الفلاحة النبطية

تنسب الفلاحة النبطية إلى سكان بابل الأقدمين، وسمو نبطًا، لاستنباطهم المياه للزرع، وإفلاح الأرض، ولذلك طار صيتهم في الزراعة، والفلاحة، وهم يسمون كذلك الكلدانيين، والكسدانيين. ولقد كان للنبط مدنية وعلوم وآداب ضاعت بمرور الزمن، ولم يبق منها إلا آثار طفيفة فى اللغة العربية، فى الفلاحة، والسحر، والتنجيم، والصنعة، ومن هذه الآثار العلمية، كتابان أبقى عليهما الزمن:
  • (١)

    كتاب الفلاحة النبطية، لأبي بكر بن وحشية.

  • (٢)

    كتاب الدر الملتقط في علم فلاحتى الروم والنبط، لمحمد بن أبي بكر بن أبي طالب الأنصاري الدمشقي المعروف بشيخ حطين.

ومن الكتب النبطية التي نقلت إلى العربية:
  • (١)

    كتاب قوثامي تلميذ ماشي السوراني، ترجمه عن الكلدانية، لمحمد بن عبد الملك الزيات.

  • (٢)

    كتاب أذوناي البابلي المسمى بزعم النبط رسول روحانية الشمس.

  • (٣)

    كتاب الملك صفريب النبطي القديم، ترجمه ينبوشاذ اليوناني الساحر، وترجم كتاب ينبوشاذ أيضًا ابن الزيات.

  • (٤)

    كتاب الحكيم الساحر طامثري البابلي، والمترجم له ثابت بن قرة الحراني الصابي.

  • (٥)

    كتاب عنكبوثا وصنياثا، والمترجم له أبو بكر بن وحشية.

  • (٦)

    كتاب كاماش النهري الفارسي النبطي، ويزعم ابن وحشية أن كاماش طاف أكثر الأقاليم، وكان من عظماء زمانه، وعلمائهم.

وهذا ما ذكره محمد بن أبي بكر بن أبي طالب في كتابه: الدر الملتقط في علم فلاحتي الروم والنبط، الذي سيأتي الكلام عليه.

(١) كتاب الفلاحة النبطية

هذا الكتاب نادر الوجود كاملًا، وتوجد بعض أجزائه في خزانة كتب باريس، وقال كولسن Chowlson: إنه حصل على نسخة كاملة منه، وإنه وجدت بعض النسخ في خرانة كتب القسطنطينية.
وقد اختلف الباحثون في تعيين مؤلف هذا الكتاب، فقال كولسن Chwolson: إنه قوثامي وحده، ولم تكتب فيه يد غير يده، وأنه عندما نقله العرب إلى لغتهم حصل فيه بعض التغيير الطفيف الذي لا أهمية له، وأن زمان وضعه كان حوالي ابتداء القرن الثالث عشر قبل المسيح، ويقول آخرون: إنه جملة كتب لجملة مؤلفين، ضم بعضها إلى بعض في كتاب واحد.
ويرى كترمير Quatremere بعد الاستدلال بالشواهد الكثيرة، أن الزمن الذي ألف فيه الفلاحة النبطية هو بعيد جدًّا، والغالب أن يكون ما بين تحرير بالأسيس Belesis لبلاد بابل، واستيلاء قورش Cyrus عليها، بل تعدى ذلك إلى تحديد زمن تأليفه في حكم بختنصر الثاني Nabuchodonosor لتلك البلاد، ويرى ما ير العالم المؤرخ رأيًّا آخر بعد استدلالات كثيرة، وهو أنه إذا كلف تعيين الزمن الذي وضع فيه كتاب الفلاحة النبطية، فإن ذلك الزمن لا يتعدى القرن الأول من التاريخ الميلادي، أي متأخرًا عن الزمن الذي حدده كترمير بسبعة أو ثمانية قرون.
ولأرنست رينان بحث مستفيض وافي في كتاب الفلاحة النبطية عنوانه: An essay on the age and antiquity of the book of Nabathaean agriculture نشره في لندن سنة ١٨٦٢م.

ومن رسالة رينان هذه اقتبسنا ما ذكرنا من الآراء، وناقل كتاب الفلاحة النبطية إلى العربية، هو أبو بكر أحمد بن علي بن المختار بن عبد الكريم بن حريثا بن بدينا من بوراطيا بن علاطيا الكسداني الصوفي، من أهل قسين (بلدة من نواحي الكوفة)، وكان يدعي أنه ساحر يعمل أعمال للطلسمات ويعمل الصنعة، وكسداني معناه: نبطي، وله من الكتب كثير، منها:

كتاب الفلاحة الكبير والصغير، (الفهرست ص٣١١) ويعرف أبو بكر أحمد ﺑ (ابن وحشية)، وذلك في سنة ٢٩١ﻫ/٩٠٤م، وأملاه على ابن محمد الزيات في سنة ٣١٨ﻫ فقال له: اعلم يا بني أني وجدت هذا الكتاب في كتب الكسدانيين، يترجم معناه، فلاحة الأرض، وإصلاح الزرع، والشجر، والثمار، ودفع الآفات عنها، وكانوا هؤلاء الكسدانيين أشد غيرة عليها، لئلا يظهر هذا الكتاب، فكانوا يخفون بجهدهم، وكان الله — عز وجل — قد رزقني من المعرفة بلغتهم ولسانهم، فوصلت إلى ما أردت من الكتب بهذا الوجه، وكان هذا الكتاب عند رجل متميز، فأخفى عني علمه، فلما اطلعت عليه لمته في إخفاء الكتاب عنى، وقلت له: إنك إن أخفيت هذا العلم، ومر ومضى، ولا يبقى لأسلافك ذكر، وما يصنع الإنسان بكتب عنده، لا يقرؤها ولا يخلي من يقرأها فهي عنده بمنزلة الحجارة والمدر، فصدقني في ذلك وأخرج إلي الكتب، فجعلت أنقل كتابًا بعد كتاب، فكان أول كتاب نقلته ذواناي البابلي، في معرفة أسرار الفلك، والأحكام على حوادث النجوم، وهو كتاب عظيم المحل، ونقلت هذا: كتاب الفلاحة بتمامه وكماله، لاستحساني له، وعظيم ما رأيت من فائدته ومواقعه، في إفلاح الأرض، وعلاج الشجر، وزكاء الثمار، وتجويدها، وزكاء الزروع، والكلام على خواص الأشياء … إلخ.

ثم قال: إن غرضه بهذا الكتاب الفلاحة، ومعرفة الأراضي، والنبات، والشجر، وما كان غرضه في ذكر المنافع الطبية، وشفاء الأسقام، وإنما ذكر منافع بعض النبات، لأن فيه إصلاح الناس، وعلاجهم وتوليدهم، فلما كان ذلك من الفلاحة ذكرته، وإنما غرضه الفلاحة فقط، وذكر منافع ما يركب ويفلح.

والمواضيع التي عالجها في هذا الكتاب، استنباط المياه، وهندستها، وكيفية حفر الآبار، والاحتيال في زيادة ماء البئر، وإزالة البخارات الرديئة منها، وإفلاح الأرض، وعلاج الشجر، وزكاء الثمار وتجويدها، وزكاء الزروع، والكلام على خواص الأشياء، وخواص البلدان، والأزمنة، واختلاف طباع الأدوية، وتراكيب الشجر، وغروسها، وإفلاحها، ودفع الآفات عنها، واستخراج منافع المنابت والحشائش، والمداواة بها ودفع العاهات عنها، وعن أبدان الحيوانات، ودفع آفات الشجر والمنابت بعضها ببعض، وطرائف ما ركبوا من الأشياء، حتى حدث عنه أشياء غيرها، إما قريبة منها أو بعيدة عنها، ودليل مجيء المطر، والبرد، والصحو، والسحاب، ومعرفة ما ينتج من الزرع في أي سنة أردت ذلك.

(٢) كتاب الدر الملتقط في علم فلاحتي الروم والنبط

ألف هذا السفر القيم محمد بن أبي بكر بن أبي طالب الأنصاري الدمشقي المعروف بشيخ حطين (قرية بين أرسوف وقيسارية عن ياقوت، وقال حطين: بين طبرية وعكا، وقال عن الثاني هو الأصح)، ونسخة هذا الكتاب توجد في دار الكتب الملكية بالقاهرة، ومقيد فيها برقم ٢١ و٨٤ زراعة، وهما نسختان مختلفتان ولا تاريخ لهما، وإنما يظهر أن إحداهما كتبت في القرن السادس أو السابع.

وهذا الكتاب جامع لترجمة جملة كتب عن النبطية، وعن الفلاحة الرومية، ويتضح ذلك جليًا مما ننقله من مقدمته حتى ليخيل للإنسان أنه نسخة أخرى من كتاب الفلاحة لابن وحشية. قال محمد بن أبي بكر: إنه كتاب جامع لأنواع علم الفلاحة الرومية وغيرها، ويشتمل على إفلاح النبات الناجم والمعرش، وذي الساق والمخيم استخرجه من كتب منها:
  • (١)

    كتاب قوثامي تلميذ ماشي السوراني، ترجمه عن الكلدانية، محمد بن عبد الملك الزيات.

  • (٢)

    كتاب أذوناي البابلي المسمى بزعم النبط رسول روحانية الشمس.

  • (٣)

    كتاب الملك صغريب النبطي القديم، ترجمه ينبوشاذ اليوناني الساحر، ثم ترجم كتاب ينبوشاذ أيضًا ابن الزيات.

  • (٤)

    كتاب الحكيم الساحر طامثري البابلي، والمترجم له ثابت بن قرة الحراني الصابي.

  • (٥)

    كتاب عنكبوثا وصنياثا، والمترجم له أبو بكر بن وحشية المشهور بكتاب الفلاحة (ويؤخذ من ذلك أن كتاب الفلاحة النبطية وضعه عنكبوثًا، وصنياثا لأقوثامي كما استنتج كترمير).

  • (٦)

    كتابه المشهور باسمه.

  • (٧)

    كتاب كاماش النهري الفارسي النبطي، ويزعم ابن وحشية أن كاماش طاف أكثر الأقاليم، وكان من عظماء زمانه، وعلمائهم.

  • (٨)

    كتاب الفلاحة الرومية المشهور لابن أسكوراسكينة عالم الروم.

ثم قال: وإني جمعت أسماء أجناس النبات الثلاثة، وهي: المشجر المخيم، والمعرش الممدود، والناجم المستأنف، فكان الذي حصرته عددًا بالشام، خمس عشرة شجرة، أصلًا لفاكهة طيبة مأكولة، هي جنس تحته أنواع، وتحتهن أشخاص كلهن ذوات ثمر بنوى، وحب، وهي: النخل ١١٠، والمشمش ١٧، والخوخ ١٥، والأجاص ١٢، والقراصيا ٤، والعناب ٤، والزيتون ٩، والنبق ٤، الزعرور ٣، والزعبوب ٢، والغبيراء ٢، والميس ١، والسبستان ٢، والسماق ٣، والعجرم ١، أنواعهن ١٨٩.

ثم إحدى عشرة شجرة تمر، اثنتين بغير نوى وهن: العنب ٤٦، والتين ٢٢، والكمثري ٢٩، والتفاح ٢٦، والتوت ١٣، والموز ٣، والجميز ٤، والسفرجل ٩، والخروب ٤، وثمر الآس ٣، والمحليس ثمر القطلب ١، وأنواعهن ١٦١ نوعًا.

ثم خمس شجيرات ثمرهن الحوامض، وهي: الأترج ٨، والنارنج ٤، والليمون ٩، والكباد ٣، والمختم ٢، وأنواعهن ٢٦.

ثم سبع شجيرات ذوات قلوب دهنة هن ثمراتها، وهي: الفستق ٥، والبندق ٣، والقضم ٢، والصنوبر ٢، والجوز ٧، واللوز ٨، والبطم ٣، وأنواعهن ٣٠ نوعًا.

ثم ستة أشجار، ثمراتهن ذوات غلوف وقشور، وهن: الرمان الحلو ١٥، والرمان اللفان ١٣، والرمان الحامض ٨، والشابلوط ٢، والبلوط ٥، ولسان العصفور ١، وبه الختام، وأنواعهن ٤٤ نوعًا، فجملة هذه الثمرات، أجناسًا ٤٤، وأنواعها ٤٥٠.

ثم شجرات غير مثمرة، وهن: ٢٣ شجرة بستانية ١٤ وحشية بعيدة ١٧ وحشية برية، ثمرها وعلوكات، ورطوبات، ودوابغ، وقوابض، وعطر، وصبغ، ودخن، وكان المعرش الممدود ١٢ جنسًا، و٤٦ نوعًا، وهن: القرع ٧، والبطيخ الأخضر ٨، والبطيخ الأصفر ٩، والقثاء ٢، والفقوس ٣، والعجور الحلبي ١، والبلوة ١، والعبدلاوي ١، والشمام ٢، واللوبيا ٥، والخيار ٤ … إلخ.

ثم قسم الكتاب إلى أبواب:
  • الباب الأول: في ذكر الشهور الأعجمية، ومداخلاتها، وما يعمله المعتني بأمر الفلاحة من عمل مخصوص بها.
  • الباب الثاني: في ذكر قواعد تجريبية حسابية من لوازم الكتاب، كسماع الرعد، ومعرفة ما مضى من ليله، بمغيب القمر وطلوعه، ومعرفة الطالع والغارب والمتوسط، ومن المنازل، ومعرفة الأنواء، والنظر في دلائل المطر.
  • الباب الثالث: في ذكر الرياح ومهابها، وأمزجتها، والنبات المتأثر بها.
  • الباب الرابع: في الكلام على الرياح وتأثيرها في المياه، والبقاع، وكذلك الشمس وفعلها العام، وتأثيرها، وهو سر من الأسرار.
  • الباب الخامس: في ذكر صالح الأرض للنبات، وفاسدها، وما هو السبب، والعلاقة فيه.
  • الباب السادس: في ذكر الأرض الكثيرة الماء في أعماقها، والقليلة الماء، والعديمة كذلك.
  • الباب السابع: في طيور الماء وغيرها، والذي تؤثره، وكيفية التخلص من شرها.
  • الباب الثامن: كيفية حفر الآبار، واستخراج المياه، وإزالة البخار القاتل منها، وتزييد مياهها بالحيل والأعمال.
  • الباب التاسع: في تأسيس القرى، وما ينبغي من وضع مساكنها وهيئاتها.
  • الباب العاشر: في مدح أهل القرى، وذكر محاسنهم، والوصية بهم لمن ملكهم وحكم فيهم.
  • الباب الحادي عشر: في ذكر أشياء يستعملها أهل الضيعة، فتصح بها جسومهم وتصفوا نفوسهم، وتطول أعمارهم.
  • الباب الثاني عشر: في وصف غراس كرمة تعرف بكرمة الترياق، استنبطها النبط، تغني عن كثير الأدوية، والترياق بثمرها.
  • الباب الثالث عشر، والرابع عشر: ناقصان من الأصل (ولعلهما غير موجودين أصلًا).
  • الباب الخامس عشر: في ذكر منافع ومرافق وعينات لسكان القرية وأدوية سهلة.
  • الباب السادس عشر: فيما يطرد الحيات والعقارب، والوزغ، ويقي من سمومها.
  • الباب السابع عشر: في أدوية شافية من ذوات السموم.
  • الباب الثامن عشر: في ذكر أشياء تطرد القمل والبراغيث، والطبوع.
  • الباب التاسع عشر: في ذكر أشياء تطرد الفأر، والجراد، والجندب، والذباب.
  • الباب العشرون: في ذكر أشياء تطرد البق، وأبا فارس، والبرغش، والفسافس، والحملان المسماة القراد، وذباب الدواب المؤذي.
  • الباب الواحد والعشرون: في ذكر تربية النحل، ودودة القز، كما ينبغي.
  • الباب الثاني والعشرون: في ذكر أشياء تطرد النمل والخفاش.
  • الباب الثالث والعشرون: في كيفية اقتناء الدجاج، وبناء بيوتهن، وكذلك الحَمَام.
  • الباب الرابع والعشرون: في ذكر الغنم والماعز وتربيتها.
  • الباب الخامس والعشرون: في ذكر البقر، والخيل، والحمير، وسياستها.
  • الباب السادس والعشرون: من المبادئ والكليات، والكلام على تكوين المركبات الأجناس الثلاث: (علل التكوينات، وأسباب الموجودات، والمركبات).
  • الباب السابع والعشرون: من المبادئ والأسباب، وكيفية تكوين الكائن (صور النبات).
  • الباب الثامن والعشرون: كيفية تكوين الرياحين وشبهها، وسبب الأرايح.
  • الباب التاسع والعشرون: الكلام على سبب الألوان وعددها، وكيف تستنبط.

وقد نقل مؤلف هذا الكتاب عن مؤلفين مختلفي الأجناس من روم، وهنود، وبابليين، مثل: دوناي، ومكوما، وضغربت، وكاماش النهري، وجرماثا الساحر البابلي، وماسي، وصنياثا البابلي، وشفاهي، وينبوشاذ عاعَمي، وقوثامي النبطي معلم الفلاحة، وطامثري، ومكوماهي، وملكايا، وشفاهي الصوفي، والجرمقاني، وابن وحشيَّة، وأقشميث البابلي، وعنكبوثا البابلي الساحر، ونوح، وثابت بن قرة، وابن النفيس، وأذوناي، وجالينوس، وشراسيم الهندية، وابن زكريا الرازي، وصاحب الفلاحة الرومية … إلخ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤