يا للجلال

رسالة الجاذبية
آه لو أسطيع أن أخرجها
من زماني، إنني لا أستطيع
آه لو أسطيع أن أدخلها
في حياتي، إنني لا أستطيع
قدرت قدرتها فيَّ … فلا
أستطيع قدرة لا أستطيع …

•••

كل من يكذب في الحب قدر١
إن أطاق الحب — والله — غدر
وصحيح الحب حبه هدر
كل ما يسطيع أن لا يستطيع

•••

في عينيك يا حبيبتي سحر ظاهر بمعانيه يلقي الحب على من ينظر إليه.

أهو سر الضرورة الذي يشعرنا من معانيك الرحيمة بمعانيك القاسية؟

أم هو روح اضطراب مجهول أودعتك القدرة إياه؛ ليخلق حولك العواطف القلبية؟

أم هو استبداد الجمال الذي خصصت به؛ ليكون قلبك وحده في قوة القلوب كلها؟

أم هو ذلك المعنى الخالق الذي يفيض على جمالك تمييز جملتك البديعة في شيء شيء وفي حسن حسن؟

أم أنت أنت، وذلك السر في عينيك معنى «أنت»؟

•••

دائمًا يضيف وجهك إلى كلامك بلاغة إلهية:

ولو نطقت بألفاظ القوة التي تشبه أجراسها صلصلة السلاح٢ لخرجت من شفتيك متنهدة.

ولو تكلمت بأشد ألفاظ القسوة؛ لذابت في حلاوة شفتيك، ومتى نطقت باسمي خرج من فمك سكران …

أيُّ سر هذا الذي يجعلك على كل أحوالك تفيضين بالقوة كأنما بنيت على شكل لا يزال يجمعها في نفسه ويبثها من نفسه؟

إنه ولا ريب طابع الجاذبية على القوة.

وأي إبداع هذا الذي يظهرك في محاسنك مظهر كون خلق كله من الزهر، وهو جميل في مجموعه بأجزائه وفي أجزائه بمجموعه!

إنه ولا ريب طابع الألوهية على المعجزة.

•••

حولك ما نحسه ولا نعرف منه إلا أنه حولك وحسب، والجو الذي أنت فيه ينعكس عن جمالك في صورة سحرية، فلو أنني طفت العالم كله لرأيته من حولي أينما كنت، وأبصرت وجهك دائمًا أمام عيني كأني محدود بك في حدود مسحورة تدعك حيث أنت، وتمضي معي حيث أكون!

وما الوجود إلا انسياب قوى المادة بعضها في بعض، وفي هواك تنساب القوى من روحك إلى روحي، فالأصل الذي بني عليه الكون في منافعه بنيت أنت عليه في محاسنك، كأنما هو يعرض قوانينه التي تحس ولا ترى في صورة منك تحس وترى، وتزيد على الرؤية أنها آخر حدود العشق، وعلى العشق أنها أول حدود العبادة.

أما والله لو ناديتك بغير اسمك يا حبيبتي لما وضعت لك إلا اسمًا من معانيك، ولو سميتك بهذه المعاني لما ناديتك إلا بهذا الاسم العظيم: يا نسوية العالم …!

•••

نارية في غير نار! آه من يفهم هذا؟ ولكني أحسه منك حتى لا أرى جسمك إلا مضيئًا مشتعلًا بالشباب والجمال، وتالله إني لأحسبك في بعض سبحاتي نارًا مدمرة كأنك تقذفين على قلبي منفجرة فيه: ويشتد بي الوجد وأضيق، فما أظن الحب إلا عداوة ساخرة تهزأ بالناس فتجيئهم متلطفة في غير أسلوبها، وعلى غير طريقتها ومن غير أهلها، من الحبيب … من الحبيب على أنها عداوة …!

أتلك تلك يا قلبي نار وتدمير وعداوة؟ أم أنها ترتجف من جاذبيتها على زلزلة لا تهدأ ولا تقر، ولا بد لها أن تتم عملها بطريقتها العنيفة؟ إن فيها حركة الجذب، وإن فيَّ حركة المقاومة، فأنا المتألم بطبيعتي؛ لأن انجذابي إليها إن هو إلا اصطدام معانيَّ بمعانيها، واندفاع ما يتحطم إلى ما يحطمه، ولكن يا لها من عجيبة، إن هذه هي بعنيها لذة الحب؛ إذ كان تحطيمه فينا هو تغييره فينا، وبذلك يجدّد الحياة، أيامها وأشياءها ومعانيها، ويضع في كل أمر غرامًا، ويجعل لكل شيء عينًا كحيلة …

وراءك يا حبيبتي فكرة مختفية كأنك أنت عملها على حين كأنما هي من عملك. أيكما يا ترى الخطر المستور بجماله؟

مع جاذبية الألوان والعطور في ثيابك وحلاك جاذبية أعطرك وأزهى في ملبس معانيك من العواطف، وفي ملبس روحك من الدلال، ولا يعدلك في هذه الفتنة الكاسية إلا السماء في فتنتها للرجال الإلهيين، حين تلبس حرائقها من شفق الصبح.

يا للجلال! إذ تفسر الطبيعة نفسها الغامضة بامرأة جميلة؛ لتحقق بها في النفس العاشقة وهم الكمال الإنساني المستحيل الذي يخيل لها اندماج الكون بجلاله العظيم في ذاتية إنسانية، ذاتية المحبوب المخلوقة على مساواة وتقدير من محبها لتجذبه وتفتنه، فتخرج به من حكم عقله فتنفذ أقدارها في أقداره، فتعقد على أطراف حياته بعقدة عاطفية واحدة تستطيع بها تلك المرأة أن تهزه من كل نواحيه بأيسر لمسة! …

•••

إنما الكون كهربائية، ولا بد في الكهربائية من سلب وإيجاب؛ فمن يدري لعل كل متحابين هما مظهر كهربائي لا يحوطهما إلا جو النفس المحترقة تشعل بالضحكات كما تلتهب بالدموع! لأن هذه وهذه مادة حب ساطعة في مظهرين! كاللهب؛ تكون فيه مرة شدة الانبعاث فكأنما يضحك، ومرة فترة الانطفاء فكأنما يبكي، ويقع الإيجاب في السلب فيحدث الحب، ويحدث فتكون الجاذبية، وتكون فإذا إنسان يعانيه قد احتل إنسانًا في مادته فتفاعل أجزاؤهما، فلن يكون الحب والبغض منهما إلا فوق الاعتدال؛ إذ في واحد تتهارب أجزاء من أجزاء، وفي الآخر يفنى بعضها في بعضها.

إنما هي قوة تلبست الصورة؛ لتعمل بها عملًا في نفسها، وتدل بها دلالة في غيرها، فحبي المخلص الشديد معناه فيك أنت الحسن الخالص الفاتن، وتفكيري في محاسنك معناه في أنا: خلق لغة الأشياء الجميلة ليتصل عقلي بحقيقتها.

وإحساسي بك وحدك معناه في الوجود إحساسي بجماله كله.

والآن وأنا أكتب إليك … تتمثلين لي فأرى تقاسيم الحسن فيك فأقول: وما هذه التقاسيم البديعة؟

ألا رفقًا بالقلب الذي أجابني إنها تركيب المغناطيس الغرامي، وتوزيعه في أماكنه على هندسة الجاذبية: رفقًا بالقلب الذي تلمسينه من جاذبيتك بالنظرة والكلمة والفكرة كأنه حولك لأنك حوله …! بالوحي، والخيال، والحسن …

من أجل الإبداع، والسمو، والحب.

أنت في نفسك، وأنت في معانيك، وأنت فيّ!

١  المحب الصادق لا يقدر إلا على أن يحب والكاذب يقدر على ما شاء …
٢  الأجراس: الأصوات، والصلصلة صوت وقوع السلاح بعضه على بعض.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤