يقول: «وقد أوسعت لهم، وكنت مثل «منتو» (إله الحرب)، وجعلتهم يذوقون طعم يدي في لمح البصر. وقد قتلتهم وذبحتهم حيث كانوا واقفين، وقد نادى الواحد منهم الآخر … أن ينجو بنفسه … إلخ.»

وبعد ذلك التفت «رعمسيس» إلى جنوده، وأمرهم أن يتذرَّعوا بالشجاعة، وأن يثبتوا في أماكنهم، وأن يحذوا حذوه، ثم نجده يؤنِّبهم بقارص الألفاظ قائلًا: «ما أشد تخاذل قلوبكم يا فرساني، وإنه لمن العبث الاعتماد عليكم … إلخ.»

وقد أطال الشاعر في التوبيخ الذي جاء على لسان الملك بصورة غير مألوفة، وكذلك أخذ يعدد ما أسداه لهم من المعروف وأعمال الخير كما كان قد عدَّد من قبل ما قام به لإلهه «آمون» من الخدمات وما قدمه من القرابين.

ولا شك في أن ذكر هذه المقابلات قد أدخلت في القصيدة استطرادًا فريدًا في بابه؛ فنرى العناية التي يظهرها الملك بجنوده تقابل منهم بالجبن والنذالة، ولم يستثنِ منهم حتى سائق عربته الذي حرض سيده على الفرار. وقد كان الموضع الطبيعي لهذا المنظر الأخير هو أول القصيدة، ولكن الشاعر كان له قصد خاص في نقله إلى المكان الذي هو فيه؛ فقد أراد أن يضع أمام القارئ مقابلة أخرى يندِّد فيها بهؤلاء الملوك آباء والده٤٣ الذين أضاعوا ملك مصر وسلطانها في بلاد سورية، ولم يقوموا بأى عمل للمحافظة عليه، بل فضَّلوا اللهو واللعب وترك البلاد السورية التي كانت تحت حكم مصر تنسلخ عنها.

وبعد أن تمَّ النصر للفرعون هُرِعَت إليه الجنود في معسكره، وأخذوا يكيلون له المدائح ويفاخرون بشجاعته، على أن الملك لم ينخدع بذلك، بل أراد أن يوبخهم كرة أخرى ويعدِّد لهم ما قام به لهم من جليل الأعمال والخدمات في داخل البلاد أثناء السلم. وإلى هنا ينتهي ما جاء به على لسان الفرعون من الخطب في القصيدة.

نقرأ بعد ذلك أن ملك «الخيتا» قد طلب الهدنة، غير أننا لم نسمع بإلقاء السلاح وإعلان الهدنة؛ لأن ذلك كان مفهومًا ضمنًا.

ثم يتكلم «رعمسيس» للمرة الأخيرة قائلًا إنه قد سمح لنفسه بالراحة بعد أن نال الحظ السعيد، وعرض على قوَّاده ما التمسه ملك «الخيتا» ثم صالحهم. وهنا تختم الملحمة بعودة الفرعون السعيدة إلى بلاده ظافرًا منتصرًا.

ولا بد أن القارئ قد لاحظ بعض التحريف في تعابير هذه القصيدة، فكثيرًا ما نرى الملك يتكلم، ثم ينتقل الكلام إلى صيغة الغائب، فنجد «جلالته» بدلًا من «جلالتي»، وقد يجوز أن تلك هفوة من الكاتب أو الحفار الذي ينقل عادة من ورقة بردية قد لا يمكنه قراءتها قراءة صحيحة. وسيجد القارئ في النسخة التي طبعت من عدة سنوات أن النقوش التي على جدران المعابد فيها بعض اختلاف ظاهر في كثير من الأحيان عن نسخة البردية.

أما من جهة الأسلوب الذي صيغت فيه الملحمة فيمكننا الحكم من غير إجهاد الفكر بأن كلام الملك كان شعرًا موزونًا، اللهم إلا في المواطن التي كان يتحدث فيها من غير انفعالات نفسية؛ مما لا يحتاج إلى إظهار عواطفه ووجداناته.

وليس لدينا شك في أن بداية القصيدة ونهايتها قد كتبتا شعرًا منثورًا؛ فمثلًا لا نتردد في أن نقرر أن قوله: «وقد جهَّز جلالته مشاته وفرسانه والشردانيين، وهم من سبي جلالته، وقد أحضرهم من انتصاراته بحد سيفه.» ليس بالشعر الموزون، وكذلك قوله: «ولما رأى مشاتي وفرساني بأني مثل «منتو» في قوته وبطشه، وأن إلهي «آمون» قد انضمَّ إليَّ، وجعل كل بلد كأنه الهشيم أمامي، اقتربوا واحدًا فواحدًا ليتسللوا وقت الغروب.» فإنه ليس بالشعر المنظوم.

أما ما ينطبق عليه اسم الشعر المنظوم بالمعنى الحقيقي فنجده في الخطب التي ألقاها الفرعون وسائق عربته، والخطاب الذي أرسله ملك «الخيتا» للفرعون طالبًا الصفح. ولا نزاعَ في أن القصيدة في مجموعها توحي بفكرة أنها خطاب شعري يُلقيه فرد واحد يتخلَّله فقرات من الكلام المنثور متمِّم له، ويتألف من الكل وحدة متماسكة الأطراف. ولا يسع الإنسان إلا أن يفكر عفوَ الخاطر أنه يقرأ موضوعًا تمثيليًّا، غير أنه قد أنشئ في حياة الملك، وقد يصعُب على الإنسان أن يتصور مصريًّا يواجه فرعونه الحي على المسرح، ولكن ذلك ليس بالأمر الضروري؛ إذ إنه من الممكن أن يقصَّ المنتصر الخطابات المنفردة على صورة أبيات شعر (وربما كان يحدث ذلك بمصاحبة آلة موسيقية)، أما الباقي فكان يتلى في صورة قصص، ولكن من أراد أن يتأكَّد من هذا الوضع فلا بد له من أن يتعمَّق في درس هذه الملحمة وتراكيبها حتى يصل إلى كنهها الحقيقي.

ومما هو جدير بالملاحظة أن الشاعر قد بذل مجهودًا جبارًا في إبراز مؤلفه في صورة فنية بقدر المستطاع. أما أحاديث الفرعون، وبخاصة الأول منها، فيذكرنا بنغمة تلك الألفاظ التي جاءت على لسان «أمنمحات الأول» في تعاليمه؛ إذ بين الحديثين وجه شبه كبير. حقًّا أن «أمنمحات» كان يلقن ابنه درسًا عن الحياة وما فيها من آلام، ولكننا لا نشك في أنه أثَّر على ذهن شاعرنا، فاندفع يقلدها بحق وخلق لها الموقف الملائم. هذا فضلًا عن أن تعاليم «أمنمحات» من النماذج التي كان يصبو إلى تقليدها الكتاب في عصر الرعامسة؛ ولذلك لا نشك في أن القارئ يلمس تمامًا المجهود الذي بذله الشاعر في إخراج ملحمته البارعة؛ إذ لا نجد في أي خطبة من التي ألقاها الفرعون انحرافًا عن الغرض الذي من أجله ألقيت، كما لا نجد في حديث من بين أحاديثها شيئًا لا يتصل بالموضوع الذي من أجله قيل.

ويمكننا أن نشبه طموح الشاعر ليضع قصيدته في صورة فنية رائعة بما لمسناه في فصل القصص من طموح القاصِّ الناجح إلى صياغة قصته في صورة فنية دقيقة؛ ولذلك يمكننا أن نستنتج بحق أن إخراج الخطب السهلة والقصص المنسجمة كان هدفًا فنيًّا يرمي إليه المؤلف في عصر الرعامسة.

ولا يخالجنا أي شك في أن هذه القصيدة كانت تقريرًا عن هذه الحروب؛ إذ يلحظ الإنسان ذلك لأول وهلة بعد قراءتها. فأمثال كلمات التحذير والتوبيخ التي تفوَّه بها الملك كانت لازمة لملقي القصيدة، وإلا ضاع الجزء الأكبر من التأثير الذي يجب أن تُحدثه في ذهن القارئ.

والظاهر أن مثل هذا التقرير كان يلقى في الاحتفالات الرسمية أو في الأعياد التي تقام للنصر، كما نشاهد في أيامنا هذه؛ إذ نجد التقارير الرسمية تصاغ في صورة أدبية لتترك أثرها في النفس.

وخلاصة القول أنه يمكننا أن نعد «رعمسيس» الثاني من أعظم الفاتحين في التاريخ المصري رغم ما قيل عنه من أنه يحب الظهور والأبهة، وأن معظم ما حكي عنه مبالغ فيه بدرجة عظيمة. فيكفيه فخرًا أنه قد نال بعض الفَلاح في استرجاع ملك أجداده في آسية بعد أن كان قد ضاع جملة. وعظمته في ذلك أنه انتزعه من بين مخالب دولة قوية الأركان عزيزة السلطان قد جمعت حولها حلفاء أقوياء.

وفي الحق لقد حاول استرجاع تلك الممتلكات في حملة واحدة، على حين أن أجداده قد اكتسبوها في حملات عظيمة العدد استغرقت زمنًا طويلًا، ولم يكن أمامهم إذ ذاك إلا دويلات صغيرة متفرقة الكلمة هزيلة القوة. وقد كان أكبر عامل أدى إلى النجاح الذي أحرزه هو دم الشباب الذي كان يجري في عروقه من جهة ورغبته في إنجاز العمل العظيم الذي شرع في القيام به والده ولم يوفق فيه كلَّ التوفيق من جهة أخرى.

وهكذا سيبقى اسمه يضيء في عالم الفتوح والحروب كما سيخلد في عالم الأدب والشعر بقصائده التي أراد لها الخلود بنقشها على جدران معابده الأبدية، وتحبيرها على الأوراق البردية. ولا غرابة إذن في أن يسمَّى «ابن الشمس»؛ فهو مثلها في خلوده في عالم التاريخ وضيائها في عالم الأدب.

المتن

بداية انتصارات، ملك الوجهين القبلي والبحري «ستبن وسر رع» ابن الشمس «رعمسيس» الثاني، مُعطي الحياة أبدًا، وقد أحرزها على بلاد «الخيتا»،٤٤ وبلاد «نهرينا»،٤٥ وبلاد «إرثو»،٤٦ وبلاد «بداسا»،٤٧ وبلاد «دردني»،٤٨ وبلاد «ماسا»،٤٩ وبلاد «قارقيشا»،٥٠ وبلاد «روكا»،٥١ وبلاد «كيراكميشا»،٥٢ وبلاد «كدي»،٥٣ وبلاد «قادش»،٥٤ وبلاد «إكريت»،٥٥ وبلاد «موشانت».٥٦

وكان جلالته سيدًا غضَّ الشباب، مفتول الساعد، منقطع القرين، قوي الذراعين، شجاع القلب، يماثل الإله «منتو» في وقته (أي في قوة غضبه)، جميل الطلعة مثل الإله «آتوم»؛ يعمُّ السرور الناس عند مشاهدة بهائه، عظيم الانتصارات على كل البلاد الأجنبية، ولا يقدر أسره في الحرب، وإنه جدار قوي لجنوده، ودرعهم في يوم الواقعة، ولا مثيل له في الرماية، وقوته تفوق مئات الألوف مجتمعين، وهو الزاحف قدمًا، متوغلًا في المعمعة، لبه مفعم شجاعة، قوي القلب حين منازلة القِرن للقِرن، كالنار عندما تلتهم، ثابت القلب كالثور المتأهِّب لساحة القتال، لا يجهله أحد في كل الأرض قاطبة، ولا يمكن لواحد من بين ألف أن يثبت أمامه، ومئات الألوف يتخاذلون عند رؤيته، وهو رب الخوف، عظيم الصوت في قلوب كل الأرض، عظيم البطش … في قلوب الأجانب، كالأسد الضاري في وادي غزلان، يغزو مظفَّرًا، ويعود مبتهجًا أمام الناس من غير مفاخرة، متفوق في تدابيره، حسن في أوامره، وهو الذي قد وجد أن إجابته ممتازة، وهو الحامي جنوده يوم النزال … الفرسان، والقائد لحرسه والحامي مشاته، وقلبه كجبل من البرنز، وهو السيد ملك الوجهين القبلي والبحري «رعمسيس» مُعطي الحياة.

وقد جهز جلالته مشاته و«الشردانيين»، وهم من سبي جلالته، وقد أتى بهم جلالته من انتصاراته بحدِّ سيفه مدجَّجين بأسلحتهم، وقد أعطاهم التعليمات للواقعة، ولما وصل جلالته إلى جهة الشمال كان معه جنوده وفرسانه بعد أن أخذ الطريق السوي للسير، وفي السنة الخامسة من الشهر الثاني من فصل الصيف في اليوم التاسع، اجتاز جلالته قلعة «ثارو»،٥٧ وقد كان مثل «منتو» إله الحرب في طلعته، وقد كان كل بلد أجنبي يرتعد أمامه، وقد حمل إليه كل أمير من هذه البلاد جزيته، وقد جاء كل الثوار خاضعين خوفًا من سطوة جلالته. أما جنوده فقد ساروا في طرق ضيقة، وكأنهم يسيرون على طرق مصر المعبدة.
وبعد مضي عدة أيام على ذلك فإن جلالته (الحياة والعافية والقوة) كان في «رعمسيس» محبوب «آمون»، وهي المدينة التي في وادي الأرز.٥٨
ثم تقدم جلالته إلى جهة الشمال. وبعد أن وصل جلالته إلى هضبة قادش، وقد كان جلالته يتقدم جيشه مثل والده «منتو» رب طيبة عبر نهر «الأرنت»٥٩ ومعه الجيش الأول لآمون المنتصر للملك، «وسر مارع»: المنتخب من «رع» (الحياة والصحة والعافية) «رعمسيس محبوب آمون». ثم اقترب جلالته من بلدة «قادش»، وكذلك جاء أمير «الخيتا» الخاسئ المقهور بعد أن جمع حوله كل البلاد الأجنبية من أولها إلى أقاصي حدود البحر، وقد حضرت كل بلاد «الخيتا» بأجمعها، وكذلك بلاد «نهرينا»،٦٠ وبلاد «إرثو»،٦١ وبلاد «دردني»، وبلاد «كشكش»،٦٢ وبلاد «ماسا»، وبلاد «بداسا»، وبلاد «قارقيشا»، وبلاد «روكا»، وبلاد «قازاودن»،٦٣ وبلاد «كيراكميشا»، وبلاد «إكاريت»، وبلاد «قادش»، وبلاد «نوجس»٦٤ بأجمعها، وبلاد «موشانت»، «وقادش»، فلم ينزل بلدة واحدة من بين البلاد دون أن يأتي بها معه.

وكان معه كل الأمراء، ومع كل أمير مشاته وفرسانه، وكانوا عددًا عظيمًا يُخطئه العد، وقد غطوا لكثرتهم الجبال والوديان مثل الجراد، ولم يترك فيها ذهبًا ولا فضة، وكذلك جرَّدها من كل متاعها؛ إذ أعطاها البلاد الأجنبية حتى يغريها على الزحف معه للقتال؛ ولكن لما عسكر كان كبير «الخيتا» الخاسئ ومعه البلاد الكثيرة مختبئًا وعلى أهبة القتال في الشمال الشرقي من قادش.

كان جلالته إذ ذاك وحده ومعه حرسه، وكان جيش «آمون» يسير خلفه وجيش «رع» يعبر الخور بالقرب من مدينة «شيتون» على مسافة فرسخ واحد من المكان الذي كان فيه جلالته. أما جيش «بتاح» فكان في الجنوب من بلدة «أرنام» وجيش «سوتخ»٦٥ كان لا يزال متابعًا السير على الطريق، وقد نظم جلالته جنوده صفوفًا في المقدمة من كل ضباط جيشه، وكان لا يزال بالقرب من شاطئ بلاد «إمعور».٦٦ أما أمير «الخيتا» الخاسئ الذي كان في وسط جنوده، فلم يكن في مقدوره الزحف للقتال خوفًا من جلالته، فإنه أمر بإحضار رجال وعربات كثيرة العدد كالرمال، وقد كان لكل عربة ثلاثة فرسان، وهؤلاء قد نظموا فرقًا، وقد كان كل محارب من «الخيتا» الخاسئين مجهزًا بكل أسلحة القتال، وقد جعلهم ينظرون كامنين خلف «قادش»، ثم خرجوا من الجهة الجنوبية من قادش، فهاجموا جيش «رع» في قلبه وهم سائرون على غفلة بدون استعداد للقتال، فتقهقر فرسان جلالته أمامهم.

وبعد ذلك عسكر جلالته شمالي قادش في الجهة الغربية من نهر «الأرنت»، فجاء إنسان وأخبر جلالته بذلك.

وعندئذ خرج جلالته٦٧ مثل والده «منتو» بعد أن أخذ عدة حربه ولبس درعه، وكان مثل «بعل» في ساعته،٦٨ وكان اسم العربة العظيمة التي تحمل جلالته «النصر في طيبة»، وكان جوادها من حظيرة «رعمسيس»، ثم ركب جلالته مسرعًا ودخل في المعمعة يحارب «الخيتا»، وكان وحده وليس معه إنسان آخر.
ولما تقدم جلالته ونظر خلفه رأى أن ألفين وخمسمائة عربة كانت تسد أمامه طريقه ومعه كل جنود بلاد «الخيتا» الخاسئة وبلاد عدة كانت معه، من «إرثو»، و«ماسا»، و«بداسا»، و«كشكش»، و«أرونا»،٦٩ و«قازاودن»، و«خرب»،٧٠ و«إكريت»، و«قادش»، و«روكا». وكان كل ثلاثة رجال لعربة، ثم حشدوا أنفسهم سويًّا, ولم يكن معي٧١ رئيس، ولم يكن معي فارس عَربة ولا ضابط من المشاة ولا من الفرسان، وقد تركني مشاتي وفرساني فريسة للأعداء، ولم يثبت واحد منهم ليحارب معي، وقال جلالته: «ماذا جرى يا والدي «آمون»؟ هل نسي الأب حق ابنه؟ هل عملت شيئًا من دونك؟ هل أذهب أو أقف ساكتًا إلا حسب قولك؟ على أني لم أتحوَّل قطُّ عن نصائحك التي من فمك. ما أعظم رب مصر العظيم! إنه عظيم جدًّا؛ فلا يسمح للأجانب أن يقتربوا منه، ما قيمة هؤلاء الآسيويين عندك «يا آمون»؟ تُعساءُ لأنهم لا يعرفون الإله! ألم أُقم لك آثارًا عديدة جدًّا، وملأت معابدك بأسراي؟ ولقد شيدت لك معبدًا لآلاف آلاف السنين،٧٢ وأعطيتك متاعي ملكًا، ولقد أهديتك كل الممالك مجتمعة، حتى تُمد قربانك بالطعام، وكذلك أمرت أن يقدم لك عشرة آلاف من الثيران والنباتات العطرية.

ولم أترك شيئًا جميلًا لم يفعل في محرابك، وأقمتُ لك أبوابًا عظيمة، ونصبت فيها عمد الأعلام بنفسي. وإني آتي لك بمسلات من «الفنتين»، وإني أنا الذي أحمل الأحجار، وأجعل السفن تسافر لك على البحر لتحضر لك جزية البلاد الأجنبية، فالخيبة لمن يخالف نصائحك، والنجاح لمن يفهمك. ويجب على الإنسان أن يعمل لك بقلب محب.

إني أدعوك يا إلهي «آمون»، وإني في وسط أعداء لا أعرفهم، وكل البلاد قد تضافرت عليَّ، وإني وحيد وليس أحد آخر معي، وإن جنودي قد هجروني ولم يلتفت أحد من فرساني حوله إليَّ، وإذا ناديت عليهم فلا يسمع لي أحد.

ولكن أُنادي فأجِد أن «آمون» خير لي من آلاف آلاف الجنود المشاة، وأحسن من مئات الألوف من فرسان العربات، وأحسن من عشرة آلاف أخ وابن متحدين معًا. على أن عَمَل رجال عديدين لا قيمة له؛ إذ إن «آمون» يفوقهم. ولقد جئت إلى هنا تبعًا لنصائح فمك، يا «آمون» لم أتحول عن إشاراتك.

وإني أنادي إلى أقاصي الأراضي، ومع ذلك يصل صوتي إلى «أرمنت»؛٧٣ إذ إن «آمون» يصغي إليَّ ويأتي عندما أناديه، وإنه يمد إليَّ يده فأخرج؛ ولذلك ينادي من ورائي! إلى الأمام! إلى الأمام! إني معك أنا والدك، ويدي معك، وإني أكثر نفعًا من مائة ألف رجل، أنا رب النصر الذي يُحب القوة!
وبعد أن استرددت شجاعتي ثانية امتلأ قلبي بالفرح، وكل ما كنت أرغب في أن أعمله قد تم. إني مثل «منتو»، إني أضرب باليمين وأحارب بالشمال. وإني كالإله «بعل» في وقته أمامهم. ولقد وجدت أن الألفين وخمسمائة عربة التي كنت في وسطها قد وقعت على الأرض ممزقة إربًا إربًا أمام جيادي، ولم يكن في استطاعة واحد منهم أن يمد يده ليحارب، وقد خارت قلوبهم في أجسامهم من الخوف، وشلت أذرعهم، وأصبحوا غير قادرين على الرماية، ولم تكن لديهم الشجاعة الكافية ليقبضوا على حرابهم، وقد جعلتهم يغُوصون في الماء كما يغُوص التمساح،٧٤ وقد سقط الواحد منهم على الآخر، وقتلت منهم من أريد، ولم يجسر واحد منهم أن يلتفت وراءه، ولم يكن هناك من يلفته؛ إذ إنه ما سقط أحد منهم وفي مقدوره أن يرفع نفسه ثانية.
وعندئذ وقف أمير «الخيتا» الخاسئ في وسط جيشه، وأشرف على القتال الذي كان يقوم به جلالته منفردًا بدون مشاته أو فرسانه، وقد وقف حائرًا مُقتَّر الوجه. وقد أمر بإحضار كثير من أمراء جيشه ليتقدموا، وكانوا جميعًا مجهَّزين بعربات خيل، وكانوا مدججين بأسلحة الحرب. وهم أمير «إرثو»، و«ماسا»، و«أرونا»، و«روكا»، و«دردني»، ثم أمير «كيرمشا»، و«قارقيشا»، و«خرب» (حلب) وأخوات أمراء الخيتا، وهؤلاء جميعًا كانوا في ألفي عربة فرسان. وقد انقضُّوا على النار،٧٥ وقد أوسعت لهم، وكنت مثل «منتو»، وجعلهم يذوقون طعم يدي في لمح البصر، وقد قتلتهم وذبحتهم. حيثما كانوا واقفين، وقد نادى الواحد منهم الآخر قائلًا: «إن هذا الذي في وسطنا ليس بإنسان، بل هو «سوتخ» عظيم البطش، والإله «بعل» في أعضائه، والأعمال التي يقوم بها ليست أعمال إنسان. على أنه لم يحدث أن رجلًا منفردًا بدون مشاة أو فرسان يتغلَّب على مئات الألوف. تعالوا مسرعين حتى نولِّي الأدبار من أمامه فننجو بالحياة ونستنشق النفس. أما من يتجاسر على أن يقرب منه فإن يده تشل، وكذلك كل عضو، وليس في مقدور أحد أن يقبض على قوس أو حربة، حينما يشاهد كيف يقدم بعد هجومه.»
وقد كان جلالته خلفهم كأنه مارد، وقد أعملت الذبح فيهم ولم يفلت واحد مني، وناديت في الجيش: الثبات! ثبِّتوا قلوبكم يا جنودي، شاهدوا انتصاري، وإني وحدي، ولكن «آمون» حاميني ويده معي. ما أشد تخاذل قلوبكم يا فرساني؛ وإنه لمن العبث الاعتماد عليكم، على أنه لا يوجد واحد بينكم لم أصنع له جميلًا في بلادي، ألم أقف هناك موقف السيد على حين أنكم كنتم في فقر؟! ومع ذلك قد جعلتكم أغنياء، وإنكم تشاركونني في طعامي، وقد وليت الابن على أملاك والده، ومحوت كل شر في هذه الأرض، وقد أجزتكم من ضرائبكم وأعطيتكم أشياء أخرى كانت قد اغتصبت منكم،٧٦ وكل من جاء يشكو كنت أقول له في كل وقت سأفعلها، وليس هناك سيد قد عمل لجنوده ما فعلته إرضاءً لكم؛ إذ إني صرحت لكم بالسكنى في بيوتكم ومدنكم مع أنكم لم تقوموا بالخدمة العسكرية. وكذلك فرسان عرباتي قد مهَّدت لهم الطريق إلى مدن عدة،٧٧ وظننت أن أرى فيكم شيئًا مثل هذا،٧٨ في تلك الساعة التي ندخل فيها الموقعة. ولكن تأملوا فإنكم عن بكرة أبيكم تعملون عمل الجبناء، إذ لم يقف واحد بينكم ثابتًا ليمد يده وأنا أقاتل.

وبحياة روح والدي «آمون»، إني كنت أتمنى أن أكون في مصر ألعب مثل والد أجدادي الذين لم يروا سوريا ولم يحاربوا معه ولم يأتِ واحد منهم لينشر أخباره في أرض مصر. ما أجمل حياته ذلك الذي يقيم آثارًا في «طيبة» مدينة «آمون»!

على أن الجريمة التي ارتكبها مشاتي وفرسان عرباتي أكبر من أن تذكر. ولكن تأمل! فإن «آمون» قد وهبني النصر وإن لم يكن معي مشاة ولا فرسان، ولقد جعلت كل بلاد قاصية تشاهد ظفري وقوتي، على حين أني كنت وحدي دون أن يتبعني أي عظيم، وبدون أي فارس أو ضابط أو جندي أو عربة، والممالك الأجنبية التي تراني ستتكلم باسمي إلى أقاصي الأراضي المجهولة، وكل من يفر من يدي يقف متلفتًا وراءه لينظر ما أفعل، وعندما أهاجم آلاف الآلاف منهم تخور أقدامهم ويفرُّون، وكل من يصوب سهمه إليَّ تطيش سهامه وتتفرق عندما تصل إليَّ، ولكن عندما رأى «منَّا» سائق عربتي أن جمًّا غفيرًا من الفرسان قد أحاطوا بى فإنه تخاذل وخار قلبه، وسرى رعب عظيم في جسمه.

ثم قال لجلالته: «يا سيدي الطيب، يا أيها الأمير الشجاع، يا حامي مصر العظيم في يوم الواقعة، إننا نقف وحدنا وسط العدو. تأمل فإن المشاة والفرسان قد ولوا عنا، فلماذا ننتظر حتى يحرمونا النفس؟ فلنبقَ طاهرين، خلِّصنا يا «رعمسيس» (انج من هذا المكان).

وعندئذ قال جلالته لسائق عربته: «الثبات! ثبِّت قلبك يا سائق عربتي؛ فإني سأدخل بينهم كما ينقضُّ الصقر، وأقتل وأقطع إربًا إربًا، ثم ألقي على الأرض. ما قيمة هؤلاء الجبناء عندك؟ إن وجهي لا يشحب من آلاف الآلاف منهم.»

ثم أسرع جلالته إلى الأمام وهاجم العدو، ثم هاجمهم للمرة السادسة، وكنت وراءهم مثل «بعل» في وقت قوته، وقد أعملت القتل فيهم ولم أتراخَ.

ولما رأى مشاتي وفرساني بأني مثل «منتو» في قوته وبطشه، وأن إلهي «آمون» قد انضمَّ إليَّ وجعل كل بلد كأنها الهشيم أمامي، اقتربوا واحدًا فواحدًا لينسلُّوا في وقت الغروب إلى المعسكر، وقد وجدوا أن كل الأقوام الذين اقتحمت طريقي في وسطهم قد طرحوا أرضًا مضرَّجين أكوامًا في دمائهم، حتى خيرة محاربي «الخيتا» وكذلك أولاد أميرهم وإخوته. وقد جعلت ميدان قادش أبيض،٧٩ ولم يستطع أحد أن يضع قدمه بسبب جموعهم،٨٠ ثم أتى بعد ذلك جنودي ليقدموا إليَّ احترامهم الأسمى عندما شاهدوا ما فعلت.
أما أشرافي فأتوا ليتمدحوا بطشي، وكذلك فرساني؛ فإنهم فخموا اسمي، «آه أنت أيها الحندي الطيب الثابت القلب، إنك تُنجي المشاة والفرسان. آه يا أبي «آمون»! يا ماهر اليدين، إنك تخرب بلاد «الخيتا» بذراعيك القويتين. إنك جندي طيب منقطع القرين؛ لأنك ملك يحارب من أجل جنده في يوم الواقعة. إنك شجاع القلب، وإنك في المقدمة عند اشتباك القتال. على أن كل البلاد مجتمعة لم يكن في استطاعتها مقاومتي. لقد كنت مظفرًا أمام الجموع، وفي نظر كل العالم، وليس في هذا مبالغة. إنك حامي مصر.٨١ ومخضع البلاد الأجنبية، وقد كسرت ظهر الخيتيين أبد الدهر.»

ثم قال جلالته لمشاته وكبار ضباطه وفرسانه:

«ما أعظم الجريمة التي ارتكبتموها يا كبار ضباطي ويا مشاتي ويا فرساني، أنتم يا من لم تحاربوا! ألم يتفاخر الواحد في مدينته بأنه كان شجاعًا أمام سيده الطيب؟ ألم أقدم إحسانًا لأحد منكم؟ كيف تهجرونني وسط الأعداء ما أجمل ذلك فيكم! وتتنفسوا الهواء وحدكم؟ ألم تذكروا في قلوبكم بأني حصنكم «المصنوع من حديد السماء»؟ وسيسمع القول بأنكم تركتموني من غير أحد، وأنه ليس هناك واحد من كبار القواد ولا من الضباط — سواء أكان من الفرسان أم من المشاة — قد أتى ليأخذ بيدي.

ولقد حاربت وتغلبت على آلاف الآلاف من الأراضي، كل ذلك وحدي، وقد كان معي جواداي العظيمان «النصر في طيبة» و«الإلهة موت مرتاحة»،٨٢ ولم أجد النجدة إلا فيهما فحسب، عندما كنت وحيدًا وسط بلاد عدة. ولذلك سأجعلهما يأكلان وجبتهما أمامي كل يوم عندما أعود مرة أخرى إلى قصري، فلقد وجدت فيهما وحدهما النجدة؛ وكذلك في «منَّا» سائق عربتي، وفي سقاة القصر الذين كانوا بجانبي، كل هؤلاء شاهدوا الموقعة (معي) تأمل! لقد وجدت أنهم أظهروا لجلالتي الشجاعة والنصر بعد أن خذلت بساعدي القوي مئات الألوف مجتمعين معًا.»٨٣

[اليوم الثاني في الموقعة وانهزام الأعداء]

ولما انفلق الصبح أخذت في مواصلة الحرب في الموقعة، وقد كنت مستعدًّا للمعركة مثل الثور اليقظ المتأهِّب للنزال، وقد ظهرت عليهم مثل الإله «منتو» مجهزًا بالمحاربين من الرجال الأقوياء، وقد اخترقت وسط المعمعة مثل الصقر عند انقضاضه «على الفريسة». والصل الملكي على جبهتي كان يُودِي بأعدائي؛ إذ كان ينفث النار في وجه العدو. أما أنا فكنت مثل «رع» عندما يشرق في الصباح، فكانت أشعتي تحرق أوصال العدو. وقد كان الواحد منهم ينادي الآخر قائلًا: «خذوا حذركم! اجمعوا أنفسكم! تأملوا؛ فإن «سخمت»٨٤ معه، وهي معه على جواديه ويدها معه، فإذا اقترب أحد منه فإن لهيب النار يمتد إليه ويحرق أوصاله.»

وبعد ذلك أخذوا يقبلون الأرض أمامي، أما جلالتي فكانت قوية خلفهم؛ إذ أعملت القتل فيهم ولم أكن متراخيًا، وقد مُزِّقوا إربًا إربًا أمام جيادي، وقد طرحوا أرضًا مضرجين بدمائهم.

وعندئذٍ أرسل خاسئ «الخيتا» المغلوب، وعظم اسم جلالته الكبير قائلًا: «إنك «رع حور أختي» وأنت «سوتخ» العظيم البطش بن «نوت»، و«بعل» في أوصالك، والفزع منك سرى إلى أرض الخيتا، وقد كسر إلى الأبد ظهر أمير الخيتا.»

وقد أرسل رسولًا يحمل خطابًا معنونًا باسم جلالتي العظيم، وأخبر جلالته قصر حور الثور القوي محبوب الصدق٨٥ بما يأتي: «أنت يا أيها الملك الحامي جنوده، والشجاع في قوته، الحصن لعساكره في يوم الواقعة، ملك الوجه القبلي والبحري «وسرمارع المختار من رع» ابن «رع» «رعمسيس المحبوب من رع»، الذي خرج من بين أوصاله، وهو الذي قد منحك كل الأراضي مجتمعة في واحدة، وأرض مصر وأرض الخيتا في خدمتك، وهما تحت قدميك، ووالدك «رع» السامي قد أعطاك إياهما، فلا تكوننَّ شديدًا معنا: تأمل! إن شجاعتك عظيمة، وقوتك جبارة ثقيلة على أرض الخيتا. هل من الخير أن تذبح خدامك ووجهك غاضب عليهم دون أن تظهر أية رحمة؟ فبالأمس قد ذبحت مئات الألوف، واليوم قد أتيت ولم تترك لنا أخلافًا أحياء يرثوننا، لا تكوننَّ قاسيًا في نطقك أنت يا أيها الملك العظيم. إن الجنوح للسلام خير من الحرب. امنحنا نفس الحياة!»
وقد سمحت جلالتي لنفسي أن أستريح ممتلئًا بالحياة والحظ الحسن، وقد كنت مثل الإله «منتو» في وقت سطوته وهو يحرز انتصاره.٨٦ وقد أمرت جلالتي بإحضار كل قواد المشاة والفرسان وكل الجنود جميعًا؛ لأعلمهم بما كتبه كبير «الخيتا» إلى الفرعون، فأجابوا قائلين لجلالته: «إن الرحمة جميلة جدًّا يا سيدنا ويا مليكنا، وليس في السلام شيء يضر فافعله، ومن ذا الذي لا يحترمك في يوم غضبك؟٨٧ عندئذ أمر جلالته أن تسمع أقواله،٨٨ ومد يده للصلح وهو في طريقه نحو الجنوب.٨٩ ولما اقترب جلالته بلواء السلم إلى مصر ومعه كبار ضباطه ومشاته وفرسانه كانت الحياة والثبات والسعادة تلازمه، وكان الآلهة والإلهات يحمون أعضاءه بعد أن صد الأراضي الأجنبية بخوفه (؟)، أما قوة جلالته فكانت تحمي جنوده، وقد تمدحت بطلعته البهية كل الأراضي الأجنبية، وقد وصل سالمًا إلى بيت «رعمسيس العظيم الانتصارات»، ومكث في قصره ممتلئًا حياةً مثل «رع» على عرشه، وقد رحب الآلهة بحضرته قائلين له: مرحبًا يا ابننا المحبوب «رعمسيس-محبوب-آمون»! وقد منحوه آلاف آلاف الأعياد والخلود على عرش والده «آتوم»، وكل البلاد والأراضي الأجنبية أصبحت تحت قدميه.»

(٤) قصيدتان قيلتا في مدينة «رعمسيس»

ليس لدينا دليل قاطع يدل على موقع بلدة «بيت رعمسيس». وآخر ما كتب في هذا الموضوع ما ذكره الأستاذ يونكر في مقاله عن «بحن نفر» — أحد كبار موظفي الأسرة الرابعة — في سياق كلامه عن أصل عبادة «ست». فقد قال: إن الهكسوس لم يجلبوا معهم إلهًا، بل اتخذوا الإله ست معبودًا لهم لشبهه بالإله «سوتخ» معبودهم، وكذلك قال: إنهم لم يؤسِّسوا بلدة «آواريس»، بل اتخذوها عاصمة لهم، ثم استطرد في قوله إنها هي بلدة «تانيس» فيما بعد، نم سميت «ببيت٩٠ «رعمسيس» في عهد «رعمسيس» الثاني.

غير أن الأستاذ حمزة في بحث له يقول: إنها بلدة «قنتير» الحالية، وعلى أية حال فقد سمى «رعمسيس» بلدته «بيت رعمسيس العظيم الانتصارات». ولا نزاع في أن مركز هذه المدينة الجغرافي قد ساعد هذا الفرعون على الإشراف على ممتلكاته في آسية وتسهيل القيام بغزواته ضد الخيتا.

والظاهر أن هاتين القصيدتين كانتا من النماذج الإنشائية التي تتمرن عليها التلاميذ لحلاوة ألفاظهما وحسن تعابيرهما.

ومن الطريف أننا لم نجد في هاتين القصيدتين اسم الملك «رعمسيس» الثاني، بل جاء فيها اسم ابنه «مرنبتاح»، ولا شك في أن الأخير قد قلَّد والده في انتحال أعمال من سبقه من الملوك من تماثيل وآثار أخرى.

القصيدة الكبرى٩١

لقد بنى جلالته لنفسه قلعة تسمى «عظيم الانتصارات»، وهي واقعة بين فلسطين ومصر، وهي ملأى بالذخيرة والأرزاق، وهي مثل «أرمنت»، وخلودها كخلود «منف». فالشمس تشرق في أفقها وتغرب فيها،٩٢ وجميع الناس يهجرون مدنهم ويسكنون في ربوعها. حيُّها الغربي معبد لآمون، والجنوبي معبد الإله «سوتخ»، والإلهة «عشتارت» في شرقيها، والإلهة «بوتو» في الجهة الشمالية منها، والحصن الذي في وسطها مثل أفق السماء، و«رعمسيس» محبوب «آمون» إله فيها، و«منتو» في الأرضين رسول، و«شمس الأمراء»٩٣ وزير له وفرح مصر، ومحبوب «آتوم» محافظ تذهب الدنيا إلى سكنه. ورئيس بلاد «الخيتا» الأعظم يكتب إلى رئيس بلاد «كدي»:٩٤ تجهز لتسرع إلى مصر حتى يمكننا أن نقول «إرادة الإله تنفذ»، وحتى يمكننا أن نتكلم كلامًا جميلًا أمام «رعمسيس». إنه يعطي من يريد نفس الحياة، وكل بلد يحيا حسب رغبته، وبلاد «الخيتا» تعيش حسب إرادته فقط.
وإذا لم يتسلم الإله قربانه منها فإنها لا ترى مطر السماء،٩٥ وذلك في استطاعة «وسرمارع» الثور الذي يحب الشجاعة.
الإله الطيب، القوي مثل «منتو» الملك المظفر … الذي ولد من «رع»، طفل ثور «هيليوبوليس»٩٦ وصورته، الذي يقف في ساحة القتال ويحارب بشجاعة مثل «الواحد القوي» في السفينة المساقة «حاكم الأبدية».٩٧ وهو الذي كان ملكًا وهو في البيضة مثل جلالة «حور»، وقد استولى على الأرض بانتصاره، وأخضع الأرضين بخططه، والشعوب التسعة قد وطئها تحت قدميه، وكل الشعوب الأجنبية تُساق بهداياها، وجميع الممالك تسعى إليه على الطريق الوحيدة،٩٨ ليس له خصم، وأمراء البلاد الخارجة لا قوة لهم، ويصيحون كالماعز الوحشية ذعرًا منه، وإنه يدخل بيتهم كابن «نوت»،٩٩ وعلى ذلك يسقطون أمامه خوفًا من نَفَسه الناري في لحظة. اللوبيون يتساقطون لذبحه إياهم، والناس يسقطون بنصل سيفه، وقد منح له قوته إلى الأبد، وإرادته تحيط بالجبال.
آه يا «رعمسيس» محبوب «آمون»، رب القوة، يا من يحمي جنوده،١٠٠ أنت … يا ابن آمون أيها الجسور الذي يحمي عساكره، أيها الثور القوي الذي يثني المتحالفين عليه، ويقف ثابتًا على عربته الحربية مثل رب «طيبة»١٠١ … قوته تقهر كل الممالك الأجنبية ويخترق «الأراضي» باحثًا عن مُهاجمه، ونداؤه الحربي للموقعة يؤثِّر في قلوب أولئك الذين يخافون وجهه. وهو الحاكم، الطيب، اليقظ، الممتاز النصيحة، وهو الذي يضع اسمه في كل الأراضي بوصفه الفرد الشجاع. نعم يا ملك الأرضين وربهما كجلالة «حور»، إن أمراء الأراضي قد أصبحوا في وجل منك يا «بنرع» محبوب «آمون» ابن الشمس «مرنبتاح» المنشرح بالحق.
الإله الطيب الذي يعيش على الحق! الملك المحبوب من الآلهة! البيضة الممتازة، ابن «خبررع»،١٠٢ وإنه طفل صورته كصورة ثور «عين شمس»! وهو الصقر الذي دخل الخاتم الملكي!١٠٣ حور بن إزيس! «بنرع» الذي ظهر في مصر بفخار، والذي تأتي إلى عرشه الدنيا.

ما أقوى «بنرع»! ما أثبت نصائحه! كلماته ممتازة مثل كلمات «تحوت»، وكل ما يقوله يحدث؛ وإنه كالذي يرشد إلى الطريق على رأس جيشه، وكلماته كحائط لهم.

ما أحبه ذلك الذي يحني ظهره لمحبوب-آمون.

والجنود المظفرة يأتون لنصرته بالقوة والجبروت، يرمون النار في أسد بركتي (؟)، ويحرقون … رنيا١٠٤ وجنود الشردانا الذين حملتهم إلى بلادك بقوتك يأسرون لك قبائل الصحاري.
ما أجمل ذهابك إلى «طيبة» وعربتك الحربية مثقلة بالأيدي١٠٥ ورؤساء «القبائل» يمشون أمامك مكبَّلين، وستقودهم١٠٦ إلى والدك المبجل آمون، ثور أمه.
يا قصر «سيسي»١٠٧ الذي تكرر فيه الأعياد يا عرش «تنن» (اسم للإله بتاح)، إنك تضيء مثل … كآتوم، كمصباح والدك «رع».

القصيدة القصيرة١٠٨

يا «بنرع-محبوب-آمون»، أنت أيها السفينة الرئيسية، والعصا التي تهشم، والسيف الذي يذبح الشعوب الأجنبية، وحربة اليد!

إنه نزل من السماء وولد في «عين شمس»، وكتب له النصر في كل أرض.

ما كان أجمل يوم حضورك (؟)! وما كان أجمل صوتك عندما تتكلم، حينما بنيت مدينة «بيت رعمسيس-محبوب-آمون»! فهي بداية كل أرض أجنبية ونهاية مصر،١٠٩ وهي المدينة ذات الشرفات الجميلة، والقاعات التي تخطف الأبصار باللازورد والزمرد، والمكان الذي تعرض فيه فرسانك، وتجنِّد فيه رجالتك، وحيث ترسو جنود سفينتك حينما يحضرون إليك بالجزية.
الثناء عليك حينما تأتي بين عبيدك المختارين من بين الآسيويين،١١٠ وهم رجال وجوههم كاسرة، وأصابعهم محرقة، يتقدمون حينما يرون الأمير واقفًا ومقاتلًا، لا قدرة للجبال على الوقوف أمامه، وهي تخاف بطشك.

يا «بنرع-محبوب-آمون» ستبقى ما بقيت الأبدية، وستبقى الأبدية ما بقيت، وستمكث على عرش والدك «رع حور أختي».

(٥) قصيدة عن انتصار مرنبتاح١١١

هذه القصيدة منقوشة على لوحة تذكارية من الجرانيت الأسود، وهي المسماة «لوحة إسرائيل»، وقد أقيمت في معبد الملك الجنازي، وكذلك على لوحة في معبد الكرنك كما يستدل على ذلك بقطعة وجدت هناك، وقد كانت بلا شك قصيدة ذات أهمية كبرى لدى الملك، وهي في مجموعها فخار بالنصر العظيم الذي أحرزه الملك على اللوبيين في السنة الخامسة من حكمه (١٢٣٠ق.م)، وبه نجت مصر من خطر عظيم.

والقصيدة تزخر بالاستعارات والتشبيهات المختارة؛ مما أسبغ عليها صورة أدبية. وقد وصف فيها الشاعر هزيمة الأعداء بمهارة تدعو إلى الدهشة، فكأنها صورة قد رسمها المثَّال أمامنا، غير أن هذه الصورة ناطقة. يضاف إلى ذلك أن الشاعر في وسط هذه المدائح وتلك الأعمال الجسام التي قام بها «مرنبتاح» للذود عن حياض بلاده وتخليصها من غارات اللوبيين وكسر شوكتهم، لم يَفُته أن يصف الفرعون بالاستقامة والعدل، فهو يعطي كل ذي حق حقه، «فالثروة تتدفق على الرجل الصالح، أما المجرم فلن يتمتع بغنيمة ما، وما أحرزه الإنسان من ثروة أتت عن طريق غير مشروع تقع في يد غيره لا في يد أطفاله.»

ثم نرى الشاعر ينتقل إلى وصف السلام والطمأنينة والرخاء التي سادت البلاد بعد هذا الانتصار بصورة هي المثل الأعلى لما يتطلبه الإنسان في الحياة الدنيا، فحتى «الحيوان قد ترك جائلًا بدون راعٍ»، في حين أن «أصحابهم يروحون ويغدون مغنين، وليس هناك صياح قوم متوجعين»، ولا شك في أن هذا هو عين السلام الذي يتطلبه الإنسان في كل زمان ومكان.

وفي ختام هذه القصيدة الرائعة يعدِّد لنا الشاعر القبائل أو الأقاليم التي أخضعها «مرنبتاح»، ومن بينها قبيلة بني إسرائيل، وهذه أول مرة ذكر فيها هؤلاء القوم في المتون المصرية؛ ولذلك سميت هذه اللوحة باسمهم، وكذلك قيل عن «مرنبتاح» إنه فرعون موسى الذي ذكر في القرآن وغيره من الكتب المقدسة، وهذا طبعًا لا يرتكز على حقائق تاريخية.

المتن

التحدث عن انتصاراته في جميع الأراضي، وكل الأراضي جميعًا قد أخبرت بذلك وصارت تشاهد جمال أعمال الفروسية.

الملك «مرنبتاح»، الثور القوي، الذي يذبح أعداءه، جميل الطلعة في ميدان الشجاعة حينما يُهاجم.

إنه الشمس بدَّدت الغيوم التي كانت تخيِّم على مصر، وقد جعل «تامري»١١٢ تشاهد أشعة الشمس.

وهو الذي أزاح تلًّا من النحاس من فوق ظهور الشعب حتى يتمكن من منح من كانوا في الأسر الهواء.

وهو الذي جعل أهالي «منف»١١٣ يفرحون على أعدائهم، وجعل «بتاح تنن» يبتهج ويشمت بخصومه. وهو الذي فتح أبواب «منف» بعد أن كانت قد أغلقت، وجعل معابدها تتسلَّم أرزاقها.

وإنه الملك «مرنبتاح» الواحد الفرد، الذي يبعث القوة في قلوب مئات الألوف، ويدخل نفس الحياة في أنوفهم عند رؤيته.

بلاد «التمحو»١١٤ كسرت في مدة حياته، وأدخل الرعب أبدَ الدهر في قلب «مشواشا». وإنه الذي جعل اللوبيين الذين وطئوا أرض مصر ينكصون على أعقابهم، والوجل العظيم في قلوبهم من «مصر»؛ وزحفهم قُدمًا قد انتهى، وأقدامهم لم تقوَ على الوقوف فولَّوْا هاربين.
والمحاربون منهم بالسهام ألقوا بأقواسهم، وقلب المسرعين منهم قد أعياه المشي، وفكوا قِرب مائهم ثم ألقوا بها على الأرض وحقائبهم قد مُزِّقت وألقي بها.١١٥
ورئيس اللوبيين التعس المهزوم١١٦ هرب تحت ستار الليل وحيدًا، والريشة ليست على رأسه،١١٧ ولكن قدميه قد خانتاه (؟)، وأزواجه قد اغتصبت أمام وجهه، ومأكولات وجبته قد استولي عليها، ولم يكن لديه ماء في القربة ليعيش منه.

وكان مُحيَّا إخوانه يبدو مفترسًا يريد الفتك به، وقد تحارب ضباطه فيما بينهم، وحرقت خيامهم وتحولت إلى رماد، وكل متاعه صار طعامًا للجنود.

وقد وصل إلى بلاده محزونًا، وكل فرد كان قد تخلف في أرضه كان يستشيط غضبًا (؟) … الذي عاقبه القدر هو الذي يحمل الريشة الحقيرة!

هكذا كان يتحدث أهل كل مدينة عنه و«أنه صار تحت سلطان كل آلهة «منف»، ورب مصر قد لعن اسمه، و«أصبح مورداو»١١٨ لعنة «منف» يتناقلها ابن عن ابن من أسرته إلى الأبد؛ «وبنرع-محبوب-آمون»١١٩ يقتفي أثر أولاده، و«مرنبتاح-منشرح-بالصدق» قد نصبه القدر له.
وقد أصبح «مرنبتاح» أسطورة (؟) للوبيين، ليتحدث بها جيل عن جيل بانتصاراته قائلين: «هل سيكون ضدنا ثانية … رع.» وهكذا يقول كل شيخ لابنه: «وا أسفاه على لوبيا! لقد أصبح أهلها لا يعيشون بحالتهم الطيبة يمرحون في الحقول. ففي يوم واحد قضي على تجوالهم، وفي عام واحد فني «التحنو» وقد حوَّل الإله «سوتخ» ظهره١٢٠ عن رئيسهم، وخربت مساكنهم بسلطانه، ولا يوجد عمل لحمل … في هذه الأيام.١٢١ إنه لحسن أن يخبئ الإنسان نفسه، ففي الكهف سلامته.»

إنه رب مصر العظيم، والقوة والشجاعة متاعٌ له. فمن يجسر على الحرب الآن وهو يعلم كيف يخطو قدمًا؟

إن من ينتظر هجومه لغبي أحمق، ومن يتعدى على حدوده لا يعلم ما يخبئه له الغد.

ويقول الناس منذ زمن الآلهة إن مصر هي الابنة الوحيدة «لرع»، وابنه هو الذي يجلس على عرش «شو»،١٢٢ ولن يشرع أحد في التعدي على سكانها، وعين كل إله سترقب كل من ينهبها. ولا شك أنها ستقضي على أعدائها، ويقول … عن نجومهم وكل العقلاء عندما ينظرون إلى الريح.١٢٣ وقد حدثت أعجوبة كبرى لمصر؛ فكل من يهاجمها يصير أسيرًا في يديه (؟) بقرار مجلس الملك الذي يشبه الإله، وهو الذي قد حكم له بالفوز على أعدائه في حضرة «رع».١٢٤ و«مورداو» الخبيث الفعل، ولعنة كل إله في «منف» هو الذي قد حوكم في عين شمس ووجده التاسوع مجرمًا.
وقد قال رب العالمين:١٢٥ أعط السيف١٢٦ ابني المستقيم القلب، الشفيق «مرنبتاح-محبوب-آمون» الذي عني بمنف، ودافع عن «عين شمس»، وفتح البلاد التي كانت قد أغلقت ليطلق سراح الجم الغفير الذين كانوا معتقلين في كل إقليم، وليتمكَّن من تقديم قرابين للمعابد، وليجعل البخور يدخل أمام الإله، وليتمكن من السماح للعظماء ليحفظوا ممتلكاتهم ولصغار القوم ليعودوا إلى مدنهم.

وهذا ما يقوله أرباب «عين شمس» خاصًّا بابنهم «مرنبتاح-محبوب-آمون»: «سيكون له عمر كرع ليدافع عن الضعيف ضد كل أرض أجنبية. وجعل مصر فوق … للذي نصبه ليكون ممثله الدائم؛ ليتمكَّن من تقوية سكانها. انظر إن الإنسان يعيش «في أمان» في عصر «الملك» الشجاع، ونفس الحياة يأتي من يد الواحد القوي، والثروة تتدفَّق على الرجل الصالح، ولن يمتع مجرم بغنيمته (؟)، والثروة التي يحرزها الإنسان من طريق غير مشروع تقع في يد غيره لا في يد أطفاله.»

وقد قيل هذا: حينما أتى التعس الساقط «مورداو» اللوبي ليغزو جدران «تنن»١٢٧ الذي جعل ابنه الملك «مرنبتاح» يعتلي عرشه، عندئذٍ قال «بتاح» عن خاسئ لوبيا: لتنقلب كل ذنوبه جميعًا على رأسه، وليسلم إلى يد «بتاح» ليجعله يتقيأ ما ابتلعه كالتمساح. انظر، إن الأسرع عدوًا يلحق السريع، والملك يوقع في أُحبولته من يعرف قوته. إنه «آمون» الذي يحطمه بيده ليقدمه إلى روحه١٢٨ في «هرمنتس»١٢٩ إلى الملك «مرنبتاح».

وقد أشرق السرور العظيم على مصر، وانبعث الفرح من بلدان «الدميرة (مصر)»، وتتحدث الناس عن الانتصارات التي أحرزها «مرنبتاح» على «التحنو» (اللوبيين). ما أعظم حبهم للأمير المظفر! وما أكثر تعظيمهم له بين الآلهة! ما أسعده حظًّا رب القيادة! آه إنه لحسن أن يجلس الإنسان ويتحدث! والناس تغدو وتروح ثانية دون أي نق في الطريق، وليس هناك أي خوف في قلوبهم.

وقد تركت المعاقل وشأنها، وأصبحت الآبار مفتوحة،١٣٠ ومسالكها سهلة.

ومعاقل الحوائط أصبحت هادئة، ولا يوقظ حراسها إلا الشمس.

«وجنود» الماتوي١٣١ نيام راقدون بلا حركة، أما «النياو» و«التكتن» فإنهم يطوفون بالحقول حسب رغبتهم.
وماشية الحقول قد تركت تذهب جائلة بدون راعٍ وتعبر ماء النهر.١٣٢

وليس هناك نداء بالليل «قف. قف» (؟) بلغة الأجانب.

والناس يروحون ويغدون مغنين، وليس هناك صياح قوم يتوجعون.

والمدن أصبحت كرة أخرى معمورة، وذلك الذي زرع غلة سيأكل منها أيضًا.

لقد وجهه «رع» إلى مصر ثانية، وقد وُلد مقدرًا له حمايتها، هو الملك «مرنبتاح».

ويقول الرؤساء منطرحين أرضًا «السلام».

ولم يعد يرفع واحد من بين قبائل البدو «تسعة الأقواس»١٣٣ رأسه.

والتحنو قد خربت.

وبلاد خاتي أصبحت مسالمة.

وكنعان أسرت مع كل خبيث.

وأزيلت عسقلان.

و«جيزر» قبض عليها.

و«بنوام» أصبحت لا شيء.

وإسرائيل١٣٤ خربت وليس بها بذر.١٣٥
وخارو١٣٦ أصبحت أرملة لمصر.

وكل الأراضي قد وجدت السلم.

وكل من ذهب جائلًا أخضعه ملك الوجه القبلي والبحري «بنرع»-محبوب-«آمون».

ابن الشمس «مرنبتاح» منشرح بالصدق.

معطي الحياة مثل «رع» كل يوم.

(٦) قصيدة قصيرة عند تولية «مرنبتاح»١٣٧

افرحي أيتها الأرض قاطبة؛ قد جاء زمن الخير، فقد أُقيم سيد على كل الممالك، وأتى الشهود إلى مكانه، وهو الملك الذي يحكم «ملايين» السنين، عظيمًا في ملكيته مثل «حور» «بنرع»-محبوب-«آمون» الذي يفيض على مصر (يثقل) بالأعياد، ابن الشمس … «مرنبتاح» منشرح بالصدق. إيه يا أيها الأتقياء تعالوا وشاهدوا! قد قضى الصدق على الكذب، وخرَّ المذنبون على وجوههم، وكل الطمَّاعين قد ولوا أدبارهم،١٣٨ والماء ثابت ولا ينقص، والنيل يحمل فيضانًا عظيمًا، والأيام أصبحت طويلة، والليالي لها ساعات «معدودة»، والشهور تأتي في مواقيتها،١٣٩ والآلهة منشرحون وسعداء القلوب، والحياة تمرُّ في ضحك وعجب.

(٧) قصيدة في تولية «رعمسيس» الرابع١٤٠

هذه الأغنية وُضِعت في مديح «رعمسيس» الرابع. وقد وجدت مكتوبة على قطعة من شظيات الحجر الجيري كَتَبَها «أمنحت»، وهو كاتب من كتَّاب جبانة طيبة، والشعر كتب في السنة الرابعة من حكم هذا الملك، ولا نزاع في أنها أغنية في مديح للملك لأنه أعاد النظام إلى البلاد بعد القضاء على القلاقل الداخلية بتولِّيه على عرش البلاد.

المتن

ما أسعده من يوم! فالسماء والأرض في فرح؛ لأنك أصبحت رب مصر العظيمة. وهؤلاء الذين قد ولَّوا الأدبار رجعوا ثانية إلى مدنهم، والذين كانوا قد اختبئوا عادوا كرة أخرى إلى الظهور.

والذين كانوا جياعًا أصبحوا بطانًا سعداء، والذين ظمئوا صاروا مرتوين.

والعراة أصبحوا يلبسون ملابس الكتان الجميلة، والقذرون صارت لهم ملابس بيضاء.

والمسجونون أُطلِق سراحُهم، والذي كان في الأغلال صار مفعمًا بالسرور، والذين كانوا في مشاحنات في هذه الأرض أُصلح فيما بينهم، وأتت الفيضانات العالية من منابعها لتنعش قلوب الآخرين.١٤١
وبيوت الأرامل١٤٢ بقيت مفتوحة مستقبلة من كان على سفر، والعذارى يردِّدن أغانيهن الدالة على سرورهن.
وقد استعرضن متحليات١٤٣ وقائلات (؟): «… إنه يخلق جيلًا بعد جيل. أنت أيها الحاكم؛ إنك ستعيش إلى الأبد.»

والسفن تنشرح على البحر؛ لأنه لا أمواج فيه (؟) … وترسو على البر بالهواء وبالمجاديف.

وإنها لمنشرحة حينما نقول: «الملك حك-معات-رع» المحبوب من «آمون» يلبس التاج الأبيض ثانية.

وابن «رع-رعمسيس» قد تسلَّم وظيفة والده، وجميع الأراضي تقول له: «جميل «حور»١٤٤ على عرش «آمون» الذي أرسله إلينا، «آمون» حامي الأمير الذي يحفر كل أرض.»

(٨) تمنيات طيبة للملك١٤٥

فليمنح الحياة والفلاح والصحة! قد كتب هذا ليعلم به «الواحد»١٤٦ محبوب العدل في قصره، الأفق الذي يسكنه «رع».

حوِّلي وجهك إليَّ أنت يا أيتها الشمس المشرقة، التي تضيء الأرضين بجمالها، أنت يا شمس الإنسانية التي تمحو الظلام من مصر. إنك في طبعك كوالدك «رع» الذي يشرق في القبة الزرقاء، أشعتك تنفذ إلى الكهوف، وليس هناك مكان يخلو من جمالك. إنك تخبر كيف تصير الأمور في كل أرض، على حين أنك ترتاح في قصرك وتسمع كلمات كل الأراضي؛ لأن لك عشرات الألوف من الآذان، وعينك أكثر لمعانًا من النجوم في السماء، ونظرك أحدُّ من نظر الشمس، وإذا تكلم إنسان وفمه في كهف فإن كلامه رغم هذا يأتي إلى أذنك، وإذا حدث شيء خفية رأته عينك رغم ذلك.

آه يا «نبرع» محبوب آمون، يا رب الرشاقة الذي يخلق نفس الحياة.

•••

إن من يُنعم النظر في محتويات القصيدة الأولى وما جاء فيها من وصف الرخاء والسعادة والنعيم التي عمت البلاد عند تولية هذا الفرعون لا يلبث أن يرجع بذاكرته إلى تلك الصورة المظلمة القاتمة الموئسة التي قرأناها في وصف الخراب والدمار وما آلت إليه حالة البلاد من البؤس والشقاء وانقلاب الأوضاع الاجتماعية في تحذيرات الحكيم «أبور». وهي قطعة أدبية تعتبر من النماذج التي كان يسير على نهجها الكتَّاب والتلاميذ في عهد الدولة الحديثة.

لذلك لا نشك كثيرًا في أنها كانت أمام شاعرنا عند كتابة هذه القصيدة، غير أنه قد نسج على منوالها بصورة معكوسة، فالتعابير في كل منهما تكاد تكون واحدة في أسلوبهما، غير أن الأولى تصف لنا بؤس عصرها، والثانية تصور لنا رخاء زمانها ونعيمه.

أما الأنشودة الثانية فنجد فيها تأثير عقيدة التوحيد التي سنها «إخناتون» وحارب من أجلها، مع فارق هو أنه في مذهب «إخناتون» كان الإله الذي يناجي هو «آتون»، أما في قصيدتنا فكان الإله الذي يتضرَّع إليه ويتمدح باسمه هو إله الشمس القديم «رع»، وابنه هو الفرعون الذي كان يعتبر خليفته على الأرض؛ ولذلك كان يضارعه في كل أحواله وصفاته.

١  راجع: Sethe urkunden IV, 661 ff. & Erman, The Literature of the Ancient Egyptians, p. 254.
٢  يعود الملك منتصرًا إلى «طيبة»، فيخرج لمقابلته في موكب تمثال الإله ليحيِّيه، والقصيدة كلها مكتوبة لهذا الغرض؛ لتقال في مثل هذه الأعياد.
٣  اسم الملك الرسمي.
٤  يخرج في موكب من المعبد.
٥  قد جملت تمثالي الذي تراه، وسأقيم لك تمثالًا في المعبد اعترافًا مني بالجميل.
٦  وفقًا لأحد الآراء القائلة إن السماء مقامة على عمد.
٧  قبائل البدو التسع أعداء مصر.
٨  قبائل من البدو ضاربة بين مصر العليا والبحر الأحمر كانت تسلب المسافرين.
٩  نهر الفرات.
١٠  الصل.
١١  الصل الملكي يضيء كالشمس.
١٢  البدو ولصوص البحر … إلخ.
١٣  لمقابلتك.
١٤  الشمس.
١٥  الفلسطينيون.
١٦  أرض المشرق: بلاد العرب وما يقع بجوارها.
١٧  يحتمل أن يكون وباءً.
١٨  كريت أو جزء من سيليسيا. آسي: أرض ساحلية في شمال سوريا.
١٩  غير محقق موقعها، ويحتمل أن تكون في البحر الأبيض المتوسط.
٢٠  «حو» المنتقم ﻟ «أوزير»، ويجلس كصقر على ظهر «ست» المهزوم.
٢١  قوم يسكنون في إقليم بين مصوع وسواكن.
٢٢  الصقر.
٢٣  بلاد في أقصى الجنوب.
٢٤  «حور» و«ست».
٢٥  «إزيس» و«نفتيس».
٢٦  الجملة الأخيرة ملأى بالجناس، خمس كلمات مبتدئة بحرف (ﻫ) تأتي متتالية.
٢٧  راجع: Lepsuis Denkmaeler iii, 195 a, and Erman, Literature of the Ancient Egyptians pp. 258 ff..
٢٨  إله الحرب.
٢٩  كوم أمبو.
٣٠  زهوهم أو فخرهم.
٣١  الآلهة الثلاثة اللاتي بني لهن معبد «أبي سمبل».
٣٢  الآلهة الثلاثة اللاتي بني لهن معبد «أبي سمبل».
٣٣  الآلهة الثلاثة اللاتي بني لهن معبد «أبي سمبل».
٣٤  جزء من «منف» حيث يسكن الإله «بتاح».
٣٥  إني أختصر هذه الأسماء في الأبيات الأخرى.
٣٦  إلهة الحرب.
٣٧  وبهذه السرعة يجب أن يصلوا مصر.
٣٨  في الحقيقة هو نبات خفيف سريع الالتهاب.
٣٩  راجع كتاب المؤلف Le Poéme dit de Pentaour et Le Rapport Officiel sur la Bataille de Qadesh.
٤٠  كانت العادة أن يكتب ناسخ الوثيقة اسمه على البردي في نهايتها، وهذا لا يدل قطُّ على أنه مؤلفها.
٤١  Earl of Cromer, Modern Egypt, 540-541.
٤٢  ولا نشك في أن السبب في تشبيه الرجل الضخم في عصرنا بالفرعون قد أتى عن هذا الطريق، وكذلك من التماثيل الضخمة التي نشاهدها للفراعنة بالنسبة لتماثيل عامة القوم.
٤٣  هذه النقطة كانت غامضة قبل جمع نصوص القصيدة، ولكنها أصبحت الآن مفهومة جلية.
٤٤  مملكة «الخيتا» هي ما يقابل الآن الجزء الأعظم من آسيا الصغرى.
٤٥  ما يقابل الآن بلاد النهرين؛ أي «ميسوبوتاميا».
٤٦  بلدة «أرواد» الحالية، على الساحل الفينيقي.
٤٧  إقليم لا يعرف موقعه بالضبط، ويحتمل أنه في إقليم «كاري Carie».
٤٨  إقليم موقعه الدردنيل الحالي.
٤٩  إقليم في سوريا لا يعرف موقعه بالضبط.
٥٠  موقعها الآن سليسيا أو كليكليا (؟) في آسيا الصغرى.
٥١  هو إقليم ليسيا Lycie في آسيا الصغرى.
٥٢  يقابل بلدة قرقميش في شمال سوريا.
٥٣  يقابل البلاد الواقعة بين خليج «أسوس» ونهر الفرات.
٥٤  بلدة محصَّنة على نهر «الأرنت» (العاصي)، ويسمى الآن «تل بني مند».
٥٥  إقليم في سوريا شمالي «قادش» شرقي نهر «الأرنت».
٥٦  لم يعرف موقعها بالضبط، ويحتمل أنها في شمالي سوريا في آسيا الصغرى.
٥٧  حصن على الحد الشرقي من الدلتا.
٥٨  مدينة في لبنان.
٥٩  هو النهر الواقعة عليه بلدة «قادش»، وهو نهر العاصي.
٦٠  ما يقابل الآن بلاد النهرين الواقعة بين دجلة والفرات.
٦١  إقليم في بلاد الفينيقيين، وتؤحد عادة ببلدة «أرواد».
٦٢  قريبة من «بداسا» السالفة الذكر بآسيا الصغرى.
٦٣  «قازاودن»: طرسوس في كليكليا (بآسيا الصغرى).
٦٤  «نوجس» بلدة بلبنان الجنوبية.
٦٥  هو الإله «ست» الذي كان يعتبر إله الحرب في ذلك الوقت، وقد ذهب عنه وصف إله الشر في ذلك الوقت؛ ولذلك سمي باسمه الملك «سيتي» الأول؛ أي المنسوب إلى الإله «ست».
٦٦  هي بلاد الأموريين في فلسطين (جليليا) غربي البحر الميت، ويقول عنها «أرمان» إنها بلاد «آمور» على الساحل الفينيقي.
٦٧  من الخيمة.
٦٨  أي ساعة غضبه.
٦٩  «أرونا» هي بلدة طروادة Troy.
٧٠  خرب: حلب.
٧١  هنا تبدأ القصيدة بحق، ومعظمها عبارة عن محادثات للملك.
٧٢  يقصد «الكرنك» بوجه خاص.
٧٣  «أرمنت» بلدة واقعة جنوبي «طيبة»، ولكن من المحتمل أنه يقصد بها هنا «طيبة» ذاتها.
٧٤  وهذا ما نشاهده في النقوش عن هذه الموقعة، فإن عددًا كبيرًا من الجند قد أغرقوا في نهر «الأورنت» (العاصي).
٧٥  الملك؛ إذ إن ثعبان التاج (الصل الملكي) يبصق لهبًا.
٧٦  ومعنى ذلك أن الملك عطف على طبقة الجنود أكثر من أية طبقة أخرى، والحق أن أسرته قد اعتمدت عليهم كثيرًا.
٧٧  وقد أقام لهم مساكن تأوي المشاة والفرسان على السواء.
٧٨  عمل ودي.
٧٩  بالجثث وملابسهم البيضاء.
٨٠  القتلى.
٨١  حامي مصر هو اللقب الثاني من ألقاب «رعمسيس الثاني».
٨٢  الإلهة «موت» زوجة «آمون»، وتمثل بإلهة الحرب «سخمت».
٨٣  إذا كانت هذه الملاحظة تعود على السقاة، فهي تفسر إذن سبب عدم ذكرهم في القصيدة قبل ذلك.»
٨٤  إلهة الحرب.
٨٥  اسم «رعمسيس الثاني».
٨٦  عندما استراح إله الحرب بعد النصر.
٨٧  المعنى المحتمل: في استطاعتك أن تتمتع باحترام الناس في السلم، وفي أوقات أخرى يكفيك خوفهم منك.
٨٨  أمير الخيتا.
٨٩  بعد الموقعة عقد الصلح مبدئيًّا، أما معاهدة الصلح الحقيقية فلم تُبرَم إلا بعد ١٦ سنة.
٩٠  ولو أخذنا بقول الأستاذ «يونكر» فلا بد أن «رعمسيس» قد بنى لنفسه جزءًا خاصًّا باسمه.
٩١  راجع: Pap Anastasi 11, I.I ff.
٩٢  يسكنها الملك نهارًا وليلًا.
٩٣  نعوت رسمية تشير إلى أنه يؤدي وظائف أكبر الموظفين، فالإدارة كلها كان يقوم بها هو شخصيًّا.
٩٤  تقع «كدي» في الشمال، ومن المحتمل أن تكون «كليكيا».
٩٥  كان المصري ينظر بشيء من الاحتقار إلى البلاد التي تعتمد عليه، فالإله — وهو «رعمسيس» الثاني — كان في قدرته أن يمنع المطر عن الخيتيين.
٩٦  إله الشمس «رع».
٩٧  الإله «ست» في سفينة الشمس التي يحميها من أعدائها.
٩٨  طريق قصره.
٩٩  «ست» إله الحرب، أو الإله «أوزير».
١٠٠  هو الذي يحمي جنده بدل أن يحميه جنوده.
١٠١  يظهر نبيلًا في الموقعة مثل «آمون».
١٠٢  اسم لإله الشمس، ويقصد بالبيضة هنا التي خرج منها.
١٠٣  الخاتم: هو الخرطوش الذي يحوي اسم الملك.
١٠٤  أسماء بلاد لا يمكن قراءتها.
١٠٥  أيدي القتلى المقطوعة، وقد حملها الملك معه علامة على انتصاره.
١٠٦  يقادون إلى المعبد عبيدًا له.
١٠٧  مختصر اسم «رعمسيس» الثاني (مدلل).
١٠٨  راجع: Pap Anastasi III, 7,2 ff، وقد ترجمها «جاردنر» في: Journal of Egyptian Archaeology, V. pp. 186 ff.
١٠٩  تقع على الحدود.
١١٠  بين فصائل حاملي الأقواس.
١١١  أول من ترجمها سبيجلبرج. انظر كذلك Breasted Ancient Records, III. pp. 256 ff. &, Peet, The Literature of Egypt, Palestine and Mesopotamia p. 74 ff.
١١٢  مصر.
١١٣  لأن الضغط عليهم كان شديدًا، إلا أن «بتاح» ظهر للملك في الحلم وأمره بأن يتشجَّع.
١١٤  من القبائل اللوبية.
١١٥  حتى يسهل الفرار.
١١٦  صفة لازمة على الدوام للرؤساء الأجانب المهزومين.
١١٧  العلامة المميزة للوبيين.
١١٨  اسم الرئيس.
١١٩  اسم الملك.
١٢٠  اسم آخر للإله «ست» الذي أخذ الآن مظهرًا حربيًّا.
١٢١  قد يكون هذا عمل اللوبيين السلمي، فقد كانوا حمالين للقوافل.
١٢٢  إله الهواء، وهو ابن «رع».
١٢٣  يحتمل أن كل الفقرة فاسدة التركيب، ويحتمل أن المقصودين هنا هم المنجمون والسحرة.
١٢٤  كل القطعة تتفق مع محاكمة «حور» و«ست» في «هليوبوليس»، حيث قامت براءة «حور» وإدانة «ست».
١٢٥  «رع».
١٢٦  وازن ذلك بما جاء في النقوش البارزة التي تمثل إلهًا يعطي الملك هذا السلاح الذي يشبه المنجل.
١٢٧  «منف» مدينة «بتاح تنن».
١٢٨  يعتبر الملك كجزء من الشخص الإلهي.
١٢٩  أرمنت.
١٣٠  المقصود محطات الآبار المحصنة في الصحراء.
١٣١  اسم قبيلة نوبية يشتغل رجالها جنودًا وشرطة عند المصريين.
١٣٢  الذي يحد مراعيها، ولم تسرق كذلك على الجانب المقابل لهذه المراعي.
١٣٣  اسم قديم لجيران مصر المعادين لها.
١٣٤  هذا هو أول عهدنا باسم «إسرائيل»، بل هي المرة الوحيدة التي ذكر فيها الاسم في نص مصري، وبموازنته بأسماء أخرى نجد أن كلمة «إسرائيل» كتبت لتدل على شعب لا على بلد؛ وعلى ذلك فإن الكاتب قد اعتبر الإسرائيليين قبيلة بدوية تقيم في فلسطين.
١٣٥  تشبيه كثير الاستعمال لبلدة خربت.
١٣٦  فلسطين.
١٣٧  راجع: Pap. Sallier I. 8-9.
١٣٨  يحتمل أن يكون هذا دليلًا على سبق وجود منازعات بشأن اعتلاء العرش.
١٣٩  حتى الفيضان الحسن والأزمنة التي تأتي بانتظام في مواقيتها، كلها تُعزَى إلى الملك الجديد بسبب رضاء الآلهة عنه.
١٤٠  راجع: Ostracon in Turin & Rec. de Trav. II. p. 116.
١٤١  الأجانب أو الأهالي فقط (؟).
١٤٢  يحتمل كذلك النساء غير المتزوجات. وعلى كل حال فالمعنى هو أنهن سلمن أنفسهن.
١٤٣  حرفيًّا: متحليات بالذهب.
١٤٤  أي الملك.
١٤٥  راجع: Pap. Anastasi II. 5. 6. ff & Ibid IV. 5. 6 ff.
١٤٦  أي الملك.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤