القسم الرابع

القصائد الذهبية

القصائد الذهبية

تمهيد

تتألف القصائد الذهبية من واحد وسبعين بيتًا من الشِّعر اليوناني مكتوبة وفق الوزن الشعري عند هومير، وعند فلاسفة؛ مثل: أمبيدوقليس، وبارمينيدس، ويُمثِّل هذا النَّظم مُقدِّمة مُوجَزة للأسلوب الفيثاغوري في الحياة، ويرجع إيجاز الشِّعر إلى أسباب؛ منها: أن القصيدة تُشير إلى سُلطات مرجعية أخرى لمن شاء مزيدًا من المَعرِفة التفضيلية؛ مثال ذلك: القَسَم الفيثاغوري في البيت الثاني كمَا تُشير إلى أعمال تَحمِل اسم التطهُّر وخلاص النَّفس في الأبيات الختامية، وواضح أن القصيدة تَستهدِف قُرَّاء لديهم أُلفة سابقة بشخص فيثاغورس وتعاليمه.

ومع ذلك تُؤلِّف «القصائد الذهبية» مَصدرًا مُهمًّا لمعارفنا المعاصرة عن الفيثاغورية القديمة خاصَّة بعد فَقْد الأعمال الأخرى، وتُؤكِّد القصيدة في كل أبياتها على فضيلة يَقَظة الوعي؛ أي ضرورة أن يتأمَّل المرء أعماله قبل وفي أثناء وبعد أدائه لها. ويَتَّسق هذا مع نصيحة فيثاغورس بأن يَتعالَى المرء عن أحداث اليوم عندما يَحِل المساء، وقبل أن يأوِي إلى فِراشه، ويَتعيَّن عليه كذلك إيقاظ الذاكرة، واستعادة تَذكُّر أعمال الماضي بما في ذلك الحيوات الماضية. ومِن المفترَض أن مثل هذه العادة التي يتربَّي عليها العقل تَستقِر عن وعي مكافئ لوعى الأرباب. ليس فيثاغورس هو صاحب القصائد الذهبية؛ إذ يُشار إليه في منتصف القصيدة في عبارة ذلك الذي ائتَمَن روحنا على المُثلَّث العَشْري، ولكن صاحبها أحد الزُّعماء الذي تولَّى في مرحلة تالية رئاسة الطائفة الفيثاغورية ولم يَحفظ لنا التاريخ اسمه.

وثَمَّة خلاف أيضًا بشأن تاريخ القصائد. وشاع أن تاريخها يرجع إلى حوالي القرن الرابع ق.م. وطبيعي أن صعوبة تحديد تاريخها بِدقَّة شهادة على أنها تُبلِّغنا حقائق لا زمانية.

القصائد الذهبية

المَجد أولًا للأرباب الخالدِين، حسب المُقتضَى،
واحترام القَسَم.
والمَجد ثانيًا للأبطال المَغاوير المُبجَّلين ولأرواح الموتى
بأن نُقدِّم الأضحيات التقليدية.
المَجد لوالِدَيك ولأقربائك، أما عن الآخَرِين
فالوُدُّ والصداقة مع كل مَن تميَّز بالفضيلة.
لِتَكُن لَيِّنًا مع الكلمات الرقيقة والأفعال المفيدة، ولا تبغض
صديقك من أجل خطأ تافِه فالعفو عند المقدرة.
فالقدرة والضرورة صِنوان.
اعرف هذه الأمور، والْتزِم ضَبْط النَّفْس عند ممارَسة
الآتي: شهوة الطعام، وشهوة النَّوم، وشهوة الجِنس، والغضب.
لا تَفعلْ ما تَخجلُ منه في حياتك الخاصَّة أو مع آخَرِين.
احترِمْ نفسَك قَبْل كل شيء
التَزِم جانِب العدالة في القول وفي الفعل، واحذَرْ
عادة السلوك دون التفكير فيما أنت بصدده.
اعرف أن الموت حقٌّ على الجميع، وأن الثروة
قد تكتسبها حينًا، وقد تَفقدها حينًا آخر.
وأيًّا كانت النوازل التي تَعيب أهل الثراء فهي ابتلاء إلَهِي.
وأيًّا كان قدْرُك تَحمَّلْه دون شكوى. ولكن حقَّك
أن تُحسِّنه قَدْر الاستطاعة. وتَذكَّر دائما:
القدَر لا يبتلي الأخيار بالكثير والكثير من الأحزان.
وَقائع كثيرة تُصيب البشر؛ وضِعافًا ونبلاء على السواء.
لا تدهش لذلك، ولا تَدَع النفس تضيق بها.
إذا قِيلَت لك كذبة ما استمع إليها بادِي البشاشة.
ولكن أيًّا كان ما أقوله لك دَعْنِي أُكمِل الحديث.
لا تَدَعْ أحدًا يُحرِّضك بكلمة أو بفعل على عمل أو قول
أيًّا كان ليس فيه خيرٌ لك.
تَدبَّر أمْرَك جيدًا قبْل الإقدام على الفعل لكي تنأى بنفسك على الحمق.
المأفون هو مَن يَتكلَّم ويفعل دون تَدبُّر أو تفكير.
افعل فقط ما لا تأسَف عليه فيما بعد.
تَجنَّبْ فِعْل أي شيء تجهله
ولكنْ تعلَّمْ ما هو ضروري.
هكذا تكون حياتُك أكثر إمتاعًا ورِضى.
حَرِيٌّ ألَّا تغفل العناية بصحة البدن،
وليكن طعامك وشرابك ورياضتك بَقدَر.
وأعْنِي بكلمة «بقدر» كل ما لا تأسف عليه فيما بعد.
مَارِس الحياة بأسلوب صافٍ نَقِي دون إسراف.
واحذر أي فِعْل يثير عليك الحسد.
لا تُبذِّر في الإنفاق فتكون مثل إنسان غير عابئ
بما هو خير وغَافِل عمَّا يصيبه من بؤس.
الوسطية هي الأفضل في كل الأحوال.
افعل ما لا يَضرُّك، وفَكِّر مَليًّا قبل الفعل.
لا تَدَعِ النَّوم يُغمِض عينيك المُتعبَتَين قبل أن
تُراجِع أحداث نهارك ثلاث مرَّات فيما أخطأتُ؟
ماذا أنجزتُ؟ فيمَ أخفقْتُ؟ وماذا كان ينبغي أن أفعل؟
انطَلِق من البداية وصولًا إلى النهاية.
وأَنِّبْ نفسَك على أخطائك. وانشرح صدرًا بأفعالك الخَيِّرة.
اجتهد لهذه الأفعال، مارِسها، فهذه هي الأفعال
التي ينبغي أن تنشدها؛ إنها ستضعك على طريق
الفضيلة الإلهية. نَعم، بفضل ذلك ائتَمَن رُوحنا
على المُثلَّث العَشْري، نَبْع الطبيعة الفياضة دومًا.
صَلِّ للأرباب سائلًا النجاح ثم ابدأ العمل.
تَشبَّثْ بكل هذه الأمور، ستعرف عالَم الأرباب
وأهل الفناء، العالَم الذي ينفذ إلى ويتحكَّم في كل شيء.
وسوف تعرف أيضًا، عن حق، طبيعة مُماثِلة
من كل الوجوه، وهكذا لن تُراودك آمال غير معقولة،
ولا غافلًا عن أي شيء.
ستعرف أن أهل البُؤس هم عِلَّة المعاناة،
مَن لا يَرَون ولا يسمعون الخير القريب منهم.
وقليلون هُم مَن يعرفون كيف يَكفُلون الخلاص
من مشكلاتهم. هذا هو المصير الذي يُؤرِّق عقولهم.
إنهم أشْبَهُ بالحصى تتقاذفهم الريح من مكان إلى آخَر
وهُم في قَلَق متواصِل.
أبانَا زيوس، يا مَن بالحقيقة ستحرر كَلامَنا من
الكثير من الشرور إذا ما كشفْتَ لهم المصير المرسوم.
تَشجَّع؛ لأن البشر من نَسْل الأرباب
والطبيعة تَكشِف لهم بسخاء كل ما هو مُقدَّس.
وإذا حرصتَ على الالتزام بكل ذلك سوف ينصلح أمْرُك
إذا ما تَشبَّثْتَ بما آمرك به وتخلص روحك
من هذه المشكلات.
التزِم وامتنِع عن الأطعمة التي ذكرناها في
كتابَي «التطهر»، و«إخلاص الروح»، وحكِّم العقل
في كل الأمور، فالعقل هاديك وله السيادة.
وحين تُخَلِّف البَدَن وراءك وتُحلِّق في الهواء الحُر
ستكون خالدًا، رَبًّا لا يموت، ولم تَعُد من أهل الفناء.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤