حين كان الحب أعمى

كنت لا أزال في نشوة الحب، وأُغمض عينيَّ حين يُلامسني الحب فلا أراه، وأحسُّ قلبي كبيرًا بحجم قرص الشمس، وجسدي محارةٌ تتفتح للشوق، وهواء البحر يُوقظ حواسي الخمس، وصوته في أذني كالهمس، يأتيني من بعيد كنداء الأم، وأنوار النجوم في الليل كفصوص الماس. وكنت لا أزال أسير في طابور الممرضات، وأحمل لقب الخادمة المثالية، وأهتف في عيد النصر: «الله والوطن والإمام.» وفي غمرة الحب والحماس نسيت أن أختي ماتت بالحب، وأخي ذهب إلى الحرب ولم يعد، وقلت الحب هو الحياة وليس الموت، والحرب من أجل الوطن هي الحب، وفي جبهة القتال رأيتني واقفةً وسلاحي على كتفي، جاهزة للموت أصوِّب الطلقة للأعداء، وفي الليل أركض إلى جوار الزملاء، أركض وأركض، وفي الخندق أختبئ ثم أعود أركض، وفي الخندق أختبئ ثم أخرج من بطن الأرض أركض وأركض، وفي الظلمة أرى وجه العدو. أعرف الوجه لا أخطئه. أصوِّب الطلقة في نقطة الوسط بين العينَين وأضغط على الزناد. يسقط الوجه إلى الأرض، ومن خلفي أسمع وقع الأقدام تدبُّ بأحذيةٍ حديدية. أظن أنهم الأعداء فأركض وأركض. وعند منعطف الطلعة بين البحر والنهر أتوقَّف؛ فهذه منطقة الأمان. أعرف المكان، وأعرف رائحة الشجر والماء، وأسير بخُطًى بطيئة أستنشق الهواء، وأسمع من خلفي وقع الأقدام. قلت إنهم الأصدقاء لا بد وجنود الوطن، وفي مقدمتهم رئيس الأمن ومعه الوسام يحمله إليَّ نيابةً عن الإمام. وحين أصابتني الطعنة في ظهري استدرت وتساءلت باندهاش:

لماذا تضربوني وقد ضربت العدو؟ قالوا: إنه الصديق وليس العدو.

قلت: كان هو العدو بالأمس.

قالوا: كان ذلك الأمس، واليوم غير الأمس.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤