الصورة الممزقة (١)

الافتتاحية

تصوير سينمائي:

تملأ الكادر صورة وجه محمود (البطل) وقد مُزِّقَت إلى نصفَين بالطول، فظهر وجهه منقسمًا بالطول إلى نصفَين متساويَين.

يتحرك نصفَا الصورة مقتربَين ومبتعدَين تصحبهما الموسيقى المناسبة.

موسيقى تعبِّر عن معنى التمزُّق النفسي واليأس، ثم تعبِّر عن معنى التحدي والكفاح والعمل، ثم تعبِّر عن معنى البعد والصراع، ثم تعبِّر عن معنى القرب والهدوء.

تختفي صورة وجه محمود وتظهر صورة سعاد (البطلة) تملأ الكادر أيضًا وقد مُزِّقَت بنفس الطريقة إلى نصفَين بالطول.

نصفَا الصورة يقتربان ويبتعدان أيضًا كالسابقة، يختفي نصف وجه سعاد ويحل مكانه نصف وجه محمود.

تتردَّد الموسيقى بين هذه المعاني جميعًا بما يتفق والصورة الممزَّقة التي تظهر على الشاشة.

نصفَا الوجهَين يقتربان ويبتعدان، ويقتربان، ثم يبتعدان بقوة وبسرعة، لحظة صمتٍ مطبق.

موسيقى عنيفة تعبِّر عن الانفصال والعنف.

تصوير داخلي:

يملأ الكادر بابٌ مغلق (باب بيت)، لحظة صمتٍ مطبق.

تسمع من خلف الباب المغلق صوت امرأة تصرخ صرخةً عالية جدًّا تنم عن الرعب: آه!

يُفتح الباب بقوة وبسرعة وتندفع منه سعاد.

البطلة، تظهر شابةٌ ناضجة مهملة الملابس تحمل طفلها الرضيع على كتفها وقد لُفَّ في بطانية صوتٍ صغيرة.

موسيقى مناسبة.

سعاد تجري على السلَّم وهي تحمل طفلها في فزع وخوف. لا تنظر خلفها.

موسيقى مناسبة.

الكاميرا تصعد إلى الباب وقد أصبح نصف مفتوح. يظهر من خلفه في الظلام الدامس قدمان لرجل يمشي بخطواتٍ ثقيلة.

يُسمع صوت وقع القدمَين على الأرض ثقيلةً مخيفة.

تُسمع صوت ضحكة رجل مجنونة: ها! ها! ها!

تتوقَّف الضحكة فجأة.

لحظة صمت.

تظهر يدا الرجل مكبَّرتَين وهما تمسكان بشيءٍ مدبَّب طويل (يشبه الحقنة ولكن لا يظهر بوضوح في الظلام). اليدان تتحركان في عصبية وترتعشان. يدٌ منهما تظهر فقط، موسيقى تعبِّر عن معنى التمزُّق، وتختفي الأخرى. تظهر اليد وهي مُمسِكة بالإبرة في الذراع الممدودة.

تُسمَع صوت صرخة رجلٍ مكتومة تعقبها لحظة صمت: آه!

ثم يُسمَع نشيج رجلٍ يبكي في يأس.

نشيج رجلٍ مكتوم.

تصوير خارجي:

تظهر سعاد وهي تجري في الشارع وطفلها على كتفها … تتلفَّت وراءها في خوفٍ، ثم تجري بسرعة كالمجنونة.

يبدو على وجهها الذعر.

الشارع طويل في الظلام الدامس.

تجري فترةً من الوقت.

تصوير داخلي:

سعاد تتوقَّف لاهثة أمام بابٍ مغلق.

تقف أمام الباب متردِّدة.

تنظر إلى نوافذ البيت المغلقة في تردُّد.

تدُق الجرس مرةً أخرى في حذَر.

لا أحد يرُد.

تدق الجرس مرةً ثانية.

لا أحد يرُد.

تدُق الجرس بقوة وعنف وخوف.

لا ترفع يدها عن الجرس حتى يُفتَح الباب. يُفتَح الباب ويظهر رجلٌ كبير السن بملابس النوم (والد سعاد) على ملامحه الفزع والدهشة والذهول.

سعاد تلقي بنفسها على صدره وتنفجر في النشيج: بابا! بابا!

يضمُّها الأب في لهفة وهو يرتعش ويقول: سعاد! بنتي! بنتي!

الدموع تظهر في عينَي الأب، سعادُ تبكي وهي على صدره. الأب يربتُ عليها في حنان ويداه ترتعشان.

الأب : أنا كنت عارف إن ده حيحصل!
سعاد : معلهش يا بابا … كان لازم اعمل كده!
الأب : ليه بس كده يا بنتي؟! ليه تعملي كده؟ شوفتي النتيجة إيه؟
سعاد : معلهش يا بابا! غصب عني!
الأب : طيب يا بنتي. اطلعي استريحي. اطلعي أودتك استریحي وریحي ابنك. ربنا يفرجها الصبح.

(سعاد تصعد السلم إلى حجرة نومها وعلى كتفها ابنها. تدخل حجرة نومها القديمة (حجرة نوم تلميذة في الجامعة لأسرة ميسورة الحال؛ سرير، دولاب، تسريحة، مكتب، كرسي، شماعة … إلخ).)

(سعاد تتأمل الحجرة لحظة وقد غابت عنها طويلًا، ثم تضع ابنها على السرير وتغطيه. تترك الطفل وتدور في الحجرة تتأمل كل شيء في شرود. تنظر إلى نفسها في المرآة. ترى شعرها شعثًا وملابسها مهملة. تترك المرآة وتعود تتمشَّى في الحجرة.)

(تعثُر على عروسةٍ صغيرة. تُمسِك العروسة في يدَيها وتتأملها. تجلس على كرسيٍّ مريح بجوار السرير وفي يدها العروسة.)

(تنظر بإمعان إلى وجه العروسة وتستعيد ذكريات قصتها منذ كانت طفلة تلعب بنفس هذه العروسة التي تمسكها الآن.)

(فلاش باك.)

تصوير داخلي:

تظهر أم سعاد في حجرة الطعام.

حجرة طعام في منزل تاجر من تجار بنها ميسور الحال.

أم سعاد تجهِّز الأطباق على المائدة.

أخو سعاد، ماجد (لا يزال صغيرًا أصغر من سعاد بعامٍ واحد) يجلس على أحد كراسي المائدة في كبرياء.

الأم تنادي على سعاد التي في المطبخ.

الأم : سعاد! سعاد! هاتي الشوربة!

(يُسمع صوت سعاد وهي ترُد من المطبخ.)

سعاد : أيوه خلاص يا ماما! حاجبها حالًا! هه!
الأم (في شدة) : يالله بسرعة! أخوكي جعان!

(سعاد تدخل إلى حجرة الطعام تحمل سلطانيةً كبيرة من الشوربة.)

(تبدو سعاد طفلة في العاشرة لها ضفائرُ طويلة، تضع سلطانية على السفرة.)

(تنظر سعاد إلى أمها في غيظ، ثم أخيها الجالس في غيظ. تمسح العرق من فوق جبهتها.)

(الأخ يمد يده بطبقٍ فارغ ويشير إلى سعاد بحركةٍ آمرة أن تغرف له الشوربة.)

(سعاد تنظر إليه في غيظٍ ولا تطيع.)

ماجد (في لهجةٍ آمرة لأخته) : اغرفيلي شوربة!

(سعاد تنظر إليه في غيظ.)

سعاد (في غضب) : كمان عاوزني أغرفلك! حضرتك طول النهار تجري وتلعب في الجنينة، وأنا طول النهار اشتغل في المطبخ، وبعدين تيجي تقعد زي الملك!
سعاد (تقلِّد لهجته الآمرة) : اغرفيلي شوربة! یا دمك يا أخي!
الأم (في شدة) : إيه يا بنت يا سعاد الكلام اللي بتقوليه لاخوكي ده؟
مش عيب تكلمي اخوکي كده؟
سعاد : ومش عيب إنه يلعب طول النهار. وبعدين بيجي يقعد ويتأمر؟
الأم : أمال عاوزاه يعمل إيه؟
سعاد : يبطل لعب شوية ويدخل المطبخ يساعدني!
الأم : يدخل المطبخ؟ وهو بتاع مطبخ يا بنت يا سعاد؟
سعاد : أمال انا اللي بتاعة مطبخ؟!

(ماجد ينظر إلى سعاد ويخرج لها لسانه.)

الأم : أيوه انتي اللي بتاعة مطبخ!
سعاد : ليه يعني؟ هو أنا أقل منه؟ والا هو أحسن مني؟!
الأم : هو ولد وانتي بنت! فاهمة يعني إيه بنت؟
سعاد : لا مش فاهمة!
الأم : بنت يعني لازم تدخلي المطبخ وتعرفي تطبخي لأن دي حتبقي شغلتك لما تتجوزي وتبقي مسئولة عن بيتك وأولادك.
سعاد : الطبيخ عمره ما حيبقى شغلتي أبدًا. وإذا كان الجواز يعني إني أطبخ مش حتجوز أبدًا.

(تدخل الدادة تحمل سلطانيةً كبيرة من البامية وتضعها على السفرة.)

الدادة : جواز إيه اللي بتتكلموا فيه دلوقت؟ هو وقت جواز والا وقت أكل؟
الأم : أدیکي عارفة الغلبة بتاعة الست سعاد؟
الدادة : والنبي الست سعاد ما في حد زيها أبدًا! إنتي دايمًا تزعليها كده يا ست سنية!

(الدادة ترفع يدَيها وتدعو الله.)

(الأم تغرف الصحون وتضعها على السفرة. الدادة تشير إلى سعاد. يظهر على سعاد السرور والفرح، وتنظر إلى ماجد، وتُخرِج له لسانها.)

الدادة : عقبال ماشوفك يا رب يا ست سعاد وانتي دكتورة أد الدنيا والناس كلها تشاور عليكي وتقول أهي الدكتورة سعاد!
ماجد (في سخرية) : دكتورة! ها ها! ابقي قابلیني یا دادة أم علي؟
سعاد : غصب عنك حبقى دكتورة وبكرة تشوف! على الأقل أنا باطلع الأولى كل سنة. دور على اللي مش بينجح الا لو لحقوه بالملحق!
ماجد (في غضب) : سامعة يا ماما بتقول لي إيه؟
الأم : أولى إيه يا خايبة ياللي مش بتعرفي لغاية دلوقت تطبخي البامية!

(ماجد ينظر إلى سعاد في تشفٍّ.)

(يدخل الأب إلى حجرة الطعام ويجلس.) الدادة تخرج ومعها بعض الأطباق.

الأب : إيه الهيصة دي يا سنية؟ هو ماجد وسعاد دایما يتناقروا كده زي الديوك؟

(ماجد ينظر إلى سعاد في تشفٍّ.)

الأم : أيوه يا سيدي. الست سعاد دایمًا تجر شکل اخوها.
سعاد : أنا اللي جرِّيت شكله والا هو دايمًا عليَّ زي ما اكون خدامته!
الأب : خدامته؟ إزاي يا ولد يا ماجد تتأمَّر على أختك؟

(سعاد تنظر إلى ماجد في تشفٍّ.)

(ماجد ينظر إلى سعاد في تشفٍّ ويُخرِج لها لسانه.)

(أم علي الدادة تدخل ومعها طبق الحمَام وتضعه أمام الأب، ثم تخرج.)

الأم : اسكت يا زغلول ما تشخطش في الولد كده. وما له اما يتأمر عليها؟ مش اخته؟! هاتي يا أم علي طبق الحمَام بالفريك معاكي من المطبخ!
الأب : الله! أيوه كده. أنا مش عارف ليه مش بتعملي يا سنية طبق الحمام بالفريك ده كل يوم؟ مش عارفة اني باحبه طول عمري؟!

(الأب منهمك في أكل الحمام.)

(الأم تكدِّس اللحم في طبق ماجد. صورة مكبَّرة لطبق ماجد مليء باللحم. صورة مكبَّرة لفمه الممتلئ بالطعام على آخره. يمضغ بسرعة ثم يشرب الشوربة بصوتٍ عالٍ.)

الأم : عارفة … لكن الولية بتاعة الحمام لها أيام تقطع ما تجيش. خد یا ماجد. كل يا حبيبي. إنت ما بتكولش ليه؟

(الصوت الذي يحدثه ماجد وهو يشرب الشوربة.)

(صورةٌ مكبَّرة لطبق سعاد وفيه قطعةٌ صغيرة من اللحم، وصورةٌ مكبَّرة لها لفمها وهي تأكل برقة وتمضغ بهدوء. ثم تشرب الحساء بلا صوت.)

الأم (لابنها) : كل يا ماجد يا حبيبي! ليه ما بتكولش؟

(سعاد تنهض وتغادر حجرة الطعام. الأب ينظر إليها وهي تخرج.)

الأب : هي سعاد لحقت خلصت أكل؟
الأم : لازم. البنات أصلهم زي البلاليع. ياكلوا بسرعة!
الأب : يا شيخة حرام عليكي! لازم برضه تراعيها زي ما بتراعي ماجد. صحيح طول عمرك بتحبيه أكثر منها، لكن سعاد بنت حساسة ولازم تشعریها بأنها زيُّه تمام.
الأخ : لا يا بابا. هي مش زيي!
الأب : مش زيك ازاي يا ولد؟
الأخ : أنا ولد وهي بنت!
الأب : وما له؟
الأم : وما له ازاي يا زغلول؟! الولد غير البنت طبعًا! البنت بنت مهما راحت ومهما جت! بنت!

صوت الراوية:

بنت! بنت! بنت!

تصوير داخلي:

سعاد بضفائرها الطويلة تجلس في حجرتها إلى جوار نافذةٍ مفتوحة وفي يدها كتابٌ تنظر فيه وهي حزينة (النافذة تطل على حديقة البيت).

منظر سعاد تجلس وأمها تمشِّط شعرها. صورةٌ مكبَّرة لرأس سعاد وشعرها وأمها تشُد شعرها وتُضفِّره في ضفائرَ بشدة. وجه سعاد مكبَّر وهي تتألم وشعرها يُشد ويُضفر.

بنت، تلك الكلمة البغيضة التي كنت أسمعها من أمي كل يوم، بل كل ساعة.

ولم يكن لكلمة بنت في نفسي إلا معنًى واحد هو أني لستُ ولدًا. لستُ مثل أخي!

أخي يقُص شعره ويتركه حرًّا لا يمشِّطه، وأنا شعري يطول ويطول، وتمشِّطه أمي في اليوم مرتَين، وتقيِّده في ضفائر، وتحبس أطرافه بأشرطة.

صورةٌ مكبَّرة لسعاد وهي تنفض ملاءة سرير بقوة. وهي واقفة أمام الحلة في المطبخ تقلِّب فيها على النار. صورة ماجد وهو يلعب مع زملائه في الحديقة.

صورةٌ مكبرة لفم ماجد مليء بالطعام يمضغ بسرعة.

وصورةٌ مكبَّرة لطبقه مُلئ باللحم. صورةٌ مكبَّرة لفم سعاد وهي تأكل ببطءٍ شديد وطبقها يحتوي على قطعةٍ صغيرة من اللحم.

سعاد : أخي يصحو من نومه ويترك سريره كما هو، وأنا عليَّ أن أُرتِّب سريري وسريره أيضًا. أخي يخرج بلا إذن ويلعب وأنا لا أخرج وأشتغل في المطبخ والبيت. أخي يأخذ قطعة من اللحم أكبر من قطعتي ويأكل بسرعة ويشرب الحَسَاء بصوتٍ مسموع وأمي لا تقول له شيئًا. ويأكل بسرعة ويشرب الحساء بصوت مسموع وأمي لا تقول له شيئًا.
أما أنا. أنا بنت. عليَّ أن أراقب حركاتي وسكناتي. عليَّ أن أخفي شهيتي للأكل فآكل ببطء وأشرب الحَسَاء بلا صوت.

(صورةٌ مكبَّرة لساقَي ماجد وهو يقفز ويلعب ويتشقلب.)

أخي يلعب، يقفز، يتشقلب. وأنا إذا جلستُ وانحسر الرداء عن سنتيمتر من فخذي فإن أمي ترشقني بنظرةٍ مخلبية حادَّة فأُخفي عورتي.

(منظرٌ مكبَّر لساقَي سعاد مضمومتَين وهي جالسة وقد ارتفع الفستان قليلًا عن ركبتَيها.)

(منظر وجه أمها تنظر إليها نظرة حادة.)

(منظرٌ مكبَّر ليد أمها وهي تشد الفستان لتُخفي ركبتَي سعاد.)

عورة! كل شيء فيَّ عورة وأنا طفلة في العاشرة من عمري!

(منظر سعاد وهي تغلق باب حجرتها عليها وتجلس وحدها تبكي.)

أغلقتُ باب غرفتي عليَّ وجلستُ أبكي وحدي.
لم تكن دموعي الأولى في حياتي لأنني فشلتُ في مدرستي، أو لأني كسرتُ شيئًا غاليًا، ولكن لأني بنت.

(وجه سعاد مكبَّر وعيناها مليئتان بالدموع.)

فتحت عيني على الحياة وبيني وبين طبيعتي عداء. بكيتُ على أنوثتي قبل أن أعرفها. وقبل أن أعرف أي شيءٍ عن نفسي وجنسي وأصلي.

(صراخ أطفال مرح وضحك وتهليل ولعب.)

تصوير داخلي:

تظهر سعاد وهي جالسة في حجرتها بجوار النافذة يصل إلى سمعها صوتُ ماجد وأصحابه وهم يلعبون في الحديقة. تغلق الكتاب الذي في يدها وتقف تنظُر اليوم وهي حزينة.

تتركُ النافذة وتمشي إلى السرير وتُلقي نفسها عليه في غضب وتجهَش بالبكاء.

(صوت بكاء.)

تتوقَّف عن البكاء، ثم تجلس على السرير تفكِّر في غضب.

تدخل الدادة أم علي وهي تُغنِّي.

الدادة : الحلو زعلان ليه؟ ليه؟
ما لك يا ست سعاد؟ ما لك يا حبيبتي؟

(تنظر إلى سعاد الحزينة.)

سعاد : ما فيش حاجة يا دادة!
الدادة : ما فيش حاجة ازاي؟ ده إنتي عنیکي حُمر زي كاسات الدم!
سعاد : أعمل إيه للست ماما؟!
الدادة : إيه تاني!
سعاد : عاوزة تقعدني في البيت وما تودنیش المدرسة الثانوي!
الدادة : ازاي الكلام ده؟
سعاد : بتقولِّي كفاية عليكي الابتدائية. وأنا عاوزة أروح ثانوي والجامعة كمان! اشمعنی ماجد حيروح ثانوي؟!
الدادة : وانتي كمان تروحي، ما فيش حد أحسن من حد. إن جيتي للحق انتي أشطر منه وأنبه منه. والنبي أنا كنت بشوف النباهة كده بتنط من عنیکي وانتي لسة في اللفة! خسارتك يا بنتي في قعدة البيت. خسارة!

(سعاد يظهر عليها الفرح وتجري إلى الدادة وتُمسِكها من يدها في حماس وأمل.)

سعاد : والنبي يا دادة تخلِّي ماما توافق!
الدادة : لا ياختي، ما فيش فايدة للكلام مع مامتك. أنا حخلِّي بابا هو اللي يوافق.

(سعاد تعانقها وتقبِّلها في سعادة.)

سعاد : والنبي يا دادة تخلي ماما توافق!

(الدادة تخرج. سعاد تقفز في حجرتها من الفرح ثم تقف على باب حجرتها تتسمَّع ما تقوله الأُسرة.)

تصوير داخلي:

صالة البيت والأب والأم وماجد يجلسون يشربون الشاي ويتحدَّثون.

الأم : ما دام البلد ما فيهاش مدارس ثانوي يبقى ماجد يعمل أبونيه في القَطر ويروح المدرسة الثانوي اللي في مصر ويرجع لنا كل يوم.
الأب : وبدل التعب ده ما يروح المدرسة الداخلية اللي في حلوان.
الأم : لا يا اخويا. يرجع كل يوم نشوفه ونطمن عليه.
الأب : تعب عليه يا سنية السفر كل يوم.
الأم : دي فركة كعب من مصر لبنها. هو ده اسمه سفر؟
ماجد : أنا عندي فكرة يا ماما!
الأم : إيه يا حبيبي؟
ماجد : بلاش أروح الثانوي واقعد مع بابا في المحل.
الأم : محل إيه يا ماجد؟ ده انت لازم تروح الثانوي عشان تدخل الجامعة وتبقى دكتور أد الدنيا.
ماجد : مش عاوز أبقى دكتور … أنا عاوز اقعد معاكم هنا!

(ماجد يشرع في البكاء.)

(تظهر صورة سعاد وهي على باب حجرتها تسمع وتضحك على ماجد وهو يبكي.)

الأب : إخس عليك! كده تعيط زي البنات!
الأم : بنات إيه؟! لا يا اخويا هو مش زي البنات!

(يظهر وجه سعاد غاضبًا لكلام أمها.)

(الدادة تدخل.)

الدادة : والبنات ما لهم بس؟! دول البنات زينة البيت، دول حبايب أمهم وأبوهم!
الأب : هو احنا قلنا حاجة يا أم علي، أمال فين سعاد؟
الدادة : سعاد في أودتها زعلانة.

(يظهر وجه سعاد وعليه الاهتمام والأمل.)

الأب : ليه؟
الدادة : عاوزة تروح المدرسة الثانوي.
الأم : أهو ده ناقص!
الأب : بقى الولد زعلان عشان رايح الثانوي والبنت زعلانة عشان مش رايحة؟! والله دي الدنيا مشقلبة خالص!

(سعاد يبدو عليها الغضب.)

الأم : دي بنتك هي اللي عقلها مشقلب وعاوزة تبقى زي الولد!
الدادة : مشقلب ليه يا ست سنية؟ كل البنات بقوا بيروحوا الثانوي والجامعة وبقوا ما شاء الله دكتورات ومهندسات ومفتشات والفاتنات السابحات!
الأب (يضحك) : ها ها! والله دمك خفيف يا أم علي طول عمرك.

(يبدو على وجه سعاد الغضب وتجز على شفتَيها في غيظ من أمها.)

الأم : اسکتي يا أم علي البنت كبرت وكلها سنة والا اثنين ونجوزها ونطمن عليها ونستريح، وأنت عارفة أن توفيق ابن عمتها قايل عليها من زمان.
الدادة : لا يا ست سنية لا! أنا مش معاكي أبدًا!

(يبدو على وجه سعاد البشر وتهزُّ يدها في الجو مشجعة الدادة دون أن تراها.)

(يبدو على الأم الغضب وتهز يدَيها في يأس.)

الأم : اسكتي يا أم علي! حنبعت البنت مصر کمان؟! ولاد الحرام کتیر! نجوزها لابن عمتها وهو راجل طيب وكويس ويبقى زيتنا في دقيقنا!
الدادة : لكن.

(يبدو على سعاد الضيق.)

(وتشُد شعرها في غيظ.)

الدادة : وانت إيه رأيك يا سي زغلول؟
الأم : ما لکنش! بلا تعليم بلا وجع قلب. ما هو مسيرها للجواز تتجوز وهي صغيرة أحسن ما تكبر وتبور!

(الدادة تنظر إلى الأب في استنجاد.)

الدادة : وانت إيه رأيك يا سي زغلول؟

(سعاد تقف منتظرةً مرهفة السمع لما ينطقه أبوها. الأب ينهض من جلسته قائلًا):

الأب : والله هي أمها، وهي حرة فيها!

(يظهر على سعاد اليأس.)

(سعاد تجري وتلقي نفسها على السرير وتضرب الوسادة في غيظ. تهز رأسها في ثورة. وتخبط رأسها في السرير وتبكي.)

(تنهض بعد لحظة. تجفِّف دمعها ويظهر على وجهها التحدي والقسوة. تكلِّم نفسها.)

سعاد : مش ممكن! مش ممكن اقعد في البيت! وإيه ده كمان اللي حيجوزهولي اللي عامل زي زعزوعة القصب! مش ممكن حتجوزه! مش ممكن. لازم أروح ثانوي! يا موِّت نفسي! أيوه، والله ماني عايشة لهم! لازم أموِّت نفسي!

(تفكِّر لحظة وتنظر ناحية الدولاب.)

أيوه! حاشرب إزازة الصبغة يود اللي في دولابي عشان الست ماما تنبسط قوي! وكفاية عليها سي ماجد! يبقوا يجوزوه هو للأستاذ توفيق!

(تجري سعاد إلى الدولاب وتُخرج زجاجة صبغة اليود. تدخل الدادة. سعاد تقف مذعورة. الدادة تفزع. سعاد تُخفي الزجاجة وراء ظهرها.)

الدادة : بتعملي إيه يا ست سعاد؟
سعاد (في تحدٍّ) : ما فيش؟
الدادة : ما فيش إيه؟ وإيه ده اللي مخبياه ورا ضهرك؟

(الدادة تقترب من سعاد. سعاد تُظهِر لها الزجاجة وتقول في ثورة):

سعاد : حاموِّت نفسي! أيوه! والله ماني عایشالهم! لازم أموت! لازم!

(ترفع الزجاجة إلى فمها. الدادة تصرخ في فزع وتجري نحوها. الأب والأخ يدخلون إليهما مهرولين فزعين؟!)

(موسيقى مناسبة.)

تصوير خارجي:

منظرٌ مكبَّر لجرس مدرسةٍ كبير. يدُق الجرس دقاتٍ متكرِّرة.

دقات الجرس.

منظر فِناء في مدرسة بنات. البنات سمعن الجرس فيجرين ويتجمَّعن في طوابير. طابور منهم يسير ويدخل فصلًا من الفصول. البنات يجلسن. سعاد تُرى جالسة في الفصل منتبهة جدًّا. زميلة إلى جوارها تلعب بصورة في يدها. تظهر صورة رجل مكبَّرة.

زميلةٌ أخرى تضع على حجرها كتابًا عنوانه: الحب الأول.

صوت الراوية:

وانتصرتُ على أمي، وعرفت أنني لا أستطيع أن أنال حقي إلا بالقوة، وأصبح هدفي في حياتي أن أنجح لأُصبِح قوية وأُثبِت لأمي أنني قوية.

وفي المدرسة الثانوية الداخلية صمَّمتُ على أن أكون في المقدمة دائمًا. وكانت البنات من حولي يلعبن ويلعبن، لكني كنت وحدي دائمًا، مع الكتاب!

زميلةٌ أخرى تأكل في آخر الفصل. المدرسة تشير إلى سعاد. سعاد تقف وتردُّ على سؤال المدرسة. المدرسة تصفِّق لها والبنات يُصفِّقن لها.

الجرس يدُق. منظر الجرس وهو يتحرك.

منظر البنات وهن يجرين في الفناء ويلهون ويلعبن الكرة. الضابطة تمر عليهن وتأمرهن بعدم القفز عاليًا. يظهر على البنات الخوف من الضابطة. الضابطة تسير بينهن تلقي عليهن الأوامر.

الجرس يدُق. منظر الجرس وهو يتحرك. البنات يقفن طوابير. الطوابير تدخل المطعم. البنات يأكلن. الضابطة تمر عليهن وتُلقي عليهن الأوامر بشأن آداب الأكل.

الجرس يدُق، منظر الجرس وهو يتحرك.

البنات يَجْرون ويصعدون إلى عنابر النوم.

تصوير داخلي:

يظهر عنبر نومٍ في مدرسة بنات داخلية.

تظهر أسِرَّةٌ كثيرة صغيرة. ودواليبُ صغيرة، بناتٌ كثيرات. فتاة تُغنِّي وحولها بعض البنات.

صوت فتاة تغني أغنيةً مرحة. موسيقى.

سعاد تجلس على سريرها تذاكر في كتاب الكيمياء. يظهر عنوان الكتاب مكبرًا. «الكيمياء».

بنتٌ أخرى تجلس على سريرها وإلى جوارها بنتٌ أخرى تتهامسان وتضحكان بصوتٍ مكتوم. واحدةٌ منهما تمسك كتابًا، ويظهر عنوان الكتاب مكبَّرًا، الحياة الجنسية.

ضحك مكتوم.

فتاةٌ ترقص أمام المرآة وحولها بعض البنات يضحكن ويرقصن.

ضحكات. صراخ. تهليل بنات.

تدخل الضابطة.

البنات يجرين إلى الأَسرة وكل واحدة تدخل في سريرها وتغطِّي رأسها باللحاف. الضابطة تمر عليهن وتفتِّش على الأَسرة وتكشف الغطاء عن رءوس بعض البنات للتأكُّد أن كل بنتٍ في سريرها وحدها. تخرج الضابطة.

سعاد تُخرج رأسها من تحت الغطاء من السرير وتمشي حافيةً على أطراف أصابعها وتخرج إلى الشرفة.

تظهر فوزية (زميلة سعاد) واقفة في الشرفة ومعها صورة. تظهر الصورة مكبَّرة لشاب. فوزية تلتفت خلفها فترى سعاد.

فوزية : مين؟ سعاد؟
سعاد : أيوه يا فوزية.

(سعاد تقترب من فوزية وتقف إلى جوارها.)

فوزية (في سخرية) : يا ترى إيه اللي مطير النوم من عنيكي؟
سعاد (في شرود) : مش عارفة يا فوزية! كل ما احط راسي على المخدة أحس انها سخنة وثقيلة! زي ما يكون فيها نمل!
فوزية (في سخرية) : ده مش نمل!
سعاد : أمال إيه؟
فوزية : الفكر!
سعاد : أيوه صحيح.
فوزية : ومين بقى السعيد الحظ؟
سعاد : مش فاهمة. تقصدي إيه؟
فوزية : هي دي حاجة عاوزة فهم؟ هي نظرية فيثاغورس؟ دي حاجة طبيعية خالص كل الناس عارفاها، واحدة تشوف واحد يقوم قلبها يدق! يدق! يدق! وبعدين تيجي تنام ما تعرفش!
سعاد : لا والله فوزية. عمري ما قلبي دق لواحد.

(تظهر البنتان اللتان كانتا تمسكان بكتاب الحياة الجنسية ومعهما الكتاب يقرآن ويضحكان.)

فوزية (في دهشة) : مش معقول! توصلي للسن دي وقلبك ما دقش؟
سعاد : أصلي مش بفكر في الحاجات دي!
فوزية : أمال بتفكري في إيه؟ في أنشتين؟ طبعًا الناس الأوائل اللي زيك ما عندهمش وقت للحب.

(تظهر البنت التي معها كتاب «الحب الأول» تقرأ فيه باهتمام شديد.)

سعاد : الحب؟
فوزية : أيوه الحب! والا أظن حتقولي لي عيب!
سعاد : لا، مش عيب ولا حاجة. بس أنا مش عارفة ليه عمري ما فكَّرت فيه؟ عمري ما شغل بالي؟
فوزية : أمال اللي كان شاغل بالك؟
سعاد (شاردة) : حاجات كثير.
فوزية : زي إيه؟
سعاد (شاردة) : عاوزة أطلع …
فوزية : الأولى؟
سعاد : لأ.
فوزية : تطلعي فيها؟
سعاد (في حماس) : لا. عاوزة أطلع دكتورة! عاوزة انجح وأدخل الجامعة وأبقى حاجة كبيرة خالص. زي الرجالة! وأحسن منهم كمان!
فوزية (تضحك ضحكاتٍ طويلة) : ها ها هي! زي الرجالة! أتاریكي عاملالي راجل! لا يا أختي أنا ما حبش أبقى زي الرجالة أبدًا! أنا أحب أبقى زي الستات!
سعاد : ستات! إخس!

(تظهر صورة فتاة في العنبر تقف أمام المرآة تتحسَّس الفستان الضيق على جسدها وخصرها.)

فوزية : أصلك عبيطة. دي أحلى حاجة في الدنيا أن الواحدة تحس انها ست، وست حلوة! وكل الرجال بيجروا وراها، وعاوزين ياكلوا منها حتة!
سعاد : غريبة! وانتي يا فوزية كان فيه رجالة بيجروا وراکي؟
فوزية (في غرور) : في أووهوه! كتير، كتير قوي! بالكوم. لكن أنا ما لقتش غير واحد بس! زي القمر! بصي!
سعاد : ده شاب وجيه قوي!

(فوزية تعطي صورة الشاب لسعاد تتأملها لحظة.)

سعاد : ده شاب وجيه قوي!

(فوزية تُقبِّل الصورة في حب.)

فوزية : ياختي عليه! باموت فيه! أنا باعبده!
سعاد : وحتتجوزيه يا فوزية؟
فوزية : طبعا!
سعاد : غريبة!
فوزية : إيه اللي غريب؟ كل الناس بتتجوز!
سعاد : عمر الجواز ما كان هدف حیاتي!
فوزية : أصلك عبيطة. ما جربتيش.
سعاد : إيه؟
فوزية : الحب! نار الحب! ساعتها تعرفي إن الراجل هو كل حاجة في حياتك، وترمي الدكتوراة بتاعتك من الشباك وتركعي تحت رجليه وتقولي له (فوزية تركع على ركبتَيها في مشهد تمثيلي للغرام): إنت حياتي، وما ليش حياة من غيرك!
سعاد (تضحك) : ده يظهر واخد عقلك خالص! يا ترى بيحبك زي ما بتحبيه؟
فوزية : بيحبني؟ ده بيموت في!
تعالي! تعالي اقرأ لك جواباته اللي كلها حب وغرام وهيام. تعالي.

(فوزية تشُد سعاد من ذراعها إلى داخل العنبر وهي تقول. يدخلان العنبر.)

(سعاد تذهب إلى سريرها. فوزية تُخرج من دولابها رزمة جوابات زرقاء وتجري على أطراف أصابعها وتدخل في السرير بجوار سعاد. تمد يدها وتضيء نور السرير وتقرأ لها الخطابات في همس.)

فوزية : اسمعي يا ستي. ده أول جواب. حبيبتي فوفو. حیاتي وروحي و…

(تسمع أقدام الضابطة. يبدو الذعر على فوزية وسعاد.)

فوزية : يا خبر اسود! دي أبلة فهيمة!
سعاد : اطفي النور!

(فوزية تمد يدها وتطفئ النور.)

(وتدخل في السرير بجوار سعاد. تغطيان رأسَيهِما.)

(الضابطة تدخل. تضيء النور. تفتِّش كعادتها على البنات في أَسِرتهن.)

(يأتي دور سرير سعاد. تكشف الغطاء عنها. ترى فوزية نائمة إلى جوارها في السرير. تبدو الدهشة على وجه الضابطة.)

الضابطة : عال خالص! عال خالص! إيه اللي مخليكم تناموا في سرير واحد؟

(البنات يُخرجن رءوسهن من تحت الأغطية على صوت الضابطة.)

(فوزية وسعاد مضطربتان. لا تردَّان على الضابطة.)

الضابطة : اتكلموا! انطقوا!
فوزية (في خوف) : أصلي، أصْلي، أصْلي يا أبلة سمعت خربشة في البلكونة.
حسيت إني خايفة يا أبلة.

(البنات يضحكن بصوتٍ مكتوم.)

(البنات يضحكن بصوت عالٍ.)

الضابطة (في غضب) : خربشة!
الضابطة (تلتفت إلى فوزية) : اخرسي يا بنت انت وهي! خربشة إيه يا ست فوزية؟
فوزية : أيوه خربشة والله يا أبلة.
الضابطة (تلتفت إلى سعاد) : ده كلام ما يدخلش عقلي.
وانتي؟ إنتي كمان يا سعاد اللي فاكرينك بنت كويسة؟

(البنات يضحكن.)

سعاد : أيوه يا أبلة سمعنا خربشة.
الضابطة : اخرسي! مش عاوزة اسمع كلمة خربشة دي تاني!
فوزية : والله يا أبلة ما كنا بنعمل حاجة في السرير!

(البنات يضحكن بشدة.)

الضابطة : أمال یعني نايمين سوا ليه؟ أنا عارفاکي يا فوزية وعارفة انك بنت مستهترة وأخلاقك مش كويسة. وطبعا أثرت على سعاد وخلتيها زيك.
بكرة الصبح ان شاء الله انتم الاثنين تيجوا معايا لحضرة الناظرة.

ودلوقت كل واحدة تروح سريرها … بسرعة! یالله! بلا مسخرة وقلة حيا!

(كل بنت تذهب إلى سريرها.)

(الضابطة تمر عليهم في صرامة. تطفئ النور وتخرج.)

تصوير داخلي:

حجرة مكتب حضرة الناظرة. الناظرة امرأة صارمة عانس. تجلس على مكتبها وتجلس على كرسي إلى جوارها أبلة ليلى مدرسة الرسم تتحدثان حول الموضوع.

الناظرة : البنات في السن دي عاوزين شدة، العقاب لازم يبقى شديد! ثم إن البنت الفاسدة لازم تنفصل وإلا تفسد بقية البنات. لمَّا تلاقي يا ست ليلى تفاحة فاسدة وسط قفص تفاح سليم، تعملي إيه؟ مش ترمي التفاحة الفاسدة في الشارع علشان تحافظي على الباقي؟
أبلة ليلى : لا يا أبلة. أنا آخد التفاحة الفاسدة من القفص وأشوف الحتة الفاسدة فين وأقطعها. وبعد كده تفضل بقية التفاحة سليمة وممكن آكلها واستفيد بيها. كذلك البنت اللي تغلط. أحاول أعالجها وأصلحها بدل ما افصلها واضيع مستقبلها.
الناظرة : لا يا ست ليلى! ده كلام نظري. أنا بقى لي عشرين سنة ناظرة وعاجنة البنات وخابزاهم. البنت الفاسدة فاسدة ولا يمكن تتصلح أبدًا.

(تدخل الضابطة تجر سعاد وفوزية.)

الضابطة : عشرين سنة إيه يا أبلة؟ مش عارفة أبلة مفيدة دايمًا تحب تكبَّر نفسها مع إنها لسة في عز شبابها؟
الناظرة : شباب إيه يا بت؟ أنا متهيألي إنه خلاص قرب يروح.

(الناظرة تضحك في سعادة.)

الضابطة : يروح؟ يروح إيه كفى الله الشر! ده لسة ولسة ولسة!

(الناظرة تضحك في سعادة ضحكةً طويلة، ثم تلتقي عيناها فجأة بعينَي فوزية وسعاد الواقفتَين بباب الحجرة. تتقلَّص ملامحها الضاحكة بسرعة ويرتسم على وجهها تكشيرةٌ مخيفة.)

الناظرة (في صرامة) : هم دول البنات بتوع فضيحة ليلة امبارح؟ اللي ضبطتيهم في سرير واحد يا ست فهيمة؟
الضابطة : أيوه يا أبلة.

(الناظرة تشير إلى فوزية بإصبعها.)

الناظرة (في شدة) : تعالي هنا يا بنت! تقدري تقوليلي يعني إيه بنتين في سرير واحد بالليل؟
فوزية (خائفة) : ولا حاجة يا أبلة. أنا سمعت …
الناظرة : بس اخرسي! الحجج الفاضية اللي اخترعتوها!

(الناظرة تنظر إلى سعاد.)

الناظرة : وانتي كمان يا سعاد؟ البنت اللي دايمًا الأولى تعمل كده؟ لكن والله أنا عمري ما حسيت إنك بنت كويسة … طول عمري باشوف الشراسة في عنیکي!
أبلة ليلى : لا يا أبلة مفيدة، سعاد تلميذتي من سنين، دي مش شراسة اللي في عينيها، ده ذكاء وحيوية.
الناظرة : ذكاء! وهي البنت الذكية تعمل الأعمال الدنيئة دي؟
سعاد (في غضب) : أنا ما عملتش حاجة دنيئة!
الناظرة : بس اخرسي؟

(تلتفت الناظرة إلى الضابطة.)

الناظرة : يا ست فهيمة، فوزية دي معروف عنها إنها بنت مش مؤدبة، عشان كده أنا قرَّرت فصلها نهائي من المدرسة.
وإنما سعاد فحَدِّيها فرصة أخيره عشان دي أول غلطة لها. اخصمي منها يا ست فهيمة عشر نمر أخلاق من نمرة الفترة الثانية.

(سعاد يبدو على وجهها الألم والحزن، فوزية يبدو على وجهها الفرح.)

الضابطة : حاضر يا أبلة.

(الضابطة تسوق سعاد وفوزية أمامها كالمتهمين في جريمة.)

(تخرج وراءها أبلة ليلى.)

(الفرَّاشة تدخل.)

الفرَّاشة : ست مفيدة.
الناظرة : أيوه.
الفرَّاشة : الأستاذ رمزي برَّه. عاوز سيادتك في كلمة صغيرة.
الناظرة : خليه يستنَّى شوية.
الفرَّاشة : حاضر يا ست الناظرة.

(الناظرة تقف وتذهب إلى مرآة في الحائط. تنظر إلى نفسها. تصفف شعرها. تخرج قلم الروج من حقيبتها وتطلي شفتَيها اليابستَين. تجلس في وقار على المكتب.)

(تدُق الجرس. تدخُل الفرَّاشة.)

الناظرة : خلي الأستاذ رمزي يتفضل.
الفرَّاشة : حاضر يا ست الناظرة.
تصوير داخلي:

سعاد تقف في شُرفة العنبر التي تُطِل على حديقة المدرسة. الدنيا ليل. سعاد تتطلَّع إلى السماء شاردة تفكِّر. تتمشَّى في الشرفة وحدها وهي وحيدة تفكِّر. تقف وتتَّكئ بمرفقها على سور الشرفة، وتنظُر تحت حديقة المدرسة. تبدو الدهشة والذعر على وجه سعاد.

تصوير خارجي:

تظهر الضابطة وهي تمشي بحذر في الحديقة في الظلام. وتتلفَّت حولها حتى لا يراها أحد. تسرع الخطى نحو شابٍّ يقف خلف شجرةٍ صغيرة. الشاب يقترب منها، ويعانقها، ويلُف ذراعَيه حول خصرها.

تصوير داخلي:

وجه سعاد يظهر مكبَّرًا وقد ارتسم عليه الذعر والدهشة. تتسمَّر في مكانها لحظة، ثم تدخل مسرعة إلى العنبر.

العنبر مليء بالصخب والعناق وقبلات الوداع؛ فالليلة هي آخر ليلة للبنات في المدرسة وقد أدَّين امتحان التوجيهية وبدأَت إجازة الصيف.

واحدة تجهِّز حقيبتها وتدُس فيها ملابسها من الدولاب.

واحدة تكتُب في أوتوجراف أخرى.

واحدة تُهدي صورتها للأخرى.

واحدة تكتُب عنوانها للأخرى.

واحدة تُعانِق الأخرى وتُقبِّلها، وتبكي. واحدة تضحك.

صخب. ضحك. بكاء. وداع.

سعاد تدخُل إلى العنبر شاردة وحدها تفكِّر. تذهب إلى المرآة. وتقف أمامها.

فتاةٌ أخرى تقف أمام المرآة ترتدي ملابسها. يظهر صدرها من فتحة الفستان.

وتشد الحزام على خصرها.

سعاد تنظر إلى نفسها وإلى الفتاة وترى الفرق بينها وبين الفتاة كبيرًا.

صورةٌ مكبَّرة لشعر سعاد المنكوش وشعر الفتاة المصفَّف عاليًا.

صوت الراوية:

كنتُ أُحس أنني أختلف عن البنات. ملابسي غير ملابسهن. وشعري غير شعرهن. وحذائي غير حذائهن.

نعم، لم أكن مثل البنات. كنتُ أُحاوِل أن أُخفي مظاهر أنوثتي.

صورةٌ مكبَّرة لصدر الفتاة البارز من الفستان وصورةٌ مكبَّرة لصدر سعاد وهي تبطِّطه تحت فستانٍ مقفول حشمة له زرايرُ مغلقة. صورةٌ مكبَّرة لقدمَي الفتاة في حذاء بكعبٍ عالٍ.

صورةٌ مكبَّرة لقدمَي سعاد في حذاءٍ منخفض. الفتاة تتحسَّس جسدَها في إعجاب. عينا سعاد مكبَّرتان تنظُران إليها. يدا الفتاة مكبَّرتان على خصرها.

الفتاة تنتهي من اللبس وتجري إلى باقي البنات.

سعاد تقف وحدها أمام المرآة. صورةٌ مكبَّرة لكتفَيها وصدرها.

تمُد يدها المرتعشة، وتفُك بعض أزرار فستانها، وتُخرج كتفًا من كتفها.

تظهر أمامها مرةً أخرى صورةُ الضابطة والشابُّ يحوطُها بذراعَيه ويقبِّلها من شفتَيها قبلةً طويلة.

سعاد : لماذا؟ لم أكن أدري، ولكني كنتُ أخجل من نهديَّ وقد أخذا يكبران فوق صدري فأُخفيهما وأبطِّطهما! … لماذا كنتُ أخجل من أنوثتي؟ لم أكن أدري. لكني كلما كنتُ أنظر إلى نفسي وأتأملها أكثر وأكثر أجد في أعماقي شيئًا يشبه البنات. وأجد في قلبي حنينًا إلى الحب يشبه حنينهن! وكأنما اكتشفتُ داخل نفسي واحدةً أخرى غيري. سعاد أخرى غير تلك التي تقف أمام المرآة ويشبه مظهرها مظهر الصبيان. سعاد أخرى تشبه البنات وتَحِن إلى الرجل!
اهتزَّت أعماقي للكلمة.

لا! لا! لستُ مثل الفتيات! لا أومن بشيء اسمه الرجل!

لن أكون كالبنات! لن أستقبل أنوثتي! لن أُصادق طبيعتي! سأثور عليها!

سأحطِّمها! سأكون شيئًا آخر غير البنات. لن أعيش حياة أمي! لن أتزوَّج! لن أكون أنثى وسط ملايين الإناث!

إن القطط والأرانب تتزوَّج وتُنجِب.

(تظهر صورةٌ مكبَّرة لأصابعها وهي ترتعش وتلمس كتفها العاري.)

(يظهر وجه سعاد وهي تنتبه إلى نفسها فتُغلِق أزرار الفستان وتقف أمام المرآة وتفكِّر. في عينَيها نظرة قوة وتحدٍّ!)

(تدخُل الناظرة إلى العنبر. يهدأ العنبر فجأةً وتسكُت كل البنات.)

(تتجه الناظرة إلى سعاد في صرامة وتعطيها ورقةً مطوية (خطابًا).)

(تنظر الناظرة إلى البنات، ثم تستدير وتخرُج من العنبر.)

(سعاد تفتح الورقة وتقرؤها ثم تصرُخ بصوتٍ عالٍ):

مش معقول! مش معقول!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤