القسم الثالث

أفول المدرسة الفيثاغورية

موت فيثاغورس

أثار فيثاغورس منذ وصوله إلى كروتون الغيرة والحسد في نفوس بعض القطاعات في المجتمع، وحَظِي بالقبول من كلِّ مَن الْتقى به وانخرط معه، ولكن ما إن شرع في تقييد علاقاته وحصرها داخل دائرة سِرِّية من التلاميذ والسياسيين حتى تغيَّر الرأي العام المُوالي له، وتزايَد باطراد عدد مَن بقوا خارج دائرة فيثاغورس، وازداد سخطهم لإيثاره مواطنِين آخَرِين عليهم، وبدأ البعض يتآمر علانية ويُصرِّحون بأن أتباعه جمعَتْهم نوايا مُعادِية ضد الشعب. ثانيًا: بعض الرجال الناقمِين عليه كانوا من الأثرياء وذوي حَسَب مِن أُسَر نبيلة، ومن ثَمَّ فإنهم حالَ بلوغهم السِّن القانونية لم يقتصر أمْرُهم على تولِّي السُّلطة داخل أُسَرهم، بل وأيضًا تولَّوا إدارة شئون المدينة، وبلغ عددهم أكثر من ثلاثمائة، وأصبحوا يُمثِّلون نسبة كبيرة داخل المجلس الحاكم، المجلس الأَلْفي، وأصبحَت آراؤهم موضوعًا لحوار جادٍّ وسط كل أبناء شعب كروتون.

زِد على هذا أنه ما دامت اهتمامات كروتون منحصِرة داخل مدينتهم، ظلَّ شَعبُها راضيًا عن السُّلطة الأوليجاركية، سُلطة القِلَّة من الأغنياء الحاكمة، علاوة على نفوذ فيثاغورس، وتأثيرهم على قادتهم فيما يتعلَّق بالعدالة والحُرِّية، ولكن كروتون تغيَّرَت وتوسَّعَت. وأسَّسَت أو سيطرَت على مستعمَرات عديدة في جنوب إيطاليا بما في ذلك كولونيا، وتيرينا بعد أن عانَت من هزيمة ساحقة في حرْبِها ضد لوكري. وهنا بلغَت ذروة مَجْدها وقُوَّتها حوالي عام ٥١٠ق.م. وألحقَت الهزيمة بمدينة سيباريس، ورغبة من الكرويتينيين تأكيد وضمان هذا النَّصر عمَدوا إلى تغيير مَجرَى نهر كراتيس بحيث يَفيض ويُغْرق المدينة المهزومة ويمحوها من المشهد وإلى الأبد.

وكان النجاح العسكري وتوفُّر الثروة الناجمة عن التوسُّع الإقليمي عاملًا مشجعًا لإحداث نَقلة في النفوذ السياسي وتحوُّلًا عن الأُسر الحاكمة التقليدية، وبعد الاستيلاء على سيباريس لم يَجْرِ تقسيم وتوزيع الأرض حصصًا بين الشعب كما كان مأمولًا، بل اختص أهل السلطان بالأرض لأنفسهم، وصَب الشعب غضَبه على الفِيثاغُوريِّين واتَّخذَهم هدفًا له.

وتحوَّلَت المعارَضة العامَّة إلى عَداء نَشِط بفضل الدوافع الشخصية لأبناء الطبقة الأرستقراطية؛ مثال ذلك: أن كيلون وهو كروتوني أرستقراطي بحكم الثَّروة والميلاد كان صاحب ميول تَتَّسم بالعنف والطغيان والاستبداد، واعتَبر نفسه الأفضل والأجدَر، ورأى أن مِن حقه عضوية الطائفة الفيثاغورية؛ لذلك قصَد فيثاغورس وقد كان كهلًا وقت ذاك، وتحدَّث مزْهوًّا بنفسه وحَسَبه ونَسَبه، وطلَب عقْد لقاء للتحدُّث معًا، ولكن فيثاغورس بخبرته في قراءة طبائع البشر رجالًا ونساء من خلال الطبيعة والسُّلوك كما يَتجلَّيان في الأبدان، أصرَّ على أن يترك المكان ويذهب لمباشَرة عمله، واعتبر كيلون هذا إهانة له واستشاط غضبًا.

ولذلك وجد فرصته في الاضطراب الاجتماعي المتزايِد في كروتون، وبدأ في اتِّهام فيثاغورس، والتآمر ضده هو وزملائه، وأدرك كيلون وأتباعه أن الفِيثاغُوريِّين استمرُّوا أصحاب سَطوة على مدى عقود بفضل ما تَحلَّو به من أمانة ونزاهة، لذلك رأوا أن أفضل فرصة لهم للسيطرة على المؤسَّسات السياسية في كروتون هي انتهاز حالة الحماس المتزايد لحكم شعبي، وشَرَعوا في شنِّ حملة من أجْل تكوين مجلس الشعب وتهيئة وظائف عامَّة لكل المواطنين وانتخاب ممثِّلين لمحاسَبة مجلس الألف، وعارَض الفِيثاغورِيُّون هذه المَطالب، واختلفَت الآراء بشأن تغيير الدستور الموروث، ووجَد أتباع كيلون أن هذه فرصتهم لإحراز تقدُّم حين غادَر فيثاغورس كروتون وسافَر إلى ديلوس لزيارة فيريسايدس الذي أشرف على الموت. وبينما كان الفيلسوف عاكفًا على تمريض راعيه الأول في أيامه الأخيرة استمَد الكيلونيون جَسارة من خلال تأييد الشعب لهم، وعرَضوا على مجلس الأَلْف اقتراحًا لتأسيس مجلس شعب ونَجحوا في ذلك.

وعَقد المجلس المشكَّل حديثًا اجتماعًا عَقِب ذلك، وهاجَم كيلون، ونائبٌ شعبي يُدعَى نينون في أثناء الدورة الأولى أربعةً من قادة الفِيثاغُوريِّين بمن فيهم الطبيب ديموسيديس، ونسَّق الاثنان بدقة حُجَجهما. وأدْلى المُهيِّج كيلون بأوَّل وأطول خِطاب، واختَتم نينون بكلمة ادَّعى فيها أنه اخترق الأسرار الفيثاغورية وتوفَّرت لديه معلومات كافية لإدانتهم بالتآمر ضد الشعب، وعَمَد إلى دعم اتهامه بفقرات اتَّخذَها دليلَ اتِّهام استقاها من كتاب بعنوان «الخطاب المقدَّس» وتشير الفقرة حسبما افترض أن الفِيثاغُوريِّين وَصفوا الشعب بأنه قطيع ماشية بحاجة إلى راعٍ، هذا علاوة على المُحاجَاة لتأكيد ضرورة طاغية؛ إذ يقولون: خيرٌ للمرء أن يكون ثورًا ليوم واحد بدلًا من أن يكون بقرة على مدى الحياة. ورأى نينون أن مِن العبث أن شعبًا ألحق الهزيمة بثلاثة آلاف نسمة في معركة تهيمن عليه عُصْبة صغيرة العدَد تَتَّخذ السِّرية طابعًا لها، وحذَّرهم من أن الفِيثاغُوريِّين إذا انعقَدت لهم السيادة في التشريع فإن الشعب لن يكون له الحق في التجمُّع.

أثارت اتهامات نينون غضَب الشعب حتى أضْحَت حياة وأَمْن الفِيثاغُوريِّين في كروتون مهدَّدة بالخطر، وبعد بضعة أيام الْتَقى فريق منهم في بيت ميلون أعظم أبطال جيله من الأوليمبِيِّين وذلك لمناقشة رَدِّهم على الموقف الخطر والمتدهوِر باطراد، واحتشد جمهور كبير في الخارج، وأشعلوا النار في البيت. واستطاع اثنان فقط من الفِيثاغُوريِّين الهرب والنجاة، وهُما أركيبوس وليزيس، ولم يحدث أي إجراء عامٍّ ضد مَن اقترفوا هذا الجُرم الوحشي، ولهذا انسَحب الفِيثاغورِيُّون من الحياة العامة.

واستمر تدهُور الموقف بعد عودة فيثاغورس إلى كروتون، وذَبح الغوغاء أربعين من الفِيثاغُوريِّين المُجتمِعين في بيت أحد الإخوة، ووقع حادِث آخَر، إذ بينما الْتأَم شمل فريق من الفِيثاغُوريِّين لتقديم أضحية للموزيات (بنات زيوس التِّسع المُشرِفات على العلوم والفنون) في منزل قُرْب معبد أبوللو؛ استهدفهم حشْد قصد قتلهم، ولكن الفِيثاغُوريِّين وصَلَهم تحذير مُبكِّر، واستطاعوا الهرب مِن كروتون، واتَّهم الشعب آخَرِين بالتعاطف مع الفِيثاغُوريِّين ومناصرتهم، ولهذا انتظروهم إلى حين عودتهم إلى المدينة واختطفوهم وقتلوهم.

وحاوَل فيثاغورس نفسه الهرب بقارب إلى كولونيا التي تبعد حوالي خمسين ميلًا جنوب كروتون، وسافر من هناك عن طريق البر إلى لوكري، وما إن سمع أهل لوكري بمجيئه حتى أرسلوا شيوخهم إلى الحدود لاعتراض طريقه ومَنْعه من الدخول، وقالوا له: «يا فيثاغورس! نَعرِف حِكمتك واحترامك، ولكن قوانيننا عادلة. لسنا بحاجة إليك هنا في مجتمعنا. اذهب إلى أي مكان آخر وسوف نمدُّك بكل ما تحتاج إليه في رحلتك.» وهكذا غيَّر فيثاغورس وِجهَته ورَكِب سفينة إلى تارينتوم، ولَقِي المعامَلة نفسها التي لَقِيها في لوكري؛ ولذلك واصل رحلته إلى ميتابونتوم.

وكانت الثورة ضد الفِيثاغُوريِّين قد عمَّت كل أنحاء جنوب إيطاليا وتم القبض عليهم كلاجئِين وأُعيدوا إلى كروتون، وجيء بقضاة من تارينتوم، وميتابونتوم، وكولونيا، وأدان هؤلاء — بناءً على الرشوة — الفِيثاغُوريِّين، وأرسَلوهم إلى المَنفَى بعيدًا عن الحدود وعمَد شعب كروتونيا بعد التَّخلُّص من الفِيثاغُوريِّين إلى طَرْد كل من لا يُعلن ولاءه للنظام الحاكم القائم، وإبعادهم وأسرهم إلى خارج البلاد. ورفَضوا الاعتراف بالدِّيون وقامُوا بتوزيع الأراضي من جديد.

وهبَّ الغوغاء في ميتابونتوم ضد فيثاغورس وأتباعه. وهذه قصة ظل السكان يتذكرونها على مدَى أجيال تحت عنوان «الشغَب الفيثاغوري» ولاذ الفيلسوف بمعبد الموزيات. وظَل حبيس جدران المعبد في ظِل حماية قانون مقدَّس يحميه من أعدائه، ولكنه بَقِي بدون طعام إلى أن وافته المَنية في اليوم الأربعين وقد تضوَّر جوعًا، وبلَغ آنذاك المائة عام من عمره تقريبًا، وظل على رأس الطائفة الفيثاغورية في كروتون قرابة تسعة وثلاثين عامًا، ويحكي التراث أن فيثاغورس، وُورِي التراب في ميتابونتوم.

أتباع فيثاغورس

تلقَّت تعاليم فيثاغورس الضربة شبه القاضية بسبب تدمير الطائفة في كروتون وقتْل ونفْي فيثاغورس وأتباعه؛ ونظرًا لأنه حُظِر تسجيل فلسفَته كتابةً، علاوة على أن تلاميذه نَسبوا كتاباتهم هم إلى فيثاغورس وليس لأنفسهم فإن المدرسة بَقِيت بدون أي سُلطة مرجعية مُعترَف بها ويمكن الاعتماد عليها لإعادة بناء أُسِسها من جديد. زِد على هذا أن الشعور العامَّ المُعادي للفيثاغوريين في جنوب إيطاليا أَجبَر من بَقوا على قيْد الحياة مِن بعده على الاستيطان من جديد في المدن التي نظر أهلها إليهم بازدراء وعدم ثقة، أو الإقامة في مجتمَعات مُحلِّية قاصية؛ حيث عاشوا وليس لهم فيها نفوذ يُذكَر وعلاقات محدودة.

فرَّ بعض الفِيثاغُوريِّين إلى اليونان؛ حيث كان لهم نفوذهم على الفلسفة في أرض اليونان الأم، وازدهرَت هذه الفلسفة في القرن الخامس ق.م. تقريبًا، وهذا هو ما يُصعِّب تَتبُّع أثَرِه ومَساره.

ولعل أقرب هؤلاء إلى فيثاغورس هو ديموسيديس الذي اختلَطَت حياته مع حياة الفيلسوف منذ أيامهما في ساموس.

ونعرف أن ديموسيديس هو ومَن فَرُّوا معه امتَشقوا أسلحتهم للدفاع عن أنفسهم وهزَمَهم أهل كيلون في معركة حربية خارج كروتون، وانسحب مَن بَقوا على قيْد الحياة، ومنهم ديموسيديس إلى بلاتايا، ولكن ليسيز وهو تلميذ نَجا من النار التي اشتعلَت في بيت ميلون مع بداية الانتفاضة، فقد انسحب أولًا إلى أكايا شمال جُزر البيلوبونيز، ثم منها إلى طيبة واشتغل هناك مُعلِّمًا لواحد من أعظم القادة العسكريين تميُّزًا في اليونان القديمة واسمه أيبامينونداس، وقيل: إن ليسيز خلَّف وراءه مجموعة من الكتابات التي نسَبَها البعض بعد ذلك إلى فيثاغورس نفسه، وهي كتابات مُلغِزة بِلُغة سِرِّية وتحمِل قبسًا من حكمة الفيلسوف.

ويَذكر التاريخ أن أركيبوس الذي فرَّ مع ليسيز من حريق بيت ميلون عاد إلى مدينته التي نشأ فيها وهي تارينتوم، وقيل: إنه هو أيضًا ألَّف كتابًا عن التعاليم الفيثاغورية، ولكن كتاباته، مثلها مثل كتابات ليسيز تبدو مُبهَمة وغيْر ذات معنًى واضح أو مُهِم بحيث تكون مادَّة للدراسة للمبتدئِين، وجدير بالذِّكر أن المدرسة التي أسَّسها أركيبوس في تارنتوم أثَّرَت في أفلاطون بعد قرْن من الزمان، وكان أفلاطون قد أتى إلى هناك للدراسة على يَدي أركيتاس المعلِّم الثامن في مُسلسل خلفاء فيثاغورس.

ورحل كثيرون من الفِيثاغُوريِّين إلى صقلية، حيث استقروا معًا في ريجيوم. وبَقي آخَرون في جنوب إيطاليا، وكان من بين هؤلاء أرستايوس الكروتوني المعاصِر لفيثاغورس، والذي اختاره خَلفًا له على رأس الطائفة، وتُثبِت المصادر القديمة أنه تولَّى رعاية أبناء فيثاغورس كأنهم أبناؤه، وتزوَّج بزوجة فيثاغورس ثيانو، وبعد أن تُوفِّي القادة الذين حرَّضوا على الفتنة، وبعد أن أحسَّت المدينة بالأسى لِمَا حدث سابقًا، فقد قَبِل — على ما يبدو — أرستايوس دعوة المواطِنين أهل كروتون للعودة إلى مدينتهم وإعادة تأسيس طائفة فيثاغورية هناك.

وأرسَل شعب كروتون رُسلًا لتشجيع المَنفِيِّين، وتَعهَّدوا بأن يُقسِموا قَسَم التَّوبة والسِّلم في معبد دلفي، وعاد حوالي ستين شخصًا رجالًا ونساء، ولَقِي الفِيثاغورِيُّون العائدون ترحيبًا واسعًا من الجماهير التي احتشدَت وألزموا دُعاة الانشقاق والفتنة الصَّمت بأن أكَّدوا لهم أن نظام حُكم نينون انتهى.

ويمكن تَتبُّع خلفاء أرستايوس الَّذين تَولَّوا رئاسة المدرسة الفيثاغورية في كروتون على مدى أجيال عديدة، وجدير بالذِّكر أن هذه المدرسة لم يَذكُرها التاريخ في أواخر القرن الثالث ق.م. وأوَّل هؤلاء الخلفاء مينساركوس بن فيثاغورس، ثم بولاجوراس، وجارتيداس الكروتوني، وأريساس من لوكانيا، وديودوروس من أسبندوس، ولُوحِظ أن هؤلاء الرجال، مثلهم مثل تلاميذهم امتدَّت بهم الأعمار كثيرًا، ولكن ليغادروا أخيرًا الأبدان وكأنهم تحرَّروا من القيود.

خاتمة

على الرغم من أن المدرسة الفيثاغورية في كروتون لا يَذكُرها التاريخ في أواخر القرن الثالث ق.م.؛ فإن تعاليم فيثاغورس لم تَضِعْ تمامًا مثلها، مثال ذلك أن كتابات أفلاطون تأثَّرت كثيرًا بها خاصة مُحاوَرتَي طيماوس (Timaeus)، وفيدو (Phaedo)، واكتسَت صيغة الأفلاطونية الجديدة في القرن الثالث، ثم امتَزَجَت بعد ذلك بجوانب من المسيحية الأولى. ونفذَت الأفكار الفيثاغورية إلى التيار الرئيسي للفكر الغربي، وأسْهَمت في صَوغ ما يُوصَف بعبارة «الفكرة العظمى» (The Great Idea)، لثقافتنا.

ونحن لكي نُشخِّص معالِم هذه الفكرة ليس علينا سِوى أن نُلقِي نظرة إلى فيثاغورس نفسه، مثال ذلك أنه قد سادَ اقتراح يَرى أن للفكر الفيثاغوري جانبين؛ أحدهما صُوفي وديني، والآخَر عِلمي رياضي. بَيْدَ أنَّ هذين الجانبين تربطهما ببعضهما رؤية مُوحَّدة، وهذه الرؤية توجزها كلمة جامعة هي التَّناغُم، وسواء نَظرْنا إليها باعتبارها مَظهرًا للتوافق الأصيل في العدد والموسيقى، أو في الجمال والنظام الذي يَصوغ الكوزموس، أو الانسجام الشخصي الذي كان يُمثِّل الهدف النهائي للحياة الفيثاغورية، أو مُعايَشة ومُمارسة الصداقة/المحبة في العلاقات الاجتماعية، فإنَّنا نَجِد التَّناغُم «الهارمونيا» هي قَلْب تعاليم فيثاغورس الذي نراه سائدًا في كل جوانب حياته.

وجدير بالذِّكر أن مفهوم الكون المُتناغِم المُنظَّم وفقًا لسلسلة الوجود العظمى مُتَّصل المادة والبَدن والعقل والنفس والروح - تُمثِّل واحدة من الأفكار الرئيسية للفكر الغربي، ونَراها على سبيل المثال مُجسَّدة في أمثلة لا حصر لها من الكوزمولوجيا (الكون ونواميسه)، والأدب، والعمارة، واللاهوت، والفَن، ونراها كذلك في أعماق مؤسَّساتنا العلمية والتعليمية مثلمَا نَراها مُؤثِّرة بعمق في المُفكِّرين الغربيين ابتداءً من أكويناس وحتى كيبلر، ومن نيوتن وحتى أينشتين، ولنا أن نَتتبَّع جذور هذا كله وصولًا إلى تعاليم وتساؤلات فيثاغورس.

ونرى حسب هذه النظرة، أن حياته وأعماله يُؤثِّران فينَا حتى اليوم، ولكننا نَجِد كثيرين، وربما الغالبية من الناس، قد يتفقون معنا على أن فكرة التَّناغُم (الهارمونيا) قد تمَّت ترجمَتها ترجمة ناقصة في نطاق السلوك البشري. ولعل التَّحدِّي الذي يواجهنا في عصرنا هو أن نستعيد من جديد هذا الفهم الفيثاغوري لأنفسنا وللكوزموس، وطبيعي أن أي نجاح نُحقِّقه وصولًا إلى هذا الهدف سيكون مؤسَّسًا، في الجزء الأكبر منه، على الإنجازات الفَذَّة لفيلسوف بلدة ساموس.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤