أفنَيتُ عُمْرِيَ واقِفًا

قِفا

قِفا إنني أفنيتُ عُمريَ واقِفَا
أفكِّرُ فيما ينبغي أن أُقارِفا
حَسَبتُ مَسيري عبرَ أيِّ قصيدةٍ
إلى الناسِ فاستدبرتُهُمْ مُتَجانِفَا
فمَن أنتُما؟ لم أخلَعَنْ بعدُ مِعطَفي
وثالوثُنا في الأرضِ يُلقي المعاطِفا!
لعلَّكُما مِن بَثْنةِ الحُزنِ جئتُما
تَزينانِ لي دمعي وما كنتُ ذارِفَا!
لعلَّكما من بعضِ أسلافِ واقفٍ
تَبُثَّانِني فَخرًا بما كانَ آنِفَا
أمَ انَّكُما رُوحانِ مِن لُجَّةِ العِدَى
تُريدانِ أن أَهجُو المياهَ الطَّوائِفا؟!
أنا غَزِلٌ راثٍ فخورٌ ومادِحٌ
وهاجٍ وأبقى بعدَ ذلك آسِفَا
فإنَّ حُروفي حين يقذِفُها فمي
يُكابِدُ أنفي تِلكُما الرِّيحَ راعِفَا
فأينَ بداياتي؟ ألا مُتَدارَكٌ
لِخُسري الذي ما زالَ بي مُتَضاعِفَا؟
جُيوبُكُما مَلْأى بشِعري فأفرِغا
جيوبَكما من حنظَلي لستُ ناقِفَا
وألمَحُ في طِيَّاتِ ما قد نَضَوتُما
كِناياتيَ الأولى وتلكَ الزَّخارِفا
فمهلًا أديراها عليَّ فإنَّ بي
حنينًا إلى ما كنتُ في العُمرِ سالِفَا
أرَى حُمُري سِربًا حَوافِرُها بَغَت
بشِعري الذي سوَّدتُ منهُ الصَّحائِفا
كأنِّي أراني منذُ عشرٍ يقودُني
ذُهولي فأكْسُو كلَّ معنًى حَراشِفَا
ويَهمِزُني الموتُ الوشيكُ فأرتدي
قصيدَ الشَّواتي حينَ أَصْلَى الصَّوائِفا
كأني أرى والمُلهِماتُ يَصُغنَني
صَدًى ذهبيًّا كاذِبَ الوعدِ زائِفَا
فأقفِزُ مِن حُبٍّ مَطُولٍ إلى الذي
يَليهِ ويَرضَينَ القُعُودَ خَوالِفَا!
وعَينَيْ فتاةٍ قُلتُ أشياءَ فيهِما
ولم أرَها إلَّا كِتابًا وهاتِفَا
وأُخرَى تصَدَّت لي بألفِ قصيدةٍ
ولم تقترِبْ حتَّى شَكا الجُرحُ نازِفَا

•••

قِفا هل تَشيمانِ البُروقَ الكواشِفا؟!
لقد أظلَمَت والليلُ أقبلَ دالِفَا
فلَم يُرَ شيءٌ من حقيقةِ مَوقِفي
وعُمِّيَتِ الأغراضُ فاجتزتُ زاحِفَا
أنا خاطِفٌ بِلْقيسَ رُوحي وعَرشَها
لتَكشِفَ ما لم يَكشِف البرقُ خاطِفَا
كذا بِتُّ يُورِي زَنْدَ عُمريَ هُدهُدٌ
نَبِيٌّ سُلَيمانٌ فأصبَحتُ آصِفَا!
عَليَّ مَسيرٌ نحوَ ذاتي أحُثُّهُ
وما فَتِئَ الميقاتُ يُعلِنُ آزِفَا
وما فَتِئَ المضمارُ يُنبِتُ شَوكَهُ
وعالَمِيَ الوغدُ الحَرُورِيُّ عاصِفَا
وَجٍ وَحِلٌ لكنَّ أوراقَ جَنَّتي
تَلوحُ فأجنيها لِنَعلَيَّ خاصِفَا
وأَطْلي بما يُهْريقُهُ الشَّوكُ مِن دَمي
جَبيني لِيَعدُو مَن يَرانِيَ راجِفَا
تصَعْلَكتُ أشواطًا لأَثبُتَ حاكِمًا
بَني جِلدَتي الأشباحَ حُكمًا مُخالِفَا

•••

عليَّ مَسيرٌ وِجهَتي فيهِ قِبلَتي
إلى اللهِ ذِي العَبدِ الذي ظَلَّ عاكِفَا
يُراقِبُ ظِلَّ العَرشِ أبيَضَ مُبهرًا
مَجيدًا جَليلَ الوَقعِ فَينانَ وارِفَا
فما زاغَ ما أرسلتُ مِن بصَرٍ وما
طَغَى بَيدَ أنَّ الظِّلَّ قد سالَ جارِفَا
فهل زورَقي ناجٍ؟ وهل لي إذا نَجا
وُصولٌ إلى شُطآنِ قُدسِكَ عارِفا؟
غَرَفتُ مِن اللُّجِّيِّ هَيمانَ، وانتبَهْـ
ـتُ قد شَرِقَت رُوحي، فيا لِيَ راشِفا!

•••

قِفا كاد قُرصُ الشمسِ يَغرُبُ مُهلِكًا
نُضَارَ نَهارَيكُم تَليدًا وطارِفَا
وغيمتُنا سارَت وَئيدًا وهَدَّدَت
بقتلِكُما صَبرًا فأمسيتُ خائِفَا
قِفا أيُّها الظِّلَّانِ فالقَلبُ واجِفٌ
ألا رَحمةً لي مِن وُقوفِيَ واجِفَا؟!
قد ائتَمَرُوا بي أينَ رُمحي؟ لأرفَعَنْ
على نَصلِهِ من ذِكرَياتي مَصاحِفَا
لعلَّ نَهارًا قادمًا سيُظِلُّني
بظِلَّينِ يَحمُومَينِ أدعوهُما: «قِفا»!
الاثنين
٢٦ / ٥ / ٢٠١٤م

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤