الفصل الثاني

النوم من الوجهة الصحية

نستطيع أن نقول الشيء الكثير في هذا الموضوع، ولكن الكثير منه لا تحتاج معرفته إلى أكثر من الإدراك الفِطري العام.

من ذلك ما يَعرفه الناس عامة من أن صحَّتهم توجب عليهم أن يكون لحجرات نومهم اتصال مباشر بالهواء الخارجي؛ بحيث يُستطاع فتح نافذتها إذا لم يؤدِّ فتحها إلى برودة هوائها إلى حدٍّ يُصبح معه النوم فيها غير مُستطاع، وكثيرًا ما تسبِّب الحجرة التي لم يجدَّد فيها هواء الأمس الفاسد مرض السلِّ؛ وهو مرض من أمراض حُجَر النوم، ومن أشد الأماكن خطرًا على الصحة تلك الجحور القريبة من أسطح المنازل أو أركان البيت التي كان الخدم ينامون فيها في الأيام الماضية، ويَحسُن أن تكون حجرة النوم حجرةً تدخلها الشمس؛ وذلك لأن ضوء الشمس مُطهِّر لها قاتل لكثير من جراثيم الأمراض، ويجب أن يغمرها الضوء والهواء في النهار، ويجب حين تنظيفها ألا يُثار غُبارها بمكنسة، بل أن يُزال منها بخرقة مبلَّلة أو بآلة منظِّفة مفرغة من الهواء.

ويجب أن تُراعى هذه الملاحظات كلها في مخادع الأطفال، بل هي في هذه المخادع ألزم منها في حُجر الكبار؛ لأنَّ في وسع هؤلاء أن يَنجوا مما لا يستطيع أن ينجو منه الأطفال، ويجب أن يُمكَّن الأطفال بنوع خاص من أن يناموا وقتًا طويلًا، وينبغي ألا يُوقَظوا من نومهم ليستذكروا دروسهم أو يكتبوا واجباتهم ومَعداتهم خالية قبل الفطور. لقد كانت هذه الوسائل القاسية المضرَّة بالصحة شائعة في مدارس الأزمنة الماضية، وكان منشؤها بطبيعة الحال جهل القائمين عليها بوظائف الأعضاء، وكان من ضروب القسوة «المهذبة» أن ينتزع الأطفال من فراشهم الدفيء ويُؤمروا بارتداء ملابسهم على الفور، وكثيرًا ما يكون ذلك في البرد والظلام، ثمَّ يخرجون من بيوتهم ليَذهبوا إلى حُجرات الدراسة الباردة «ليتلقَّوا دروسهم، أو ليعزفوا على البيان.» تلك كانت حال المدارس في الماضي، أما الآن فقد أصبح المعلِّمون أعرف بقواعد الصحة من أسلافهم؛ ومن أجل ذلك أصبحت المدارس أكثر ملاءمةً للصحة، وأضحى البنون والبنات «يحبون» العودة إلى مدارسهم، ولو أنَّ إنسانًا تنبَّأ من خمسين سنة بأن الأطفال سيذهبون إلى المدرسة طائعين راضين لعُدَّ هذا منه جرأةً غريبةً.

أما عن تخصيص الوقت الكافي للنوم في جدول الدراسة، فحسبنا أن نورد هنا ما يقوله المرحوم الدكتور كلمنت ديوكس Clement Dukes ناظر مدرسة رجبي Rugby في هذا الموضوع.
سن الطفل عدد الساعات التي تلزمه أنسب الأوقات
من إلى
الأطفال الذين يقلُّون عن ٦ سنين ١٣ ٦ مساءً ٧ صباحًا
الأطفال الذين ما بين السادسة والسابعة ١٢٫٥ ٣٠ : ٦ مساءً ٧ صباحًا
الأطفال الذين ما بين ٧ و٨ ١٢ ٧ مساءً ٧ صباحًا
الأطفال الذين ما بين ٨ و٩ ١١٫٥ ٣٠ : ٧ مساءً ٧ صباحًا
الأطفال الذين ما بين ٩ و١٠ ١١ ٨ مساءً ٧ صباحًا
الأطفال الذين ما بين ١٠ و١٣ ١٠٫٥ ٣٠ : ٨ مساءً ٧ صباحًا
الأطفال الذين ما بين ١٣ و١٥ ١٠ ٩ مساءً ٧ صباحًا
الأطفال الذين ما بين ١٥ و١٧ ٩٫٥ ٣٠ : ٩ مساءً ٧ صباحًا
الأطفال الذين ما بين ١٧ و١٩ ٩ ١٠ مساءً ٧ صباحًا
وما أصدق قول مور Moore: «وشرُّ وسيلة لإطالة النهار أن تضمَّ إليه ساعات قليلة تسرقها من الليل.»

وذلك قول صحيح لا شكَّ فيه، وإذا كان بعض العظماء وذوي العقول الكبيرة قد استطاعوا أن يقضوا حياتهم في هذا العالم من غير أن يناموا فيه إلا قليلًا، فإنَّ أولئك يجب ألا يُتَّخذوا أمثلة يَنسج العامة على منوالهم. لقد كان أولئك رجالًا جبابرة لا يصحُّ أن يُقلِّدهم من هم أقلُّ منهم ذكاءً وأضعف منهم عقولًا.

وفي وسعنا أن نُجمل الكلام على النوم من الوجهة الصحية في موضوعَين؛ هما: منع الأرق، وعلاجه. وسنبدأ بالكلام على الأرق الناشئ عن أسباب آلية أو شبيهة بالآلية، فنقول: إنَّ الحشية (المرتَبة) يجب أن تكون من النوع «القفاز»، ومن الحشايا السلكية أنواع جيدة على جانب كبير من المرونة، وقد أحسن المُجتمع بنبذ المراتب المحشوَّة بالريش التي كانت شائعةً في الأيام الماضية، والتي كانت شديدة الضرر من الوجهة الصحية.

وخيرٌ للإنسان أن يلتفَّ في ملاءات من أن يلتفَّ في بطاطين؛ وذلك لأن تنظيف الأول أسهل من الثانية. أما المُصابون بداء الرثية فيَحسُن بهم أن يلتفُّوا شتاءً في بطاطين جافة تُعرَّض للهواء، وفي الأسواق الآن أنواع منها ملساء لينة غاية في الجودة والأناقة. وقلة الملابس فوق ما يجب تمنع النوم كما تمنعه كثرتها. وبرودة القدمَين من أسباب الأرق المؤلم، ويُستطاع معالجة هذه الحال بتدفئة القدمَين بقِرَب المطاط المملوءة بالماء الساخن، ولا موجب للخوف من تشقُّق القدمين بسبب استعمالها لهذا الغرض؛ لأن سبب هذا التشقُّق في بنية الجسم نفسه؛ أي أن الأشخاص القابلين لهذا الداء تتشقَّق أقدامهم سواء استعملوا هذه القِرَب أو لم يستعملوها. ويلوح أن من السُّخف إضاعة عدة ساعات من الوقت المخصَّص للنوم في انتظار دفء القدمين دون استعانة بالتدفئة المُصطنعة.

غير أن أكثر حالات الأرق إنما تنشأ من أسباب عقلية كنَشاط المخِّ المُفرط عند الكُتَّاب والمُمثِّلين ورجال العلم والمفكِّرين بصفة عامة، كما أن بعض حالاته تنشأ من الانفعالات التي عاناها الشخص قبيل النوم.

وعلاج هذه الحالات كلها يقوم على أساسٍ واحد؛ وهو أن يحاول الإنسان تقليل الدم في المخ بانتقال بعضه إلى أجزاء أخرى من الجسم.

وفي وسعنا أن نُحاولَ أوَّلًا جعل الدم الزائد يَنتقل من المخ إلى المعدة، والسبيل إلى ذلك أن يتناول الإنسان أكلةً دافئة سهلة الهضم غير كبيرة الحجم قبل النوم بزمن قليل، ويجد بعض الناس أنهم إذا آووا إلى فراشهم ومَعِداتهم خالية تعذَّر عليهم أن يناموا؛ ولهذا يضعون إلى جانب سريرهم لقيمات قليلة يأكلونها قبل النوم. ومن أفيد الوسائل لجلب النوم تناول كوب كبير من اللبن الساخن قُبيل الذهاب إلى الفراش، ويجب أن يبدأ الناسُ بهذه الوسيلة قبل أن يلجئوا إلى العقاقير المنوِّمة، وقد لا يحتاج انتقال الدم من المخ إلى الجلد إلى أكثر من حمام ساخن قبل النوم بقليل، وقلَّما يكون هذا الاستحمام سببًا في تنبيه القلب وزيادة سرعته ومنع صاحبه من النوم. ويَعرف الرياضيون ما للتدليك من أثر في تهدئتهم وجلب النوم لهم بعد الحمام الساخن؛ وسبب ذلك أن الحمام الساخن والتدليك مجتمعَين يُزيلان ما يصيب العضلات من تصلب وألم بسبب إجهادهما الطويل، والتدليك وحده مُسكِّن ذو أثر عجيب.

وإذا امتنع النوم عن إنسان لأنه يحاول أن ينامَ في حجرة فاسدة كان يَشتغل فيها طوال يومه (كحجرة النوم التي تُستخدَم للجلوس، أو للعمل، أو للدرس)، فقد يكفيه لعلاج هذه الحال أن يسيرَ على قدميه في الهواء الطلق سيرًا نشيطًا بعض الوقت؛ وذلك أن هذه الرياضة تنقل الدم من المخ إلى الجلد والعضلات. وإذا كان امتناع النوم ناشئًا من قلة الرياضة فإن مشية في المساء تكفي في الغالب لعلاج هذه الحالة. أما الأرق الناشئ من الانفعالات النفسية فخيرُ ما يمكن أن نصفه لعلاج أسبابه هو القول المأثور: «إياك أن تغربَ الشمس عليك وأنت غضبان.»

وكثيرًا ما يسأل الأطباء: «هل ينام الإنسان على جانبه الأيسر أو الأيمن؟» والجواب أنه إذا كان لا بدَّ للإنسان أن يختار بين الجنبَين، فقد يكون الأفضل له أن ينام على جانبه الأيمن، وليس السبب في هذا هو ما يَذكُره الناس عادةً؛ إذ يقولون إنه يحسن أن يكون النوم على الجانب الأيمن لأنَّ المعدة في هذا الوضع يَسهل عليها أن تُفرغ ما بها أكثر مما لو كان النوم على الجانب الأيسر، وليس هذا القول صحيحًا؛ لأنَّ تفريغ المعدة لا صلة له بالوضع الذي ينام عليه الإنسان بحال من الأحوال، بل الذي يعمل على تفريغها هو انقباض عضلاتها، وهذا الانقباض لا يتأثَّر مُطلَقًا بالجاذبية.

أما السبب الصحيح فهو أنه قد يكون من الخير ألا ينام الإنسان في وضع يعوق عمل القلب، والقلب كما هو معروف مستقرٌّ في الجانب الأيسر، على أن كثيرًا من الأطباء يرون أنه يجب أن يُعوَّد الأطفال النوم في جميع الأوضاع، على جُنوبهم اليمنى واليسرى، أو على ظهورهم أو وجوههم حسبما يشاءون، وأن يُشجَّعوا على ذلك من الصغر.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤