بنت الله مع الإمام

ليلة العيد والفرح لم يكن هو اختياري. ساقوني إليه في يدي سلسلة، ومن حولي ثوبٌ أبيض بلون أرواح الملائكة وكفن الموتى، وفي سريرٍ مزركش من الرخام الغالي كقبور الملكات، وجدت نفسي عاريةً كما ولدتني أمي، وتذكَّرت، لم أرَ أمي منذ وُلدت، وفي بيت الأطفال كنت أمشي في النوم، أبحث عن وجهها في الظلمة، وفي الحلم أسمع صوت الله كصوت أمي يُناديني فأجري إليه أعانقه، أحتمي في صدره من أرواح الجان والشياطين، وأنام الليل والله معي، وأصحو في الصباح ومعي المسيح. أحسُّه في أعماقي يتحرك بأرجلٍ ناعمة كالقطيفة. أحوطه بذراعي من تحت جدار البطن، وأرفعه إلى أعلى تحت ضوء الشمس ليراه الله والوطن والإمام. أبتسم في الوجوه والوجوه لا تبتسم. تتقلب العيون داخل الجفون، وتسقط الوجوه من فوق الرءوس، وتصبح الرأس حمراء بغير شعر، والوجه يُغطيه الشعر، والصوت الناعم الحنون يصبح عواء الذئب يُطاردني في النوم، وأنا أمشي في الظلمة أبحث عن أمي، ومن خلفي أسمع الصوت يدوِّي كصوت الشيطان، وأنا أجري وأقدام كثيرة من ورائي تجري، مائة قدم أو ألف كدبيب جيش لا يكف، مائة يد أو ألف تمتدُّ تضربني من الخلف. وحين أستدير يهربون. يخافون المواجهة وجهًا لوجه، يخاف الواحد منهم أن يسير وحده، لا يشعر بالقوة إلا وفي يده آلة قتل. يسيرون على شكل صفوف مُتعرجة، وسيقانهم مُتعرجة، وعيونهم مُعوجة. أعرفهم واحدًا واحدًا، وأعرف وجه رئيسهم ووجوه كلابهم. يرتدي الكلب في النهار وجه الحمل، وفي الليل يرتدي وجه الذئب. يسير الرجال في المقدمة، ومن خلفهم الحراس، ومن خلفهم الكلاب، والقطط أيضًا تأتي تكشف عن أنيابها، وتدبُّ فوق الأرض بأقدامٍ صغيرة مليئة باللحم خالية من العظم، عيونها تلمع بالشبق، وبطونها منتفخة يملؤها الحرمان، كالهواء الراكد في الغُرف المغلقة.

كنت أجري، ومن بعيدٍ أرى أمي واقفةً عند الصخرة، تنتظرني فوق الهضبة بين البحر والنهر، ذارعاها ممدودتان نحوي، وأكاد أصل إليها وأنجو لولا أنني توقَّفت عند الطلعة أملأ عيني بالمكان، حيث علامة الأمان وحيث وُلدت. وأصابوني من الخلف بالطعنة، واستدرت قبل أن أسقط وأنسى الحروف، وقلت: أتقتلون الضحية وتتركون الجاني؟ قالوا: من هو الجاني؟ وأشرت إلى وجهه المعلَّق فوق عمود طويل ممدود في السماء.

وانكمشت تحت الغطاء كما كنت أفعل في بيت الأطفال. رأيته واقفًا أمامي عاريًا كما ولدته أمه، وقلت: من أنت؟ قال: أنا الإمام، ألا تعرفين وجهي؟ قلت: لا أعرفك. قال: ألم ترَي وجهي من قبل؟ قلت: لا أعرفك. قال: ألا تقرئين الصحف؟ ألا ترين الشاشة؟ ألا تنظرين إلى الصورة فوق أقواس النصر؟ ألا تشترين طابع البريد أو ورقة دمغة؟ قلت: ما هي الدمغة؟ قال: ألا تعرفين الدمغة؟ قلت: أول مرة أسمع هذا الاسم. قال: أنت لا تعيشين في هذه الدنيا، ولست واحدة منا. وإذا لم تعرفي الإمام فأنت لا تعرفين الوطن، وإذا لم تعرفي الوطن فأنت لا تعرفين الله. وقال: ألم تسمعي الهتاف «الله الوطن الإمام»؟ قلت: لم أسمعه. وضرب كفًّا بكف، وتعجَّب غاية العجب، وقال: أنت في حزب الله أم في حزب الشيطان؟ قلت: لا هذا ولا ذاك. قال: هذا عجيب، هل قرأت كتاب التراث؟ قلت: أنا لا أقرأ. قال: إذا كنت لا تقرئين أفلا تسمعين؟ ألم تسمعي عن حكايات ألف ليلة وليلة والملك شهريار؟ قلت: من هو شهريار؟ قال: ألا تعرفين الملك شهريار الذي خانته زوجته البيضاء كالشهد مع عبدٍ أسود؟ قلت: لا أعرفه. قال: أتعرفين لماذا تُفضل الزوجة البيضاء عبدًا أسود على زوجها الملك الأبيض؟ قلت: لأنها تُحبه أكثر من زوجها. وضرب كفًّا بكف، وتعجَّب غاية العجب، وقال: هل يمكن للمرأة أن تُحب رجلًا أكثر من زوجها؟ قلت: نعم. قال: حتى ولو كان زوجها الملك أو الإمام؟ قلت: نعم. قال: وماذا يكون عند هذا العشيق ولا يكون عند الإمام؟ قلت: الحب. قال مُقهقهًا بصوت كجلاجل طبول العيد، فاردًا ذراعَيه يحتضن الكون: عندي من الحب ما يكفي جميع الناس، وقلبي يتَّسع للجميع. قلت: إذا اتَّسع قلبك للجميع فلا أحد فيه.

كان راقدًا على وسادةٍ مُزركَشة من ريش النعام، مُستندًا بكوعه الأيمن على الأرض فوق سجادة من العجم عليها صور الكعبة، وفي يده اليسرى كأس الخمر، وكوعه يصنع في الكعبة حفرةً عميقة. اهتز الكأس في يده قليلًا، وانسكب قليل من الخمر في الحفرة داخل الكعبة, اعتدل قليلًا بجسده العاري يُغطيه الشعر، وثبَّت عينَيه فوق جسدي العاري الخالي من الشعر، وقال: لماذا لا تركعين بين قدمي؟ قلت: لم أركع في حياتي لأحد. قال: لست أي أحد، وجميع النساء تركع. قلت: ألست أي واحدة. قال: وماذا تكونين أنت؟ قلت: امرأة بلا اسم ولا أب ولا أم، ولا أكتب ولا أقرأ، ولكني لا أحبك، وفي قلبي حبٌّ آخر.

وهنا اهتزَّ الكأس في يده، وانسكب الخمر كله مُغرقًا الحرم والكعبة وقبر الرسول، وانتصب واقفًا عاريًا والشعر فوق جسده مُنتصبًا، وعظامه أيضًا انتصبت حتى النخاع. هاجت شهوته، وعقله ذهب، فلا شيء يُلهبه ويأخذ عقله قدر امرأة غير مملوكة له، ولا يُطفئ النار إلا أن يمتلكها بين يدَيه ورجلَيه، ولا يستبقي منها شيئًا حتى اللحم فوق العظم.

•••

جان جالسًا أمامها يُمصمص عظامها، ويكسر العظمة كعود القصب فوق ركبته، يمصُّ النخاع وهي أمامه ترقبه كما ترقب خروف العيد. يدخل دكان الجزار وعيناه غائرتان في الوجه حتى العظام، ولا شيء يملؤهما إلا الخوف، لا يشبع مهما أكل، ومهما أمن لا يأمن. وهي تُناول العظمة وراء العظمة، ولوحة الكتف والإلية والطحال، امتلأت معدته حتى الحافة، وانتفخت كقربة من جلد الماعز، وهي تُناوله لا تكف، حتى سمعت صوت الانفجار، ورأت وجهه يسقط إلى الأرض، وعيناه تتَّسعان بالدهشة، لا يكاد يُصدق، وقالت: أوله لعب، وآخره عطب. وانطلقت كالغزال تركض ومن خلفها كلبها.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤