الصورة الممزقة (٧)

تصوير داخلي:

الصالة في منزل سعاد. الأم تجلس متكورة كالعجائز.

الدادة تنادي على الطفل خالد:

الدادة : سي خالد. يا سي خالد. تعالى يا حبيبي. ما تلعبش في أودة ماما.

(يُسمع صوت الطفل خالد وقد كبر وأصبح عمره ست سنوات من حجرة سعاد):

(أنا مش بالعب في حاجة يا دادة.)

الدادة : طيب تعالى يا حبيبي اعمل واجب المدرسة. أحسن زمان ماما جاية. تزعل منك.

(يظهر طفلٌ جميل في السادسة من عمره.)

خالد : ما انا عملت الواجب يا دادة من الصبح.
الدادة : شاطر يا حبيبي. شاطر. تعالى جنبي بقى شوية.
خالد : لا أنا نازل العب في الجنينة مع عادل.
الدادة : طيب يا حبيبي. بس اوع توسخ هدومك. تعالا أما اعدلك البنطلون يا حبيبي.

(خالد يجري ويتركها ويخرج.)

(الأم تمصمص شفتَيها في حسرة وشفقة.)

الأم : والنبي الولد ده صعبان عليَّ قوي.
الدادة : ليه يا ست سنية؟ حد زيه؟ ما شاء الله نبيه وزي الفل.
الأم : ما لوش أب يا عيني!
الدادة : ليه يا ست سنية؟ ربنا يخلي له أمه. دي دكتورة أد الدنيا، واسمها على كل لسان، وأم ولا كل الأمهات! مش مخلية سي خالد يعوز حاجة أبدًا. ربنا يخليها يا رب.
الأم : الناس مش بتقول أمه مين. إنما بتقول أبوه مين؟
الدادة : الناس دلوقت يا ست سنية لا بتقول أبوه مين ولا أمه مين. إنما بيقولوه هو مين؟ وإن شاء الله سي خالد يتعلم ويبقى ما فيش حد زيه.
الأم : على رأيك وهو يعني أول واحد يتيم الأب؟ اليتامى كتير.
الدادة : ويتيم ليه يا ست سنية؟ مش يمكن أبوه لسة عايش في الدنيا.
الأم : عايش إيه يا أم علي؟ دي ست سنين فاتت أهه وما حدش سمع انه في الدنيا وما حدش يعرف له طريق.
الدادة : يمكن مسافر بلاد بره ولا حاجة.

(الطفل خالد يدخل ويأخذ بعض اللعب بسرعة وينزل إلى الحديقة.)

الأم : إنتي عارفة يا أم علي! أنا سمعت من الناس انه مات.
الدادة : مات؟ يا عيني على شبابه! جايز والله.
الأم : بيقولوا انتحر.
الدادة : انتحر؟ يا عيني عليه. ده لازم مسكين شاف له أيام وحشة قوي. يا ترى الست سعاد دريت بالحكاية دي؟
الأم : لازم. اللي قالي لازم قالها.
الدادة : أتاريها يا عيني دايمًا حزينة كده وساكتة. والنبي الست سعاد دي صعبانة عليَّ قوي.
الأم : هي اللي جابته لنفسها يا أم علي. وانا يا اختي مش عارفة هي حزينة عليه ليه؟ أنا ما شفتش واحدة خايبة زيها أبدًا. مضيعة شبابها وصحتها على ما فيش. واحدة غيرها لها مركزها وفلوسها وشبابها تلبس وتتزوق وتقعد في وسط الناس وتلقط أحسن عريس.
الدادة : تلقط إيه يا ست سنية. ده أحسن راجل يتمنى انها تبص له بصة واحدة بس. دي دكتورة أد الدنيا. غيرش ان ما حدش مالي عينها فيهم.
الأم : الرجالة لما بيحبوا يتجوزوا ما يهمش دكتورة ولا غيره. يهمهم انها تكون بنت بنوت. مش اتجوزت قبل كده ومعاها عيال كمان.
الدادة : دول الرجالة الجهلة يا ست سنية. وهو معقول ان الدكتورة سعاد ترضى براجل جاهل؟

(تدخل سعاد. يبدو عليها الإرهاق والتعب من كثرة العمل. الدادة تجري لها.)

الدادة : أهلًا ست سعاد.
سعاد : أهلًا دادة. ازيك. ازيك يا ماما؟
الأم : الله يسلمك يا بنتي.
الدادة : أعملك حاجة يا ست سعاد؟ أحضر السفرة؟
سعاد : لا يا دادة. أنا حادخل أودتي استريح شوية وبعدين حضري لي الغدا.
الدادة : حاضر يا ست سعاد.
سعاد : أمال فين خالد يا دادة؟
الدادة : بيلعب في الجنينة مع عادل.
سعاد : اندهيله عشان جايباله معايا حاجة حلوة.
الدادة : حاضر.

(الدادة تخرج.)

الأم : غدا إيه يا بنتي؟ ده احنا بقينا المغرب.
سعاد : أعمل إيه يا ماما. كان عندي عملية مستعجلة في العيادة لازم اعملها.
الأم : أنا مش عارفة إيه آخرة الهلاك ده يا بنتي؟
سعاد : وإيه آخرة أي حاجة يا ماما؟

(يدخل خالد مهللًا. يعانق أمه في سعادة وفرح.)

خالد : ماما، ماما.
سعاد : أهلًا خالد حبيبي ازيك؟
خالد : الله يسلمك يا ماما. إنت اتأخرت قوي يا ماما فين الشيكولاتة؟
لازم نسيتي زي كل مرة؟
سعاد : معقول انسى الشيكولاتة بتاعتك يا خالد؟
خالد : فين هي يا ماما؟ فين؟

(سعاد تُخرج من حقيبتها قطعةً كبيرة من الشيكولاتة وتعطيها له.)

(سعاد تُخرج من حقيبتها «قطارًا» لعبةً صغيرة جميلة مناسبة لطفل في السادسة من عمره.)

خالد : الله! ده قطر حلو قوي! مِرسي يا ماما. مِرسي. أنا حروح أوريه لعادل.
سعاد : لا مش دلوقت. بكرة إن شاء الله. إنت دلوقت تاخد الحمَّام بتاعك عشان تنام.
تعالى معايا يا خالد. تعالى.
خالد : طيب يا ماما. حالعب بالقطر شوية قبل ما انام يا ماما.
سعاد : الحمَّام الأول وبعدين خد القطر معاك السرير. عملت الواجب؟
خالد : أيوه يا ماما.

(سعاد تخرج من الصالة ومعها خالد. الذي يمسك اللعبة في فرح وسعادة.)

(الأم تبقى وحدها بالصالة تكلِّم نفسها.)

الأم : ربنا يهديكي يا سعاد يا بنتي ويرزقك بابن الحلال اللي يسعدك ويستر عرضك ويمنع عنك كلام الناس.

(الدادة تدخل.)

الدادة : ناس إيه تاني يا ست سنية؟
الأم : إنت عارفة يا أم علي أن الناس دايمًا يتكلموا ان الست المطلقة اللي عايشة من غير راجل وما يبطلوش عنها كلام إلا لما تتجوز.
الدادة : وهي الست سعاد وش كده؟ دي دكتورة على سن ورمح.
الأم : الناس ما يهمهاش دكتورة ولا غيره. ويهمها إنها ست من غير راجل. ده انا بابقى في نص هدومي وانا شايفاها راجعة نص الليل والجيران كلهم شايفنها.
الدادة : وما له؟ راجعة من العيادة أو راجعة من المستشفى كانت بتسعف حالة مستعجلة.
الأم : ما حدش بيسأل هي راجعة منين. المهم إنها راجعة نص الليل وبس.
الدادة : يا ختي الست سعاد ما بيهمهاش كلام الناس.

(جرس التليفون يدُق في الصالة. ترُد الدادة.)

الدادة : ألو. أيوه الدكتورة موجودة. مين اللي عاوزها؟ حاضر دقيقة واحدة من فضلك.

(الدادة تخرج لتُبلِغ سعاد بالتليفون. سعاد تخرج إلى الصالة وتمسك سماعة التليفون.)

(خالد يظهر أيضًا ويقف بجوارها يسمع. والدادة تقف تسمع. والأم جالسة تسمع.)

سعاد : ألو. أنا الدكتورة سعاد.
تعبانة قوي. ما تقدرش تستنى للصبح؟ حاضر أنا جاية حالًا. العنوان إيه من فضلك؟ حضرتك حتيجي تاخدني من البيت؟ طيب أنا حكون جاهزة بعد خمس دقائق.

لا. العفو يا فندم. ده واجب عليَّ. أشكرك.

(سعاد تضع السماعة. تنظر إلى خالد، ثم تخاطب الدادة.)

سعاد : أنا نازلة حالًا يا دادة حشوف حالة تعبانة. أنا جهزت الحمَّام لخالد. حمِّيه وخليه ينام في سريره.
خالد : لا أنا عاوز ماما هي اللي تحميني.
سعاد : معلهش يا خالد. أنا مش حتأخر.
الدادة : والأكل اللي على السفرة؟ الغدا والعشا؟
سعاد : لا. مش حلحق آكل. لما ارجع بقه.

(سعاد تسرع خارجة من الصالة.)

الدادة : ربنا يكون في عونك يا بنتي.
الأم : والنبي ولا الرجالة.
الدادة : رجالة إيه يا ست سنية. دي الست سعاد بستين راجل. تعالى يا سي خالد لما احمِّيك يا حبيبي. زمان ماما جاية حالًا.
خالد : مش عاوز الميه سخنة قوي يا دادة.
الدادة : حاضر يا حبيبي.
خالد : واقعدي معايا وانا نايم عشان تحكيلي حكاية الشاطر حسن.
الدادة : حاضر يا حبيبي. حاضر يا ضنايا.

(الدادة تخرج ومعها خالد.)

(الأم تجلس وحدها تمصمص شفتَيها في حسرة وألم.)

تصوير خارجي:

الدنيا ليل.

عربة تقف أمام بيت سعاد. ينزل منها رجل. سعاد تقترب منه. يصافحها.

سعاد تجلس إلى جواره. يظهر بعض الجيران في نوافذهم. يُطِلُّون عليهما في استطلاع.

العربة تسير. الجيران يتهامسون في اهتمام.

تصوير داخلي:

صالة منزل سعاد. الأم جالسة متكورة كالعجائز. الدادة إلى جوارها.

الأم : سعاد اتأخرت قوي. احنا بقينا نص الليل.
الدادة : لازم الحالة تعبانة قوي. ربنا يسوقك يا ست سعاد. دي يا عيني لا اتغدت ولا اتعشت!
الأم : أنا مش عارفة إيه آخرة الهلاك ده؟

(يُسمع صوت وقوف عربة أمام البيت.)

(الأم والدادة يجريان إلى النافذة ويطلان.)

تصوير خارجي:

العربة نفسها تقف أمام البيت. ينزل منها الرجل نفسه ويفتح الباب لسعاد. سعاد تنزل تتحدث مع الرجل لحظة في اهتمام شديد. ثم يصافحها الرجل مبتسمًا ويوصلها حتى باب البيت. ثم يودعها ويصافحها مرةً أخرى. بعض الجيران في نوافذهم يطلون أيضًا ويتهامسون.

تصوير داخلي:

الأم والدادة يتركان النافذة.

الأم : الناس تقول إيه عليها بس؟ ومين ده اللي راكبة معاه وجاي معاها لغاية هنا؟
الدادة : لازم جوز الست العيانة والا ابنها والا قريبها يا ست سنية.
الأم : وهي الناس حتعرف منين؟
تصوير داخلي:

عيادة الدكتورة سعاد، المرضى الرجال والنساء جالسون ينتظرون.

فوزية محمد زميلة سعاد في المدرسة ترتدي ملابس الحكيمات تستقبل المرضى وتُجلِسهم.

تظهر حجرة مكتب الدكتورة سعاد. سعاد تجلس على مكتبها تكتب روشتة. يجلس أمامها رجل «رفاعي» يدخن سيجارة، وينظر إليها في اهتمام.

سعاد : أنا حكرر الدوا تاني للست والدتك يا أستاذ رفاعي. وبعد شهر خليها تفوت عليَّ اشوفها.
رفاعي : إنت عارفة يا دكتورة سعاد أن والدتي ثقيلة قوي. حاجي أنا بدالها اقول لحضرتك النتيجة وإذا كان يلزمها حاجة.
سعاد : طيب على العموم انا مطمئنة على صحتها دلوقت بعد الورم ما راح.

(سعاد تقف. رفاعي لا يقف.)

رفاعي : حضرتك ممكن تديني دقيقة من وقتك كمان يا دكتورة سعاد؟
سعاد : أيوه. اتفضل. فيه حاجة؟

(سعاد تجلس.)

رفاعي : أيوه. بس مش عارف اقولها ازاي. أنا جيت هنا لحضرتك كم مرة مع والدتي والحقيقة من أول ما شفت حضرتك وانا أعجبت بيكي قوي. لدرجة اني فكرت …

(سعاد تنظر إليه في وجوم. لحظة صمت.)

رفاعي : انا عمري ما كنت بفكر في اني اتجوز أبدًا. لكن مش عارف الفكرة دي جاتلي بعد ما شفتك.

(يقدِّم لها كارت من جيبه.)

أنا مهندس مقاول ولي مكتب في شارع سليمان. وأنا طبعًا سألت عن حضرتك وعرفت كل حاجة عنك.

(لحظة صمت.)

رفاعي : يا ترى يا دكتورة سعاد حيكون رأيك ايه؟
سعاد : أنا آسفة قوي يا أستاذ رفاعي. أنا ماعنديش نية اني اتجوز تاني.
أنا أشكرك.

(سعاد تقف وتصافحه.)

رفاعي : طيب تحبي تفكَّري في الموضوع شوية أيام؟ يمكن تغيري رأيك.
سعاد : لا يا أستاذ رفاعي. أنا لازم اكون صريحة معاك. فكرة الجواز مش عندي خالص. أشكرك. مع السلامة.
رفاعي : الله يسلمك يا دكتورة. أجيب والدتي بعد شهر؟
سعاد : أيوه.

(تخرج فوزية إلى صالة العيادة. الرجال والنساء جالسون منتظرون الكشف. فوزية تنادي بينهم. تقف سيدة سمينة. فوزية تقودها إلى حجرة الكشف وتغلق الباب خلفها. تعود فوزية إلى المرضى المنتظرين. شاب وسيم يقترب من فوزية ويقول لها في صوتٍ هامس):

الشاب : هي الدكتورة حتخلص امته؟
فوزية : لسة بدري. إنت شايف العيادة على آخرها أهه.
الشاب : يعني بعد كام ساعة؟
فوزية : مش عارفة. ليه؟ حضرتك عاوزها في كشف برة؟
الشاب : لا.
فوزية : عاوز تكشف؟
الشاب : لا.
فوزية : أمال عاوز الدكتورة في إيه؟
الشاب : ده موضوع خاص عاوز أكلمها فيه.
فوزية : موضوع خاص! هي ما عندهاش وقت للمواضيع الخاصة في العيادة.
الشاب : أمال أقابلها فين؟ هي الصبح بتبقى فين؟
فوزية : في المستشفى.
تصوير داخلي:

حجرة نوم الطفل خالد. الطفل راقد في السرير والدادة تجلس إلى جواره.

خالد : ماما اتأخرت قوي يا دادة.
الدادة : زمانها جاية يا حبيبي.
خالد : كل مرة تقوليلى كده. هي ماما بتروح فين يا دادة؟
الدادة : بتروح الشغل يا حبيبي.
خالد : اشمعنى ماما عادل مش بتروح الشغل؟ باباه هو اللي بيروح الشغل.
الدادة : مامتك دكتورة أد الدنيا!
نام يا حبيبي نام.

(تدخل سعاد إلى البيت عائدة من العيادة.)

الدادة : ماما عادل مش دكتورة. إنما مامتك دكتورة شاطرة بتخفف كل العيانين.

(تسمع صوت خالد يكلم الدادة. تقف بالباب تسمع دون أن يراها أحد.)

خالد : أمال بابا فين يا دادة؟

(الدادة تمسح دمعها.)

الدادة : بابا يا حبيبي مسافر. مسافر يا ضنايا.
خالد : مسافر فين يا دادة؟
الدادة : مسافر! مسافر بلاد برة يا حبيبي.
خالد : بيعمل إيه يا دادة هناك؟
الدادة : بيشتغل يا حبيبي.
خالد : وحيرجع هنا امته يا دادة؟
الدادة : هيرجع قريب. قريب قوي يا حبيبي.
خالد : إنت كل مرة تقوليلي قريب. قريب. ومش بيرجع أبدًا. أنا عاوز أشوف بابا.
الدادة : حتشوفه يا حبيبي حتشوفه. تحب أحكيلك حكاية الشاطر حسن؟
خالد : لا. أنا عاوز بابا. إنت شوفتيه يا دادة؟ شكله إيه يا دادة؟

(يظهر وجه سعاد مُكبَّرًا بالدموع فيه.)

(الدادة تمسح دموعها في صمت.)

(وجه سعاد يظهر وهي تبكي في صمت.)

(تدخل سعاد إلى حجرتها في هدوء دون أن تدخل حجرة طفلها خالد.)

(تجلس شاردة على طرف السرير والدموع في عينَيها. صورةٌ مكبَّرة لوجهها ينم عن الحزن والألم والتفكير.)

(تقف وتمشي كالتائهة. تجلس على المكتب. تفتح الدرج. تُخرج صورة محمود ممزقة وتنظر فيها. تضع الصورة مرة أخرى في الدرج. تجلس على المكتب ورأسها بين يدَيها تفكِّر.)

(منزل سعاد. الصالة. الأم تجلس. والدادة تلاعب الطفل خالد.)

الأم : هي سعاد اتأخرت كده ليه؟
الدادة : شغل العيادة كتير. ربنا يكون في عونها.
الأم : خلاص اهو جالها اللي حيريحها.
الدادة : إيه؟
الأم : عريس قد الدنيا. مهندس كبير وغني.

(تدخل سعاد.)

سعاد : فيه حد حيتجوز يا ماما؟
الأم : أيوه.
سعاد : مين؟
الأم : إنت.
سعاد : أنا؟
الأم : أيوه انت. الأستاذ رفاعي جه البيت وطلب إيدك مني.

(الدادة تأخذ الطفل وتخرج.)

سعاد : والله عال! كويس خالص! بيجي كده البيت من غير ما يأخذ رأيي.
الأم : بيقول إنه راحلك العيادة وكلمك في الموضوع.
سعاد : هوه جالي صحيح. ولكن هل قلتله اني موافقة؟
الأم : وهو معقول الواحدة بتقول للواحد أنا موافقة كده عيني عينك؟
سعاد : أمال تقول إيه؟
الأم : تقوله أما أفكر. الست ما تقولش أيوه أبدًا.
سعاد : اسمعي يا ماما انا مش زي الستات. أنا الأيوه بتاعتي يعني أيوه واللا يعني لا.
الأم : وقولتي للأستاذ رفاعي إيه؟
سعاد : قولتله لا.
الأم : ليه قولتيله لا؟
سعاد : كده. مش عاوزة اتجوزه.
الأم : ليه؟
سعاد : كده. مش عاجبني.
الأم : وليه مش عاجبك؟ ده راجل مهندس كبير وغني قوي.
سعاد : مش مهم. أنا مش حاتجوز إلا لما اقابل الشخص اللي يملا دماغي. يعني إيه اتجوز أي واحد؟ ليه عشان يأكلني والا يشربني والا يفتحلي بيت؟ أنا بوكِّل نفسي. أفتح عشر بيوت مش بيت واحد.
الأم : هي مسألة أكل وشرب بس؟
سعاد : أمال إيه؟
الأم : الراجل بيحمي الست.
سعاد : بيحمي الست.
بيحميها من إيه؟
الأم : من كلام الناس. طول ما الست لوحدها الناس ما ببتبطلش عنها الكلام لغاية ما تتجوز.
سعاد : ناس إيه؟ ما يتكلموا. كلام الناس ملوش قيمة عندي.

(تخرج سعاد.)

الأم : طول عمرك راسك ناشفة. إنت ربنا يهديكي يا سعاد يا بنتي.

(حجرة مكتب عزيز في الجريدة.)

(عزيز ومحمود يجلسان متجاورَين يشربان القهوة ويدخِّنان.)

عزيز : يا سلام يه إنت شفت أيام صعبة قوي يا محمود!
محمود : أيام! دي سنين. سنين يا عزيز وانا لا انا ميت ولا أنا صاحي. كل الناس قفلوا أبوابهم في وشي. صحابي. قرايبي. حتى أمي. تصور أمي قفلت بابها في وشي.
عزيز : كانت معذورة.
محمود : الله يرحمها. عمرها ما اعترفت اني إنسان كويس. كان نفسي انها تعترف ولو مرة واحدة اني كويس، كانت دايمًا تقوللي انت خايب.
عزيز : ليه ما حاولتش تثبت لها إنك إنسان كويس؟
محمود : حاولت. وفشلت. فشلت.
عزيز : ليه؟
محمود : كان الإنسان الكويس من نظرها هو اللي يذاكر وينجح ويبقى دكتور. مقدرتش ابقي دكتور. الطب كان في نظري نوع من التجارة. عمري ما تصورت نفسي تاجر. كنت مؤمن اني لازم اعمل حاجة كبيرة بحياتي.
عزيز : فعلًا يا محمود. كان عندك طاقة كبيرة قوي.
محمود : كل يوم كنت بقابل فشل جديد. فشل في مثلي العليا كلها.
الخيانة اللي شفتها بعد حرب القنال خلتني أكفر بالوطنية والكفاح.

الناس! والدنيا كلها ما كنتش تثبت يوم على مبدأ واحد!

(يتنهد في أسًى.)

وفشلت في الحب كمان.
عزيز : وليه فشلت في الحب؟ أنا اعرف إن سعاد ما خلتش تضحية إلا وعملتها عشانك.
محمود : أيوه. سعاد ضحت كتير عشاني. لكن تصور يا عزيز انها كانت كل ما تضحي عشاني كل ما انا احس اني مجرم في حقها فاتغاظ منها واعاملها بقسوة.
عزيز : مش معقول! ليه كده يا محمود؟
محمود : مش عارف. كنت باحس أنها أقوى مني. ناجحة عني. هي اللي بتديني مش انا اللي بديلها.

(يسكت لحظة في شرود.)

سعاد استحملتني اكتر من أمي. لكن حياتي معاها كانت عذاب. أمي عذبتني بقسوتها وسعاد عذبتني بحنانها.

(محمود يشعل سيجارة، ويظهر عليه الألم الشديد.)

عزيز : ولا يهمك يا محمود. انت دلوقت مش راضي عن نفسك؟
محمود : أنا شايف اني ماشي في الطريق الصح. الطريق اللي كنت عاوز امشي فيه طول عمري. كنت احب اكتب. اللي عايز اقوله.
عزيز : واحد زيك يا محمود مش ممكن يحقق ذاته إلا عن طريق الكتابة.
محمود : كل كلمة باكتبها يا عزيز والناس بتقرأها بتديني قوة غريبة. مش عارف إزاي. كأني باخلق حاجة جديدة.
عزيز : إنت كمان خلاص وصلت يا عم. كل الناس بقت تستنى مقالاتك.
محمود : كل الناس؟
عزيز : أيوه كل الناس. إيه؟ كتير عليك ده؟
محمود : لا أبدًا. بس بفكر.
عزيز : في إيه؟
محمود : يا ترى سعاد من ضمن الناس اللي بتقرالي؟
عزيز : يهمك قوي انها تكون بتقرا لك؟
محمود : أيوه يا عزيز. يهمني انها تقرالي ويهمني انها تعرف اني بقيت إنسان كويس. ناجح. وإن الصورة اللي رسمتها لي كانت صورة حقيقية. كانت دايمًا تقولي انت قوي مش ممكن حاجة تضعفك يا محمود. يا خسارة ما قدرتش أحقق الصورة اللي هي كانت راسماها لي وانا بعيد عنها.

(يبدو على محمود الألم.)

عزيز : قوم يا شيخ قوم تعالى نشوف مسرحية علي شاكر عشان عاوز اكتب عنها بكرة وابهدله فيها آخر بهدلة. قوم يا شيخ قوم.

(منزل سعاد. الصالة. سعاد تلاعب طفلها خالد (عمره أربع سنوات تقريبًا).)

سعاد : إنت عاوز تطلع إيه يا خالد؟
خالد : عاوز اطلع دكتور زيك يا ماما.
سعاد : يا حبيبي يا خالد.
خالد : ماما.
سعاد : نعم يا خالد.
خالد : أنا لعبت مع عادل في الجنينة النهارده.
سعاد : صحيح؟ لازم كنت مبسوط خالص.
خالد : كنا بنلعب سوا لكن بابا عادل نزل الجنينة وقاله يطلع البيت.
سعاد : لازم كان عاوزه في حاجة يا خالد وعادل لازم يسمع كلام باباه.

(الطفل يسكت لحظة.)

سعاد : بابا يا خالد بيشتغل شغلة عظيمة جدًّا. بتاخد منه وقت كتير، كمان المسافة بيننا وبينه طويلة يا خالد، عشان كده مش بيجي.
خالد : هو بيشتغل إيه يا ماما؟
سعاد : بيكتب يا خالد. بيكتب حاجات حلوة خالص. وكل الناس بتحبه وبتحب تقرا له. بكرة لما تكبر يا خالد وتعرف تقرا حجيبلك كل الحاجات اللي كتبها عشان تقراها وتعرف إن بابا راجل عظيم.
خالد : طيب فين الشيكولاتة؟ اوعي تكوني نستيها يا ماما؟
سعاد : معقول انساها يا خالد؟

(تُخرج له الشيكولاتة من جيبها. يأخذها خالد في سعادة.)

(تدخل الدادة.)

الدادة : تعالى يا خالد يا حبيبي عشان تغير هدومك.

(الدادة تأخذ الطفل وتخرج. سعاد تجلس شاردة تفكر. تمسك إحدى الجرائد. تتصفَّحها في شرود.)

(تدخل الأم.)

الأم : مش تيجي تاكلي لقمة وتستريحي من تعب طول النهار. بتقري إيه تاني هو انت كده ما تبطليش قراية طول عمرك؟
سعاد : طول عمري احب القراية.
الأم : يظهر يا سعاد يا بنتي ان ربنا استغفر الله العظيم كان حيعملك راجل.
سعاد : قصدك إن الراجل بس هو اللي يقرا. والست تعمل إيه؟ تقشر بصل؟
الأم : الست تتجوز. فيه ست تعيش من غير جواز؟
سعاد : أيوه انا. مش محتاجة للجواز. عندي شغلي وعندي مركزي وعندي فلوسي وعندي ابني. عندي كل حاجة.
الأم : وشبابك يا سعاد؟ السنين بتجري يا بنتي وبكرة تندمي وتقولي يا ريتني اتجوزت.
سعاد : عمري ما حاندم. أنا أفضل اني أعيش طول عمري لوحدي عن اني اتجوز كده أي راجل.
الأم : وابنك؟ تفتكري انه مش محتاج لراجل في البيت يقوله يا بابا زي كل العيال؟
سعاد : خالد مش ناقص حاجة. أهم حاجة للطفل أنه يتربى كويس ويتعلم كويس. مش لازم أبوه وأمه يبقوا قاعدين جنبه دايمًا. فيه طفل بيبقى عايش في وسط أبوه وأمه وبيخسر من سوء التربية. وفيه طفل امه لوحدها بتعرف تربيه وتعرف تعوضه عن ابوه من غير ما تكدب عليه ومن غير ما تعقده.
الأم : أهو برضه بيبقى محروم من ابوه زي اليتيم يا ضنايا.
سعاد : يتيم دي كلمة قديمة. أيام ما كان الأب هو اللي بيصرف على ولاده وامهم كمان. فلما الأب يموت والا يجرى له أي حاجة الولاد يتشردوا ويجوعوا لكن دلوقت لا. الأم بقت زي الأب بتصرف على ولادها وبتربيهم.
الأم : لكن العيل بيبقى حاسس ديمًا إن فيه حاجة ناقصاه يا بنتي.
سعاد : مش لازم الطفل يكون عنده كل حاجة. أي نوع من الحرمان في حياته مع التربية الكويسة بيديله صلابة وقوة في شخصيته. وطبعًا ده حينفعه كتير لما يكبر؛ لأن الحياة عمرها ما حتديله كل حاجة.
الأم : أنا مش فاهمة حاجة خالص من كلامك يا سعاد يا بنتي. طول عمري ما فهمش كلامك.

(الدادة تدخل.)

الدادة : وانا طول عمري بافهم كلامك يا ست سعاد. صحيح انا ما تعلمتش في المدارس ولا اعرفش اقرا ولا اكتب. لكن والنبي كل كلمة تقولها الست سعاد بافهمها. مش كده والا إيه يا دكتورة سعاد؟
سعاد : أيوه يا دادة. الفهم مش بالتعليم في المدارس. فيه ناس بتفهم من غير ما تتعلم وفيه ناس بتتعلم ولا تفهمش.
الدادة : قومي يا ست سعاد قومي. أما انا عاملا لك طبق كشك بالفراخ يستاهل بقك.

(مكتب أنيق. يجلس إليه محمود زكي. يافطةٌ صغيرة على باب المكتب مكتوب عليها رئيس التحرير. محمود منهمك في الكتابة.)

(يدخل السكرتير.)

السكرتير : واحدة ست برة عاوزة تقابل سيادتك.

(محمود لا يسمعه. منهمك في الكتابة.)

السكرتير : فيه واحدة ست برة عاوزة تقابل سيادتك.
محمود : مين؟
السكرتير : واحدة ست.
محمود : اسمها إيه؟
السكرتير : ما قالتش لي اسمها.

(محمود يفكِّر لحظة.)

محمود : خليها تتفضل.

(تدخل سيدةٌ جميلة في دلال.)

محمود : أهلًا وسهلًا. اتفضلي.
السيدة : حضرتك مش عارفني؟
محمود : لا والله مش واخد بالي.
السيدة : أنا نادية.
محمود : أهلًا وسهلًا. نادية اللي بتكلميني في التليفون دايمًا؟
السيدة : أيوه. عرفت بقه؟

(محمود ينظر إليها في صمت دون حماس أو تشجيع.)

السيدة : كنت فاكرة انك عاوز تشوفني؟
محمود : حضرتك شرفت.
السيدة : يا ترى أما كنت بتسمع صوتي في التليفون كنت بترسم لي في خيالك صورة شكلها إيه؟
محمود : مش عارف. ما حولتش ارسم أي صورة.
السيدة : مش معقول! لازم كنت راسم لي صورة أحلى من كده؟ والا إيه؟
محمود : أبدًا. أنا قلت لنفسي بس انك لازم غاوية قراية.
السيدة : أبدًا. ما عنديش صبر على القراية.
محمود : أمال عندك صبر على إيه؟

(في دلالٍ شديد.)

السيدة : على الحب.

(في سخرية.)

محمود : كده؟ والله حاجة كويسة خالص!

(يدخل عزيز.)

عزيز : إيه؟ عندك ضيوف ولا إيه؟
محمود : لا. اتفضل يا عزيز.

(يقدِّم له السيدة.)

الست نادية.

(عزيز يصافح السيدة.)

عزيز : أهلًا وسهلًا! تشرفنا.

(السيدة تهمُّ بالانصراف.)

السيدة : طيب يا محمود. أنا مش عاوزة اعطلك. حاكلمك في التليفون لما ترجع.
محمود : متشكر يا فندم. مع السلامة.
السيدة : الله يسلمك.

(تخرج السيدة.)

عزيز : طبعًا يا سيدي. المعجبات كتروا قوي!
محمود : الشهرة والفلوس يخلوا الستات يجروا وراء أي راجل يا عزيز.
عزيز : هي دي الطبيعة. كل الستات كده. خليك واقعي.
محمود : لأ. مش كل الستات يا عزيز. فيه ستات بيوزنوا الراجل من غير فلوسه أو شهرته.
عزيز : زي مين كده؟
محمود : سعاد.
عزيز : تاني؟ مش قلت انك حتنساها؟
محمود : مش قادر انساها يا عزيز. مش قادر. عرفت ستات غيرها كتير. كتير. لكن تصور يا عزيز ما فيش واحدة قدرت تفهمني زي سعاد. ما فيش واحدة شفت في عينها نفسي. كنت باشوف في عينين سعاد اني إنسان قوي. حتى في عز ضعفي. في عز مرضي وانهياري عمر ما الصورة اللي جوه عينها ما تغيرت.
عزيز : وكل ده بيريحك.
محمود : بالعكس. كنت عاوزها تغير رأيها في عشان استريح. ثقتها فيَّ كانت تعذبني. كانت متهيأ لي أنها بتخدعني.
عزيز : ودلوقت؟ مش ثبت لك ان ثقتك فيها كانت في محلها.

(محمود يُطرِق صامتًا.)

عزيز : أنا مندهش يا محمود! ليه مش بتحاول تقابل سعاد؟
محمود : مش عارف. بفكر كتير اني اقابلها. أحيانًا امر من قدام عيادتها وانا ماشي بالعربية. وانظر واقرأ اليافطة. وأحس بقوة غريبة تخلي رجلي تدوس على الفرامل عشان اقف. لكن قوة ثانية أغرب تخليني ادوس بنزين وامشي.
عزيز : ما حاولتش تعرف ليه بتعمل كده؟
محمود : حاولت. أنا خايف يا عزيز إن سعاد تكون نسيتني ولما اقابلها ما تشوفش فيَّ محمود بتاع زمان اللي بتحبه.
عزيز : بس كده؟
محمود : أو تكون سعاد اتغيرت في السنين الطويلة اللي فاتت. ولما اقابلها اشوف فيها واحدة ثانية غير سعاد اللي انا باحبها.
عزيز : وإيه تاني؟
محمود : بس.
عزيز : بسيطة. ما تروح تقابلها وتشوف بنفسك الحقيقة بدل ما انت عايش في الحيرة دي يا أخي. خليك واقعي بقه.
محمود : خايف يا عزيز. إنت مش عارف انا حاطط أمل كبير أد إيه في سعاد.
عزيز : لأ. ما تحطش أمل كبير في أي حاجة في الدنيا، الدنيا نفسها بتتغير. كل حاجة بتتغير. حط في مخك ان سعاد رخره ممكن تتغير زي أي حاجة في الدنيا. لما تعرف كده حتروح تقابلها من غير تردد. والله إذا كانت زي ما هي ده اللي انت عاوزه. والله إذا كانت اتغيرت مش حتبقى مفاجأة لك أو صدمة.
محمود : كلامك معقول يا عزيز. لكن برضه انا متردد. متهيأ لي استنى شوية يعني هي مش عارفة انا بقيت إيه؟ لازم قرت لي مرة ولو بالصدفة.
عزيز : طبعًا. لازم قرت.
محمود : ليه ما فكرتش انها تقابلني؟
عزيز : هو ده معقول؟ واحدة ست تروح تقابل الراجل اللي كانت متجوزاه قبل كده؟ مش معقول!
محمود : سعاد مش أي واحدة. سعاد بتعمل دايمًا اللي هي بتشوف انه صح.
عزيز : لا. مش ممكن. الست برضه لازم تستنى لما الراجل هو اللي يروح لها.
محمود : سعاد عمرها ما كانت سلبية.

(محمود يفكِّر في شرود.)

عزيز : وانت ليه ما تروحش تقابلها وتبقى إيجابي يا أخي؟
تصوير داخلي:

منزل سعاد.

سعاد صامتة شاردة. الأم تقترب منها وتربتُ على كتفها في حنان.

الأم : عشان خاطري يا سعاد. ارضي بالأستاذ رفاعي نفسي اشوفك متجوزة قبل ما اموت. نفسي أطمِّن عليكي. عشان خاطر ابنك خالد وعشان خاطري يا سعاد. ريحي قلبي ربنا يريح قلبك.

(الأم تبكي. تمسح دموعها، سعاد تنظر إليها في عطف. الأم تتركها وتخرج. تمشي الأم وتعرج في شيخوخة وتعب.)

(سعاد تستلقي على السرير في إعياء على وجهها. تتقلب على الفراش. صورةٌ مكبَّرة لوجه سعاد تعبِّر عن الحيرة.)

(الأم تدخل إلى غرفة ابنتها سعاد مرةً أخرى على وجهها تعبير الاستجداء والإعياء.)

الأم : خلاص يا سعاد يا بنتي. ربنا يهديكي وتوافقي على الأستاذ رفاعي. ده بيحبك وبيحب ابنك. ريحي قلبي يا سعاد، قلت إيه؟

(سعاد تتنهَّد في إعياء.)

سعاد : حاضر يا ماما.

(قطع.)

(زغرودة تنطلق من فم الدادة.)

(صوت زغرودة طويلة.)

تصوير داخلي:

حجرة الطعام في منزل سعاد. الطفل خالد على كرس. دادة أم علي تجهز الأطباق.

خالد : هو بابا حيتغدى معانا النهارده يا دادة؟
الدادة : أيوه يا حبيبي.
خالد : لكن هو بابا مش بيقعد معانا في البيت ليه يا دادة؟ مش زي بابا عادل؟
الدادة : أصله لسة يا حبيبي راجع من السفر وبيخلص شوية شغل. وبعدين بيجي يقعد معانا على طول.

(يدخل الأستاذ رفاعي. الدادة ترحب به. خالد يقف ويسلم عليه.)

الدادة : أهلًا سي رفاعي. أهلًا اتفضل. اتفضل.
رفاعي : ازيك يا خالد.
خالد : الله يسلمك يا بابا.

(رفاعي يجلس، وخالد يجلس، والدادة ترتب الأطباق.)

خالد : انت بتروح فين يا بابا؟
رفاعي : بروح الشغل يا خالد.

(الدادة تعطي الطفل خالد طبقًا آخر.)

الدادة : كل يا حبيبي. كل يا ضنايا.
خالد : وانت بتشتغل إيه يا بابا؟ دكتور زي ماما؟
رفاعي : لا مش دكتور زي ماما. كل وانت ساكت.

(الدادة تنظر إلى رفاعي من خلف ظهره في غيظ. خالد يبدو عليه الألم.)

(الدادة تربتُ عليه في حنان.)

الدادة : كل يا حبيبي يا ضنايا. ما تزعلش يا خالد. أصل بابا راجع تعبان من الشغل.

(الدادة تخرج.)

(خالد يمسك المعلقة ويضعها في فمه وينظر إلى رفاعي. رفاعي يرفع المعلقة إلى فمه وينظر إلى الطفل نظرات كراهية. الطفل يُطرِق ويأكل في صمتٍ حزين.)

تصوير داخلي:

حجرة مكتب أنيقة. مكتوب على بابها رئيس التحرير. محمود زكي يجلس على المكتب الفخم. مشغول جدًّا يردُّ على التليفونات. يمضي على أوراق يقدمها له بعض المحررين. عمل حركة. نشاط. يُسمع صوت ماكينة الطباعة.

يخرج جميع المحررين. يبقى محمود وحده في الحجرة. يمسك رأسه بيدَيه في اعياء. عزيز «زميله» يدخل. محمود يرفع رأسه في إعياء.

عزيز : مقالك الأخير عامل ضجة كبيرة قوي يا محمود. كل الناس بتتكلم عليه.
عزيز : إيه ما لك يا محمود؟
محمود : ما فيش. إرهاق من كتر الشغل.
عزيز : شغل؟ هو انا مش عارفك. عمر ما الشغل يتعبك> لازم فيه حاجة> أنا ملاحظ انك اليومين الأخيرين دول مش تمام. مش زي عوايدك. فيه حاجة مضايقاك يا محمود؟
محمود : أبدًا يا عزيز. ما فيش غير سعاد.
عزيز : يا أخي ما انت قريت خبر خطوبتها من شهور. واتفقنا على إنك تنساها.
محمود : مش قادر انساها يا عزيز.
عزيز : لسة بتحبها يا محمود؟
محمود : مش عارف. صورتها مش بتغيب من ذهني أبدًا. مش عارف ليه؟ وصورة ابني خالد دايمًا قدامي.
تصوير داخلي:

في منزل سعاد.

زوجها مع الطفل خالد والدادة يتحدثون في غرفة الطعام.

خالد : الشغل ده بالليل وبالنهار يا بابا؟ اشمعنى بابا عادل بيشتغل بالنهار بس؟
الدادة : أصل بابا يا حبيبي مهندس كبير أد الدنيا وبيشتغل كتير. وبكرة إن شاء الله يفضى شوية ويرجع لنا كل يوم زي بابا عادل.
خالد : لكن يا بابا إنت كنت مسافر بعيد قوي كده عشان ايه؟
رفاعي : عشان شغل برضه.
خالد : وما خدتنيش معاك ليه يا بابا؟

(رفاعي ينظر إلى الساعة.)

رفاعي : إنت كنت لسة صغير. بترضع. ولازم تقعد مع ماما. سعاد اتأخرت يا أم علي.
الدادة : زمانها جاية حالًا. هي عارفة ان حضرتك جاي على الغدا.

(جرس التليفون يدُق. الدادة ترُد.)

الدادة : أيوه يا ست سعاد. ليه يا ست سعاد؟ عملية مستعجلة؟ طيب يا حبيبتي. ربنا يكون في عونك. أيوه الأستاذ رفاعي جه. حاضر يا ست سعاد. مع ألف سلامة.

(الدادة تضع السماعة.)

رفاعي : فيه إيه يا أم علي؟
الدادة : دي الست سعاد جاتلها عملية مستعجلة في العيادة. وحتتأخر شوية عن الغدا يا كبدي عليها! عمرها ما اتغدت معانا أبدًا. ربنا يكون في عونها.
رفاعي (غاضبًا) : لكن هي عارفة اني جاي على الغدا. كان لازم تيجي في ميعادها.
الدادة : غصب عنها يا سي رفاعي. حتسيب العملية يعني؟
رفاعي : تأجلها لبعد الضهر.
الدادة : تأجلها؟ هو العيا بيستنى يا سي رفاعي؟ لما العيان يموت؟
رفاعي : يموت يموت. هو ما فيش دكتور غيرها في البلد؟ الدكاترة على قفا مين يشيل!

(الدادة تنظر إليه في غيظ. تناوله طبقًا فيه نوع من الطعام.)

الدادة : كل. كل يا سي رفاعي كل ولا تغيرش دمك. زمان ست سعاد جاية.
رفاعي (في غضب) : أنا مش حاسس اني حابقى راجل البيت أبدًا. كل حاجة الدكتورة سعاد. الدكتورة سعاد. اليافطة مكتوب عليها الدكتورة سعاد. التليفونات كلها الدكتورة سعاد. الدكتورة سعاد راحت الدكتورة سعاد جت. كل حاجة الدكتورة، الدكتورة، وانا الراجل صفر على الشمال. ما بقاش لي اسم، اسمي بقى خطيب الدكتورة. حاجة تجنن.
سعاد (في هدوء) : إنت عارف يا رفاعي إن الدكتور له صلة كبيرة قوي بالناس. ومش عيب أبدًا إن خطيبتك تكون دكتورة ناجحة وكل الناس بتطلبها، بالعكس دي حاجة تفرحك وتخليك مبسوط.
رفاعي : مبسوط؟ مبسوط قوي. حنبسط على إيه يا دكتورة؟ هو انا حاسس إني خاطب واحدة ست؟ ده كأن راجل خاطب راجل. لكن راجل إيه؟ ده الراجل بيقعد في البيت شوية عنك.
سعاد : انت عارف يا رفاعي من قبل ما نتفق على الخطوبة إني باشتغل وان شغلي بياخد مني وقت كتير.
رفاعي (غاضبًا) : أيوه يا ستي. كنت عارف انك دكتورة ناجحة ومعروفة. لكن ما كنتش عارف ان ده حيكون على حسابي أنا؟
سعاد : يعني على حسابك انت؟ إنت فاهم الجواز ده يعني راجل بيشتري واحدة ست عشان تطبخ له وتغسل له هدومه وتقعد طول النهار في البيت تستناه لما يرجع من شغله؟ الست في نظرك إيه؟ خدامة؟
رفاعي : أيوه خدامة لجوزها. ده شرف كبير لها. الطبيعة خلقاها عشان كده. مش عشان تبقى راجل زيه.

(سعاد تقف غاضبة.)

سعاد : أنا مش ممكن اقدر اسمع المناقشة بتاعة كل يوم. إنت تفكيرك غير تفكيري. مش ممكن حياتنا تستمر سوا وانت بتبص للست النظرة دي.

(الأم تدخل. تتجه ناحية رفاعي.)

الأم : ما تزعلش نفسك يا أستاذ رفاعي، سعاد معذورة يا بني. شغلها بيحكُم عليها.
رفاعي (ساخرًا غاضبًا) : شغلها بيحكم عليها؟ عال خالص؟ أمال انا صنعتي إيه بقه؟ المفروض أنا اللي أحكُم عليها مش شغلها.
الأم : طبعًا يا ابني طبعًا انت اللي تحكم عليها. بس هي معذورة في شغلها.
سعاد (غاضبة) : إيه الكلام ده؟ يحكُم عليَّه يعني إيه؟ هو أنا إيه؟ أنا إنسانة لي رأيي وأفكاري. ده انا باتحكم في أرواح الناس يقوم يتفاهم معاي بالشكل ده؟

(سعاد تخرج غاضبة.)

الأم : معلهش يا أستاذ رفاعي. سعاد طول عمرها كده. وراسها ناشفة. إنما قلبها دهب.
رفاعي : قلبها؟ هي عندها قلب؟ أنا رايح المكتب!

(الدادة تقف على الباب.)

(تسمع رفاعي يخرج غاضبًا.)

الدادة : والنبي ما حد ما عندوش قلب غيره.
الأم : مين؟
الدادة : سي رفاعي. حيكون مين؟
الأم : ليه؟
الدادة : كله كوم وضربه للولد الصغير كوم.
الأم : هو بيضربه؟ قطع إيده.
الدادة : اسكتي يا ست سنية. انا مبرضاش اقول للست سعاد. ده يا ضنايا بيتلككله على أي سبب وهي مش في البيت ويروح ضربه على وشه بالقلم. يتنُّه يا ضنايا يعيَّط لما يقول يا بس ويقوله يا حبة عيني ما تزعلش يا بابا. حقك عليَّ يا بابا.
الدادة (تبكي) : حرَّمت يا بابا. لما يخلي قلبي يتقطع حتت.
الأم : إلهي تنشل إيدك يا رفاعي. ومش بتقولي له حاجة يا أم علي؟
الدادة : حقوله إيه؟ بقول أهو زي ابوه وبيربيه.
الأم : بيربيه؟ تربية في عينه وعين اللي خلفوه. والنبي لا قول لسعاد لما ترجع. أهو ده اللي ناقص! يضرب الولد! ضربة في قلبه.
تصوير داخلي:

حجرة نوم محمود. محمود مستلقٍ على السرير يقرأ في كتاب. أخته عزيزة الخرساء تدخل ومعها كوب من الشاي تضعه إلى جواره على الكوميدينو. محمود يشكرها بابتسامة والإشارات ويواصل قراءته. الأخت تخرج. محمود يتوقف عن القراءة ويشرد قليلًا يفكر. شاردًا.

تصوير داخلي:

سعاد أيضًا مستلقية على سريرها بملابس الخروج شاردة.

يعود المنظر إلى محمود وهو في السرير يمد يده يضع الكتاب على الكوميدينو. يده ترتطم بكوب الشاي. الكوب يقع وينكسر.

موسيقى عنيفة ومستمرة.

صورةٌ مكبَّرة لوجه محمود ينم عن الفزع. يعود المنظر إلى سعاد وهي مستلقية على السرير. تسمع صوت شيء يقع على الأرض. ثم تسمع صوت لطمة قوية يعقبها صوت صراخ الطفل خالد.

الموسيقى مستمرة.

سعاد تقفز من السرير كالنمرة تخرج إلى الصالة مهرولة.

الموسيقى مستمرة.

تصوير داخلي:

حجرة الطعام في منزل محمود زكي. سفرجي يجهز الأطباق، عزيزة الأخت الخرساء تشرف عليه وترتدي ملابسَ أنيقة. تجلس على كرسي وفي يدها شغل تريكو، الجرس يدق. تبتسم وتجري مسرعة إلى الباب.

يظهر بالباب رجل يحمل حزمة من الزهور والورد.

عزيزة تأخذ منه الزهور وتبتسم له وتشكره. يشير لها الرجل أنه سيأتي في الغد.

عزيزة تفك الزهور وترتبها في زهريات. تضع واحدة على المائدة وتضع الباقي في أماكنَ أخرى.

تبدو عليها السعادة.

الجرس يدق، الأخت تفتح الباب.

محمود يدخل. تعانقه وتقبِّله. تشير إلى الطعام. يجلس إلى المائدة. لا يشعر برغبة في الطعام.

الأخت تُحاول أن تُرغِّبه في الأكل. محمود يُفهمها أنه غير جائع وأنه سيدخل ليستريح. محمود يدخل حجرة نومه. حجرة أنيقة فيها مكتبٌ صغير. يجلس على المكتب يفكر في شرود. يفتح أحد الأدراج ويُخرج منها صورة سعاد الممزَّقة. يتأملها قليلًا ثم يضعها في الدرج. محمود يمسك رأسه بيدَيه. تدخل أخته عزيزة ومعها كوب من الشاي. الكوب يقع على الأرض وينكسر.

موسيقى عنيفة.

صورةٌ مكبَّرة لوجه محمود تنم عن الفزع.

في منزل سعاد.

صورةٌ مكبَّرة ليد رفاعي تلقي بأحد الأطباق على الأرض وينكسر.

يظهر رفاعي واقفًا في حجرة الطعام ثائرًا غاضبًا.

الطفل خالد يصرخ باكيًا في خوف. الدادة تجري إليه وتحمله وتخرج به من حجرة الطعام.

داخلي:

منزل سعاد.

سعاد مع أمها في حوار.

سعاد : لازم الطلاق يا ماما. عقليته. نظرته للحياة، نظرته للست. نظرته للجواز كلها غلط. وكمان قسوته على ابني.
الأم : يا دي الفضيحة! ما هو الراجل وكل الرجالة كده.
سعاد : حياتنا سوا مش ممكن تنفع يا ماما.
الأم : يا دي الفضيحة! إنت طول عمرك غاوية فضايح.
سعاد : فضيحة إيه يا ماما؟ إنت كل حاجة عندك فضيحة. فضيحة.
الأم : أمال وافقت على إنك تجوزيه ليه؟ ما كنتي تقولي كده من الأول؟
سعاد : وانا معقول كنت اعرفه على حقيقته إلا بعد الجواز.
الأم : وإيه اللي مش عاجبك فيه؟
سعاد : حاجات كتير قوي يا ماما. أول حاجة انه مش مقتنع بشغل. الست في نظره زوجة في البيت وبس. وانتي عارفة يا ماما اني أنا باحب شغلي وتاني حاجة خالد.
الأم : ما له خالد؟ عرف انه أبوه وبيقوله يا بابا.
سعاد : أهي كلمة بيقولها من غير ما يحس انه أبوه حقيقي. رفاعي مش بيحب خالد وعمره ما حيحبه وانتي عارفة ان خالد ده حياتي و…
الأم : وإيه تاني؟
سعاد : و… و…
وانا مش باحب رفاعي، أيوه مش باحبه. أنا كنت متصورة إن الجواز حيديني فرصة اني أحبه لكن أبدًا، كل يوم يزيد اقتناعي بأني مش ممكن أحبه.
الأم : حب؟ يا دي الفضيحة! احنا عيلة محترمة لها قيمة مش بتاعة حب.
سعاد : ومين قال ان الحب يقلل القيمة والاحترام؟
الأم : يا دي الفضيحة! الناس حتقول علينا إيه؟ يا فضيحتي! طلاق تاني يا بنتي؟

(الأم تخرج في عصبية. سعاد تجلس وحدها شاردة. تفكِّر. تمسك رأسها بين يدَيها.)

داخلي:

العيادة

فوزية تدخل إلى غرفة مكتب. د سعاد. تراها جالسة يبدو عليها الإعياء والتفكير.

فوزية : خلاص العيادة فضيت. حاعمل لك كوباية ينسون.

(تخرج فوزية.)

فوزية : كان نفسي أشوفه.

(فوزية تتمشَّى في الغرفة في قلق.)

سعاد : يعني أحبه.

(تدخل فوزية بكوب الينسون على صينية.)

فوزية : مين واخد عقلك يا ترى؟
كان نفسي اشوف الراجل ده اللي خلى سعاد زغلول تحبه الحب ده كله. ده انا فاكرة كلامك واحنا في المدرسة تقوليلي بكل سذاجة: حب؟ حب إيه يا فوزية؟ ما فيش حاجة اسمها راجل. أنا عاوزة اطلع دكتورة.
سعاد : محمود ما كانش راجل عادي يا فوزية.
فوزية : ما هو الحب اللي بيهوِّل كل حاجة يا سعاد.
سعاد : لا مش الحب يا فوزية. محمود كان موهوب. كانت له شخصية غير كل الرجالة. كان ممكن يبقى شخص عظيم. كان ممكن يعمل حاجة كبيرة.
فوزية : لكن يا خسارة!
سعاد : كان الأمل الوحيد عشان يخف ويتغلب على الأزمة.
فوزية : ما فيش حد تاني زيه؟
سعاد : أبدًا.
فوزية : كل إنسان بيمر في تجارب خاطئة في حياته.
سعاد : ما كنتش تجربة خطأ. كان لازم أعيشها.
فوزية : عمرك ما ندمت عليها؟
سعاد : أبدًا. بالعكس. كنت حاندم لو ما عملتهاش.
فوزية : إنت بتتكلمي كلام غريب!
عمري ما شفت واحدة تدافع عن جوزها اللي انفصلت عنه بالشكل ده.
سعاد : أمال بتعمل إيه؟
فوزية : طبعًا بتهاجمه. بتقول انه كان وحش ومقدرتش تعيش معاه وعشان كده انفصلوا.
سعاد : لأ. ما قدرتش اقول عليه كلام كدب. هو كان إنسان نبيل. نبيل جدًّا حتى في عز تعبه.
فوزية : إنت لسة بتحبيه؟

(سعاد تسكن لحظة. تنظر في ساعتها ثم تقف.)

سعاد : حا اضطر انزل دلوقت.
فوزية : أنا متأسفة إذا كنت ضايقتك.
سعاد : لا أبدًا.

(تخرج فوزية وتغلق الباب خلفها. سعاد تجلس مرةً أخرى إلى مكتبها تفكِّر في شرود. تسير في حجرة مكتبها في قلق، ثم تعود وتجلس إلى المكتب في شرود. تحاول أن تكتب شيئًا.)

(يُفتح باب حجرة مكتبها ببطءٍ شديد. ويظهر محمود واقفًا على الباب.)

(سعاد تلتفت إليه في دهشة.)

سعاد : محمود؟!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤