مقدمة

النوم معجزة من معجزات العالم تتكرَّر كل يوم.

ومن أعجب الأشياء أن يرى الإنسان نفسه مضطرًّا في كل أربع وعشرين ساعة إلى الاستلقاء في وضع أفقي يَفقد فيه وعيه عن قصد وعلم في الثماني الساعات التالية … حين «يَكلُ العالمَ إلى الظلام» ورجال الأمن، ويطرح جانبًا مسئولياته، وأطماعه وهواجسه، ويَستسلِم إلى غمرة من النسيان الحسي، وهكذا نهجر مختارين العالم الذي ألفناه بما فيه من تجارب وذكريات مارسناها زهاء نصف قرن أو نحوه إلى عالم من الخيال صنعناه بأيدينا، عالم لا يُشاركنا فيه عقل آدميٌّ آخر.

وصلة عالم الأحلام بالعالم الذي فارقناه توًّا صلة ضعيفة أو معدومة، فإن وجدت بينهما صلات قليلة فهي مضلِّلة إلى حدٍّ بعيد، ولا يُستطاع التنبؤ بها قبل وقوعها، وهذه الظلمة التي تكتنفنا خلال النوم لا يجلوها إلا ضياء يختلف عن النور الذي تألفه. وفي ذلك يقول بيرن في قصيدته «الأحلام»:

للنوم عالمه الخاص، وهو برزخ بين حالتين أطلقنا عليهما خطأً اسمي الموت والحياة.

وقد يكون من الخير أن نبحثَ هنا في العوامل التي تؤدِّي إلى النوم الصحي، وأن ندرك الصلة بين النوم السويِّ والنوم الشاذِّ، وأن نتعرف منشأ الأحلام وكُنهَها، وأن نتنبأ بما سيكون للنوم من شأن عظيم في عالم الغد المُستتر.

أما الآن فإن دراسة القواعد الصحية التي ينبغي اتِّباعها لا تَلقى مِنَّا العناية الكافية، وهي لم تلقَ هذه العناية في الماضي، وإن كانت هذه القواعد لا تقلُّ شأنًا عن قواعد التهوية والتغذية.

ويدلُّك على ما للنوم من شأنٍ خطيرٍ أننا نُشير في مناسبات كثيرة في حياتنا اليومية إلى ما يتَّصل بالنوم بسبب؛ فأحسن تحية نقدِّمها لضيفنا ليلًا هي أن نتمنَّى له نومًا هنيئًا وأحلامًا سارة، وأول ما نسأله عنه في الصباح هو هل تمتَّع بنومٍ مُريح؟ والطفل وهو نائم هو الطهر المجسَّم، والبراءة بأجلى معانيها، والحسناء يُضفي عليها النوم غلالة من السحر والفتنة لا نظير لهما، والعاشق يبتهل إلى النهر الجاري ألا يُعكِّر على عشيقته صفو أحلامها. فقد جاء في أناشيد بيرنز Burns أعظم شعراء الغزل والهوى بلا منازع قوله: «وأن تنساب أيها النهر العزيز أفتون Afton في رفق ولين، فلا توقظ حبيبة الفؤاد من حلمها.» وهل ثمَّة أعذب من أن يتمنَّى العاشق ألا يتخلَّل نوم عشيقته أحلام، إلا أن تكون مما يُزجي السرور والفرح إلى الفؤاد.
ولقد اتَّخذ الرومان للأحلام إلهًا هو مورفيوس Morpheus أحد أبناء سمنس Somnus.١ والاسم الأول مُشتقٌّ من اللفظ اليوناني Morphe وهو يشير إلى الأشكال والأخْيِلة التي تتراءى للنائم في الحلم؛ ولذا كان من الطبيعي أن يستعملوا كلمة Morphias للدلالة على العنصر المنوِّم في عصير أزهار الخشخاش.

وكان المتوحِّشون في أقدم العصور يَعتقدون أن حالة النوم تنطوي على معانٍ عظيمة سامية، شأنهم في ذلك شأن همج العصور الحاضرة، فقد وقَر في ذهن الأوَّلين أن النفس أو الرُّوح تغادر الجسم فعلًا لتضرب في أرض الأحلام، حتى إذا استيقظ النائم عادتْ مرةً أخرى إليه، ويرى الهمج الذين لا يَعرفون شيئًا عن وظائف الأعصاب أن ثمَّة تشابُهًا كبيرًا بين حالتي السبات والموت، وأن كل ما بين الاثنين من فارق أن انفصال الروح عن الجسم في حالة الموت انفصال أبديٌّ.

١  يصوِّرونه في الرسوم اليدوية كابن الليل وشقيق النوم، وهم يرسمون النوم والموت معًا على هيئة غلامَين نائمين أو قابضين على مشطين مقلوبي الوضع.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤